المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدر الثمين في نصح الإخوة التبليغيين



أبو معاوية غالب
03-11-2010, 03:50 PM
الدر الثمين
في نصح
الإخوة التبليغيين


قدم لها وقرظها
فضيلة الشيخ أكرم زيادة
وفضيلة الشيخ جلال السلمي

تأليف
أبي معاوية غالب بن أحمد الساقي


مقدمة الشيخ جلال السلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,
أما بعد:
فقد قرأت رسالة أخي الفاضل الشيخ/غالب بن أحمد الساقي- وفقه الله - ، الموسومة بـ: "الدر الثمين في نصح الإخوة التبليغيين"، فألفيتها رسالة قيمة،وكيف لا تكون كذلك، وقد جمعت بيان العبارة،ووضوح الإشارة،ودراية الواقع،وحسن الأدب،وقد وضع المؤلف - أيده الله - يده على الجرح، وأوقف القارئ على محل الخلل،وعمل - حفظه الله - على التصحيح دون تجريح، وذلك من غير تطويل ممل ولا اختصار مخل،ولهذا أنصح بطباعتها و الاستفادة منها، وأسأله سبحانه أن يجزي الشيخ غالبا خير الجزاء على ما قدم، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
كتبه/جلال بن علي السلمي.
أستاذ الفقه وأصوله


مقدمة الشيخ أكرم زيادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوجب على عباده التعاون على البر والتقوى وحرم عليهم التعاون على الإثم والعدوان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، وسلم عليه ما تعاقب المنيران وبعد :
فقد قرأت رسالة «الدر الثمين في نصح الإخوة التبليغيين» التي كتبها أخونا الحبيب أبو معاوية غالب بن أحمد الساقي ـ حفظه الله تعالى ـ في نصيحة جماعة لنا فيها الكثير من الأحبة الدعاة، وقد وجدته قد أحسن فيها وأفاد ـ ووضع أصبعه على موضع الألم، ونصح بالدواء للشفاء التام، وقد بين ـ حفظه الله تعالى ـ وهو الخبير الأمين، الحريص على نصح إخوانه من أفراد هذه الجماعة وغيرهم منذ نعومة أظفاره، وقد عرفته ضمن أفراد هذه الجماعة وهو لمَّا تنبت شعيرات لحيته بعد حريصاً كل الحرص على الانتفاع بوقته، والانتفاع من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، والعمل في الدعوة إلى الله غاية ما يستطيع، وقد بذل جهوداً في حينها وبعدها للوصول إلى الحق قَلَّ أن تجد نظيره في من كان في مثل سنه، وكأن الله تعالى لمَّا رأى من حرصه على تحصيل الخير فتح له أبوابه، وتولى تعليمه، ورزقه فقهاً عُرِفَ به، وعلماً نافعاً أدى به إلى الأعمال الصالحة، فصار في بيوت الله للمتقين إماماً، فجمع بين خير الفقه، وفضل العلم، وزهرة الشباب الناشئ على طاعة مولاه والذي أرجو أن يختم الله له بها الاستظلال بظله يوم لا ظل إلا ظله تحقيقا لوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. شاب نشأ في طاعة الله».
ولأن أبا معاوية ـ كما عرفته، ولا أزكيه على الله، والله حسيبه ـ متجردٌ عن هوى النفس في نصحه، حريصٌ كل الحرص على مصلحة المسلمين العليا عامة، والدعوة إلى الإسلام خاصة، فقد كتب ـ فيما أظن ـ من القلب إلى القلب، فَوَجَدْتُّ كلماتِه برداً وسلاماً على قلبي الظامئ لمثل هذا النصح المخلص، فأحسن النصيحة، وألان العبارة، وأودع في كل حرف شفقته الواضحة الجلية على إخوانه من أفراد الجماعة أو (الطائفة) ـ كما سماها أحياناً ـ من خلال كلماتهم وألفاظهم التي عَرَفَهَا وخبرها من خلال معرفته الوثيقة بهم، وخروجه معهم، مبيناً خطأ تلك العبارات في المقياس الشرعي المستند إلى آيات الكتاب العظيم، وأحاديث النبي الكريم ـ عليه أكمل الصلاة وأتم التسليم ـ مبينة واضحة من خلال كلام أهل العلم المعتبرين، من المتقدمين والمتأخرين، منقولة بأدق نقل وأحسن توثيق من كتبهم التي هي منارات هدىً لمن أراد الهدى على مر الأيام والسنين، كأبي الفرج ابن الجوزي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه النجيب شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية، وأئمة عصرنا، ومشايخنا الفضلاء، الألباني والعثيمين. ثم مبيناً التصويب لتلك الأخطاء من خلال نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم المعتبرين.
فهو لم يتكلم في المرض والداء على سبيل الذم والقدح، بل وصفه من خلال تشخيص الخبير بمدلولات الألفاظ، ووصف العلاج بألفاظ الطبيب الخبير بمدلولات ألفاظ العلاج والدواء أيضاً فجزاه الله خيراً على جهده، ونفع الله به أفراد الجماعة كما يحب الله ويرضى، وكما أحب هو، وكما نحب نحن، وكما يحب كل عامل للإسلام بتجرد وإخلاص.

وقد أودع هذه الرسالة اللطيفة الخفيفة ثماني وعشرين نصيحة غالية استوعبت جُلَّ ما يحتاجه التبليغي لتصحيح مساره في الدعوة إلى الله على بصيرة، وكنت أتمنى لو أتمها إلى ثلاثين نصيحة بنصيحتين مهمتين جداً أولاهما:
النصيحة التاسعة والعشرون: احذر يا أخانا التبليغي ما يقع فيه كثير من رؤوس وأفراد الجماعة من (التقية مع العلماء)، فقد وجدنا وسمعنا كثيرا من رؤوس وأفراد الجماعة يتكلمون في العلماء أمام العوام، وربما أمام أولئك العلماء شيئاً يخاله العامي أو الجديد في عمل الجماعة تبجيلاً واحتراماً لأهل العلم، وإذا خلا بعضهم إلى بعض تكلموا في أهل العلم كلاماً لا يرضي الله ولا رسوله لو كان في العامة فكيف عندما يكون في العلماء، فيصفونهم بأخس الأوصاف وأسوئها كـ(الضال المضل)، (اليهودي المدسوس على المسلمين).
وقد حرم الله الغيبة عامة فكيف بعلماء الأمة الكرام الأجلاء.
النصيحة الثلاثون: احذر يا أخانا التبليغي ما يقع فيه كثير من رؤوس وأفراد الجماعة من (تقسيم العلماء إلى علماء دعوة وعلماء مسائل وغيرها) وأن مسائل الدعوة يُسألُ فيها علماء الدعوة، والمسائل الأخرى يُسألُ فيها غيرهم من العلماء.
والحمد لله رب العالمين.
وكتب أبو محمد علي
أكرم بن محمد بن زيادة الفالوجي الأثري
‏الاثنين‏، 05‏ محرم‏، 1431هـ
‏21‏ كانون الأول‏، 2009م

