المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس عملية لتخريج وتحقيق الأحاديث النبوية ..



مالك مناع
11-28-2009, 11:11 PM
دروس عملية لتخريج وتحقيق الأحاديث النبوية ..
للشيخ علي رضا -وفقه الله-.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله ونبيه الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

فهذا مختصر رأيت أن أقوم بكتابته لمن يرغب – عملياً – في دراسة الأسانيد وطريقة التخريج للأحاديث .

وقبل أن نخوض في ذكر هذه الخطوات يجب على الدارس لهذه الطريقة أن يكون ملماً بمصطلح الحديث النظري ؛ مثل البيقونية أو النخبة أو غيرهما من المختصرات .

فإن لم يتمكن من ذلك كله فليقدم الأهم فالأهم ؛ فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله : فيعرف الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، والمرسل ، والمعضل ، والمنقطع ، والمرفوع ، والموقوف ، والمقطوع ، والموضوع ، والواهي ، والشاذ ، والمنكر ، والمضطرب ....

الدرس الأول:

ثم ليتبع الخطوات العملية التالية : لنفرض أن الحديث الذي نبحث عنه بلفظ : ( إذا استجمر أحدكم فليوتر ) ؟

1- نرجع أولاً إلى كتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ) فنبحث عن كلمة غريبة في الحديث ؛ فنجد أنها :
( استجمر ) فنقوم بالبحث عن كلمة ( جمر ) في ( المعجم المفهرس ) فنجد أن هناك أقرب لفظ للحديث هو : ( ومن استجمر فليوتر ) ج1 / ص363 من ( المعجم المفهرس ) فننظر فيمن رواه فنرى أن أصحاب المعجم عزوه للبخاري ( خ ) ومسلم (م ) و ( د ) أبوداود و ( ت ) للترمذي و ( ن ) للنسائي و( جه ) لابن ماجة و( دي ) للدارمي و ( ط ) للموطأ و ( حم ) لأحمد ؛ مع ذكر رقم الصفحة ورقم المجلد في كل منها .

2- نرجع الآن إلى كتاب ( صحيح الجامع الصغير ) لشيخنا محدث العصر الألباني رحمه الله تعالى ، ونبحث أبجدياً عن الحديث في حرف ( الألف ) فنجد الحديث في ص120 من المجلد ( 1 ) ، ونجد أن السيوطي رحمه الله – والكتاب له ولكن حققه الألباني – قد رمز له بالرمز ( حم ) و ( م ) : أي رواه أحمد ومسلم .

3- نرجع الآن للمعجم المفهرس لمعرفة موضع الحديث من مسلم وأحمد فنجد أنه عند أحمد في ( المسند ) في المجلد الثاني في عدة مواضع مثلاً من المجلد الثاني ، ومن المجلد الثالث ، ومن المجلد الرابع ؛ غير أننا نعلم من( صحيح الجامع الصغير ) أن الحديث من رواية جابر رضي الله عنه فننظر أين مسند جابر أهو في المجلد 1 أم 2 أم 3 أم 4 ؟ فنجد أن مسند جابر في المجلد الثالث من ( مسند أحمد ) كما هو في الفهرس الذي عمله الألباني في مقدمة ( المسند ) ، فنبحث عن الأرقام في ( المعجم المفهرس ) للمجلدالثالث فنجد أنه في ( 3 / 294 ) باللفظ الذي نبحث عنه .

4- ثم ننظر الحديث في ( صحيح مسلم ) فنجد أنهم قد أشاروا إلى كتاب الطهارة ، وفي برقم ( 20 ، 22 ، 24 ) فنبحث عن اللفظ الذي نريده فنجده برقم ( 24 ) ورقمه الآخر (239 ) هو رقم الحديث في ( صحيح مسلم ) .

5- نكتب السند – مع علمنا أن سند مسلم صحيح لكن هذا للتدريب – فنجد أن مسلماً وأحمد يتفقان في الرواية من طريق عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج : اخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذااستجمر أحدكم فليوتر ) .

6- ننظر الآن في رجال السند بداية من الرجل الذي اتفق على الرواية من طريقه : مسلم وأحمد ؛ فنجد أنه عبد الرزاق .

7-ننظر الآن كتاب ( تقريب التهذيب ) لأمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجرالعسقلاني ؛ وقد رتبه بحسب حروف المعجم ؛ فنبحث في حرف ( العين ) فنجد أن هناك جماعة ممن يُسمون ( عبد الرزاق ) فأيهم هو الذي في سند حديثنا الذي بين يدينا ؟؟

8- ننظر فيمن روى عن عبد الرزاق من كتاب ( تهذيب التهذيب ) للحافظ ابن حجر فنجد أن في الرواة عن عبد الرزاق : إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع – وهما اللذين روى مسلم عنهما الحديث .

وللتأكيد نرى مسند أحمد فنجد أن الراوي عن عبد الرزاق هو : أحمد بن حنبل وهوما ذكره الحافظ في ( تهذيب التهذيب ) فيمن روى عن عبد الرزاق ؛ فنجزم بأن عبدالرزاق هذا هو ابن همام الصنعاني .

9-ولمزيد من التأكيد ننظر إلى الذين روى عنهم عبد الرزاق بن همام فنجد أن منهم : ابن جريج ؛ لكن ما اسم ابن جريج هذا حتى نبحث عنه في ( التقريب ) لنظر حكم الحافظ عليه ؟

10- نجد في ( التقريب ) – في نهايته تقريباً – من نسب إلى أبيه ؛ فننظر فنجد أن هناك ( ابن جريج ) واحد فقط وهو : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ؛ وعندها نقطع بأن عبد الرزاق هو الصنعاني ، وأن ابن جريج هو عبد الملك .

11- نبحث الآن عن أبي الزبير الذي روى عنه ابن جريج ؛ فنجد أنه لا يوجد في (التقريب ) من كنيته ( أبو الزبير ) إلا واحد وهو : محمد بن مسلم .

12- يأتي الآن دور الحكم على السند – ولا نقول : المتن ابتداءً حتى نتأكد من عدم وجود شذوذ أو علة قادحة في السند – فنجد من ترجمة رجال السند السابقين أنهم جميعاً من الثقات إلا أن ابن جريج فمع كونه ثقة إلا أنه مشهور بالتدليس ؛ لكنه قد صرح هنا بالسماع من جابر ؛ فانتفت علة التدليس ، وصار السند صحيحاً .

13- ننظر غريب الحديث فنجد أنه في قوله ( استجمر ) فنبحث في كتاب ( غريب الحديث ) لابن الأثير ، فنجده رحمه الله يقول : هو التمسح بالجمار ، وهي الأحجار الصغار .

يتبع .. (الدرس الثاني) ..

مالك مناع
11-28-2009, 11:15 PM
الدرس الثاني:

لنأخذ الآن حديثاً يكون رجاله أوأحدهم في مرتبة الصدوق ؛ فكيف نحكم على سنده ؟

لنفرض أننا نريد تخريج حديث : ( إذا انتهى أحدكم إلى مجلس ، فأراد أن يجلس ، فليسلم ، فإذا قام والقوم جلوس، فليسلم ؛ فإن الأولى ليست بأحق من الآخرة ) ؟

1- نبحث عن كلمة غريبة في الحديث فنجد أنه يمكن لنا أن نأخذ كلمة ( انتهى ) فنبحث في ( المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ) في كلمة ( نهى ) فسنجد بسهولة في المجلد السابع في صفحة 14 الحديث بلفظ : ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ) .

2- ننظر في من أخرج الحديث من الأئمة فنجد أن أصحاب المعجم رمزوا لذلك بـ ( د أدب 139 ) و ( حم 2 / 230 ، 439 ) : أي أن أبا داود قد رواه في كتاب الأدب برقم 139 من ( سننه ) ، وكذا رواه أحمد في ( مسنده ) المجلد الثاني ص230 و 439 .

3- نكتب سند أبي داود ، وسند أحمد ؛ فنجد أن أبا داود قد أخرجه عن أحمد بن حنبل ومسدد قالا : حدثنا بشر - يعنيان ابن المفضل – عن ابن عجلان عن المقبري قال مسدد : سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً به .

4- نقول : إن أحمد وأبا داود قد روياه – ( المسند 2 / 230 ، 439 ) و ( السنن ) برقم 5208 - : عن بشر بن المفضل به .

فننظر في ( التقريب ) فنجد أن الحافظ قال عن ابن المفضل هذا : ثقة ثبت عابد . ثم ننظر في ابن عجلان ؛ فمن هو ابن عجلان هذا وكيف نعرف اسمه ؟

5- نبحث في ( التقريب ) فيمن نسب إلى أبيه فنجد أن هناك رجلاً واحداً يقال له : ابن عجلان وهو : محمد بن عجلان المدني قال عنه الحافظ في ( التقريب ) : صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة .

6- نرجع لـ ( تهذيب التهذيب ) فننظر في ترجمة ابن عجلان فنجد أنه ممن اختلف فيه أقوال الحفاظ ؛ وقد لخص الحافظ - حسب ما رآه - تلك الأقوال بما تقدم ذكره .

7- ننظر هل وافق أحد كبار أئمة التحقيق في علم الرجال كالذهبي رأي ابن حجر ؟

فننظر في كتاب ( ميزان الاعتدال ) في ترجمة محمد بن عجلان ( 3 / 644 ) فنجد أن الذهبي قد وصفه بقوله : إمام صدوق مشهور . ثم قال بعد ذلك بقليل : ومع كون ابن عجلان متوسطاً في الحفظ ؛ فقد ورد ما يدل على جودة ذكائه .... وهذا ما اعتمده شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في أحاديث ابن عجلان ، وأنها في درجة الحسن ؛ فيحتج به ما لم يُخالف ؛ وهو هنا لم يخالف ؛ فالسند حسن ؛ والمقبري فثقة ؛ وعليه فالحديث حسن الإسناد .

يتبع .. (الدرس الثالث) ..

مالك مناع
11-28-2009, 11:23 PM
الدرس الثالث:

لنأخذ الآن حديثاً لم يتحقق في سنده شروط الصحة ، ولا شروط الحسن، وليكن حديث : ( صاحب الدين مأسور بدينه ، يشكو ربه الوحدة يوم القيامة ) ؟

1- بالرجوع للمعجم المفهرس لكلمة ( أسر) - فهي الكلمة الغريبة في هذا الحديث - نجد أنه لا توجد كلمة ( مأسور ) في المعجم المفهرس ؛ فما العمل ؟

2- نقوم بالبحث في معاجم أخرى رُتبت فيها الأحاديث ترتيباً أبجدياً كما هو في ( المعجم المفهرس ) ، فنجد أن هناك كتاباً جامعاً يسمى ( موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ) للبسيوني زغلول .

3- نبحث في هذه الموسوعة فنقف على الحديث في المجلد الخامس ص 317معزواً لـ ( مجمع 4 / 129 ) أي: (مجمع الزوائد ) للحافظ الهيثمي - الذي أورد فيه زوائد المعاجم الثلاثة للطبراي ، ومسند البزار ، ومسند أبي يعلى ، وزوائد أحمد في ( المسند ) مع زوائد ابنه عبد الله : كل هؤلاء لهم زوائد على الكتب الستة المعرفة - وكذلك لـ ( سنة 8 / 203 ) أي كتاب ( شرح السنة ) للبغوي - وهو كتاب ينبغي أن لا تخلو منه مكتبة طالب الحديث - كما عزاه صاحب ( موسوعة أطراف الحديث ) لـ ( مشكاة ) ويعني به كتاب ( مشكاة المصابيح ) للبغوي ؛ إلا أن هذا الأخير لا يُعتبر مصدراً أساسياً لعدم وجود أسانيد فيه ؛ بل هو من المراجع الثانوية ؛ لكنه محقق تحقيقاً نادراً من قبل شيخنا محدث العصر الألباني؛ فلا ينبغي خلو مكتبة طالب الحديث منه أيضاً .

