المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى من أبطل الدعاء بالثبات... نسأل الله الثبات على الحق



سالم
01-06-2010, 01:42 PM
إلى من أبطل الدعاء بالثبات... نسأل الله الثبات على الحق

@23

لقد فوجئ الناس في العقدين الأخيرين في هذه البلاد، وكذلك في بلدان المنطقة المحيطة بنا، بظاهرة فريدة، وتجارة جديدة، وتسويقي غريبي، فقد أنشئت أسواقي ومتاجرُ لبيع الكلام المستورد ذي المحتوى المستهلك، ولكن تحت مسميات وعناوين براقة» مثل دورات البرمجة العقلية والعصبية، دورات تطوير الذات، دورات في الإيحاء، كيف تجلب السعادة؟ كيف تقرأ كتاباً في ساعة؟ كيف تفكر؟ كيف تحقق النجاح؟ كيف تتحدث؟ وكيف تتخلص من... وهكذا إلى نهاية السوق حيث يقع آخر متجري لبيع الكلام، وغيره من بيع مواد غير مرئية وبضائع وهمية.

تجارة بيع الكلام والوهم والأحلام

إن الذي قام على جلب هذه المادة إلى بلداننا، وكلاءي بيعي إخوان لنا، ومن أبناء جلدتنا» ـ وكلي الغرابة أنهم جلبوها من مجتمعات تعاني الاحباط والتعاسة، ولم تتذوق السعادة ـ، بعدما غرر بهم منتجوها بحثاً عن المال بغزو أسواق جديدة، ولذا فلا أجد اسماً أو عنواناً يناسب مادتها ويمثل محتواها إلا وَسْمًها باسم: (تجارة بيع الكلام والأحلام)، ولقد باشر القائمون عليها وأعني بذلك: رجال [هذه] الأعمال» فقاموا بالترويج والدعاية لَها، في كل الوسائل المتاحة من مقروء ومسموع ومرئي، وذهبوا إلى الاعلان بأنها تحمل النجاحات، فهي وسيلة لانقاذ الذات، وجلب الانتصارات في ميادين الحياة، وتم لهم ما أرادوا بالإذاعة والنشر والإعلان عن ذلكم المستورد حتى بلغ أكثر الأماكن، والأهداف المرصودة، وزُفَّتً التباشير في أسواق بلادنا بوصول هذا الرائد الجديد، الذي يطوي بسحره كل مشاكل الخلق، ومعوقات الحياة، فيجعلها تنهار أمام أعين أصحابها، فكان أن سحروا أعين الناس وذهبوا بالعقول، وهذا أمر واقع» فقد يمتلك بعض الناس من المهارات ما يدفع بالذي أمامه إلى الوثوق به، وتصديقه في كل أقواله، كما فعل سحرة فرعون، قال تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسً}[الأعراف: 116]، فنجحوا في بلوغ طائفة مستهدفة في الوهلة الأولى، وإقناع من أرادوا بأنهم المالك الحصري لأسرار النجاح، وبحوزتهم المفتاح الرئيس لكل الحلول.

لم يحن الأوان لإزالة هذا السوق

حتى هذه الساعة» فإن مناقشة قضية تجارة بيع الكلام لم تبدأ، ولم يكن لي موعد معها في هذا المقال، رغم عدم قناعتي بما يملك أولئك التجار والوكلاء الجدد، وهي قناعة مبنية على القواعد العلمية والنقد الأصيل.

السخرية من الدعاء بـ (اللهم! نسألك الثبات)

ولكن أن يخرج على الناس أحد أولئك الوكلاء ومستشاري تطوير الذات في الأجهزة الإعلامية، ويخوض في المسائل الشرعية مطلقاً العنان لنفسه دون لجام، يتكلم بما شاء وكيف شاء، ويجادل في دين الله بغير علم، فتكلم في إباحة الاختلاط وأن القول بالمنع معوق للعلاقة الزوجية، وأباح الموسيقى، وتوالى في قذف أفكاري مبعثرة! رغم أنه مستشار كما يدَّعون لبرمجة الأفكار في العقل، وكاد ألا يترك باباً» إلا ودعا لفتحه طلباً للتغير، حتى تحدث ساخراً بمن يسأل الله ويدعو لنفسه بالثبات، لأنه واقع تحت وطأة (تجارة الكلام وبيع الأحلام)، ولما يحمله من ثقافة غريبة على المسلمين، وهذا ما سأتناوله بالرد، وبغية ترتيب بعض أفكاره، ودعوة عقله ليمتثل للكتاب والسنة، وأن ما قاله بأن الدعاء بالثبات كلام غير صحيح مخالف للحق والصواب:

العقل الصحيح يعرف المراد من استعمال لفظ الثبات

اعلم أخي الفاضل أن الناس غير ملزمين للاستسلام لما تحمله من ثقافة، بل عليك الاستفادة من العلم الذي حموه، والإذعان لما يقولوا به خاصة إذا كان بالأدلة والبراهين في مواجهة الثقافة الغربية والتركة الصينية والأساطير اليابانية.

