المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المختصر المفيد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة ..



مالك مناع
02-22-2010, 01:16 PM
معلوم أن الإيمان عند أهل السنة هو قول وعمل، والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح.

فأما قول القلب: فهو التصديق الجازم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويدخل فيه الإيمان بكل ما أنزله الله وما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وضده (أي: قول القلب) كفر الجحود والتكذيب والاستحلال.

وهذا التصديق (قول القلب) يتبعه عمل القلب، وهو حب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيم الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص له والتوكل عليه، إلى غير ذلك من الأحوال القلبية، وما يترتب عليها من حب وتعظيم لأوامر الله وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعمال القلوب كلها من الإيمان، وهي مما يوجبها التصديق والاعتقاد. وضده (أي: عمل القلب) كفر العناد والاستكبار والإعراض.

ويتبع قول القلب قول اللسان، وهو التلفظ بالشهادتين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (6/609): (أما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها) ا.هـ

ويتبع عمل القلب عمل الجوارح من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك. قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى (7/644): (وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه) ا.هـ

قال ابن القيم رحمه الله: (من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة، فيحب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطاعته والتزام شريعته ظاهراً وباطناً. وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه). انتهى كلامه.

- فمن الناس من يكفر بقلبه ولسانه، ويكذب ما جاء به الرسل، فهذا كافر ظاهراً وباطناً كما قال تعالى: " وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تعملون" سورة النمل 83-84.

وهذا هو كفر التكذيب (ومنه الاستحلال).

- ومن الناس من يتيقن بقلبه أنه الحق، ولكنه يكتم ذلك ويكذبه بلسانه، وربما حاربه ببنانه، وذلك ككفر فرعون بموسى عليه السلام وكفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: " وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ " النمل 14، وقال تعالى: " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ". البقرة 89.

وهذا هو كفر الجحود.

- ومن الناس من يقر بالحق ظاهراً وباطناً، بقلبه ولسانه، ولا ينقاد له بغضاً واستكباراً وعناداً ومعارضة لله ورسوله، وطعناً في حكمة الآمر به وعدله وعلمه، فهو وإن كان مصدقاً بهذا الحق فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق، وذلك ككفر إبليس اللعين، قال تعالى: " إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ". البقرة 34. وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ". محمد 8-9

وهذا هو كفر العناد والاستكبار.

ونزيد هذا النوع لخطورته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الصارم المسلول (ص 521 – 522): ( إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه، فهذا ليس بكافر. فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه، أو أنه حرمه، لكن امتنع من قبول هذا التحريم، وأبى أن يذعن لله وينقاد، فهو إما جاحد أو معاند ... ثم قال: وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم ما حرم الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المُحرّم، فهذا أشد كفراً ممن قبله (كفر التكذيب)، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر منه ... وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد وفي مثله قيل: " أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه " وهو إبليس ومن سلك سبيله).

- ومن الناس من يعرض عن الحق، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يصغي له، ولا يسمعه عمداً واستهتاراً وتكبراً، كما قال تعالى" كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ". فصلت 3-4.

قال الطبري في تفسيره (24/91): فاستكبروا عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله .. فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضاً واستكباراً. ثم قال تعالى: " وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ". فصلت 5، أي لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالاً لما يدعوا إليه وكراهة له. قاله الطبري أيضاً في تفسيره.

وهذا هو كفر الإعراض.

- ومن الناس من يكفر به باطناً، ويذعن له ظاهراً، رئاء الناس أو ابتغاء مصلحة من مصالح الدنيا، فالمنافقون يؤمنون بألسنتهم وقلوبهم مكذبة منكرة، قال الله تعالى عن المنافقين: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ)، يعني بألسنتهم ( وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) يعني بقلوبهم، قال سبحانه: ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ) يعني بألسنتهم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) ثم قال سبحانه: ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) يعني بقلوبهم، فألسنتهم تنطق بالحق وقلوبهم مكذبة له.

وهذا هو كفر النفاق.

- ومن الناس من يظل في شك وتردد، لا يجزم بشئ، ومثل هذا لا يستمر شكه إلا إذا أعرض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها. قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ".

وهذا هو كفر الشك.