المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يتجدد علم الله تبارك وتعالى ؟ (إشكالات والجواب عليها) ..



مالك مناع
11-25-2009, 08:54 AM
قال شيخ الإسلام رحمه الله (مجموعة الرسائل والمسائل/ رسالة في علم الله - الجزء الأول) : الناس المنتسبون إلى الإسلام في علم الله باعتبار تعلقه بالمستقبل على ثلاثة أقوال:

أحدها : أنه يعلم المستقبلات بعلم قديم لازم لذاته ولا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم وهذا قول طائفة من الصفاتية من الكلابية والأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وهو قول طوائف من المعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات لكن هؤلاء يقولون يعلم المستقبلات ويتجدد التعلق بين العالم والمعلوم لا بين العلم والمعلوم ... .

والقول الثاني : أنه لا يعلم المحدثات إلا بعد حدوثها وهذا أصل قول القدرية الذين يقولون لم يعلم أفعال العباد إلا بعد وجودها وأن الأمر أنف لم يسبق القدر بشقاوة ولا سعادة وهم غلاة القدرية الذين حدثوا في زمان ابن عمر وتبرأ منهم وقد نص الأئمة كمالك والشافعي وأحمد على تكفير قائل هذه المقالة .

لكن القدرية صرحوا بنفي العلم السابق والقدر الماضي في أفعال العباد المأمور بها والمنهي عنها وما يتعلق بذلك من الشقاوة والسعادة ثم منهم من اقتصر على نفي العلم بذلك خاصة وقال إنه قدر الحوادث وعلمها إلا هذا لأن الأمر والنهي مع هذا العلم يتناقض عنده بخلاف ما لا أمر فيه ولا نهي .

ومنهم من قال ذلك في عموم المقدرات وقد حكي نحو هذا القول عن عمرو بن عبيد وأمثاله وقد قيل إنه رجع عن ذلك قبل إنكاره لأن كون{ تبت يدا أبي لهب وتب } سورة المسد 1 {و ذرني ومن خلقت وحيدا } سورة المدثر 11 ونحو ذلك في اللوح المحفوظ وأمثال ذلك .

والقول الثالث: أنه يعلمها قبل حدوثها ويعلمها بعلم آخر حين وجودها وهذا قد حكاه المتكلمون كأبي المعالي عن جهم فقالوا إنه ذهب إلى إثبات علوم حادثة لله تعالى وقال البارىء عالم لنفسه وقد كان في الأزل عالما بنفسه وبما سيكون فإذا خلق العالم وتجددت المعلومات أحدث لنفسه علوما بها يعلم المعلومات الحادثة ثم العلوم تتعاقب حسب تعاقب المعلومات في وقوعها متقدمة عليها أي العلوم متقدمة على الحوادث وذكروا أنه قال إنها في غير محل نظير ما قالت المعتزلة البصرية في الإرادة . وهذا القول وإن كان قد احتج عليه بما في القرآن من قوله ليعلم فتلك النصوص لا تدل على هذا القول.

فإن هذا القول مضمونة تجدد علم قبل الحدوث والذي في القرآن إنما ذكروا دلالته على ما بعد الوجود، وهذا قولان متغايران وإنما يحتج عليه بمثل قوله في حديث أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم وليس هذا بداء يخالف العلم القديم كما قاله بعض غلاة الرافضة وكذلك أبو الحسين البصري قال بإثبات علوم متجددة في ذات الله بحسب تجدد المعلومات وكذلك أبو البركات صاحب المعتبر الإمام في الفلسفة قال بتجدد علوم وإرادات له وذكر أن إلهيته لهذا العالم لا تصح إلا مع هذا القول وكذلك أبو عبدالله الرازي يميل إلى هذا القول في المطالب العالية وغيرها.

وأما السمع والبصر والكلام فقد ذكر الحارث المحاسبي عن أهل السنة في تجدد ذلك عند وجود المسموع المرئي قولين والقول بسمع وبصر قديم يتعلق بها عند وجودها قول ابن كلاب وأتباعه والأشعري والقول بتجدد الإدراك مع قدم الصفة قول طوائف كثيرة كالكرامية وطوائف سواهم والقول بثبوت الإدراك قبل حدوثها وبعد وجودها قول السالمية كأبي الحسن بن سالم وأبي طالب المكي، والطوائف الثلاثة تنتسب إلى أئمة السنة كالإمام أحمد وفي أصحابه من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني والسالمية تنتسب إليه.

مالك مناع
11-25-2009, 09:00 AM
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الرد على المنطقيين - ص 467):

عامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى كقوله{إلا لنعلم} {حتى نعلم} يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون، وهذا جهل فإن القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غير موضع بل أبلغ من ذلك أنه قدر مقادير الخلائق كلها وكتب ذلك قبل أن يخلقها فقد علم ما سيخلقه علما مفصلا وكتب ذلك وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوده ثم لما خلقه علمه كائنا مع علمه الذي تقدم أنه سيكون فهذا هو الكمال.

وبذلك جاء القران في غير موضع بل وبإثبات رؤية الرب له بعد وجوده كما قال تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } التوبة فأخبر انه سيرى أعمالهم .

وقد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ودلائل العقل على أنه سميع بصير والسمع والبصر لا يتعلق بالمعدوم فإذا خلق الأشياء رآها سبحانه وإذا دعاه عباده سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى: { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} المجادلة، أي تشتكي إليه وهو يسمع التحاور والتحاور تراجع الكلام بينها وبين الرسول قالت عائشة: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات لقد كانت المجادلة تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وإنه ليخفي على بعض كلامها فأنزل الله { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} وكما قال تعالى لموسى وهارون {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} طه وقال{ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} الزخرف.

وقد ذكر الله علمه بما سيكون بعد أن يكون في بضعة عشر موضعا في القرآن مع إخباره في مواضع أكثر من ذلك أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون وقد اخبر في القرآن من المستقبلات التي لم تكن بعد بما شاء الله بل اخبر بذلك نبيه وغير نبيه ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء بل هو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لو كان كيف كان يكون كقوله{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } الأنعام بل وقد يعلم بعض عباده بما شاء أن يعلمه من هذا وهذا وهذا {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }
قال تعالى: { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } البقرة وقال: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصابرين} آل عمران وقوله: { وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء} آل عمران وقوله: { وما أصابكم يوم التقي الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} آل عمران وقوله: { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} التوبة وقوله: {ثم بعثناهم لنعلم أي الحز بين أحصى لما لبثوا أمدا} الكهف وقوله: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } إلى قوله: { وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين } العنكبوت وقوله: { ولنبلونكم حتى نعلم المجهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} محمد وغير ذلك من المواضع .

روى عن ابن عباس في قوله { إلا لنعلم} أي لنرى وروي لنميز وهكذا قال عامة المفسرين إلا لنرى ونميز وكذلك قال جماعة من أهل العلم قالوا لنعلمه موجودا واقعا بعد أن كان قد علم أنه سيكون .

ولفظ بعضهم قال: العلم على منزلتين علم بالشيء قبل وجوده وعلم به بعد وجوده والحكم للعلم به بعد وجوده ؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب .

قال فمعنى قوله: {لنعلم } أي لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب ولا ريب أنه كان عالما سبحانه بأنه سيكون لكن لم يكن المعلوم قد وجد وهذا كقوله: { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} يونس، أي بما لم يوجد فإنه لو وجد لعلمه فعلمه بأنه موجود ووجوده متلازمان يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر ومن انتفائه انتفاؤه والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر .