الشيخ عبدالرحمن عيسى
10-16-2009, 07:19 PM
وهذا
ذكر مبارَك
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى
حلب
1430هـ - 2009 م
بسم الله الرحمن الرحيم
وهذا ذكر مبارَك
مقدمة :
حينما ذكر الله المسجد الأقصى , وصفه بأنه : (باركنا حوله ).
وحينما ذكر البيت العتيق , وصفه بأنه : (للَذي ببكَّة مبارَكاً) .
وقد ورد في القرآن المجيد, أن الله سبحانه وتعالى, بارك في الأرض والسماء , والأماكن والأشخاص ,
والماء والأشجار , كما بارك القرآنَ نفسه , أي جعله مستقَراً ومستودَعاً لأعظم البركات , الخيّرات النيّرات , في دنيانا هذه , وفي الحياة الآخرة , وفي الجنة أيضاً ..
حيث يقال : (اِقرأ وارْق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا ..) .
وهذا بحث حثيث ,عن الذكر المبارَك : القرآن المجيد , وما أفاضه ويفيضه على الأكوان والألوان , من صنوف الخير العميم , والسكينة والتطمين , وحق اليقين ..
ومن خلال الذكر المبارَك , أَقرأ واقع هذا العالًم المنْهك والمرهَق , والمكبَّل بأغلال المظالم الفادحة , والتجاوزات الطاغية , والسياسات المدمرة للحضارة , والمفجِّرة لبحر الدموع والدماء , وتناثر الجثث والأشلاء ..
إذ ما الفائدة من توصيف الدواء , إذا لم يسبقه تشخيص صحيح لحالة المرض والداء ؟!.
فالوصفات الجاهزة , لا تغني من الحق شيئا ..
وهذا ما يتم التركيز عليه , من جراء كتاباتي , كما يبدو للقارئ والمتذكر , وإذا لم يكن أعداء مقاتلون , فلا معنىً للجهاد يُذكر !.
كما يلاحظ أنني لا أفسر القرآن , ولا أزعم ذلك , بل كل ما في الأمر , هو أن أتمكن من أن آتيَ قومي وأمتي , بقـبَس أو جَذْوة من كتاب الله , لعلهم يستضيئون ويهتدون ..
والله من وراء القصد , وإليه المرجع والمآب ..
عبد الرحمن
الذِّكر المبارَك
التوصيف والبحث :
يقول الله تبارك و تعالى ,في محكم القرآن المجيد : (وهذا ذِكر مبارَك أنزلناه أفأنتم له منكِرون) .الأنبياء50
فالقرآن من حيث هو ذِكر إلهي مبارَك , كان - و لم يزل – موئل البشر جميعاً , ومرجعَهم الذي إليه يصيرون , وتذكرتَهم التي بها يتذكرون , كلما أطبقت عليهم الغفلات , و جحافل النسيان , بأوزارها المهينة , وأوضارها المسيئة , وضغوطها الهائلة , و علاقاتها المتقطعة , تماماً مثلما هو عليه واقع البشر اليوم , في أصقاع المسكونة , من غيبوبة روحية , وإلحادات فكرية , وشرود نفسي , و ضلال عقلي , وانحلال في الأخلاق و السلوكيات و الإجتماعيات ..
أي إن القرآن بآياته و عجائبه , مصدر تذكر وذكرى , وذكرى تنفع المؤمنين , وتعصم من النسيان , الذي هو من الشيطان , وتورث في القلوب : يقظة وانتباهاً , و حفظاً دائما لمورثات الموعظة و الاعتبار والادّكـار ..
فصيرورة البشر إلى فحوى القرآن المجيد , وإلى صيغته النبوية : الإسلامِ العظيم , أمر لا مفر منه , و لا حيْدة عنه , في هذه الأخريات من الزمن الرديئ , والانهيار الفاضح , والتداعي و السقوط , في حمْأة الموبقات , التي ترتجُّ لها السموات ..
