المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لمحات بلاغية في آيات قرآنية ..



ATmaCA
12-06-2009, 12:34 AM
للكاتب : أبو عبد المعز ( التخصص : علوم اللغة ) .

http://www.ahlalloghah.com/images/up/i_6.gif رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين..

1- لمحة في قول الحي القيوم:"لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ"

قد يستشكل المرء هذا الترتيب في العطف .. فالقاعدة في تنسيق المتدرجات في مقام الإثبات تقديم الأضعف وتأخير الأقوى ، على أن يعكس هذا التنسيق في مقام النفي فلا يبدأ إلا بالأقوى ...
هذه القاعدة صحيحة ، واجب إعمالها ، لأن من شأن إهمالها الوقوع في اللغو لا محالة ..
فمن قلة العقل أن يقال :"فلان نحرير عالم" أو " هو علامة عالم"... فصفة "عالم" في التعبيرين لغو عند متلقي الخبر لا فائدة فيها .. .فإن وصف الإنسان بالعالمية ، على المبالغة في التوغل في العلم ،لا يتسق بعده و ذكر العالمية في درجتها العادية .. وكذلك لا يستقيم قولك "فلان يعطي المائة والدينار .." بل لا يصح إلا قولك "فلان يعطي الدينار والمائة."
فإن أبيت إلا التمسك بترتيبك الأول فلا مناص لك من تغيير الأسلوب إلى النفي درءا للغو والهذيان...
فيصح لك أن تقول: "فلان لا يعطي مائة ولا دينارا.." فلان ليس علامة ولا عالما"..
وسر المسألة أن المتلقي عندما يطرق سمعه " فلان لا يعطي مائة.."قد يخطر بباله أن هذا الرجل إذا كان يبخل بالشيء الكثير فلعله يجود بالنزر اليسير فيأتي قولك"... ولا دينارا" حسما في الموضوع وفائدة فيه..
وأما في الإثبات "فلان يعطي المائة..." فلا ينبغي للمتكلم إن يستخف بعقل مخاطبه فيظن أن مخاطبه يتساءل- الآن- عما إذا كان هذا المخبر عنه قادر على أن يعطي أقل من المائة بعد أن سمع أنه يعطي المائة!! فتفيده بقولك : والدينارَ!!! فهذه الضميمة لغو أواستخفاف .. .
فإذا استقرت هذه القاعدة عدنا إلى تأمل قوله تعالى:"لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ"
السنة مقدمة النوم أو نعاس خفيف
قال القرطبي رحمه الله :
والسنة : النعاس في قول الجميع . والنعاس ما كان من العين فإذا صار في القلب صار نوماً؛ قال عديّ بن الرقاع يصف امرأة بفتور النظر :
وسْنَانُ أقْصَدَه النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ ... في عيْنه سِنَةٌ وليس بنائم

فيكون ذكر انتفاء النوم بعد انتفاء السنة لغوا.. (فهل تقول لمن يخبرك أنه لم يصل بعد إلى بيته وهل وصلت إلى غرفة نومك)
إن الترتيب الموافق للقاعدة أن يقال لا يأخذه نوم ولا سنة...لكن القرآن لم يقل ذلك...!
فكيف نخرج من المشكلة : القاعدة صحيحة والقرآن هو القرآن!
لنعد كرة أخرى إلى آية العرش:"لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ"
فنلحظ أنها لم تنف السنة بل نفت "أخذ السنة" والفرق بين النفيين كبير!
فالمرء قادر على مقاومة النعاس..لكن النوم يطغى فهو أقوى من أي نعاس...
فيقال هنا:هب مقاومة النعاس مستطاع فهل في الوسع مقاومة النوم!!
"لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ"
جاء القرآن وفق القاعدة ..فالنفي لم يسلط على الشيء ومقدمته فيكون ذكر الشيء لغوا..بل هو لتدرج جهد المقاومة فنفي ما يستلزم جهدا قليلا أولا، ثم نفي بعده ما يستلزم جهدا كبيرا ..وهذا موافق للقاعدة كما ترى..وعكس الترتيب:
لا يأخذه نوم ولا سنة..لغومبين...فمن لم يستسلم للأقوى كيف يظن به أنه يستسلم للاضعف!!!
ترقب بعد حين لمحة في قوله "لا يغادر صغيرة ولا كبيرة".

ATmaCA
12-06-2009, 12:35 AM
2-لمحة في قوله: لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا..

