المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عولمة الحداثة و حداثة العولمة



متعلم أمازيغي
01-15-2010, 01:16 PM
المصدر (http://adiltahiri.maktoobblog.com/99/حداثة-العولمة-و-عولمة-الحداثة/)

الحديث عن "العولمة" و "الحداثة" كثنائية نلمس لها حضورا قويا في خطابنا المعاصر يصير من لغو الكلام دون التطرق إلى تلك العلاقة الجدلية و التداخل التكاملي بينهما.إن الحداثة فكر يراد له أن يكون عالميا،أي أن تتم عولمته،كما أن الحداثة تدعو بإلحاح شديد إلى ركوب قطار العولمة و الانخراط فيه "تأثيرا" وتأثرا،و العولمة هي الأخرى ظاهرة يراد منها الترويج للحداثة،و من هنا تحدد العلاقة الترابطية بينهما.و تسويق الحداثة كفكر و من آخر صيحات "الموضة الفكرية" لا تعد غاية في حد ذاتها،و إنما هو إجراء تمهيدي يرمي تحقيق التبعية الفكرية و المركزية الغربية و من ثم التبعية الاقتصادية المادية.و هذا ما نقرأه بالضبط في "المادية التاريخية" لكارل ماركس و ينص عليه هو في تفسيره للتاريخ،إنه يرى أن كل شئ يباع و يشترى،و ما من شئ إلا و يوظف من أجل وسائل الإنتاج حتى الأفكار و الإيديولوجيات و المعتقدات.

و نظرية كارل ماركس هذه يمكن اعتبارها صحيحة إلى حد ما،فقراءة التاريخ البشري تكشف بالملموس أنه تاريخ صراعات من أجل المادة،و ما من شعب تقلد زمام قيادة العالم إلا و سال لعابه لبسط نفوذه و توسيع رقعته الجغرافية من أجل حلب خيرات البلدان المستعمرة و جني ثمار قيادة العالم،و حتى تعريف ابن خلدون -كمفكر إسلامي يحلو للبعض أن يصنفه ضمن قائمة المفكرين الماديين- للدولة يتوافق مع الرؤية الماركسية الحديثة،إن الدولة في التصور الخلدوني التاريخي القائم على معيار "طبائع العمران" -بأسلوب معاصر- هي "الامتداد الزمكاني لحكم عصبية ما"،فهو يشبهها بكائن حي يولد ثم ينمو و يكبر بحسب قوة العصبية و تلاحمها التي تمكنها من إخضاع العصبيات الأخرى،ثم تذبل و تهرم عندما يتفنن أهلها في حياة الترف و البذخ أو ما يسمى في اصطلاح صاحب المقدمة ب "الحضارة" (1).

إن العولمة ظاهرة ضاربة في القدم،و يمكن أن نذهب إلى حد أبعد فنقول بتزامن ظهور العولمة مع بروز التكتلات البشرية في فجر التاريخ،لذا لا يمكن لنا أن نجازف في تقييم ظاهرة العولمة هكذا بإطلاقية و اختزالية،أوليست الفتوحات الإسلامية شكل من أشكال العولمة الفكرية؟ و هل "العولمة الإسلامية" في عصرنا الذهبي كالعولمة الحداثية؟ إن ما ينبغي تقييمه إذن هو ما يراد شوملته و عولمته.

إن عولمة القرن العشرين هي الامتداد الطبيعي للاستعمار أو لنقل هي ما يسمى ب "ما بعد الاستعمار"(2)،فخطورة العولمة إذن تكمن في كونها تعبير آخر للامبريالية الغربية و مظهر معدل للاستعمار،و الأدهى أن العولمة تروج لفكر الأقوى اقتصاديا و عسكريا أي للحداثة،و هذه الأخيرة منظومة فكرية متكاملة وهدامة تمس كل الجوانب الحياتية فتنسفها نسفا و تفقدها طابعها و خصوصيتها الثقافية،و حتى العلوم الحديثة -و هي من ثمار الحداثة- التي يتبجح بها الحداثيون وصيرت معيارا للتقدم و الرقي ليست في حقيقتها سوى مظهرا من مظاهر الانحطاط الإنساني و الانتكاس الفطري،فهذه الثورة العلمية لم توظف إلا في تكريس قانون الغاب و لا يمكن أن نقول بأي حال من الأحوال ببراءتها لكونها خدمت –ولا تزال تخدم- أغراض الجلادين و السفاحين،و مكتشفوها أكابر مجرمي البشرية حتى و إن اقترنت أسماءهم بالسلام،و إنها لخدعة كبرى و مهزلة عظمى أن يقترن اسم نوبل بالسلام و يصير علما عليه !

