المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معالم تربوية/بين يدي المعالم



أبو حمزة السلفي
02-05-2010, 08:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مـعـالـم تـربـويـة

بين يدي المعالم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

وبعد ..

تنبع أهميةُ الموضوع الذي نتحدث فيه عبر هذه الدروس والحلقات من أنه أهمُّ موضوع يهتم به كل والدٍ مربٍّ و داعيةٍ مرشد ومُصلحٍ معلم وقائدٍ يسير بقومه نحو العلا ويبتغي لهم الخير وأسمى المراتب وأعلى الدرجات في سُلم الأمم ، ولئن كانت أمةُ الإسلام هي خيرُ أمة أُخرجت للناس وبهذا وصفها رب العزة جل جلاله في كتابه فقال {كُنتُمْخَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُالْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَوَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110، فإن سرَّ خيريّتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن يتناول هاتين الشعيرتين يعرف أن التربيةَ أساسٌ فيهما، لأن الملتزم بهما والمطبق لهما إنما يربي نفسه أولاً ثم يدعو غيره ويربيهم، وإن عَلِمنا أن أَعرَفَ المعروف هو التوحيدُ وأن أنكر المنكر هو الشركُ بالله تعالى علمنا أن الحقَّ كلَّ الحقِّ في تحقيق التوحيد واتباعه والتزامه وكل ما يعين على ترقيته وزيادته ونصرة أهله والذود عنهم والسعي في نشره بين الناس، ونقول بضد ذلك عن الشرك أن الحقَّ كلَّ الحقِّ في اجتنابه والتباعد عن أماكنه ومُسبباته والسعي في براءة النفس منه بمعادة أهله وتحذير الناس منه .

ولما كانت أعلى شعيرة في الأمر بالمعروف هي الجهادُ في سبيل الله تعالى، ولما كنا في زمن لاحت فيه معالم الانتصار وعَلَت فيه راياتُ التوحيد، وتحوَّل القتال في بعض ساحات الجهاد من قتال نكايةٍ إلى قتال تمكين وإقامة دولة ؛ وجب علينا أن نتناول هذا الموضوع وأن نُسلِّط عليه الضوء ليعرف الناس أن هنالك أدواراً مكملةً لدور القتال في ساحات الحروب، لا سيما و أن قادتنا وسادتنا ندبوا أهل العلم والفضل وندبوا أهل التخصص والرأي والخبرة وطالبوهم باللحاق بهم ورغَّبوهم في ذلك .

بل من يرى تقلُّبَ الأحوال في العالم، و تسلطَ أهل الكفر والطغيان على أهل الإسلام ليشعرُ أن الحاجةَ ماسةٌ في كل وقت وآن ومكان لمحاضنَ تربويةٍ تُخرِّج لنا أجيالاً صحيحةً سليمة : صحيحةً في عقيدتها و دينها و تصورها، سليمةً في طريقة تفكيرها وتنظيرها من أجل وضع خطوات البناء أو معالم الطريق الإسلامي الصحيحة التي سيحملها أولو العزم وأصحابُ الهمم منهم ، وسيسير عليها من يأتي بعدهم ويهتدي بها من يتقفى آثارهم .

ولعلنا في حلقاتنا هذه نتناولُ مواضيعَ عدة هي من الأهمية بمكان، بمنظور تربوي نظري ليس عسيراً على صاحب الهمة تطبيقُه، ولا هو بالمغالي في المثالية فتكسلُ النفسُ وتمل من النظر فيه، وكذلك التأمل والتدبر في كيفية جعله واقعاً مُعاشاً في حياة الناس بإذن الله تعالى، فنحن دعاةُ حقٍّ ومنهجٍ صحيح بإذن الله، ولقد اخترت لحلقاتي هذه التي أسعى لربط حاضر هذه الأمة بماضيها واستنباط الخير والأفكار مما سأسوقه فيها واستخلاص الدروس والعِبَر منها، اخترت لها عنواناً خفيفاً هو (معالمُ تربوية ) والتي أسأل الله أن يوفقني فيها بالإجادة والإحسان، وأن يتقبلها مني فيضع لها القبول في قلب كل إنسان .

و لي منهجٌ في كتابتي هذه أحبُّ أن يتمعنه كل قارئ لهذه الحلقات ويضعه نُصب عينيه ليسهل عليه الاستفادة منها بإذن الله تعالى :

الأول (وهو لكل شهم أكمل) :

ليعلم القارئ الكريم أننا دعاةُ حقٍّ وعدل، وأن الإنصاف من شِيَمِ الرجال، وفوق هذا أن الحكمةَ ضالةُ المؤمن أنَّى وجدها كان الأحقَّ بها، أقولُ هذا الكلام لأنه قد يجد القارئ الكريم نقولاتٍ لبعض من يخالفنا في طريقتنا ومنهجنا فندعوه ألا يعجل علينا بالنكير لأن بعض المخالفين وإن شابتهم لوثة أو تلبَّسُوا بانحراف إلا أن عندهم من الخير ما لا يمكن غمطه ولا إهالة التراب عليه وإدارة الظهر له، بل نستفيد من كلامهم ونعزو القول إليهم دون غمط لحقهم، إكمالاً للفائدة وتعميماً للنفع، وننصف كلاً بما فيه من الخير الذي عنده فنأخذ منه من غير تأثر بالشر الذي فيه .

وأماالثاني (وهو الثمر الداني) :

هذه المعالم وُضعت للكبار وإن كان ليس فيها ما يمنع من توجيهها للصغار، إلا أن المقصود بها كل من حمل همَّ الإسلام ورأى أنه عاجزٌ عن نصرته بالسنان في ساحات العز، لئلا تفتر همته وتسأم نفسُه فينتكسَ بعدما رُفعت بالعزِّ هامته، ليعرف أنَّ لكل إنسان دوراً في هذه الحياة، وإنما هو لبنةٌ في بناء المجد, فيلعرف لنفسه قدرها ومكانها المناسب فيضعها فيه، ويُمكن بعدها أن يُستفاد منها كلٌّ بحسب ما يفتح الله عليه به ( فلرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه )، ( ولرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع ) .

و أما الثالث(وهو لكل خير باعث) :

ليعلم القارئ الكريم أني بذلتُ في هذه المعالمِ جهدي ووُسعي وطاقتي، وجمعتها نُتَفاً مفرّقة وفوائدَ مبعثرة، فمن وجد منها الخير فليحمد الله وليدعُ لي ولوالدي وأهلي بالخير، وإن وجد فيها نقصاً يمكن جبرُه فليسعَ إليَّ به مُنبهاً، فإن الإنسان ضعيفٌ بنفسه قويٌّ بغيره، والخيرُ كلُّ الخيرِ في النصح وقبوله من الآخرين .

و أما الرابع (وهو الدليل إلى المرابع) :

سأنشرُ كل أسبوع حلقةً بحول الله تعالى فيكون يوم الاثنين المبارك هو موعدنا معكم، توفيقاً بين الدروس هنا وبين بعض الأعباء والأشغال لئلا يتأثرَ كل واجب بالآخر مع زحمة الحياة ومتطلباتها، وإن تيسر الوقت قللنا المدة بإذن الله فنسأله سبحانه أن يبارك في أوقاتنا وأن يمدنا بالنشاط للقيام بالواجبات .

و أماالخامس (وهو الغصن المتمايس) :

ليعلم الإخوة جميعهم أني لست بخيرهم ولا أفضلهم، ووالله ما تقدمت لشيء رأيته في نفسي، ولكن خشيةَ أن نُفوِّت باباً من أبواب الخير نحن في أَمَسِّ الحاجة إليه، ولعل من هو خيرٌ منا يرى تقدمنا فيتحرك ليسُدَّ ثغره، ويكمِّل ما بدا من نقصنا، فلقد رأينا في الناس إحجاماً عن الخير وخجلاً عن نفع الناس، والأمةُ تحتاجُ لمن يتقدم و يحتسب الأجر عند الله، فليس هناك أشدُّ على المرءِ من معالجةِ نيته، ومدافعةِ آفاتِ النَّفس، ثم الصبر على الناس وما يلحقه منهم من أنواع المزعجات والمكدِّرات .

وأماالسادس (وهو الرفيق المؤانس) :

أتوجه بالشكرِ الجزيل إلى إخواني وأحبابي في شبكةِ الحسبةِ المباركة بإذن الله تعالى، على هذه البادرة الطيبة والخطوة الموفقة، فلقد علمنا منهم حرصهم على الخير وإرشاد الناس لما ينفعهم، فنسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يجعل ما يُكتب هنا وما يستفيد منه الناس في موازين حسناتهم، كما لا يفوتني الدعاء بالخير لشيخنا وحبيبنا المربي والمعلم الشيخِ محتسب أبي مصعب فكَّ الله أسره وفرَّج كربه ونوَّر دربه وقلبه، مؤسسِ هذا الصرح وبانيه والقائم عليه حتى وصل إلى ما وصل إليه بفضل الله تعالى وحده ثم جهوده بارك الله فيه وفي ذريته، فلا تنسوه إخواني من صالح دعائكم بظهر الغيب .

اللهم نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغنى، ومن العمل ما ترضى ومن اليقين ما تبلغنا به جنتك، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلا، اللهم سهِّل أمورنا ويسر لنا كل صعب، وارزقنا اللهم الإخلاص لك والصدق معك، وجلِّ الله بصائرنا وافتح عقولنا ونور قلوبنا، وتقبل منا جهدنا على عِلَّاته ووفقنا لقول الحق والعمل به إنك ولي ذلك والقادر عليه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

راية العقاب

الاثنين

24 ذو القعدة 1428 هـ - 3/12/2007 م