ماكـولا
12-02-2009, 04:10 PM
المنافقـون
نزلت سورة لتفضحهم الا وهي التوبة وسميت سورة اخرى باسمهم "المنافقون" وذلك لما لهم من اضرار على الدين والمجتمع
وفي اللسان " المُنافق في الدين والنِّفاق بالكسر فعل المنافِق والنِّفاقُ الدخول في الإسلام من وَجْه والخروُج عنه من آخر مشتقّ من نَافِقَاء اليربوع- ينفق فيه أي يدخل في النفق- وقد نافَقَ مُنافَقَةً ونِفاقاً وقد تكرر في الحديث ذكر النِّفاق وما تصرّف منه اسماً وفعلاً
وهو اسم إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به وهو الذي يَسْترُ كُفْره ويظهر إيمانَه وإن كان أَصله في اللغة معروفاً يقال نافَقَ يُنافِق مُنافقة ونِفاقاً وهو مأْخوذ من النافقاء لا من النَّفَق وهو السَّرَب الذي يستتر فيه لستره كُفْره"
قلت وقال اقوام انه كذلك لما له من ابطان المآرب التي لا تظهر
فعن عمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار" ابوداود وصححه الالباني
قال النووي " هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة
قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الناس فهو محمود.."
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل" المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد" مسلم
قال النووي" وأما ( تميلها وتفيئها ) فمعنى واحد ، ومعناه : تقلبها الريح يمينا وشمالا ، ومعنى ( تصرعها ) تخفضها ، و ( تعدلها ) بفتح التاء وكسر الدال ، أي : ترفعها ، ومعنى ( تهيج ) تيبس . وقوله صلى الله عليه وسلم ( تستحصد ) بفتح أوله وكسر الصاد ضبطناه ... أي : لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه . وأما ( الأرزة ) فبفتح الهمزة وراء ساكنة ثم زاي ، هذا هو المشهور في ضبطها... قال أهل اللغة والغريب : شجر معروف يقال له : الأرزن يشبه شجر الصنوبر ، بفتح الصاد يكون بالشام وبلاد الأرمن ، وقيل : هو الصنوبر . وأما ( المجذبة ) فبميم مضمومة ثم جيم ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة ، وهي الثابتة المنتصبة ، يقال منه : جذب يجذب وأجذب يجذب والانجعاف : الانقلاع .
قال العلماء : معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله ، وذلك مكفر لسيئاته ، ورافع لدرجاته ، وأما الكافر فقليلها ، وإن وقع به شيء لم يكفر شيئا من سيئاته ، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة ."
صفاتهـم...
"وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" البقرة 14-15
وللاسف هي صورة منتشرة بشكل بشع تجده ان رأى أهل الصلاة تظاهر بأنه من أهلها وإن رأى أهل الصلاح تظاهر انه منهم فتارة يلهج بذكر الله واخرى يتصنع الخشوع وهكذا ... فما هي الا دقيقات حتى تراه يعض على سيجارته ويخوض في أعراضهم...
يقول الله "الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " النساء 141-143
قال ابن كثير " يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملتهم { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ } أي: نصر وتأييد وظَفَر وغنيمة { قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ } أي: يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة { وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإنّ الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة { قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم.
وقال السدي: { نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } نغلب عليكم، كقوله: { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ } [المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودد منهم إليهم، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وقلة إيقانهم.
قال الله تعالى: { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي: بما يعلمه منكم -أيها المنافقون-من البواطن الرديئة، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرًا في الحياة الدنيا، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويُحَصَّل ما في الصدور...
ويحتمل أن يكون المراد: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا } أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [غافر: 51، 52].
وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [المائدة: 52] ...
وقوله: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إَلا قَلِيلا } هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمانَ لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها...
وقوله: { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ } يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } الآية [البقرة: 20].
قال السعدي " { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } أي: مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين، وهذا أعظم ضلال يقدر. ولهذا قال: { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } أي: لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته، لأنه انغلق عنه باب الرحمة، وصار بدله كل نقمة.
فهذه الأوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها، من الصدق ظاهرا وباطنا، والإخلاص، وأنهم لا يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين وليختر أيهما أولى به، وبالله المستعان."
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان"
بخاري
قال الحافظ في الفتح" في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانه منحصر في ثلاث القول والفعل والنيه فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانه وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق..."
قد تكون فيك خصلة فاجتهد بالتخلص منها...
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" متفق عليه
( وإذا خاصم فجر ) أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب قال أهل اللغة وأصل الفجور الميل عن القصد
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم " ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي صلى الله عليه و سلم" إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار "وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم "وقال صلى الله عليه و سلم "إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" وقال صلى الله عليه وسلم "إن من البيان لسحرا "
فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله.."
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" احمد وقواه الارناؤوط
قال المناوي " أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق كثير في الزلل..."
عقوبتهم...
يقول الله"بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " النساء 138-139
ويقول ايضا"إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " النساء 145
وقال"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم" التوبة 68
مدى أضرارهم وتحطيمهم الهمم ...
"لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين " الفاضحة 47
قال القرطبي " هو تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم
والخبال : الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف وهذا استثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال وقيل : المعنى لا يزودوكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالا فلا يكون الاستثناء منقطعا
قوله تعالى : " ولأوضعوا خلالكم " المعنى لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد والإيضاع سرعة السير وقال الراجز
يا ليتني فيها جذع --- أخب فيها وأضع
" يبغونكم الفتنة " مفعول ثان والمعنى يطلبون لكم الفتنة أي الإفساد والتحريض...
" وفيكم سماعون لهم "... وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم..."
ويقول الله "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون" التوبة 67
هذا شأنهم وديدنهم الاجتماع على النجاسات والتلذذ بها فهم داعون للرذائل ناهون عن الفضائل ...
قال السعدي " لأنهم اشتركوا في النفاق، فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم.
ثم ذكر وصف المنافقين العام، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير، فقال: { يأمرون بالمنكر } وهو الكفر والفسوق والعصيان.
{ وينهون عن المعروف } وهو الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة. { ويقبضون أيديهم } عن الصدقة وطرق الإحسان، فوصفهم البخل.
{ نسوا الله } فلا يذكرونه إلا قليلا { فنسيهم } من رحمته، فلا يوفقهم لخير، ولا يدخلهم الجنة، بل يتركهم في الدرك الأسفل من النار، خالدين فيها مخلدين.
{ إن المنافقين هم الفاسقون } حصر الفسق فيهم، لأن فسقهم أعظم من فسق غيرهم، بدليل أن عذابهم أشد من عذاب غيرهم، وأن المؤمنين قد ابتلوا بهم، إذ كانوا بين أظهرهم، والاحتراز منهم شديد.
{ وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم } جمع المنافقين والكفار في النار، واللعنة والخلود في ذلك، لاجتماعهم في الدنيا على الكفر، والمعاداة لله ورسوله، والكفر بآياته."
فضرب بينهم بسور له باب...
انتهت الدنيا وسقطت الاقنعة الزائفة وبليت الاعمال الخاوية الا ما كان منها خالصا لله الواحد القهار وفق ما أراد وشرع
وتفرق الجمع وتميز الفريقان وظهر أصحاب الأعمال المخبئة والصلاة المسدلة بسدل الليل متوجهين بها الى من يرفع اليه عمل النهار قبل عمل الليل فشتان شتان بين المؤمن التقي والمنافق الشقي قبحه الله ما اخزاه
وظهر الصادقون بصدقهم وخُزي الدجالون بكذبهم وأضيئت وجوه المتوضئين وأظلمت وجوه المسيئين
قال الله " { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } الحديد
قال السعدي " يقول تعالى -مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة-: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } أي: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة فيقال: { بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم } فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب، ونجوا من كل شر ومرهوب
فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين: { انظرونا نقتبس من نوركم } أي: أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، فـ { قيل } لهم: { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } أي: إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، { فضرب } بين المؤمنين والمنافقين { بسور } أي: حائط منيع، وحصن حصين، { له باب باطنه فيه الرحمة } وهو الذي يلي المؤمنين { وظاهره من قبله العذاب } وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين، فيقولون لهم تضرعا وترحما: { ألم نكن معكم } في الدنيا نقول: { لا إله إلا الله } ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم؟
{ قالوا بلى } كنتم معنا في الدنيا، وعملتم في الظاهر مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية صادقة صالحة، بل { فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم } أي: شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا، { وغرتكم الأماني } الباطلة، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين، { حتى جاء أمر الله } أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة.
{ وغركم بالله الغرور } وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره.
{ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا } فلو افتديتم بمثل الأرض ذهبا ومثله معه، لما تقبل منكم، { مأواكم النار } أي: مستقركم، { هي مولاكم } التي تتولاكم وتضمكم إليها، { وبئس المصير } النار."
نزلت سورة لتفضحهم الا وهي التوبة وسميت سورة اخرى باسمهم "المنافقون" وذلك لما لهم من اضرار على الدين والمجتمع
وفي اللسان " المُنافق في الدين والنِّفاق بالكسر فعل المنافِق والنِّفاقُ الدخول في الإسلام من وَجْه والخروُج عنه من آخر مشتقّ من نَافِقَاء اليربوع- ينفق فيه أي يدخل في النفق- وقد نافَقَ مُنافَقَةً ونِفاقاً وقد تكرر في الحديث ذكر النِّفاق وما تصرّف منه اسماً وفعلاً
وهو اسم إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به وهو الذي يَسْترُ كُفْره ويظهر إيمانَه وإن كان أَصله في اللغة معروفاً يقال نافَقَ يُنافِق مُنافقة ونِفاقاً وهو مأْخوذ من النافقاء لا من النَّفَق وهو السَّرَب الذي يستتر فيه لستره كُفْره"
قلت وقال اقوام انه كذلك لما له من ابطان المآرب التي لا تظهر
فعن عمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار" ابوداود وصححه الالباني
قال النووي " هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة
قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الناس فهو محمود.."
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل" المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد" مسلم
قال النووي" وأما ( تميلها وتفيئها ) فمعنى واحد ، ومعناه : تقلبها الريح يمينا وشمالا ، ومعنى ( تصرعها ) تخفضها ، و ( تعدلها ) بفتح التاء وكسر الدال ، أي : ترفعها ، ومعنى ( تهيج ) تيبس . وقوله صلى الله عليه وسلم ( تستحصد ) بفتح أوله وكسر الصاد ضبطناه ... أي : لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه . وأما ( الأرزة ) فبفتح الهمزة وراء ساكنة ثم زاي ، هذا هو المشهور في ضبطها... قال أهل اللغة والغريب : شجر معروف يقال له : الأرزن يشبه شجر الصنوبر ، بفتح الصاد يكون بالشام وبلاد الأرمن ، وقيل : هو الصنوبر . وأما ( المجذبة ) فبميم مضمومة ثم جيم ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة ، وهي الثابتة المنتصبة ، يقال منه : جذب يجذب وأجذب يجذب والانجعاف : الانقلاع .
قال العلماء : معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله ، وذلك مكفر لسيئاته ، ورافع لدرجاته ، وأما الكافر فقليلها ، وإن وقع به شيء لم يكفر شيئا من سيئاته ، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة ."
صفاتهـم...
"وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" البقرة 14-15
وللاسف هي صورة منتشرة بشكل بشع تجده ان رأى أهل الصلاة تظاهر بأنه من أهلها وإن رأى أهل الصلاح تظاهر انه منهم فتارة يلهج بذكر الله واخرى يتصنع الخشوع وهكذا ... فما هي الا دقيقات حتى تراه يعض على سيجارته ويخوض في أعراضهم...
يقول الله "الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " النساء 141-143
قال ابن كثير " يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملتهم { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ } أي: نصر وتأييد وظَفَر وغنيمة { قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ } أي: يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة { وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإنّ الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة { قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم.
وقال السدي: { نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } نغلب عليكم، كقوله: { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ } [المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودد منهم إليهم، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وقلة إيقانهم.
قال الله تعالى: { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي: بما يعلمه منكم -أيها المنافقون-من البواطن الرديئة، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرًا في الحياة الدنيا، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويُحَصَّل ما في الصدور...
ويحتمل أن يكون المراد: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا } أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [غافر: 51، 52].
وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [المائدة: 52] ...
وقوله: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إَلا قَلِيلا } هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمانَ لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها...
وقوله: { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ } يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } الآية [البقرة: 20].
قال السعدي " { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } أي: مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين، وهذا أعظم ضلال يقدر. ولهذا قال: { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } أي: لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته، لأنه انغلق عنه باب الرحمة، وصار بدله كل نقمة.
فهذه الأوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها، من الصدق ظاهرا وباطنا، والإخلاص، وأنهم لا يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين وليختر أيهما أولى به، وبالله المستعان."
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان"
بخاري
قال الحافظ في الفتح" في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانه منحصر في ثلاث القول والفعل والنيه فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانه وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق..."
قد تكون فيك خصلة فاجتهد بالتخلص منها...
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" متفق عليه
( وإذا خاصم فجر ) أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب قال أهل اللغة وأصل الفجور الميل عن القصد
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم " ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي صلى الله عليه و سلم" إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار "وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم "وقال صلى الله عليه و سلم "إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" وقال صلى الله عليه وسلم "إن من البيان لسحرا "
فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله.."
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" احمد وقواه الارناؤوط
قال المناوي " أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق كثير في الزلل..."
عقوبتهم...
يقول الله"بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " النساء 138-139
ويقول ايضا"إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " النساء 145
وقال"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم" التوبة 68
مدى أضرارهم وتحطيمهم الهمم ...
"لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين " الفاضحة 47
قال القرطبي " هو تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم
والخبال : الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف وهذا استثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال وقيل : المعنى لا يزودوكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالا فلا يكون الاستثناء منقطعا
قوله تعالى : " ولأوضعوا خلالكم " المعنى لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد والإيضاع سرعة السير وقال الراجز
يا ليتني فيها جذع --- أخب فيها وأضع
" يبغونكم الفتنة " مفعول ثان والمعنى يطلبون لكم الفتنة أي الإفساد والتحريض...
" وفيكم سماعون لهم "... وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم..."
ويقول الله "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون" التوبة 67
هذا شأنهم وديدنهم الاجتماع على النجاسات والتلذذ بها فهم داعون للرذائل ناهون عن الفضائل ...
قال السعدي " لأنهم اشتركوا في النفاق، فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم.
ثم ذكر وصف المنافقين العام، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير، فقال: { يأمرون بالمنكر } وهو الكفر والفسوق والعصيان.
{ وينهون عن المعروف } وهو الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة. { ويقبضون أيديهم } عن الصدقة وطرق الإحسان، فوصفهم البخل.
{ نسوا الله } فلا يذكرونه إلا قليلا { فنسيهم } من رحمته، فلا يوفقهم لخير، ولا يدخلهم الجنة، بل يتركهم في الدرك الأسفل من النار، خالدين فيها مخلدين.
{ إن المنافقين هم الفاسقون } حصر الفسق فيهم، لأن فسقهم أعظم من فسق غيرهم، بدليل أن عذابهم أشد من عذاب غيرهم، وأن المؤمنين قد ابتلوا بهم، إذ كانوا بين أظهرهم، والاحتراز منهم شديد.
{ وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم } جمع المنافقين والكفار في النار، واللعنة والخلود في ذلك، لاجتماعهم في الدنيا على الكفر، والمعاداة لله ورسوله، والكفر بآياته."
فضرب بينهم بسور له باب...
انتهت الدنيا وسقطت الاقنعة الزائفة وبليت الاعمال الخاوية الا ما كان منها خالصا لله الواحد القهار وفق ما أراد وشرع
وتفرق الجمع وتميز الفريقان وظهر أصحاب الأعمال المخبئة والصلاة المسدلة بسدل الليل متوجهين بها الى من يرفع اليه عمل النهار قبل عمل الليل فشتان شتان بين المؤمن التقي والمنافق الشقي قبحه الله ما اخزاه
وظهر الصادقون بصدقهم وخُزي الدجالون بكذبهم وأضيئت وجوه المتوضئين وأظلمت وجوه المسيئين
قال الله " { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } الحديد
قال السعدي " يقول تعالى -مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة-: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } أي: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة فيقال: { بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم } فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب، ونجوا من كل شر ومرهوب
فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين: { انظرونا نقتبس من نوركم } أي: أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، فـ { قيل } لهم: { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } أي: إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، { فضرب } بين المؤمنين والمنافقين { بسور } أي: حائط منيع، وحصن حصين، { له باب باطنه فيه الرحمة } وهو الذي يلي المؤمنين { وظاهره من قبله العذاب } وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين، فيقولون لهم تضرعا وترحما: { ألم نكن معكم } في الدنيا نقول: { لا إله إلا الله } ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم؟
{ قالوا بلى } كنتم معنا في الدنيا، وعملتم في الظاهر مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية صادقة صالحة، بل { فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم } أي: شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا، { وغرتكم الأماني } الباطلة، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين، { حتى جاء أمر الله } أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة.
{ وغركم بالله الغرور } وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره.
{ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا } فلو افتديتم بمثل الأرض ذهبا ومثله معه، لما تقبل منكم، { مأواكم النار } أي: مستقركم، { هي مولاكم } التي تتولاكم وتضمكم إليها، { وبئس المصير } النار."