المقدمة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُه،ُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَه،ُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ :
إخواني القراء أجزل الله مثوبتكم !
إن تناصح المسلمين أمر محبوب لله ورسوله، وردت النصوص الكثيرة في الحث عليه والإرشاد إليه، لما له من عواقب حميدة، ونتائج سديدة فهو سبيل قويم، وطريق مستقيم ، ينير السبيل، ويروي الغليل، ويشفي العليل، ويصلح الخلل، ويسد الثلم، ويؤول إلى إقامة الدين، واجتماع المسلمين على الحق المبين .
قال تعالى في كتابه العزيز : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة : 71] .
وروى مسلم في صحيحه، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ "رضي الله عنه"، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "« الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ »".
وروى الشيخان، عَنْ جَرِيرٍ بن عبد الله "رضي الله عنه" ، قَالَ:" بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
فحري بنا أن نسلك هذه المحجة، بالإنصاف والحجة .
لذلك كله أحببت أن أقدم هذه النصائح الثمينة، وأن استنبط لإخواني التبليغيين هذه الكنوز الدفينة، راجيا من الله أن يجعل منها تنوير البصائر، وهداية الحائر، وإرشاد السائر، وإصلاح الظواهر والسرائر .
ولقد حرصت طاقتي في هذه النصائح على موافقة لب الصواب الموافق للسنة والكتاب، فما كان منها صوابا فهو من الله، وما كان خطأ فمني ومن الشيطان، وإني لأستغفر الله منه .
والله أسأل أن يجعل في هذه النصائح تصحيح المسار، ودفع المضار، عن إخوة أبرار، يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
اللهم تقبل مني عملي هذا، واجعله خالصا لوجهك الكريم، وادخر لي ثوابه يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إنك قريب، سميع، ونعم المجيب .

كتبه أبو معاوية غالب بن أحمد بن علي الساقي المشرف على موقع "روضة السلفيين"
www.salafien.com
في محرم / 1431




بسم الله الرحمن الرحيم
النصيحة (1) : الخروج ليس بواجب بإجماع الأمة
عليك أيها التبليغي، وفقك الله لما فيه رضاه، أن لا تعتقد وجوب الخروج مع جماعة التبليغ، ولا تعتقد أن من لا يخرج، أو كان يخرج ثم
تركه، يعد آثما في دين الإسلام .
فإن مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أن هذا الخروج على هذا النمط وبهذا الترتيب والهيئة ليس بواجب، وقد اتفقت الأمة على عدم وجوبه، ولم تعرفه سوى في العصر الحالي ، وأول من أحدثه الشيخ محمد إلياس، رحمه الله، وإنما النقاش يدور بين العلماء في جوازه، مع اتفاقهم على عدم وجوبه .
فأول ما يجب عليك تصحيحه، أيها التبليغي الفاضل، هو أن تخرج من قلبك اعتقاد وجوب هذا الخروج، وتعتقد أن من لم يخرج أو خرج ثم ترك ليس عليه لوم شرعي، ولا يعد آثما، ولا مقصرا في دين الإسلام،
لأن الشرع لله سبحانه، وليس للبشر أن يوجبوا على الناس إلا ما أوجب الله عليهم .






النصيحة (2) : ضرورة الدعوة إلى توحيد الألوهية

إياك أخي التبليغي أحسن الله إليك أن تفسر (لا إله إلا الله) بغير تفسير أهل الحق والسنة لها، فتفسيرها الذي لا مرية فيه (لا معبود بحق إلا الله) وبناء على ذلك حذار من الدعوة إلى توحيد الربوبية، دون توحيد الألوهية ( العبادة) فإن توحيد الربوبية أن الله هو الخالق المالك المدبر لم يكن كفار قريش ينكرونه، ولم يبعث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ؛ ليدعو قومه إليه، ولكن الخصومة وقعت بين الأنبياء وأقوامهم فيما يتعلق بتوحيد الألوهية، فيترتب على ذلك أن عليك أيها التبليغي لتكون محييا لجهد الأنبياء، أن تدعو إلى ما دعا إليه جميع الأنبياء، إلى عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت، قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل : 36].
وأنتم أيها التبليغيون، بارك الله فيكم، تصلون إلى أماكن كثيرة يستغاث فيها بغير الله، ويتوكل على غيره، ويذبح لغيره، أي ينتشر فيها عبادة غير الله سبحانه، على شتى أصنافها وألوانها، فكونكم تودون إحياء جهد الأنبياء، وتعلنون أن الفلاح والنجاح هو بامتثال أمر الله، على طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، يستدعي منكم أن تدعوا هؤلاء الأقوام إلى عبادة الله وحده، وعدم الاقتصار على القول بأن الله سبحانه هو الخالق، الرازق، والقابض، الباسط. ولا يمنعنكم نفور من يقع في شرك الألوهية من هذه الدعوة وتفرقهم من حولها، كما أن الأنبياء لم يمنعهم ذلك من المضي، قدما في هذه الدعوة، التي هي أساس الإسلام، وأصله، وقاعدته الكبرى.
وفقنا الله جميعا لما فيه رضاه .

النصيحة (3) : انتبه إلى توحيد الأسماء والصفات

أخي التبليغي رفع الله قدرك !
أنصحك بدراسة ما كتبه السلف الصالح، ومن اتبعهم في مباحث أسماء
الله وصفاته .
وأن تحذر من مسلك بعض الناس حين ينهجون منهج التفويض في صفات الله تعالى، فلا يفسرون نصوص الصفات على ظاهرها، يقرؤون النص دون تفسير له، فيقول أحدهم " الرحمن على العرش استوى "
فيقال له ما معنى استوى، فيقول لا أفسر .
فإن السلف قد فسروا الاستواء بالعلو والارتفاع .
وكذلك من الأخطاء التي وقع فيها بعض الناس، إنكارهم للسؤال
النبوي للجارية " أين الله " وكذلك من الأخطاء إنكار كلمة بذاته.
فإن العلماء المتبعين للسلف الصالح، يصرحون بأن الله فوق السماء بذاته، ليردوا بذلك ردا واضحا وصريحا، على من أنكر استواءه سبحانه بذاته . وهم قد أخذوا هذه اللفظة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، فإن قوله تعالى : {الرحمن على العرش استوى} ،تدل على أنه استوى بذاته على العرش، إذ إن معنى {الرحمن} ذات الله المتصفة بالرحمة .
وذلك كقوله تعالى : {الله خالق كل شيء}، فهل ينكر أحد من المسلمين أن الله تعالى خالق كل شيء بذاته !؟ .
وكن على حذر من عقائد الماتريدية، والأشعرية، في أسماء الله وصفاته، لما تشتمل عليه من التعطيل، الذي هو النفي لأكثر ما أثبته الله لنفسه
من صفات .
بارك الله فيك، وأيدك بروح منه، وجعلك داعيا إلى توحيد الله سبحانه بأنواعه الثلاثة، التي اشتمل عليها القرآن والسنة، توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء، والصفات إنه سميع مجيب .


