المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إثبات صفة الساق ... ورد شبهات المبتدعة الفساق



الجندى
06-07-2005, 08:09 PM
المصدر (http://www.almanhaj.net/vb/showthread.php?t=1892)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد، إن الساق صفة من صفات الله الذاتية الخبرية، دلت عليها صريح السنة النبوية، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – إن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: "... فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن" والحديث متفق عليه واللفظ للبخاري. وعليه ذهب بعض السلف إلى إن الساق في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} هي ساق الله تعالى.

فإن هذه الصفة ضل فيها كثير من الناس عن الصواب، حتى آل المآل المبتدعة إلى تعطيل هذه الصفة – والعياذ بالله -. وقد أثارت المبتدعة عدة شبهات حول هذه الصفة؛ من جملتها قولهم:
1) إن ظاهر الآية تشبيه.
2) إن الصحابة متنازعون في إثبات صفة الساق.
3) إن ظاهر الآية إثبات ساق واحدة فقط.

ونقول في الرد على هذه الشبهات بعد التوكل على الله:

المطلب الأول: إن إطلاق لفظ التشبيه إطلاقاً مجملاً، قد يراد به معنى باطل أو حق، فبإطلاقه يراد به أحد المعنيين:

المعنى الأول: تشبيه الخالق بالمخلوق؛ أي ما يجب ويمتنع ويجوز للمخلوق، يوجب ويمتنع ويجوز للخالق، وهذا التشبيه المذموم الذي يكفر به قائله، وهذا هو المعنى الحق في نفي التشبيه.

المعنى الثاني: المشابهة في اللفظ والمعنى العام الكلي؛ أي إن حقيقة معنى أسماء الله وصفاته غير حقيقة أسماء وصفات المخلوقين، وإن اشتركت في اللفظ والمعنى العام الكلي، وهذا هو المعنى الباطل في نفي التشبيه.

مثال ذلك: إن الله سمى نفسه بأسماء، وسمى بعض عياده بها. وكذلك سمى صفاته بأسماء، وسمى ببعضها صفات خلقه، وليس المسمى كالمسمى؛ وبيانه: سمى الله نفسه بالسميع البصير، وأثبت بذلك صفة السمع والبصر قال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقد أثبت الله للإنسان صفة السمع والبصر قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. والمشابهة هنا وقعت في الاسم والمعنى العام الكلي، والانتفاء واقع في التماثل فإن سمع وبصره الله ليس كسمع وبصر الإنسان، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} أي: إن الله يسمع لا كسمع الإنسان، ويبصر لا كما يبصر الإنسان؛ ونظائر هذا كثيرة.

وعليه فإن القول في الصفات جميعها من باب واحد، فإنا نثبت لله صفة الساق لا كساق المخلوقات، كما أثبتنا لله سمعاً لا كسمع المخلوقات.

وقد زلت المبتدعة في ضابط نفي التشبيه، وزاغت عن الحق، فنفت التشبيه في الاسم والمعنى العام الكلي، حتى صارت المبتدعة ترمي بعضها البعض بالتشبيه، فكل من نفى شيئاً سمى من أثبته مشبهاً.

أما نفي التشبيه عند أهل السنة والجماعة، إنما يقصد به المعنى الأول. قال الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان فيما نسب إليه: "يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا" (1) وهذا معنى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فنفي المثل وأثبت الصفة (2).


المطلب الثاني: إن من زعم نزاع الصحابة في إثبات صفة الساق، إما مخطأ فيُصوب، أو جاهل فيُعلم، وإما كذاب فيُترك. إذ إن الصحابة لم يختلفوا في إثبات صفة الساق، وإنما الخلاف وقع في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، إذ إن الصفة ذكرت على وجه التنكير، دون أن تضاف إلى الله، وهذا الذي جعل الصحابة – رضوان الله عليهم – والتابعين يختلفون في المراد بالـ(ساق)، وللصحابة – رضوان الله عليهم – في تفسير هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها لم يصح:

القول الأول: تفسير الساق بالنور العظيم، فقد قال أبو يعلى (3): حدثنا القاسم بن يحيى: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا أبو سعيد روح بن جناح، عن مولى لعمر بن عبد العزيز، عن أبي بردة، عن أبيه – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: "عن نور عظيم يخرون له سجداً"، وفي سند هذا الأثر مقال، فإن روح بن جناح ليس بقوي (4).

القول الثاني: تفسير الساق بالشدة، وقد روى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: "عن شدة من الأمر" وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس – رضي الله عنهما – بسندين كلاهما حسن (5).

القول الثالث: تفسير الساق بأنها صفة لله تعالى على ما يليق به.

قال ابن القيم (6): "الصحابة متنازعون في تفسير الآية؛ هل المراد الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد بها أنَّ الرب تعالى يكشف عن ساقه؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أنَّ ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكراً، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "فيكشف الرب عن ساقه، فيخرون له سُجَّداً"، ومن حمل الآية على ذلك؛ قال: قولـه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} مطابق لقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "فيكشف عن ساقه، فيخرون له سجداً" وتنكيره للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة؛ جلت عظمتها، وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه. قالوا: وحمل الآية على الشِّدَّة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كُشِفَتِ الشِّدَّة عن القوم، لا كُشِف عنها، كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا كشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}، وقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ}؛ فالعذاب و الشِّدَّة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشِّدَّة".

فبهذا تثبت صفة الساق لله تعالى، من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – المتفق على صحته، وهو من أحاديث الشفاعة، وتنكير الساق إنما للتعظيم والتفخيم، فانطلاقاً من هذا الحديث الصحيح نرى الآية من آيات الصفات المفسرة بالسنة؛ لأن الآية جاءت محتملة المعنى حيث جاء الساق مجرداً عن الإضافة المخصصة فجاءت السنة مبينة بأن المراد بالساق هو ساق الرحمن. وهذه طريقة أهل العلم قديماً وحديثاً، في الإيمان ما جاءت به السنة مفسرة أو مفصلة لما أجمل في القرآن.

المطلب الثالث: أما ما نسبته المبتدعة إلى ظاهر القرآن - الذي هو حجة الله على عباده -، إلى أقبح النقص والعيب، فزعموا أن ظاهره ومدلوله إثبات بأن لله ساق واحدة. فهذه الدعوى تدل على إن ظاهر ما وصف الله به نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنيعة المستقبحة فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع الصفات في ظاهر كلامه، فأي طعن في القرآن أعظم من طعن من يجعل هذا الظاهر ومدلوله؟ وهل هذا إلا من جنس قول الذين جعلوا القرآن عضين فعضهوه بالباطل وقالوا هو سحر أو شعر، أو كذب مفترى؟

فإن هذا القول كفراً، بل هو أشد من كفر مشركي الجاهلية، وبيانه:

أولاً: إن الكفار أقروا بعظمة القرآن، وشرف قدره، وعلوه، وجلالته حتى قال فيه رأس الكفر: "والله إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لجنى، وإنه ليعلو، وما يعلى، وما يشبه كلام البشر" رواه الحاكم والحديث صحيح.

ثانياً: لم يدع أعداء الرسول، الذين جهروا بالمحاربة والعداوة، أن ظاهر كلامه أبطل الباطل، وأبين المحال وهو وصف الخالق سبحانه بأقبح الهيئات، والصور، ولو كان ذلك ظاهر القرآن، لكان ذلك من أقرب الطرق لهم إلى الطعن فيه، وقالوا كيف يدعونا إلى عبادة رب له ساق واحدة، فكيف كانوا يسكتون له على ذلك، وهم يوردون عليه ما هو أقل من هذا بكثير، كما أوردوا عليه المسيح لما قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}. فقد أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما نزلت: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}، فقال المشركون: الملائكة، وعيسى، وعزير، يعبدون من دون الله. فقال: لو كان هؤلاء الذين يعبدون آلهة ما وردوها. قال: فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} عيسى وعزير والملائكة" والحديث صحيح. فتعلقوا بظاهر ما لم يدل على ما أوردوه، وهو دخول المسيح عيسى وعزير والملائكة فيما عبد من دون الله إما بعموم لفظ "ما" وإما بعموم المعنى، فأوردوا على هذا الظاهر هذا الإيراد.