إن العلوم الحديثة الحداثية خدمت قضية الإجرام و الإرهاب،و إذا كانت الفلسفة عند أوائل المشتغلين بها تغذي الجانب الإنساني لدى الفرد و تقصد جعل الإنسان يتحلى بالفضيلة ليتسنى تشييد "المدينة الفضيلة" التي يتربع على عرشها فيلسوف حكيم(و أضاف أبو نصر الفارابي النبي)،فإنه على النقيض من ذلك غذت العلوم الحديثة النزعة اللاإنسانية في الإنسان،و مكتشفوها بيادق تلاعبت بها قوى الأطماع الإمبريالية،إنهم و علومهم كانوا في خدمة الحداثة كمعول هدم للإنسانية والقيم و الأخلاق،فلم يتبجح الحداثيون بهذه العلوم ما لم تكن سببا في إسعاد البشرية؟ و السؤال الذي يطفو فوق السطح هو : إلى ما آل مصير البشرية بتغييب العقل الديني كموجه و مؤطر لهذه العلوم و آثارها؟ لعل الجواب يحسم فيه مجرد إلقاء نظرة خاطفة على مجريات واقعنا،و سنعي حاجتنا إلى القيم التي يشكل لها الدين معينا لا ينضب،و سنعلم يقينا بأن من يعتقد في امتلاك العلم الجاف لعصا سحرية تمكن من حل كل مشاكلنا حالم رومانسي أبعد ما يكون عن الواقعية، وعندئذ لنتحدث مع المفكر الإسلامي المصري محمد قطب عن "خرافة العلم"،يقول :" إن ما يقرب من نصف سكان الكرة الأرضية يعبدون خرافة أخرى –في مقابل خرافة الوثنية- لا تقل انحرافاً بالناس عن الحق، ولا إفساداً لضمائرهم ومشاعرهم وعلاقات بعضهم ببعض، بل ربما كانت أكثر انحرافاً وأشد خطراً: تلك الخرافة هي العلم!!"،و يضيف قائلا " العلم أداة جبارة من أدوات المعرفة، وقد خطا بالبشرية كلها خطوات واسعة في سبيل التقدم والرقي، ولكن إيمان الغرب به على أنه الإله الأوحد، وإغلاق كل منافذ المعرفة سواه، قد ضلل البشرية عن مقصدها، وضيق آفاقها وحصر مجالها في الميدان الذي يستطيع العلم التجريبي أن يعمل فيه، وهو ميدان الحواس. ومهما يكن من سعة هذا الميدان فهو ضيق بالنسبة لطاقات البشرية؛ ومهما يكن من رفعته فهو أدنى مما يستطيع الإنسان أن يرتفع إليه، حين يرتفع بفكره وروحه جميعاً، فيتصل بحقيقة الألوهية ويقبس من نور المعرفة الحقة ببصره وبصيرته في آن. وذلك فضلاً عن الخرافة التي تخيل للمؤمنين بها أن العلم يستطيع أن يصل بهم إلى كل أسرار الكون والحياة، والتي تخيل لهم أن ما يثبته العلم هو وحده الحق، وأن ما لا يستطيع إثباته هو الخرافة!"(3).

لا يفهمن من كلامنا أننا ضد العلم،كلا ! إنما عداءنا للعلم عندما يكون معول هدم وسبب في شقاء البشرية،و هو كذلك بالفعل مادام يتولد في رحم الحداثة،الفكر الذي يغتال فيه السؤال الديني،و يغتال داخله سؤال الأخلاق،فتغيب قيم العدل و تشنق قيم الجمال بما فيها قيمة الأخلاق،تلك القيم التي لأجلها بعثت الأنبياء و الرسل صلوات ربي و سلامه عليهم،يقول الحق سبحانه و تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة :8)،و يقول محمد صلى الله عليه و سلم : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ( حديث صحيح )،و هذه القيم الجميلة لا نجدها في قاموس "بني لادين" و جزيرتهم الموحشة،بل إن قانون الغاب هو السائد عندهم بما فيه من ظلم و شهوانية بهيمية.

إن الحداثة أحيت العولمة من أجل الترويج لها و خدمة قضيتها،و قد علمنا أن العولمة تنمية للفوراق و تعميم للفقر،و العولمة ذوبان في بوثقة "الآخر" و فقدان للهوية،فهلا وقفنا وقفة واحدة لمناهضتها؟

------

1) يخطئ الباحثون المستشرقون عندما يرون في ابن خلدون شخصا مناهضا للحضارة و التمدن،و يرجع سبب ذلك إلى وقوعهم فيما يسمى باللغة الفرنسية « anachronisme » يعنى استعمال لفظ في حقبة زمنية غير تلك التي استعملت فيه،إن الحضارة عند ابن خلدون كما قلنا في متن المقال هي التفنن في حياة الترف و البذخ،و هو ما يؤدي حسبه إلى ذبول الدولة و انقراضها.

2) لا نعني ب "ما بعد الاستعمار" القطيعة مع الاستعمار،و إنما المقصود بالمصطلح استمرار الاستعمار في صورة جديدة،كما نقول "ما بعد الحداثة" و ذلك لا يعني إحداث قطيعة مع الحداثة.