4- نرجع لـ ( مجمع الزوائد ) لنرى فيه حكم الهيثمي على الحديث - مع التنبيه إلى أن الهيثمي متساهل في التوثيق في كتابه هذا ؛ فلا ينبغي الاعتماد عليه ، وبخاصة فيما يُطلق فيه الألفاظ كقوله : ( ورجاله ثقات ) ! بينما الواقع العملي أن في سنده انقطاعاً أو غير ذلك من علل الحديث ؛ فيغتر به من لم يتقن هذا العلم الشريف ككثير من الذين ظهروا في الساحة ممن تشبعوا بما لم يُعطوا ! ولنأخذ مثالاً على ما نقوله بحق الهيثمي من تساهل وليكن هذا المثال هو الحديث الذي بين يدينا: فنجد أن الهيثمي قال: ( رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه مبارك بن فضالة : وثقه عفان و ابن حبان وضعفه جماعة ) ! والحق أن هذا من تساهل الهيثمي أيضاً : فمبارك هذا لا يفيده توثيق ابن حبان كثيراً ؛ فإن الأخير يوثق الضعفاء والمجاهيل - كما هو معلوم من كلام أهل العلم فيه - ؛ لكن توثيق عفان مقبول بلا ريب ؛ إلا أن علينا أن نعمل بقاعدة مهمة في علم الجرح والتعديل ؛ وهي أن الجرح المفسر بسوء الحفظ أو التدليس أو غير ذلك من العلل الخفية مقدم على التعديل ؛ كما هو الحال في فضالة - بفتح النون والضاء المعجمة - فجرح غيره من الحفاظ مقدم على توثيق من وثقه من الحفاظ .

ولهذا لو رجعنا لكتاب: ( تهذيب التهذيب ) لابن حجر ( 4 / 18 – 19 ) لوجدنا أن أبازرعة وأبا داود قد رميا فضالة هذا بالتدليس - والتدليس أن يروي المدلس عمن لقيه ما لم يسمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه ، موهماً أنه قد سمعه منه - فإذاً هذه علة قادحة في السند فتقدم على توثيق من وثقه بصورة مطلقة . ولهذا قال الحافظ في ( التقريب ): صدوق يدلس ويسوّي - وتدليس التسوية من أنواع التدليس الشديدة التي يجب أن يصرح فيها المدلِس بالسماع أو التحديث أو الإخبار عن شيخه ومن فوقه من الرواة - فمبارك صدوق لو صرح بالسماع عن شيخه ومن فوقه ؛ إلا أنه لم يصرح بذلك فحديثه ضعيف .

نواصل البحث عن رجال السند فنجد فيه :

كثيراً أبا محمد ؛ فنبحث في ( التقريب ) لنقف على أنه مقبول عند الحافظ - وهذه العبارة معناها عنده أن الراوي يكون مقبول الحديث إذا توبع من قبل راو آخر وإلا فهو ضعيف - فنرجع لـ ( التهذيب ) 3 / 467 فلا نجد في الرواة عن كثير هذا سوى فضالة وحماد بن سلمة ؛ فهو مجهول الحال على التحقيق - ومجهول الحال من روى عنه اثنان ولم يوثقه معتبر كابن حبان والعجلي - فاجتمعت في السند علتان هما : تدليس مبارك بن فضالة ، وجهالة حال كثير هذا .

ومما سبق نعلم يقيناً ملموساً أن الهيثمي ممن لا يُقبل منه التوثيق بصورة مطلقة ؛ بل يجب البحث عن حال السند الذي يقول عنه : ( رجاله رجال الصحيح ) أو غير ذلك من العبارات الموهمة لصحة أو حسن السند !

والمصدر الآخر الذي روى هذا الحديث هو الحافظ البغوي في كتابه ( شرح السنة ) كما تقدم ؛ وهو يرويه من طريق فضالة أيضاً ؛ فلا يفيدنا شيئاً رواية البغوي للحديث - لا كما يظن بعض من لا علم عنده بهذا الفن أنه متى كثر من أخرج الحديث من الأئمة صار الحديث قوياً ! - فعندئذ نختتم دراستنا لسند الحديث فنقول : الحديث ضعيف بهذا السند من رواية البراء بن عازب رضي الله عنه .

6- ثم يأتي التأكد من حكمنا هذا بمراجعة أحكام علماء هذا الفن كشيخنا الألباني رحمه الله تعال فنجد أنه قال في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ) - وينبغي ألا تخلو مكتبة طالب علم الحديث منها ومن قسمها الآخر ( السلسلة الصحيحة ) - برقم 1376 : ( ضعيف ) ؛ ثم بين علتيه اللتين ذكرناهما بحمد الله تعالى فيما مضى .


يتبع .. (الدرس الرابع) ..

ماكـولا
11-29-2009, 10:19 AM
الاخ الطيب بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء على هذه النقول الطيبة
اخي في الله في المشاركة رقم (1) رقم
12- ..إلا أن ابن جريج فمع كونه ثقة إلا أنه مشهور بالتدليس ؛ لكنه قد صرح هنا بالسماع من جابر ؛ فانتفت علة التدليس ، وصار السند صحيحاً .


وعلّه أخي صرح بالسماع من محمد بن مسلم أبو الزبير

وفقكم ربي , وعيدكم مبارك
متابع ان شاء الله

مالك مناع
11-30-2009, 06:28 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب ونفع بك الإسلام والمسلمين ..

الدرس الرابع:

في هذا الدرس سنأخذ بإذن الله تعالى خلاصة للدروس السابقة ؛ تذكيراً بالنواحي النظرية فيها في قواعد المصطلح .

1- الحديث الصحيح : ما رواه عدل ضابط بسنده متصلاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أو إلى منتهاه ( منتهى السند قد يكون صحابياً أو تابعياً مثلاً ) ولا يكون شاذاً أو معللاً بعلة قادحة .

2- الحديث الحسن : هو نفس تعريف الحديث الصحيح إلا أن الرواة فيه أو بعضهم ممن يكون خفيف الضبط مع العدالة ؛ أو نقول : هو متوسط الحفظ مع كونه عدلاً .

3- الحديث الضعيف : هو ما فقد شرطاً من شروط الحديث الحسن ؛ أي كان راويه : سيء الحفظ أو يخطيء كثيراً أو لين الحديث أو ضعيف الحديث ؛ وقد يكون ضعفه من جهة علة

أخرى كالانقطاع - أي سقوط راو من السند في موضع أو عدة مواضع من السند - أو كالإعضال - وهو سقوط اثنين أو أكثر من السند في موضع أو عدة مواضع من السند - أو الإرسال وهو : ما سقط من سنده الصحابي أو غير ذك من العلل التي سنرى بعضها بإذن الله تعالى فيما يلي من الدروس .

4- الحديث الضعيف جداً : هو ما كان في سنده متهم بالكذب أو متروك الحديث أو متهم بفسق أو ساقط أو منكر الحديث أو واهي الحديث .

وسوف نأخذ مثالاً على حديث شديد الضعف أو ما يسمى واهي السند أو الضعيف جداً : ( ما برَّ أباه من شد إليه الطَّرف ) ؟

والآن وبعد أن تعودنا الرجوع إلى ( المعجم المفهرس ) أو ( موسوعة أطراف الحديث ) نجد أن هذا الحديث ليس من شرط المعجم المفهرس ؛ فإننا بمراجعة موسوعة الأطراف نقف على أن الذي رواه هو : ابن عدي ؛ وذلك بقول المؤلف ( عدي 4 : 1378 ) .

ننظر الآن سنده من ( الكامل ) لابن عدي في الموضع السابق فنجد أنه روي من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً به .

عند البحث في رجال السند نجد أن فيه : صالح بن موسى ؛ وهو بهذا الاسم فرد - أي ليس له شبيه في اسمه واسم أبيه في ( التقريب ) - ونجد أن الحافظ قال عنه : صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة التيمي الكوفي : متروك من الثامنة .

فهل هناك في بعض المصادر الأخرى للرجال ؛ كـ ( الميزان ) أو ( لسان الميزان ) أو غيرهما من يسمى : صالح بن موسى ؟ وما معنى قول الحافظ : من الثامنة ؟ فإن هذا الاصطلاح لم نأخذه في الدروس السابقة ؟

بالبحث في ( الميزان ) للذهبي و( لسان الميزان ) لابن حجر : فإننا لا نجد من يسمى صالح بن موسى في هذين الكتابين أيضاً ؛ وعليه فصالح بن موسى من الأفراد حتى في خارج الكتب الستة .

أما قول الحافظ : من الثامنة ؛ فإن الحافظ قد بين مصطلحه هذا في مقدمة ( التقريب ) ؛ فهو يعني بالطبقة الأولى : هم الصحابة .

والثانية : كبار التابعين . الثالثة : الوسطى من التابعين . الرابعة : أيضاً من التابعين . الخامسة : أيضاً من التابعين ولكنها أصغر من التي قبلها .

السادسة : أيضاً من التابعين لكن لم يثبت لهم لقاء أحد الصحابة .

السابعة : كبار أتباع التابعين .

الثامنة : الوسطى من أتباع التابعين . وهذا يعني أن صالح بن موسى ذاك المتروك هو من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين .

التاسعة : صغرى من أتباع التابعين .

العاشرة : كبار الآخذين عن تبع الأتباع .

الحادية عشرة : الوسطى منهم .

الثانية عشرة : الصغار منهم .

ولاحظ أيضاً - أيها الدارس – أن زمن وفاة الرواة قد يختلط عليك ؛ فإن مصطلح الحافظ أن من كان من الأولى والثانية فهم الذين توفوا قبل المائة ؛ وإن كانوا من الثالثة إلى الثامنة فهم بعد المائة ، ومن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين . فمثلاً لو أخذنا تاريخ وفاة البخاري : محمد بن إسماعيل نجد الحافظ يقول : مات سنة ست وخمسين !

فقد يظن من لم يعرف مصطلح الحافظ أنه توفي سنة 56 هجرية ! بينما الواقع أنه توفي بعد المائتين أي 256 للهجرة فاحفظ هذا فإنه مهم .

وبمقارنة حكمنا السابق على الحديث ننظر في حكم المحدث الألباني عليه ؛ فنجد أنه حكم عليه بالضعف الشديد أيضاً ولنفس العلة وهي كون صالح بن موسى متروكاً . لكن لنا زيادة لم يذكرها شيخنا في علل هذا السند ؟

فإن الراوي عن صالح بن موسى هو : سويد بن سعيد ؛ وهو وإن كان من رجال مسلم - أي ممن روى لهم مسلم في صحيحه – إلا أنه ممن اتهمه ابن معين وأفحش القول فيه ، وقال النسائي : ليس بثقة ولا مأمون . فمثله ممن هو دون صالح بن موسى في السند أولى بالاتهام من صالح هذا ؛ وفي ظني لو تنبه شيخنا رحمه الله لذلك لألصق العلة بسويد هذا ؛ لأنه هو الذي يروي عن صالح فقد يكون من أوهامه أو أخطائه ذكر صالح في السند !!