النصيحة (4) : تتعلق بالصفات الستة
أخي التبليغي بارك الله فيك، يحسن بك أن تترك تحديد صفات ستة، ليدور حولها الكلام دائما، ويتم التركيز عليها بصورة كبيرة، وتكون محور الكلام أثناء الخروج، لعدم قيام دليل على مثل ذلك، ومثل هذا مما يفتقر إلى دليل يدل عليه .
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله تعالى، في "لقاءات الباب المفتوح" (ج15/ص21) :
"الذين يسمون أنفسهم جماعة التبليغ، هم الذين يذهبون إلى باكستان وغيرها للدعوة إلى الله ونحن لا نتهمهم بسوء النية والقصد، وهم لا يريدون بالذهاب إلا الخير لا شك، لكن هذا الذهاب صار سبباً
ووسيلة للقدح في هذه الجماعة، وصاروا يقولون: إنهم يذهبون إلى هناك ليأخذوا العلم والإيمان عن قوم هناك، وعندنا والحمد لله من هم أعلم منهم، ومن هم أقوى إيماناً، ثم إن هؤلاء القوم فيهم شبهة؛ لأنهم بنوا أصولهم على غير الأصول التي بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليها الدين، فهم بنوا أصولهم على أمور ستة، من يقرأها لنا؟
1- تحقيق لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
2- الصلاة ذات الخشوع والخضوع .
3- العلم مع الذكر.
4- إكرام المسلمين .
5- تصحيح النية.
6- الدعوة إلى الله والخروج في سبيله .
لو أنهم بنوا هذا الأمر على ما بناه عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكان خيراً لهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام" ولا أظن أحداً يكون في قلبه أدنى شك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، أعلم الخلق بما يبنى عليه الإسلام، وأنه أنصح الخلق، وأنه أفصح الخلق، وقال: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره" وقال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
لهذا أنا أنصح إخواني من أهل التبليغ، وأكرر عليهم النصيحة ألا
يذهبوا إلى باكستان أولاً: دفعا عن أعراضهم؛ لأن الكثير من الإخوة إذا أثنينا على جماعة التبليغ ، وقلنا: إن لهم تأثيراً لم يقم به أحد غيرهم، وتأثيرهم واضح، كم من ضال اهتدى على أيديهم، وكم من فاسق أطاع على أيديهم، بل وكم من كافر آمن على أيديهم، قالوا: هؤلاء فيهم وفيهم، ومن جملة ما يجعلونه سبباً للقدح سفرهم إلى باكستان . فأنا أكرر نصيحتي لإخواني الذين يوجدون في الجزيرة بألا يذهبوا إلى باكستان ، ويجتمع بعضهم مع بعض والحمد لله في مكة في الحج أو في العمرة، في رمضان أو في غير رمضان، أما أن يذهبوا إلى بلاد اشتبه حقيقة ما هم عليه، ومن يديرون دفة الأمر فيها، فهذا لا ينبغي". انتهى كلام العلامة ابن عثيمين رحمه الله.


النصيحة (5): التحذير من جملة :(علينا أن ندعو الناس بالهم والحزن).

اعلم أخي التبليغي بارك الله فيك، وتقبل غيرتك على دين الله، وحرصك على هداية الناس، أنه لا يصلح لك أن تكرر تلك العبارة "علينا أن ندعو الناس بالهم والحزن" وكذلك لا يطلب منك أن تستشعر أنك مسؤول عن كل ضال، وأنك ستتحمل وزره يوم القيامة؛ لأن الله سبحانه لم يأمر نبيه أن يدعو الناس بالحزن والهم، بل على العكس من ذلك، نهاه عن ذلك بقوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر : 8]، وقوله: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } [الكهف : 6]، وبين له أنه لم ينزل عليه القرآن ليصير شقيا به، وإنما عليه فقط أن يذكر به الناس، وأنه ليس عليه إلا البلاغ، فقال سبحانه: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1-3]،
جاء في تفسير القرطبي (11 / 153):
"(لتشقى) لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا، كقوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ } [الكهف:6 ]
أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا، لا محالة بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة".
وقال سبحانه :{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ
َألَّا يَزَّكَّى (7) } [عبس5-7]،
قال الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير " ( 7 / 418):
"{ أَمَّا مَنِ استغنى } أي : كان ذا ثروة وغنى ، أو استغنى عن الإيمان ، وعما عندك من العلم { فَأَنتَ لَهُ تصدى } أي : تصغي لكلامه، والتصدّي الإصغاء ... {وَمَا عَلَيْكَ أَن لا يزكى } أي : أيّ شيء عليك في أن لا يسلم ، ولا يهتدي فإنه ليس عليك إلاّ البلاغ ، فلا تهتم بأمر من كان هكذا من الكفار."
وقال ابن القيم رحمه الله في "طريق الهجرتين" (1/418) :
"اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان، ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه، جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]،
وقال تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]، وقال تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:26]،
وقال: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، فالحزن هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر:34]، فحمدوه على أن أذهب عنهم تلك البلية، ونجاهم منها، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال".... والمقصود أن النبي جعل الحزن مما يستعاذ منه؛ وذلك لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن ،قال تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10]، فالحزن مرض من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه، وسيره، وتشميره، والثواب عليه، ثواب المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض، والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأمورا بتحصيلها وطلبها فلا فرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليات، ولكن يحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في خدمة ربه وعبوديته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته، وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه، وعلى حياته حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه، ولو كان قلبه ميتا لم يحس بذلك ولم يحزن ولم يتألم فما لجرح بميت إيلام، وكلما كان قلبه أشد حياة كان شعوره بهذا الألم أقوى، ولكن الحزن لا يجدي عليه فإنه يضعفه كما تقدم، بل الذي ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر ويبذل جهده".

