المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذات أنواط



ماكـولا
02-02-2010, 12:20 AM
عن أبي واقد الليثي يقول - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم - : لما افتتح رسول الله مكة خرج بنا معه قبل هوزان حتى مررنا على سدرة الكفار : سدرة يعكفون حولها ويدعونها ذات أنواط قلنا : يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الله أكبر إنها السنن هذا كما قالت بنو اسرائيل لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنكم لتركبن سنن من قبلكم )
رواه احمد و الترمذي وابن حبان واللفظ له وصححه الارناؤوط


قال ابن عثيمين رحمه الله :.

قوله: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ) ، أي: بعد غزوة الفتح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة تجمعت له ثقيف وهوازن بجمع عظيم كثير جداً.

فقصدهم صلى الله عليه وسلم ومعه اثنا عشر ألفاً: ألفان من أهل مكة، وعشرة آلاف جاء بهم من المدينة، فلما توجهوا بهذه الكثرة العظيمة؛ قالوا: لن نغلب اليوم من قلة. فأعجبوا بكثرتهم، ولكن بين الله أن النصر من عنده سبحانه وليس بالكثرة، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ . . . ) الآيتين (التوبة:25)، ثم لما انحدروا من وادي حنين وجدوا أن المشركين قد كمنوا لهم في الوادي؛ فحصل ما حصل، وتفرق المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يبق معه إلا نحو مئة رجل، وفي آخر الأمر كان النصر للنبي صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله.

قوله: (حدثاء)، جمع حديث ؛ أي: أننا قريبو عهد بكفر، وإنما ذكر ذلك رضي الله عنه للاعتذار لطلبهم وسؤالهم ، ولو وقر الإيمان في قلوبهم لم يسألوا هذا السؤال.

قوله: (يعكفون عندها)، أي: يقيمون عليها، والعكوف: ملازمة الشيء، ومنه قوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد)(البقرة:187).

قوله: (ينوطون)، أي: يعلقون بها أسلحتهم تبركاً.

قوله: (يقال: لها ذات أنواط)أي: أنها تلقب بهذا اللقب لأنه تناط فيها الأسلحة، وتعلق عليها رجاء بركتها؛ فالصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي


صلى الله عليه وسلم : (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)؛ أي: سدرة نعلق أسلحتنا عليها تبركاً بها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الله أكبر) ، كبر تعظيماً لهذا الطلب؛ أي: استعظاماً له، وتعجباً لا فرحاً به، كيف يقولون هذا القول وهم آمنوا بأنه لا إله إلا الله ؟ !لكن: (إنها السنن)؛ أي: الطرق التي يسلكها العباد.

قلت : قال ابن الاثير في النهاية في غريب الاثر " وأنْواط : جمع نَوْط وهو مصدر سُمِّي به المَنُوط "

قوله: (قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) ، أي: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قاس ما قاله الصحابة رضي الله عنهم على ما قاله بنو إسرائل لموسى حين قالوا: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة؛ فأنتم طلبتم ذات أنواط كما أن لهؤلاء المشركين ذات أنواط.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده) المراد ان نفسه بيد الله، لا من جهة إماتتها وإحيائها فحسب؛ بل من جهة تدبيرها وتصريفها أيضاً، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ـ سبحانه وتعالى ـ .

قوله: (لتركبن سنن من كان قبلكم) ، أي: لتفعلن مثل فعلهم، ولتقولن مثل قولهم، وهذه الجملة لا يراد بها الإقرار، وإنما يراد بها التحذير؛ لأنه من المعلوم أن سنن من كان قبلنا مما جرى تشبيهه سنن ضالة، حيث طلبوا آلهة مع الله؛ فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يحذر أمته أن تركب سنن من كان قبلها من الضلال والغي.



قال صالح آل شيخ في هذه مفاهيمنا "والحجة في هذا أن هؤلاء الصحابة وإن كانوا حديثي عهد بكفر فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله، وهي تخلع الأنداد وأصناف الشرك وتوحد المعبود، فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا إله إلا الله، خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها. وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل وأبينت الحجة فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر، كما عذر أولئك الصحابة في قولهم: اجعل لنا ذات أنواط، وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك.


قال القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "...فقالوا أي بعضهم ممن لم يكمل له مرتبة التوحيد ولم يطلع على حقيقة التفريد يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط أي شجرة نحن أيضا نعلق عليها أسلحتنا وكأنهم أرادوا به الضدية والمخالفة العرفية وغفلوا عن القاعدة الشرعية فقال رسول الله سبحان الله تنزيها وتعجبا هذا أي هذا القول منكم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لكن لا يخفى ما بينهما من التفاوت المستفاد من التشبيه حيث يكون المشبه به أقوى "

قال ابن القيم في اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان "فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها اتخاذ إله مع الله تعالى مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها فما الظن بالعكوف حول القبر والدعاء به ودعائه والدعاء عنده فأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون
قال بعض أهل العلم من أصحاب مالك : فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها ويرجون البراء والشفاء من قبلها ويضربون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها

ومن له خبرة بما بعث الله تعالى به رسوله وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره علم أن بين السلف وبين هؤلاء الخلوف من البعد أبعد مما بين المشرق والمغرب وأنهم على شيء والسلف على شيء كما قيل :
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب والأمر والله أعظم مما ذكرنا"


قال شيخ الاسلام في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم "فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو عين ماء أو قناة جارية، أو جبلا، أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا. وأقبح من ذلك أن ينذر لتلك البقعة دهنا لتنور به، ويقال: إنها تقبل النذر، كما يقول بعض الضالين. فإن هذا النذر نذر معصية باتفاق العلماء، ولا يجوز الوفاء به، بل عليه كفارة عند كثير من أهل العلم .."