ليجدوا القرآن : برداً وسلاماً حقيقياً , وليذكروا ما قد فاتهم من وعيهم , وليتداركوا توبتهم و عودتهم , والعوْد أحمد , وليؤكدوا من جديد , على ما ضاع من هُويتهم وإنسانيتهم ..
وهذا هو مقتضى ومضمون الذكر الإلهي المبارك, الذي هو القرآن : دستور الهدى والعدل و الحق , وميزان الاعتدال و التوازن , ومعيارُ كل شأن يُذكِّر بالله , وناموس كل تذكرة وذكرى , مفيدةٍ ونافعةٍ , في غمار هذه الدنيا المتصلبة والمتقلبة , التي يأبى الناس من خلالها , إلا أن يكونوا مستجيبين لدواعي الظلم والكفر , و المكر والغدر , والانتهازية والوصولية , والنفاق المكشوف , والرياء الظاهر , إلى جانب انتهاج سبيل الأوطار والمصالح الدنيئة ,والعكوفِ عليها :عبادة وذكراً وتركيزاً , من دون الله تبارك وتعالى.
ريادة فكرية :
إن ريادة فكرية أصيلة , لمنهج ذِكر مبارَك , من كتاب الله , وبعناية فائقة من الله , هي التي يبحث عنها, ويدور حولها هذا العالَم , الذي طال بلاؤه وشقاؤه , ووقع ضحية المجانين والمهووسين , من أكابر المجرمين , ولم تزده حضارة الحديد والنار , وخِدماتها المتطورة جداً , إلا قهراً وضياعاً , وظلماً صارخاً , وقسوة وحقداً , وإرهاباً وعذاباً , وتحجرت الأفئدة والمشاعر , وسالت دماء المستضعفين أنهاراً !.
وفي النهاية , إنهارت كل القيم والعقائد والشعارات والاستراتيجيات , والأمنيات والتنميات ,التي قيل إنها ستحقق الجنة الموعودة على ظهر هذه الأرض , وستكون البديل والعوض لقيم الحق والإيمان والقرآن ..
فنشهد اليوم , أضخم المهازل والمخازي , والاختلالات السافرة والفاجرة , على مسرح السياسة العالمية الكافرة ..
حيث المتصهينون الجُدد , فتكوا بالعالم الإنساني , فتك الذئاب بالغنم , وأشعلوها ناراً في هشيم الحياة المهتريء ..
وهذا كله يؤكد مصداقية القرآن المجيد , حينما حذر وأنذر من هذه المألات الفاضحة , وبشر المؤمنين والموحِّدين , باستعادة الوعي , وانتصار الدين , وأن العاقبة للمتقين المناضلين , الذين يأبوْن الاعتراف بالهزيمة , أمام الأعداء الألداء الحاقدين .. وإن الله مع الصابرين ..
لا بد للزمان من تنفيس :
وفي مسيرة الزمان الدؤوبة , فتراتُ استرحام واستجمام , لتستروح النفوس , وتهدأ الخواطر , ويستبين الهدى , ويتبينَ الرشد من الغي , ويعود البشر إلى مواطن الذكر والذكرى من جديد ..
وعندها يجدون أنفسهم , ويتبينون كل شيء على حقيقته : الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود , ويتلقى أعداء الله والحياة : رداً ملائماً يردعهم , فلا غَرر ولا تغرير , ولا سلب للحرية , وانتهاك لحرمة العقل والعرض , ولا مصادرة للكيان و الكرامة والإرادة ..
وكم في التاريخ , من شواهدَ على الفرج بعد الشدة, والنصر بعد الصبر , والسراء بعد الضراء , والعودة الحميدة والإقدام , بعد الإدبار والانهزام ,على وفق السُّنن , والعناية الإلهية الفائقة..
وإن حكمة الله العليا , تقضي بتداول المُلك , ومداولة الأيام بين الناس , وإنشاء العهود والأدوار , وإخراج الحياة من الموت , والوجودِ من العدم , وتنزيل الغيث المغيث , بعد القحط الجارف , والقنوط الشديد ..