وقال أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (1/505) :
"فصل ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة الحزن وليست من المنازل المطلوبة ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا، فالمنهي عنه،كقوله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران:139]،
وقوله: { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [النحل:127]، فى غير موضع وقوله: { لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:40]، والمنفي كقوله: { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38]، وسر ذلك : أن الحزن موقف غير مسير ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان: أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه ، قال الله تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادله:10]، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، فالحزن ليس بمطلوب ولا مقصود ولا فيه فائدة وقد استعاذ منه النبي
فقال : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن" فهو قرين الهم والفرق بينهما : أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما سيستقبل : أورثه الهم وإن كان لما مضى : أورثه الحزن وكلاهما مضعف للقلب عن السير مفتر للعزم ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر:34]، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم، وأما قوله تعالى : {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة : 92] ، فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم، حيث تخلفوا عن رسول الله لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم بل غبطوا نفوسهم به، وأما قوله في الحديث الصحيح : "ما يصيب المؤمن من هم، ولا نصب، ولا حزن، إلا كفر الله به من خطاياه" فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد، يكفر بها من سيئاته، لا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه واستيطانه، وأما حديث هند بن أبي هالة، في صفة النبي: "إنه كان متواصل الأحزان" فحديث لا يثبت، وفي إسناده من لا يعرف، وكيف يكون متواصل الأحزان وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن، بل كان دائم البشر ضحوك السن كما في صفته: "الضحوك القتال" صلوات الله وسلامه عليه وأما الخبر المروي : "إن الله يحب كل قلب حزين" فلا يعرف إسناده، ولا من رواه، ولا تعلم صحته، وعلى تقدير صحته فالحزن مصيبة من المصائب التي يبتلي الله بها عبده، فإذا ابتلى به العبد فصبر عليه أحب صبره على بلائه، وأما الأثر الآخر :"إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة، وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا" فأثر إسرائيلي قيل : إنه في التوراة، وله معنى صحيح فإن المؤمن حزين على ذنوبه، والفاجر لاه لاعب مترنم فرح، وأما قوله تعالى عن نبيه إسرائيل : {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف : 84]، فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده وحبيبه وأنه ابتلاه بذلك، كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه، وأجمع أرباب السلوك على أن حزن الدنيا غير محمود، إلا أبا عثمان الحيري فإنه قال : الحزن بكل وجه فضيلة وزيادة للمؤمن ما لم يكن بسبب معصية قال : لأنه إن لم يوجب تخصيصا فإنه يوجب تمحيصا، فيقال لا ريب أنه محنة وبلاء من الله بمنزلة المرض، والهم، والغم، وأما أنه من منازل الطريق : فلا والله سبحانه أعلم".
نسأل الله سبحانه أن يرزقنا - جميعا- حسن الاتباع لما يحبه ويرضاه !


النصيحة (6) : لا يذم الجدال مطلقا

اعلم أخي التبليغي بارك الله فيك، ووفقني وإياك لسلوك سبيل الحق الذي يحبه ويرضاه، في كل أمر من الأمور بمنه وكرمه، أن الجدال لا يذم على سبيل الإطلاق، بل منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، وكيف يكون مذموما كله، والله سبحانه قال :{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125]. وقد قص الله علينا كيف كان الأنبياء يحاجون أقوامهم ويجادلونهم بالحجة والبرهان في آيات كثيرة معلومة لا تخفى.
فالجدال بالتي هي أحسن، سبيل قويم لإظهار الحق، ودحض الباطل، في كثير من الأحيان، وإنما يكون مذموما منهيا عنه حين يكون بدون فائدة، أو بدون علم، أو للتباهي والتفاخر، أو لدفع الحق، ونصر الباطل، أو ترتب عليه مفسدة راجحة، أما إذا خلا من ذلك كله ونحوه، وكان مما يرجى فائدته، فلا يحسن إنكاره ولا تركه ولا التهرب
منه.
قال الإمام النووي في كتابه " الأذكار "(1/ 469) :
"واعلم أن الجدال قد يكون بحقّ، وقد يكون بباطل، قال اللّه تعالى : {وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إِلاَّ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ} [ العنكبوت: 41 ]، وقال تعالى : { وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125]، وقال تعالى : { ما
يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلاَّ الَّذِينَ كَفَروا } [ غافر:4 ]، فإن كان الجدالُ
للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقّ أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزيلُ النصوص الواردة في إباحته وذمّه" انتهى.
وقال شيخ الإسلام في" درء تعارض العقل والنقل" (3 / 371) :
"والمذموم شرعا ما ذمه الله ورسوله، كالجدل بالباطل، والجدل بغير علم، والجدل في الحق بعد ما تبين، فأما المجادلة الشرعية كالتي ذكرها الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام وأمر بها، مثل قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود :32]، وقوله : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام:83]، وقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّه} [البقرة : 258]، وقوله تعالى : {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125]، وأمثال ذلك فقد يكون واجبا أو مستحبا، وما كان كذلك لم يكن مذموما في الشرع ".
نسأل الله أن يهدينا جميعا سواء السبيل !


النصيحة (7): أحذرك ونفسي من الحزبية لغير الإسلام

احذر أخي التبليغي من الحزبية لغير الإسلام الذي أنزله الله على رسوله فإن الله سبحانه قال في كتابه :
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}[الروم 30-32].

وإليك بعض علامات الحزبية لتكون منها على حذر:
* استثقال النصيحة من المخالف وإن كانت حقا وبعلم.

* عدم الاعتداد بدعوة غير أفراد الجماعة، ومن كان على طريقتهم بحيث أنك إن وجدت درسا في مسجد لا تعده كافيا، وترى أنه لا بد أن يكون الدرس من قبل الجماعة ليكون معتدا به، أو تعتبر أن الدعوة لا تكون معتبرة إلا إذا كانت من قبل أفراد الطائفة وعلى منهجهم.

* الخروج مع الجماعة إلى بلد لا تحتاج إلى دعوة كباكستان لتوفر أعداد كبيرة من الدعاة فيها، تبذل مالك وجهدك ووقتك بدون حاجة سوى أنها تشتمل على فكر الجماعة، والفكر إنما يجب أن يكون من الكتاب والسنة، وما كان عليه الصحابة.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في "لقاءات الباب المفتوح"(10/28) :
"هم أهل خير ولا شك، لكني أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبوا إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى؛ لأننا لا ندري عن عقائد أولئك ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء"انتهى.

* أن تشعر في داخل نفسك أن من لم، أو لا يخرج هو مقصر ناقص، حتى ولو كان داعيا أو طالب علم، أو كان خيرا منك إيمانا وتقوى وورعا وعلما.

* أن تشعر بأن كل من لم يخرج فهو ضعيف الإيمان، وأن زيادة الإيمان لا تكون إلا بالخروج، وأن في الخروج من الخير ما لا يوجد في طلب العلم من الكتاب والسنة، ولا العمرة ولا غير ذلك، وتربط كل خير في الوجود بالخروج، وتجعله محور كلامك دائما، وتشدد على الناس في شأنه، وتشعرهم بالنقص في حال تركه . مع أنه لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، ولا عرفه الفقهاء، كالأئمة الأربعة، ولا كتبوا له آدابا وأحكاما لعدم معرفتهم له، وعدم وجوده في زمانهم.

* أن تشعر بأنه لا يعتد بالدعوة إلا إذا كانت على هذه الطريقة، فيها تجول وسير وتنقل وعلى هذا الفكر الذي له الصبغة المعروفة، أما إذا كانت من خلال الأجهزة الحديثة، أو داخل البيت أو خطب الجمعة أو الدروس في المسجد أو في أي مكان آخر، أو تأليف الكتب والمقالات،
أو غير ذلك من الوسائل النافعة لا يعتد بها .

