المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القران الكريم ودولة العدو



علاءمحمدابوطربوش
02-14-2010, 11:44 AM
السلام عليكم ورحمة الله
الاخوة والاخوات اهل منتدى التوحيد الكرام اضع بين ايديكم بحث كتبه استاذي امين نايف ذياب رحمه الله عليه قبل عشر سنوات تقريبا وقمنا بتوزيع مئات النسخ منه وخوض نقاشات حيه مع الناس على ما جاء فيه ومع ذلك بقيت جماعات كبيرة تقول ما يخالفه لذا رايت ان اضعه هنا لنتحاور على ما جاء فيه
والله من وراء القصد
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن الكريم ودولة العدو
ظَهَرَ من الإسلاميين إصرار شديد على وصف الدولة العبرية بأنـها دولة دينية
ما رأيت ـ كالذين يصفون نفسهم بأنـهم إسلاميون ـ تحجراً على الباطل ، فدولة اليهود لا تطبق أي حكم من أحكام الشريعة اليهودية ، كوجوب العطلة التامة يوم السبت ، وكأحكام الطهارة والنجاسة في شأن المرأة الحائض أو النفساء ، أو تعدد الزوجات المسموح به في الشريعة اليهودية وأحكام الطلاق ، أو نظام التوريث اليهودي للذكور دون النساء ، وإعطاء الولد البكر حصة مميزة ، ومثل حرمة الربا بين اليهود ، ومنع التعليم الدنيوي ، وأحكام الزنى ، جاء في تثنية الاشتراع ( وإنْ أخذ رجل يضاجع امرأة متزوجة فليموتا كلاهما ) والمطلوب من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم إسلاميين ؛ أنْ يخرجوا وبسرعة من غفلتهم ؛ فيفهموا جيدا مَنْ وراء وجود الدولة العبرية ، وأنْ لا تأسرهم دعاية الغرب عن تدين الدولة العبرية .
توجد أحكام متعددة وكثيرة في تثنية الاشتراع ، يمكن للإسلاميين ـ أصحاب الإصرار على الباطل ـ العودة إليها ، ليعلموا يقينا أنَّ الدولة اليهودية دولة عَلْمانية ، وهي مستندة ومعتمدة من حيث القوة ومن حيث الاقتصاد على الغرب ، وخاصة ذلك السيد الولايات المتحدة وليس العكس ، ولولا رعب الكيانات القائمة من سطوة السيد لـما قام لدولة الأقزام اليهود قائمة .
رُغم نشر هذا المقال في جريدة العرب اليوم ، وتوزيع المئات منه ـ وخاصة على الإسلاميين ـ لكنهم كما قال تعالى : ( وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً )(نوح: من الآية7) لماذا ذلك ؟ إنَّهُ رُغم إسلامهم ، إلاَّ أنـهم ليسوا على استعداد لقبول الحق الأبلج ، وهو واقع دولة يهود ، ولا القرآن البين ، فالحق هو الموروث ، والموروث عندهم لم يعتمد عالم الشهادة الواضح ، بل اعتمد أقوال أهل الحديث في الملاحم ، يصدق عليهم ما وثقه القرآن من قول هود لقومه : (( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (هود:92) فرهط الإسلاميين هم اتباع بالتقليد لفرقة من الأمة ، حولت الإسلام من حركة حياة إلى حركة موت ، إذْ جعلت منظومة النبوءات تقود فكرها السياسي .
يمكن للإسلاميين إثارة السؤال التالي وهو : أليس هذا الجمع الاستشهادي ينتمي إلى رؤيتنا ؟ ويقومون بالعمل بترتيبنا ؟ والجواب : إنـهم ينتمون إلى مفاهيم الأعماق عند الأمة من جهة ، ومن جهة أخرى فإنَّ قضية المقاومة غير قضية إعادة بناء عقل الأمة ، ومن هنا لا تكون نتائج الاستشهاد علامة نحو التغيير ، بل هي علامة من علامات المقاومة فقط لا غير ، وللربط بين التغيير والمقاومة ؛ لا بد من بناء الوعي السياسي الحضاري ؛ الهادف لبناء دولة الأمة في المضمون الحضاري ، والتحرير من هيمنة الولايات المتحدة ، وزوال كيانات التجزئة ، وهذه هي شروط التغيير ، فلا بد من ربطها ربطا محكما مع المقاومة .
واقع الدولة اليهودية
الدولة اليهودية ، أو العبرية ، أو الدولة الصهيونية ، أو دولة إسرائيل ، هي أسماء متعددة لكيان سياسي واحد ، وهذه الدولة لا علاقة لها بالدين اليهودي ، وهو دين يعتبر ملغيا ومنسوخا من وجهة نظر الإسلام ، ولا علاقة لها بالنبي إبراهيم ، أو ببني إسرائيل ، أو بآل عمران ، إذ كل خطاب ورد في القرآن الكريم حول المذكورين ، هي أمور مضت وانقضت ، إذا كان المراد الذات المشخصة ، من حيث هي ذات ، ولكن العبرة الموجودة في أحوالهم سلبا وإيجابا والتحذير من سلوك طريق اليهود السالب وهو الأكثر في حياتـهم ، أمران مفتوحان للبشرية ، بشكل عام ولنا معشر المسلمين بشكل خاص .
إن هذه الدولة القائمة ، هي دولة ذات وظيفة سياسية ، إنـها بارجة حربية ، مستقرة في موقع من اليابسة ، وليست في عرض البحر ، وهي في محل القدرة لمباشرة نشاط اقتصادي في المنطقة بحيث تسيطر عليها ، وهي مركز تثقيفي لمعطيات الحضارة الغربية ، وهي بؤرة افسادية لحياة المجتمع ، وقد وجدت بأفاعيل السياسة الغربية وكان من الممكن أن يقيمها الفرنسيون ، لو تحققت لهم طموحات نابليون بونابارت ، في الاستقرار في بلاد الشام سنة 1799 م ، ولم يقمها المؤتمر الصهيوني الأول ، المنعقد في بازل سنة 1897 م ، بل يمكن القول أن المؤتمر الصهيوني وجد بتأثيرات غربية ، لقد أقيمت الدولة اليهودية بوعد وزير خارجية بريطانيا بلفور في 2/11/1917 م والمعلوم الآن أن للأمريكان دورا أساسيا في هذا الوعد ، ومع مباشرة تحقيق الوعد من قبل الانتداب البريطاني على فلسطين ، ساهم كل الغرب قويا أو ضعيفا ، من معسكر المنتصرين ، أو من معسكر المنهزمين ، بما في ذلك الولايات المتحدة الليبرالية ، وروسيا الشيوعية فالغرب كله سندها بالوعد ، بأن سندها بالهجرة ، وسندها بإعلانها دولة ، وسندها بالمال والسلاح منذ وجودها وحتى الآن .
زوال دولة اليهود لا يتحقق بوعد السماء ، إذ لم تقم دولة اليهود أصلا على وعد السماء والذي يدعي أن وعد السماء أنشأها ، إنما هو داعية هرطقة ، بل هو من التجديف على رب العالمين الإدعاء بأن الله جل جلاله وعظمت آلاؤه هو الذي أقامها .
طرد الدولة العبرية حقيقة تكليفية ، العمل السياسي شرط موضوعي لزوالها ، وتحقيق ذلك يتم بوحدة مصر وبلاد الشام والعراق كدولة نواة ، مع تحرير القرار السياسي ، والاقتصادي والعسكري ، والثقافي ، والاجتماعي ، من هيمنة الولايات المتحدة ، ومن هيمنة جميع شركائها الغربيين ، وهذا يقتضي تحديد الهوية الفكرية والحضارية للدولة النواة ، وهذه الهوية هي الهوية الإسلامية الحضارية ، بدون هذه الشروط الثلاثة معا ، لا يمكن زوال دولة اليهود ، وأن كان من الممكن مشاكستها .
أنَّ أخطر ما يجري في ساحة الإسلاميين ، هو تحويل القرآن الكريم ، من كتاب يهدي للتي هي أقوم ، إلى كتاب نبوءات ، ساوَوْا فيه بين سفر إشعيا ، وحزقيال ، ودانيال ، وهوشع ، ورؤيا يوحنا اللاهوتي ـ وهي أسفار إشكالية عند أصحابـها ـ مع القرآن الكريم ، ومثل هذه المساواة لا تصح ، ولا يقبل بـها عقل صائب ، ولا منطوق قرآن ، بل ولا مفهوم النص القرآني يعتمد الإسلاميون في مقولتهم تلك ، على الآيات الأولى من سورة الإسراء ، وتفسيرها تفسيرا قدَرَياً جبْرياً ، مع أن اليهودية قد ألغاها ربُّ العالمين ، شكلا ، وموضوعا ، منذ عدم قبولهم بالمسيح بن مريم ، آية ، وعبدا ، ونبيا ، ومعدلا لبعض تشريعات التوراة ، وتصحيح التحريف اليهودي لرسالة موسى ، إذ فقدت على يد الأحبار النور والهدى ، وتحولت إلى رسالة فاقدة لبعدها الإنساني ، وقد أضافوا إلى معاندتـهم للمسيح ، اتـهامه بأنه دجال ، والطلب من الحاكم الروماني هيردوتس صلبه ، وهو الحاكم الذي قام أيضا بقطع رأس النبي يحيى ( يوحنا المعمدان ) عند المسيحيين ، وهذا العمل هو الإفساد الثاني الذي حذرهم منه رب العالمين .
{ نص الآيات التي يدعي الإسلاميون تعلقها بالوجود اليهودي الآني }
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً* فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً * } (الاسراء: 1- بعد هذه الآيات تأت الآية التالية :{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } (الإسراء:9) إن وجه النظم بين هذه الآية ، والآيات التي قبلها بقوله تعالى { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } فتكون رحمتهم باتباع القرآن ، ويمكن أن يكون وجه النظم يتصل بقوله تعالى { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} والوجه كيف أقررتم بالكتاب الأول ، ورفضتم الإقرار بالكتاب الثاني ، ويمكن الذهاب إلى وجه ثالث بالربط وهو صدر السورة { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } كأنه تعالى قال أسرى بعبده ، وآتاه الكتاب الذي هذا صفته .
إن هذه السورة ، وهذه الآيات ، لم تأت لترسم ملامح ما يحدث من بني إسرائيل ، بعد رسالة نبي الهدى محمد بن عبد الله ـ صلوات الله عليه ـ وإنما ترسم صورة ما جرى من بني إسرائيل من مخالفات ، وما جرى لهم بسبب هذه المخالفات ، من الاندثار إلى يوم القيامة ، إنَّ بني إسرائيل لا وجود لهم اليوم ، وإنما لبقاياهم ـ مع التحفظ على كلمة بقاياهم ـ دولة علمانية ، فيها زمر متدينة بقيم من بقايا يهودية فاسدة ، لقد نشأت هذه الدولة بفعل الغرب كما مر ، والآيات تتلى علينا ـ معشر المسلمين ـ تحذيراً من السير على سننهم .
الدليل على هذا القول
1. إن معنى قضى الواردة بقوله تعالى { وَقَضَيْنَا } هو أعلم وأخبر ، ذلك أن كلمة قضى متعددة المعاني فهي : 1- فصل الأمر على إحكام ، ومن يفصل الأمر على هذا الوجه فهو القاضي ، ولذلك مشروط في قضاة المحاكم : الفهم ، والتقوى المانعة من الانحراف في إصدار الأحكام ، وبـهذا يكون قاضيا عدلا 2- قضى بمعنى خلق وأحدث ، كما قال تعالى فقضاهن سبع سماوات 3- قضى تعني أوجب الأمر ، قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } 4- المعنى الذي ذكر في أول الكلام ، وهو أعلم وأخبر .
2. إن هذا الإعلام كان لبني إسرائيل ، أيام أنبيائهم في الكتاب ، أي في واحد من الكتب التي نزلت عليهم ، تحذيرا من الدخول في الفساد في ذلك الزمن ، وليس في الزمن الآتي ، إنَّ تتبع التسلل الزمني للكتب التي أنزلت على العبريين هي كما وثقها القرآن : 1- صحف إبراهيم يسمي اليهود عصر إبراهيم واسحق ويعقوب ( إسرائيل ) ويوسف ، واستقرار بني إسرائيل في مصر بعصر الآباء ويمتد زمن هؤلاء من 1800-1550 ق0م ، وهذه الفترة هي فترة قبيلة صغيرة جدا رحلت من أور في العراق ، مستقرة أخيرا في مصر ، مارة بالخليل وبئر السبع ، من أرض كنعان 2- التوراة على موسى وهو زمن موسى وخلفائه من 1550 – 1220 ق0م وهذا الزمن هو زمن خروج بني إسرائيل ، من مصر إلى الأرض المقدسة ، بقيادة موسى عليه السلام ، نحو الأرض المقدسة ، وهي أرض لم تكن خالية من السكان ، بل فيها أهلها وهم الكنعانيون ، وكانت الرحلة على موسى شاقة ، لتذبذب بني إسرائيل وشدة الرعب من مقابلة الأخطار ، والخوف الشديد من المستقبل ، وقد عانى موسى بـهذه الرحلة كثيرا ، ولا يعترض على تكليفهم من قبل الله تعالى دخول الأرض المقدسة ، إذ في الإمكان استيعابهم فيها لأن المعمورة آنذاك كانت في خلخلة سكانية ، كما هو معلوم ومشهور 3- الزبور على داود ، هذه هي الكتب التي ذكرها القرآن ، وهذا الزمن لا يبدأ من داود ، وإنما بدايته الأحبار من حوالي 1220- 933 ق0م ، وبموت سليمان دخل اليهود إلى عهد الانشقاق وامتد هذا الزمن من 933 – 721 إلى زوال مملكة الشمال ، ليأتي آب587 ق0م لتسقط أورشليم على يد نبوخذ نصر الكلداني ، ويحدث السبي البابلي ، وهذا هو نـهاية الفساد الأول .
3. أن كلمة { إذا } الواردة في الآيتين ، لا تفيد الزمن المستقبل فقط ، فهي من حيث اللسان تقع على معان متعددة ، ولو قيل أن المراد منها الزمن المستقبل ، لوجب الصيرورة إلى أن الإفسادين لم يحدثا ، وهذا لم يقل به دعاة إسقاط الآيتين على الواقع السياسي المعاصر .
4. ينص صدر الآية السادسة الفاصلة بين الآيتين بما يلي { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } فالآية تنص عن رد في الماضي ، وليس عن رد في المستقبل ، لقد حدث هذا الرد في الماضي بمساعدة كورش الفارسي ، إذ أصدر منشوراً سنة 538 ق0م يسمح ليهود بابل العودة إلى أورشليم ، تحت قيادة شِشْبَصَّر الذي أعاد بناء المذبح ، ومن 521- 520 ق0م أعاد زربابل حاكم اليهود مع يشوع كبير الكهنة بناء الهيكل .
5. إن مرتكز القائلين بأن الفساد متعلق بواقع الدولة العبرية الحاضر ، هو قوله تعالى : { عِبَاداً لَنَا } ذلك أنـها تعني في رأيهم أنـهم أهل عبادة ، ومثل هذا القول يعتبر فهما ، وليس تصريحا فلا يصمد أمام النقاش ، فهل يخرج الكافرون والفاسقون عن كونـهم عبادا له تعالى ؟ لقد ورد في القرآن الكريم كلمـة عباد ، مـضافة إليه تعـالى كثيرا : وردت { عبادنا } 12 مرة فمثلا قوله تعالى : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً } فعبادنا رغم أنـها مُعَرَّفَةٌ بالإضافة فهي لا تنفي أنَّ من لم يرث الجنة ليس من عباده تعالى وقد وردت { عباده } 34 مرة ، فمثلا قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أليس المراد كما هو واضح أن كلمة عباده تعني الخلق : المؤمن : والفاسق ، والكافر ، على السواء ؟ ووردت { عبادي } 17 مرة فهل يفهم من قوله تعالى : { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ } فهم في الآية موصوفون بأنَّهم عباده تعالى مع كونهم { ضَلُّوا السَّبِيلَ } كما هو منطوق آية (الفرقان: من الآية17) .
6. إن قوله تعالى { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ }(الاسراء: من الآية5) مثل قوله تعالى : { )أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) (مريم:83) فهل يجوز المساواة بين إرسال الأنبياء للدعوة إلى سبيل ربـها ، وبين إرسال الشياطين للهدف الظاهر بالآية ؟ إن مثل هذا القول ليس قولا لعاقل فالمراد من إرسال الشياطين ، التخلية بينهم وبين الكفار ، مع نفي العجز عنه ، فالإرسال ورد لا على ظاهره ، بل على سبيل التوسع ، أي على المجاز ، وهذا ما يعرفه كل متمكن باللسان العربي ، فالله عدل ، فلا بد من نفي الظلم والعبث عنه .
7. إنَّ معنى قوله تعالى : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } فالعباد هؤلاء أصحاب شوكة ، كما هو واضح في منطوق الآية ، بل هو وصفهم الخاص ، وليس شرطا أن يكونوا أصحاب تقوى ، والمسلمون كلهم يصدقون أن الله يسلط عليهم ، من لا يخافه ولا يرحمهم ، تسليط تـخلية ، فلماذا يرفضون ذلك على بني إسرائيل ؟
8. إن سورة الإسراء نزلت بمكة ، ولم تكن الدعوة الإسلامية ، قد اصطدمت بيهود المدينة وما حولها ، والخبر والإعلام تم لبني إسرائيل في كتابـهم ، ولذلك قال الله تعالى : { وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً } أي ناجزا ، وعلى قول مفسري الإسقاط الجدد ، لم يكن الإفساد الأول مفعولا ، والثانية أنَّ بني قينقاع ، وبني النضير ، وقريظة ، ويهود خيبر ، أي يهود المدينة وما حولها ليسوا من بني إسرائيل نسبا ، بل هم عرب من حيث العرق واللسان ، ومثلهم في ذلك يهود عرب الجنوب : سبأ ، وحمير ، جاء في الوثيقة الدستورية ـ التي كتبها رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : { وإنَّ ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، وإنه من تبعنا من يهود ، فإن له النصر والإسوة ، غير مظلومين ولا متناصر عليهم } وفي جزء آخر من نفس الوثيقة جاء ما يلي : { وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته 0 وإنَّ ليهود بني النجار ، وبني الحارث ، وبني ساعدة ، وبني جشم ، وبني الأوس وبني ثعلبة وجفنة ، وبني الشطنة ، مثل ما ليهود بني عوف ، وإن بطانة يهود كأنفسهم ، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ، ويقول نص الوثيقة بعد ذلك { وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة } يلاحظ أنَّ الوثيقة تدعوهم يهود أي من حيث الدين ، ولكن الوثيقة حين تأتي للعرق لا تسميهم بني إسرائيل ، وإنما تنسبهم لأسماء قبائلهم ، بني النجار ، وبني الحارث ، وبني ساعدة ، وبني الأوس ، وهي كلها قبائل عربية ، وأسماء عربية ، على أن الدراسة لا تدل على أن يهود الدولة العبرية الآن هم نسل بني إسرائيل ، وربما القليل جدا منهم يعودون عودة مخالطة لبني إسرائيل ، إذ غالبا هم بقايا السبط الثالث عشر ـ أي يهود الخزر ـ مع خليط من الأعراق الأخرى ، فاليهودي عندهم هو أبن اليهودية ، وإن حملت به سفاحا ، وإليكم قصة معاصرة حدثت لواحد من بلدنا ، إذ تزوج بيهودية قبل النـزوح بسنتين أو ثلاث سنوات ، وولدت له ولدا وبنتا اعتـبرا يهوديين ، مع أن أباهما من بلدنا ، مع ملاحظة أن الأب لم يتهود فاليهود الموجودون في الدولة العبرية ، هم على الغالب أولاد الزانيات مع غير اليهود ، من حيث الدين ، ومن أعراق شتى من حيث الأصل .
9. لا يمكن إسقاط الإفساد الأول على اليهود ـ في زمن النبي مجمد صلوات الله عليه ـ لأنـهم ليسوا من بني إسرائيل .
10. إن إسقاط هذه الآيات ـ وهي آيات مخبرة أن الله جل جلاله ، أعلم بني إسرائيل في كتاب من كتبهم بالإفسادين تحذيراً ـ وبـهذه الصورة لا يمكن أن يكون هذا الإعلام عن فساد في زمني رسالة الإسلام ، فهم مفسدون لعدم اتباعهم الحق , هم قد خرجوا من خطاب التكليف ، حتى لو كانوا على يهودية غير محرًّفة ، والتكليف المطلوب منهم هو الدخول بالإسلام ، أو يكونوا أهل ذمة ، ذلك هو الواقع الذي يجب فهمه ، عند فهم هذه الآيات .
11. المفسرون السابقون مجمعون على حدوث الإفسادين ، قبل رسالة محمد ، لكنهم مختلفون في ماهية الفساد ، الذي وقع من بني إسرائيل ، ومختلفون في من تسلط عليهم ، وهذا الاختلاف ليس مهما ، فالإفسادان حدثا قبل الإسلام .
12. المفسرون الجدد ـ الذين يسقطون هذه الآيات على واقع دولة اليهود اليوم ـ ملزمون بالقول : بأن الله قدَّر هذا الوجود ، وهو الذي قدَّر زمن زوال دولة اليهود ، فلماذا ينشطون ضدها ، إذا كان وجودها قدراً ، وزوالها قدراً ، المسألة عندهم إثبات وجود الذات .
13. من خلال إسقاطهم هذا ، وقعوا راضين أو مكرهين بتأكيد الحق الديني لليهود ، والحق التاريخي أيضا ، إذ مجرد التبشير بأن هذا هو الفساد الثاني ، يستبطن أمرين الأول : التجمع هو تحقيق للوعد الديني ، والثاني أن زوال فسادهم هو وعد ديني آت ، فلماذا يحاول جماعة إسقاط الإفسادين على الواقع الآن ، في ندوات القدس خاصة التنصل من الوعد الديني .
14. في العهد الروماني حدث الإفساد الثاني من بني إسرائيل من 27-33 ب-م ، ضد يحيى وضد المسيح عيسى بن مريم ، بقتل يحيى ، وطلبهم صلب المسيح ، الذي نجا وتوفاه الله ورفع جثته ، ووقع الصلب على الشبيه ، وفي سنة 70 ب0م حاصر تيطس الروماني أورشليم بأربعة أفواج وأحرق الهيكل ، وبـهذا انتهت مهمة اليهود كهداة ، وبعد أكثر من 500 عام تحولت مهمة الهداية للعرب بالإسلام ، شركائهم في هذه المهمة كل المسلمين وهم امة واحدة ، والبشرية الآن في أشد الحاجة للإسلام .
15. { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } (الإسراء: يرى بعض أصحاب التفسير الإسقاطي ، أنـهم إذ يسلمون بحصول الإفسادين ، قبل الرسالة الإسلامية ، لكنهم يرون أنَّ هذه الآية المؤلفة من ثلاث جمل ، فإنـها في الجملة الثانية مفتوحة لبني إسرائيل ، وهذا يقتضي أنـها من الآيات التي أُعلم بـها بنو إسرائيل ، فتكون أيضا قد حدثت وتمت ، عندما كان هناك بنو إسرائيل ، لكن مثل هذا القول يلغي الالتفات في القرآن الكريم ، والحقيقة أن الآية ليست من الإعلام لبني إسرائيل ، فقد التفت القرآن من بني إسرائيل إلى المسلمين ، الذين رحمهم الله بالإسلام ، محذرا إياهم من أنْ يسيروا سيرة وسلوك بني إسرائيل ، أي إنْ تركوا الرحمة ، فإنَّ الله سيخلي بينهم وبين عدوهم ، فلا يلطف بـهم وهذا ما حدث المرة تلو المرة في تاريخ المسلمين ، فقد خلَّى بينهم وبين الصليبيين ، وخلَّى بينهم وبين التتار ، وخلَّى بينهم وبين الاستعمار الإحتلالي الغربي في القرن التاسع عشر وخلَّى بينهم وبين الاستعمار الإمبريالي في القرن العشرين ، الذي لا زال يحاول تركيز اٍستعماره بواسطة اليهود العَلمانيين ، أصحاب القومية العنصرية الشوفينية ، مع الدعاية لذلك بالوعد الديني ، والحق التاريخي ، ووقع المتدينون بـهذه الأحبولة ، وأخذوا يفسرون القرآن في هذا الاتجاه ،وَقَبِلَ التغريبيون الوضع نفسه بحجة التقدم ، وقبل الحكام ذلك بحجة الواقعية 0
إن التاريخ في تموجاته وتغيراته وتداول الأيام بين الناس والسعي السياسي للمصالح هو السائد الآن ، فلا مكان لمن يبني وجوده السياسي على وعد ديني أو حق تاريخي ، فالدين الإسلامي دون غيره من الأديان إذ في جوهره طلب العمل السياسي بكل أنواعه ، وجعله هو الطريق لطرد اليهود من فلسطين ، ولن يتم الطرد بغير القتال واليهود موجودون بفعل السياسة الغربية كما مر فالطريق بين واضح ، لا يحتاج لغير العمل السياسي ، وقمة العمل السياسي القتال فكفاح الغرب وخاصة الولايات المتحدة وقتال اليهود هو الدرب الموصل للهدف ، تلك هي الحقيقة ناصعة .
حديث قتال اليهود في آخر الزمان
تقسم أحاديث قتال اليهود إلى قسمين : قسم يربط قتالهم بالساعة ، أي بالقول : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، والقسم الآخر يربط قتال اليهود بعلامات الساعة الكبرى ، أي بظهور الدجال وجنده من اليهود ، فيتم قتلهم على يد عيسى بن مريم . [ يمكن للقارئ الكريم مراجعة الرأي في موضوع علامات الساعة ، بكتاب جدل الأفكار رقم 17 ، وهو كتاب لم يصدر بعد ، ولكن نُشر جزءٌ مهمٌ من مواضيعه على حلقات في جريدة اللواء ] .
لا يمكن لمسلم يؤمن بأنَّ الله كلف البشر ، أنْ يقبل هذه الأحاديث في قسميها ، فهي أحاديث مردودة ، رواية ، ودراية ، ولا قيمة مطلقا أنَّ حديث قتال اليهود ، أخرجه البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر ، وهما أكثر الناس حديثا ، ومن المعروف والمشهور أنَّ كلاهما من تلاميذ كعب الأحبار .
الباحثون عن مستقبل التاريخ الإنساني ، في نصوص القرآن الكريم ، لا يجدون النص القرآني مسعفا لهم ، فيلجئون لنص الحديث ، عله يسعفهم في رؤية المستقبل ، المشكلة ثاوية عندهم في كونهم متأثرين بالرؤية الدينية اليهودية ، واليهود المتدينون يبنون رؤيتهم على فكرة اختيار الله لهم من جهة والتوفيق بين واقع تاريخهم بما فيه من ضعف وهوان ، فيقيمون صلحا بين فكرة الاختيار وتاريخ الضعف والهوان يبنى على قسمة الزمن كله إلى عصرين : العصر الأول الحاضر بما فيه من مرارة والعصر الآتي ، وبه يتسنمون المكان اللائق بـهم ، وينالون كامل حقوقهم ، بل ويسودون العالم وهذا لن يكون بواسطة بشرية ، بل بتدخل مباشر من الله ، أي أن الله هو الذي ينهي الحاضر المر ويأتي بالوقت الذهبي السعيد .
المهم في الأمر ، أنَّ اليهود وقد تحوَّلوا إلى علمَانيين بجملتهم ، أخذوا بالأسباب السياسية ، من عرض على السلطان عبد الحميد ، إلى مخاطبة اللورد روتشيلد للحكومة الإنجليزية ، لِيَصدُرَ لهم وعدُ بلفور في 2/11/ 1917 م ، وبقي مؤمنون بالوعد ، وهي حفنات من يهود متدينين ، زمرة قليلة منهم ، تمارس الانتظار ، وهي ناطوري كارتا ـ وهي مجموعة ترى في قيام دولة اليهود بالعمل السياسي أمرا مخالفا لإرادة الله ، وأكثرية هذه الحفنات ، تساند قيام الدولة وتستعمل الدولة اليهودية الحالية أداة ظهورهم ، في أرض الميعاد ، بطريقة وحشية تثير الاشمئزاز والقرف والحقد على اليهود بتصرفاتـهم الهمجية ، وهم يشكلون عبئا ثقيلا على الدولة العبرية يمارس هؤلاء المتدينون الابتزاز ، كلما سنحت لهم فرصة .
تلك هي الفكرة اليهودية ، التي تسللت إلى العقل المتدين المسيحي ، فاعتقدوا النـزول الثاني للمسيح ، لنصر الدين المسيحي ، والتخلص من الانحراف اليهودي ، وهي نفسها تسللت إلى العقل الإسلامي ، بالمهدي ونزول المسيح ، لتـزول المسيحية واليهودية معا ، وهكذا تعطل التكليف والعمل ، وحل محله الانتظار .
ورد حديث قتال اليهود ، في الكتب التالية ، من أمهات كتب الحديث :
• صحيح البخاري : في كتاب الجهاد والسير ، باب ( 94 ) الحديث رقم (2925) وهذا هو سنده ومتنه [ حدثنا إسحاق بن محمد الفَرْوي : حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ رسول الله قال : تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول : يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله .
• الحديث رقم (2926) حدثنا اسحق بن إبراهيم : أخبرنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن رسول الله قال : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي : يا مسلم هذ1ا يهودي ورائي فاقتله .
• وفي كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام الحديث رقم (3593) من رواية عبد الله بن عمر .
• صحيح مسلم : في كتاب الفتن باب (( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أنْ يكون مكان الميت )) الأحاديث ذوات الأرقام ( 7335- 7336- 7337- 7338 ) كلها عن عبد الله بن عمر والاختلاف في أسماء بعض رجال السند أمَّا الحديث رقم ( 7339 ) فراويه أبو هريرة .
• سنن الترمذي : كتاب الفتن باب 56 .
• سنن أبن ماجة : كتاب الفتن باب 330 .
• مسند أحمد بن حنبل : أرقام الصفحات التي أخرج فيها الحديث هي : الجزء الثاني ص 67-121-131-135-149 وهذه كلها عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وص (( 398-417-530 )) وهذه عن [ أبو هريرة ] ، الجزء الثالث ص 367 وهو عن جابر بن عبد الله ، الجزء الرابع ص 316 وهو عن عثمان بن أبي العاص أمَّا في الجزء الخامس ص 16 فهو عن سمرة بن جندب ، أمَّا الحديث الذي يربط قتال اليهود بقيام الساعة ، فهما من رواية عبد الله بن عمر وأبو هريرة ، وبحمل المطلق على المقيد تكون مواضيع الحديث متعلقة بالعلامات الكبرى ، وهكذا يظهر الخلل الفاضح في مكونات العقل ، الذي يسلم بأمر ثم ينقضه ، في نفس البنية الفكرية ، أو يدعو إلى عمل أو موقف ، لا ينسجم مع دعواه ، المتسقون مع أنفسهم في هذا القول ، هم دعاة الانتظار ، أي متسقون مع القول وليس مع الموضوع .
لا بد من التأكيد أنَّ بحث موضوع الوجود اليهودي في فلسطين ، لا يجوز ولا يصح أنْ يستند لغير التكليف الشرعي ، أي الأمر والنهي ، أي لا بد من زوال الوجود اليهودي من خلال العمل السياسي ويعتبر العمل العسكري قمة العمل السياسي ، ولا بد من لفت النظر إلى خطو
رة قول القائلين بعدم وجود اليهود تاريخيا في فلسطين وهي مقولة يكثر الحديث عنها في هذا الزمن ، خوفا من بدعة ما يسمى بالحق التاريخي ، مع أنـها لا وجود لها في التاريخ ، وإلاَّ لكان على الأمريكان الرحيل من أمريكيا أي [ الولايات المتحدة ] لأنـهـا بلد الهنود الحمر ، وعلى الإنجلز والسكسون الرحيل من الجزر البريطانية لأنـها جزر قبائل البريتون وعلى قبائل الجيرمن والفرنجة والفندال الرحيل من ألمانيا وفرنسا وأسبانيا ، لأنـهم وافدون عليها وهكذا جميع شعوب الأرض وأمم العالم .
أيتها الأمة الإسلامية الكريمة !
إنَّ الدرب واضح بين ، إنه يكمن قبل كل شيء في بناء الإرادة العامة للأمة ، ينبثق عنها السيادة العامة ، وهما لا يقبلان التنازل ، أو التقسيم ، أو التفريط ، أو التهاون ، والأمة خلطت بين السيادة العامة ، والسلطة ، وبما أن السلطة هي للسلطان ، فظنت أن السيادة العامة أيضا منوطة بالسلطان ، من هنا وقعت الكارثة ، السيادة العامة هي ممارسة الإرادة ، بينما السلطة نتيجة للإرادة ، ولذلك لا بد من إدراك الفرق بين السيادة التي لا يحق لأحد التنازل عنها ، وبين السلطة التي يمكن التفويض فيها وفق شروط الأمة عقد المراضاة والمحاسبة عليها .
فالدعوة الآن مفتوحة ، لإعادة بناء الإرادة العامة ، والسيادة العامة ، ليكون السلطان ممثلا للأمة وليس قاهرا لها ، ومفروضا عليها .