المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قل لو كان معه آلهة كما يقولون ...



ماكـولا
10-07-2009, 02:45 PM
يقول الله "وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورً قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا " الاسراء (41-43)



قال السعدي " يخبر تعالى أنه صرف لعباده في هذا القرآن أي: نوع الأحكام ووضحها وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه وما يضرهم فيدعوه.
ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ولا ألقوا لها بالا.
ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضده وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا.
ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا "

قال الطبري " قول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر: لو كان الأمر كما تقولون: من أن معه آلهة، وليس ذلك كما تقولون، إذن لابتغت تلك الآلهة القُربة من الله ذي العرش العظيم، والتمست الزُّلْفة إليه، والمرتبة منه.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا ) يقول: لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم، فابتغوا ما يقرّبهم إليه."

قال ابن كثير " يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه، العابدين معه غيره ليقربهم إليه زلفى: لو كان الأمر كما تقولون، وأن معه آلهة تعبد لتقرب إليه وتشفع لديه -لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه، فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه، بل يكرهه ويأباه. وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه.
ثم نزه نفسه الكريمة وقدّسها فقال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ } أي: هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى { عُلُوًّا كَبِيرًا } أي: تعاليًا كبيرا، بل هو الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُوًا أحد."


قال الزمخشري في الكشاف " ومعنى { لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً } لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلاً بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض ، كقوله { لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] وقيل : لتقرّبوا إليه ، كقوله { أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة } [ الإسراء : 57 ] . { عَلَوْاْ } في معنى تعالياً . والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة . ومعنى وصف العلوّ بالكبر : المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به ."


وذكر الشوكاني اثرا " وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } قال : على أن يزيلوا ملكه"


قال الشنقيطي في أضواء البيان " قرأ جمهور القراء «كما تقولون» بتاء الخطاب. وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم «كما يقولون» بياء الغيبة. وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير، كلاهما حق ويشهد له قرآن. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها وجهان كلاهما حق، وكلاهما يشهد له قرآن فنذكر الجميع لأنه كله حق.

الأول من الوجهين المذكورين: أن معنى الآية الكريمة: لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا ـ أي الآلهة المزعومة ـ أي لطلبوا إلى ذي العرش ـ أي إلى الله سبيلاً ـ أي إلى مغالبته وإزالة ملكه، لأنهم إذاً يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض. سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً!

وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي، وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة. ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[23/92،91]،وقوله: {لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[21/22]، وهذا المعنى في الآية مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبي علي الفارسي، والنقاش، وأبي منصور، وغيره من المتكلمين.

الوجه الثاني في معنى الآية الكريمة: أن المعنى {لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} أي: طريقاً ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله. ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ…}الآية[17/57]. ويروى هذا القول عن قتادة. واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره.

ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول، لأن في الآية فرض المحال، والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه، بل تنازعه لو كانت موجودة، ولكنها معدومة مستحيلة الوجود. والعلم عند الله تعالى "


وذكر ابن ابي العز في العقيدة الطحاوية " فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه فكذا تبطل إلهية اثنين فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الإلهية
وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره وهو أنه لو كان للعالم صانعان الخ وغفلوا عن مضمون الآية فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره ولم يقل أرباب
وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا

وأيضا فإنه قال : ( لفسدتا ) وهذا فساد بعد الوجود ولم يقل : لم يوجدا ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحد وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى وأن فساد السموات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة ومن كون الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله فإن قيامه إنما هو بالعدل وبه قامت السموات والارض
وأظلم الظلم على الاطلاق الشرك وأعدل العدل التوحيد

وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزا والعاجز لا يصلح أن يكون إلها قال تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } وقال تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } وقال تعالى : { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا }

وفيها للمتأخرين قولان : أحدهما : لا تخذوا سبيلا الى مغالبته والثاني وهو الصحيح المنقول عن السلف كقتادة وغيره وهو الذي ذكره ابن جرير ولم يذكر غيره - : لاتخذوا سبيلا بالتقرب اليه كقوله تعالى : { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } وذلك أنه قال : { لو كان معه آلهة كما يقولون } وهم لم يقولوا : إن العالم له صانعان بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء وقالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ..."