* أن تعتقد أن أي نصيحة توجه للجماعة يكون صاحبها مستحقا للبغض والتعنيف، مما يعني بلسان الحال أن الجماعة معصومة وأنه لا
يجوز نصيحتها .
* أن تعتقد أن جهد الجماعة لا يجوز تركه ولا الاستغناء عنه في أي
حال من الأحوال، فهذا فيه طعن في القرون السابقة، ومنها خير القرون لعدم وجود هذه الطريقة لديهم .
* أن تشعر أنك لو تركت الخروج تكون مقصرا.
* أن يتغير قلبك على من ترك الخروج، ولا تعده أخا لك كما لو كان مستمرا على الخروج.
* أن تقدح في العلماء الذين لهم نصائح للجماعة،كالشيخ الألباني رحمه الله.
* أن تقدح في العلماء الذين أنكروا هذا الخروج وعدوه بدعة،كالفوزان والتويجري وعبد الرزاق عفيفي.

* أن تفرق بين الخروج والوسائل المحدثة الأخرى، كالأشرطة والكتب والقنوات والمراكز والمواقع التعليمية والدعوية؛ لأن ذلك يستلزم أنك تتعبد بهذه الطريقة مع كونها محدثة لذلك تأبى سلوك ما سواها.

* أن تعتقد أن الخروج أمر ماض إلى يوم القيامة، حتى لو ظهر المهدي ونزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أو قامت الخلافة الراشدة وانتفت الحاجة إليه؛ لأن ما كان الاعتقاد فيه هكذا لا يكون وسيلة غير متعبد بها .
* أن تعتبر أن لك الحق أن تدعو الناس وتنصحهم، وأن هذا من أعظم الفضائل، وأن عليك أن تبلغ ولو آية، حتى ولو لم تكن تعلم تفسيرها ولا تحسن تلاوتها، ثم تنكر على من ينصحك بعلم وإنصاف وبالحجة والبرهان، ومن يكون له جهد في نصح الطائفة وتصحيح مسيرتهم مبلغا لهم آيات الله وأحاديث رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالفهم العلمي الصحيح.

* أن يكون عملك لنصر الطائفة وزيادة أعداد أفرادها والتمكين لها
في الأرض، لا لنصر الإسلام المجرد الصافي عن كل ما اختلط به مما هو
ليس منه.

* أن تحب العالم الذي يشجع على هذا الخروج، وتبغض من كان ناهيا عنه، أو مصححا لبعض ما فيه من أخطاء مع استقامته على شرع الله،
فتكون محبتك وبغضك في فكر الطائفة -مع عدم عصمتها - لا في الله
سبحانه.

* أن ترفع من منزلة طالب العلم التبليغي، حتى تجعله في مقام عال مع الحط من منزلة من هو مثله في العلم والتقوى، أو أكثر علما وتقوى
منه، إن لم يكن ممن يسلك هذا المسلك.

* أن تقدم حضور مجلس ذكر لشخص لكونه تبليغيا، وإن كان عاميا يغرف من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويفسر الآيات بغير تفسير أهل العلم، على مجالس أهل العلم وأصحاب التمييز والإفادة العلمية الحقيقية، لكونهم ليسوا من الطائفة المحبوبة لديك.

فالحذر الحذر أيها التبليغي الحبيب من الحزبية، والتعصب لغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"مجموع الفتاوى"(3 / 347) :
"وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها".
وقال - عليه سحائب الرحمة والرضوان- "في مجموع الفتاوى" (20/8):
"على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله، وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله، مما دل عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله -صلى الله عليه و سلم- ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل، ومن نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين {فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} الآية. وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل أتباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم " انتهى كلامه.
سددك الله أخي التبليغي المتعطش لمعرفة الحق، واتباع السبيل الموصل إلى الله سبحانه .


النصيحة (8): احذر من احتقار العلماء
احذر أخي التبليغي، حفظك الله ووفقك لما يحبه ويرضاه من احتقار العلماء، لأي مبرر بحجة أنهم لا يخرجون، أو أنهم لا يضحون كما تضحي، أو لأنهم انشغلوا بالعلم والراحة عن الدعوة والتعب، فكل ذلك من تلبيس الشيطان ليصرفك عن الرجوع إليهم الذي هو واجب عليك، امتثالا لقوله تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء : 7] ،وقال سبحانه : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يعْلَمُونَ}[الزمر : 9] ،وقال : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة : 11]، وقال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" متفق عليه.
قال الإمام ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" (ص195):
"ومن تلبيسه على الزهاد، احتقارهم العلماء، وذمهم إياهم، فهم يقولون المقصود العمل، ولا يفهمون أن العلم نور القلب، ولو عرفوا مرتبة العلماء في حفظ الشريعة وأنها مرتبة الأنبياء، لعدوا أنفسهم كالبكم عند الفصحاء، والعمي عند البصراء، والعلماء أدلة الطريق والخلق وراءهم وسليم هؤلاء يمشي وحده، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي بن أبي طالب-رضي الله عنه- : "والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم".
ومما يعيبون به العلماء، تفسح العلماء في بعض المباحات، التي يتقوون بها على دراسة العلم، وكذلك يعيبون جامع الأموال ولو فهموا معنى المباح، لعلموا أنه لا يذم فاعله، وغاية الأمر أن غيره أولى منه أفيحسن لمن صلى الليل أن يعيب على من أدى الفرض ونام ..... !
قال المصنف : قلت : الويل للعلماء من الزاهد الجاهل الذي يقتنع بعمله، فيرى الفضل فرضا، فإن الذي أنكره مباح، والمباح مأذون فيه، والشرع لا يأذن في شيء ثم يعاتب عليه، فما أقبح الجهل، ولو أنه قال لهم : لو قصرتم فيما أنتم فيه، لتقتدي الناس بكم، كان أقرب حالة، ولو سمع هذا بأن عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وعبد الله
ابن مسعود، -رضوان الله عليهم- وفلانا وفلانا من الصحابة، خلفوا مالا عظيما، أتراه ماذا يقول وقد اشترى تميم الداري حلة بألف درهم، وكان يقوم فيها بالليل، ففرض على الزاهد التعلم من العلماء، فإذا لم يتعلم، فليسكت" انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.
ومما شاع عند بعض الناس، وليس له أساس من الصحة، أن إبليس أعلم الناس الآن، وهذه فكرة خاطئة لا دليل عليها، فهل إبليس عالم باللغة العربية، وقواعد التفسير، ومصطلح الحديث، والجرح والتعديل، وأصول الفقه، ومسائل الفقه، والمواريث، ونحو ذلك ؟.!
ولو كان إبليس أعلم الناس، لوجدنا أولياءه من السحرة والكهنة أعلم الناس، لكونهم يتلقون عنه، إلا أننا نجدهم أجهل الناس، وأكثرهم تخليطا وحمقا.
فليست تلك المقولة من الصواب في شيء، فكن على حذر منها، بارك الله فيك!
وكما أحذرك أخي بارك الله فيك! من احتقار العلماء، أحذرك أيضا من ابتذال هذا الوصف( العالم) حتى تطلقه على كل إمام مسجد، وكل من درس في جامعة، أو معهد علما شرعيا، لأن هذا الإطلاق في الأغلب لا يكون موافقا للواقع، ويؤدي إلى تسمية الأشياء بغير أسمائها، حتى من كان معه (دكتوراه) في الشريعة، لا يلزم من ذلك أن يكون عالما، كما هو معلوم عند العلماء وطلبة العلم.
ومما يجدر التنبه له، أن الرفع من قدر شخص ممن يظن أنه يطلب العلم، حتى يجعل عالما لكونه موافقا لما عليه الطائفة، مع الحط من منزلة شخص آخر، هو مثله أو أعلم منه وقد يكون أكثر اتباعا للحق منه، لا يعد من الأمور المحمودة في الشريعة، لخلوه من الإنصاف والعدل ووضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها، ودخوله في دائرة الحزبية التي
نهى الله عنها.
ولا يحسن بك أخي التبليغي بارك فيك ربي وأحسن إليك، أن ترفع ذا الأقدمية في الخروج والجهد الزائد، على العالم وإن لم يكن ممن يخرج أصلا، لما جعل الله سبحانه للعلماء من المنزلة في دين الإسلام، وأوجب على غيرهم من توقيرهم واحترامهم والرجوع إليهم فيما خفي عليهم.
وليس من شرط القبول من العالم، أن يكون ممن يخرج مع الطائفة، فإن أي شرط لا يدل عليه الكتاب والسنة لا يكون إلا باطلا، ولأن
الخروج أحدث من عقود قليلة لم تعرفه كل القرون السالفة، ولم يرد له ذكر في كتاب ولا سنة ولا كتب الفقه ولا كتب التفسير ولا غيرها،
والتشريع لا يكون من أي شخص من الأشخاص، إنما يكون من عند
الله تعالى.
وسائر أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم، لم يعرفوا هذا الخروج، فضلا عن أن يجعلوا له تلك المنزلة التي تدعيها الطائفة التبليغية له، وفقها الله وجمعنا وإياها على الهدى .!

