المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع الذنوب



ماكـولا
09-26-2009, 09:09 AM
الذنوب هي كما جاء عن النواس بن سمعان الأنصاري قال
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم
فقال البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" مسلم

قلت ومنه قوله تعالى
"ومن يفعل ذلك يلق أثاما" الفرقان 68


قال ابن المنظور"
الذَّنْبُ الإِثْمُ والجُرْمُ والمعصية والجمعُ ذُنوبٌ
فَلَوْ نُبِشَ المَقابِرُ عن كُلَيْبٍ ... فتُخْبِرَ بالذَّنائِبِ أَيَّ زِيرِ"


عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال" بخاري وغيره

ضلع الدين ( ثقله وشدته على المدين)
غلبة الرجال( أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا)


يقول ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي:
فصل ومن عقوبتها أنها تضعف سير القلب الى الله والدار الآخرة أو تعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطوا الى الله خطوة هذا إن لم ترده عن وجهته الى ورائه فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب والقلب انما يسير الى الله بقوته فاذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره فان زالت بالكلية إنقطع عن الله إنقطاعا يبعد تداركه والله المستعان


فالذنب أما يميت القلب أو يمرضه مرضا مخوفا أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه الى الاشياء الثمانية التي إستعاذ منها النبي

وهي الهم والحزن والكسل والعجز والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجل وكل اثنين منها قرينان

فالهم والحزن قرينان فان المكروه والوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه احدث الهم وإن كان من أمر ماض قد وقع احدث الحزن

والعجز والكسل قرينان فان تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح ان كان لعدم قدرته فهو العجز وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل

والجبن والبخل قرينان فان عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن وان كان بماله فهو البخل

وضلع الدين وقهر الرجال قرينان فان إستيلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال

والمقصود إن الذنوب من أقوى الاسباب الجالبة لهذه الثمانية كما إنها من أقوى الاسباب الجالبة لجهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء ومن أقوى الاسباب الجالبة لزوال نعم الله تعالي وتقدس وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه"


ويقول ايضا "وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وإعراضه عن الله والدار الآخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله بكل واد منه شعبة وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فانه يسومه سوء العذاب فكل من أحب شيئا غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل فاذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته والمتغيص والتنكيد عليه وأنواع المعارضات فاذا سلبه اشتد عذابه عليه فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار..."


لامحالة من وقوع الذنب منك...
نعم لا محالة فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" الترمذي وحسنه الالباني

وقال صلى الله عليه وسلم
"ما من عبد مؤمن إلا و له ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا إذا ذكر ذكر" صحيح الجامع 5735

قال المناوي:
"أي ممتحنا يمتحنه الله بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى والمفتن الممتحن الذي فتن كثيرا
( توابا نسيا إذا ذكر ذكر ) أي يتوب ثم ينسى فيعود ثم يتذكر فيتوب هكذا"


وعن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" مسلم


فمن وقع في شيء من هذا فليبادر بالتوبة وليحدث عمل صالح
يقول الله " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين "هود (114)


ومما يروى في هذا الصدد...
عن علقمة و الأسود عن عبد الله-ابن مسعود- قال : قال رجل : يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان فضممتها إلي وقبلتها وباشرتها وفعلت بها كل شيء إلا أني لم أجامعها فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله جلا وعلا : { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } قال : فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه فقال عمر : يا رسول الله أله خاصة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل للناس كافة" رواه ابن حبان وحسنه الارناؤوط واصله في الصحيحين


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم قال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" احمد وحسنه الارناؤوط


الحكمة من الذنوب..

قال ابن رجب في لطائف المعارف" والمراد من هذا ان لله تعالى حكمة في إلقاء الغفلة على قلوب عباده احيانا حتى يقع منهم بعض الذنوب فإنه لو استمرت لهم اليقظة التي يكونون عليها وفي حال سماع الذكر لما وقع منهم ذنب وفي إيقاعهم الذنوب احيانا فائدتان:

احدهما: اعتراف المذنبين بذنوبهم وتقصيرهم في حق مولاهم وتنكيس رؤوس عجبهم وهذا احب الى الله من فعل كثير من الطاعات فإن دوام الطاعات قد توجب لصاحبها العجب...

قلت : قال ابن القيم : لأن أبيت نائما واستيقظ نادما احب الي من ان تبيت قائما وتصبح معجبا!

الفائدة الثانية: حصول المغفرة والعفو من الله تعالى لعبده فإن الله تعالى يحب ان بعفو ويغفر ومن اسمائه الغفار والعفو والتواب فلو عصم الخلق فلمن كان العفو والمغفرة"

قصده ان الله خلق الخلق وهو اعلم بهم وما ينقصهم وما يلحقهم فلو شاء لجمعهم على طاعته ثم ان الله عز وجل رحمته وسعت كل شيء وهو الغفور الودود فيحب من عباده ان يتقربوا اليه بالطاعات وان تنكسر القلوب له وان تذرف الدموع تترا لما فرطت في جنب الله

وان يسألوه حاجتهم ويلحوا في المسألة وان يبينوا نقصهم وعجزهم لمن كمل وقدر ويدعوه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا
فمن وقع في فقر دعاه بالغني ومن وقع بالضعف ناداه يا قوي
ومن وقع في سرادق الظلمات ناداه يا عليم يا خبير
ومن وقع في وحل الذنوب ناداه يا تواب يا رحيم...
سبحانه من مليك مقتدر