المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرسالة و العنف



يحيى
03-01-2010, 01:32 AM
من بعض مآخذات المخالفين على الاسلام آتسام تاريخ تبليغ الرسالة بنوع من العنف في حالة أو في أخرى. بالإضافة الى الاشكالية التي تتعلق بالأخلاق بحيث يصعب و يستحيل إيجاد مصدر "طبيعي" لتوليد القيمة إذ يستحيل مثلا التفرقة بين قطع غصن شجرة و قطع عنق "إنسان" لأن كلاهما (اي الشجرة و الانسان) من "الطبيعة" و بالتالي متساويان في الوجود أو في حق الوجود (في الطبيعة), هناك إشكالية أخرى عقلية.

هب أننا اتفقنا في مسألة الأخلاق و بأن الأخلاق و القيم الأخلاقية أمر ممكن بدون مبادئ دينية (هذا أمر مستحيل لكن نحن نفترض), و قلت أن العنف شيء غير جيد, فهل هذا كلام معقول؟ لنحلله بأقل عدد ممكن من كلمات لنبين حقيقته و قيمته:

هب أنك مسؤول أنيطت بك مسؤولية الأمن و حفظ المصالح العامة في بلدة من البلدان. جاءتك أخبار يقينية عن طريق صحيح موثوق بأن البلدة مُعَرّضة لخطر مُحدِق و هذا الخطر يتمثل في هجوم نووي ستقوم به جهة معينة الأسبوع المقبل. المفروض أنك تُخبر الناس مثلا تقول لهم يجب عليكم الاختباء تحت المنازل في الدور السفلي .. بدأت تعلن عن ذلك فإذا بمُعترض يعترض طريقك و يمنعك من ايصال التحذيرات أو يشوش عليك أو يبث الشك في خطابك عن طرقة إذاعة راديو أو أو .. ألا تكون ظالما و جهولا و كفورا إذا تركته و لم تُقاتله (ليس المفروض القتل لكن القتال) حتى تكون لكَ الكلمة و يُعلن هو عن ايمانه الظاهري بأن الخطر حق و من ثم إن شاء أن يؤمن في حياته الخاصة و في قلبه بأن الخطر وهم فليؤمن؟؟ ألا تكون قد ظلمت سُكان البلدة و عرضت حياتهم و مصيرهم للهلاك إن لم تقاتل هذا الرجل!!؟

عندما تأتي بخطاب مُخالف للمُتعارف عليه في المجتمع الذي تريد أن تنشر فيه هذا الخطاب فمن الطبيعي جدا أن تُواجَهَ بالتكذيب و ربما أكثر من ذلك أو التهديد إن لم تترك خطابك لنفسك في بيتك أو ربما حتى القتال إن واصلت... من الطبيعي جدا تفهم ما فعلته قريش في مواجهة "دعوة رسالة الاسلام" .. و إن بعض الدول العَالمانية المتشددة المتطرفة تواجه ما يظهر الدين بالرفض حتى و إن لم تكن هذه المظاهر (حجاب, لحي و قميص, صومعة, جرس كنيسة..) لها أية علاقة بالدولة و القانون (أي أمور شخصية) و إن هذه الدولة لرافضة لأي نوع من المواعيظ المفتوحة التي تتكلم عن تحريم ما يحلله القانون و إن هذه الدولة العالمانية قد تتجاوز هذه الحدود كلها و تصل إلى منع الدين منعا كليا و لو استطاعوا لمحوه من الضمير كما حاول عالمانيون شيوعيون في مناطق معينة .. و إن هذه الدولة لتحاول في منطقة أخرى نشر كل ما يستطيع أن يجذب الشباب بعيدا عن التدين و ساحات التدين بالسوق و مغرياته الأدبية و المادية.. و إن هذه الدولة لتغير من خططها حسب مد و جزر التدين .. الخ. ناهيك إن حاولت بطريقة أو بأخرى إنجاز دعوة أو تنظيم نشاطات فكرية و ثقافية مناهضة للعلمانية!! إن الطريق الوحيد الذي يؤدي اليه مثل هذا النشاط هو الانقلاب إما قريبا أو بعيدا و إن الطريق الوحيد لإبعاد العلمانية هو الانقلاب و من الطبيعي جدا أن يُواجه "الانقلاب" سواء في وقت مبكر أو لاحق بالرفض و ربما بمهاجمة أو حصار الدولة التي تحرص و تطبق الإطار الفكري الذي تُنجر أنت في نشاطك الفكري و الثقافي المُعارض للعلمانية ... إن الطريق الوحيد الذي يُحقق هدفك هو الاجتماع و من ثم الانقلاب .. يمكن تفهم هذا التشدد و التطرف العلماني تماما كما يمكننا تفهم ما فعلته قريش من قتل و حصار و نهب في مواجهة الدعوة الإسلامية .. لكن أن نأتي و نتهم الرسالة و حامليها بالعنف لأنهم دافعوا عن وجودهم و رسالتهم في سبيل الحفاظ عليها و نشرها و قتال لمرتدين, فإن هذا الاتهام لا يخلو من جهل و غرور!

طبعا يمكن تفهم الدين القريشي الشركي و الدين العلماني الشركي و مناهضتم لما يتعارض معهم, شيء طبيعي, لكنه غير صحيح و غير معقول و غير منطقي إلا في حالة إذا أثبتت قريش أن دينهم هو الحق و أن الاسلام هو الباطل أو إذا أثبت العلماني أن دينه هو الخير و أن الإسلام هو الشر.. و إن لم يحدث ذلك, فإن القرشي و العلماني لا حق له في مواجهة الرسالة الاسلامية و لا يحق لأحد أن يعترض طريق التبشير و التنذير كما لا يحق لأحد اعتراض طريقك في الدعوة الى الاختباء لمواجهة خطر الهجوم النووي.