و في ذلك يقول الله سبحانه : (وتلك الأيام نداولها بين الناس) . ويقول أيضاً :(وهو الذي يُنَزِّل الغيث من بعد ما قـنَطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) .
مسؤولية هذه الأمة :
هذا وإن أمتنا الإسلامية الغالية – والعرب طليعتها – أعني أمةَ الإجابة والإنابة , هي الجديرة بكل هذا الخير المرتقَب والمؤمَّل , الذي لا ينفد عطاؤه الحضاري والإحساني , ومساهمتُه الفعالة , في تسوية الوضع الإنساني المتدهور , والسياسي العالمي الجائر والظالم ..
ويجب التنويه بأنني أضرب الذِكر صفحاً , عن الأمة الغُثاء , وعن الذين أهمتهم أنفسهم , فليسوا معنيين أصلاً , إلا بخمرهم وسكرهم , وأن حركة التاريخ لهم , وتوقفت عندهم !..
وعلى أمة الرسالة والدعوة , والفكر والقلم , تقع مسؤولية هداية البشر , إلى التي هي أقوم وأعدل , وأسمى وأمثل , ولدى كتابها العزيز : القرآن المجيد , أسباب الوقاية والعلاج , والبلسم والترياق , من كل هذه السموم والاختلاطات , وكبرى التحفظات ..
وهؤلاء , هم المشحونون بطاقة النور والإيمان والمرابطة , والصبر والمصابرة , تحت مجاري الأقدار, وتصاريف الليل والنهار , حتى يحكم الله أخيراً وهو خير الحاكمين , وهو الواحد القهار ..
ويقول سبحانه : (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) ..
غياب القيم الصالحة :
ألا إن غياب القيم الصالحة ,والسياسات المتوازنة , عن مسرح الحياة العملية , وأحداثها التاريخية , هو الذي أودى بأمن هذا العالم واستقراره ,واهتداء شعوبه , مشكلاً هذا الغيابُ الآن : حالة استغاثة واستدعاء واسترحام , يعبر عنها البشر بدموعهم الجارية , ودمائهم المسفوكة ,وأعراضهم المسفوحة , وأمراضهم وآلامهم الكبرى , وآمالهم المحطَّمة , التي ذهبت بدداً في طوفان هذا العصر العاصف , واعصاره المدمِّر , واباحيته السياسية والجنسية الكاسحة ..
ويعيش العالَم اليوم , والمسلمون فيه , فراغاً كبيراَ, أتاح كل فرصة , وأحدث كل ثُغرة , لتسرب السلبيات السالبة روحَ الحياة , والناهبةِ لبقايا العهد والأمانة, والشعور بالعزة والمسؤولية والكرامة ..
الإسلام : إجابةُ القرآن :
وليس أمام العالم اليوم , من إجابة مجيبة وقريبة , إلا ما يكون من أمر الإسلام العظيم , الذي لا يمتلك الرد المسعف والمتدارِك سواه ..
فيقدم ذلك : إنجازاتٍ حضاريةً راقية , من القيم العادلة والفاضلة , والمفاهيم الفكرية والروحية : المتفوقة والمتقدمة , والعلاقاتِ الإنسانية المتكافئة , والسلوكيات النبوية الرائعة , التي مِلؤها النضج والرحمة , والكمال والنعمة , والعطاء والانصاف , وقيادةُ سفينة النجاة , إلى شاطئ الهداة ..
الإجابة الإسلامية الحقة , على كل التساؤلات القلقة, والاحتياجات الملحة , والاعتراضات الواردة , تكمن في مقدرة هذا الدين , على المرونة والوفاء والإيفاء , والتكيف مع الأحداث الزمانية المستجدة , وتحدياتها الـمُـرة : رَتْـقاً و وصلاً , وصيانة وصقلاً , وإسعافاً سريعا , وإيلاءً لجانب المعروف , والرأفة والرفق بالخلق , وأنْ لا إكراه في الدين , وأن الالتزام بالإسلام:مسؤوليةُ المسلم والمسلمة أولاً وقبل كل شيء..