ونحن نبين أن هذه الصورة الشنيعة ليست تفهم من ظاهر القرآن، أن الله سبحانه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}، فدعوى المبتدعة بأن ظاهر هذا إثبات ساق واحد، فرية ظاهرة، فمن أين في ظاهر القرآن إثبات ساق واحد لله؟ فإنه سبحانه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} فعلى تقدير أن يكون الساق من الصفات فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه لا يكون له إلا ساق واحد فلو دل على ما ذكر لم يدل على نفي ما زاد على ذلك لا بمنطوقه ولا بمفهومه، حتى إن القائلين بمفهوم اللقب لا يدل ذلك عندهم على نفي ما عدا المذكور لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الاختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مراداً بالاتفاق، وليس المراد بالآية إثبات الصفة، حتى يكون تخصيص الأمر بالذكر مراداً بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد في حق الله، وبيان سجود الخلائق إذا كشف عن ساق وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره، فلا يكون له مفهوم.

نفرض أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هي صفة، فمن أين في ظاهر الآية إنه ليس له إلا تلك الصفة الواحدة؟ فإنه لو سمع قائلاً يقول: "كشفت عن عيني وأبديت عن ركبتي وعن ساقي أو قدمي أو يدي" هل يفهم منه أنه ليس له إلا ذلك الواحد فقط؟ فكم هذا التلبيس والتدليس! فلو قال واحد من الناس: "هذا لم يكن ظاهر كلامه ذلك" فكيف يكون ظاهر أفصح الكلام وأبينه ذلك.

فإن المفرد المضاف يراد به ما هو أكثر من واحد كقوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} وقوله: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} فلو كان الساق صفة لكان بمنزلة قوله: {بِيَدِهِ الْمُلْك} و: {بِيَدِكَ الْخَيْر} و: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}(7).

هذا – والله أسأل – أن يظهر هدي عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وينشر جواهره، ويبرز ضمائره، ويفضح عن لغاته، ويفصح القناع عن إشاراته، ويميط عن وجود خرائده اللثام، ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام، ويبين بدائع ما فيه من سحر الكلام، ويدل على ما حواه من درر مجمعة على أحسن نظام، ويؤيده برجال يخدموه بفوائد تقر بها العين، وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذوها؟! من أين؟! وتحقيقات تنزاح بها شبه الضالين، وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين، وتحرق نيرانها أفئدة الحاسدين لا يعقلها إلا العالمون، ولا يجحدها إلا الظالمون، ولا يغص منها إلا كل مريض الفؤاد. من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فما له من هاد.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من دعاة الحق وأنصاره وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه انه على كل شيء قدير. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان زينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وآخر دعوانا أن والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله، أستغفرك وأتوب إليك.

جمع وإعداد الفقير إلى الله الغني المنان/ أبو إبراهيم أحمد الرئيسي البلوشي الحنفي

المصادر والمراجع:
(1) منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر، علي القارئ، ص107-108.
(2) شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي عز الحنفي، ص122.
(3) مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى، (7282).
(4) مجمع الزائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، 7/128. فتح الباري، ابن حجر، 8/664.
(5) فتح الباري، ابن حجر، 13/428.
(6) الصواعق المرسلة، ابن القيم، 1/252.
(7) الصواعق المرسلة، ابن القيم، 1/239-247، بتصرف.

الجندى
06-15-2005, 06:21 PM
الرد على من أعتقد أن ابن عباس أول صفة الساق
المصدر (http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=37087)

بسم الله الرحمن الرحيم

1 ـ لقد ثبتت صفة الساق لله جل وعزَّ في الحديث ، والواجب في مثل هذه الصفة الخبرية الغيبية أن تُثبت على الحقيقة بما يليق بالله سبحانه وتعالى ؛ لثبوت هذه الصفة له سبحانه ، ولا يَدخل المرء بعد ذلك في الكيفية ؛ لأنها غيب ، فهو يؤمن بالساق ؛ لأنه صحَّ بها الخبر ، ويقف عند الكيف ؛ لأنه لم يرده فيها خبرٌ ، ومن عرَّض الصفات للعقل ، فإنه سيقع في التحريف ، إما من جهة التمثيل ، وإما من جهة التعطيل ، وكلاهما مذهبان مخالفان لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم .

2 ـ وقد ورد عن ابن عباس وتلاميذه تفسير الآية بأنه : يوم تكشف القيامة عن هولٍ شديد وأمر عظيمٍ ، وهذا ليس من التأويل المنحرفِ ، وذلك لأسباب :
الأول : أن لا يكون بلغه الحديث الذي يمكن حمل الآية عليه ، فحمله على المعنى اللغوي المعروف عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم .
الثاني : أنه قد ورد أنَّ ابن عباس كان يقرؤها :﴿يوم تَكْشِفُ عن ساق﴾ ، بمعنى : يوم تكشف القيامة عن شدَّة شديدة ، وتفسيره وتفسير تلاميذه يناسب هذه القراءة ، فقد يكون فسَّر على قراءته ، وحينئذ لا يكون المراد بالساق ساق الرب عزَّ وجلَّ ، فالنظم لا يحتملها على هذه القراءة إلا بتكلُّفٍ ، والله أعلم .
وهذا التفسير الذي يكون على قراءةٍ مما يَقِلُّ إدراكه عند بعض المفسرين ، فيحسبه يفسِّر ما يعرف من القراءة ، وهو إنما يفسِّر قراءةً أخرى ، وهذا من الموضوعات التي تحتاج إلى استقراءٍ وبحث .
الثالث : أن يكون الحديث قد بَلَغَهُ ، لكنَّه لا يرى أنه يفسر الآية ؛ لأنَّ لفظ الساق في الآية لم يُضف إلى الله ، بل جاء مجردًا عن الإضافة منكَّرًا ، فَحَمَلَهُ على المعنى اللغوي ، ويكون المعنى عنده على العموم اللفظي في معنى : كشف القيامة عن أهوالها وشدائدها .

3 ـ وهنا يجب التنبُّه إلى أنَّ من ذهب إلى هذا المذهب في التفسير فإنه لا يدلُّ على أنه يؤَوِّل الصفة ؛ لأنه لا يقال أنه مؤوِّل لها إلا إذا ثبت نفيه لها ، ثم اعتماده على هذا المعنى الذي لا يدل على الصفة ، كما سيأتي عند بعض الذين وقعوا في تأويل صفة الساق .
4 ـ كما يلاحظ أنَّ تفسير ابن عباس وأصحابه لا يناقض التفسير الآخر ، وكلُّ ما في الأمرِ أنَّ تفسير ابن عباس على العموم ، وبهذا يكون تفسير الساق بالحديث الواردِ جزءًا من الهول الشديد والأمر العظيم الذي يكون يوم القيامة ، والله أعلم .
5 ـ ويلاحظُ أيضًا أنَّ سياق حديث كشف الساق يدلُّ على أنَّ الذين يُدعون للسجود مع المؤمنين هم المنافقون ، أما الكفار فيكونون قد دخلوا النار ، ففي رواية البخاري في كتاب التفسير يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد له رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد ، فيعود ظهره طبقًا واحدًا). وفي الحديث الآخر : عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ؟ قلنا : لا . قال : فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ، ثم قال : ينادي مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزير بن الله . فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح بن الله ، فيقال : كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد . فما تريدون ؟ فيقولون : نريد أن تسقينا . فيقال : اشربوا ، فيتساقطون ، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ، فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا . قال : فيأتيهم الجبار في صورةٍ غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ! فلا يكلمه إلا الأنبياء . فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه ، فيقولون الساق ، فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ...).
وظاهر الحديث كما ترى ـ يدل على أنَّ الذين يُدْعَون للسجود هم المنافقون مع المؤمنين ، أما غيرهم من الكفار فإنهم يكونون قد دخلوا النار ، والآية هنا مكية ، وهي في سياق الكفار ، فضمير﴿ يدعون﴾ يرجع إلى الكفار الذين في قوله :﴿إنا بلوناهم﴾ ، وهذا يسند تفسير ابن عباس في أنَّ المراد به غير الساق الإلهية ، والله أعلم .
ويمكن الجمع بينهما أنَّ الدعوة بالسجود لكلا الفريقين ، فالكفار وهم في النار في هذا الوقت الذي يكون فيه المنافقون مع المؤمنين في عرصات القيامة يُدعون إلى السجود ، والمنافقون كذلك يُدعون للسجود ، ولا تنافي بين الأمرين ، كما لا مانع يمنع من ذلك .
وبهذا تكون الآية أشارت إلى دعوة الكفار للسجود ، والحديث أشار إلى دعوة المنافقين للسجود ، ومن ثَمَّ جاز تفسير الآية بهذا الحديث من هذه الجهة ، والله أعلم .
6 ـ كما يلاحظ أن سياق الآية لا يدلُّ بمفرده على أن المراد بالساق هنا الساق الإلهية ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية وأما الذي أقوله الآن وأكتبه ـ وإن كنت لم أكتبه فيما تقدم من أجوبتي ، وإنما أقوله في كثير من المجالس ـ : إنَّ جميع ما فى القرآن من آيات الصفات ، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها . وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة ، وما رووه من الحديث ، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير ، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأوَّل شيئًا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف ، بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته ، وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله ، وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيء كثير .
وتمام هذا أنى لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى :﴿يوم يكشف عن ساق﴾ ، فروى عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشِّدَّةُ ، إن الله يكشف عن الشِّدَّة في الآخرة ، وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدُّوها في الصفات للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين .
ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات ، فإنه قال :﴿يوم يكشف عن ساق﴾ نكرة في الإثبات ، لم يُضِفْها الى الله ، ولم يقل عن ساقه ، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر ، ومثل هذا ليس بتأويل ، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف ، ولكن كثير من هؤلاء يجعلون اللفظ على ما ليس مدلولا له ، ثم يريدون صرفه عنه ، ويجعلون هذا تأويلا ، وهذا خطأ من وجهين ، كما قدمناه غير مرة). الفتاوى ( 6 : 394 ) .