الحقيقة الشرعية تقدم على الحقيقة اللغوية

واعلم أصلحك الله وأرشدك أن الثبات له معنى في اللغة ومعنى في الشرع، فيحمل كلام المسلمين على المعاني الشرعية، مع العلم أنه لا يختلف اثنان، بل من المسلمات في لغة التفاهم بين العرب» أن أول ما يتبادر إلى الأذهان من السؤال بالثبات، هو طلب الثبات على الحق والهدى والخير، والدعاء بالتثبيت المطلق من الله في جميع المواقف والأحوال التي تواجه المسلم في حياته وبعد مماته، ولقوله تعالى:{فَذَكًّرْ بًالْقُرْآَنً مَنْ يَخَافُ وَعًيدً}[ق: 45]، فإليك أدلة من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1ـ قال تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إًلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفًرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإًسْرَافَنَا فًي أَمْرًنَا وَثَبًّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمً الْكَافًرًينَ}[آل عمران: 147]، قال ابن القيم في زاد المعاد (3/173): لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إًنَّما يستزلهم ويهزمهم بًها» وأَنَّها نوعان: تقصير في حقي أو تَجاوزي لًحدي وأن النصرة منوطة بالطاعة قالوا: {رَبَّنَا اغْفًرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإًسْرَافَنَا فًي أَمْرًنَا}، ثُمَّ علموا أن رَبَّهم تبارك وتعالى إن لَم يثبت أقدامهم وينصرهم» لَم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم، فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم، وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا ولم ينتصروا، فوفوا المقامين حقهما: مقام المقتضي» وهو التوحيد والالتجاء إليه سبحانه ومقام إزالة المانع من النصرة وهو الذنوب والإسراف.ا.هـ
2ـ وقال تعالى: {وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مًنْ أَنْبَاءً الرُّسُلً مَا نُثَبًّتُ بًهً فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فًي هَذًهً الْحَقُّ وَمَوْعًظَةي وَذًكْرَى لًلْمُؤْمًنًينَ}[هود:120].
3ـ وقال تعالى: {يُثَبًّتُ اللَّهُ الَّذًينَ آَمَنُوا بًالْقَوْلً الثَّابًتً فًي الْحَيَاةً الدُّنْيَا وَفًي الآخًرَةً وَيُضًلُّ اللَّهُ الظَّالًمًينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم: 27]، قال الطبري في تفسيره: والصواب من القول في ذلك ما ثبتَ به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو أن معناه: ـيُثَبًّتُ اللَّهُ الَّذًينَ آَمَنُوا بًالْقَوْلً الثَّابًتً فًي الْحَيَاةًـ، وذلك تثبيته إياهم في الحياة الدنيا بالإيمان بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ـوَفًي الآخًرَةًـ، بمثل الذي ثبَّتهم به في الحياة الدنيا، وذلك في قبورهم حين يُسْألون عن الذي هم عليه من التوحيد والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم.اهـ.
4ـ وقال تعالى: {وَلاَ تَتَّخًذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزًلَّ قَدَمي بَعْدَ ثُبُوتًهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بًمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبًيلً اللَّهً وَلَكُمْ عَذَابي عَظًيمي}[النحل: 94].
5ـ وقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسً مًنْ رَبًّكَ بًالْحَقًّ لًيُثَبًّتَ الَّذًينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لًلْمُسْلًمًينَ}[النحل:102].
6ـ وقال تعالى: {وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كًدْتَ تَرْكَنُ إًلَيْهًمْ شَيْئًا قَلًيلا إًذًا لأَذَقْنَاكَ ضًعْفَ الْحَيَاةً وَضًعْفَ الْمَمَاتً ثُمَّ لاَ تَجًدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصًيرًا}[الإسراء:74ـ75]، أليس الثبات على الهدى مطلوب ومن زاغ وانحرف عرَّض نفسه للعقوبة بالزيغ وعدم الثبات على الهدى، ولذا..
7ـ قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: 5].
8ـ وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذًينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزًّلَ عَلَيْهً الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحًدَةً كَذَلًكَ لًنُثَبًّتَ بًهً فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتًيلا}[الفرقان: 32]
وفي السنة:

1ـ روى البخاري (2837)، ومسلم (1803) في »صحيحيهما« من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبًّتً الأقدام إن لاقينا
إًنَّ الأُلى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنـةً أَبينا»

2ـ روى أحمد في »المسند« (4/180)، وابن ماجه في »سننه« (199) بإسناد صحيح من حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه«، وكان يقول: »يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، والميزان بيد الرحمن عز وجل يخفضه ويرفعه«.
3ـ وروى الترمذي في »سننه« (2140) بإسناد صحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: »يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك«، فقلت: يا رسول الله! آمنا وبك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: »نعم» إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبهما كما يشاء«. ورواه أحمد في »المسند« (3/112، 257)، وابن ماجه في »سننه« (3834). فهلا أعلنت تراجعك أصلحك الله وأرشدك عن قولك، وذهبت إلى الصواب، ثبتنا الله وإياك على الحق، والحمد لله رب العالمين.

د.عبد العزيز بن ندَى العتيبي

تاريخ النشر: الاثنين 4/1/2010

http://www2.alwatan.com.kw/Default.aspx?MgDid=830062&pageId=163