قال ابن الجوزي في " تلبيس إبليس":
"ومن تلبيسه عليهم، تقديمهم المتزهدين على العلماء، فلو رأوا جبة صوف على أجهل الناس عظموه، خصوصا إذا طأطأ رأسه وتخشع لهم، ويقولون أين هذا من فلان العالم، ذاك طالب دنيا، وهذا زاهد لا يأكل عنبة ولا رطبة ولا يتزوج قط، جهلا منهم بفضل العالم على الزاهد، وإيثارا للمتزهدين على شريعة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ومن نعمة الله سبحانه وتعالى على هؤلاء، أنهم لم يدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ لو رأوه يكثر التزويج، ويصطفي السبايا، ويأكل لحم الدجاج، ويحب الحلوى والعسل، لم يعظم في صدورهم.
ومن تلبيسه عليهم قدحهم في العلماء بتناول المباحات، وذلك من أقبح الجهل، وأكثر ميلهم إلى الغرباء، فهم يؤثرون الغريب على أهل بلدهم ممن قد خبروا أمره وعرفوا عقيدته، فيميلون إلى الغريب ولعله من الباطنية، وإنما ينبغي تسليم النفوس إلى من خبرت معرفته، قال الله عز وجل : {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، ومن الله سبحانه في إرسال محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الخلق بأنهم يعرفون حاله فقال عزوجل : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران:164]، وقال : {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة : 146]." انتهى كلامه.
وإياك أن تصدق تلك الخرافة التي سمعتها من بعضهم، وأرجو أن تكون خطأ فرديا، لا شائعا عاما: أن اليهود عندهم مدارس يدرسون طائفة منهم العلوم الإسلامية، ثم يخرجونهم إلى الناس في صورة علماء الأمة، وهم الذين يفتون الناس ويرجعون إليهم، فإن مثل هذه الأفكار الخرافية، هي صد للناس عن الرجوع إلى العلماء، الذين إن لم يرجعوا إليهم ضلوا، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي من الكذب الواضح، لأن العلماء أقوام ولدوا بيننا وعاشوا وربوا بيننا، ولم يمض فترة من الزمن وهم في مدارس اليهود، ثم إن هذا تكفير لبعض علماء الأمة، واتهام لهم بالنفاق، مع أن المنافق لا يكون عالما عاملا بعلمه، موفقا في منطقه وسمته وهديه، ناطقا بالعلم على أصول الإسلام، وقواعده المعروفة، ولا يمكن أن يملأ الدنيا علما وتوحيدا وإصلاحا، كما هو حال علمائنا الأجلاء رضي الله عنهم وجزاهم الله عنا كل خير. اللهم اهدنا ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين أبدا !


النصيحة (9): احذر من ترك التشاغل بطلب العلم ومن إنكار قراءة الكتب وتأليفها
احذر أخي التبليغي جعلك الله من المهتدين المتقين، من ترك التشاغل بطلب العلم، بحجة أن طلب العلم يشغل عن الدعوة إلى الله، أو عن العمل، أو أن الإنسان إذا كان يخرج ويضحي من أجل ذلك، ينال العلم بدون اكتساب محتجا، بقوله تعالى : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه}
[البقرة: 282]، فإن العلم له أسباب حسية ينال بها، وبالتقوى يزداد طالب العلم توفيقا ونورا وهداية .
قال -صلى الله عليه وسلم- "يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، و إنما يخشى الله من عباده العلماء" أخرجه الطبراني وحسنه لغيره الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" .
وها هم علماء الإسلام من عهد الصحابة إلى عهدنا، لم يصل أحد منهم إلى مستوى العلماء بدون طلب للعلم بالأسباب الحسية، التي قدرها الله، وإنما كانوا جميعا يطلبون العلم بالأسباب الحسية، ولكن مع اقتران ذلك بالإخلاص والدعاء والعمل، ينالون من العلم النافع ما لا ينال غيرهم، وكثير من الصوفية ممن ترك طلب العلم، وظن أن العلم يأتيه بدون طلبه، من خلال الكشف والمنامات والإلهام والذوق لعب بهم الشيطان، وصار دينهم جامعا لكل شرك وضلال وبدعة .

ومثل الذي يريد العلم بدون الأخذ بالأسباب الحسية له كمن يريد أن ينال ولدا بدون زواج، فالله سبحانه هو الذي خلق الأسباب، وقدرها وجعل لها تأثيرا بإذنه سبحانه.

