أبوتاشفين المغربي
10-08-2009, 04:27 AM
من أحزان الأندلس
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
و أخيرا فُكّ الحصار عن غرناطة, لكن أهلها ظلوا على وجومهم و زادت حيرتهم و اشتد خوفهم مما هو آت, فقد فُكّ الحصار لأن غرناطة بيعت و كان النصراني الكاثوليكي الحاقد هو من اشترى, فيا لها من صفقة خاسرة و تجارة بائرة.
لم يكن أبو عبد الله رحمه الله هو من باعها, بل و ليس عمه الزغل رحمه الله و لا حتى يحي النيار و لا ابن كماشة... فهؤلاء و إن ارتكبوا هفوات إلا أنهم في النهاية ليسوا سوى رجال كُتب عليهم العيش لحظة إتمام بيع و تحويل ملكية نوقشت تفاصيلها في أماكن أخرى و في عقود و قرون سابقة. كيف نتّهم أبا عبد الله رحمه الله بالخيانة و الجبن لأننا نراه السبب في ضياع 10 بالمئة من أراضي الأندلس و نسكت عمّن أضاع 90 بالمئة؛ نعم, فقد سقطت طليطلة, سرقسطة, بلنسية, إشبيلية, قرطبة, مرسية, الأشبونة...قبل سقوط غرناطة بقرون و قبل أن يولد أبو عبد الله الصغير, بل سقطت هذه الحواضر الكبرى و حال المغرب أقوى بكثير من الحال التي كان عليها عند سقوط غرناطة بنفس القدر الذي كان فيه حال العدو القشتالي ضعيفا, فمن المسؤول؟ طبعا ليس أبا عبد الله, فهو له نصيب من المسؤولية, لكن حتما ليس أكبر من نصيب من أضاع طليطلة, بلنسية و قرطبة...
عاشت مملكة غرناطة الصغيرة أكثر من قرنين و في شمالها, غربها و شرقها عدو قد أحاط بها و تربّص بها الدوائر, رغم ذلك عاشت المملكة المسلمة و قاومت تحرشات النصارى القشتاليين مستجيرة كلّما أحست بدنو الأجل بأهل المغرب, لكن مدد أهل العدوة انحصر بسقوط الجزيرة الخضراء و طريف بيد النصارى, ففُصل المغرب عن أندلسه و الأندلس عن مغربه لأول مرّة منذ الفتح الإسلامي؛ فبقيت غرناطة تنتظر مصيرها, لكنها ظلت تقاوم مقاومة العين للمخرز. و بينما كان الأعداء يتوحدون باندماج مملكتي قشتالة و أراغون, انقطع مدد المغاربة و حدثت الفرقة بين الأندلسيين. فكان كل شيء يوحي بأن مسلسل تساقط حواضر الإسلام بيد النصارى قد شارف على النهاية. فجاء نبأ سقوط وادي آش, ثم مالقة و هاهي غرناطة تُحاصر, ثم هاهي تستسلم بل ها هو الصليب يعلو فوق برج قمارش معلنا سقوط دولة الإسلام بالأندلس.
فجأة وجد المسلمون أنفسهم بلا دولة و لا أمير, و من فوقهم النصارى يحكمونهم و يسيرون شؤونهم. و لم تستطع معاهدة تسليم غرناطة رغم وعودها المعسولة إزالة الوجوم و الحيرة, و تبديد الخوف و الرعب من المستقبل. و لأنه لا حياة مع الحيات في سفط, سارع الأعيان و الفقهاء و العامة بالهجرة نحو المغرب فرارا بدينهم الذي تعهد ''الذئب'' القشتالي بحراسته و حمايته في غياب الراعي ''المسلم'' الذي مال إلى الدعة وراء البحر يبني سلطانه و عزه. و أثبت التاريخ مرّة أخرى خيانة الذئب (و كما يقول المثل المغربي : عمّر الذيب ما ينسى نفسه ذيب) الذي سرعان ما كشّر عن أنيابه. لتبدأ أكبر مأساة في تاريخ الإسلام, لمّا ارتدى ملايين المسلمين ثياب الذل و الهوان, و أُجبروا على اعتناق دين الصلبان الذي لو رأى راية التوحيد لفرّ مذموما و هو مُهان, فأصبح محمد يُدعى خوان, و غدا عمر إستبان, و مريم ماريان , و صارت المساجد كنائس معمورة بالرهبان, و غاب عن تلك البقاع نداء الأذان؛ و أُلقي مَن عبدَ الله سرا في النيران و عُذِِّب من أقرّ أنه إله واحد ليس اثنان؛ أما من نظف جسمه فهو في نظرهم مهرطق خسران, و من صام رمضان عوقب لارتكابه كبير إثم و بهتان فإلى الله المشتكى و عليه الثكلان.
فتنة لم يشهد لها التاريخ الإسلامي مثيلا: شعب بأكمله سُرقت هويته الإسلامية و ذاق جميع أنواع الذل و الهوان من تنصير و استرقاق و تقتيل و تعذيب و طرد و تشتيت. لقد سقطت بغداد بيد التتر, لكن الإسلام ظل عزيزا بها. بل و سقطت جل البلدان الإسلامية بيد الاستعمار الأوربي لكن لم يزد إسلامها إلا قوة و منعة.
فلتشدو البلابل وحدها اليوم, و لتغن ما شاءت فليس يسلو بها حزن الأندلس على إسلامها, مساجدها, رجالها, عِلمها, تسامحها و عمرانها. و لتردد العنادل ما شاءت من أشعار ابن زيدون و ابن عبدون و ابن عباد و أبي البقاء فليست سلوانا تسهّل مصيبة أنست ما تقدمها و ما لها مع طول الدهر نسيان.
مهلا فإني أرى الأندلس اليوم و قد ازداد حزنها و اكفهرّ وجهها, بل إنها تبكي و تذرف واديها الكبير دمعا. فما الذي أبكاها و زاد أساها؟
إنها رأت أختا لها في الشام تقاسي ظلم من آوته يوما, رأت أختها فلسطين المغتصبة تضم القدس و تصرخ واااااااااااااااااااا أقصاه.
كتبه أبو تاشفين هشام بن محمد زليم المغربي.
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
و أخيرا فُكّ الحصار عن غرناطة, لكن أهلها ظلوا على وجومهم و زادت حيرتهم و اشتد خوفهم مما هو آت, فقد فُكّ الحصار لأن غرناطة بيعت و كان النصراني الكاثوليكي الحاقد هو من اشترى, فيا لها من صفقة خاسرة و تجارة بائرة.
لم يكن أبو عبد الله رحمه الله هو من باعها, بل و ليس عمه الزغل رحمه الله و لا حتى يحي النيار و لا ابن كماشة... فهؤلاء و إن ارتكبوا هفوات إلا أنهم في النهاية ليسوا سوى رجال كُتب عليهم العيش لحظة إتمام بيع و تحويل ملكية نوقشت تفاصيلها في أماكن أخرى و في عقود و قرون سابقة. كيف نتّهم أبا عبد الله رحمه الله بالخيانة و الجبن لأننا نراه السبب في ضياع 10 بالمئة من أراضي الأندلس و نسكت عمّن أضاع 90 بالمئة؛ نعم, فقد سقطت طليطلة, سرقسطة, بلنسية, إشبيلية, قرطبة, مرسية, الأشبونة...قبل سقوط غرناطة بقرون و قبل أن يولد أبو عبد الله الصغير, بل سقطت هذه الحواضر الكبرى و حال المغرب أقوى بكثير من الحال التي كان عليها عند سقوط غرناطة بنفس القدر الذي كان فيه حال العدو القشتالي ضعيفا, فمن المسؤول؟ طبعا ليس أبا عبد الله, فهو له نصيب من المسؤولية, لكن حتما ليس أكبر من نصيب من أضاع طليطلة, بلنسية و قرطبة...
