المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتباع المتشابهات والعناية بها والجدال فيها ليس من صفة أهل التسليم ..



مالك مناع
10-06-2009, 09:17 AM
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه على كتاب أصول الإيمان عند حديث:

(عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم»):

اتباع المتشابه مذموم في العلم، فطالب العلم إذا تعلم وأراد أن يُقبل وأن ينفعه الله بالعلم يقبل على المحكمات ويترك الإشكالات، الإشكالات والشبه وما يرد على المسائل لا يتتبع ذلك لأن تتبعه لذلك قد يفضي به إلى الزيغ والعياذ بالله؛ لأنه لم يتصور العلم حتى يجيب عن تلك الإشكالات والشبه ومن قوة الإدراك والعقل ما يجيب عنها أيضاً، فالواجب عليه أن يؤمن بالجميع ويقول: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا‏‏﴾‏[آل عمران:من الآية7] ثم يقبل على المحكم فيتعلم المحكم بدليله يعني الذي دلالته واضحة غير محتملة أو ما لا يشتبه عليه بفهم عالم مأمون يأمنه على دينه وعلمه.

والله جل وعلا ذكر أن القرآن منه متشابه ومنه محكم فقال سبحانه: ‏﴿‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾‏[آل عمران:من الآية7]، وهذه الآية من أعظم ما يحذر به الله جل وعلا من اتباع المتشابه؛ لأنه جعل اتباع المتشابه صفة للذين في قلوبهم زيغ؛ بل جعل الزيغ سابقاً للاستدلال واتباع المتشابه فقال سبحانه: ‏﴿‏فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ‏‏﴾‏ فجعل وجود الزيغ أولاً واتباع المتشابه ثانياً، فاتباع المشابهات والعناية بها والجدال فيها هذا ليس من صفة أهل التسليم وليس من صفة المتبعين للمحكم الذين يقولون كل من عند ربنا الذين هم الراسخون في العلم ومن اقتدى بهم.

فإذن الواجب على طالب العلم في أول طلبه للعلم؛ بل في مسيره في طلب العلم في عمره كله أن يعتني بالمحكمات، ولا بد أن ترد عليه متشابهات عليه ومشتبهات عليه فيرد ذلك إلى المحكم فإن علِم وإلا قال آمنا به كل من عند ربنا.

وأما الذين يتبعون المتشابه ويتركون المحكمات فأولئك الذين في قلوبهم زيغ، يترك الواضح ويبدأ يورد أدلة، والله جل وعلا جعل من القرآن ما هو متشابه، فالقرآن لا يخلو من دليل حتى في مسائل العقيدة لا يخلو من دليل استدل به المخالفون للحق، فالنصارى استدلوا على بقائهم على نصرانيتهم وعلى دينهم؛ بل على ملتهم استدلوا بالقرآن فقالوا: إن الله جل وعلا أثنى علينا بقوله جل وعلا: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ‏‏﴾‏[المائدة:82-83]، فيقولون: أثنى عليهم بأنهم يعرفون الحق وأن أعينهم تدمع وذكر الله أنه الله غفر لهم وأنهم مؤمنون إلى آخره.

ويقولون: بأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب بقوله ‏﴿‏وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ‏‏﴾[الزخرف:من الآية44] وبقوله: ‏﴿‏وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏‏﴾‏[الشعراء:214].

واستدل الخوارج بمتشابهات من القرآن على أن مرتكب الكبيرة يخلد في النار بقوله: ‏﴿‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا‏‏﴾‏[النساء:من الآية93]، فذكر أن القتل يخلد في النار.

واستدل المعتزلة على قولهم: إن الله جل وعلا لا يرى في الآخرة بقوله: ‏﴿‏قَالَ لَنْ تَرَانِي‏‏﴾‏[الأعراف:من الآية143] وبقوله: ‏﴿‏لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ‏‏﴾‏[الأنعام:من الآية:103].

وكذلك استدل أهل الفجور الذي يشربون الخمر بأن الله جل وعلا ما حرم الخمر وإنما رغب في الانتهاء عنها فقال جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏‏﴾‏[المائدة:90]. ما قطع فيها بتحريم، إلى آخره في مسائل كثيرة جداً يستدل بها أهل الزيغ ببعض القرآن.

كذلك السنة منها متشابه أيضاً استدل به من استدل على نحلته وعلى طريقته.
وكذلك أقوال الصحابة وأفعال الصحابة منها متشابه.
وكذلك أفعال التابعين وأقوال التابعين منها متشابه.
وكذلك أقوال العلماء سواء في كتبهم أو فيما نقل عنهم منها محكمات ومنها متشابهات.
بل وجود المتشابه في القرآن أقل من وجوده في السنة، ووجوده في كلام السلف وفي أعمال السلف أكثر، ووجوده في كلام أهل العلم في الكتب أكثر وأكثر.