والعلم ينال بدون اكتساب للأنبياء؛ لأن الوحي يتنزل عليهم، أما نحن فلا يوحى إلينا، فلا بد لنا أن نكتسب العلم ونأخذ بأسبابه لنناله، فإذا اقترن مع ذلك العمل والتقوى، ازداد فهم طالب العلم وصوابه وتوفيقه، ونال به سعادة الدارين، نسأل الله أن يجعلنا جميعا ممن يجمع بين العلم النافع والعمل الصالح، بل إن العلم النافع والعمل الصالح، هو الصراط المستقيم، الذي ندعو الله في كل ركعة من ركعات صلاتنا أن يهدينا إليه .

فإن الصراط المستقيم، هو الصراط المجانب لطريقي اليهود والنصارى.
واليهود سبيلهم العلم بدون عمل، والنصارى سبيلهم العمل بدون علم.
ومن كان يتعلم ولا يعمل بعلمه، غضب الله عليه.
ومن كان يعمل بلا علم، كان من الضالين.
لذلك قال سبحانه : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}[الفاتحة:6-7]،
قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره : "قال تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك .
وهذا الصراط المستقيم هو: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. { غَيْرِ } صراط { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط {الضَّالِّينَ} الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنصارى ونحوهم" انتهى كلامه .

قال ابن القيم في" مفتاح دار السعادة" (1 / 172) :
"وأما قوله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة : 282]، فليس من هذا الباب، بل هما جملتان مستقلتان طلبية، وهي الأمر بالتقوى وخبرية، وهي قوله تعالى { وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } أي والله يعلمكم ما تتقون، وليست جوابا للأمر بالتقوى، ولو أريد بها الجزاء؛ لأتى بها مجزومة مجردة عن الواو، فكان يقول واتقوا الله يعلمكم، أو إن تتقوه يعلمكم، كما قال { إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال : 29]، فتدبره"
انتهى كلامه .

ثم يا أخي التقوى هي فعل أوامر الله وترك نواهيه وطلب العلم مما أمر الله به، فمن ترك طلب العلم الواجب عليه، لم يكن تقيا،
وإذا تركت الأمة طلب العلم، الذي هو من فروض الكفايات،كانت آثمة بأجمعها.

ويقول ابن الجوزي رحمه الله في "تلبيس إبليس" (ص389) :
"اعلم أن أول تلبيس إبليس على الناس صدهم عن العلم؛ لأن العلم نور، فإذا أطفا مصابيحهم خبطهم في الظلم، كيف شاء وقد دخل على الصوفية في هذا الفن من أبواب .... ومن الصوفية من ذم العلماء، ورأى أن الاشتغال بالعلم بطالة، وقالوا إن علومنا بلا واسطة، وإنما رأوا بعد الطريق في طلب العلم، فقصروا الثياب ورقعوا الجباب وحملوا الركاء وأظهروا الزهد.
والثاني أنه قنع قوم منهم باليسير منه، ففاتهم الفضل الكثير في كثرته، فاقتنعوا بأطراف الأحاديث وأوهمهم أن علو الإسناد والجلوس للحديث كله رياسة ودنيا، وأن للنفس في ذلك لذة .
وكشف هذا التلبيس أنه ما من مقام عال إلا وله فضيلة وفيه مخاطرة، فان الإمارة والقضاء والفتوى كله مخاطرة، وللنفس فيه لذة، ولكن فضيلة عظيمة كالشوك في جوار الورد، فينبغي أن تطلب الفضائل ويتقى ما في ضمنها من الآفات .
فأما ما في الطبع من حب الرياسة، فإنه إنما وضع لتجتلب هذه الفضيلة، كما وضع حب النكاح ليحصل الولد، وبالعلم يتقوم قصد العلم، كما قال يزيد بن هارون : "طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله" ومعناه إنه دلنا على الإخلاص، ومن طالب نفسه بقطع ما في طبعه لم يمكنه .
والثالث انه أوهم قوما منهم، أن المقصود العمل، وما فهموا أن التشاغل بالعلم من أوفى الأعمال، ثم إن العالم وإن قصر سير عمله، فإنه على الجادة والعابد بغير علم على غير الطريق.
والرابع أنه أرى خلقا كثيرا منهم، أن العالم ما اكتسب من البواطن، حتى إن أحدهم يتخايل له وسوسة، فيقول حدثني قلبي عن ربي وكان الشبلي يقول :
اذا طالبوني بعلم الورق ... برزت عليهم بعلم الخرق ... وليس الإلهام من العلم في شيء، إنما هو ثمرة للعلم والتقوى فيوفق صاحبهما للخير، ويلهم الرشد، فأما أن يترك العلم ويقول أنه يعتمد على الإلهام والخواطر فليس هذا بشيء، إذ لولا العلم النقلي ما عرفنا ما يقع في النفس، أمن الإلهام للخير أو الوسوسة من الشيطان .
..... عن ضرار بن عمرو قال: إن قوما تركوا العلم ومجالسة أهل العلم، واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا حتى يبس جلد أحدهم على عظمه، وخالفوا السنة فهلكوا، فوالله الذي لا إله غيره، ما عمل عامل قط على جهل، إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
..... قد سبق القول بأن العلم نور، وأن إبليس يحسن للإنسان إطفاء النور؛ ليتمكن منه في الظلمة، ولا ظلمة كظلمة الجهل، ولما خاف إبليس أن يعاود هؤلاء مطالعة الكتب، فربما استدلوا بذلك على مكايده حسن لهم دفن الكتب وإتلافها، وهذا فعل قبيح محظور، وجهل بالمقصود بالكتب، وبيان هذا أن أصل العلوم القرآن والسنة، فلما علم الشرع أن حفظهما يصعب أمر بكتابة المصحف وكتابة الحديث ..... وروى عنه عبد الله بن عمرو أنه قال: "قيدوا العلم" فقلت: يا رسول الله وما تقييده، قال: (الكتابة) ( ) ..... قال المصنف رحمه الله، قلت من أكبر المعاندة لله عزوجل الصد عن سبيل الله وأوضح سبيل الله العلم؛ لأنه دليل على الله، وبيان لأحكام الله وشرعه، وإيضاح لما يحبه ويكرهه، فالمنع منه معاداة لله ولشرعه، ولكن الناهين عن ذلك ما تفطنوا لما فعلوا" انتهى كلام ابن الجوزي.