لسائل أن يسأل:" لم قدم الصغيرة على الكبيرة"؟ ومقتضى البلاغة أن يجعل في الصدارة نفي الأقوى لا الأضعف!
فإذا كان المقصود هو جمع مخازي القوم وإحصاء ما اجترحوه من السيئات، فإن ذكر تسجيل الكبيرة، بعد ذكر الصغيرة ،ليس فيه فائدة ظاهرة لأنه يُعلم أن الكتاب إذا عد الصغائر عليهم فلا بد أن يكون قد عد الكبائرمن باب أولى ..فيكون في ذكر "هذه" بعد "تلك" شائبة تحصيل الحاصل..
ولو ذكر الكبيرة قبل الصغيرة..لجاء العطف أكثر فائدة..فإن المتلقي عندما يسمع:".. هذا الكتاب لا يغادر كبيرة.."لا يكون عنده علم بحال الصغيرة (فلعل الكتاب قد تجاوزها أو لم يسجلها..)فإذا سمع بعد ذلك "..ولا صغيرة ..."استفاد ...
جوابه:
أن المقام هنا ليس لبيان أن الكتاب قد أحاط بكل ما اقترفوه...فيستحسن ذكر الكبائر قبل الصغائر...لكن المقام للتبكيت والتعذيب في العرض...وقد نبهت الآية على هذا المعنى عندما قالت:" مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ" كما نبهت عليه من خلال صرخة الكفار من الضجر والخزي" يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ "
وهذا المقام يقتضي ذكر الصغيرة قبل الكبيرة لوجهين:
1-الصغائر عادة تكون أكثر من الكبائر فيشتد الإسهاب ويطول التقصي وهو مراد لتعذيب أصحابها..
2-ذكر الصغائر على كثرتها سيزيد من التوتر على اعتبار أن هذه أهون مما سيأتي...ولو ذكر الكبائر أولا لفات هذا المعنى..بل سيكون في ذلك شيء من التنفيس على المجرمين ...فالمخازي تصعب أكثر عند ترقبها لا عند مرورها..
فانظر إلى قوة التعبير في القرآن!!

ATmaCA
12-06-2009, 12:37 AM
3-لمحة في قوله تعالى:
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً{107}

نريد أن نقف قليلا عند دلالة تحويل الخطاب، فهذه المسألة لم تنل حقها من التدبر فجل من تعرض لها يذهب إلى أنها تلوين أسلوبي غايته الترويح عن المتلقي: فالخطاب إذا كان على وتيرة واحدة كان مظنة السأم ومن شأن تغير الأساليب وتنوع الالتفاتات أن يطرد الملل عن النفس ويحثها على متابعة القراءة.
هذا الرأي –وهو ليس مخطئا-قاصرمن وجهين:
-تغييب ما هو دلالي في هذه الظاهرة، والاقتصار على المظهر الأسلوبي وحده..
-تعميم هذا الرأي على كل المواضع في القرآن حكما كليا، والحق أنه يجب اعتبار كل موضع بخصوصه.
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
سيرى الأسلوبي في هذا الموضع انتقالا من الغيبة إلى الحضور ،ومن الخبر إلى الخطاب وأن المحتوى الدلالي في قوله" لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا" هو نفسه لو قال :ليس فيها عوج ولا أمت...
بيد أن التأمل الدلالي يكشف عن أمور أخرى:فالعلاقة بين القولين ليست من نسبة الترادف وإنما هي من نسبة التباين :
فمحتوى الخبر في عبارة: "ليس فيها عوج ولا أمت..." بيان لصورة الأرض..
ومحتوى الخبر في قوله تعالى: لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا..بيان لإدراك صورة الأرض...
وشتان بين المحتويين:
فأولهما طبيعي والثاني نفسي، و في أولهما افتقار دلالي واضح وفي الثاني غنى لا يحاط به..
وهذا بعض تفصيل:
أرض المحشر خاوية تماما وأن لا يكون فيها عوج أو أمت كناية عن الفراغ المطلق ..وهذا الفراغ الطبيعي يوازيه فراغ دلالي مثله..فأي شيء يمكن أن يقال عن اللاشيء!
لكن الآية حولت جهة المعنى إلى المخاطب من خلال الاستحضار والحضور..
يستحضر المشهد في ذهنه فهو يراه..
وهو نفسه جزء من هذا المشهد حاضر فيه..
واستبطان عملية الإدراك هذه يكشف عن معاني نفسية عميقة هي المقصودة في الآية:
فالعين مفطورة على الاستئناس بالتنوع ويريحها التمايز بين الأشكال والألوان..ولك أن تتصور مدى الانقباض الذي ستمتليء به العين عندما تشاهد المعروض عليها:أرض فسيحة ممتدة على مرأى البصر لا يتميز فيها شيء عن شيء..آلاف الفراسخ لكنها على نمط واحد فلا جبل ولا وهدة ولا واطيء ولا منخفض ولا مرتفع...مشهد يثير الغثيان والرعب!!
وعلى المرء أن يتصور هذا المشهد ليستشعر بهذه الحالات النفسية..وهذا ما نصت عليه الآية "لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا..
ولم يكن المقصود مجرد الإخبار عن استواء المكان.

ATmaCA
12-06-2009, 12:39 AM
4-لمحة في قوله تعالى:
" قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ..."

في الآية مطابقة بين "تفرون منه" و"ملاقيكم" ووجه المطابقة أن الفرار يقتضي وجود نقطة في الخلف يبتعد عنها ،والملاقاة تقتضي عكس ذلك أي وجود نقطة في الأمام يقترب منها ...
والطباق عندهم محسن معنوي من فن البديع...لكن الحق أنه في هذه الآية من المبينات لا من المحسنات..!
فلنتأمل المقام عن كثب:
هؤلاء يفرون من الموت -على زعمهم-فيترتب عليه من المعاني ما يلي:
1-المحذور موجود خلفهم..
2-أبعد جهة عن المحذور هي الجهة المقابلة أي الأمام..
3-الإمعان في الاقتراب من "الأمام" هو وحده سبيل النجاة..
ثم تاتي بعد ذلك الصدمة البيانية والنفسية: "فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ" ليفجر من المعاني ما يلي:
1-الفرار من الموت كان في الحقيقة إهراعا إليه..
2-رغبتهم في تغييب الموت كان في الواقع إحضارا له..فهم الآن محاصرون: فالموت خلفهم باعتبار وعيهم وأمامهم باعتبار الوجود..
3-الصدمة القاتلة في خيبة الأمل فمكان النجاة هو عينه مكان الهلاك.
4-المفاجأة المذهلة فقد جاءهم الموت من حيث لا يتوقعون..
خلاصة المسالة أن الطباق في الآية أكبر من تحسين في المعنى..بل هو رصد لمفارقة مذهلة ،وتسفيه لسلوك الكافرين،ومحل لبيان الاستدراج،ومناسبة لإظهار مبدأ الجزاء من جنس العمل.
فأي اختزان في المعنى وأي اختزال في اللفظ!!

ATmaCA
12-06-2009, 12:41 AM
5-لمحة من سورة الواقعة

قال السهيلي رحمه الله في "النتائج":
تتقدم المعاني بأحد خمسة أشياء إما بالزمان، وإما بالطبع، وإما بالرتبة، وإما بالسبب، وإما بالفضل والكمال .
فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخفة والثقل بأحد هذه الأسباب الخمسة أو بأكثرها، سبق اللفظ الدال على ذلك المعنى السابق ،وكان ترتب الألفاظ بحسب ذلك. نعم ،وربما كان ترتب الألفاظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى كقولهم" ربيعة ومضر "ـوكان تقديم "مضر" أولى من جهة الفضل، ولكن آثروا الخفة، لأنك لو قدمت مضر في اللفظ كثرت الحركات وتوالت فلما أخرت وقف عليها بالسكون ..
حاصل كلامه أن التقديم – أصلا- يكون لاعتبارات معنوية قيمية (عقلية عرفية وغيرها..)وقد يعدلون عن هذا الأصل لاعتبارات لفظية صوتية من الخفة والثقل.
وقد وقفت في سورة الواقعة على ترتيب باعتبار "النظم وسرد الكلام":
قال تعالى:
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً{7} فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{8} وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{9} وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11}
تأخر ذكر القسم الثالث وكان من حقه التصدير ،وذكر أصحاب المشأمة في الوسط يشوش على الترتيب فلا يكون من الترقي ولا من التدني..
بيد أن ترتيب الأقسام بعد ذلك ورد على النحو المرتقب:
حال المقربين، وحال أصحاب اليمين ،ثم حال أصحاب الشمال..
وجاء هذا الترتيب بعينه في نهاية السورة:
فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ{88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ{89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ{90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ{91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ{92} فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ{93} وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ{94}
فما الحكمة من العدول عن هذا الترتيب في بداية السورة؟
لم يظهر لي أي مقتض دلالي إلا ما كان من شأن النظم والاقتصاد في اللفظ..
فقد كان مقصد السورة تسمية الأزواج الثلاثة أولا ،ثم وصف أحوالهم ثانيا..فلو بدأ بذكر المقربين لاقتضى ذلك إعادة ذكرهم ليحمل عليهم ما لهم من أحوال وأفعال..لكن السورة آثرت الاختزال:
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11}
النظم شديد الإحكام!
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} عبارة اجتمعت فيها وظيفتان..فهي في نظم ما سبق تسمية للقسم الثالث، وفي نظم ما لحق وضع "للموضوع" الذي ستحمل عليه "محاميل"!!

يتبع ..

ATmaCA
12-22-2009, 01:21 AM
6- لمحة في قوله تعالى:كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ

{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المائدة75

قال بعض المفسرين في قوله : { كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام } إنه كناية عن قضاء الحاجة...
قلت :ولعل منشأ إيثارهم المعنى الكنائي على المعنى الصريح هو ما يترتب عن الكناية من تجاور عجيب في مكان واحد بين مقصدين متنافرين:الملاطفة والتشنيع..!!
فالعدول عن ذكر التبول والتغوط داخل في مقصدية تلطيف الخطاب..وإرادة هذا المعنى مع ذلك"أمرّ ذَوْقاً في أفواه مدعي ألوهيتهما" –حسب تعبير العلامة الألوسي-
الحقيقة أن القول بالكناية ضعيف...
ذلك لأن المقام محاججة...وظاهر الكلام وصريحه{ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام } يؤسس حجة برهانية...بينما معنى قضاء الحاجة ليس فيه إلا حجة خطابية ...
صحيح أن "إله يتبول" صورة مؤذية للشعور ،و"أمر في الذوق" ،وأدعى للنفور ....لكن فعل المحاججة يظل أسير مجال الحس والعاطفة..أقصى طموحه أن يحقق " استقباح الصورة"
لكن الاحتجاج بأكل الطعام يحقق "هدم الفكرة" والمجال المستهدف هو العقل..لا العاطفة.
فمن يحتاج إلى طعام محال عقلا أن يكون ربا أو إلها...فهو مخلوق بالضرورة..
والافتقار صفة لازمة للمخلوق..وقد جعل الله الحكيم هذا الوضع الوجودي للمخلوقات أشد ظهورا من أي شيء آخر...فأنت محتاج –مثلا- إلى هواء تتنفسه في كل ثانية...وحياتك تنهار في بضع دقائق إذا حُرمته!!
وقد عطف المشي في الأسواق على أكل الطعام:
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً }الفرقان7

{وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }الفرقان20

تأكيدا لمبدأ الافتقار..

فالرسول في حاجة إلى الطعام...والطعام نفسه يحتاج إلى أن يمشى له في الأسواق...
فكيف يكون الرسول إلها وهو في متاهة من الحاجات!!
حاصل الأمر أن الاحتفاظ بالمعنى الصريح فوز بالحسنيين:
-إبقاء الكلام على ظاهره ،وتحقيق أقوى محاججة..
وقد تقول: ولم لا نعتبر الكناية مقصودة فضلا عن صريحها فنفوزبالحجة الخطابية أيضا...؟
فنقول هيهات هيهات !!فإن البيانيين تجاوزا القنطرة فلا عودة..فاللفظ الصريح عندهم غير مقصود بذاته ...فهم يريدون منه أن يدل على لازمه فقط ثم يطرح بعدها نهائيا...والمسألة لها ذيول ليس هذا موضع ذكرها.

عبد الغفور
12-22-2009, 02:21 PM
بارك الله فيك فيك أخي أتماكا ، وجزاك الله خيرا .:hearts::emrose:

اخت مسلمة
12-24-2009, 06:39 PM
ما أجمل هذه اللمحات واللطائف القرآنية ما أجمل كلام ربنا لا اله الا هو وما أبدع نظم عباراته سبحانك ربي
جزاك الله خيرا أخي أتماكا على اختيارك البديع وتذوقك الراقي
استفدت كثيرا حقا من هذه البديعات اللغوية القرآنية , فجزاك الله خيرا وبارك فيك

تحياتي للموحدين