تجليات الفضل والبركات :
وهكذا يتجلى لنا , كيف أن القرآن المجيد , ذكر من الله مبارك وطيب , وقد باركه أيما بركة , وجعله يَنبوعاً لها , وبارك لمن تقبله , وأخذ به , واعتصم بعُروته الوُثقى , وحبله المتين ..
لقد فاضت الخيرات والبركات الـثرّة والجمّة , على أقطار هذا الكوكب , إبّان الازدهار القرآني النبوي المشهود , حيث الجماليات المقدسة , والمعايش الدنيوية والأخروية , الفائضةُ بالحسن والمحاسن , والتواصل البناء , والإيثار واليسار , وكلِّ أمر صالح ..
إن استنباط المفاهيم القرآنية : الـفـذّةِ والأصيلة , والعالية المستوى , من آيات القرآن , على هذا النحو الفالح , هو دليل وبرهان على عظمة القرآن , في إغاثة المستغيثين , ورد لهفة الملهوفين والمتلهفين , وانتصار المظلومين والمستضعفين , في آخر المشوار والقضية , وعند انقشاع غياهب الفتن بالكلية ..
بركات القرآن المبارك :
إن البركات المنوطة بالقرآن المجيد , ظاهرة ومشهودة وملموسة , ومعناها : التوسعُ في الخير , المُنصَبِّ ممن بيده الخير ,والامتدادُ إلى الأجلِّ والأكثر, من النماء والكوثر , والثراء والخِصب , والكنز المكنوز : كرماً وسخاءً وجوداً , وازديادا من العطاء ملحوظاً , وفضلاً من الله غامراً ..
وحينما يُفيض الله جل جلاله , على القرآن وبالقرآن : الخيرات المتنامية والوافية والوافرة , على الوجه الذي لا يُحصى ولا يُحصر ,فإننا نستطيع حينئذ , أن نفقه أن القرآن المجيد , كتاب الوجود والخلود , وقد أتى بالخيرات والمبرات والبركات , كما لم يأت به أي كتاب آخر .. وسعدت به الحياة ..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده المتبارِكين , أي الباحثين عن ما هو زيادة وفيض وغير متناه , في مجال الأنور والأظهر , الذي به تتم النعمة , وتتنزل الرحمة , وتنبثق الطاقة ..
ويقول سبحانه:(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) . ويقول أيضاً : (ولدينا مزيد) .
ولعلنا ندرك الآن , مدى اضطرارنا إلى القرآن ذي الذكر المبارك , وذلك إذا لاحظنا ما نحن فيه , وما نكابده ونعانيه , من نقص ومحق و ضحالة , وتقصير مُخِلٍّ , وشعور بالفقر النفسي الخانق , رغم كثرة المواد والماديات , والشهوات العارمة ..
فنرى الإنسان المعاصر , لا يقنع ولا يشبع , ولا يُحس بكفاية وارتواء , وهو كشارب ماء البحر , أو كلاهث خلف السراب , ويبحث عن السعادة المفقودة , بين أنقاض التباب ..
وأخيراً :
ويجب أن يكون معلوماً , أن ما قد كُتب في هذه المقالة , إنْ هو إلا مبررات ومسوغات وموجبات , لإمكانية أن يعود الإسلام الحق: قاعدة مكينة لهذا العالم, ووحيَ خلاص ملهِم ..
ومن الأعلى من شأن الله , أن يتيح فرصة إخراج الناس من الظلمات إلى النور , وأن ينقذهم مرة أخرى , من شفا أكبر حفرة من النار ,ومن حالة الضياع الأكبر, إلى الهدى والبصائر والكتاب المبين ..
وإنه تبارك وجهه , وعز سلطانه , أجل وأعلم , وهو لا يُعَلّم , ويَعلم ما يلزم , وهو علام الغيوب..
