.. فراشٌ مبثوث ..
10-18-2009, 04:11 AM
فيما يتعلق بحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقف تاريخ ابن اسحاق وسيرة ابن هشام في صدارة الكتب التاريخية التي تترجم لحياة النبي و دعوته ، ولكنها مصادر تاريخة متأخرة ، بأكثر من قرن على وفاة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .
إضافة إلى ذلك فإنها لا تعتبر وثائق قوية إذا أسقطنا عليها أسلوب البحث العلمي الحديث ، كما أنها كانت تتسم بالنهج الوعظي أكثر من الجانب البحثي ، ينطبق عليها ما ينطبق على تفسير ابن كثير وغيره .
لكن القرآن الكريم يعتبر الوثيقة الأهم والأصح في تاريخ الإسلام كله والمتفق عليه بين عامة المسلمين ، وكذلك فإن المؤرخين الذين حاولوا البحث عن مصادر اللغة والتاريخ الإسلامي ، جنحوا إلى كتب أخرى يتشابه القرآن معها في التشريع والمصطلحات ، كالتوارة والإنجيل ، و أشعار العرب وأخبارهم ، فالعهد النبوي متعلق بما قبله من ناحية استخدام اللغة والمصطلحات الدينية والحياتية ، فالوحي جاء حسب لغة العرب القرشيين ومفاهيمهم ، وهو امتداد للشرائع السماوية السابقة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام .
نقلت لنا التفاسير خبر نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنه كان يتعبد في غار حراء , عندما تجسد له الملاك " جبريل " و قال له : " اقرأ ". فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " ما أنا بقاريء" - لا أجيد القراءة - ، بعدها ضمه جبريل إلى صدره ثلاثا , و هو يقول : " اقرأ " . و النبي صلى الله عليه وسلم يردد : "ما أنا بقاريء " .
بغض النظر عن مدى صحة القصة ، التي يبدو أن ناقلها كان يريد أن يقول أن النبي العربي لم يكن يجيد القرآءة أو الكتابة ، فإن هناك خطأ جسيما في فهم المصطلع اللغوي الذي ربما أدى إلى تفسير الكلمة على محمل عدم معرفة الرسول بالقرآءة والكتابة .
كلمة اقرأ تأتي في سياق الآية على ما كان يستخدمها العرب حينها بمعنى ( بلّغ - ناد ) ، فالعرب عندما تقول " أقرأ فلانا السلام "- بكسر الراء - ، فإنها تعني " أبلغه عني السلام "، وحين تقول اقرأ باسم فلان - بقتح الراء - أي بلغ على لسانه .
وسياق الآيات الكريمة في سورة العلق تدل على ذات المعنى ، لا على معنى فعل القرآءة ، لأن الرسول لم يكن لديه ما يقرأه أصلا وقت نزول جبريل إذ لم يكن القرآن قد نزل منه شيء .
" اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ و ربك الأكرم " الآيات تكلفه بإعلان الدعوة التي تمثلت في تصحيح مفهوم الربوبية ، و لهذا السبب تكررت هذه الكلمة نفسها في الآية التالية ، مقرونة باسم التفضيل في قوله تعالى : " اقرأ و ربك الأكرم " .
- ثم أن تسمية الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ب ( القرآن ) يأتي من كونه هو البلاغ الذي أُمر النبي عليه الصلاة والسلام بإقراء الناس إياه ، فمصدر الجملة قرأ قرآنا ، أي بلغ بلاغا ، ويقول الله تعالى : " هذا بلاغ للناس وليتذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب " (إبراهيم : 52) .