فإذن إذا صار المرء له شيء ونظر ثم بحث ذهب يجمع يتبع المتشابه ليدلل على نحلته أو طريقته هذه سمة أهل الزيغ، أما سمة أهل الحق فإنهم يقبلون على الكتاب والسنة متخلِّين عن آراءهم واعتقادهم فيقبلون ما جاء في الكتاب والسنة وما أجمع عليه السلف وما قرره الأئمة من المعتقدات، أما يأتي بشيء جديد بتقرير مسائل لا بد تجد من كلام العلماء من يقول كذا إما مجملاً أو مطلقاً وإما رأي أخطأ فيه فليست العبرة جمع النقول وليست لعبرة بجمع أدلة، وإنما العبرة أن تكون الأدلة راجحة أن تكون الأدلة محكمة في دلالتها وأن تكون أيضاً ثابتة إذا كانت من السنة.

فإذن العبرة ليست من الاستدلال، وكل صاحب زيغ استدل من وقت الخوارج إلى يومنا هذا واتبع دليلاً وظاهر الآية يدل على ذلك ‏﴿‏فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ‏‏﴾‏ يتبعون ولا يأتون بشيء من عندهم، يتبعون ما تشابه منه؛ لكنهم تركوا المحكم فاستحقوا الذنب، ولماذا تركوا المحكم؟ لأن في قلوبهم زيغاً فتركوا المحكم واتبعوا ما تشابه منه، يستدلون بالمتشابه على زيغهم، وهذا أمر عظيم، واليوم نرى فيما أُلِّف من كتب معاصرة في مسائل تخالف ما قرره أئمة أهل السنة وما عليه الجماعة –قبل أن تفسد الجماعة– وما عليه أئمة الحديث وأهل الحق والذين أخذوا بالمحكم وردوا المتشابه إلى المحكم اليوم يوجد كتب كثيرة ورسائل ونُبذ ومطبوعات كلها فيها أدلة وكلها فيها نُقول، فليست العبرة بالنقول وليست العبرة بوجود نوع استدلال ولكن العبرة بموافقة المرء طالب العلم طالب النجاة في أصول إيمانه وفي العقيدة والتوحيد، موافقته للجماعة موافقته الأئمة الذين عُرف علمهم وسلامة طريقتهم وعرف اتباعهم لكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف الصالح.

هذه مسألة مهمة جداً ولا تَغِبْ عن بالك ولو لم تكن في حياتك إلا هذه الوصية فهي وصية عظيمة لنفسي ولكم، فليست العبرة بالمؤلفات بالكتب وإنما العبرة بملازمة الطريق الأولى قبل أن تفسد الطرق، كثرة الطرق وكثرة المؤلفات ما تصد الواحد هذه تعتبرها من المتشابهات إذا صارت ما عليه أهل الحق والجماعة.الآن كل يقرأ وكل يبحث فيذهب ويقول: قال فلان كذا وقال فلان كذا، ليست هذه بالوجهة الصحيحة، أحياناً يأتي متشابه من كلام أهل العلم فيتوقف المرء فيه، أما الذي يقول قال فلان كذا ويستدل به ونترك المحكمات ونترك الأصول من أجل قول لابن تيمية – مثلاً – في المسألة الذي أصاب رحمه الله في جل أقواله، أو قول للإمام أحمد ونترك به المحكمات ليس صحيحاً، أو قول للإمام مالك ونترك به المحكمات ليس صحيحاً، فكيف بمن دونهم من فلان وفلان من الناس.

فإذن تنتبه لهذا التأصيل وهو أن الله جل وعلا لما جعل كتابه فيه محكم ومتشابه وجب على طالب العلم والراسخ في العلم أن يردَّ المتشابه إلى المحكم، اشتبه عليك شيء تأخذ بالأصول العامة بالقواعد التي عليها الأدلة الكبيرة، وهذا خاصة في المسائل التوحيد والعقيدة والأصول.

أما مسائل الفقه فهي قابلة للأخذ والخلاف إذا كان الخلاف سائغاً أو له مأخذ من الدليل.

أما الأخبار والعقائد فهذه الحق فيها واحد لكن ليس ثَم إلا سنة وبدعة، وليس ثم إلا هدى وضلال. ما فيه غير ذلك، وجود المتشابه لا يعني صواب من اتبع المتشابه، الله جل وعلا سمّى من اتبع المتشابه أنه زيغ، ويقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في الحديث الذي بين يديك (إذا رأيتم الذين يتبعون) لاحظ كلمة يتبعون (يتبعون ما تشابه منه) هم اتبعوا دليلاً، (فأولئك الذين سمى الله) يعني بأنهم أهل زيغ. (فاحذروهم.) هم لا يأتون بشيء بدون اتباع، يتبعون عقلاً أو دليلاً؟ يتبعون دليلا؛ لكن هذا الدليل متشابه وليس محكماً.