7 ـ والذي يجب الانتباه إليه في هذا المقام أنَّ ابن عباس وتلاميذه لما فسَّروا بالمعنى اللغوي لم يقع منهم إنكارٌ لصفة الساق الإلهية ، كما وقع من المتأخرين الذين يعتمدون على قوله ، وجمهور المتأخرين من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم على تأويل هذه الصفة الخبرية وغيرها من الصفات ، ومن ذلك قول ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز ... هكذا هو الحديث ، وإن اختلفت منه ألفاظ بزيادة أو نقصان ، وعلى كل وجه مما ذكرته من كشف الساق وما في الآية أيضًا من ذلك ، فإنما هو عبارة عن شدة الهول وعِظَمِ القدرةِ التي يُري اللهُ تعالى ذلك اليوم ، حتى يقع العلم أنَّ تلك القدرة إنما هي لله تعالى وحده).
وقال الزمخشري ... فمعنى ﴿يوم يكشف عن ساق﴾ في معنى : يوم يشتدُّ الأمر ويتفاقم ، ولا كشف ثَمَّ ولا ساق ، كما تقول للأقطع الشحيح : يده مغلولة ، ولا يَدَ ثَمَّ ولا غِلٌّ ، وإنما هو مَثَلٌ في البخل ، وأمَّا من شَبَّه فلضيق عطنِه ، وقلة نظره في علم البيان . والذي غرَّه منه حديث ابن مسعود رضي الله عنه يكشف الرحمن عن ساقه ، فأما المؤمنون فيخرون سجدًا ، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقًا طبقًا ، كأن فيها السفافيد) ، ومعناه : يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله ، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة ، ثمَّ كان من حقِّ الساق أن تُعرَّف على ما ذهب إليه المشبِّهة ؛ لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده ، وهي ساق الرحمن).
هذان النقلان عن ابن عطية الأشعري والزمخشري المعتزلي ينبئانك عن أنَّ الأصل عندهما نفي الصفة ، لا الإثبات ، فهم ينكرون أن يكون لله ساقٌ حقيقية تليق بذاته وجلاله ، ثمَّ يذهبون إلى إيراد ما يناسب معتقدهم من المعاني اللغوية لها ، أما ما ورد عن ابن عباس وتلاميذه فليس فيه إنكارٌ للصِّفَةِ الإلهية البتة ، وقصارى ما فيه أنهم حملوها على المعنى اللغوي ، ولو حصل النِّزاع في كون هذه الآية لا تدلُّ على صفة الساق ، فإنَّ هذا لا يعني عدم ثبوتها لله ؛ لأنها ثبتت بالحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما ادَّعاه الزمخشري من كون الساق لم تأتِ معرَّفةً في الآية ، لم يمنعه هذا من تأويلها لما جاءت معرفة بالإضافة في الحديث ، فليس مجيئها نكرة مطلقةً هو سبب تأويله لو كان مُحقًّا فيما ذهب إليه ، لكنه يتشبَّثُ بما ينصر معتقده ، ولو كانت حجَّته التي يزعم واهنة كبيت عنكبوت .
وأما نبزه لمثبت الصفة بأنه مشبِّه ، فهذه شنشنة معروفة من أخزم ، ومن أثبت ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، فحاشاه أن يكون مشبِّهًا ، إنما ذاك من يقول : إنه لا يختلف عن المخلوق بحال ، وذلك مذهب مرذول ، وقول لا يقول به أصحاب العقول .
8 ـ ومما يُستطرد به في هذا المقام أن ينتبَه إلى أنَّ من لم يفهم طريقة السلف في التفسير ، ويعرف أنهم قد يفسرون بجزء المعنى ، أو بلازمه ، أو بشيء من متعلقاته ، أو غير ذلك مما لا يكون مطابقًا ، فإنه إما أن يردَّ الوارد عنهم بدعوى أن فيها تأويلاً ، وإما أن يعتمد عليها لإثبات بدعته في التأويل ، وكلا الأمرين مجانبة للصواب ، وبعد عن فهم التفسير المأثور عن السلف على وجهه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ... ثمَّ قول من قال من السلف : هادي السموات والأرض ، لا يمنع أن يكون في نفسه نورًا ، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسَّرِ من الأسماءِ ، أو بعض أنواعه ، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات المسمى ، بل قد يكونان متلازمين ، ولا دخول لبقية الأنواع فيه ، وهذا قد قررناه غير مرة في القواعد المتقدمة ، ومن تدبره ، علم أن أكثر أقوال السلف في التفسير متفقة غير مختلفةٍ ... فهكذا تفسير كثير من السلف ، وهو من جنس التعليم ، فقول من قال : نور السموات والأرض : هادي أهل السموات والأرض = كلام صحيح ، فإنَّ من معاني كونه نور السموات والأرض أن يكون هاديًا لهم ، أما أنهم نفوا ما سوى ذلك ، فهذا غير معلومٍ ، واما أنهم أرادوا ذلك ، فقد ثبت عن ابن مسعود أنه قال : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور السموات والأرض من نور وجهه ). الفتاوى ( 6 : 390 ، 391 ) .
وقال وأما ما ذكره عن ابن عباس في روايته الأخرى ، فمعناه بعض الأنوار الحسية . وما ذكره من كلام العارفين ، فهو بعض معاني هدايته لعباده ، وإنما ذلك تنويع بعض الأنواع بحسب حاجة المخاطبين ، كما ذكرناه من عادة السلف أن يفسرها بذكر بعض الأنواع على سبيل التمثيل لحاجة المخاطبين ، لا على سبيل الحصر والتحديد ، فقد تبين أن جميع ما ذكر من الأقوال يرجع إلى معنيين من معاني كونه نور السموات والأرض ، وليس في ذلك دلالة على أنه في نفسه ليس بنور) . الفتاوى ( 6 : 396 ) .
وكلامه في تفسير آية ﴿الله نور السموات﴾ ، وردُّه على المأولين كلام نفيس يحسن الاطلاع عليه.

