المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعادة النظر في طريقة العيش



عبـــاد
10-20-2004, 06:36 PM
إعادة النظر في طريقة العيش (منقول)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخير الخلق أجمعين محمد بن عبد الله وعلى اصحابه الغّر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد ...
أخرج الإمام أحمد عن رافع بن خديج قال:" كُنَّا ‏‏ نُحَاقِلُ ‏ ‏بِالْأَرْضِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَنُكْرِيهَا ‏ ‏بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ ‏ ‏رَجُلٌ ‏ ‏مِنْ عُمُومَتِي فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا وَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا ‏ ‏نَهَانَا أَنْ ‏ ‏نُحَاقِلَ ‏ ‏بِالْأَرْضِ ‏ ‏فَنُكْرِيَهَا ‏ ‏عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا وَكَرِهَ ‏ ‏كِرَاءَهَا ‏ ‏وَمَا سِوَى ذَلِكَ ".

رحم الله صحابة رسول الله لقد كانوا يعتبرون طاعة الله هي الأنفع والأولى في كل حال . فقد كانوا يرون أن كراء الأرض وهي عبارة عن تأجير الأرض للزارعة فقط، لقد كانوا يرونها نافعة وخيرا لما تجلب لهم من منفعة، ولكن لما أتى الله بتحريمها عدلوا عن رأيهم وعدوا أن طاعة الله أنفع وأولى. لقد حق لهؤلاء أن يكونوا سادة الدنيا وسادتنا.

لا بد للمسلم وهو يحيا في هذه الدنيا أن يكون له مرجع يعود اليه ومقياس ينضبط به وينقاد له.
فلا بد لكل مسلم ان يحدد موقفه تجاه الأشياء والأعمال قبل أن يقدم عليها، ثم بعد ذلك ما يراه خيرا يقدم عليه وما يراه شرا يحجم عنه ولا يقترب اليه. وهذا لا بد له من مقياس. فما هو المقياس الصحيح ؟!.
روى مسلم عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله r يقول: " ‏إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ‏ ‏اسْتَبْرَأَ ‏ ‏لِدِينِهِ ‏ ‏وَعِرْضِهِ ‏ ‏وَمَنْ وَقَعَ فِي ‏ ‏الشُّبُهَاتِ ‏ ‏وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي ‏ ‏يَرْعَى حَوْلَ ‏ ‏الْحِمَى ‏ ‏يُوشِكُ أَنْ ‏ ‏يَرْتَعَ ‏ ‏فِيهِ ".

وقد ثبت في الصحيح عن رسول اللّه r أنه قال: " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "؛ وقال تعالى: ] قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [.

لذلك يجب أن يكون الحلال والحرام هو مقياس الأعمال لدى المسلم وليس ما سواه، فما كان حلالا قمنا به وما كان حراما ابتعدنا عنه وتجنبناه وما كان من الشبهات اتقيناه .

وهذا للأسف الشديد ما هو خلاف ما عليه الكثير هذه الأيام، فترى المسلم يتخذ المصلحة المادية أو المنفعة الشخصية مقياسا لأعماله، فما يراه مربحا ومجديا اقتصاديا أقدم عليه وما رآه غير مربح لم يقم به. مع أن الله I يقول: ] قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [.

وهناك من يتخذ عرف الناس وعاداتهم مقياسا له ومرجع، فتراه ما يرى أنه يرضي الناس ويرضى الناس عنه قام به وما أغضب الناس لم يقم به ويقول لك أنا مع الناس والموت مع الجماعة رحمة ! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تَكُونُوا إِمّعةً تَقُولُونَ إِن أَحْسَنَ النّاسُ أَحْسَنّا، وإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِنْ اسَاءُوا فَلاَ تَظْلمُوا ".
وتراه يهاب الناس أكثر مما يهاب الله ويحسب حساب لومة الناس ولا يحسب حساب عذاب الله. قال تعالى: ] أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ [.

وهناك من يعتبر عقله مقياسا له ومرجع، فما يراه عقله صوابا يقوم به وما يراه عقله خطأ لا يقوم به فيصبح الهوى عنده هو المقياس مع أن الله تعالى يقول: ] أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [. والأصل أن يكون هواه تبعا لما جاء في الإسلام وليس ان يكون الإسلام تبعا للهوى . قال رسول الله r : " لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ ".

لذلك اخوتي الكرام لا بد لكل واحد منا أن ينظر الى نفسه فإن كان مقياسه في جميع أعماله الحلال والحرام فهو على الحق وليمض عليه إلى أن يتوفاه الله وهو على ذلك، ومن كان غير ذلك فليرجع الى الحق ويتخذ الحلال والحرام مقياسا لكل اعماله ويترك ما سواه من مقاييس .

والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴾.
فإن الخير كل الخير فيما وافق الإسلام، والشر كل الشر فيما خالف الإسلام، فلا خير يرتجى من معصية.

ومن المعلوم عندنا نحن المسلمون ان الغاية لا تبرر الوسيلة وأن لا يتوصل إلى الطهارة والخير بالنجاسة والشر. فلا يمكن بحال أن تصبح وسيلة محرمة مباحة أو واجبة بحجة الغاية وهذا ما عليه الكتاب والسنة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فعن رسول الله أنه أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب.
ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك في أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
قال: "الأمر لله يضعه حيث يشاء"
قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه.

فكان بإمكان رسول الله والعياذ بالله أن يكذب عليهم ليتمكن منهم بحجة الغاية، ولكنه لم يقم بهذا الشيء مع أنه كان بأمس الحاجة إلى المساعدة وإلى المعونة والقوة ولكنه تمسك بالحق بأمر من الله فلم يستجب رسول الله للضغوطات أو يسلم للأمر الواقع بل إنه أصر وأصر على الحق مع صعوبة الحال وضيق السبل. قال تعالى: ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [

فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يعتيرون الحلال والحرام مقياسا لنا ولا يرضون بغيره، ونسالك اللهم بعظيم سلطانك وجلالة قدرك أن ترد كيد الكافرين والمنافقين إلى نحورهم وأن تجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم آمين.