المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام عن المرأة



متروي
02-02-2010, 12:41 AM
الطائش


قال: لقد أحببت خمس عشرة فتاة؛ بل هن أحببْنَني وفرغن قلوبهن لي، ما اعتزت علي منهن واحدة، وقد ذهبن بي مذهبًا، ولكني ذهبت بهن خمسة عشر!
قلت: فلا ريب أنك تحمل الوسام الإبليسي الأول من رتبة الجمرة, فكيف استهام بك خمس عشرة فتاة؛ أجاهلات هن، أعمياوات هن؟

قال: بل متعلمات مبصرات يرين ويدركن، ولا تخطئ واحدة منهن في فهم أن رجلًا وامرأة قصة حب, وما خمس عشرة فتاة؟ وما عشرون وثلاثون من فتيات هذا الزمن الحائر البائر، الذي كسَد فيه الزواج، ورق فيه الدين، وسقط الحياء، والتهبت العاطفة, وانتشر اللهو، وكثرت فنون الإغراء, واصطلح فيه إبليس والعلم يعملان معًا؛ وأُطلقت الحرية للمرأة، وتوسعت المدارس فيما تُقدِّم للفتيات، وأظهرت من الحفاوة بهن أمرًا مفرطًا حتى أخذن منها ربع العلم؟
قلت: وثلاثة أرباع العلم الباقية؟
قال: يأخذنها مع الروايات والسينما.
علم المدارس، ما علم المدارس؟ إنهن لا يصنعن به شيئًا إلا شهادات هي مكافأة الحفظ وإجازة النسيان من بعد؛ أما علم السينما والروايات فيصنعن به تاريخهن. ورب منظر يشهده في السينما ألف فتاة بمرة واحدة، فإذا استقر في وعيهن، وطافت به الخواطر والأحلام؛ سلبهن القرار والوقار فمثَّلْنَه ألف مرة بألف طريقة في ألف حادثة!
يظنون أننا في زمن إزاحة العقبات النسائية واحدة بعد واحدة، من حرية المرأة وعلمها؛ أما أنا فأرى حرية المرأة وعلمها لا يوجدان إلا العقبات النسائية عقبة بعد عقبة. وقد كان عيب الجاهلة المقصورة في دارها أن الرجل يحتال عليها، فصار عيب المتعلمة المفتوح لها الباب أنها هي تحتال على الرجل؛ فمرة بإبداع الحيلة عليه، ومرة بتلقينه الحيلة عليها. والغريب في أمر هذا العلم أنه هو الذي جعل الفتاة تبدأ الطريق المجهول بجهل!
قلت: وما الطريق المجهول؟
قال: الطريق المجهول هو الرجل، وإطلاق الحرية للفتاة أطلق ثلاث حريات: حرية الفتاة، وحرية الحب؛ والأخرى حرية الزواج، ولما انطلق ثلاثتهن معًا، تغير ثلاثتهن جميعًا إلى فساد واختلال.

أما الفتاة فكانت في الأكثر للزواج، فعادت للزواج في الأقل وفي الأكثر للهو والغزل؛ وكان لها في النفوس وقار الأم وحرمة الزوجة، فاجترأ عليها الشبان اجتراءهم على الخليعة والساقطة؛ وكانت مقصورة لا تُنال بعيب ولا يتوجه عليها ذم، فمشت إلى عيوبها بقدميها، ومشت إليها العيوب بأقدام كثيرة, وكانت بجملتها امرأة واحدة، فعادت مما ترى وتعرف وتكابد كأن جسمها امرأة، وقلبها امرأة أخرى، وأعصابها امرأة ثالثة.
وأما الحب، فكان حبًّا تتعرف به الرجولة إلى الأنوثة في قيود وشروط، فلما صار حرًّا بين الرجولة والأنوثة، انقلب حيلة تغترّ بها إحداهما الأخرى؛ ومتى صار الأمر إلى قانون الحيلة، فقد خرج من قانون الشرف، ويرجع هذا الشرف نفسه كما نراه، ليس إلا كلمة يحتال بها.
وأما الزواج، فلما صار حرا جاء الفتاة بشبه الزوج لا بالزوج, وضعُفت منزلته، وقل اتفاقه، وطال ارتقاب الفتيات له، فضعف أثره في النفس المؤنثة؛ وكانت من قبل لفظتا "الشاب، والزوج" شيئًا واحدًا عند الفتاة وبمعنى واحد، فأصبحتا كلمتين متميزتين؛ في إحداهما القوة والكثرة والسهولة، وفي الأخرى الضعف والقلة والتعذر؛ فالكل شبان وقليل منهم الأزواج؛ وبهذا أصبح تأثير الشباب على الفتاة أقوى من تأثير الشرف، وعاد يقنعها منه أخس برهاناته، لا بأنه هو مقنع، ولكن بأنها هي مهيأة للاقتناع.
وفي تلك الأحوال لا يكون الرجل إلا مغفلًا في رأي المرأة, إذا هو أحبها ولم يكن محتالًا حيلة مثله على مثلها، ويظل في رأيها مغفلًا حتى يخدعها ويستزلها؛ فإذا فعل كان عندها نذلًا لأنه فعل, وهذه حرية رابعة في لغة المرأة الحرة والزواج الحر والحب الحر!