مراقب 1
06-19-2005, 06:35 AM
مداخلة للأخ أبو مهند النجدى

إثبات القدم لله سبحانه

هذا ما تيسر لي جمعه الآن : وقد رتبته في نقاط :
أولا : الأدلة .
ثانيا : هل نثبت لله قدمين ؟
ثالثا : كلام أهل السنة .
رابعا : إبطال تأويلات المعطلة .

أولا : الأدلة :
روى البخاري ومسلم - وهذا لفظ البخاري - :
عن أنس بن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وعزتك ويزوى بعضها إلى بعض " .
وفي رواية لمسلم : " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تحاجت النار والجنة فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم ؟
فقال الله للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكم ملؤها .
فأما النار فلا تمتلئ فيضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض " .
وفي رواية لمسلم : " ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله تقول قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض " .
وقد نص أهل السنة المثبتون لهذه الصفة أن القدم والرجل بمعنى واحد .
ثانيا : هل نثبت لله قدمين ؟
الجواب : ورد ذلك في آثار موقوفة عن ابن مسعود وأبي موسى .
قال ابن عباس : الكرسي بين يدي العرش وهو موضع القدمين " .
رواه الحاكم في المستدرك 2/310 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
وصححه الشيخ الألباني في مختصر العلو
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 2/196
وصححه محققه : عبد الله بن محمد الحاشدي .
وأخرجه أيضا ابن خزيمة في التوحيد 1/248
وأما أثر أبي موسى ألا شعري :
فقال عنه الحافظ في الفتح في كتب التفسير باب : قوله تعالى : فإن خفتم فرجالا أو ركبانا : 8/47
" وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أبي موسى مثله " . أي مثل كلام ابن عباس .
وانظر كلام السلف في هذا ضمن الفقرة التالية :
ثالثا : كلام أهل السنة في إثبات صفة القدم أو الرجل :
1- قال الامام ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/202
" باب ذكر إثبات الرجل لله عز وجل ، وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية ، الذين يكفرون بصفات خالقنا عز وجل التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم "
2- وبوب شيخ الإسلام في الواسطية : إثبات الرجل والقدم لله سبحانه في السنة المطهرة . وساق الحديث .
انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين 2/450
3- وقال الحافظ في الفتح : 8/461
( واختلف في المراد بالقدم فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله ).
4- وقال الإمام أبو عبيد : نحن نروي هذه الأحاديث ولا نزيغ لها المعاني .
انظر الأسماء والصفات للبيهقي 2/192
5- قال يحيى بن معين : شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا فقال : يا أبا سفيان ! هذه الأحاديث – يعني مثل الكرسي موضع القدمين ونحو هذا ؟
فقال وكيع : أدركنا إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا .
6- وقال أبو عبيد أيضا : هذه الأحاديث التي يقول فيها : ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب وغيره ، وأن جهنم لا تمتليء حتى يضع ربك قدمه فيها ، والكرسي موضع القدمين ، وهذه الأحاديث في الرواية هي عندنا حق ، حملها الثقات بعضهم عن بعض ، غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها " .
نقله عنهما البيهقي في الأسماء والصفات 2/197،198
7- وقال شيخ الإسلام 5/55
"وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في " أصول السنة " قال فيه : باب الإيمان بالعرش ......
باب الإيمان بالكرسي :
قال " ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين " . انتهى .
قلت : الشأن في هذه الصفة كالشأن في غيرها من الصفات : يثبتها أهل السنة دون تكيف أو تمثيل ، ودون تحريف أو تعطيل.
رابعا : إبطال تأويلات المعطلة :
ساق الحافظ في الفتح كثيرا من التأويلا ت ، بعد ذكره مذهب السلف ، وأنا أضعها باختصار :
قال :
" وخاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك فقال :
المراد إذلال جهنم ، فإنها إذا بالغت في الطغيان وطلب المزيد أذلها الله فوضعها تحت القدم ، وليس المراد حقيقة القدم.
وقيل المراد بالقدم: الفرط السابق أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب.
وقييل المراد بالقدم قدم بعض المخلوقين فالضمير لمخلوق معلوم.
أو يكون هناك مخلوق اسمه قدم .
أو المراد بالقدم: الأخير لأن القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتى يضع الله في النار آخر أهلها فيها ويكون الضمير للمزيد .
وقال ابن حبان في صحيحه بعد إخراجه : هذا من الأخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي عصى الله فيها فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعا من الأمكنة المذكورة فتمتلئ لأن العرب تطلق القدم على الموضع ، قال تعالى ( أن لهم قدم صدق ) يريد موضع صدق
. وقال الداودي : المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد ، والإشارة بذلك إلى شفاعته ، وهو المقام المحمود.
ومن التأويل البعيد قول من قال : المراد بالقدم قدم إبليس ، وأخذه من قوله " حتى يضع الجبار فيها قدمه " وإبليس أول من تكبر فاستحق أن يسمى متجبرا وجبارا ، وظهور بعد هذا يغني عن تكلف الرد عليه .
وزعم ابن الجوزي أن الرواية التي جاءت بلفظ " الرجل " تحريف من بعض الرواة لظنه أن المراد بالقدم الجارحة فرواها بالمعنى فأخطأ ، ثم قال : ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة كما تقول رجل من جراد ، فالتقدير يضع فيها جماعة.
وبالغ ابن فورك فجزم بأن الرواية بلفظ " الرجل " غير ثابتة عند أهل النقل ، وهو مردود لثبوتها في الصحيحين .
وقد أولها غيره بنحو ما تقدم في القدم فقيل رجل بعض المخلوقين ، وقيل إنها اسم مخلوق من المخلوقين.
وقيل إن الرجل تستعمل في الزجر كما تقول وضعته تحت رجلي " انتهى من فتح الباري ملخصا.
إبطال هذه التأويلات :
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مختصر الفتاوى المصرية ص 647
" وقد غلط في هذا الحديث المعطلة الذين أولوا قوله " قدمه " بنوع من الخلق ، كما قالوا : الذين تقدم في علمه أنهم أهل النار ، حتى قالوا في قوله " رجله " : كما يقال : رجل من جراد ، وغلطهم من وجوه :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حتى يضع " ولم يقل : " حتى يلقي " ، كما في قوله " لا يزال يلقى فيها " .
الثاني : أن قوله " قدمه " لا يفهم منه هذا ، لا حقيقة ولا مجازا ، كما تدل عليه الإضافة .
الثالث : أن أولئك المؤخرين – بفتح الخاء – إن كانوا من أصاغر المعذبين فلا وجه لانزوائها واكتفائها بهم ، فإن ذلك إنما يكون بأمر عظيم .
وإن كانوا من أكابر المجرمين فهم في الدرك الأسفل ، وفي أول المعذبين لا في أواخرهم .
الرابع : أن قوله " فينزوي بعضها إلى بعض " دليل على أنها تنضم على من فيها ، فتضيق بهم من غير أن يلقى فيها شيء .
الخامس : أن قوله " لا يزال يلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع فيها قدمه " جعل الوضع الغاية التي إليها ينتهي الإلقاء ويكون عندها الانزواء ، فيقتضي أن تكون الغاية أعظم مما قبلها ، وليس في قول المعطلة معنى للفظ " قدمه " إلا وقد اشترك فيه الأول والآخر ، والأول أحق به من الآخر ." انتهى .