كما أن أول آيات القرآن التي ستنزل على نبي قومه مشركون لا يمكن أن تدعوه للقرآءة ، لأن الأمر بالقرآءة وقتها ليس أمرا جوهريا ، فالغرض الأهم للدعوه هو توضيح مفهوم وحدانية الله تعالى وإخلاص الإيمان له ، ولذلك نزلت السورة الثانية بعد العلق مباشرة في ترتيب نزول الوحي لتقول : " يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، و ربك فكبر "
الواضح أن فكرة القول بعدم تمكن النبي عليه الصلاة والسلام من القرآءة والكتابة يأتي من الفهم المتأخر لقوله تعالى " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " (الأعراف 157)
كلمة " الأمي " في التوراة وعند اليهود ، لا تعني الجاهل بالقرآءة والكتابة ، ولكنها تعني أن هذا الشخص غير كتابي ، أو غير يهودي ، أي أنه من الأمم الأخرى غير أهل الكتاب ومصدرها " غوييم في العبرية " ، والقرآن يفسر ذلك ببساطة :
- قال تعالى "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم ن إن تأمنه بدينارٍ لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل "(آل عمران 75 ) ، والمقصود بالأميين هنا غير اليهود الذين كانوا في المدينة .
- قال تعالى : "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين" ( آل عمران 20 ) فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى وبقية الناس هم الأميون ، أي الأمم الاخرى .
- وبالعودة إلى الآية الأولى قوله تعالى : "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " ، فتعبير الأمي هنا يدل دلالة واضحة أن المقصود به أنه ليس من أهل الكتاب ، ولكنه من أمة أخرى ، ولا علاقة لذلك بقرآءة الخط المكتوب على الألواح !
و ظل الوصف الكتابي" الأمية " صفة لازمة لجميع الشعوب التي ليس لها دين سماوي ، لهذا السبب يقول الله تعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " فالعرب لم يكونوا في ضلال مبين , لأنهم كانوا لا يجيدون القرآءة والكتابة ، بل لأنه لم يكن لديهم دين سماوي .
كما أن قوله تعالى : " يتلو " كما هو معروف تعني ، يقرأ بصوت عال ، ولفظ " الكتاب " يدل على وجود شي مقرؤء ، والآية في مجملها حينما تقول " يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " تخبرنا عن محاضر بارع ومعلم عتيد ، وفيلسوف حكيم .
أخيرا فإن المشركين كانوا يتهمون النبي الكريم بتأليف القرآن ، و كانوا يقولون أنه أساطير كان يكتتبها من الأحبار ، " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " ( الفرقان 5 ) ، فلو كان المشركون غير متيقين أن النبي يقرأ ويكتب ، لما اتفقوا على مثل هذا الاتهام ، ولم يكن لاتهامهم قيمة أصلا !
تحياتي للموحدين ..
إضافة إلى ذلك فإنها لا تعتبر وثائق قوية إذا أسقطنا عليها أسلوب البحث العلمي الحديث ، كما أنها كانت تتسم بالنهج الوعظي أكثر من الجانب البحثي ، ينطبق عليها ما ينطبق على تفسير ابن كثير وغيره .
لكن القرآن الكريم يعتبر الوثيقة الأهم والأصح في تاريخ الإسلام كله والمتفق عليه بين عامة المسلمين ، وكذلك فإن المؤرخين الذين حاولوا البحث عن مصادر اللغة والتاريخ الإسلامي ، جنحوا إلى كتب أخرى يتشابه القرآن معها في التشريع والمصطلحات ، كالتوارة والإنجيل ، و أشعار العرب وأخبارهم ، فالعهد النبوي متعلق بما قبله من ناحية استخدام اللغة والمصطلحات الدينية والحياتية ، فالوحي جاء حسب لغة العرب القرشيين ومفاهيمهم ، وهو امتداد للشرائع السماوية السابقة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام .
نقلت لنا التفاسير خبر نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنه كان يتعبد في غار حراء , عندما تجسد له الملاك " جبريل " و قال له : " اقرأ ". فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " ما أنا بقاريء" - لا أجيد القراءة - ، بعدها ضمه جبريل إلى صدره ثلاثا , و هو يقول : " اقرأ " . و النبي صلى الله عليه وسلم يردد : "ما أنا بقاريء " .
بغض النظر عن مدى صحة القصة ، التي يبدو أن ناقلها كان يريد أن يقول أن النبي العربي لم يكن يجيد القرآءة أو الكتابة ، فإن هناك خطأ جسيما في فهم المصطلع اللغوي الذي ربما أدى إلى تفسير الكلمة على محمل عدم معرفة الرسول بالقرآءة والكتابة .