عاشت مملكة غرناطة الصغيرة أكثر من قرنين و في شمالها, غربها و شرقها عدو قد أحاط بها و تربّص بها الدوائر, رغم ذلك عاشت المملكة المسلمة و قاومت تحرشات النصارى القشتاليين مستجيرة كلّما أحست بدنو الأجل بأهل المغرب, لكن مدد أهل العدوة انحصر بسقوط الجزيرة الخضراء و طريف بيد النصارى, ففُصل المغرب عن أندلسه و الأندلس عن مغربه لأول مرّة منذ الفتح الإسلامي؛ فبقيت غرناطة تنتظر مصيرها, لكنها ظلت تقاوم مقاومة العين للمخرز. و بينما كان الأعداء يتوحدون باندماج مملكتي قشتالة و أراغون, انقطع مدد المغاربة و حدثت الفرقة بين الأندلسيين. فكان كل شيء يوحي بأن مسلسل تساقط حواضر الإسلام بيد النصارى قد شارف على النهاية. فجاء نبأ سقوط وادي آش, ثم مالقة و هاهي غرناطة تُحاصر, ثم هاهي تستسلم بل ها هو الصليب يعلو فوق برج قمارش معلنا سقوط دولة الإسلام بالأندلس.
فجأة وجد المسلمون أنفسهم بلا دولة و لا أمير, و من فوقهم النصارى يحكمونهم و يسيرون شؤونهم. و لم تستطع معاهدة تسليم غرناطة رغم وعودها المعسولة إزالة الوجوم و الحيرة, و تبديد الخوف و الرعب من المستقبل. و لأنه لا حياة مع الحيات في سفط, سارع الأعيان و الفقهاء و العامة بالهجرة نحو المغرب فرارا بدينهم الذي تعهد ''الذئب'' القشتالي بحراسته و حمايته في غياب الراعي ''المسلم'' الذي مال إلى الدعة وراء البحر يبني سلطانه و عزه. و أثبت التاريخ مرّة أخرى خيانة الذئب (و كما يقول المثل المغربي : عمّر الذيب ما ينسى نفسه ذيب) الذي سرعان ما كشّر عن أنيابه. لتبدأ أكبر مأساة في تاريخ الإسلام, لمّا ارتدى ملايين المسلمين ثياب الذل و الهوان, و أُجبروا على اعتناق دين الصلبان الذي لو رأى راية التوحيد لفرّ مذموما و هو مُهان, فأصبح محمد يُدعى خوان, و غدا عمر إستبان, و مريم ماريان , و صارت المساجد كنائس معمورة بالرهبان, و غاب عن تلك البقاع نداء الأذان؛ و أُلقي مَن عبدَ الله سرا في النيران و عُذِِّب من أقرّ أنه إله واحد ليس اثنان؛ أما من نظف جسمه فهو في نظرهم مهرطق خسران, و من صام رمضان عوقب لارتكابه كبير إثم و بهتان فإلى الله المشتكى و عليه الثكلان.
فتنة لم يشهد لها التاريخ الإسلامي مثيلا: شعب بأكمله سُرقت هويته الإسلامية و ذاق جميع أنواع الذل و الهوان من تنصير و استرقاق و تقتيل و تعذيب و طرد و تشتيت. لقد سقطت بغداد بيد التتر, لكن الإسلام ظل عزيزا بها. بل و سقطت جل البلدان الإسلامية بيد الاستعمار الأوربي لكن لم يزد إسلامها إلا قوة و منعة.
فلتشدو البلابل وحدها اليوم, و لتغن ما شاءت فليس يسلو بها حزن الأندلس على إسلامها, مساجدها, رجالها, عِلمها, تسامحها و عمرانها. و لتردد العنادل ما شاءت من أشعار ابن زيدون و ابن عبدون و ابن عباد و أبي البقاء فليست سلوانا تسهّل مصيبة أنست ما تقدمها و ما لها مع طول الدهر نسيان.
مهلا فإني أرى الأندلس اليوم و قد ازداد حزنها و اكفهرّ وجهها, بل إنها تبكي و تذرف واديها الكبير دمعا. فما الذي أبكاها و زاد أساها؟
إنها رأت أختا لها في الشام تقاسي ظلم من آوته يوما, رأت أختها فلسطين المغتصبة تضم القدس و تصرخ واااااااااااااااااااا أقصاه.
كتبه أبو تاشفين هشام بن محمد زليم المغربي.