لكن زال ما نخشاه - ولو لم ينبه عليه شيخنا أيضاً رحمه الله تعالى – برواية الطبراني في ( المعجم الأوسط ) – مجمع البحرين للهيثمي – برقم 2847 فقد قال الطبراني : حدثنا هيثم بن خالد ، ثنا – وهذا اختصار لحدثنا فاهم ذلك – عبد الكبير بن المعافى ، ثنا صالح بن موسى الطلحي به – أي بتمام السند السابق عند ابن عدي أيضاً – ولكن هيثم بن خالد هذا ضعيف كما قال ابن حجر في ( التقريب ) وكما قال الذهبي عن الدارقطني في ( الميزان ) . فلولا ضعف خالد هذا لقلنا بأن هناك متابعة من عبد الكريم بن المعافى - وهو ثقة رضي كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه في ( الجرح والتعديل ) 6 / 63 - لسويد بن سعيد عند ابن عدي ؛ ولكن لا تزال علة السند في سويد بن سعيد ؛ ولا تزال الجناية معصبة برأسه !

وهكذا فالحديث ضعيف على أحسن أحوال سويد بن سعيد ؛ وهو ضعيف جداً باعتباره متروكاً ، مع كون صالح بن موسى من المتروكين أيضاَ .


يتبع .. (الدرس الخامس) ..

متعلم أمازيغي
11-30-2009, 07:11 PM
الأخ مالك مناع بارك الله فيك،ما أحوجنا لإحياء هذه العلوم،خصوصا علم المصطلح فإنه عماد علوم المسلمين..
أود أن أنبه على مسألة مهمة،و هي تعريف المعضل،فقد أشرت إلى كون المعضل هو ما سقط منه إثنان أو أكثر،قلت :


كالإعضال - وهو سقوط اثنين أو أكثر من السند في موضع أو عدة مواضع من السند

و هذا التعريف ناقص و لاشك،وإلا فما الفرق بين المعضل و المنقطع؟

كلاهما يحدان بالسند الذي سقط من سنده إثنان أو أكثر (بالنسبة للمنقطع يكفي أن يسقط واحد فقط).

إذن فقد أهملت شرطا آخر ألا و هو توالي سقوط رواة الحديث من السند،أي أن يكونا متواليين متتابعين.
لنأخذ السلسة المشهورة مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله ( ص ).
فمثلا إذا رفع مالك رحمه الله حديثا للنبي صلى الله عليه و سلم نقول أن الحديث معضل،لماذا؟

لسقوط راويان متتاليان و هما نافع و ابن عمر رضي الله عنهما.

و جزاكم الله خيرا

قطري ابن الفجاءة
11-30-2009, 10:22 PM
إلا أن ابن جريج فمع كونه ثقة إلا أنه مشهور بالتدليس


كيف هذه ؟؟؟؟؟

مالك مناع
11-30-2009, 11:59 PM
المشاركة الأصلية بواسطة متعلم أمازيغي: هذا التعريف ناقص و لاشك، وإلا فما الفرق بين المعضل و المنقطع؟

كلاهما يحدان بالسند الذي سقط من سنده إثنان أو أكثر (بالنسبة للمنقطع يكفي أن يسقط واحد فقط).

إذن فقد أهملت شرطا آخر ألا و هو توالي سقوط رواة الحديث من السند،أي أن يكونا متواليين متتابعين.
لنأخذ السلسة المشهورة مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله .
فمثلا إذا رفع مالك رحمه الله حديثا للنبي صلى الله عليه و سلم نقول أن الحديث معضل،لماذا؟

لسقوط راويان متتاليان و هما نافع و ابن عمر رضي الله عنهما.

و جزاكم الله خيرا

بين المعضل والمنقطع عموم وخصوص إذ أن المتقدمين من العلماء درجوا على تعريف المنقطع بأنه كل ما لا يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، وعليه يكون المنقطع أصلاً عاماً تندرج تحته أنواع الانقطاع، فيدخل فيه المرسل والمعلق والمعضل، لكن المتأخرين خصوا المنقطع بما لم تنطبق عليه صورة المرسل أو المعلق أو المعضل، فصار المنقطع عند المتأخرين من أهل الحديث هو ما لم يتصل إسناده ما عدا صوراً ثلاثاً من صور الانقطاع وهي حذف أول الإسناد، أو حذف آخره أو حذف اثنين متواليين من أي مكان كان، وهذا الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر في النخبة.

وجزاكم الله خيراً على المتابعة ..

مالك مناع
12-01-2009, 12:03 AM
إلا أن ابن جريج فمع كونه ثقة إلا أنه مشهور بالتدليس

كيف هذه ؟؟؟؟؟

التدليس لا يعتبر قادحاً في عدالة الرواي إن صرح بالسماع.

بوركتم ..

متعلم أمازيغي
12-01-2009, 02:47 PM
كيف هذه ؟؟؟؟؟

الزميل القطري أهلا بك مرة أخرى.

الكثيرون يظنون أن التدليس من الكذب الذي يستحق من أجله الراوي أن يوضع في خانة المتهمين و المجرحين.
لكن الأمر غير ذلك،فإن المدلس الذي يعنعن و يؤنئن الحديث إنما حمله على ذلك مخافة الكذب،لذلك تجد يقول عن فلان،فلو قال حدثنا أو سمعت لكان كاذبا،لأنه لم يسمع مباشرة من هذا الراوي،و التدليس أشبه ما يكون بالإرسال الخفي.
و لتقر عينك يا قطري فإن رواية المعنعن غير مقبولة عند أهل الحديث حتى يصرح بالسماع كما قال أستاذنا مالك مناع،و إليك رواية طريفة تثبت حرص أهل الحديث على تصريح الراوي المدلس بالسماع.
يقول ابن الصلاح في مقدمته ص 41 : "مثال ذلك ما روينا عن علي بن خشرم،قال كنا عند ابن عيينة فقال : قال الزهري،فقيل له حدثكم الزهري؟فسكت ثم قال : قال الزهري،فقيل له سمعته من الزهري؟ فقال ابن عيينة : لا لم أسمعه من الزهري و لا ممن سمعه من الزهري،حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.

فيا أيها القرآني الفاضل لو كان ابن عيينة و هو من هو في الحديث كذابا لقال نعم سمعته عن الزهري مع أنه لم يسمع منه مباشرة،لكن تقواه كان حاجبا و حائلا بينه و بين الكذب،فرحم الله سفيان بن عيينة و سائر أهل الحديث.

قطري ابن الفجاءة
12-01-2009, 07:55 PM
فيا أيها القرآني الفاضل

يا أيها السني الفاضل لست قرآنيا :):

قطري ابن الفجاءة
12-01-2009, 08:00 PM
لا اعرف كيف أولت معنى التدليس بهذه الطريقة

ولكن على كل عندما اقول للناس : عن متعلم امازيغي كذا وكذا فهنا انا نسبت القول اليك لأن الناس " ان كانوا يثقون بي " سيقولون فعلا قال الأمازيغي كذا وكذا !!

اظن ان كل الأسانيد بها عن فلان وقال فلان فمن الذي يفصل في ان فلان مدلس او غير مدلس

مالك مناع
12-01-2009, 10:50 PM
للتدليس قسمان رئيسيان:

1. تدليس الإسناد: وهو أن يروي الراوي عمن قد سمع منه ما لم يسمع منه، من غير أن يذكر أنه سمعه منه. ويدخل فيه تدليس تدليس الإسقاط والتسوية والقطع والعطف. وحكمه أنه مكروه جداً؛ ذمه أكثر العلماء، قال شعبة بن الحجاج: التدليس أخو الكذب. وشر أنواعه تدليس التسوية.

وأما حكم حديث المدلس تدليس الإسناد فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن مارواه المدلس الثقة بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المنقطع مردود، وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو (سمعت، وحدثنا، وأخبرنا) فهو متصل، يحتج به إذا استوفى باقي السند والمتن شروط الاحتجاج.

وهذا لأن التدليس ليس كذباً، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل، فإذا زال الاحتمال كان الإسناد متصلاً، وقد أخذ بهذا جمهور الفقهاء لا سيما الشافعي، ويدل على ذلك أيضاً أن في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة كثيراً من أحاديث هذا الضرب مما صرح فيه بالسماع، كقتادة والأعمش وسفيان الثوري وابن عيينه وغيرهم. فتصحيح الأئمة لأحاديثهم التي بينوا فيها اتصال السند يدل على ذلك.

2. تدليس الشيوخ: وهو أن يروي الراوي عن شيخ حديثاً سمعه منه، فيسميه، أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يُعرف.

وحكمه أنه أخف كراهة من تدليس الإسناد، لأن المدلس لم يسقط أحداً، وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه، وتوعير طريق معرفته على السامع، وتختلف الحال في كراهته بحسب الغرض الحامل عليه.


ولكن على كل عندما اقول للناس : عن متعلم امازيغي كذا وكذا فهنا انا نسبت القول اليك لأن الناس " ان كانوا يثقون بي " سيقولون فعلا قال الأمازيغي كذا وكذا !!

والأمازيغي فعلاً قاله، فالنسبة إليه صحيحة، ولكنك (الرواي الذي روى عن الأمازيغي) لم تسمعه منه فرويته بالعنعنة لأنك لا تريد أن تكذب إذا قلت: حدثني أو سمعت .. إلى آخر الألفاظ التي توهم الاتصال، فإن صرحت بالسماع رفع عن السند وهم الانقطاع في هذا الموضع ولم يكن ذلك قادحاً في عدالتك، وإن لم تصرح بالسماع كان السند منقطعاً وحكمه مردود.


اظن ان كل الأسانيد بها عن فلان وقال فلان فمن الذي يفصل في ان فلان مدلس او غير مدلس

الإطلاق غير صحيح فليس كل الأسانيد فيها العنعنة. هذه واحدة .. أما كيف يعرف التدليس ؟ فيعرف بأحد أمرين:

- إخبار المدلس نفسه أنه دلس، كما جرى لابن عيينة (انظر ما نقله الأخ متعلم أمازيغي في مداخلته السابقة)
- نص إمام من أئمة هذا الشأن، بناء على معرفته ذلك من البحث والتتبع.

وقد ألفت مصنفات كثيرة في التدليس والمدلسين، أشهرها:

- التبيين لأسماء المدلسين للخطيب البغدادي. (وله مؤلفان آخران أفرد كلاً منهما لبيان نوع من أنواع التدليس).
- التبيين لأسماء المدلسين لبرهان الدين ابن الحلبي.
- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر العسقلاني.

وجزاكم الله خيراً ..

مالك مناع
12-12-2009, 01:25 AM
الدرس الخامس:

نواصل بإذن الله تعالى شرح الطريقة العملية لكيفية تخريج الحديث وتحقيق سنده ؛ فنقول :وقبل الخوض في ذلك نتمم بعض التعريفات الضرورية لمتابعة دروسنا هذه :

فالحديث الموضوع : هو الذي في سنده كذاب أو وضاع أو من يسرق الحديث ويركب الأسانيد على المتون .

والحديث الشاذ : هو الحديث الذي خالف في سنده الثقة من هو أوثق منه .

والحديث المنكر : هو الحديث الذي خالف في سنده الضعيف الثقة .

والحديث المعلل : هو الحديث الذي يطلع فيه الناقد البصير بهذا الفن الشريف على علة في سنده أو متنه توجب ضعفه أو بطلانه : مثل الإرسال أو التدليس الخفي أو الوقف أو الإدراج أو دخول حديث في حديث آخر .

والحديث الغريب : هو ما رواه راوٍ واحد منفرداً بروايته ؛ فلم يروه غيره . أو انفرد بزيادةٍ في متنه ، أو إسناده . والغرابة تكون في السند أو المتن .

نكتفي بهذا الآن وعود للتطبيق العملي :

وسوف أذكر حديثاً موضوعاً - أو شديد الضعف على أحسن أحواله - ويكون مع ذلك غريباً لا يُعرف إلا من رواية ذلك الكذاب !

حديث : ( إياكم وخضراء الدمن ، قيل : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ) .

فهذا الحديث تفرد به الواقدي الكذاب ، عن يحيى بن سعيد بن دينار ، عن أبي وجزة : يزيد بن عبيد ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به .

كذا جزم إمام الدنيا في العلل : الحافظ الدارقطني في كتابه ( الغرائب والأفراد ) - الذي رتبه ابن طاهر المقدسي - ( ج5 / ص 78 ) برقم ( 4726 ) . ثم قال : ( غريب من حديث أبي وجزة - بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي كما في التقريب ، وصُحف في المطبوعة إلى : وجرة ! - يزيد بن عبيد ، عن عطاء ، تفرد به الواقدي ، عن يحيى بن سعيد بن دينار عنه ) . فهو حديث غريب أو- فرد مطلق - من حديث الواقدي الكذاب !

ولهذا لم يروه الرامهرمزي في ( الأمثال ) - كما في ( تخريج الإحياء ) للعراقي 2 / 42 - والقضاعي في ( مسند الشهاب ) برقم 957 إلا من هذا الوجه - أي الطريق -

وبهذا نكون قد عرفنا - عملياً - الموضوع ، والغريب .

يتبع .. الدرس السادس ..

مالك مناع
12-12-2009, 01:31 AM
الدرس السادس:

نواصل طريقة تخريج الأحاديث وتحقيقها ، وذلك ببيان الحديث الشاذ والحديث المنكر : ولنأخذ حديث : ( كان إذا شرب تنفس مرتين ) : أخرجه الترمذي برقم ( 1886 ) ، وابن ماجة برقم ( 3417 )وغيرهما من حديث ابن عباس مرفوعاً .

فهذا الحديث ضعفه الترمذي من جهة سنده بقوله : ( هذا حديث غريب - وهذا اصطلاح خاص بالترمذي علم بالاستقراء - لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن كريب ) .

ورشدين ضعيف كما في ( التقريب ) فهذا المتن للحديث شاذ ؛ بل منكر لمخالفة رشدين الضعيف للثقات الذين رووا الحديث فذكروا التنفس ثلاثاً ، فهذا هو المحفوظ في الحديث كما هو في الصحيحين من رواية أنس : ( كان إذا شرب ؛ تنفس في الماء ثلاثاً ) .

ومن أمثلة الشاذ في السند والمتن حديث : ( ليس من امبرّ امصيامُ في امسفر ) .

فهذا رواه أحمد في ( المسند ) 5 / 434 عن معمر ، عن الزهري ، عن صفوان بن عبد الله ، عن أم الرداء ، عن كعب بن عاصم الأشعري فذكره مرفوعاً .

فهنا نجد أن السند صحيح في الظاهر ؛ فرجاله كلهم ثقات من رجال مسلم ؛ لكن العلة في مخالفة معمر بن راشد للثقات الذين رووا هذا الحديث بلفظ : ( ليس من البر الصيام في السفر ) وهم :

ابن جريج ويونس ومحمد بن أبي حفصة والزبيدي ، ومعمر نفسه أيضاً - في رواية للبيهقي - كما هو في ( الضعيفة ) برقم( 1130 ) - ؛ ومعمر ثقة لكنّ له أوهاماً فيما حدث من حفظه بالبصرة ، مع كون الحديث محفوظاً من رواية عدد آخرين من الصحابة باللفظ الأخير . وانظر بقية فوائد الحديث والكلام عليه في المرجع السابق .

أما الحديث المنكر فمثاله :

( لا تزال المرأة تلعنها الملائكة ، أو يلعنها الله وملائكته ، وخزّان الرحمة والعذاب ما انتهكت من معاصي الله ) .

فهذا منكر ؛ لأن في سنده ثلاث علل بيانها في ( الضعيفة ) برقم ( 6403 ) فهذا الحديث منكر متناً ضعيف سنداً ؛ لأنه لم يُعهد في الشريعة قط أن اللعنة يستحقها كل من ارتكب شيئاً من المعاصي ؛ كما أنه لا معنى لتخصيص النساء بذلك ؛ فالرجال مثلهم !

ومن الأحاديث المنكرة : ( أخروهن من حيث أخرهن الله ) يعني النساء !

فهذا الحديث منكر متناً ، مع كونه موقوفاً من جهة السند : فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه - كما في ( الضعيفة ) برقم 918 - فقد ذكر شيخنا أنه موقوف لا حجة فيه ، وأن الظاهر انه من الإسرائيليات .

قلت : ومما يبين ويقطع بنكارته مخالفته لما صح في أن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم عليه السلام ؛ بينما هذا الأثر ينص على أن الحيض ألقي على نساء بني إسرائيل لمعصية ارتكبنها !! وهذه العلة الأخيرة لم يذكرها شيخنا رحمه الله تعالى .

يتبع الدرس السابع ..

مالك مناع
12-12-2009, 01:36 AM
الدرس السابع:

هذا مثال آخر - وليس بالأخير - على الحديث الذي توبع فيه أحد رجال السند بمتابعة قد تخفى حتى على الحفاظ :فقد ضعف شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في ( السلسلة الضعيفة ) برقم 6956 حديث :( لا عقوبة فوق عشر ضربات ؛ إلا في حد من حدود الله ) مع كونه في البخاري !

وأعله بالفضيل بن سليمان ؛ ونقل قول الحافظ ابن حجر فيه : ( صدوق له خطأ كثير ؛ روى له البخاري متابعة ) .

ثم قال بأن من تساهل الحافظ تجاه ( صحيح البخاري ) أنه أغفل الكلام على الفضيل ؛ بل ذكر متابعاً للبخاري - وليس البخاري بحاجة لمتابع - ألا وهو : علي بن إسماعيل بن حماد الذي كان قد اختلط ! ثم ذكر أنه لا يحابي الإمام البخاري رحمه الله في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد صدق شيخنا رحمه الله .

ونحن نقول: ولا نحابي شيخنا رحمه الله في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ فإنه قد فات شيخنا رحمه الله تعالى أن الفضيل قد توبع من قبل ثقة عند عبد الرزاق في ( المصنف ) !

فقد فاتت هذه المتابعة الحافظ ابن حجر - قبل شيخنا - !

وقد أخطأ شيخنا رحمه الله تعالى في هذا التضعيف !

فقد توبع الفضيل بن سليمان: تابعه مسلم بن أبي مريم وهو ثقة !

وهو في ( مصنف عبد الرزاق ) 7 ص 413 قال رواي المصنف: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال وأخبرني مسلم بن أبي مريم أن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله أخبره عن رجل من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عقوبة فوق عشرة أسواط إلا أن يكون في حد من حدود الله .

وهذه فائدة لا تقدر بثمن ؛ وهي تدل دلالة قاطعة على أنه: ( كم ترك الأول للآخر ) .


يتبع .. الدرس الثامن ..

مالك مناع
12-12-2009, 01:44 AM
الدرس الثامن:

الآن سوف نتكلم على شيء من علم العلل: فكان شيخنا مقبل الوادعي - رحمه الله تعالى - سألني : هل صحت عندك زيادة ( ومغفرته ) ؟ ولم أكن قد بحثت المسألة ، فقلت له : صححها شيخنا الألباني ! فقال : أنا أسألك أنت ؟ فقلت: سأبحث إن شاء الله. والآن يسر الله لي البحث:

فرجعت لكتاب ( شعب الإيمان ) للبيهقي 6 / 456 برقم 8881 ، وكذا رجعت لكتاب ( الكامل ) لابن عدي 7 / 2588؛ فرأيت أن ابن عدي يرويه عن علي بن سعيد - وهو الرازي - ثنا محمد بن حميد ثنا إبراهيم بن المختار به والرازي حافظ ، ويحفظ ويفهم ، ووثقه قاسم بن مسلمة ؛ لكن قال الدارقطني : ليس بذاك وفي رواية : ليس بثقة وتكلم فيه بعض العلماء لدخوله في أعمال السلطان ، وأنه كان والي قرية فما أعطوه الخراج فجمع الخنازير في المسجد ! انظر ( لسان الميزان ) 4 / 271 .

وأما البيهقي فيرويه من طريق علي بن الحسين بن حيان - وصحفت إلى حبان - وهو ثقة كما في ( تاريخ بغداد ) 11 / 395 لكن شيخ البيهقي: أبا الحسن محمد بن يعقوب الفقيه لم أقف له على توثيق من أحد الأئمة !

إلا أن الطريق الأولى عند ابن عدي تقوي الجزم بأنه محمد بن حميد الرازي وليس محمد بن سعيد الأصبهاني كما جزم شيخنا الألباني رحمه الله تعالى. والخلاصة هي ضعف هذه الزيادة ، وخاصة أن البيهقي نفسه ضعف الإسناد فقال :( تابعه - يعني علي بن الحسين بن حبان - محمد بن غالب عن محمد بن حميد وهذا إن صح قلنا به ، غير أن في إسناده إلى شعبة من لايحتج به ) .

وهو بلا شك ابن حميد الرازي ، وإذا تساهلنا قلنا كما قال الحافظ عنه : حافظ ضعيف ، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ( التقريب ) 5871 . إلا أن بلدي ابن حميد وهو : أبو زرعة الرازي كذبه ! وكذبه النسائي ، وقال البخاري : فيه نظر انظر ( التهذيب ) 3 / 546 - 548 فمثله أحسن أحوال حديثه الضعف الشديد ؛ ولعل شيخنا رحمه الله لو اطلع على هذا كله لتغير رأيه ؛ فإنه رجاع للحق رحمه الله . وبناءً على ما سبق ينقل الحديث بهذه الزيادة إلى ( الضعيفة ).

والله تعالى أعلم .


يتبع .. الدرس التاسع ..

مالك مناع
03-04-2010, 11:20 AM
الدرس التاسع:

سوف نذكر الآن حديثاً اختلف أهل العلم الكبار في تصحيحه وتضعيفه ؟

وكيف يقف طالب العلم بين هذين الأمرين ؟ وإلى أيهما يميل ؟ وهل لهذا الميل قرينة ؟

كل هذه التساؤلات سوف نجيب عنها في حينها بإذن الله تعالى ؛ غير انه من المهم أن يعلم طالب العلم كيفية اختلاف الرأي الآخر فيما حقه أن يتسع للخلاف .

كما أنه من خلال الردود تصقل مواهب طالب العلم ؛ فإننا بحمد الله تعالى ومنه وكرمه : ما استفدنا هذا إلا من متابعة تخريجات وتحقيقات وترجيحات شيخنا محدث العصر الألباني رحمه الله تعالى . وليكن حديثنا الذي نريد البحث فيه هو : ( اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج ) :

فهذا الحديث :

أخرجه الحاكم (1/609 ، رقم 1612) وقال : صحيح على شرط مسلم ؛ والبيهقى ( 5/261 ، رقم 10161 ) ؛ وفي ( الشعب ) ج 9 ص 148 ؛ والخطيب في ( تاريخ بغداد ) ج6 ص 70 ؛ وابن النجار في ( ذيل تاريخ بغداد ) ج 5 ص 143 . وأخرجه أيضًا : ابن خزيمة (4/132 ، رقم 2516) ، والطبراني في الأوسط (8/266 ، رقم 8594) ، وفى الصغير (2/236 ، رقم 1089) ؛ وابن عدي في ( الكامل ) ج 4 ص 11 ؛ و البزار ( 155 - كشف الأستار ) .

وقال الطبراني :

( لم يروه عن منصور إلا شريك ولا رواه عن شريك إلا علي بن شبرمة وحسين بن محمد المروزي ) !

وقال البزار :

( لا نعلم رواه هكذا إلاَّ شريك ، و لا عنه إلاَّ حسين ولم نسمعه إلاَّ من إبراهيم ) ! وكلام الطبراني يرد على البزار عند التأمل ؛ فلم يتفرد به حسين ؛ بل شاركه ابن شبرمة ؛ ففيه رد على المليبارية !