وانظر -بعيشك- ما فعلت الحرية بكلمة "التقاليد"، وكيف أصبحت هذه الكلمة السامية من مبذوء الكلام ومكروهه حتى صارت غير طبيعية في هذه الحضارة، ثم كيف أحالتها فجعلتها في هذا العصر أشهر كلمة في الألسنة، يُتهكم بها على الدين والشرف وقانون العرف الاجتماعي في خوف المعَرَّة والدنيئة والتصاون من الرذائل والمبالاة بالفضائل؛ فكل ذلك "تقاليد".
وقد أخذت الفتيات المتعلمات هذه الكلمة بمعانيها تلك، وأجرينها في اعتبارهن مكروهة وحشية، وأضفن إليها من المعاني حواشي أخرى، حتى ليكاد الأب والأم يكونان عند أكثر المتعلمات من "التقاليد" أهي كلمة أبدعتها الحرية، أم أبدعها جهل العصر وحماقته، وفجوره وإلحاده؟ أهي كلمة تعلقها الفتيات المتعلمات لأنها لغة من اللغة، أم لأنها من لغة ما يحببن؟
"تقاليد"؟ فما هي المرأة بدون التقاليد؟ إنها البلاد الجميلة بغير جيش، إنها الكنز المخبوء معرضًا لأعين اللصوص، تحوطه الغفلة لا المراقبة. هب الناس جميعًا شرفاء متعففين متصاونين؛ فإن معنى كلمة "كنز" متى تُركت له الحرية وأغفل من تقاليد الحراسة، أوجدت حريته هذه بنفسها معنى كلمة "لص".
قال صاحبنا: أما الفتاة المحررة من "التقاليد" كما عرفتُها فهي هذه التي أقص عليك قصتها، وهي التي جعلتني أعتقد أن لكل فتاة رشدين, يثبت أحدهما بالسن، ويثبت الآخر بالزواج. ولو أن عانسًا ماتت في سن الخمسين أو الستين لوجب أن يقال: إنها ماتت نصف قاصر! ولعل هذا من حكمة الشريعة في اعتبار المرأة نصف الرجل، إذ تمام شرفها الاجتماعي أن يكون الرجل مضمومًا إليها في نظام الاجتماع وقوانينه؛ فالزوج على هذا هو تمام رشد الفتاة بالغة ما بلغت.

وأساس المرأة في الطبيعة أساس بدني لا عقلي، ومن هذا كانت هي المصنع الذي تُصنع فيه الحياة، وكانت دائمًا ناقصة لا تتم إلا بالآخر الذي أساسه في الطبيعة شأن عقله وشأن قوته.
واعتبرْ ذلك بالمرأة تدرس وتتعلم وتنبُغ، فلو أنك ذهبت تمدحها بوُفُور عقلها وذكائها، وتقرظها بنبوغها وعبقريتها، ثم رأتك لم تلق كلمة ولا إشارة ولا نظرة على جسمها ومحاسنها؛ لتحول عندها كل مدحك ذمًّا، وكل ثنائك سخرية؛ فإن النبوغ ههنا في أعصاب امرأة تريد أن تعرف مع أسرار الكون أسرار كونها هي، هذا الكون البدني الفاتن، أو الذي تزعمه هي فاتنًا، أو الذي لا ترضاه ولا ترضى أن تكون صاحبته إلا إذا وجدت من يزعم لها أنه كون فاتن بديع، مزين بشمسه وقمره وطبيعته المتنضرة التي تجعل مسه مس ورق الزهر.
مثل هذه إنما يكون الثناء عندها حينما يكون أقله باللسان العلمي ولغته، وأكثره بالنظر الفني ولغته. وهذا على أنها عالمة الجنس ونابغته، ودليل شذوذه العقلي، والواحدة التي تجيء كالفلتة المفردة بين الملايين من النساء؛ فكيف بمن دونها، وكيف بالنساء فيما هن نساء به؟
دع جماعة من العلماء يمتحنون هذا الذي بينت لك، فيأتون بامرأة جميلة نابغة, فيضعونها بين رجال لا تسمع من جميعهم إلا: ما أعقلها، ما أعقلها، ما أعقلها! ولا ترى في عيني كل منهم من أنواع النظر وفنونه إلا نظر التلميذ لمعلمة في سن جدته. فهذه لن تكون بعد قريب إلا في حالة من اثنتين: إما أن يخرج عقلها من رأسها، أو... أو تخرج في وجهها لحية!
"ما أعقلها!" كلمة حسنة عند النساء لا يأبينها ولا يذممنها، غير أن الكلمة البليغة العبقرية الساحرة، هي عندهن كلمة أخرى، هي: "ما أجملها!"؛ إن تلك تشبه الخبز القَفَار لا شيء معه على الخِوَان، أما هذه فهي المائدة مزينة كاملة بطعامها وشرابها وأزهارها وفكاهتها وضحكها أيضًا.
وكأن العقل الإنساني قد غضب لمهانة كلمته وما عرَّها به النساء، فأراد أن يثبت أنه عقل، فاستطاع بحيلته العجيبة أن يجعل لكلمة: "ما أعقلها" كل الشأن والخطر، وكل البلاغة والسحر، عند... عند الطفلة.... تفرح الطفلة أشد الفرح، إذا قيل: ما أعقلها!

أميرة الجلباب
02-02-2010, 01:00 AM
كأني قرأته من قبل لأحد الكُتـَّاب أو الأدباء لكني لا أذكره!

متروي
02-02-2010, 01:06 AM
أديب كبير في نفسه رفعة و في إسمه كذلك .

أميرة الجلباب
02-02-2010, 01:18 AM
إذن فهو مصطفى صادق الرافعي في وحي القلم.

متروي
02-02-2010, 01:20 AM
نعم هو بارك الله فيك.