كلمة اقرأ تأتي في سياق الآية على ما كان يستخدمها العرب حينها بمعنى ( بلّغ - ناد ) ، فالعرب عندما تقول " أقرأ فلانا السلام "- بكسر الراء - ، فإنها تعني " أبلغه عني السلام "، وحين تقول اقرأ باسم فلان - بقتح الراء - أي بلغ على لسانه .
وسياق الآيات الكريمة في سورة العلق تدل على ذات المعنى ، لا على معنى فعل القرآءة ، لأن الرسول لم يكن لديه ما يقرأه أصلا وقت نزول جبريل إذ لم يكن القرآن قد نزل منه شيء .
" اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ و ربك الأكرم " الآيات تكلفه بإعلان الدعوة التي تمثلت في تصحيح مفهوم الربوبية ، و لهذا السبب تكررت هذه الكلمة نفسها في الآية التالية ، مقرونة باسم التفضيل في قوله تعالى : " اقرأ و ربك الأكرم " .
- ثم أن تسمية الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ب ( القرآن ) يأتي من كونه هو البلاغ الذي أُمر النبي عليه الصلاة والسلام بإقراء الناس إياه ، فمصدر الجملة قرأ قرآنا ، أي بلغ بلاغا ، ويقول الله تعالى : " هذا بلاغ للناس وليتذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب " (إبراهيم : 52) .
كما أن أول آيات القرآن التي ستنزل على نبي قومه مشركون لا يمكن أن تدعوه للقرآءة ، لأن الأمر بالقرآءة وقتها ليس أمرا جوهريا ، فالغرض الأهم للدعوه هو توضيح مفهوم وحدانية الله تعالى وإخلاص الإيمان له ، ولذلك نزلت السورة الثانية بعد العلق مباشرة في ترتيب نزول الوحي لتقول : " يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، و ربك فكبر "
الواضح أن فكرة القول بعدم تمكن النبي عليه الصلاة والسلام من القرآءة والكتابة يأتي من الفهم المتأخر لقوله تعالى " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " (الأعراف 157)
كلمة " الأمي " في التوراة وعند اليهود ، لا تعني الجاهل بالقرآءة والكتابة ، ولكنها تعني أن هذا الشخص غير كتابي ، أو غير يهودي ، أي أنه من الأمم الأخرى غير أهل الكتاب ومصدرها " غوييم في العبرية " ، والقرآن يفسر ذلك ببساطة :
- قال تعالى "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم ن إن تأمنه بدينارٍ لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل "(آل عمران 75 ) ، والمقصود بالأميين هنا غير اليهود الذين كانوا في المدينة .
- قال تعالى : "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين" ( آل عمران 20 ) فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى وبقية الناس هم الأميون ، أي الأمم الاخرى .
- وبالعودة إلى الآية الأولى قوله تعالى : "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " ، فتعبير الأمي هنا يدل دلالة واضحة أن المقصود به أنه ليس من أهل الكتاب ، ولكنه من أمة أخرى ، ولا علاقة لذلك بقرآءة الخط المكتوب على الألواح !
و ظل الوصف الكتابي" الأمية " صفة لازمة لجميع الشعوب التي ليس لها دين سماوي ، لهذا السبب يقول الله تعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " فالعرب لم يكونوا في ضلال مبين , لأنهم كانوا لا يجيدون القرآءة والكتابة ، بل لأنه لم يكن لديهم دين سماوي .
كما أن قوله تعالى : " يتلو " كما هو معروف تعني ، يقرأ بصوت عال ، ولفظ " الكتاب " يدل على وجود شي مقرؤء ، والآية في مجملها حينما تقول " يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " تخبرنا عن محاضر بارع ومعلم عتيد ، وفيلسوف حكيم .
أخيرا فإن المشركين كانوا يتهمون النبي الكريم بتأليف القرآن ، و كانوا يقولون أنه أساطير كان يكتتبها من الأحبار ، " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " ( الفرقان 5 ) ، فلو كان المشركون غير متيقين أن النبي يقرأ ويكتب ، لما اتفقوا على مثل هذا الاتهام ، ولم يكن لاتهامهم قيمة أصلا !
تحياتي للموحدين ..