ذكر مبارَك
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى
حلب
1430هـ - 2009 م
بسم الله الرحمن الرحيم
وهذا ذكر مبارَك
مقدمة :
حينما ذكر الله المسجد الأقصى , وصفه بأنه : (باركنا حوله ).
وحينما ذكر البيت العتيق , وصفه بأنه : (للَذي ببكَّة مبارَكاً) .
وقد ورد في القرآن المجيد, أن الله سبحانه وتعالى, بارك في الأرض والسماء , والأماكن والأشخاص ,
والماء والأشجار , كما بارك القرآنَ نفسه , أي جعله مستقَراً ومستودَعاً لأعظم البركات , الخيّرات النيّرات , في دنيانا هذه , وفي الحياة الآخرة , وفي الجنة أيضاً ..
حيث يقال : (اِقرأ وارْق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا ..) .
وهذا بحث حثيث ,عن الذكر المبارَك : القرآن المجيد , وما أفاضه ويفيضه على الأكوان والألوان , من صنوف الخير العميم , والسكينة والتطمين , وحق اليقين ..
ومن خلال الذكر المبارَك , أَقرأ واقع هذا العالًم المنْهك والمرهَق , والمكبَّل بأغلال المظالم الفادحة , والتجاوزات الطاغية , والسياسات المدمرة للحضارة , والمفجِّرة لبحر الدموع والدماء , وتناثر الجثث والأشلاء ..
إذ ما الفائدة من توصيف الدواء , إذا لم يسبقه تشخيص صحيح لحالة المرض والداء ؟!.
فالوصفات الجاهزة , لا تغني من الحق شيئا ..
وهذا ما يتم التركيز عليه , من جراء كتاباتي , كما يبدو للقارئ والمتذكر , وإذا لم يكن أعداء مقاتلون , فلا معنىً للجهاد يُذكر !.
كما يلاحظ أنني لا أفسر القرآن , ولا أزعم ذلك , بل كل ما في الأمر , هو أن أتمكن من أن آتيَ قومي وأمتي , بقـبَس أو جَذْوة من كتاب الله , لعلهم يستضيئون ويهتدون ..
والله من وراء القصد , وإليه المرجع والمآب ..
عبد الرحمن
الذِّكر المبارَك
التوصيف والبحث :
يقول الله تبارك و تعالى ,في محكم القرآن المجيد : (وهذا ذِكر مبارَك أنزلناه أفأنتم له منكِرون) .الأنبياء50
فالقرآن من حيث هو ذِكر إلهي مبارَك , كان - و لم يزل – موئل البشر جميعاً , ومرجعَهم الذي إليه يصيرون , وتذكرتَهم التي بها يتذكرون , كلما أطبقت عليهم الغفلات , و جحافل النسيان , بأوزارها المهينة , وأوضارها المسيئة , وضغوطها الهائلة , و علاقاتها المتقطعة , تماماً مثلما هو عليه واقع البشر اليوم , في أصقاع المسكونة , من غيبوبة روحية , وإلحادات فكرية , وشرود نفسي , و ضلال عقلي , وانحلال في الأخلاق و السلوكيات و الإجتماعيات ..
أي إن القرآن بآياته و عجائبه , مصدر تذكر وذكرى , وذكرى تنفع المؤمنين , وتعصم من النسيان , الذي هو من الشيطان , وتورث في القلوب : يقظة وانتباهاً , و حفظاً دائما لمورثات الموعظة و الاعتبار والادّكـار ..
فصيرورة البشر إلى فحوى القرآن المجيد , وإلى صيغته النبوية : الإسلامِ العظيم , أمر لا مفر منه , و لا حيْدة عنه , في هذه الأخريات من الزمن الرديئ , والانهيار الفاضح , والتداعي و السقوط , في حمْأة الموبقات , التي ترتجُّ لها السموات ..
ليجدوا القرآن : برداً وسلاماً حقيقياً , وليذكروا ما قد فاتهم من وعيهم , وليتداركوا توبتهم و عودتهم , والعوْد أحمد , وليؤكدوا من جديد , على ما ضاع من هُويتهم وإنسانيتهم ..
وهذا هو مقتضى ومضمون الذكر الإلهي المبارك, الذي هو القرآن : دستور الهدى والعدل و الحق , وميزان الاعتدال و التوازن , ومعيارُ كل شأن يُذكِّر بالله , وناموس كل تذكرة وذكرى , مفيدةٍ ونافعةٍ , في غمار هذه الدنيا المتصلبة والمتقلبة , التي يأبى الناس من خلالها , إلا أن يكونوا مستجيبين لدواعي الظلم والكفر , و المكر والغدر , والانتهازية والوصولية , والنفاق المكشوف , والرياء الظاهر , إلى جانب انتهاج سبيل الأوطار والمصالح الدنيئة ,والعكوفِ عليها :عبادة وذكراً وتركيزاً , من دون الله تبارك وتعالى.
ريادة فكرية :
إن ريادة فكرية أصيلة , لمنهج ذِكر مبارَك , من كتاب الله , وبعناية فائقة من الله , هي التي يبحث عنها, ويدور حولها هذا العالَم , الذي طال بلاؤه وشقاؤه , ووقع ضحية المجانين والمهووسين , من أكابر المجرمين , ولم تزده حضارة الحديد والنار , وخِدماتها المتطورة جداً , إلا قهراً وضياعاً , وظلماً صارخاً , وقسوة وحقداً , وإرهاباً وعذاباً , وتحجرت الأفئدة والمشاعر , وسالت دماء المستضعفين أنهاراً !.
وفي النهاية , إنهارت كل القيم والعقائد والشعارات والاستراتيجيات , والأمنيات والتنميات ,التي قيل إنها ستحقق الجنة الموعودة على ظهر هذه الأرض , وستكون البديل والعوض لقيم الحق والإيمان والقرآن ..
فنشهد اليوم , أضخم المهازل والمخازي , والاختلالات السافرة والفاجرة , على مسرح السياسة العالمية الكافرة ..
حيث المتصهينون الجُدد , فتكوا بالعالم الإنساني , فتك الذئاب بالغنم , وأشعلوها ناراً في هشيم الحياة المهتريء ..
وهذا كله يؤكد مصداقية القرآن المجيد , حينما حذر وأنذر من هذه المألات الفاضحة , وبشر المؤمنين والموحِّدين , باستعادة الوعي , وانتصار الدين , وأن العاقبة للمتقين المناضلين , الذين يأبوْن الاعتراف بالهزيمة , أمام الأعداء الألداء الحاقدين .. وإن الله مع الصابرين ..
لا بد للزمان من تنفيس :
وفي مسيرة الزمان الدؤوبة , فتراتُ استرحام واستجمام , لتستروح النفوس , وتهدأ الخواطر , ويستبين الهدى , ويتبينَ الرشد من الغي , ويعود البشر إلى مواطن الذكر والذكرى من جديد ..
وعندها يجدون أنفسهم , ويتبينون كل شيء على حقيقته : الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود , ويتلقى أعداء الله والحياة : رداً ملائماً يردعهم , فلا غَرر ولا تغرير , ولا سلب للحرية , وانتهاك لحرمة العقل والعرض , ولا مصادرة للكيان و الكرامة والإرادة ..
وكم في التاريخ , من شواهدَ على الفرج بعد الشدة, والنصر بعد الصبر , والسراء بعد الضراء , والعودة الحميدة والإقدام , بعد الإدبار والانهزام ,على وفق السُّنن , والعناية الإلهية الفائقة..
وإن حكمة الله العليا , تقضي بتداول المُلك , ومداولة الأيام بين الناس , وإنشاء العهود والأدوار , وإخراج الحياة من الموت , والوجودِ من العدم , وتنزيل الغيث المغيث , بعد القحط الجارف , والقنوط الشديد ..