*******************

وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح الواسطية 2/452
" وخالف الأشاعرة وأهل التحريف أهل السنة فقالوا : " يضع عليها رجله " يعني طائفة من عباده مستحقين للدخول .
والرجل تأتي بمعنى الطائفة كما في حديث أيوب عليه الصلاة والسلام : أرسل الله إليه رجل جراد ، يعني طائفة من جراد .
وهذا غير صحيح ؛ لأن اللفظ " عليها " يمنع ذلك .
وأيضا : لا يمكن أن يضيف الله عز وجل أهل النار إلى نفسه ؛ لأن إضافة الشيء إلى الله تكريم وتشريف .
قالوا في القدم : قدم بمعنى مقدم ، أي يضع الله تعالى عليها مقدمه ، أي من يقدمهم إلى النار .
فنقول : أهل النار لا يقدمهم الباري عز وجل ولكنهم " يدعّون إلى نار جهنم دعا" ويلقون فيها إلقاء ، فهؤلاء المحرفون فروا من شيء ووقعوا في شر منه ، فروا من تنزيه الله عن القدم والرجل لكنهم وقعوا في السفه ومجانبة الحكمة في أفعال الله عز وجل .
والحاصل : أنه يجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى قدما وإن شئنا قلنا رجلا على سبيل الحقيقة مع عدم المماثلة ولا نكيف الرجل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن لله تعالى رجلا أو قدما ، ولم يخبرنا كيف هذه الرجل أو القدم " انتهى .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.





متابعة إشرافية
مراقب 1