3) انظر كتاب المفكر محمد قطب "شبهات حول الإسلام" باب "الدين هل استنفذ أغراضه" ص: 13/14)

يحيى
01-16-2010, 03:13 AM
بارك الله فيك

إن ما ينبغي تقييمه إذن هو ما يراد شوملته و عولمته.
الحداثة كاملة لا تخدم مصالحهم فهم لا يريدونها أيضا و إلا فأي نفع يعود عليهم من دولة ديموقراطية تؤسس هي أيضا للاستقلال و التقدمية و التطور؟ إذن يريدون جزء خاص من العولمة لشوملته و هو الجانب الجاهلي الذي يسمى حداثة و هو الانسلاخ و الانحلال و ترك الموروث الثقافي و الديني ثم الاستسلام للاستهلاكية الغربية ثقافيا أيضا بعد الاستسلام الاقتصادي و السياسي, و هم يعرفون أن هذا الجانب من العولمة سينتشر إذا استمرت الهيمنة الاقتصادية و السياسية لكن سيصطدم أيضا مع الثقافات المختلفة و هذا ما يريدوه بالضبط, الفوضى للاصطياد في الماء العكر.

niels bohr
01-16-2010, 07:27 AM
إن العلوم الحديثة الحداثية خدمت قضية الإجرام و الإرهاب،و إذا كانت الفلسفة عند أوائل المشتغلين بها تغذي الجانب الإنساني لدى الفرد و تقصد جعل الإنسان يتحلى بالفضيلة ليتسنى تشييد "المدينة الفضيلة" التي يتربع على عرشها فيلسوف حكيم(و أضاف أبو نصر الفارابي النبي)،فإنه على النقيض من ذلك غذت العلوم الحديثة النزعة اللاإنسانية في الإنسان،و مكتشفوها بيادق تلاعبت بها قوى الأطماع الإمبريالية،إنهم و علومهم كانوا في خدمة الحداثة كمعول هدم للإنسانية والقيم و الأخلاق،فلم يتبجح الحداثيون بهذه العلوم ما لم تكن سببا في إسعاد البشرية؟ و السؤال الذي يطفو فوق السطح هو : إلى ما آل مصير البشرية بتغييب العقل الديني كموجه و مؤطر لهذه العلوم و آثارها؟ لعل الجواب يحسم فيه مجرد إلقاء نظرة خاطفة على مجريات واقعنا،و سنعي حاجتنا إلى القيم التي يشكل لها الدين معينا لا ينضب،و سنعلم يقينا بأن من يعتقد في امتلاك العلم الجاف لعصا سحرية تمكن من حل كل مشاكلنا حالم رومانسي أبعد ما يكون عن الواقعية، وعندئذ لنتحدث مع المفكر الإسلامي المصري محمد قطب عن "خرافة العلم"،يقول :" إن ما يقرب من نصف سكان الكرة الأرضية يعبدون خرافة أخرى –في مقابل خرافة الوثنية- لا تقل انحرافاً بالناس عن الحق، ولا إفساداً لضمائرهم ومشاعرهم وعلاقات بعضهم ببعض، بل ربما كانت أكثر انحرافاً وأشد خطراً: تلك الخرافة هي العلم!!"،و يضيف قائلا " العلم أداة جبارة من أدوات المعرفة، وقد خطا بالبشرية كلها خطوات واسعة في سبيل التقدم والرقي، ولكن إيمان الغرب به على أنه الإله الأوحد، وإغلاق كل منافذ المعرفة سواه، قد ضلل البشرية عن مقصدها، وضيق آفاقها وحصر مجالها في الميدان الذي يستطيع العلم التجريبي أن يعمل فيه، وهو ميدان الحواس. ومهما يكن من سعة هذا الميدان فهو ضيق بالنسبة لطاقات البشرية؛ ومهما يكن من رفعته فهو أدنى مما يستطيع الإنسان أن يرتفع إليه، حين يرتفع بفكره وروحه جميعاً، فيتصل بحقيقة الألوهية ويقبس من نور المعرفة الحقة ببصره وبصيرته في آن. وذلك فضلاً عن الخرافة التي تخيل للمؤمنين بها أن العلم يستطيع أن يصل بهم إلى كل أسرار الكون والحياة، والتي تخيل لهم أن ما يثبته العلم هو وحده الحق، وأن ما لا يستطيع إثباته هو الخرافة!"(3).

لا يفهمن من كلامنا أننا ضد العلم،كلا ! إنما عداءنا للعلم عندما يكون معول هدم وسبب في شقاء البشرية،و هو كذلك بالفعل مادام يتولد في رحم الحداثة،الفكر الذي يغتال فيه السؤال الديني،و يغتال داخله سؤال الأخلاق،فتغيب قيم العدل و تشنق قيم الجمال بما فيها قيمة الأخلاق،تلك القيم التي لأجلها بعثت الأنبياء و الرسل صلوات ربي و سلامه عليهم،يقول الحق سبحانه و تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة :8)،و يقول محمد صلى الله عليه و سلم : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ( حديث صحيح )،و هذه القيم الجميلة لا نجدها في قاموس "بني لادين" و جزيرتهم الموحشة،بل إن قانون الغاب هو السائد عندهم بما فيه من ظلم و شهوانية بهيمية.
بعض العقلانيون في الغرب يسمونها Scientism وأنا أسميها العلموية! وهي في الحقيقة نقيض العلم.

تحياتي على المقال الرائع كالعادة.:emrose: