المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إثبات حوادث لا أوَّل لها ..



مالك مناع
02-15-2010, 09:12 PM
مسألة قدم العالم والخلق والتسلسل من المسائل العويصة وهي فرع عن مسألة عظيمة خاض غمارها أهل السنة مع مخالفيهم من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية ولا بد من فهم الأصل حتى تفهم هذه المسألة حق الفهم وسنحاول في هذا الرابط بيان معتقد أهل السنة الكرام في هذه المسألة مع الرد على مخالفيهم.

أما الأصل فهو البحث في أسماء الله وصفاته هل هي محدثة؟ أي أنه لم يَصِر خالقا إلا بعد الخلق، ولم يَصِر مصوِّرا إلا بعد التصوير، فبالتصوير صار مصوراً، وبالخلق صار خالقاً ؟!

الناس اختلفوا في اتّصاف الله جل وعلا بصفاته: هل هو متصف بها بعد ظهور آثارها وأسماء الرب جل وعلا سمي بها بعد ظهور آثارها أم قبل ذلك؟ على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: هو مذهب المعتزلة والجهمية ومن نحا نحوهم مِنْ أنّه جل وعلا لم يَصِر له صفات ولا أسماء إلا بعد أن ظهرت آثارُها، فلما خلق صارت له صفة الخلق، وصار من أسمائه الخالق، وذلك على أصلٍ عندهم وهو أن أسماء الله جل وعلا مخلوقة، فلما خلق سمّاه الناس الخالق، وخلق له اسم الخالق، يعني أن الاسماء محدثة، متعلقة بالمخلوق، متعلقة بالمحدثات.

فعندهم أنّ الزمان لما ابتدأ فيه الخلق أو الرَّزق أو الإنشاء صار بعده له اسم الخالق، وقبل ذلك لم يكن له هذا الاسم ولم تكن له هذه الصفات.

فقبل أن يكون ثَم سامع لكلامه فليس هو سبحانه متكلما، فلما خلق سامعا لكلامه خلق كلاما -عند المعتزلة والجهمية- فأسمعهم إياه، فصار له اسم المتكلم أو صفة الكلام لمّا خلق مَنْ يسمع كلامَه، كذلك صفة الرحمة على تأويلهم الذي يؤولونه أو أنواع النعم والمنعم والمحيي والمميت، كل هذه لا تطلق على الله -عندهم- إلا بعد أن وُجد الفعل منه، على الأصل الذي ذكرته لكم عنهم أن الأسماء عندهم والصفات مخلوقة.

المذهب الثاني: هو مذهب الأشاعرة والماتريدية ومذهب طوائف من أهل الكلام في أنّ الرب جل وعلا كان متّصفا بالصفات وله الأسماء، ولكن لم تظهر آثار صفاته ولا آثار أسمائه؛ بل كان زمنا طويلا طَويلا معطلا عن الأفعال جل وعلا، له صفة الخلق وليس ثم ما يخلقه، له صفة الفعل ولم يفعل شيئا، له صفة الإرادة وأراد أشياء كونية مؤجلة غير منجزة وهكذا.

فمن أسمائه -عند هؤلاء- الخالق، ولكنه لم يخلق، ومن أسمائه عندهم أو من صفاته الكلام ولم يتكلم، ومن صفاته الرحمة بمعنى إرادة الإنعام وليس ثم مُنعَم عليه، ومن أسمائه المحيي وليس ثَم من أحيى، ومن أسمائه الباري وليس ثم برأ، وهكذا حتى أنشأ الله جل وعلا وخلق جل وعلا هذا الخلق المنظور الذي تراه يعني الأرض والسماوات وما قصَّ الله في كتابه، ثم بعد ذلك ظهرت آثار أسمائه وصفاته، فعندهم أن الأسماء والصفات متعلقة بهذا العالم المنظور أو المعلوم دون غيره من العوالم التي سبقته. هذا لا دليل عليه، إنما هو عقل بحت.

وقالوا هذا فِرارا من قول الفلاسفة الذين زعموا أن هذا العالم قديم، أو أن المخلوقات قديمة متناهية أو دائمة من جهة الأولية؛ من جهة القدم مع الرب جل وعلا.

والمذهب الثالث: هو مذهب أهل الحديث والأثر وأهل السنة؛ أعني عامة أهل السنة، وهو أنّ الرب جل وعلا أولٌ بصفاته، وصفاته سبحانه وتعالى قديمة، يعني هو أوّل سبحانه وتعالى بصفاته، وأنّه سبحانه كان من جهة الأولية بصفاتهِ وأنّ صفات الرب جل وعلا لابد أن تظهر آثارها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، والرب جل وعلا له صفات الكمال المطلق، ومن أنواع الكمال المطلق أنْ يكون ما أراد سبحانه وتعالى، فما أراده كونا لابد أن يكون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ومن مذهب أهل السنة والحديث والأثر أنّه سبحانه يجوز أن يكون خلق أنواعا من المخلوقات وأنواعا من العوالم غير هذا العالم الذي نراه، فجنس مخلوقات الله جل وعلا أعمّ من أن تكون هذه المخلوقات الموجودة الآن، فلا بد أن يكون ثَم مخلوقات أَوْجدها الله جل وعلا وأفناها ظهرت فيها آثار أسمائه وصفاته جل وعلا، فإن أسماء الرب جل وعلا وإنّ صفات الرب جل وعلا لابد أن يكون لها أثرُها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، فما أراده سبحانه فعله، ووصف نفسه بهذه الصفة على صيغة المبالغة الدالة على الكمال بقوله ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، فما أراده سبحانه كان، وهذا متسلسل في الزمن الأول، يعني في الأولية وفي الآخرية فهو سبحانه (كَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا).

وهذا منهم -يعني من أهل الحديث والأثر والسنة- هذا القول منهم لأجل إثبات الكمال للرب جل وعلا.

وقول المعتزلة والجهمية فيه تعطيل للرب عن أسمائه وصفاته؛ يعني أنّ الله جل وعلا كان بلا صفات وبلا أسماء، وأنه لما فعل وُجدت صفات الرب جل وعلا، وهذا نسبة النقص لله جل وعلا؛ لأنّ الصفات هي عنوان الكمال، والله سبحانه وتعالى كمالاته بصفاته.

وأمّا قول الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم، هذا أيضا فيه وصف الرب جل وعلا بالنقص؛ لأن أولئك يزعمون أنه متّصف ولا أثر للصفة.

ومعلوم أن هذا العالم المنظور الذي تعلقت به عندهم الأسماء والصفات، هذا العالم إنما وُجد قريبا، فوجوده قريب وإن كانت مدته أو عمره طويل لكنه بالنسبة إلى الزمن بعامة -الزمن المطلق- لا شك أنه قريب لهذا قال عليه الصلاة والسلام «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» جل وعلا فالتقدير كان قبل أن يخلق هذه الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهي مدة محدودة، والله جل وعلا لا يحدّه زمان، فهو أول سبحانه وتعالى ليس قبله شيء جل وعلا، وفي هذا إقرار لأنه من جهة الأولية يتناهى الزمان في إدراك المخلوق، وننقل من الزمان المنسوب إلى الزمان المطلق، وهذا تتقاصر عقولنا عنه وعن إدراكه، وأما هذا العالم المنظور فإنه محدَث وحدوثه قريب.

ولهذا نقول إنّ قول الآشاعرة والماتريدية بأنه كان متصفا بصفات وله الأسماء، ولكن لم تظهر آثارها ولم يفعل شيئا إلا بعد أن وجد هذا العالم، نقول معناه أن ثم زمانا مطلقا طويلا طويلاً جدا ولم يكن الرب جل وعلا فاعلا، ولم يكن لصفاته أثر ولا لأسمائه أثر في المربوبات، ولا بد أن الله جل وعلا له سبحانه وتعالى من يعبده جل وعلا من خلقه، ولا بد أن يكون له جل وعلا مخلوقات؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد، وهذه صفة مبالغة مطلقة في الزمن كله؛ لأن (ما) اسم موصول وأسماء الموصول تعمّ ما كان في حيّز صلتها.

بقي أنْ يُقال إن قولهم أراد ولكن إرادته كانت معلقة غير منجزة، ونقول هذا تحكّم؛ لأن هذا مما لا دليل عليه إلا الفرار من قول الفلاسفة ومن نحا نحوهم بقدم هذا العالَم المنظور، وهذا الإلزام ولا يلزم أهل الحديث والسنة والأثر؛ لأننا نقول إن العوالم التي سبقت هذا العالم كثيرة متعددة لا نعلمها، الله جل وعلا يعلمها.

وهذا ما قيل إنه يسمى بقِدم جنس المخلوقات، أو ما يسمى بالقِدم النوعي للمخلوقات، وهذه من المسائل الكبار التي أكتفي في تقريرها بما أوردنا في هذا المقام المختصر.

يتبع بإذن الله ..

مالك مناع
02-15-2010, 09:26 PM
فصل في أن نظرية المعرفة قائمة على النسبية والإنسان يصل بحد ينتهي فيه تصورُه:

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: قال جل وعلا: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[النحل:78]، فهو سبحانه أخرجنا لا نعلم شيئا، فكل معلومة اكتسبها الإنسان فهي منسوبة، فليس عند الإنسان علم مطلق، وإنما كل شيء ينسبه؛ هذا كبير لأنه رأى أصغر منه، وهذا عالم لأنه رأى أجهل منه، وهذا زمن لأنه احتاج أن يقيم شيئا من جهة حصوله، فهو يوم وراءه يوم؛ لأنه رأى التكرر، شمس شهر، رأى التكرر، سنة، رأى التكرر.

يمكن يعني من جهة النظر لا من جهة الواقع والشرع؛ يمكن أن نصطلح على أن كل عشر سنين أن نسميها سنة، وهذا اصطلاح، فتجعل كل عشرة أشهر شهر يعني ما ممضى من رمضان إلى رمضان، نجعلها شهر، ونجعل رمضان أسبوع؛ يعني من حيث الاصطلاح لا يمنع، يعني كل شيء منسوب عند الإنسان.

ويأتي غلط الإنسان أنه يقيس العالم فيما قبل هذه النسب بالعالم المنسوب، فيأتي ويقول إنما قبل خلق السموات والأرض هو مثل ما بعد خلق السموات والأرض من جهة الزمان، وهذا غير وارد؛ لأن ما بعد خلق السموات والأرض صار الزمن منسوبا إلى علامات حدوث الزمن بما في السموات والأرض؛ يعني الشمس، القمر، الأرض، الحركات إلى آخره، وما قبل ذلك فلا تنسبه إلى الزمن هذا الذي حصل بعد خلق السموات والأرض، أو هذا قائم على أن كل علم يكتسبه الإنسان فهو منسوب إلى شيء، ولهذا غاية ما عند الإنسان من العلم محدودة؛ لأنها منسوبة، فجميع ما يمكن أن يحصله من المعارف منسوب إلى الأشياء التي حوله، والأشياء التي حوله محدودة، فيبقى علمه محدودا.

ولهذا يجب تنزيه الرب جل وعلا عن أن يكون اتصافه بصفاته أو تسميه جل وعلا بأسمائه مقيدا بزمان هو عندنا زمان، أو مقيد بمكان هو عندنا مكان؛ لأن هذا كله راجع إلى ما نكتسبه من المعارف أومن المعلومات، والله سبحانه وتعالى هو العليم بكل شيء المتوحد في الجلال بكمال الجمال.

والإنسان يصل بحد ينتهي فيه تصورُه، يعني إذا امتد في تصوره أن هذه الأشياء سينقطع إما بانقطاع الزمن أو بانقطاع المكان في حسب رأيه، فإذا انقطع الزمن وانقطع المكان انقطع هو، فإنه يمكن أن يبدأ في ذهنه ويمشي إلى أزمان، أزمان، أزمان، ثم يقول ما بعد ذلك؟ يقول إيش بعد هذا؟ أو إيش قبل هذا؟ من الزمن؟ فينتهي تصوره، لم؟ لأنه لا يمكن أن يدرك شيئا غير الزمان، هو لا يعرف إلا الزمن ينسب إليه الأشياء، والزمن هذا أبتدئ، الزمن مخلوق أبتدئ.

فإذن هو سيصل، سيصل لو قدّر أنه يصل إلى ابتداء الزمن، وابتداء الزمن لا يمكن أن نحد به صفات الرب جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء.

فإذن غلط الذين غلِطوا من المعتزلة والأشاعرة وأشباه هؤلاء في هذه المسألة العظيمة، أنهم نظروا إلى الزمان وإلى هذا العالم، فجاء الغلط من هاتين الجهتين:

-النظر إلى أن هذا العالم هو الذي خُلق ليس قبله عوالم.
-ومن جهة الزمن أن الزمن محدود بابتداء هذا العالم وهذا أيضا منسوب لا ندري هل هو صحيح أم غير صحيح.
والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء من الأزمنة والأمكنة، إلى غير ذلك.

في الجنة الزمن يختلف، اليوم يختلف على ما قد يختلف مروره، يوم القيامة يوم ألف سنة هو يوم واحد، إذن الشمس تدنو من الخلائق، إلى آخره.
فإذن كل هذه الأزمان منسوبة، نسب، الناس يعيشون بنسب تعارفوا عليها، واصطلحوا عليها، وجاءت الشرائع بتقريرها لإصلاح حالهم ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة:189]، ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾[التوبة:36]، يعني جعل الله جل وعلا لما خلق السموات والأرض جعل القمر عَوْدُه دلالة على شهر لأنه يحصل به الظهور والاشتهار، واثنا عشرة شهرا فيها ترجع الشمس إلى موضعها الأول، فصار هذا بعد خلق السموات والأرض هو ما يُنسب إليه الأزمنة الشهرية والأزمنة السنوية واليوم إلى آخره.

فهذا نسبي للإنسان، وأما الزمن المطلق فلا نعلمه، مثل ما تقول: الآن نحن أعلى. نحن الآن أعلى أو أسفل؟ ما فيه شيء اسمه أعلا أو أسفل، أما بالنسبة لمن تحتنا في الجوف فنحن أرفع منهم، أما بالنسبة لمن في السطح فنحن أسفل، ما فيه شيء أعلا مطلقا أو أسفل مطلقا، لابد من شيء ينسب إليه، ولهذا غلط من غلط في حديث النزول في قوله «ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر» فقال ثلث الليل يمتد الأرض كلها، فهل يعني ذلك أن الله جل وعلا نازل كل الليل، نظر إلى أن فعل الله جل وعلا في الزمن هو كالزمن الذي ينسبه إلى نفسه، الزمن المنسوب، وهذا تشبيه لصفات الله جل وعلا بصفات خلقه فإن الإنسان هو الذي يبقى إذا كان في الثلث بقي مع الزمان خلاص استغرق هذا الزمان.
الله جل وعلا ليست هذه صفته ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، بل هو سبحانه ينزل كيف يشاء على الصفة التي شاء جل وعلا.

المقصود أن هذه المسألة مهمّة مهمة جدا للغاية وهي أن المعارف نسبية، وهذه تجيب على جميع الإشكالات التي ترِد على الغيبيات، الغيبيات إذا استشكل شيء منها فيطرد بهذه القاعدة؛ قاعدة النسبي والمطلق، فإذا فهمتها حصّلت خيرا كثيرا.

يتبع بإذن الله ..

مالك مناع
02-15-2010, 09:28 PM
إن الله حي قدير فعّال لما يريد ولا بد أن يكون لهذا أثر:

وقد قررنا هذا في ما مضى ولا بأس من التأكيد عليه مرة أخرى: وهو أن الله سبحانه وتعالى حي لم يزل حيا، قدير لم يزل قديرا فعال لما يريد، لم يزل سبحانه وتعالى فعال لما يريد، ولابد أن يكون لهذا أثر، فامتناع الرب جل وعلا عن الفعل زمنا طويلا جدا حتى خلق هذا العالم، يعني أن صفات الرب جل وعلا لم تظهر آثارها في شيء من بريته، هذا ممتنع؛ لأن معنى هذا أنه سبحانه وتعالى متصف بصفات ولا أثر لهذا الاتصاف، فهو سبحانه محيي بلا إحياء على هذا القول، مميت بلا إماتة، خالق بلا خلق، هذا ممتنع، لا شك أنه لابد أن ثَمة ابتداء للخلق في زمان، لاشك أنه لابد لابتداء الخلق في زمان، لكن الزمان محدَث، والزمان نسبي فهل الزمان ابتدأ مع خلق السموات والأرض؛ لأن الزمان زمن يتكرر بشيء، هل ابتدأ مع خلق السموات والأرض وخلق الشمس؛ صار اليوم هو كذا، أو صار اليوم بالنسبة اليوم عند الله جل وعلا كألف سنة مما نعد؟ واليوم في مكان آخر في المريخ يختلف، واليوم في مكان آخر يخنلف، فالزمان كله نسبي ، ثلث الليل ، نصف الليل، هذا نسبي، منسوب يعني منسوب إلى أهل، فالزمان مخلوق، كما أن المكان مخلوق، فالزمان مخلوق، فلهذا لابد للزمان من ابتداء.

الإنسان لا يتصور خلاف الزمان؛ لأنه في معارفه لم يكتسب بالنسبة شيء إلى شيء بالتقدم أو التأخر إلا من جهة الزمن.

فإذن نسبت الأشياء عنده من حيث أن هذا قبل هذا من جهة الزمان، رأى أن فيه هذا قبل هذا أو علم فيه أن هذا قبل هذا، ومعلوم أن هذا من جهة كسب المعارف.

يتبع بإذن الله ..

مالك مناع
02-15-2010, 09:32 PM
• التسلسل في الماضي والتسلسل في المستقبل:

التسلسل في العلل والمعلولات والآثار غير ممتنع عند أهل السنة فقد يكون أثر ينتج عن أثر، وأثر ينتج عن أثر، والله سبحانه وتعالى هو الذي عمل الأول سبحانه وتعالى وأجرى سنته في أن الأول ينتج الثاني والثاني ينتج الثالث إلى آخره.

والتسلسل معناه: أنه لا يكون شيء إلا وقبله شيء تَرتَّبَ عليه، أو لا يكون شيء إلا و بعده شيء ترتب عليه.

والتسلسل على اعتبارات:

* الجهة الأولى المُعْتَبَرَة في بحث التسلسل: التسلسل في صفات الرب - عز وجل -.

وللناس في التسلسل المتعلق بصفات الرب - عز وجل - مذاهب:

1 - المذهب الأول:

من قال إنَّ الرب - عز وجل - يمتنع تسلسل صفاته في الماضي، ويمتنع تسلسل صفاته في المستقبل:
فلا بد من أمد يكون قد ابْتَدَأَ في صفاته أو قد ابْتَدَأَتْ صفاتُه، ولا بد أيضاً من زمن تنتهي إليه صفاته، وهذا هو قول الجهمية -والعياذ بالله- وقول طائفة من المعتزلة كأبي الهذيل العلاَّف وجماعة منهم.

2 - المذهب الثاني:

هو أنَّ التسلسل في الماضي ممتنع، والتسلسل في المستقبل لا يمتنع:

يعني أنَّ الاتصاف بالصفات لا بد أن يكون له زمن ابتدأ فيه، وهذا الزمن قريب من خلق هذا العالَم الذي تعلّقت به الأسماء والصفات أو الذي ظهرت فيه آثار الأسماء والصفات، و في المستقبل هناك تسلسل في الصفات يعني عدم انقطاع للصفات، وهذا هو قول أهل الكلام والأشاعرة والماتريدية.

3 - المذهب الثالث:

المذهب الثالث هو مذهب أهل السنة والحديث وهو أنّ التسلسل ثابت في الماضي وثابت في المستقبل، وثبوته في الماضي غير متعلق بخَلقٍ تَتَسَلْسَلُ فيهم الصفات أو تظهر فيهم آثار الصفات، بل يجوز أو نقول بل تتنوع التعلقات باختلاف العوالم، وفي المستقبل - يعني في الآخرة- هو - عز وجل - آخر بصفاته سبحانه وتعالى، فهناك التسلسل في جهة المستقبل.

مقتضى القسمة أن يكون ثَمَّ قسم رابع: وهو أنه لا تسلسل في المستقبل وهناك تسلسل في الماضي.

هذا مقتضى السبر والتقسيم في القسمة، وهذا لا قائل به من المذاهب المعروفة، يعني لا يُعْرَفُ أنَّ أَحَدَاً قال بهذا القسم.


* الجهة الثانية المُعْتَبَرَة في بحث التسلسل: التسلسل في المخلوقات:

و التسلسل في المخلوقات للناس فيه مذهبان فيما أعلم:

1 - المذهب الأول:

تسلسل في الماضي، وهذا ممتنع عند عامة الناس إلا الفلاسفة الذين قالوا إنه لا عَالَم إلا هذا العالم، وأنَّ هذا العالم لم يزل في الماضي، وأنه ما من عِلَّة فيه إلا وهي مُؤَثرة لمعلول فيه أيضاً، وأنَّ هذا العالم ترتب التسلسل فيه الآخر عن الأول والثاني عما قبله وليس ثَمَّ غيره.
نقول إنَّ هذا من هذه الجهة عامة الناس عدا الفلاسفة على ما ذكرنا، يعني اتفق عليها المعتزلة وأهل السنة على أَنَّ التسلسل؛ تسلسل المخلوقات في الماضي أنه ممتنع إلا قول الفلاسفة.

والفلاسفة كما هو معلوم من قالوا بهذا القول خارجون عن الملة؛ لأنهم يرون قِدَمَ هذا العالم مُطْلَقَاً، وأَنَّ المؤثر فيه الأفلاك بِعِلَل مختلفة يبحثونها.

2 - المذهب الثاني:

في المستقبل التسلسل في المخلوقات غير ممتنع عند الجمهور إلا في خلاف جهم وبعض المعتزلة في أنّ تسلسل الحركات والمخلوقات في المستقبل أيضا ممتنع وأنهم لا بد أن يصيروا إلى عَدَمٍ أو إلى عدم تأثير؛ إمّا عدم محض أو عدم تأثير.

*الجهة الثالثة المُعْتَبَرَة في بحث التسلسل؛ تسلسل الأثر والمؤثر والسبب والمُسَبَّبْ والعلة والمعلول:

وهذا لابد من النظر فيه وأيضا نقول أشهر المذاهب فيه اثنان:

1 - المذهب الأول:

مذهب نفاة التعليل والعِلَلْ والأسباب الذين يقولون لا أثر لعلةٍ في معلولها، ولا أثر لسببٍ في مُسَبَبْ، وإنما يفعل الله - عز وجل - عند وجود العلة لا لكونها علة.وهذا هو مذهب نفاة التعليل، كقول الآشاعرة، القدرية، وابن حزم، وجماعات.

2 - المذهب الثاني:

أنَّ الأسباب تُنْتِجُ مُسبَّباتِها ويتسلسل ذلك، وأَنَّ العلة تُنْتِجُ معلولاً ويتسلسل ذلك - يعني جوازاً - ولكن ذلك كله بخلق الله - عز وجل - له، وأنّ التسلسل في الآثار ناتجا عن المؤثرات ليس لذاتها بل لسنة الله - عز وجل - التي أجراها في خلقه {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر:43]

قال ابن أبي العز الحنفي في بيان اعتقاد السلف: (وَالتَّسَلسُلُ لفْظٌ مُجْمَلٌ, لمْ يَرِدْ بِنَفْيِهِ وَلا إِثْبَاتِهِ كِتَابٌ وَلا سُنَّةٌ, لِيَجِبَ مُرَاعَاةُ لفْظِهِ, وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلى وَاجِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَمُمْكِنٍ: فََالتَّسَلسُلُ فِي المُؤَثِّرِينَ مُحَالٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ, وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْتَفَادَ تَأْثِيرَهُ مِمَّا قَبْلهُ لا إِلى غَايَةٍ . وَالتَّسَلسُلُ الوَاجِبُ: مَا دَل عَليْهِ العَقْلُ وَالشَّرْعُ, مِنْ دَوَامِ أَفْعَالِ الرَّبِّ تَعَالى فِي الأَبَدِ, وَأَنَّهُ كُلمَا انْقَضَى لِأَهْلِ الجَنَّةِ نَعِيمٌ أَحْدَثَ لهُمْ نَعِيمًا آخَرَ لا نَفَادَ لهُ, وَكَذَلِكَ التَّسَلسُلُ فِي أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ طَرَفِ الأَزَلِ, وَأَنَّ كُل فِعْلٍ مَسْبُوقٌ بِفِعْلٍ آخَرَ, فَهَذَا وَاجِبٌ فِي كَلامِهِ, فَإِنَّهُ لمْ يَزَل مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ, وَلمْ تَحْدُثْ لهُ صِفَةُ الكَلامِ فِي وَقْتٍ, وَهَكَذَا أَفْعَالُهُ التِي هِيَ مِنْ لوَازِمِ حَيَاتِهِ, فَإِنَّ كُل حَيٍّ فَعَّالٌ, وَالفَرْقُ بَيْنَ الحَيِّ وَالمَيِّتِ: الفِعْلُ, وَلِهَذَا قَال غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلفِ: الحَيُّ الفَعَّالُ, وَقَال عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: كُلُّ حَيٍّ فَعَّالٌ, وَلمْ يَكُنْ رَبُّنَا تَعَالى قَطُّ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ مُعَطَّلا عَنْ كَمَالِهِ, مِنَ الكَلامِ وَالإِرَادَةِ وَالفِعْلِ .

وَأَمَّا التَّسَلسُلُ المُمْكِنُ: فَالتَّسَلسُلُ فِي مَفْعُولاتِهِ مِنْ هَذَا الطَّرَفِ, كَمَا تَتَسَلسَلُ فِي طَرَفِ الأَبَدِ, فَإِنَّهُ إِذَا لمْ يَزَل حَيًّا قَادِرًا مُرِيدًا مُتَكَلِّمًا, وَذَلِكَ مِنْ لوَازِمِ ذَاتِهِ فَالفِعْلُ مُمْكِنٌ لهُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لهُ, وَأَنْ يَفْعَل أَكْمَلُ مِنْ أَنْ لا يَفْعَل, وَلا يَلزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لمْ يَزَلِ الخَلقُ مَعَهُ, فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَقَدُّمًا لا أَوَّل لهُ, فَلِكُلِّ مَخْلُوقٍ أَوَّلُ, وَالخَالِقُ سُبْحَانَهُ لا أَوَّل لهُ, فَهُوَ وَحْدَهُ الخَالِقُ, وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لمْ يَكُنْ .

قَالُوا: وَكُلُّ قَوْلٍ سِوَى هَذَا فَصَرِيحُ العَقْلِ يَرُدُّهُ وَيَقْضِي بِبُطْلانِهِ, وَكُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الرَّبَّ تَعَالى لمْ يَزَل قَادِرًا عَلى الفِعْلِ لزِمَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ, لا بُدَّ لهُ مِنْهُمَا: إِمَّا أَنْ يَقُول بِأَنَّ الفِعْل لمْ يَزَل مُمْكِنًا, وَإِمَّا أَنْ يَقُول لمْ يَزَل وَاقِعًا, وَإِلا تَنَاقَضَ تَنَاقُضًا بَيِّنًا, حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالى لمْ يَزَل قَادِرًا عَلى الفِعْلِ, وَالفِعْلُ مُحَالٌ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ, لوْ أَرَادَهُ لمْ يُمْكِنْ وُجُودُهُ, بَل فَرْضُ إِرَادَتِهِ عِنْدَهُ مُحَالٌ وَهُوَ مَقْدُورٌ لهُ . وَهَذَا قَوْلٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا .

وَالمَقْصُودُ: أَنَّ الذِي دَل عَليْهِ الشَّرْعُ وَالعَقْلُ, أَنَّ كُل مَا سِوَى الهَِ تَعَالى مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لمْ يَكُنْ, أَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ تَعَالى لمْ يَزَل مُعَطَّلا عَنِ الفِعْلِ ثُمَّ فَعَل, فَليْسَ فِي الشَّرْعِ وَلا فِي العَقْلِ مَا يُثْبِتُهُ, بَل كِلاهُمَا يَدُلُّ عَلى نَقِيضِهِ) .



يتبع بإذن الله ..

متروي
02-15-2010, 10:45 PM
لا أعرف إن كان الأخ مالك مناع يسمح بالتعليق أم يفضل الانتهاء أولا و في انتظار رأيه أقول :
اذن القائلون بحدوث العالم يقولون ان العالم الذي نعرفه و الذي ذكره الله في القرآن من العرش والكرسي و السموات و ما فيهن مما نعرف و ما لا نعرف من مخلوقات من إبتداءه هو كل ما خلق الله و ان التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي لأن معنى ذلك عندهم هو القول بقدم العالم و لازم قولهم هو ان الله قبل خلق هذا العالم كان لا يفعل شيئا لا خلق و لا إفناء و لا تدبير.

فهل هذا التلخيص صحيح أم به نقص و ان كان صحيحا فهل القول به كفر أم ماذا و لماذا ؟؟؟؟

مالك مناع
02-17-2010, 12:35 PM
أعرف إن كان الأخ مالك مناع يسمح بالتعليق أم يفضل الانتهاء أولا و في انتظار رأيه أقول :
اذن القائلون بحدوث العالم يقولون ان العالم الذي نعرفه و الذي ذكره الله في القرآن من العرش والكرسي و السموات و ما فيهن مما نعرف و ما لا نعرف من مخلوقات من إبتداءه هو كل ما خلق الله و ان التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي لأن معنى ذلك عندهم هو القول بقدم العالم و لازم قولهم هو ان الله قبل خلق هذا العالم كان لا يفعل شيئا لا خلق و لا إفناء و لا تدبير.

فهل هذا التلخيص صحيح أم به نقص و ان كان صحيحا فهل القول به كفر أم ماذا و لماذا ؟؟؟؟

أخي الحبيب ..

ليس كل من قال بحدوث العالم على هذا، فأهل السنة من القائلين بحدوث هذا العالم المنظور ولكنهم يخالفون غيرهم كما سبق وقلت في أنّه سبحانه يجوز أن يكون خلق أنواعاً من المخلوقات وأنواعاً من العوالم غير هذا العالم الذي نراه، فجنس مخلوقات الله جل وعلا أعمّ من أن تكون هذه المخلوقات الموجودة الآن، فلا بد أن يكون ثَم مخلوقات أَوْجدها الله جل وعلا وأفناها ظهرت فيها آثار أسمائه وصفاته جل وعلا، فإن أسماء الله وصفاته جل وعلا لابد أن يكون لها أثرُها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد.

أما غيرهم من المخالفين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية فهم يتفقون مع أهل السنة في القول بحدوث العالم إلا أنهم يختلفون معهم في القول بأن جنس مخلوقات الله قديم وأعم من هذه المخلوقات الموجودة، وهذا الاختلاف ناتج عن تعطيلهم لصفات الله تبارك وتعالى، فمذهب المعتزلة والجهمية نفي هذه الصفات أصلاً وأنها متعلقة بآثارها بعدما ظهرت أما الأشاعرة والماتريدية فمذهبهم أن الله تبارك وتعالى كان متصفاً بهذه الصفات ولكنه كان زمنا طويلا معطلا عن الأفعال جل وعلا، وإرادته مؤجلة غير منجزة.

وقول المخالفين لأهل السنة من المعتزلة والجهمية والأشاعرة والماتريدية في هذه المسألة فيه نسبة النقص لله تبارك وتعالى في صفاته فهو من شرك الأسماء والصفات ( أو شرك الربوبية لمن يدخل الأسماء والصفات منها ولا يعتبرها قسم ثالث من أقسام التوحيد) ولا شك بأن هذا كفر أكبر مخرج من الملة ولكنك تعلم أيها الفاضل بأن ليس كل من وقع في الكفر فهو كافر إذ لا بد من توفر الشروط فيه وانتفاء الموانع عنه (إقامة الحجة)، هذا من حيث العموم أما البحث في الأعيان فله مبحث آخر ليس هذا محله.

متروي
02-17-2010, 01:58 PM
ليس كل من قال بحدوث العالم على هذا، فأهل السنة من القائلين بحدوث هذا العالم المنظور ولكنهم يخالفون غيرهم كما سبق وقلت في أنّه سبحانه يجوز أن يكون خلق أنواعاً من المخلوقات وأنواعاً من العوالم غير هذا العالم الذي نراه، فجنس مخلوقات الله جل وعلا أعمّ من أن تكون هذه المخلوقات الموجودة الآن، فلا بد أن يكون ثَم مخلوقات أَوْجدها الله جل وعلا وأفناها ظهرت فيها آثار أسمائه وصفاته جل وعلا، فإن أسماء الله وصفاته جل وعلا لابد أن يكون لها أثرُها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد.

بارك الله في على التصويب فأنا قصدت القائلين بالحدوث من المبتدعة .


أما غيرهم من المخالفين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية فهم يتفقون مع أهل السنة في القول بحدوث العالم إلا أنهم يختلفون معهم في القول بأن جنس مخلوقات الله قديم وأعم من هذه المخلوقات الموجودة، وهذا الاختلاف ناتج عن تعطيلهم لصفات الله تبارك وتعالى، فمذهب المعتزلة والجهمية نفي هذه الصفات أصلاً وأنها متعلقة بآثارها بعدما ظهرت أما الأشاعرة والماتريدية فمذهبهم أن الله تبارك وتعالى كان متصفاً بهذه الصفات ولكنه كان زمنا طويلا معطلا عن الأفعال جل وعلا، وإرادته مؤجلة غير منجزة.

كلمة زمن هنا لا محل لها فالله عز وجل لا يمر عليه زمن إذهو احد مخلوقاته فحيث لا مخلوقات لا زمن فلا يقال في حقه انه مر عليه زمن طويل .
اما الجهمية والمعتزلة فقد سلبوا صفات الله عز وجل ثم اعادوها بدون سبب و لا مرجح و قولهم بين البطلان.
اما الاشاعرة و الماتريدية فلم يسلبوا صفاته و لكنهم عطلوها بدون سبب فهو خالق لكن لا يخلق و هكذا
ثم هم يتناقضون في القول بالتسلسل في الصفات مستقبلا و نفيه ماضيا و لا فرق بين الماضي و المستقبل .


وقول المخالفين لأهل السنة من المعتزلة والجهمية والأشاعرة والماتريدية في هذه المسألة فيه نسبة النقص لله تبارك وتعالى في صفاته فهو من شرك الأسماء والصفات ( أو شرك الربوبية لمن يدخل الأسماء والصفات منها ولا يعتبرها قسم ثالث من أقسام التوحيد) ولا شك بأن هذا كفر أكبر مخرج من الملة ولكنك تعلم أيها الفاضل بأن ليس كل من وقع في الكفر فهو كافر إذ لا بد من توفر الشروط فيه وانتفاء الموانع عنه (إقامة الحجة)، هذا من حيث العموم أما البحث في الأعيان فله مبحث آخر ليس هذا محله.

فإذا كان هذا في القائلين بالحدوث من المبتدعة فما هو القول في القائلين بقدم العالم من الفلاسفة حيث انهم يقرنون وجود العالم بوجود الخالق و لا يتصورون وجود الخالق وحده أبدا إذ هذا عندهم محال فالعالم ليس قديما عن الخالق في الزمن و إنما هو متأخر عنه في الذات و يضربون مثلا (تعالى الله عن ذلك ) و يقولون ان الخالق و العالم كالشمس و نورها لا يتصور وجود أحدهما إلا مع الآخر فهم من ناحية الزمن سواسية و من ناحية الصدور النور هو المتأخر
و يعبرون عن ذلك بلفظ قبيح هو الفيض فيقولون ان العالم فاض عن القديم ضرورة و ليس بإختيار أو خلق و زعموا ان الموجودات ثلاثة طرفان وواسطة فالطرف الاول هو موجود لم يكن من شيء و لا عن شيء ولا تقدمه زمان اتفق الجميع على تسميته القديم و الطرف الثالث هي كل الموجودات التي يمكن ادراكها بالحس كالانسان و الحيوان و الشجروووو و الواسطة و هي الواسطة بينهما هو موجود لم يكن من شيء و لا تقدمه زمان و لكنه موجود عن شيء أي عن فاعل و هذا هو العالم بأسره فهذا الموجود الاخر الامر فيه بين أنه قد أخذ من الوجود الكائن الحقيقي و من الوجود القديم فهو في الحقيقة ليس محدثا حقيقيا و لا قديما حقيقي ؟؟؟

مالك مناع
02-17-2010, 02:02 PM
حوادث لا أول لها:

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: هناك كلام لشيخ الإسلام وهو أن أهل السنة يرون أنه لا مانع في وجود حوادث لا أول لها كما يوجد حوادث لا آخر لها؟ الزمان مخلوق والله جل وعز هو الأول والآخر وهو سبحانه وتعالى حي قيوم فعال لما يريد، وأسماؤه وصفاته لابد أن يظهر أثرها في خليقته، فلا يكون متصفا بصفات وله أسماء متضمنة لصفات ثم يكون معطَّلا جل وعلا عن الفعل حتى يخلق الزمان ويخلق المكان، وهذا فيه دخولٌ في قول الجهمية والمعتزلة.

فأهل الحديث يقولون هو جل وعلا لم يزل حيا سبحانه وتعالى، وهو فعال لما يريد، ولابد أن يكون له إرادة سبحانه وتعالى، فإرادته أن يفعل؛ معنى ذلك أن يحدث فعل، وصفاته جل وعلا لابد أن يكون له أثر في الخليقة فصارت حوادث.

أول هذه الحوادث متى؟ نقول الزمان وجد بعد ذلك، والله جل وعلا أعلم بهذا الأمر، تقاصر العقل والفهم عن هذه الأشياء؛ لكن من الظلم ما قالوه من أن شيخ الإسلام وأهل الحديث قالوا بقول الفلاسفة؛ حيث يقول الفلاسفة بقدم هذا العالم، وأن هذا القول الذي ذكرناه من مذهب أهل الحديث هو قول الفلاسفة، هذا باطل وإنما أوتوا من جهة عدم الفهم، الفلاسفة والضلال في هذا الباب قالوا بقدم هذا العالم -فيها الإشارة- هذا العالم المنظور، هذا العالم الذي تراه؛ السموات والأفلاك والأرض قالوا هي قديمة.

وأما أهل السنة فقالوا خلق الله جل وعلا قديم، ليس هذا العالم، هناك جنس مخلوقات، أما هذا العالم فهو محدث مبتدئ ابتداءً نعلمه مما جاءت النصوص.

وأما فعل الله جل وعلا وجنس مخلوقاته فهذا علمه إلى الله جل وعلا، ولا يجوز لأحد أن يدخل في ذلك بتعطيل الله جل وعلا عن فعله لما يريد فهو سبحانه وتعالى الحي القيوم قائم على ما خلق سبحانه وتعالى، ولا بد أم يظهر أثر الصفات وأثر الأسماء في الخلق، وهذه مسألة عظيمة خاض فيها من لم يحسن، وهدى الله جل وعلا أهل السنة فيها بتعظيمه وعدم حدّ صفاته وأفعاله.

مالك مناع
02-17-2010, 07:54 PM
أول ما خلق الله القلم: وخَلْقُ القلم كان عند الكتابة .

خَلَقَ الله جل وعلا القلم للكتابة، فحين خَلَقَهُ أمره أن يجري فَكُتِبَ في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وقوله هنا: (فَأَوَّل مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ).
هذه كما جاءت في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره (أولُ ما خلق الله القلم قال له اكتب) هكذا يرويها بعضهم (أولُ) .
وشيخ الإسلام رحمه الله لا يختار هذا النحو، لا يختار أن يقال (أَوَلُ).
وإنما يختار أن تُقْرأ (أَوَّلَ) فتكون قراءته هنا فيما ذكر (فَأَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ) .
ومعنى (أوَّلَ) يعني حين ، يعني أَوَلْ شيء بعد خلقه قال له كذا (فَأَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ) .
فتكون الرواية (أَوَّلَ ما خلق الله القلم) .
الصحيح أنه (أَوَلَ) يعني حين ، وذلك لأن القلم على الصحيح خُلِقَ بعد العرش .
فإذن لا يكون أَوَلْ مخلوقات الله القلم بل العرش كان مخلوقا قبل .
وهذه المسألة مرتبطة بالمسائل التي سبق ذكرها من التسلسل وقِدَمْ الجنس جنس المخلوقات إلى آخره .
المقصود من ذلك الذي يهمنا هنا أن القلم خُلِقَ فلما خُلِقَ أمره الله جل وعلا أن يكتب والعرش كان مخلوقا قبل ذلك وهذا هو الصحيح أن العرش قبل القلم .
والقول الثاني: أن القلم قبل العرش لأجل دِلالة هذا الحديث (أَوَلُ ما خلق الله القلم فقال له اكتب) في رواية بالفاء وهذه لا تناسب (أَوَلَ) قالوا أيضا فيه (إن أَوَلَ ما خلق الله القلم).
فإذن يكون قوله هنا (فأَوَّلَ ما خَلَقَ الله القلم قال له اكتب) يعني حين خَلَقَ الله القلم .
(أَوَّلَ ما خلق الله القلم) يعني حين خَلْقِ الله فتكون (ما) هنا ليست موصولة وإنما هي مصدرية.
(أَوَّلَ خَلْقِ الله) (ما) هنا مصدرية .
إذا كانت موصولة يعني (أَوَّلُ الذي خَلَقَ الله) ، يعني يصير أوَّلُ المخلوقات القلم .
وهذا ليس بصحيح كما ذكرنا فتكون (ما) هنا مصدرية .
(أَوَّلَ ما خَلَقَ الله القلم) يعني أَوَّلَ خَلْقِ الله القلمَ .
يعني (أَوَّلَ) حين خَلْقِ الله القلم قال له اكتب .
يعني عند الَخْلق قال له بعد أن خلقه الله قال .
وهذا هو الذي يقرره شيخ الإسلام فتُفهَمُ عقيدته هذه على نحو ما يقرر في كتبه .

ما هو الرد على من استدل بحديث «إن أول شيء خلقه الله القلم» على عدم التسلسل في الماضي بالنسبة للمخلوقات؟

حديث «إن أول شيء خلق الله القلم» هذا لفظ، واللفظ الآخر المعروف «إن أول ما خلق الله القلم» أول هنا بمعنى حين، إنه حين خلق الله القلم قال له أكتب، لماذا فسرنا بهذا التفسير؟ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص «قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» هذا التقدير هل هو راجع إلى العلم علم الله؟ الجواب: لا؛ لأن علم الله لا يعلق بقبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، إذن يتعلق بالكتابة، كتب الله مقادير الخلائق قبل خلقها بخمسين ألف سنة، هذا الحديث «إن أول ما خلق الله القلم قال له أكتب» وفي رواية «فقال له أكتب» هنا يعني خلق القلم فأمره بالكتابة؛ يعني التقدير، فكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة، فالمراد من الحديث أن الله جل وعلا خلق القلم فأمره بكتابة المقادير فوْر خلقه له، هذا الذي نفهمه له مع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأن التقدير هناك لابد أن يكون للكتابة، والأولية هنا إن كانت أولية مطلقة قبل المخلوقات يعني وُجد القلم وليس ثم مخلوق البتة، فقوله «فقال له أكتب» تقتضي الترتيب «خلق فقال»وهذا يعني أنه هناك زمن طويل بين خلقه وما بين ابتداء الكتابة، وهذا يشوش على الموضوع.

إذن فهذا الحديث فهم منه منع التسلسل في الماضي كما هو معلوم، وأن أول المخلوقات القلم وهذا عند المحققين كشيخ الإسلام وابن القيم الذين ضمّوا أحاديث الباب وفهموها من صفات الله جل وعلا وما دل عليها من الآيات وكلام السلف، فهموا أن القلم في هذا الحديث أوليته هنا بالنسبة إلى الكتابة، فحين خُلق القلم كتب، «إن أول ما خلق الله القلم قال له أكتب» يعني حين خلق القلم قيل له أكتب فجرى بما هو كائن على قيام الساعة، فالحديث ليس في أولية المخلوقات، الأولية بالنسبة لغيرها وإنما الأولية من جهة التقدير والكتابة.

ولهذا تنازع العلماء مع ورود هذا الحديث، تنازعوا في أول هذه المخلوقات من هذا العالم المعلوم في الكتاب والسنة.

هل أول المخلوقات من هذا العلم المعلوم العرش أو القلم؟

والصواب أنّ العرش كان قبل لأنه في حديث عمرو بن العاص قال عليه الصلاة والسلام «قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» صار عندنا خلق للعلم كتابة المقادير، وجود العرش على الماء، وهذا هو الذي عقده ابن القيم في النونية بقوله:

والناس مختلفون في القلم الذي................ سبق القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو بعده.................... قولان عند أبى العلا الهمداني
والحق أن العرش قبـل لأنـه.................... عند الكتابة كان ذا أركان

مالك مناع
02-17-2010, 08:05 PM
فصل: هل الجنة والنار لا تفنيان: وهل ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية القول بفناء النار وكذلك ابن القيم ؟

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: هذه مسألة طويلة جداً ، كثير من الناس يخوضون فيها وهو لا يعقلونها، وهي مسألة عظيمة كما ذكر شيخ الإسلام .يقول ابن القيم سألته عن هذه المسألة قال فالتفت إلي وقال : هذه مسألة عظيمة ، وسكت شيخ الإسلام.

والناس ما يعقلونها ، وقد كتبت فيها كتابات متنوعة لكن تدل على عدم عقل هذه المسألة ، وأكثر الناس لا يعون معنى كلام شيخ الإسلام .كلام شيخ الإسلام من العجب أنهم يأتون يردون عليه بقول الله جل وعلا (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) ومن المعقول أنهم إذا استحضروا هذه الآية في الرد على شيخ الإسلام أن لا يظنوا بشيخ الإسلام رحمه الله أنه يجهل هذه الآية .

شيخ الإسلام لا يجهل هذه الآية ، ودلالة الآية على مكانها ودلالتها اللغوية أيضا على مكانها .

شيخ الإسلام يفهم هذه المسألة بفهم بعيد عن ما دندن حوله كثير ممن كتب في هذه المسألة لكن الله المستعان ، وهي من المسائل التي لا يحسن الخوض فيها .

لكن طريقة أهل السنة والجماعة في ذلك أنهم يثبتون أن الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان ولا تفنيان .

الجنة مخلوقة الآن والنار مخلوقة لا تفنيان ولا تبيدان .

أهل الجنة إذا دخلوا فيها خلود فلا موت وأهل النار إذا دخلوا فيها خلود ولا موت ، وأما كلام شيخ الإسلام ومقاصده بكلامه فذاك له بحث آخر .

وهذه المسألة وهي مسألة خلق الجنة والنار، وأنَّ الجنة باقية أبداً والنار باقية أبداً، لا تفنى الجنة والنار ولا تبيدان، كانت من المسائل التي جرى فيها الكلام بعد ظهور الجهمية.

وأصل هذه المسألة -كما سيأتي- مرتَبِطٌ بأصلين كلاميين زعمهما الجهمية ومن وافقهم في القدر، وفي تسلسل الأفعال والمخلوقات والمُؤثِرَات.

فالله - جل جلاله - لم يُجْرِ عالم الغيب على قياس عالم الشهادة، وهذا أصلٌ مهم في بيان ضلال من ضَلَّ في المسائل الغيبية، حيث جَعَلُوا عَالَم الغيب مَقِيساً على عالم الشهادة، فما يصلح لعالم الشهادة يصلح لِعَالَم الغيب، والقوانين والسُنَنْ التي تحكم عالم الشهادة يجعلونها صالحةً لعالَم الغيب، والله - عز وجل - خلق كل شيء فَقَدَّرَُه تقديراً، كلٌّ له تقديره الخاص.

فالجنة خُلِقَتْ للبقاء والنار خُلِقَتْ للبقاء، وهذا هو الذي دَلَّ عليه القرآن والسنة؛ لأنَّ أهل الجنة خالدين فيها أبداً، وأنَّ أهل النار خالدين فيها أبداً، قال - عز وجل - في ذكر النار {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا(63)إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا(64)خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[الأحزاب:63-65]، وفي الجنة آيات كثيرة جداً فيها ذكر الأبدية، وأنَّ من دخلها فهو خالد فيها أبداً.

وهذه الأبدية في الجنة والنار معاً مما أَجْمَعَ عليه أهل السنة والجماعة؛ بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان للبقاء أبداً.

والمقصود بالنار هنا في الإجماع جنس النار، فإنَّ الإجماع مُنْعَقِدْ على أنَّ جنس النار باقٍ أبداً.

والفِرَقْ المخالفة لهم عدة أقوال في هذه المسألة تبلغ ستة أقوال أو أكثر، وأهمها:

1- القول الأول من الأقوال الضالة:

إنَّ الجنة والنار تفنيان في وقتٍ ويبقى نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار بالاستصحاب، لا بِتَجَدُدْ النعيم؛ يعني يحصل لهم نعيمٌ تَتَنَعَّمْ به أبدانهم ثم يَقِفْ، وتفنى الجنة.

وهذا منهم لأَصْلٍ أَصِّلُوه وهو أنَّ العقل اقتضى أنَّ الحركة التي تبدأ فإنها ستنتهي، وكُلُّ مُتَحَرِّكٍ بَدَأَ بحركة فلابد أن ينتَهِيَ بلا حركة، لهذا قالوا: أهل النار أيضاً لا يستمرون في العذاب بل تفنى النار ويبقى أهل النار ليسوا في نعيم وبذلك يَصِحُّ أنْ يُقَال عنهم إنهم في عذاب دائم. وهذا منسوب إلى الفِرَقْ الضالة الكافرة كالجهمية وطائفة أيضاً من غيرهم.

2- القول الثاني من الأقوال الضالة:

إنَّ الجنة تبقى والنار تبقى لكن النعيم ينقطع والعذاب ينقطع، ويكون الجنة يفعل الله - عز وجل - بها ما يشاء والنار يفعل الله بها ما يشاء، وهذا لأجل الأصل السابق ولأجل النظر في القَدَرْ؛ حيث إنَّ استدامة النعيم عندهم على عملٍ صالحٍ قليل لا يُوَافِقُ العدل، واستدامة العذاب على عمل سيئٍ قليل الزمن لا يوافق العدل، ولهذا نفوا هذا الأصل.

وثَمَّ أقوال أُخَرْ ليس مناسبا أن تُذْكَر في مثل هذا المكان.

أمَّا قول أهل السنة المعروف هو ما ذكرته لك من أنَّ الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان ولا تفنيان أبد الآبدين، يُنَعَّمُ أهل الجنة في الجنة أبد الآبدين، ويُعَذَّب الكفار في النار أبد الآبدين.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال «يؤتى يوم القيامة بالموت على هيئة كبش فيُذْبَحْ بين الجنة والنار ثم ينادي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت»، والتنصيص على الأبدية في نعيم أهل الجنة وخلودهم فيها يدل على أنَّ المكان الذي يخلدون فيه يبقى، حيث قال - عز وجل - في الجنة {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (2)، وقال في النار {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (3) فَهُمْ خالدون في المكان فيقتضي أنَّ المكان أيضاً يبقى أبد الآبدين.

*ومن أهل السنة من قال: إنَّ النار منها ما يَفْنَى وينتهي بإنهاء ربِّ العالمين له وهو طبقة أو دَرَكُ الموحّدين من النار، وهي الطَّبَقَةُ العليا من النار؛ لأنَّ الموحدين موعودون بأن يخرُجُوا من النار، فلا يَخْلُدْ في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، لابد لهم من يوم يخرجون منها؛ لأنَّ معهم التوحيد ولو طالت مدتهم، ثم تبقى تلك الطبقة لا أحد فيها فيُفنيِهَا الله - عز وجل -.

وهذا منسوبٌ إلى بعض السلف، وجاء في الأثر عن عمر وفي إسناده مقال وضعف: أنَّ أهل النار لو لبثوا فيها كقدر رمل عَالجْ -موضع فيه رمل كثير-، لكان لهم يوم يخرجون منها، وليأتين عليها يوم تَصْطَفِقُ أبوابها ليس فيها أحد.

ومما يُنسَبُ أيضاً إلى بعض أهل السنة من أئمة أهل السنة أنَّ فناء النار ممكن وأنَّ فناءها لا يمتنع، وهو القول المشهور عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وعن غيره كابن القيم وجماعة من المتقدمين أيضاً ومن الحاضرين.

وهذا القول مَنْشَؤُهُ -مع عِلْمِ هؤلاء بالدليل وبالنصوص- على وجه الاختصاص النظر في صفات الله - عز وجل -، وذلك أنَّ من المتقرر في النصوص أنَّ صفة الرحمة ذاتية ملازمة للرب - عز وجل -، والجنة من آثار رحمة الله - عز وجل - «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء» والنار أَثَرُ غضب الله - عز وجل - والغضب صفة فعلية اختيارية لا تنقَلِبُ إلى أن تكون صفة ذاتية كالرحمة، ولو بقي أثَرُ الغضب لبقي الأصل وهو الغضب، لو بقيت النار وهو أثر الغضب لبقي الغضب أبد الآبدين، وهذا يعني أنَّهُ أصبح صفة ملازمة، وهذا هو مأخذ هؤلاء الأئمة في هذه المسألة.

مالك مناع
02-17-2010, 08:19 PM
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

في صحيحِ البخاريِّ وغيرِه مِن حديثِ عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ - رضي اللهُ عنه - أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني تَميمٍ اقبلوا البُشْرى" قالوا : قد بشَّرْتنا فأعِطنا .
فأقبلَ على أهلِ اليمنِ فقال : " يا اهلَ اليمنِ : اقْبلوا البًُشرى ؛ إذ لم يقبلها بنو تَميمٍ " .
فقالوا : قدْ قبلنا يا رسول الله , قالوا : جِئْناك لِنَتفقهَ في الدِّينِ , ولِنَسْألك عن أوَّلِ هذا الأمرِ .
فقال : " كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه [وفي لفظٍ : " معه " وفي لفظٍ : " غيرَه " ] وكان عرشُه على الماءِ , وكتبَ في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ , وخلقَ السمواتِ والأرضَ [ وفي لفظٍ : ثمَّ خلق السمواتِ والأرضَ ] " . ثم جاءني رجلٌ فقال : أدْرِكْ ناقتَك . فذهبتُ فإذا السَّرابُ ينقطعُ دونَها. فَوَاللهِ لوَدَدَِتُ أنّي تركتُها ولم أقُمْ .

والناسُ في هذا الحديثِ على قولين :

منهم مَنْ قال : إنَّ مقصودَ الحديثِ إخْبارُه بأنَّ اللهَ كان موجودًا وحدَه , ثم إنّه إبْتدأ إحداثَ جميعِ الحوادثِ , وإخبارُه بأنَّ الحوادثَ لها إبتداءٌ بِجِنْسِها , وأعيانُها مسبوقةٌ بالعدمِ , وأنَّ جِنْسَ الزَّمانِ حادثٌ , لا في زمانٍ , وجنْسُ الحركاتِ والمتحركاتِ حادثٌ , وأنَّ اللهَ صارَ فاعِلاً بعد أنْ لم يكُنْ يفعلُ شَيْئًا من الأزلِ إلى حِينِ إبْتَدَأ الفِعْلَ , ولا كان الفعلُ مُمْكِنًا .

والقولُ الثاني في معنى الحديثِ : أنَّه ليسَ مُرادُ الرسولِ هذا , بل إنَّ الحديثَ يُناقِضُ هذا , ولكنَّ مُرادَه : إخبارُه عن خلقِ هذا العالمِ المشهودِ الذي خلقه اللهُ في سِتةِ أيامٍ ثم إستوى على العرش ,كما أخبرَ القرآنُ العظيمُ بذلك في غيرِ موضعٍ , فقال تعالى : { وهُوَ الذي خلقَ السَّمواتِ والأرضَ في سِتةِ أيَّامٍ وكان عَرْشُهُ على الماءِ } .

وقد ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ عن عبدٍ الله بنٍ عمرٍو , عن النبيِّ - صلى اللهُ عليه و سلمَ - أنَّهُ قال : " قَدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسينَ ألفِ سَنةٍ , وكان عرشُهُ على الماءِ " . فأخبرَ - صلى اللهُ عليهِ وسلم - أنَّ تقديرَ خلقِ هذا العالَمِ المخلوقِ في سِتةِ أيامٍ , وكان حِينئِذٍ عَرْشُه على الماءِ ,كما أخبرَ بذلك القرآنُ , والحديثُ المتقدمُ الذي رواه البُخاريُّ في صحيحِه عن عِمْرانَ - رضي اللهُ عنه - .

ومِنْ هذا : الحديثُ الذي رواه التِّرْمِذيُّ وأبوداودَ وغيرُهما عن عُبادةَ بنِ الصامتِ عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : " أولَّ ما خلق اللهُ القلمَ فقال له : اكتُبْ , قال : وما اكتبُ ؟ قال : ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ " . فهذا القلمُ خلقَهُ لَمَّا أمَرَهُ بالتقديرِ المكتوبِ قبلَ خلقِ السمواتِ والأرضِ بِخمسينَ ألفِ سنةٍ , وكان مخلوقاً قبلَ خلقِ السمواتِ والأرضِ , وهو أولُّ ما خُلِقَ من هذا العالمِ , وخَلَْقُه بعدَ العرشِ ,كما دلَّتْ عليه النصوصُ , وهو قولُ جمهورِ السلفِ ,كما ذكرتُ أقوالَ السلفِ في غيرِ هذا الموضعِ . والمقصودُ هنا بيانُ ما دلَّتْ عليه نصوصُ الكتابِ والسنَّةِ .

والدليلُ على هذا القولِ الثاني وجوهٌ :

أحدُها : أنَّ قولَ أهْلِ اليمنِ : " جِئْناك لِنسْألَك عن أوَّلِ هذا الأمرِ " إما أنْ يكونَ الأمرُ المشارُ إليه : هذا العالَمَ , أو جِنْسَ المخلوقاتِ . فإنْ كان المُرادُ هو الأوَّلَ , كان النبيُّ - صلى الله عليه و سلم – قدْ أجابَهم ؛ لأنَّه أخبرهم عن أوَّلِ خلقِ هذا العالَمِ .

وإنْ كان المرادُ الثانِي , لمْ يكُنْ قدْ أجابَهم ؛ لأنَّه لم يذكرْ أوَّلَ الخلقِ مُطلقًا , بل قالَ : " كان اللهُ ولا شيءَ قبلَه , وكان عرشُه على الماء , وكتب في الذِّكْرِ كلَّ شيءٍ , ثم خلق السمواتِ والأرضَ " . فلم يذكرْ إلا خلقَ السمواتِ والأرضَ , لم يذكرْ خلقَ العرشِ , معَ أنَّ العرشَ مخلوقٌ أيضًا ... فعُلِمَ أنَّه أخبرَ بأوَّلِ خلقِ هذا العالَمِ , لا بأوَّلِ الخلقِ مطلقاً .

وإذا كان إنّما أجابَهم بِهذا , عُلِمَ أنّهم إنّما سألوه عن هذا , لم يسألوه عن أوّلِ الخلقِ مطلقًا ؛ فإنّه لا يجوزُ أنْ يكونَ أجابَهم عمّا لم يسألوه عنه , ولم يُجبْهم عمّا سألوا عنه , بل هو – صلى الله عليه وسلم - مُنَزَّهٌ عن ذلك .

وإخبارُه بِخلقِ السمواتِ والأرضِ , بعدَ أنْ كان عرشُه على الماءِ , يقصِدُ به الإخبارَ عن ترتيبِ بعضِ المخلوقاتِ على بعضِ ؛ فإنَّهم لم يسألوه عن مُجرَدِ الترتيبِ , وإنّما سألوه عن أوّلِ هذا الأمرِ , فعُلم أنّهم سألوه عن مبدأِ خلقِ هذا العالَمِ فأخبرهم بذلك .

الوجهُ الثانِي : أنَّ قولَهم : " هذا الأمر " إشارةٌ إلى حاضرٍ موجودٍ , والأمرُ يُرادُ به المصدرُ , ويُرادُ به المفعولُ به , وهو المأمورُ الذي كوَّنَه اللهُ بأمرِه , وهذا مرادُهم ؛ فإنَّ الذي هو قوله : " كن " ليس مشهودًا مُشارًا إليه , بلِ المشهودُ المُشارُ إليه : هذا المأمورُ به . ولو سألوه عن أوّلِ الخلقِ مُطلقاً لم يشيروا إليه بِ " هذا " ؛ فإنّ ذاك لَم يشهدوه , فلا يُشيرون إليه بِ " هذا " بل لَم يعلموه أيضاً ؛ فإن ذاك لا يُعلمُ إلا بِخبرِ الأنبياءِ , والرسولُ لم يُخبِرْهم بذلك , ولو كان قد أخبرهم به لما سألوه عنه , فعُلِمَ أنّ سُؤالَهم كان عن أوّلِ هذا العالَمِ المشهودِ .

الوجهُ الثالثُ : أنَّه قال : " كان اللهُ ولم يكن شيءٌ قبلَه " , وقد رُويَ : "معه " , ورُويَ : " غيرَه " والألفاظ الثلاثةُ في البخاريِّ , والمَجلسُ كان واحدًا , وسؤالُهم وجوابُه كان في ذلك المَجلسِ , وعِمرانُ الذي روى الحديثَ لَم يَقمْ منه حين انقضى المَجلسُ , بل قام لما أُخْبِرَ بذَهابِ راحِلتِهِ قبلَ فراغِ المَجلسِ , وهو المُخبرُ بلفظِ الرسولِ , فدلَّ على أنّه إنّما قال أحدَ الألفاظِ , والآخرانِ رُوِيا بالمعنى ؛ وحِينئِذٍ فالذي ثبت عنه لفظُ القبلِ ؛ فإنّه قد ثبت في صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرةَ عنِ النبي – صلى الله عليه وسلم - أنّه كان يقولُ في دُعائِه : " أنت الأوّلُ فليس قبلَك شيءٌ , وأنت الآخِرُ فليس بعدَك شيءٌ , وأنت الظاهرُ فليس فوقَك شيءٌ , وأنت الباطنُ فليس دونك شيءٌ " وهذا موافقٌ ومفسرٌ لقولِه تعالى : { هو الأوَّلُ والآخِرُ والظاهِرُ والباطِنُ } [ الحديد : 3 ] .

وإذا ثبت في هذا الحديثِ لفظُ ( القبل ) فقد ثبت أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه و سلم - قاله , واللفظانِ الآخرانِ لَم يثبُتْ واحدٌ منهما أبدًا , وكان أكثرُ أهلِ الحديثِ إنّما يروونه بلفظِ ( القبل ): " كان اللهُ ولا شيءَ قبلَه " مثلُ الحُمِيديِّ والبَغَويِّ وإبنِ الأثيرِ وغيرِهم .

وإذا كان إنّما قال : " كان اللهُ ولم يكنْ شيءٌ قبلَه " لم يكُنْ في هذا اللفظِ تَعَرُّضٌ لإبتداءِ الحوادثِ , ولا لأوَّلِ مخلوقٍ .

الوجهُ الرابعُ : أنه قال فيه : " كان اللهُ ولم يكن شيءٌ قبلَه – أو : معه , أو : غيرَه - وكان عرشُه على الماءِ , وكتبَ في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ " , فأخبر عن هذه الثلاثةِ بلفظِ الواو , لَم يذكرْ في شيءٍ منها " ثم " وإنِّما جاء " ثم " في قولِه : " خلق السموات والأرض " .

فأمَّا الجملُُ الثلاثُ المتقدمةُ فالرُّواةُ متفقون على أنه ذكرها بلفظِ الواو . ومعلومٌ أنَّ لفظَ الواو لا يُفيد الترتيبَ على الصحيح الذي عليه الجمهورُ. فلا يفيدُ الإخْبارَ بتقديم بعضِ ذلك على بعضٍ , وإنْ قُدِّرَ أنَّ الترتيبَ مقصودٌ , فإنَّما فيه تقديمُ كَوْنِه على كَوْنِ العرشِ على الماءِ , وتقديمُ كَوْنِ العرشِ على الماءِ على كتابتِه في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ , و تقديمُ كتابتِه في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ على خلقِ السمواتِ والأرضِ . وليس في هذا ذِكرُ أوَّلِ المخلوقاتِ مُطلقا , بل ولا فيه الأخبارُ بِخلقِ العرشِ والماءِ , وإنْ كان ذلك كلُّه مخلوقاً ,كما أخبر به في مواضعَ أُخَرَ .

لكنْ في جوابِِ أهلِ اليمنِ إنّما كان مقصودُه إخبارَه إيَّاهم عن بَدْءِ خلقِ السمواتِ والأرضِ وما بينهما , وهي المخلوقاتُ التي خُلِقتْ في ستةِ ايامٍ, لا بإبْتداءِ ما خلقه اللهُ قبلَ ذلك .

الوجهُ الخامسُ : أنّه ذكرَ تلك الأشياءَ بِما يدلُّ على كَوْنِها ووجودِها , ولم يَتعرَّضْ لإبتداءِ خلقِها , وذكرَ السمواتِ والأرضَ بِما يدُلُّ على خلقِها ؛ فإنه قد عُلِم أنًّه لم يكنْ مقصودُه الإخبارَ بِخلقِ العرشِ , ولا الماءِ فضلاً عن أنْ يقصدَ أنَّ خلقَ ذلك كان مُقارناً لخلقِ السمواتِ والأرضِ .

وإذا لم يكن في اللفظِ ما يدلُّ على خلقِ ذلك إلا مقارنةُ خلقِه لخلقِ السمواتِ والأرضِ - وقد أخبر عن خلقِ السمواتِ معَ كونِ ذلك - عُلِم أنَّ مقصودَه أنَّه خلق السمواتِ والأرضَ حين كان العرشُ على الماءِ كما أخبر بذلك في القرآنِ ؛ وحينئذٍ يَجبُ أنْ يكونَ العرشُ كان على الماءِ قبلَ خلقِ السمواتِ والأرضِ , كما أخبر بذلك في الحديثِ الصحيح حيث قال : " قدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائِق قبلَ أنْ يَخلقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسينَ الفِ سنةٍ , وكان عرشُه على الماءِ " فأخبر أنَّ هذا التقديرَ السابقَ لخلقِ السمواتِ والأرضِ بِخمسينَ ألفِ سنةٍ حين كان عرشُه على الماءِ .

الوجهُ السادسُ : أنَّ النبيَّ – صلى اللهُ عليه وسلمَّ -إمّا أنْ يكونَ قد قال : " كان اللهُ ولَم يكنْ قبلَه شيءٌ " وإمّا أنْ يكونَ قد قال : " ولا شيءَ معه " أو : " غيرَه ". فإن كان إنّما قال اللفظَ الأوّلَ , لم يكن فيه تعرُّضٌ لوجودِه - تعالى -قبلَ جَميعِ الحوادثِ .

وإن كان قد قال الثانِيَ , أو الثالثَ , فقوله : " ولم يكنْ شيءٌ معه وكان عرشٌُه على الماءِ وكتبَ في الذِّكرِ " , إمّا أنْ يكونَ مرادُه : أنَّه حين كان لا شيءَ مَعَه كان عرشُه على الماءِ , أو : كان بعد ذلك كان عرشُه على الماءِ . فإنْ أراد الأوّلَ كان معناه : لم يكن معه شيءٌ من هذا الأمر المسؤول عنه وهو هذا العالَمُ , ويكونُ المرادُ أنَّه كان اللهُ قبل هذا العالَمِ المشهودِ , وكان عرشُه على الماءِ .

وأما القِسمُ الثالثُ , وهو أنْ يكونَ المرادُ به : كان لا شيءَ معه , وبعد ذلك كان عرشُه على الماء , وكتبَ في الذِّكرِ , ثم خلق السماواتِ والأرضَ , فليس في هذا إخْبارٌ بأوَّلِ ما خلقه اللهُ مُطلقاً , بل ولا فيه إخبارُه بِخلقِ العرشِ والماءِ , بل إنّما فيه إخبارُه بِخلقِ السمواتِ والأرضِ.

ولا صرّح فيه بأنَّ كوْنَ عرشِه على الماءِ كان بعد ذلك , بل ذكره بِحرفِ الواو , والواوُ للجَمْعِ المطلقِ والتشريكِ بين المعطوفِ و المعطوفِ عليه . وإذا كان لَم يُبيِّنْ الحديثُ أوَّلَ المخلوقاتِ , ولا ذكر متى كان خلقُ العرشِ الذي أخبرَ أنه كان على الماء مقروناً بقولِه : " كان اللهُ ولا شيءَ معه " دلَّ ذلك على أنّ النبيَّ - صلى الله عليه و سلم - لم يقصِدْ الإخبارَ بوجودِ اللهِ وحدَه قبلَ كلِّ شيءٍ وبإبتداءِ المخلوقاتِ بعد ذلك ؛ إذ لم يكن لفظُه دالاً على ذلك . وإنّما قصَدَ الإخبارَ بإبتداءِ خلقِ السمواتِ والأرضِ .
.
.
.
الوجهُ الثامنُ : أنْ يٌقالَ : هذا المطلوبُ لوكان حقّاً لكان أجَلَّ مِن أنْ يُحْتجَّ عليه بلفظٍ مُحتملٍ في خبرٍ لم يرْوِه إلا واحدٌ .
.
.
.
الوجهُ الحادي عَشَرَ : أنَّ كثيرًا من الناس يَجعلون هذا عُمدتَهم _ من جهةِ السَّمْعِ - أنَّ الحوادثَ لها إبتداءٌ , وإنَّ جِنْسَ الحوادثِ مسبوقٌ بالعدمِ ؛ إذ لم يَجدوا في الكتابِ والسنةِ ما ينطقُ بهِ , مع أنّهم يَحكون هذا عن المسلمين واليهودِ والنصارى .

كما يوجدُ مثلُ هذا في كتبِ أكثرِ أهلِ الكلامِ المُبْتدَعِ في الإسلام - الذي ذمَّه السلفُ - وخالفوا به الشرعَ والعقلَ , وبعضُهم يَحكيه إجْماعاً للمسلمين , وليس معَهم بذلك نقلٌ , لا عن أحدٍ من الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان , ولا عن الكتابِ والسُّنةِ , فضلا عن أنْ يكونَ هو قولَ جَميعِ المسلمين .

وبعضُهم يظنُّ أنَّ من خالف ذلك فقد قال بِقِدَمِ العالَمِ , ووافقَ الفلاسفةَ الدَّهْريةَ ؛ لأنه نظر في كثيرٍ من كتبِ الكلامِ فلم يَجدْ فيها إلا قولين : قولَ الفلاسفةِ القائلين بِقِدَمِ العالَمِ , وقولَ مَنْ ردَّ على هؤلاءِ مِنْ أهلِ الكلامِ ؛ الجهْميَّةِ والمعتزلةِ والكرَّامِيَّةِ الذين يقولون : إن الربَّ لَمْ يَزلْ لا يفعلُ شيئا , ولا يتكلمُ بشيءٍ , ثم أحدث الكلامَ والفِعلَ بلا سببٍ أصلا.

ومعلومٌ أنَّ هذا القولَ أشبهُ بِما أخبرت به الرسلُ مِنْ أن اللهَ خالقُ كلِّ شيءٍ , وأنَّ اللهَ خلق السمواتِ والأرضَ فى ستةِ أيام , فمن ظنَّ أنَّه ليس للناس إلا هذان القولانِ , وكان مؤمنا بأنَّ الرُّسلَ لا يقولون إلا حقا , يظنُّ أنَّ هذا قولُ الرسلِ ومن اتبعهم , ثم إذا طُولِبَ بنقلِ هذا القولِ عن الرسلِ لم يُمكِنْه ذلك , ولم يُمكنْ لأحدٍ أنْ يأتِيَ بآيةٍ ولا حديثٍ يدلُّ على ذلك , لا نصّاً ولا ظاهراً , بل ولا يُمكنُه أنْ ينقلَ ذلك عن أحدٍ من أصحابِ النبيِّ والتابعين لهم بإحسان .

وقد جعلوا ذلك معنى حدوثِ العالَمِ الذي هو أوَّلُ مسائلِ أصولِ الدِّين عندهم , فيبقى أصلُ الدِّين - الذي هو دينُ الرُّسلِ عندهم - ليس عندهم ما يعلمون به أنَّ الرسولَ قاله . ولا في العقلِ ما يدُلُّ عليه , بلِ العقلُ والسَّمْعُ يدلُّ على خلافِه . ومَنْ كان أصلُ دينِه - الذي هو عنده دينُ اللهِ ورسولِه - لا يعلمُ أنّ الرسولَ جاء به ,كان مِن أضَلِّ الناسِ في دينِه .

الوجهُ الثانِي عشرَ : أنّهم لما اعتقدوا أنّ هذا هو دينُ الإسلامِ أخذوا يَحْتجّون عليه بالحِججِ العقليةِ المعروفةِ لهم , وعُمدتُهم التي هي أعظمُ الحِججِ مَبْناها على إمْتِناعِ حوادثَ لا أوَّلَ لها , وبِها أثبتوا حدوثَ كلِّ موصوفٍ بصفةٍ , وسَمّوا ذلك إثباتاً لحدوثِ الأجسامِ , فلزمهم على ذلك نفيُ صفاتِ الربِّ - عزّ وجلّ - وأنه ليس له علمٌ ولا قدرةًُ ولا كلامٌ يقومُ به .

الوجهُ الثالثُ عَشَرَ : أنّ الغلطَ في معنى هذا الحديثِ هو من عدمِ المعرفةِ بنصوص الكتابِ والسنّةِ , بل والمعقولِ الصريحِ ؛ فإنه أوقعَ كثيراً من النُّظّار وأتباعِهم في الحَيْرةِ والضلال ؛ فإنّهم لَم يعرفوا إلا قولين :

قولَ الدهريةِ القائلين بالقِدَمِ .

وقولَ الجهميَّةِ القائلين بأنّه لَم يزلْ مُعَطّلا عن أنْ يفعلَ أو يتكلمَ بقدرتِه ومشيئتِهِ , ورأوْا لوازمَ كلَّ قولٍ تقتضي فسادَه وتُناقضُه , فبَقوا حائرين مُرتابين جاهلين . وهذا حالُ من لا يُحصى منهم ، ومنهم من صرّحَ بذلك عن نفسِه ,كما صرّح به الرازيُّ وغيرُه .

ومن أعظم أسبابِ ذلك أنّهم نظروا في حقيقةِ قولِ الفلاسفةِ , فوجدوا أنّه لَم يزلْ المفعولُ المُعَيّنُ مُقارناً للفاعلِ أزلاً وأبداً .

وصريحُ العقلِ يقتضي بأنه لا بدَّ أنْ يتقدَّمَ الفاعلُ على فِعلِه , وأنَّ تقديرَ مفعولِ الفاعلِ , معَ تقديرِ أنَّه لَم يزلْ مُقارناً له , لَم يتقدمِ الفاعلُ عليه , بل هو معه أزلاً وأبداًُ , أمرٌ يُناقضُ صريحَ العقلِ .

وقد إستقرَّ في الفِطرِ أنَّ كوْنَ الشيءِ المفعولِ مخلوقاً , يقتضي أنَّه كان بعدَ أنْ لَم يكنْ ؛ ولهذا كان ما أخبر اللهُ به في كتابِه مِنْ أنّه خلق السمواتِ والأرضَ , مِمّا يُفْهِمُ جَميعَ الخلائِقِ أنّهما حدثتا بعد أنْ لَم تكونا. وأمّا تقديرُ كوْنِهما لَم يزالا معَهُ - معَ كوْنِهما مخلوقين له - فهذه تُنكرُهُ الفِطرُ. ولَم يقلْهُ إلا شِرْذِمَةٌ قليلةٌُ مِنَ الدَّهْريّةِ ,كابنِ سينا وأمثالِه .

وأمّا جُمهورُ الفلاسفةِ الدَّهْريّةِ , كأرسطو وأتباعِه , فلا يقولون : إنّ الأفلاكَ معلولةٌ لِعِلةٍ فاعلةٍ ,كما يقوله هؤلاء , بل قولُهم وإنْ كان أشدَّ فساداً مِن قولِ مُتأخِّريهم , فلم يُخالفوا صريحَ المعقولِ في هذا المقامِ الذي خالفه هؤلاء . وإن كانوا خالفوه من جهاتٍ أخرى , ونظروا في حقيقةِ قولِ أهلِ الكلامِ ؛ الجَهمِيّةِ والقدَرِيّةِ ومن اتبعهم , فوجدوا أنّ الفاعلَ صارَ فاعلاً بعدَ أنْ لَم يكنْ فاعلاً , من غيرِ حدوثِ شيءٍ أوجبَ كونَه فاعلاً .

ورأوْا صريحَ العقلِ يقتضي بأنه إذا صارَ فاعلا بعدَ أنْ لَم يكنْ فاعلا , فلا بُدّ مِن حدوثِ شيءٍ , وأنه يَمتنعُ في العقلِ في أن يصيرَ مُمكناً بعدَ أن كان مُمتنعاً بلا حدوثٍ , وأنه لا سببَ يُوجِبُ حصولَ وقتٍ حدثَ وقتَ الحدوثِ , وأنّ حدوثَ جِنْسِ الوقتِ مُمتنعٌ . فصاروا يظنون إذا جَمعوا بين هؤلاءِ أنه يلزمُ الجمعُ بين النقيضين .

ومن أسبابِ ذلك أنَّهم لَم يعرفوا حقيقةَ السَّمْعِ والعقلِ , فلم يعرفوا ما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنّةُ , ولَم يُميِّزوا في المعقولاتِ بين المشتبهاتِ ؛ وذلك أنّ العقلَ يُفرِّقُ بين كونِ الْمُتكلمِ مُتكلما بشيءٍ بعدَ شيءٍِ دائماً , وكونِ الفاعلِ يفعلُ شيئاً بعدَ شيءٍ دائماً , وبين آحادِ الفعلِ والكلامِ , فيقولُ : كلُّ واحدٍ من أفعالِه لا بُدَّ أنْ يكونَ مسبوقاً بالفاعلِ , وأنْ يكونَ مسبوقاً بالعدمِ , ويَمتنعُ كونُ الفعلِ المُعَيّن معَ الفاعلِ أزلاً وأبداً . وأمّا كونُ الفاعلِ لَم يزلْ يفعلُ فِعْلاً بعدَ فعلٍ , فهذا مِنْ كمال الفاعلِ .

فإذا كان الفاعلُ حيّاً , وقيلَ : إنّ الحياةَ مُسْتلزمةٌ الفعلَ والحركةَ ,كما قال ذلك أئمّةُ أهلِ الحديثِ ,كالبُخاريِّ والدّارِمِيِّ وغيرِهِما , وأنه لَم يزلْ مُتكلماً إذا شاءَ , وبِما شاءَ , ونَحْوُ ذلك , كما قاله ابنُ المبارَكِ وأحْمدُ وغيرُهُما من أئمّةِ أهلِ الحديثِ والسُّنةِ , كان كونُه مُتكلماً , أو فاعلا من لوازم حياتِه , وحياتُه لازمةٌ له , فلم يزلْ مُتكلماً فعّالاً , مع العلم بأنّ الحيَّ يتكلمُ ويفعلُ بِمشيئتِه وقدرتِه , وإنّ ذلك يوجبُ وجودَ كلامٍ بعدَ كلامٍ , وفعلٍ بعدَ فعلٍ , فالفاعلُ يتقدمُ على كلِّ فِعْلٍ مِن أفعالِه , وذلك يوجبُ أنَّ كلَّ ما سواه مُحْدَثٌ مخلوقٌ , ولا نقولُ : إنه كان في وقتٍ من الأوقاتِ ولا قُدْرَةَ , حتى خلق له قدرةًَ . والذى ليس له قدرةٌ هو عاجزٌ . ولكن نقولُ : لَم يزلِ اللهُ عالِما قادراً مالكاً , لا شِبْهٌ لهُ ولا كَيْفٌ .

فليس معَ اللهِ شيءٌ من مفعولاتِه قديمٌ معه , لا بل هو خالقُ كلِّ شيءٍ , وكلُّ ما سواه مخلوقٌ له , وكلُّ مخلوقٍ مُحدَثٌُ كائنٌ بعدَ أنْ لَم يكن , وإنّ قُدِّرَ أنّه لَم يزلْ خالقا فعّالاً .

وإذا قيلَ : إنّ الخلقَ صفةُ كمالٍ ؛ لقولِه تعالى : { أَفمَنْ يَخلُقُ كمَنْ لا يَخلقُ } , أمكنَ أنْ تكونَ خالِقِيَّتُهُ دائمةً , وكلُّ مخلوقٍ له مُحْدَثٌ مسبوقٌ بالعدمِ , وليس مع اللهِ شيءٌ قديمٌ . وهذا أبلغُ في الكمالِ من أنْ يكونَ مُعَطَّلاً غيرَ قادرٍ على الفعلِ , ثم يصيرُ قادراً والفعلُ مُمكناً له بلا سببٍ .

وأما جَعْلُ المفعولِ المُعيّنِ مُقارِناً له أزلاً وأبداًُ , فهذا في الحقيقةِ تعطيلٌ لخلقِه وفِعلِهِ ؛ فإنَّ كونَ الفاعلِ مُقارناً لمفعولِه أزلاً وأبداً مُخالفٌ لصريحِ المعقولِ .

الوجهُ الرابعُ عَشَرَ : أنَّ اللهَ - تعالى - أرسلَ الرسلَ وأنزل الكتبَ لدعوةِ الخلقِ إلى عبادتِه وحدَه لا شريك له , وذلك يتضمّنُ معرفتَه لما أبْدَعَه مِن مَخْلوقاتِه , وهي المخلوقاتُ المشهودةُ الموجودةُ ؛ من السمواتِ والأرضِ وما بينهما , فأخبر في الكتابِ – الذي لَم يأتِ من عندِه كتابٌ أهدى منه - بأنَّه خلق أُصولَ هذه المخلوقاتِ الموجودةِ المشهودةِ في ستَّةِ أيامٍ , ثم إستوى على العرش .

وشرع لأهلِ الإيِمانِ أنْ يَجتمعوا كلَّ أسبوعٍ يوماًَ يعبدون الله فيه , ويَحتفلون بذلك , ويكونَ ذلك آيةً على الأسبوعِ الأوّلِ الذي خلق الله فيه السمواتِ والأرضَ .

ولَمّا لَم يُعرفِ الأسبوعُ إلا بِخبرِ الأنبياءِ , فقد جاء فى لغتِهم - عليهم السلام - أسْماءُ أيّامِ الأسبوعِ . وحينئذٍ ؛ فأخبروا الناسَ بِخلقِ هذا العالَمِ الموجودِ المشهودِ , وإبتداءِ خلقهِ وأنَّه خلقه في ستّةِ أيامٍ .

وأمَّا ما خلقه قبلَ ذلك , شيئاً بعدَ شيءٍ , فهذا بِمنْزلةِ ما سيخْلُقه بعدَ قيامِ القيامةِ , ودخولِ أهلِ الجنةِ وأهلِ النارِ منازلَهما . وهذا مِمّا لا سبيلَ للعبادِ إلى معرفتِه تفصيلاً .

ولِهذا قال عمرُ بنُ الخطابِ - رضيَ اللهُ عنه - : " قام فينا رسولُ اللهِ مقاماً فأخبرَنا عن بَدْءِ الخلقِ حتى دخلَ أهلُ الجنةِ منازلَهم , وأهلُ النارِ منازلَهم " . ( رواه البُخاريُّ ) . فالنبيُّ أخبرهم بِبَدْءِ الخلقِ إلى دخولِ أهلِ الجنَّةِ والنارِ منازلَهما .

وقولُه : " بَدْءُ الخلق " مثلُ قولِه فى الحديثِ الآخَرِ : " قدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخلقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسين ألفِ سنةٍ " فإنَّ (الخلائقَ ) هنا المرادُ بِها : الخلائقُ المعروفةُ المخلوقةُ بعدَ خلقِ العرشِ , وكَوْنِه على الماءِ ؛ ولهذا كان التقديرُ للمخلوقاتِ هو التقديرُ لخلقِ هذا العالَمِ , كما في حديثِ القلمِ : " إنّ اللهَ لما خلقه قال : اكتُبْ , قال : وماذا أكتُبُ ؟ قال : اكتُبْ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ " .

وكذلك في الحديثِ الصحيحِ : " إنَّ اللهَ قدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يَخلقَ السمواتِ والأرضَ بِخمسين ألفِ سنةٍ , وكان عرشُه على الماءِ " وقوله في الحديثِ الآخرِ الصحيح : " كان اللهُ ولا شيءَ قبله , وكان عرشُه على الماءِ ، وكتب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ ، ثمّ خلق السمواتِ والأرضَ " , يُرادُ به : أنّه كتبَ كلَّ ما أراد خلقَه مِنْ ذلك ؛ فإنَّ لفظَ : (كلَّ شيءٍ) يَعُمُّ في كلِّ موضعٍ بِحَسْبِ ما سِيقتْ له , كما في قولِه : { بكلِّ شيءٍِ عليم } , { على كلِّ شيٍء قدير } , وقوله : { اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ} , { تُدَمِّرُ كلَّ شيءٍ } , { أوتِيَتْ مِنْ كلِّ شيءٍ } , { فتحنا عليهم أبوابَ كلِّ شيءٍ } , { مِنْ كلِّ شيءٍ خلقنا زوجين } .

وأخبرتِ الرُّسُلُ بتقدُّمِ أسْمائِه وصفاتِه كما في قولِه : { وكان اللهُ عزيزًا حكيماً } , { سَميعاً بصيرًا } , وأمثالِ ذلك . قال ابْنُ عبّاسٍ : " كان ولا يَزالُ " , ولَم يُقيِّدْ كوْنََه بوقتٍ دون وقتٍ .

ويَمتنعُ أنْ يُحْدِثَ له غيْرُه صفةً , بل يَمتنعُ توَقُّفُ شيءٍ من لوازمِه على غيرِه - سبحانه – فهوالمستحِقُّ لغايةِ الكمالِ , وذاتُه هي المُسْتوْجِبةُ لذلك فلا يَتوَقفُ شيءٌ من كمالِه ولوازمِ كمالِه على غيرِه .

وإذا قيلَ : لَمْ يكنْ مُتكلماً ثمّ تكلمَ , أو قيل : كان الكلامُ مُمْتنِعاً ثمّ صار مُمْكِنا له ,كان هذا - معَ وصفِهِ له بالنقصِ في الأزلِ , وأنه تَجَدَّدَ له الكمالُ , ومعَ تشبيهِهِ له بالمخلوقِ الذي ينتقلُ من النقصِ إلى الكمالِ - مُمْتنِعاً مِنْ جهةِ أنَّ المُمْتنعَ لا يصيرُ مُمْكِنا بلا سببٍ , والعدمُ المَحْضُ لا شيءَ فيه , فامْتنعَ أنْ يكونَ المُمْتنِعُ فيه ؛ يصيرُ مُمْكناً بلا سببٍ حادثٍ .

وأمّا القائلون بِقِدَمِ هذا العالَمِ , فهُم أبعدُ عن المعقولِ والمنقولِ مِنْ جَميعِ الطوائفِ ؛ ولِهذا أنكروا الكلامَ القائمَ بذاتِه , والذي يَخلقه في غيرِه . ولم يكنْ كلامُه عندهم إلا ما يَحدُثُ في النفوسِ من المعقولاتِ والمُتَخيَّلاتِ.

وهم ليس لهم دليلٌ قطُّ على قِدَمِ شيءٍ مِن العالَم , بل حُجَجُهم إنَّما تدُلُّ على قِدَمِ نوعِ الفِعلِ , وأنَّه لَم يَزلِ الفاعلُ فاعلاً , أو لَم يَزلْ لِفِعلِه مُدّةٌ . وليس في شيءٍ من أدلتِهم ما يدُلُّ على قِدمِ الفلكِ , ولا قِدَمِ شيءٍ من حركاتِه , ولا قِدَمِ الزمانِ الذي هو مِقدارُ حركةِ الفلكِ . والرسلُ أخبرت بِخلقِ الأفلاكِ , وخلقِ الزمانِ الذي هو مِقدارُ حركاتِها .

الوجهُ الخامسُ عَشَرَ : أنَّ الإقرارَ بأنَّ اللهَ لَم يزلْ يفعلُ ما يشاءُ , ويتكلمُ بِما يشاءُ , هو وصفُ الكمالِ الذي يليقُ به , وما سوى ذلك نقصٌ يَجبُ نفيُه عنه ؛ فإنَّ كونَه لَم يكنْ قادرا ثم صار قادرا على الكلامِ أو الفعلِ - مع أنّه وصفٌ له - فإنه يقتضي أنه كان ناقصاً عن صِفةِ القدرةِ التي هي من لوازمِ ذاتِه , والتي هي من أظهرِ صفاتِ الكمالِ . فهو مُمتنعٌ في العقلِ بالبرهانِ اليقينيِّ ؛ فإنه إذا لم يكنْ قادرا ثم صارَ قادراً , فلا بدَّ مِنْ أمرٍ جعله قادراً بعدَ أنْ لَم يكنْ , فإذا لم يكن هناك إلا العدمُ المَحضُ , امتنعَ أنْ يصيرَ قادراً بعد أنْ لَم يكنْ . وكذلك يَمتنعُ أن يصيرَ عالِماً بعد أنْ لَم يكنْ قبلَ هذا , بِخلافِ الإنسانِ ؛ فإنه كان غيرَ عالِمٍ ولا قادرٍ ثمّ جعله غيرُه عالِماً قادراً .

وهذا مِمّا أوردَه الإمامُ أحمدُ على الجهميةِ ؛ إذ جعلوه : كان غيرَ مُتكلمٍ ثمّ صار مُتكلماً . قالوا : كالإنسان . قال : فقد جَمعتم بين تشبيهٍ وكفرٍ . وقد حكيتُ ألفاظه في غيرِ هذا الموضعِ .

وأيضاً فما مِن حالٍ يُقدِّرُها العقلُ إلا والفِعْلُ فيها مُمْكِنٌ , وهو قادرٌ. وإذا قدَّرَ قبل ذلك شيئاً , شاءَه اللهُ , فالأمرُ كذلك . فلم يزلْ قادراً , والفعلُ مُمكِنٌ , وليس لقدرتِه وتَمَكُّنِه من الفعلِ أوَّلٌ , فلم يزلْ قادراً يُمْكنُه أنْ يفعلَ , فلم يكنِ الفعلُ مُمتنِعاً عليه قطٌّ .

وأيضاً فإنّهم يزعمون أنه يَمْتنعُ في الأزلِ , والأزلُ ليس شيئاً محدوداً يقفُ عنده العقلُ , بل ما مِنْ غايةٍ ينتهي إليها تقديرُ الفِعلِ إلا والأزَلُ قبلَ ذلك بلا غايةٍ محدودةٍ , حتى لو فُرِضَ وجودُ مدائنَ أضعافِ مدائنِ الأرضِ , في كلِّ مدينةٍ مِنَ الخرْدَلِ ما يَمْلؤها , وقُدِّرَ أنّه كلما مضتْ ألفُ ألفِ سنةٍ فنِيَتْ خرْدلةٌ , فنِيَ الخرْدَلُ كلُّه والأزلُ لم ينتهِ , ولو قُدِّرَ أضعافُ ذلك أضعافاً لا ينتهي . فما مِنْ وقتٍ يُقدَّرُ إلا والأزل قبلَ ذلك , وما مِنْ وقتٍ صدَرَ فيه الفعلُ إلا وقد كان قبلَ ذلك مُمْكناً , وإذا كان مُمْكناً فما الموجِبُ لتخصيصِ حالِ الفعلِ بالخلقِ دون ما قبلَ ذلك فيما لا يتناهى ؟!

وأيضاً , فالأزلُ معناه عدمُ الأوَّليَّةِ , ليس الأزلُ شيئاً محدوداً , فقولنا : لَم يزلْ قادراً بِمنزلةِ قولِنا : هو قادرٌ دائماً . وكونُه قادراً وصفٌ دائمٌ لا إبتداءَ له , فكذلك إذا قيل : لَم يزلْ مُتكلماً إذا شاءَ , ولَم يزلْ يفعلُ ما شاء , يقتضي دوامَ كونِه مُتكلماً وفاعلاً بِمشيئتِه وقدرتِه .

وإذا ظنَّ الظانُّ أنّ هذا يقتضي قِدَمَ شيءٍ معَهُ ,كان مِن فسادِ تصوُّرِهِ ؛ فإنه إذا كان خالقُ كلِّ شيءٍ , فكلُّ ما سِواهُ مخلوقٌ مسبوقٌ بالعدمِ , فليس معه شيءٌ قديمٌ بِقِدَمِه .

وإذا قيل : لَم يزلْ يَخلقُ كان معناه : لَم يزلْ يَخلقُ مخلوقاً بعدَ مخلوقٍ , كما لا يزالُ في الأبدِ يَخلقُ مخلوقاً بعدَ مخلوقٍ . . وليس فى ذلك إلا وصفُه بدوامِ الفعلِ , لا بأنَّ معَهُ مفعولاً من المفعولاتِ بعينِه . وإنْ قُدِّرَ أنّ نوعَها لَم يزلْ معَهُ , فهذه المَعِيَّةُ لَم ينفِها شرعٌ ولا عقلٌ , بل هي مِنْ كمالِه . قال تعالى : { أفَمَنْ يَخْلقُ كمَنْ لا يَخْلُقُ أفلا تذَّكرون} . والخلقُ لا يزالون مَعَه , وليس في كونِهم لايزالون معه في المستقبلِ ما يُنافي كماله , وبين الأزلِ فى المستقبلِ * , مع أنه في الماضي حدثَ بعدَ أنْ لَم يكنْ ؛ إذ كان كلُّ مخلوقٍ فله إبتداءٌ , ولا نَجزمُ أنْ يكونَ له انتهاءٌ .

وهذا فرقٌ في أعيانِ المخلوقاتِ , وهو فرقٌ صحيحٌ , لكن يشتبهُ على كثيرٍ من الناس النوعُ بالعَيْنِ , كما اشتبه على كثيرٍ من الناس في الكلامِ , فلم يُفرقوا بين كوْنِ كلامِه قديِماً , بِمعنى أنه لَم يزلْ مُتكلماً إذا شاء , وبين كونِ الكلامِ المُعيَّنِ قديِماً . وكذلك لم يُفرِّقوا بين كونِ الفِعلِ المعَيَّنِ قديِماً , وبين كونِ نوعِ الفِعْلِ المُعَيّنِ قديِماً ,فالفَلَكُ مُحْدَثٌ مَخلوقٌ مسبوقٌ بالعدمِ , وكذلك كلُّ ما سِواهُ .

وهذا الذي دلَّ عليه الكتابُ والسُّنةُ والآثارُ , وهو الذي تدلُّ عليه المعقولاتُ الصريِحةُ الخالصةُ من الشُّبَهِ .كما قد بسطنا الكلامَ عليها في غيرِ هذا الموضعِ وبيّنا مُطابقةَ العقلِ الصريحِ للنقلِ الصحيحِ .

[ مجموع الفتاوى : 18 / 210 ] .

مالك مناع
02-17-2010, 08:24 PM
وخلاصةُ المسألةِ من خلالِ تقرير شيخِ الإسلام : أننا نُثبت أنّ صفاتِ اللهِ - جلَّ وعلا - أزليةٌ , لم يطرأ عليها الحدوثُ , ولم يسبقها العَدَمُ , كما يزعم الجَهْمُ ؛ فإنّ اللهَ لم يَزَلْ قادراً فاعِلاً مُريداً , يخلق ما يشاءُ متى شاءَ , ويتكلم بما شاءَ متى شاءَ , فعّالٌ لما يُريدُ , مِنَ الأزلِ إلى الأبَدِ , فلا يوجد مخلوق نقول : هو أوَّلُ المخلوقاتِ , ولم يخلقِ اللهُ قبله شيئاً , ولا مفعولٌ له - سبحانه - نقول : هذا أوَّلُ مفعولاتِه ولم يفعلْ قبله شيئاً , وكذلك كلامُه - سبحانه - فلا نقول عن شيء من كلامِه : هذا أّوَّلُ ما تكلمَ به , ولم يتكلمْ قبله بشيءٍ .

وهذا لا يُنافي أنّ اللهَ هو الأوّلُ ليس قبله شيءٌ , فكما أنّ الله لا يزالُ يخلق خلقا بعدَ خلقٍ , ويفعلُ فِعلاً بعد فِعْل - كدوام نعيم أهل الجنة , وشقاءِ أهلِ النارِ - ولن يُوجدَ مخلوقٌ يكونُ آخرَ المخلوقاتِ , أو فِعلٌ يكونُ آخرَ المفعولاتِ , وهذا لا يُنافي أنّ اللهَ هو الآخرُ ليس بعدَه شيءٌ. فكما أثبتنا هذا من جهةِ الأبدِ , نثبته أيضاً مِن جهةِ الأزلِ ؛ فإنه إذا لم يَزلْ حيّاً قادراً مُريداً مُتكلما , فإمكانيّةُ وجودِ الفعلِ منه قائمةٌ بمُوجَبِ هذه الصفات , وأنْ يفعلَ أكملُ مِن أنْ لا يفعلَ . ولا يلزمُ من هذا أنه لم يزلْ شيءٌ مِن مخلوقاتِه معه , فما من مخلوق إلا وقد سُبقَ بالعَدمِ .

متروي
02-17-2010, 09:48 PM
بارك الله فيك على هذا البحث الممتع و منه ايضا نفهم براءة شيخ الاسلام ابن تيمية مما يرميه به السخاف و اتباعه من القول بقدم العالم على فهم الفلاسفة الضالين فشيخ الاسلام رحمه الله أتاه الله من العلم بحارا لا تدرك أعماقها .

يحيى
03-01-2010, 02:05 AM
هو يعني لابد من قول كلمة حق تؤدي إلى البحث عن الحقيقة كما هي مجردة من أقوال غير علمية من قبيل "لكن لو العلماء ما فهموا لما.. كذا كذا.." و هذا يعني أن الحقيقة هي أن كلام منسوب إلى عالم لا قيمة له إن لم يُوضح و يُفسر في السياق الذي قيل به (و فيه) الكلام و يكون كلام نابع عن فهم أدى الى هذا أو ذاك النقد بمعنى أن تكفير حجة الاسلام الامام الأكبر الغزالي للفلاسفة لا قيمة له بتاتا إذ هو انطلق من تصوره للعالم مبني على ما يُسمى عند غيره بالتعطيل (أي أن الله لم يخلق ثم خلق) و لكي يمنع التناقض قال بإرادة أزلية, هذا التكفير لا قيمة له و لا معنى له بادئ ذي بدأ إذا فسدت القاعدة المبنية عليه في مسألة "قدم العالم" و نفس الشيء نقوله فيمن يثبت قدم المعلول سواء كان المعلول هذا العالم, أو الزمان أو عوالم متعددة مختلفة (تسلسل) فإن هذه الثلاثة نجمعها في مسمى واحد = المعلول!

و بناءا على ذلك فإن الاختلاف بين من أثبت قدم الخلق (المعلول) - و يجب أن يكون قديما و إلا فإن القائل بالخلاف مُعطّل - و بين من أثبت قدم العالم (بهذا التعبير) لهو اختلاف في اللفظ ليس إلا.. طبعا أنا لا أقبل كلام من هذا النوع:

و إن كان الأمر كذلك فلم كفرهم العلماء ؟!! كفرهم علماء المسلمين من أهل السنة و الجماعة ، و كفرهم كذلك من غير أهل السنة الأشاعرة ، و هذا مصرح به في كتب العقائد و شروحها ، فليت شعري هل خفي علي العلماء أن المسألة خلاف لفظي ؟!!

و هو كلام قاله الاستاذ حسام الدين حامد في هذه المشاركة:
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=9916

طبعا "ليت شعري هل خفي على العلماء.." ليس بحجة, و طبعا لا يعني هذا الكلام أننا نحن نفهم أحسن من "العلماء", بل يعني أنه لازم يؤخذ كلام هذا العالم و يُحلَّل و يُفسَّر و عندما يُحلل و يُفسر في مسألة "قدم العالم" فلا يصح أن نقول كفرهم العلماء فلان و فلان.., بل من الأفضل و الاوضح و في سبيل الأمانة العلمية أن نذكر الفهم الذي أسس عليه البنيان, ففهم الغزالي ليس هو فهم الذهبي و فهم الأخير ليس هو فهم ابن تيمية, و من ثم وُجِب القول بأن قول الفلاسفة قول كفر لأن ((القاعدة)) تقول.

هذه ((القاعدة)) هي الأساس و إذا صحت صح ما بني عليها و بتعبير آخر لا يمكن الجمع بين تكفير الغزالي و ابن تيمية في نفس السياق فالقاعدة عند الأول ليست القاعدة عند الثاني, و بمعنى آخر للتوضيح أكثر: نحن نكفر اليهود و النصارى يكفرون اليهود لكن شتان بين ما بني النصارى عليه تكفيرهم و بين ما بنينا عليه نحن تكفيرنا.... تبعا لهذا لا يصح و لا يعقل و ليس من المنطق أن نتمسح بالعلماء في تكفير قول الفلاسفة, بل لابد من بناء تكفير قولهم على قاعدة و لابد أن تكون القاعدة واضحة.

إن فهم الغزالي لقول الفلاسفة ليس هو فهم ابن تيمية و لا فهمهما هو فهم ابن رشد كما يتضح في تهافت التهافت و بالتالي فنحن في حاجة الى تحليل و فهم و ليس تقليد!!!

و لابد أن أضيف بأن كلام حجة الاسلام هو كلام متناقض و إذا كان عند البعض كلام تعطيل فهو عندي كلام متناقض فهو يُثبت قدم الزمان ليرد على قدم العالم و هو لا يفعل ذلك تعبيرا و إنما كلامه يحمل ذلك ضمنا فعندما تقول أن الله خلق بإرادة أزلية فلابد من وجود هذا "الأزل" و هو زمن طويل لا أول له, و نفس الشيء بالنسبة لمن أثبت تسلسل الحوادث فهذا التسلسل يحدث في زمان و بما أن التسلسل متواصل فالزمان متواصل أزلي لا أول له.

و الفرق هو: اللفظ!

و الرد على هذا الكلام ليس بليت شعري هل خفي على العلماء الفرق و إنما يكون الرد بالحجة و الدليل و لا أعتقد بوجود رد مقنع يثبت الفرق لأنه ليس هناك فرق, و لا يحاول إثبات الفرق إلا من أراد أن يلف و يدور ليخرج بحل للتناقض بين تكفير العلماء لقول الفلاسفة و ما ذهب اليه العلماء أنفسهم في نفس المسألة .. و أنا صراحة لا أحب هذا الكلام "تكفير العلماء" و أحبذ: "تكفير الغزالي و/أو إبن تيمية للعلماء" فالتكفير لا يخرج إلا من واحد منهم (من فهمهم) و كل اجتهاد يُرجع (بطريقة أو بأخرى) اليهم (الى فهمهم) فإذا أًرجعت للأول فقاعدته باطلة إن كانت تعطيل و حاملة للتناقض (مثبتة لقدم الزمان), و إذا أًرجعت للثاني فمتناقضة لأنها مثبتة لقدم الزمان و/أو قدم تسلسل الحوادث !!!

و الســــــــلام.

عبد الغفور
07-30-2010, 06:50 PM
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم (133): ( إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ، وأمره أن يكتب كل شيء يكون ) .

في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس , حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم , وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى , وليس لذلك أساس من الصحة , وحديث عبدالرزاق غير معروف إسناده , ولعلنا نفرده بالكلام في الأحاديث الضعيفة إن شاء الله تعالى .
وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق , ولا نص في ذلك عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإنما يقول به من قال كابن تيمية وغيره استنباطاً واجتهاداً , فالأخذ بهذا الحديث – وفي معناه أحاديث أخرى – أولى , لأنه نص في المسألة , ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم .
وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل , لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها , ومنها القلم , أما ومثل هذا النص مفقود , فلا يجوز هذا التأويل .
وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها , وأنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق قبله , وهكذا إلى ما لا بداية له , بحيث لا يمكن أن يقال : هذا أول مخلوق , فالحديث يبطل هذا القول , ويعين أن القلم أول مخلوق , فليس قبله قطعاً أي مخلوق .
ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله في الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً إثبات حوادث لا أول لها , وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول , ولا تقبله أكثر القلوب , حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها , مع أنه يقول ويصرح بأن ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم , ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له , كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية , فذلك القول منه غير مقبول , بل هو مرفوض بهذا الحديث , وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج , لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير والتنفير منه , ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال : ( ما منا من أحد إلا رد عليه إلا صاحب هذا القبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

عياض
07-31-2010, 06:12 AM
بلى أخي يحيى..كم خفي الفرق الذي تقول عليه لفظي على كثير من علماء الاسلام دع عنك من هم دونهم من الفلاسفة...فكثير منهم يخلط بين نوع الشيء و افراده حين الكلام في هذه المضايق...و تكفير حجة الاسلام للفلاسفة القائلين بقدم العالم كان منصبا و مركزا على القائلين بقدم الأفراد و الطبيعة و حجة الاسلام اكبر من ان ينبه على ذكائه و امامته..و لكن حتى ان قرأت لكبار اساطين الفلاسفة من افلاطون و ارسطو الى الفلاسقة الاسلاميين تجد عندهم تكرار الخلط بين نوع الأشياء و اعيان افرادها..و قد ينفطن له في امثال هذه المسائل بعض اذكياءهم كالأرموي او ابو البركات..و تفطن له الغربيون بعدهم كالعظيم ديكارت...و هو فرق دقيق نبه عليها اكابر اذكياء اهل السنة كالامام احمد و الامام ابن المبارك و الامام البخاري في ردهم على الجهم و بيانهم أن اصل الفرق بين الخالق و المخلوق انما هو في نفس البينونة لا في تعلقهما بالزمن و الحدوث..فهو مناط كما اعترف به ارسطو في كلامه عن تعلق اللامحدود بالمحدود من المستحيل تحقيقه...
و اعتبر في نفسك بكلامك عن هذه المسألة كيف خلطت بن جنس المعلول و افراده..و اوضح منه خلطك بين جنس الزمان و افراده..فجنسه غير مخلوق و لكن ما تتكلم عنه انت بأنه من لوازم الارادة الأزلية انما هو زمن مقيد بأفراده...لا وجود له في الخارج الا في أفراده من اجزاء الزمن..فلا يكون الا مخلوقا...و بهذا تتوازن المعادلة...و الله أعلم

نور الدين الدمشقي
07-31-2010, 07:29 AM
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا على الموضوع القيم.
اعذروني احبابي فانا طالب علم مبتديء في هذا الأمر..واحتاج توضيح لمسألة عندما ذكرت قول اهل السنة:

وأنّ صفات الرب جل وعلا لابد أن تظهر آثارها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد،
لماذا يجب ان تظهر آثار صفاته سبحانه؟ ما وجه الربط بين ذلك وبين انه فعال لما يريد. يعني انا اؤمن بأنه فعال لما يريد. وله صفات علية سبحانه وتعالى...ولكن لا أرى وجه الالتقاء.

فلا بد أن يكون ثَم مخلوقات أَوْجدها الله جل وعلا وأفناها ظهرت فيها آثار أسمائه وصفاته جل وعلا، فإن أسماء الرب جل وعلا وإنّ صفات الرب جل وعلا لابد أن يكون لها أثرُها؛ لأنه سبحانه فعّال لما يريد،
كذلك هنا مثلا:كيف كونه فعال لما يريد يوجب ان يكون هناك اثر لصفاته سبحانه جل في علاه؟
اريد ان اعطي مثالا ولكنني اخاف التشبيه فلا تبخلوا عليكم بنصحكم ان اخطأت ولا اقصده والله ولكنني لا استطيع ان اعبر عن فكرتي بدون المثال.
ولله المثل الاعلى طبعا ومع فارق التشبيه...فلنقل ان هناك ملكا. له القدرة ان يفعل ما يريد في ملكه. ومن صفات هذا الملك انه عادل. او فلنقل رحيم. فاذا ما جاء احد يشكوا اليه حاجة فرحمه واعطاه شيئا من المال..قلنا حسنا رحيم. طيب هل يستلزم ان يأتي احد ليكون الملك رحيما؟ وهل معنى هذا انه اذا جاء شخص اخر بعد ثلاثة أيام..تكون صفة الرحمة تعطلت لانه لا يوجد لها اثر في الفترة بين الشخصين؟
تعالى الله سبحانه وغفر لي ان اخطأت التعبير فارجوا ان تفهموني..
هل الله سبحانه يجب ان تظهر آثار صفاته باستمرار حتى لا تكون تعطلت؟ ومعنى هذا انه يخلق باستمرار ويرحم باستمرار ...الخ.
واخيرا: دائما في ابحاث كهذه عن الله سبحانه وتعالى اتخيل مثلا الصحابة ومن سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم ...هل تعرضوا لمثل هذه الأقوال؟ ام اكتفوا بما سمعوا من الله والرسول...يعني هل ورد من الصحابة شيء عن ازلية الصفات والاسماء..ام انها مما جاء بعدها بسبب الهجوم الفكري والفلسفي فاضطر علماءنا الافاضل للتدبر والاستنتاج؟
وكل ما سألته استفسار لا اعتراض
وجزاكم الله خيرا

نور الدين الدمشقي
08-05-2010, 04:04 PM
اين الاخوة الاحباب؟ هل من الافضل نقل الموضوع الى الخاص؟

متروي
08-05-2010, 08:15 PM
هذا موضوع كبير جدا إختلف حوله كبار العلماء لكن المثال الذي ضربته بعيد جدا فلو تكلمنا عن صفة الرحمة لله عز وجل فالله يرحم خلقه بين حين و حين و ليس في كل لحظة فمثالك لا ينطبق على الأزل بل ينطبق على ما بعد الخلق لكن لو تكلمت على مثالك و اضفت له تعديلا بسيطا و هو ان الملك طيلة حياته لم يرحم أحدا حتى لحظة معينة من حكمه رحم أول شخص فكلامك إذا يصبح بعيدا و تبدو صفة الرحمة كأنها مكتسبة و انظر فقط إلى رسول الله ( ص ) بعد الأربعين جاء بالقرآن و كان هذا أحد الأدلة على صدقه لأنه لو كان شاعرا لظهر ذلك منه من قبل فلا يمكن ان نقول أنه كان شاعرا مثلا و كذلك لو ان شخص اصبح دون مقدمات طبيبا فهذا أمر يدعو للتساؤل أما الكلام عن تكرر معالجته للناس بعد الطفرة المعروفة فلا يدعو للعجب لكن العجب كيف اصبح طبيبا مع التنبيه ان هذه الامثلة ليست للتشبيه فالله ليس كمثله شيء .
فهؤلاء الذين يقولون ان العرش هو اول المخلوقات على الإطلاق معنى كلامهم أن الله عز وجل و هو الأزلي لم يفعل شيئا على الاطلاق فكيف يكون فعالا و هي بصيغة المبالغة و لا يفعل أي شيئ مع وجوب التنبه إلى معنى الأزل فالمدة من خلق العرش إلى اليوم نسبة إلى الأزل تساوي الصفر فالقول بوجود مخلوقات لا نهاية لها كمال لله عزوجل و الله اعلم .
و لو بحثت في المنتدى فستجد هذا الموضوع تم التطرق له كثيرا و لا أظن أنه يوجد من يضيف على ما قيل و أي موضوع جديد لا يعني سوى التكرار فقد إختلف حول هذا الموضوع جهابذة العلم .

نور الدين الدمشقي
08-06-2010, 01:33 AM
جزاك الله خيرا أخي الحبيب متروي على ما تفضلت في نقل هذه الفتوى:

موقع اسلام واب

السؤال :

لماذا يقول البعض بتسلسل الحوادث في الماضي مع أن هذا مخالف للكتاب والسنة والإجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء غيره. ونقل ابن حزم الإجماع على أن الله كان أزلا ولا شيء معه، ثم خلق الحلق، بل إن العلماء حكموا بكفر من قال بقدم شيء من العالم أو المخلوقات.

الفتوى :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية ننبه السائل الكريم على أن مسألة تسلسل الحوادث مسألة وعرة دقيقة المأخذ، وقد فارق الحق فيها أكابر النظار فضلا عن غيره، ومن الخطأ بمكان أن يدعي مدع ـ كائنا من كان ـ أن إثبات تسلسل الحوادث في الماضي مخالف للكتاب والسنة والإجماع !!.

ومن مضلات هذه المسألة أن تصوير أصلها مشكل، وتعزب عنه أكثر العقول، وذلك أن العقل البشري عاجز عن تصور اللانهاية، ومع ذلك يجب عليه أن يتعامل معها باعتبارها حقيقة، فإن لم يتكلف في تصورها، فلا يتعسف بنفيها. ومما يقرب ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: الأزل ليس شيئاً محدوداً يقف عنده العقل، بل ما من غاية ينتهي إليها تقدير الفعل إلا والأزل قبل ذلك بلا غاية محدودة، حتى لو فرض وجود مدائن أضعاف مدائن الأرض في كل مدينة من الخردل ما يملؤها، وقدر أنه كلما مضت ألف ألف سنة فنيت خردلة - فني الخردل كله والأزل لم ينته، ولو قدر أضعاف ذلك أضعافاً لا ينتهي. فما من وقت يُقدَّر إلا والأزل قبل ذلك. وما من وقت صدر فيه الفعل إلا وقد كان قبل ذلك ممكناً. وإذا كان ممكناً فما الموجب لتخصيص حال الفعل بالخلق دون ما قبل ذلك فيما لا يتناهى؟ وأيضاً فالأزل معناه عدم الأولية، ليس الأزل شيئاً محدوداً، فقولنا: لم يزل قادراً، بمنزلة قولنا: هو قادر دائماً، وكونه قادراً وصف دائم لا ابتداء له، فكذلك إذا قيل لم يزل متكلماً إذا شاء، ولم يزل يفعل ما شاء، يقتضي دوام كونه متكلماً وفاعلاً بمشيئته وقدرته اهـ.

ولذلك يقول الرياضيون: إنك لو افترضت رقماً هو عبارة عن واحد وعلى يمينه من الأصفار ما لو جعلت الأرض ورقة واحدة لوصل خط الأصفار إلى نهايتها، بل لو ضاعفت الورقة مليارات الأضعاف، ثم قارنت هذا الرقم باللانهاية لكانت نسبته هو والرقم 1 سواء.

ومن إشكاليات هذه المسألة أيضا أن كثيرا ممن تكلم فيها لا يفرق بين نوع الحوادث وبين أعيانها وأفرادها، فإثبات قدم النوع هو مقتضى إثبات الفعل والإرادة والكلام لله تعالى أزلاً، بل هو مقتضى الحياة، لأن كل حي فاعل بحسب ما يليق به من أنواع الفعل، والله تعالى حي قيوم لا أول لذلك باتفاق المسلمين، فلزم إثبات فعله أزلاً.

وأهل السنة مجمعون على إثبات نوع كلامه أزلاً وإن كانت آحاد كلامه – مثل تكليمه لموسى عليه السلام – حادثة، ولهذا سهل عليهم إثبات نوع الحوادث أزلاً؛ لأن فعله تعالى يكون بكلامه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس: 82}

فثبت له تعالى نوع الكلام ونوع الخلق أزلاً كما ثبت له الحياة أزلاً. فهو تعالى لم يزل ولا يزال يخلق شيئاً بعد شيء أو عالَماً بعد عالَم بلا أول لذلك في الماضي ولا آخر للمستقبل، فإن عسر عليك فهم هذا فاعتبره بما لا يزال يخلق في الجنة من أنواع النعيم الذي لا ينتهي أبداً، وما قَدَّرْته مستقبلاً قَدِّرْه ماضياً، جاعلاً ذلك في النوع لا في الأفراد.

وكم كنا نود أن يكون المجال فسيحا لتحرير هذه المسألة المهمة التي شنع بها كثير من الناس على شيخ الإسلام ابن تيمية، دون أن يقرءوا كلامه، أو لقصر أفهامهم عن إدراك معناه. ولكن مجال الفتوى لا يتسع لبسط الكلام على وجهه اللائق، ولذلك سنكتفي بإحالة السائل على مصدرين نقيين، تناولا هذه المسألة ببحث علمي رصين، وسيجد فيهما السائل الرد على دعوى الإجماع المزعوم، وبيان أن القول بإمكان حوادث لا أول لنوعها هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة، وأن ذلك لا يستلزم القول بقدم العالم، كما سيجد فيها شرحا وافيا لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء.

وهذان المصدران هما:

1ـ رسالة الدكتوراه للشيخ/ عبد الله بن صالح الغصن، وهي بعنوان (دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد). فالفصل الثالث منه عن دعوى القول بقدم العالم، وفيه سيجد السائل المباحث المتعلقة بمعتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها. وتعريف التسلسل وأقسامه. وبيان معنى الصفات الاختيارية. وشرح حديث عمران بن حصين. ومناقشة دعوى الخصوم أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم.

http://books.islamway.com/1/several/islam/mn.zip

2ـ كتاب الأخت الفاضلة/ كاملة الكواري: (قدم العالم وتسلسل الحوادث بين ابن تيمية والفلاسفة، مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين) وقد راجعه وقدم لـه الدكتور/ سفر الحوالي. وذكر في مقدمته خلاصة مفيدة لهذه المسألة.

http://www.islamport.com/isp_eBooks/...Books/1894.rar
والله أعلم