و في ذلك يقول الله سبحانه : (وتلك الأيام نداولها بين الناس) . ويقول أيضاً :(وهو الذي يُنَزِّل الغيث من بعد ما قـنَطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) .
مسؤولية هذه الأمة :
هذا وإن أمتنا الإسلامية الغالية – والعرب طليعتها – أعني أمةَ الإجابة والإنابة , هي الجديرة بكل هذا الخير المرتقَب والمؤمَّل , الذي لا ينفد عطاؤه الحضاري والإحساني , ومساهمتُه الفعالة , في تسوية الوضع الإنساني المتدهور , والسياسي العالمي الجائر والظالم ..
ويجب التنويه بأنني أضرب الذِكر صفحاً , عن الأمة الغُثاء , وعن الذين أهمتهم أنفسهم , فليسوا معنيين أصلاً , إلا بخمرهم وسكرهم , وأن حركة التاريخ لهم , وتوقفت عندهم !..
وعلى أمة الرسالة والدعوة , والفكر والقلم , تقع مسؤولية هداية البشر , إلى التي هي أقوم وأعدل , وأسمى وأمثل , ولدى كتابها العزيز : القرآن المجيد , أسباب الوقاية والعلاج , والبلسم والترياق , من كل هذه السموم والاختلاطات , وكبرى التحفظات ..
وهؤلاء , هم المشحونون بطاقة النور والإيمان والمرابطة , والصبر والمصابرة , تحت مجاري الأقدار, وتصاريف الليل والنهار , حتى يحكم الله أخيراً وهو خير الحاكمين , وهو الواحد القهار ..
ويقول سبحانه : (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) ..
غياب القيم الصالحة :
ألا إن غياب القيم الصالحة ,والسياسات المتوازنة , عن مسرح الحياة العملية , وأحداثها التاريخية , هو الذي أودى بأمن هذا العالم واستقراره ,واهتداء شعوبه , مشكلاً هذا الغيابُ الآن : حالة استغاثة واستدعاء واسترحام , يعبر عنها البشر بدموعهم الجارية , ودمائهم المسفوكة ,وأعراضهم المسفوحة , وأمراضهم وآلامهم الكبرى , وآمالهم المحطَّمة , التي ذهبت بدداً في طوفان هذا العصر العاصف , واعصاره المدمِّر , واباحيته السياسية والجنسية الكاسحة ..
ويعيش العالَم اليوم , والمسلمون فيه , فراغاً كبيراَ, أتاح كل فرصة , وأحدث كل ثُغرة , لتسرب السلبيات السالبة روحَ الحياة , والناهبةِ لبقايا العهد والأمانة, والشعور بالعزة والمسؤولية والكرامة ..
الإسلام : إجابةُ القرآن :
وليس أمام العالم اليوم , من إجابة مجيبة وقريبة , إلا ما يكون من أمر الإسلام العظيم , الذي لا يمتلك الرد المسعف والمتدارِك سواه ..
فيقدم ذلك : إنجازاتٍ حضاريةً راقية , من القيم العادلة والفاضلة , والمفاهيم الفكرية والروحية : المتفوقة والمتقدمة , والعلاقاتِ الإنسانية المتكافئة , والسلوكيات النبوية الرائعة , التي مِلؤها النضج والرحمة , والكمال والنعمة , والعطاء والانصاف , وقيادةُ سفينة النجاة , إلى شاطئ الهداة ..
الإجابة الإسلامية الحقة , على كل التساؤلات القلقة, والاحتياجات الملحة , والاعتراضات الواردة , تكمن في مقدرة هذا الدين , على المرونة والوفاء والإيفاء , والتكيف مع الأحداث الزمانية المستجدة , وتحدياتها الـمُـرة : رَتْـقاً و وصلاً , وصيانة وصقلاً , وإسعافاً سريعا , وإيلاءً لجانب المعروف , والرأفة والرفق بالخلق , وأنْ لا إكراه في الدين , وأن الالتزام بالإسلام:مسؤوليةُ المسلم والمسلمة أولاً وقبل كل شيء..
تجليات الفضل والبركات :
وهكذا يتجلى لنا , كيف أن القرآن المجيد , ذكر من الله مبارك وطيب , وقد باركه أيما بركة , وجعله يَنبوعاً لها , وبارك لمن تقبله , وأخذ به , واعتصم بعُروته الوُثقى , وحبله المتين ..
لقد فاضت الخيرات والبركات الـثرّة والجمّة , على أقطار هذا الكوكب , إبّان الازدهار القرآني النبوي المشهود , حيث الجماليات المقدسة , والمعايش الدنيوية والأخروية , الفائضةُ بالحسن والمحاسن , والتواصل البناء , والإيثار واليسار , وكلِّ أمر صالح ..
إن استنباط المفاهيم القرآنية : الـفـذّةِ والأصيلة , والعالية المستوى , من آيات القرآن , على هذا النحو الفالح , هو دليل وبرهان على عظمة القرآن , في إغاثة المستغيثين , ورد لهفة الملهوفين والمتلهفين , وانتصار المظلومين والمستضعفين , في آخر المشوار والقضية , وعند انقشاع غياهب الفتن بالكلية ..
بركات القرآن المبارك :
إن البركات المنوطة بالقرآن المجيد , ظاهرة ومشهودة وملموسة , ومعناها : التوسعُ في الخير , المُنصَبِّ ممن بيده الخير ,والامتدادُ إلى الأجلِّ والأكثر, من النماء والكوثر , والثراء والخِصب , والكنز المكنوز : كرماً وسخاءً وجوداً , وازديادا من العطاء ملحوظاً , وفضلاً من الله غامراً ..
وحينما يُفيض الله جل جلاله , على القرآن وبالقرآن : الخيرات المتنامية والوافية والوافرة , على الوجه الذي لا يُحصى ولا يُحصر ,فإننا نستطيع حينئذ , أن نفقه أن القرآن المجيد , كتاب الوجود والخلود , وقد أتى بالخيرات والمبرات والبركات , كما لم يأت به أي كتاب آخر .. وسعدت به الحياة ..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده المتبارِكين , أي الباحثين عن ما هو زيادة وفيض وغير متناه , في مجال الأنور والأظهر , الذي به تتم النعمة , وتتنزل الرحمة , وتنبثق الطاقة ..
ويقول سبحانه:(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) . ويقول أيضاً : (ولدينا مزيد) .
ولعلنا ندرك الآن , مدى اضطرارنا إلى القرآن ذي الذكر المبارك , وذلك إذا لاحظنا ما نحن فيه , وما نكابده ونعانيه , من نقص ومحق و ضحالة , وتقصير مُخِلٍّ , وشعور بالفقر النفسي الخانق , رغم كثرة المواد والماديات , والشهوات العارمة ..
فنرى الإنسان المعاصر , لا يقنع ولا يشبع , ولا يُحس بكفاية وارتواء , وهو كشارب ماء البحر , أو كلاهث خلف السراب , ويبحث عن السعادة المفقودة , بين أنقاض التباب ..
وأخيراً :
ويجب أن يكون معلوماً , أن ما قد كُتب في هذه المقالة , إنْ هو إلا مبررات ومسوغات وموجبات , لإمكانية أن يعود الإسلام الحق: قاعدة مكينة لهذا العالم, ووحيَ خلاص ملهِم ..
ومن الأعلى من شأن الله , أن يتيح فرصة إخراج الناس من الظلمات إلى النور , وأن ينقذهم مرة أخرى , من شفا أكبر حفرة من النار ,ومن حالة الضياع الأكبر, إلى الهدى والبصائر والكتاب المبين ..
وإنه تبارك وجهه , وعز سلطانه , أجل وأعلم , وهو لا يُعَلّم , ويَعلم ما يلزم , وهو علام الغيوب..