وكذا خفي على ابن طاهر المقدسي هذا فقال :( حديث : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اغفر للحاج . . . الحديث ): غريب من حديث منصور عنه، تفرد به حسين المروزي ؛ عن شريك عنه ) ! ( أطراف الغرائب والأفراد ) ج 5 ص 284 .

وقال الحافظ الزيلعي في تخريجه من كتابه العظيم ( نصب الراية ) ج5 ص 212 : ( الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ : قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ ) ، قُلْت : أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ ) انْتَهَى .

وَقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ . ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر ، قَالَ : سَمِعْت سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ . وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .

ثُمَّ وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ ، وَقَالَ فِيهِ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَهَذَا اخْتِلَافُ نُسْخَةٍ ، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ " ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي " الْكَامِلِ " .

وَقَالَ : قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ : مَا أَظُنُّ شَرِيكًا إلَّا ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ ، إلَى آخِرِهِ .

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ ، قَالَ : ( يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ ، بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمَ ، وَصَفَرَ ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ) انْتَهَى .

قلت يتضح وهم شريك من هذه الرواية التي في ( المصنف ) ج4 ص 191 :

حدثنا أبو بكر قال حدثنا شريك عن جابر عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج ".

وشاهد الحديث عند أحمد في ( المسند ) 2/69 برقم (5371) و2/128وبرقم (6112) :

حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا لَقِيتَ الْحَاجَّ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَصَافِحْهُ وَمُرْهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَإِنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ ) .

وهذه الرواية لا تصلح شاهداً لشدة ضعفها ؛ بل هي موضوعة :

محمد بن البيلماني هذا متهم بوضع نسخة حديثية !

وقال الهيثمي - متساهلاً جداً - :

( رواه أحمد وفيه محمد بن البيلماني وهو ضعيف ) !

( مجمع الزوائد ) ج 2 ص 38 .

وأورده ابن القيسراني في ( تذكرة الموضوعات ) ص 7 قائلاً : ( فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهو لا شيء في الحديث ) .

وقال شيخنا :( موضوع : رواه أحمد ( 2/69 و 128 ) ، و ابن حبان في " المجروحين " ( 2/265 ) ، و أبو الشيخ في " التاريخ " ( ص 177 ) عن محمد بن الحارث عن ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر مرفوعاً .

قلت : و هذا إسناد موضوع ، آفته ابن البيلماني ، و اسمه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ; و هو متهم بوضع نسخة كما تقدم تحت الحديث ( 54 ) .و محمد بن الحارث ضعيف ) . ( الضعيفة ) برقم ( 2411 ) .

وفات شيخنا أنه عند الفاكهي في ( أخبار مكة ) ج2 ص 483 ؛ وعند أبي الشيخ في ( طبقات المحدثين بأصبهان ) ج2 ص 493 .

ولعل شيخنا يعني بهذا الأخير ( التاريخ ) الذي عزا الحديث إليه .

وخير من هذه الرواية :

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ نَتَلَقَّى الْحَاجَّ، فَنُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَدَنَّسُوا.

قال الهيثمي – أيضاً - : ( رواه أحمد وفيه إسماعيل بن عبد الملك وهو ضعيف ) .

وله شاهد موقوف - له حكم الرفع كما سيأتي - عن عمر سنده حسن في الشواهد والمتابعات ؛ فقد أورده ابن حجر في ( إتحاف الخيرة المهرة ) ج 3 ص 74 فقال : ( وعن المهاجر قال: قال عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه-: ( يغفر للحاج ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرًا من ربيع ) : رواه مسدد ، وفي سنده ليث بن أبي سليم، والجمهور على تضعيفه ) .

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في ( المصنف ) ج 4 ص 94 فقال راوي المصنف : حدثنا أبو بكر قال ثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد قال : قال عمر : ( يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشر من شهر ربيع الأول ) .

وتقدم قول الحافظ في سنده ؛ وفيه انقطاع سيأتي بيانه .

وقال تلميذه الحافظ السخاوي في ( المقاصد الحسنة ) ج 1 ص 248:

( حديث : يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج : البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة به مرفوعاً .

وهو عند ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي بلفظ: ( اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج ) ،

وقال الحاكم : إنه على شرط مسلم ، وتعقب بأن في سند شريكاً القاضي ، ولم يخرج له إلا في المتابعات ؛ ولكن له شاهد عند التيمي في ترغيبه عن مجاهد مرسلاً .

ونحوه ما عند أحمد في ( مسنده ) عن أبي موسى الأشعري قال :

( إذا رجع يعني الحاج من الحج المبرور رجع وذنبه مغفور ودعاؤه مستجاب ) .

إلى غير ذلك من الآثار حسبما بينته في ( الأمالي ) .

بل عند أحمد أيضاً من حديث ابن عمر مرفوعا ً: ( إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ، ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته فإنه مغفور له ) .

ولمسدد في ( مسنده ) وأبي الشيخ في ( الثواب ) وغيرهما عن عمر أنه قال : ( يغفر للحاج ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشراً من ربيع الأول ) .

وهو من رواية ليث بن أبي سليم ؛ وهو ضعيف عن المهاجر بن عمرو الشامي عن عمر، وهو فيما أظن منقطع .

ويشهد له ما جاء عن يوسف بن أسباط عن ياسين الزيات - وهو ضعيف - أنه قال : ( يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج في ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع ) : أورده الدينوري في الجزء الثامن عشر من ( مجالسته) . ومثله لا يقال رأياً فحكمه إن ثبت الرفع .

ويمكن أن تكون حكمته أن أكثر الحاج يصل إلى مكة في أول ذي الحجة أو قبله بيسير ، ومعلوم أن الحسنة بعشر أمثالها فيجعل لكل يوم من عشر ذي الحجة ما عدا يوم الوقوف لمزيد الثواب فيه عشرة أيام ، فبلغ ذلك تسعين يوماً .

القدر المذكور في حديث عمر، ويحتمل أن يكون ذلك أقصى زمن ينتهي فيه القاصد مكة بعد حجه لبلده غالباً .

وأما ما أورده الديلمي في ( الفردوس ) بلا إسناد - ولم يقف له ولده ولا شيخنا على سند عن علي - رفعه :

( يغفر للحاج ولأهل بيت الحاج ولقرابة الحاج ولعشيرة الحاج ولمن شيع الحاج ولمن استغفر له الحاج أربعة أشهر عشرون بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر ) !

فليس عليه رونق ألفاظ النبوة ، بل هو ركيك لفظاً ومعنى ؛ كما بينته في بعض الأجوبة ) .

قلت : الحديث حسن بشاهده الموقوف عن عمر - فمثله لا يقال بالرأي كما قال السخاوي - فينقل من ( ضعيف الجامع ) إلى( صحيح الجامع ) لشيخنا رحمه الله تعالى . وحسنه الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد مسند البزار (2/439) برقم ( 735 ) .

ثم بعد أن كتبت هذه الأسطر اعترض أحد إخوتنا الأقوياء على هذه النتيجة بقوله :

جزاكم الله خيراً يا شيخ علي رضا على جهودك في نشر السنة، وعلى ما تقوم به من نصرة للحديث ..غير أن هذا الحديث ضعيف فيما يظهر لي .. فحديث أبي هريرة رضي الله عنه منكر وأنتم يا شيخ علي رضا قد ذهبتم إلى أن هذه الرواية وهم .. حيث قلتم : ((قلت: يتضح وهم شريك ..)) إلى آخر كلامكم .. فأنتم تقولون إن شريكاً وهم في وصله عن أبي هريرة ، وأن الصحيح روايته عن جابر عن مجاهد به مرسلاً ..

وجابر هو الجعفي وهو رافضي متروك .. فلا يستشهد به..

وأثر عمر رضي الله عنه مداره على ليث بن ابي سليم ، وهو منقطع بين المهاجر وعمر رضي الله عنه..

ورواية ابن أبي شيبة تدل على اضطراب ليث بن أبي سليم فقد رواه مرة عن مهاجر كما عند مسدد، ومرة عن مجاهد كما عند ابن أبي شيبة والأصبهاني في الترغيب والترهيب!

وأثر فيه انقطاع وراوٍ ضعيف وكذلك اضطراب يقال إنه شديد الضعف لا سيما من كان مخلطاً كليث بن أبي سليم..

فكل ما سبق يدل على أن الحديث ضعيف ..

بل أثر عمر رضي الله عنه منكر جداً سنداً ومتناً أما سنداً فسبق ما فيه من ضعفٍ وانقطاع واضطراب..

وأما متناً ففيه أن الحاج تجاب دعوته ثلاثة أشهر، وما علاقة حجه بهذه الأشهر؟!!

وأثر حبيب بن أبي ثابت قال: خرجت مع ابن عمر نتلقى الحاج فنسلم عليهم قبل أن يتدنسوا؛ يدل على أن أمد استغفار الحاج أو السلام عليه معرض للطول والقصر حسب اقترافه للمعاصي وليس حسب مدة زمنية (ثلاثة أشهر) وأثر حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر وإن كان ضعيفاً فهو أقوى سنداً من أثر عمر رضي الله عنه ..

فالحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد فيما يظهر لي .. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

تنبيه: قال الطبراني في المعجم الكبير(19رقم 205) لما خرج حديث أبي هريرة رضي الله عنه : [ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَنْصُورٍ، إِلا شَرِيكٌ، وَلا رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ، إِلا عَلِيُّ بن شُبْرُمَةَ، وَحُسَيْنُ بن مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ] ولما خرجه في(19رقم980) سقط ذكر حسين بن محمد المروزي، وكذا سقط من الأوسط (8832) ولما خرجه في الصغير(رقم1085) ذكرهما فلا أدري هل السقط من بعض النسخ الخطية من الكبير والأوسط أم من الطابع أم من الطبراني نفسه.. والطبراني صرح بأن حسين بن محمد المروزي قد رواه، وهو يعلم ذلك فلا أدري هل نسي أم سقط سهواً من الناسخ أو الطابع؟!

فأجبته بقولي :

بوركت أخي الشيخ أسامة ؛ لكن لعله لا يخفاك أن شيخنا حسن كثيراً من الأحاديث من طريق الجعفي هذا ؛ لأنه اعتمد قول الحافظ فيه : ( ضعيف ) !

فانظر ( الصحيحة ) برقم 2139 ؛ وبرقم 2222 .

وانظر أيضاً ( الصحيحة ) برقم 1970 .

وراجع ( الصحيحة ) ج 6 ص 192 .

وعلى كل حال فقد اختلف قول شيخنا فيه فمرة - كما هو في الأمثلة السابقة - يكتفي بتضعيفه ؛ وتارة يضعفه جداً .

ثم إن الوهم عند شريك قد يكون في ذكره لجابر الجعفي أيضاً ؛ كما هو الحال - تماماً - في ذكره للطريقين الآخرين ! فلا يستقيم - والحالة هذه - الجزم برواية من الروايات الثلاثة ؛ إذ الاحتمالات كلها متساوية ؛ فتأمل .

وهكذا يقال في قول : إبْرَاهِيم بْن سَعِيدٍ : ( مَا أَظُنُّ شَرِيكًا إلَّا ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ ، إلَى آخِرِهِ ) .

إذ هو مجرد ظن لا يغني من الحق شيئاً ؛ فلفظ حديث : ( من حج فلم يرفث ... ) مغاير تماماً للفظ :( اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج ) ! وعليه ؛ فلقائل أن يقول : إن رواية شريك للحديث تعتضد برواية :

حدثنا أبو بكر قال ثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد قال : قال عمر : ( يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشر من شهر ربيع الأول ) .