كيف تعرف المتشابه والمحكم؟

المتشابه هو: الذي خالفته الأدلة الكثيرة، خالفته القواعد، لم تأخذ به الجماعة، لم يأخذ به الأئمة وإنما وجهوه وبينوا معناه، مثل: ‏﴿‏فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏‏﴾‏[المائدة:من الآية90]، بينته السنة، ومثل: ‏﴿‏وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ‏‏﴾‏[الزخرف:من الآية44]، هذا بينته آية أخرى في ذلك، ومثل: ‏﴿‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا‏‏﴾‏[النساء: من الآية93]، خلود: مكث طويل ليس أبدياً ليس مساوياً لخلود الكفار لأن الأدلة الكثيرة المتوافرة «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»، فكل أهل التوحيد يدخلون الجنة برحمة الله جل وعلا، هذه أدلة كثيرة لا نستطيع أن نترك الأدلة الكثيرة لأجل دليل واحد يوجه، ولكن نصرف المتشابه، يعني: الذي اشتبهت دلالته فيها إشكال إلى الواضحات الكثيرة من الأدلة.

كذلك كلام العلماء نصرف بعضه إلى بعض ويتّضح بعضه من بعض. نقف عند هذا.

... ذكرنا لكم في عدة مواضع في شرح الواسطية والطحاوية: أن المتشابه المطلق لا وجود له؛ يعني لا يوجد في القرآن والسنة آية أو حديث لا يعلم أحد من الأمة توجيهها أو معناها -متشابه مطلق– هذا لا يوجد وإنما يوجد متشابه نسبي إضافي اشتبه مثلاً على ابن عباس رضي الله عنهما أو اشتبه على عمر معناه، لكن يوجد من الصحابة من يعلم المعنى.

كلمة (الأب) اشتبهت على أبي بكر رضي الله عنهما وهو الصديق لكن علمها غيره.
وكذلك (التخوف) اشتبه على عمر رضي الله عنه لكن علمها غيره. وهكذا في غيرها.

آية اشتبهت عليه لكن يوجد من أهل الزمان من يعلم معناها وتوجيهها فقد يكون العالم لا يعرف فتأتي إلى عالم فتحاجه بمتشابه، فتسأله عن جوابه فلا يعلم جوابه، هل معنى ذلك أن الذي عليه ليس حقاً؟ ليس كذلك؛ لأن المتشابه نسبي، يوجد من أهل العلم من يجيب لكن كونه اشتبه المعنى على عالم فردك إلى المحكم وقال: هذه ما أدري وجهتها لا يعني أنه يتمسك بالمتشابه لكن الراسخ في العلم يقول: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا‏‏﴾‏[آل عمران:من الآية7]، فكل راسخ في العلم إذا اشتبه عليه شيء يقول ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا‏‏﴾، والله جل وعلا ابتلى الناس بهذا.

فإذاً: المتشابه المطلق – على الصحيح – لا وجود له، إنما يوجد متشابه نسبي إضافي يشتبه على فلان دون فلان ولا يخلو عصر من قائم لله بحجة.

... ولا بد أن يوجد في زمان من يعلم وهذا ما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» (ظاهرين على الحق) يعني أنهم يعلمون الحق. (طائفة) يصدق على شيء واحد، لا بد من وجود من يظهر على الحق وهو الذي يسميه الأصوليون: (القائم لله بالحج) وهذا تعبير أصولي، ولا يخلو عصر من قائم لله بحجة، ليس في بلد دون بلد ولكن في الأرض في عصر من الأعصار قد تعلمه وقد لا تعلمه وقد تصل إليه وقد لا تصل إليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

اخت مسلمة
10-06-2009, 10:58 PM
جزاك الله خيرا على هذه الكلام الثمين والنصائح الغالية
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه
وعلمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا انك ولي ذلك والقادر عليه

جزاك الله خيرا وبارك فيك
عودا حميدا اخي الفاضل
وارجو ان لاتحرمنا من ثمين مقالاتك

تحياتي للموحدين

تفاحة نيوتن
10-07-2009, 07:46 AM
من يتبع الشبهات هوا من يهرب من دينه تدريجيا

جزاكـ الله خيرا على روعة الموضوع

مالك مناع
10-18-2009, 09:47 AM
جزاكم الله خيراً .. نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علماً ..