على المغفرة بشكل عام - على التسليم بضعف زيادة - :

( بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشر من شهر ربيع الأول ) كما استنتج فضيلتكم .

وعليه فالحديث حسن - إن شاء الله تعالى - ومعنا في تحسينه : الحافظ ابن حجر ؛ بل ذهب إلى تصحيحه : ابن حبان وابن خزيمة والحاكم .

فإذا أضفنا - إلى ما تقدم - قول الحافظ السخاوي :( ولكن له شاهد عند التيمي في ترغيبه عن مجاهد مرسلاً ) . تقوى الحديث أكثر ؛ فلم ينزل - بحول الله تعالى - عن رتبة الحسن .

فرد أخونا قائلاً :

جزاكم الله خيراً أيها الشيخ الفاضل علي رضا.. ولكن تأمل رعاكم الله أن اضطراب الراوي يزيد من وهاء إسناد حديثه ولا يخولنا بأن نختار من توهماته واضطرابه ما يوافق توهم واضطراب راوٍ آخر!!

شريك اضطرب في رواية حديثه على وجهين:

الوجه الأول : عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة

الوجه الثاني : عن جابر-يعني الجعفي- عن مجاهد مرسلاً..

فشريك سيء الحفظ، واضطرابه يدل على سوء حفظه وأنه حدث بحديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على التوهم .. أضف إلى ذلك أنه تفرد به عن منصور وتفرد شريك سيء الحفظ يورث الريبة، لا سيما أن جمعاً من الأئمة رووه عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة بحديث آخر يتعلق بالحج وهو حديث : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ..

فتعتبر رواية شريك منكرة لأنه خالف الثقات الذين رووه عن منصور بالمتن الآخر ..

وممن رواه عن منصور بالحديث الآخر : شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والفضيل بن عياض، وأبو عوانة، وجرير، ومسعر بن كدام ، وأبو الأحوص كل أولئك الأئمة رووه عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة بحديث : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق..))

وتوبع منصور عليه؛ تابعه سيار أبو الحكم فرواه عن أبي حازم عن أبي هريرة بمثل حديث منصور المحفوظ .

فظهر أن شريك قد خالف الثقات الذين رووه بذلك الإسناد ولكن بمتن آخر يشترك معه بأنه متعلق بفضل الحج..

ومثل شريك يعهد عليه مثل هذا التخليط بسبب سوء الحفظ ..

فالخلاصة أن رواية شريك فيها علل ثلاث :

العلة الأولى : سوء حفظ شريك .

العلة الثانية : اضطراب شريك فيه، فمرة رواه عن جابر الجعفي المتروك عن مجاهد مرسلاً ، ومرة رواه عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة به.

العلة الثالثة : تفرد شريك برواية هذا الحديث عن منصور، ومخالفته للثقات عن منصور حيث رووه عنه عن أبي حازم عن أبي هريرة بحديث : ((من حج فلم يرفث..)) فكل هذا العلل تنادي على حديث شريك بالضعف، بل لا يبعد أن يوصف بالضعف الشديد..

وهب أننا سلمنا جدلاً أن حديث شريك ليس بمنكر، وأنه صالح في الشواهد فهل هناك شاهد قوي يعضده؟

الجواب :

لا يوجد له شاهد قوي يصلح للشهادة ..

فأثر عمر رضي الله عنه ضعيف مضطرب منكر سنداً ومتناً..

ففيه ثلاث آفات :

الآفة الأولى : أن مدار أثر عمر رضي الله عنه على ليث بن أبي سليم وهو ضعيف مخلط..

الآفة الثانية : أن ليث بن أبي سليم قد اضطرب فيه، فمرة رواه عن مجاهد، ومرة رواه عن مهاجر!!

الآفة الثالثة : الانقطاع بين المهاجر ومجاهد وعمر رضي الله عنه فإنهما لم يدركاه .

والآفة الرابعة : نكارة المتن الظاهرة التي تمنع من جزمنا أو حتى ظننا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاله أو تكلم به. والتيمي هو نفسه الأصبهاني صاحب كتاب الترغيب والترهيب، وقد رواه من طريق ليث عن مجاهد بمثل رواية ابن أبي شيبة ..فتبين أن رواية ليث عن مجاهد عن عمر لا تصلح للشهادة فيبقى حديث شريك

واضطرابه بلا شاهد صالح للشهادة.. فالحديث فيما يظهر لي ضعيف أو منكر ..

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..


فرددت على أخينا بقولي :

لم تدللوا على نكارة السند لأثر ليث بشيء ظاهر ؛ بل اكتفيتم بذكر النكارة دون بيان !

ثم إن المتن - لو سلمنا بنكارته ؛ ففضل الله تعالى واسع ! - إنما استشهدنا بطرفه الأول فقط ؛ وهذا ما لم تشيروا إليه مع أني ركزت عليه في تعليقي آنفاً !

ثم إن قولكم بأن شريكاً خالف الثقات ؛ لا يعدوا أن يكون ظناً لا يغني من الحق شيئاً !

فهل كلما روى جماعة من الثقات حديثاً بمتن معين عن شيخ معين من طريق معينة ؛ ثم جاءنا راو ورى حديثاً آخر - وركز تماماً على هذا - بمتن مختلف مغاير تماماً للمتن الأول عن نفس الشيخ من نفس الطريق نقول : لا بد أن الأخير واهم ؛ لأنه كان يجب أن يوافق الثقات ويروي متنهم بعينه !!

وهذا يجعلنا نوهم كل من روى حديثاً عن شيخ من وجه معين ؛ وجاء آخرون ورووا حديثاً آخر عن نفس الشيخ من نفس الوجه ؛ ولكن بمتن مختلف تماماً !

نعم !

لو روى شريك أو غيره من الثقات عن شيخ حديثاً بعينه من وجه معين ؛ ثم جاء جماعة من الثقات الأثبات فخالفوا هذا الضعيف أو ذاك الثقة فرووا نفس المتن بعينه عن نفس الشيخ الأول بعينه من نفس الوجه بعينه ؛ قلنا عنذاك :

الأول منكر ؛ والثاني شاذ !

وما أرى تحسين شيخ الإسلام - بحق - ابن حجر للحديث إلا من هذه البابة !


فكان رد أخينا هكذا :

بارك الله فيكم يا شيخ علي رضا ، وشكر الله وقوفك عن الأدلة والبراهين دون الركون إلى التقليد .

وقد بينت لكم سابقاً نكارة سند أثر عمر رضي الله عنه في تعليقي ؛ فلعلكم سهوتم عنه ..

حيث قال أبو عمر العتيبي : [ وأثر عمر رضي الله عنه مداره على ليث بن ابي سليم ، وهو منقطع بين المهاجر

وعمر رضي الله عنه.. ورواية ابن أبي شيبة تدل على اضطراب ليث بن أبي سليم فقد رواه مرة عن مهاجر كما عند مسدد، ومرة عن مجاهد كما عند ابن أبي شيبة والأصبهاني في الترغيب والترهيب!

وأثر فيه انقطاع وراوٍ ضعيف وكذلك اضطراب يقال إنه شديد الضعف لا سيما من كان مخلطاً كليث بن أبي سليم..

فكل ما سبق يدل على أن الحديث ضعيف .. بل أثر عمر رضي الله عنه منكر جداً سنداً ومتناً أما سنداً فسبق ما فيه من ضعفٍ وانقطاع واضطراب..

وأما متناً ففيه أن الحاج تجاب دعوته ثلاثة أشهر، وما علاقة حجه بهذه الأشهر؟!!

وأثر حبيب بن أبي ثابت قال: خرجت مع ابن عمر نتلقى الحاج فنسلم عليهم قبل أن يتدنسوا؛ يدل على أن أمد استغفار الحاج أو السلام عليه معرض للطول والقصر حسب اقترافه للمعاصي وليس حسب مدة زمنية ( ثلاثة أشهر ) .

وأثر حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر وإن كان ضعيفاً فهو أقوى سنداً من أثر عمر رضي الله عنه .. فالحديث دائر بين الضعف والضعف الشديد فيما يظهر لي ..] انتهى كلام أبي عمر ..

وأما إعلال حديث شريك فمعلوم عندكم منزلة شريك في الحفظ ، مع الاختلاف عليه ، وقول من سبقني من الأئمة بنكارة رواية شريك ومخالفته للأئمة الأثبات.. وإثبات الأئمة إعلال جملة من الأحاديث بهذه الطريقة، وأن الراوي انتقل ذهنه - لضعفه - من متن لآخر أمر تطفح به كتب العلل ..

فإذا أردتم أن أضرب لكم أمثلة من إعلال أئمة الحديث بهذه الطريقة فلا بأس إن شاء الله وجزاكم الله خيراً ، وبارك فيكم .


فكان جوابي هكذا :

أخي الشيخ أبو عمر بوركت ؛ وحبذا لو أتحفتنا بتلك الأمثلة التي ذكرتها في نهاية تعليقك .

هذا من جهة ومن جهة أخرى : حبذا لو أتحفتنا بنقل عن شيخنا أو غيره من المحققين يدل على أنه لو كانت هناك أكثر من علة - غير شديدة الضعف - في الراوي تؤدي إلى الضعف الشديد في نهاية الحكم عليه ؛ كما قلته في عبارتك :

( فالخلاصة أن رواية شريك فيها علل ثلاث :

العلة الأولى : سوء حفظ شريك .

العلة الثانية : اضطراب شريك فيه، فمرة رواه عن جابر الجعفي المتروك عن مجاهد مرسلاً، ومرة رواه عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة به.

العلة الثالثة : تفرد شريك برواية هذا الحديث عن منصور، ومخالفته للثقات عن منصور حيث رووه عنه عن أبي حازم عن أبي هريرة بحديث : ((من حج فلم يرفث..)) فكل هذا العلل تنادي على حديث شريك بالضعف، بل لا يبعد أن يوصف بالضعف الشديد..) !

وكنت قلته كذلك في عبارتك :

( وأثر فيه انقطاع وراوٍ ضعيف وكذلك اضطراب يقال إنه شديد الضعف لا سيما من كان مخلطاً كليث بن أبي سليم.. ) !

واسمح لي أن أقول : لقد قرأت كثيراً لشيخنا ؛ فلم أقف له على حكم - كما تفضلت به هنا - من كون السند يصبح ضعيفاً جداً لو كانت فيه أكثر من علة !


فكان جواب أخينا :

جزاكم الله خيراً يا شيخ علي وبارك الله فيكم .

وقد طلبتم - شكر الله لكم - أمرين :

الأول : إيراد أمثلة على إعلال الأئمة جملة من الأحاديث بهذه الطريقة، وهي أن الراوي قد انتقل ذهنه-لضعفه- من متن لآخر .. وقد كفاني الحافظ ابن رجب مؤنة ذلك حيث قال في شرح العلل(2 /838 ) :

" قاعدة : إذا روى الحفاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد وانفرد واحد منهم بإسناد آخر فإن كان المنفرد ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثقة في الأسانيد أو في المتون وقد تقدم الكلام على ذلك وقد تردد الحفاظ كثيراً في مثل هذا هل يرد قول من تفرد بذلك الإسناد لمخالفة الأكثرين له أم يقبل قوله لثقته وحفظه .."

ثم ذكر أمثلة على ذلك إلى أن قال( ص/840) :


"فأما إن كان المنفرد عن الحفاظ سيىء الحفظ فإنه لا يعبأ بانفرداه ويحكم عليه بالوهم مثال ذلك أن أصحاب الزهري رووا عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي في قصة المجامع في رمضان .

ورواه هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فحكم الأئمة بأنه وهم في ذلك فإن كان المنفرد عن الحفاظ مع سوء حفظه قد سلك الطريق المشهور والحفاظ يخالفونه فإنه لا يكاد يرتاب في وهمه وخطئه لأن الطريق المشهور تسبق إليه الألسنة والأوهام كثيراً فيسلكه من لا يحفظ".

وفي الحديث الذي حسنتموه بالشاهد رواه شريك عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة ، والحفاظ رووه عن منصور بنفس السند لكن خالفهم شريك في المتن .. وأنتم تعلمون أن المخالفة تكون في المتن كما تكون في السند..

ومن أمثلة الوهم في المتن والسند جميعاً ما قاله الإمام مسلم في التمييز (ص/188-189) :

[ومن الأخبار المنقولة على الوهم في الاسناد والمتن جميعاً 58 حدثنا أبو بكر ثنا أبو خالد عن أيمن عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بسم الله وبالله والتحيات لله .

قال أبو الحسين : هذه الرواية من التشهد والتشهد غير ثابت الاسناد والمتن جميعاً ؛ والثابت ما رواه الليث وعبد الرحمن بن حميد فتابع فيه في بعضه فيما : 59 حدثنا قتيبة ثنا الليث وثنا أبو بكر ثنا يحيى بن آدم ثنا عبد الرحمن بن حميد حدثني أبو الزبير عن طاووس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن .

سمعت مسلماً يقول : فقد اتفق الليث وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير عن طاووس وروى الليث فقال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكل واحد من هذين عند أهل الحديث أثبت في الرواية من أيمن ولم يذكر الليث في روايته حين وصف التشهد بسم الله وبالله فلما بان الوهم في حفظ أيمن لاسناد الحديث بخلاف الليث وعبد الرحمن اياه دخل الوهم أيضا في زيادته في المتن فلا يثبت ما زاد فيه وقد روي التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه عدة صحاح فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته قوله بسم الله وبالله ولا ما زاد في آخره من قوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار والزيادة في الاخبار لا يلزم الا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم. ] .

فوهم الإمام مسلم رواية أيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر في السند حيث رجح أنه عن ابن عباس، وفي المتن كذلك حيث زاد زيادات منكرة..وهناك أمثلة كثيرة تحتاج إلى بحث فيها أن الحديث الذي وهم فيه العالم إنما هو لمتن آخر وهم فيه الراوي فروى به متناً آخر..

ومن أمثلته ما ذكره الدارقطني في العلل(9/240) :

[واختلف عن بن جريج فرواه أبو أمية الطرسوسي عن أبي عاصم عن بن جريج عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يتغن بالقرآن فوقع في إسناده وهم من بن أمية وهو قوله سعيد بن المسيب مع أبي سلمة وفي متنه وهم يقال إنه من أبي عاصم لكثير من رواه عنه كذلك والمحفوظ عن الزهري بهذا الإسناد ما أذن الله لشيء] .

فبين أن المحفوظ عن الزهري بإسناده حديث : ((ما أذن الله لشيء..)) وليس حديث : ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) .

كذلك في حدينا : المحفوظ عن منصور بإسناده حديث : ((من حج فلم يرفث)) وليس حديث : ((اللهم اغفر للحاج..)) ..

وأما القضية الثانية : وهي عن الحكم على حديث بالضعف الشديد لتسلسله بالعلل رغم أن خالٍ ممن يوصف بالترك أو نحوه من موجبات الضعف الشديد..

فأقول : إن الحكم على السند بالضعف أو الضعف الشديد راجع إلى حال رواته ،

والاتصال من عدمه ووجود الشذوذ والعلة من عدمهما ..

فقد يكون مدار الإسناد على رجل ضعيف وصفه بعض العلماء بأنه متروك فتجد العالم يصف السند بالضعف الشديد مع أن المترجح في شأن هذا الراوي الضعف وليس الترك ، وأحياناً يصف العالم سند الحديث بالضعف الشديد رغم أن مداره على ذلك الراوي لقرينة تنقدح في ذهن العالم فيترجح لديه ضعف الرواية الشديد وقد يحكم عليه بالبطلان مع أن مداره على ضعيف، وذلك لما في متنه من مخالفة ظاهرة أو لنكارة سنده الشديدة ..

وفي الحديث الذي نحن بصدده نجد أن مداره على ليث بن أبي سليم وقد وصف بأنه مضطرب الحديث، وبأنه اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، وبأنه لا يفرح بحديثه، ونحو ذلك من العبارات التي فيها شيء من إظهار سوء حال ليث بن أبي سليم ..وإن كان قيل فيه : لا بأس به ، وضعيف يكتب حديثه، ونحو ذلك من العبارات التي تفيد أنه ليس شديد الضعف..

وفي أثر عمر رضي الله عنه نكارة ظاهرة في المتن تجعل التغليظ في الحكم على سنده أمر وارد، بل ومقبول ..

وشيخنا الألباني رحمه الله غالباً ما يصف السند بأنه ضعيف جداً إذا كان فيه متروك ، أو متهم، أو من قال فيه البخاري: فيه نظر، أو منكر الحديث أو سكتوا عنه ..

ولكن أحياناً أو نادراً ما كان يصف السند بالضعف الشديد رغم خلوه مما سبق ..

مثلاً حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً : (( يا أنسُ ، إذا هممتَ بأمرٍ ، فاستخرْ ربكَ فيهِ سبعَ مراتٍ ، ثمَّ انظرْ إلى الذي يسبقُ إلى قلبكَ ، فإنَّ الخيرَ فيهِ ))

وهو من طريق عبيد الله الحميري ، ثنا إبراهيم بن العلاء عن النضر بن أنس بن مالك ، ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده مرفوعاً ... فذكره .

عبيد الله الحميري: مجهول ، والنضر بن حفص بن أنس: لا يعرف كما قال الذهبي قال الحافظ في الفتح ( 11/ 187) : "سنده ضعيف جداً".

وقال الشيخ الألباني في ضعيف الجامع: ضعيف جداً.

مع أنه خال من متروك أو متهم أو شديد الضعف أو فاحش الغلط وقال رحمه الله : [.. أخرج الطبراني (3/ 147/ 1-2) قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة : أخبرنا عمار بن أبي مالك الجنبي : أخبرنا أبي ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : "كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ، قد أرسلوها إلى ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمر ، ولم تقاتل الملائكة في يوم إلا يوم بدر ، إنما كانوا يكونون عدداً ومدداً ؛ لا يضربون" .

قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ مسلسل بالعلل : الأولى : الحجاج - وهو ابن أرطاة - ؛ مدلس .

الثانية : أبو مالك الجنبي والد عمار - واسمه عمرو بن هاشم - ؛ قال الحافظ : "لين الحديث ، أفرط فيه ابن حبان" .

قلت : قد ضعفه جداً إمام الأئمة البخاري ؛ فقال : "فيه نظر" .]

وهنا ضعفه جداً من أجل كلام البخاري رحمه الله .

وقال شيخنا الألباني رحمه الله في الضعيفة(رقم887 ) " كان فيمن كان قبلكم رجل مسرف على نفسه ، و كان مسلما ، كان إذا أكل طعاما طرح تفالة طعامه على مزبلة ، فكان يأوي إليها عابد ، فإن وجد كسرة أكلها و إن وجد بقلة أكلها ، و إن وجد عرقا تعرقه .... ( الحديث و فيه ) :

فأمر الله عز وجل بذلك الملك فأخرج من النار جمرة ينفض فأعيد كما كان ، فقال : يا رب هذا الذي كنت آكل من مزبلته قال : فقال الله عز وجل : خذ بيده فأدخله الجنة من معروف كان منه إليك لم يعلم به ، أما لو علم به ما أدخلته النار " .

باطل :

رواه تمام في " الفوائد " ( 2329 ) من طريق منصور بن عبد الله الوراق : حدثني علي بن جابر بن بسر الأودي : حدثنا حسين بن حسن بن عطية : حدثنا أبي عن مسعر بن كدام عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا . قلت : و هذا إسناد واه جدا ، و فيه علل :

الأولى : عطية و هو ابن سعد العوفي ضعيف ، و كان يدلس تدليسا خبيثا ، فكان يقول : عن أبي سعيد يوهم أنه الخدري و هو يعني الكلبي الكذاب ، وقد سبق تفصيل ذلك في الحديث ( 24 ص 32 ج 1 ) .

الثانية : حسن بن عطية و هو ابن العوفي المذكور آنفا ، قال البخاري : " ليس بذاك " .

و قال ابن حبان ( 1 / 1 / 22 ) : " منكر الحديث ، فلا أدري البلية في أحاديثه منه أو من ابنه أو منهما معا " .

الثالثة : ابنه الحسين بن الحسن بن عطية ، قال أبو حاتم : " ضعيف الحديث " كما في " الجرح و التعديل " ( 1 / 2 / 48 ) . و قال ابن معين : كان ضعيفا في القضاء ، ضعيفا في الحديث " . و له ترجمة واسعة في " تاريخ بغداد " (8 / 29 - 32 ) و ذكر له أخبارا طريفة في لحيته التي كانت تبلغ إلى ركبته ! الرابعة : علي بن جابر و منصور الوراق لم أجد من ترجمهما . و الحديث مع ضعف إسناده الشديد ، فهو منكر بل باطل ظاهر البطلان ، يشهد القلب بوضعه ، و لعله من الإسرائيليات التي تلقها الكلبي من أهل الكتاب ثم دلسه عنه عطية العوفي ، فإن من غير المعقول أن يثاب ذلك الرجل المجرم بعمل عمله لا يقصد به نفع الناس و لو قصده لم ينفعه حتى يبتغي به وجه الله ، كما هو معلوم ، مع أن العمل نفسه قد يمكن إدخاله في باب الإسراف و تضييع المال ، فتأمل . و إن مثل هذا الحديث ليفتح بابا كبيرا على الناس من التواكل و التكاسل عن القيام بما أمر الله به ، والانتهاء عما نهى عنه ، و الاعتماد على الأعمال العادية التي لا يقصد بها التقرب إلى الله ، متعللين بأنه عسى أن ينتفع بها بعض الناس فيغفر الله لنا !! .]

فالحديث إذا كان مضطرباً وفيه انقطاع وضعف راويه يستحق أن يوصف بالضعف الشديد المانع من تقويته ، لا سيما إذا كان منكر المتن..

بقيت قضية أرجو من الشيخ الفاضل علي رضا أن يوضحها وهي :

هل الحديث المنكر الاصطلاحي وكذا الشاذ يصلحان للشهادة أم لا ؟

وجزاكم الله خيراً، وبارك فيكم، ووفقني وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح .


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


فكان ردي :


المثال الأخير نبدأ به فنقول : العوفي يدلس عن الكذابين ؛ وهذا يكفي في جعل روايته ضعيفة جداً ؛ فقد دلس تدليسه الخبيث جداً فقال : عن أبي سعيد موهماً أنه الخدري ؛ بينما هو الكلبي الكذاب !

وهذا لوحده يكفي في جعل السند ضعيفاً جداً ؛ فكيف وفيه ابنه : منكر الحديث عند ابن حبان !

المثال الذي قبل هذا :

فيه من قال فيه البخاري : ( فيه نظر ) وهذا يكفي - بحد ذاته - لجعل السند واهياً جداً .

أما المثال الأخير الذي أتيت به : فقد وهمت فيه وهماً فاحشاً - أخي أسامة حفظك الله وسددك - !

فالحديث مداره على البراء بن النضر ؛ وليس العلاء بن النضر ! فقد تحرف عليك الاسم بوركت .

قال الحافظ العيني في ( عمدة القاري ) ج 7 ص 225 : ( الاستخارة سبعاً في عمل اليوم والليلة لابن السني من رواية إبراهيم ابن البراء قال حدثني أبي عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه .

قال النووي في ( الأذكار ) : إسناده غريب وفيه من لا أعرفهم قال شيخنا زين الدين : كلهم معروفون ولكن بعضهم معروف بالضعف الشديد وهو إبراهيم بن البراء والبراء هو ابن النضر ابن أنس بن مالك وقد ذكره في ( الضعفاء ) العقيلي وابن حبان وابن عدي والأزدي .

قال العقيلي : يحدث عن الثقات بالبواطيل.

وقال ابن حبان : شيخ كان يدور بالشام يحدث عن الثقات بالموضوعات لا يجوز ذكره إلاَّ على مثل القدح فيه .

وقال ابن عدي : ضعيف جداً حدث بالبواطيل فعلى هذا فالحديث ساقط لا حجة فيه ) .


وهذا الحديث رواه ابن السني في ( عمل اليوم والليلة ) برقم 598 ؛ فقال :

أخبرنا أبو العباس بن قتيبة العسقلانى حدثنا عبيد الله ابن الحميرى ثنا إبراهيم بن البراء عن النضر بن أنس بن مالك ثنا أبي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذى يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه ) .

وقد سألت أخانا علياً الحلبي - ماشطة كتب شيخنا رحمه الله تعالى - : هل تعلم أو تذكر أن شيخنا يعل الأسانيد بوجود أكثر من علة - ليست شديدة الضعف - فقال : لا أذكر هذا في تخريجات شيخنا ؛ فهو خلاف الأصل ؛ وقد يكون ذكر شيئاً من هذا لكنه !

أما القضية الأولى : فهي صحيحة من جهة أن الأئمة الحفاظ كمسلم والدارقطني وغيرهما من الذين تفضلت بذكرهم قد جزموا بمسألة الوهم سواء كان في المتن أم في السند ؛ وهم القوم لا يشقى من تبعهم .

أما قضيتنا هذه فهي مجرد ظن لم تتيقن ؛ فهذا هو الفرق بوركت .

ولعله لا يخفاك أن الحافظ ابن حجر ممن مارسوا هذا الفن عملياً ؛ فهو لم يذكر هذا العلة إلا لأنها مجرد ظن لم ترق إلى اليقين الذي جزم به الحفاظ . أما قولكم الأخير عن الشاذ أو المنكر فلا شك أنهما لا يعتبر بهما في الشواهد والمتابعات ؛ لكن يعتبر بهما فيما كان سبيله اليقين مما جزم به الحفاظ ؛ لا الظن والتخمين الذي في مثالنا هذا !

بوركت أخي أبا عمر على ملحوظاتك وفوائدك التي أثريت بها البحث .


فكان رده الأخير :


جزاكم الله خيراً وبارك فيكم

وأحسنتم في قولكم : [ما قولكم الأخير عن الشاذ أو المنكر فلا شك أنهما لا يعتبر بهما في الشواهد والمتابعات ]

وأما قولكم : [أما المثال الأخير الذي أتيت به : فقد وهمت فيه وهماً فاحشاً - أخي أسامة حفظك الله وسددك - ! فالحديث مداره على البراء بن النضر ؛ وليس العلاء بن النضر ! فقد تحرف عليك الاسم بوركت .]

فأقول : أنا لم أهم والحمد لله ، بل الخطأ من المطبوعة، ومع ذلك فهذا لا يؤثر على المثال الذي أوردته من أجل بيان أن الشيخ أحياناً أو نادراً ما يضعف السند بشدة رغم عدم وجود متهم أو متروك أو نحوهما..

فقد وقع هكذا في طبعة بشير عيون وهي التي عندي .. وأظن أنه كذلك في نسخة الشيخ الألباني بدليل أنه لم يعل به الحديث حيث : أورد الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث في ضعيف الجامع ، وأحال إلى الكلم الطيب ..

فرجعت إلى الكلم الطيب فإذا بالشيخ الألباني رحمه الله يقول:

[أخرجه ابن السني(رقم592) بسند واهٍ جداً، كما في الفتح(11/156)، وفيه النضر بن أنس بن مالك كأنه وقع منسوباً إلى جده. قال الذهبي: لا يعرف. وفيه أيضاً : عبيد الله بن الحميري ولم أعرفه] انتهى كلام شيخنا ..

فالشاهد من إيرادي هذا الحديث ليس تحقيق القول فيه وفي رجال سنده، وإنما لبيان أن الشيخ الألباني رحمه الله حكم بضعفه الشديد رغم خلوه من متروك أو متهم -وأقول الآن : حسب ما أورده الشيخ -.

فهذا مثال صحيح في بيان موقف الشيخ الألباني رحمه الله وأنه يفعل ذلك نادراً وهذا ما قرره الشيخ علي الحلبي .. والصواب هو ما ذكرتم من أن الصواب أنه إبراهيم بن البراء وليس ابن العلاء وأنه متروك.

والله الموفق والهادي للصواب..


وهكذا يتبين لطالب العلم بعد دراسة مثل هذه المناقشات والردود أن الحديث الحسن الذي قد يختلف فيه أهل العلم ؛ هو من الأمور الواردة ؛ غير أن الحق والصواب لا بد أن يكون مع أحد الفريقين ؛ وهذا ما نعتقده جازمين في حديثنا هذا بحول الله وقوته ؛ ومعنا في ذلك جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين .


يتبع .. الدرس العاشر ..

مالك مناع
03-04-2010, 11:48 AM
الدرس العاشر:

سوف نتذاكر معكم الآن شيئاً من علم العلل الذي يتفاخر (البعض) من الذين يفرقون بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في تصحيح الأحاديث وتضعيفها !

فقد روى ابن ماجة في ( السنن ) برقم ( 1407 ) حديثاً في فضل الصلاة ببيت المقدس ، فقال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله الرقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا ثور بن يزيد ، عن زياد بن أبي سودة ، عن أخيه عثمان بن أبي سودة ، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : قلت : يا رسول الله ! أفتنا في بيت المقدس ؟ قال : ( أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه ؛ فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره ) . قلت : أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه ؟ قال : ( فتهدي له زيتاً يسرج فيه ، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه ) .

هذا الحديث صححه شيخنا مقبل بن هادي الوادعي في : ( الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ) 2 / 519 ؟

وقد وقع شيخنا رحمه الله في تصحيح هذا الحديث ؛ بناءً على ظاهر الصحة في إسناده ؛ فالبحث الأولي في رجاله قد يجعل الحكم صحيحاً على السند ، وحينذاك فالحديث صحيح على ما يظهر !!

....

فما هي علة هذا الحديث الذي فيه رد على (هؤلاء) من المُحدِثين - من الإحداث لا من التحديث ! - الذين ظنوا - والظن أكذب الحديث - أن الألباني من أولئك الذين يغترون بظواهر الأسانيد ، فيصححون حسب التشهي والهوى ؟

الواقع أن هناك إعلالاً للسند من جهة الانقطاع ، ومن جهة الكلام في اثنين من رواته هما :

زياد بن أبي سودة ، وأخوه عثمان بن أبي سودة .

قال الحافظ الذهبي في ( الميزان ) 2 / 90 : ( زياد بن أبي سودة ، عن أخيه عثمان ، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ابعثوا بزيت يسرج في قناديله - يعني بيت المقدس . هذا حديث منكر جداً ؛ رواه سعيد بن عبد العزيز ، عن زياد ، عنها ؛ فهذا منقطع . ورواه ثور بن يزيد ، عن زياد متصلاً .

قال عبد الحق : ليس هذا الحديث بقوي . وقال ابن القطان : زياد وعثمان ممن يجب التوقف عن روايتهما ) .

ثم ذكر الذهبي لميمونة بنت سعد ، ويقال : بنت سعيد : أربعة أحاديث قال بأنها منكرة كلها ، وأحدها هذا الحديث .

أما ابن التركماني ، فقد أعله بالاختلاف في إسناده كما في : ( الجوهر النقي ) بحاشية ( السنن الكبرى ) للبيهقي 2 / 441 .

قلت : نعم ؛ الاختلاف وجه من وجوه إعلال السند ؛ لأنه يدل على عدم ضبط الرواة له ، بل هناك اختلاف في متن الحديث أيضاً ؛ فقد رواه أبو داود في ( السنن ) برقم ( 457 ) ، والبيهقي في ( السنن الكبرى ) 2 / 441 من طريق سعيد بن عبد العزيز المنقطعة التي أشار إليها الذهبي ، وفيه : ( قلت : كيف والروم إذ ذاك فيه ؟ قال : فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج في قناديله ) .

والرواية المتصلة من طريق ثور بن يزيد تقدم أنها في ( ابن ماجة )، وهي كذلك في ( المسند ) من رواية أحمد ، ومن رواية ابنه في ( زوائد المسند ) 6 / 463 ، وكذا أخرجه أبو يعلى في ( المسند ) 12 / 523 برقم ( 7088 ) لكن فيه أن الحديث لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم !

وهذا الخلاف في صحابي الحديث لا يؤثر لو سلم الحديث من التضعيف بغير ذلك ؛ وهيهات !

وقد ذكر الخلاف في هذا الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) 4 / 413 ، وأشار إليه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) 4 / 6 - 7 . ورواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) 25 / 32 من طريق معاوية بن صالح متصلاً ؛ لكن في الطريق إليه عبد الله بن صالح ، وهو كاتب الليث بن سعد : ضعيف من أجل كثرة غلطه ، والراوي عنه : بكر بن سهل الدمياطي ، قال النسائي : ضعيف . وتكلم فيه غيره لروايته المنكرات ، واستظهر شيخنا الألباني رحمه الله أن حديثه الذي انفرد به : ( أعروا النساء يلزمن الحجال ) : ضعيف جداً ، وذلك في تحقيق لم أر أحداً سبقه إليه في ( الضعيفة ) برقم ( 2827) .

ورواه البيهقي في ( شعب الإيمان ) 3 / 495 برقم ( 4176 ) من الطريق المنقطعة بإسناد مظلم .

هذا ما تيسر لي حول الكلام على سند الحديث ، أما المتن : فمنكر جداً لأمور :

1- مخالفته لما صح من أن هذا الفضل في الصلاة ، وأنها بألف صلاة فيما سواه : إنما هو لمسجده عليه الصلاة والسلام !

2- مخالفته لما هو معلوم من سنته عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية ( السنة التركية ) في الأمر بإيقاد السرج في مسجده ؛ فلا يعرف هذا في حديث صحيح ، بمعنى أنه لم يأمرهم بقوله ، ولم يفعله هو بنفسه ، عليه الصلاة والسلام .

3- تقدم القول بنكارة متنه عن الذهبي ؛ بل أفصح عنه غاية الإفصاح والبيان في ( مهذب البيهقي ) 1 / 80 / 2 , ونقله عنه شيخنا رحمه الله في ( تحقيق أبي داود ) - غراس للنشر والتوزيع - ( 9 / 158 - 161 ) فقال الذهبي : ( وهذا خبر منكر ، وكيف يسوغ أن يبعث بزيت ليسرجه النصارى على التماثيل والصلبان ؟ وأيضاً : فالزيت منبعه من الأرض المقدسة ، فكيف يأمرهم أن يبعثوا به من الحجاز ؛ محل عدمه إلى معدنه ؟! ثم إنه عليه السلام لم يأمرهم بوقود ، ولا بقناديل في مسجده ، ولا فعله ، وميمونة لا يدرى من هي ، ولا يعرف لعثمان سماع منها ) .

والخلاصة هي كون الحديث منكراً كما جزم شيخنا الألباني في ( ضعيف ابن ماجة ) برقم ( 298 ) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..