فلا شك أن اعتقاد أن قراءة الكتب النافعة ينافي العمل للإسلام والدعوة إليه، وأن العلم لا يؤخذ إلا مع الحركة والخروج ونحو ذلك ما هو إلا خطأ محض، ووسيلة للانصراف عن العلم الشرعي، الذي فيه الكشف عن الحقائق، والتمييز بين الأمور .
فها هم المسلمون قد جعلوا المصحف في كتاب، وجعلوا الأحاديث في الكتب، ودونوا العلوم الشرعية المختلفة حفظا لها من الضياع، وأقبلوا على هذه الكتب حفظا ودراسة وفهما لاشتمالها على القرآن والسنة وآثار السلف، وشرح ذلك وغير ذلك مما هو نافع، فبأي حجة وبرهان يترك طلب العلم من الكتب، مع أن معظم العلم لا سيما بعد أن أصبح وجود العلماء نادرا، يؤخذ من بطون الكتب، ولا يمكن لإنسان أن يصبح طالب علم أو عالما بدون أن يقبل عليها.
وحتى مع وجود العلماء، فإنه لا يتم الاستغناء بهم عن الكتب، إنما هم يوضحون ما في تلك الكتب، ويسهلون على طالب العلم الاستفادة منها، وتكون دروسهم في الأغلب شروحا لبعض الكتب النافعة، ويكون على طالب العلم أن يراجع تلك الدروس في بيته من تلك الكتب ويحفظ ما يحسن حفظه منها .

نسأل الله أن يرشدنا إلى الصواب، وأن يجعل كل ما نقول ونعمل ابتغاء مرضاته !


النصيحة (10) : احذر من مقولة إن العلم يورث الكبر
أخي التبليغي بارك الله فيك! إياك وأنت تشرح الصفة الثالثة (العلم مع الذكر) أن تكرر تلك العبارة (إن العلم وحده يورث الكبر، فلا بد أن نجمع إليه الذكر للخلاص من ذلك).
لأن العلم هو القرآن والسنة وآثار الصحابة، وما يعين على فهمها، وهو يورث الخشية في كتاب الله، قال تعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر : 28] .
والله سبحانه يصرف عن آياته الذين يتكبرون في الأرض بغير حق، قال تعالى :{سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق}[الأعراف: 146] .
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير" (3 / 90) :
"قوله : {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} قيل : معنى {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ} سأمنعهم فهم كتابي. وقيل : سأصرفهم عن الإيمان بها . وقيل : سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم، كما في قوله : {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف:5].
وقيل : سأطبع على قلوبهم، حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها . واختلف في تفسير الآيات، فقيل هي المعجزات . وقيل : الكتب المنزلة. وقيل : هي خلق السموات والأرض، وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها . ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك ( و ) حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة" انتهى كلامه .

ثم إن العلم هو نوع من أنواع ذكر الله تعالى، فقد قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه " الأذكار" :
"فصل : اعلم أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ للّه تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ للّه تعالى، كذا قاله سعيدُ بن جُبير رضي اللّه عنه وغيره من العلماء، وقال عطاء رحمه اللّه : مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا".

النصيحة (11): احذر من تقسيم العلم إلى مسائل للعلماء وفضائل للعوام
احذر أخي التبليغي بارك الله فيك! من قولهم (إن علم الدين ينقسم إلى علم مسائل وعلم فضائل، وأن المسائل للعلماء والفضائل للعوام) فإن في هذا الكلام خللا واضحا، إذ إن العلماء اتفقوا على أن كل مسلم يجب عليه أن يطلب ما يحتاج إليه من العلم، أي من علم المسائل كأن يتعلم معنى (لا إله إلا الله) ويعرف التوحيد والإيمان والإسلام ويتعلم كيف يعبد ربه من صلاة وصيام ونحو ذلك، ويتعلم ما يحتاج إليه من أحكام المعاملات من بيع وشراء ونحو ذلك .
فإن ترك تعلم شيء مما يحتاج إليه من أمر دينه كان آثما .

قال حافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله في كتابه "جامع بيان العلم
وفضله" (1 / 30) :
"قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع، واختلفوا في تلخيص ذلك، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه ..... ثم سائر العلم، وطلبه والتفقه فيه وتعليم الناس إياه، وفتواهم به في مصالح دينهم ودنياهم والحكم به بينهم فرض على الكفاية، يلزم الجميع فرضه، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه لا خلاف بين العلماء في ذلك " انتهى كلام ابن عبد البر.
فمن اقتصر على علم الفضائل دون علم المسائل، التي يحتاج إليها من أمر دينه لم يسلم من الإثم؛ لأنه يكون تاركا لما أوجب الله عليه.

والتوسع في العلوم الشرعية من تفسير وحديث ولغة ومصطلح وأصول فقه وفقه ونحو ذلك، هو من فروض الكفايات، واجب على الأمة أن تعمل لإيجاد القدر الكافي من العلماء في هذا المجال، وإلا كانت آثمة عاصية عند ربها لتركها ما أوجب الله عليها.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "طلب العلم فريضة على كل
مسلم" . [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
اللهم زدنا علما، اللهم إنا نسألك علما نافعا، ونعوذ بك من علم لا
ينفع !


النصيحة (12) : التحذير من القاعدة التالية : "لا نتكلم في خروجنا في الفقهيات والخلافيات والجماعات الأخرى".

النصيحة لك أخي التبليغي، أن لا تأخذ بهذه القاعدة لمخالفتها للشرع، لكونها متضمنة لترك ما شرع الله وأوجب، فإن الكلام في الفقه داخل في طلب العلم والمذاكرة فيه والدلالة على الخير، فكيف نترك الكلام فيه ؟! .
والمسائل الخلافية لم يأمرنا الله أن نتركها، ولكن أمرنا أن نرجع فيها إلى الكتاب والسنة، بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59] ،
واجتناب التحدث في المسائل الخلافية في هذا الوقت، يعني ترك الكلام في جل تعاليم الإسلام أو كلها ؛لأن الخلاف في هذا الزمن وصل إلى كل شيء من أصول الدين وفروعه، فلا خلاص للمسلم بترك المسائل الخلافية، ولكن الخلاص له بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما اختلف فيه الناس، وسيجد فيها الهداية والكفاية .
وأما الكلام في الجماعات الأخرى، فلا يجوز تركه مطلقا؛ لأن الكلام فيها إن كان بعلم وإنصاف، فهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه حماية الإسلام من أن يدخل فيه ما ليس منه، وترك الكلام في ذلك يتنافى مع النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم.
قال تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104] .
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » رواه مسلم .
والله أعلم ومنه نستمد الهداية والعون إنه كريم منان !





النصيحة (13): احذر من إنكار طلب الدليل
إن الله سبحانه أمرنا عند الاختلاف بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فالرجوع إلى الكتاب والسنة في كل مسألة اختلف فيها الناس هو السبيل الموصل إلى الحق ووحدة المسلمين.
ولو بقي كل مسلم قد خالف أخاه المسلم في مسألة أو أصل على ما هو عليه، دون أن يرجع إلى الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة بفهم السلف الصالح، لأدى ذلك إلى ازدياد الفرقة والخلاف والعداوة بين الطوائف الإسلامية واستقرارها. ولما تمكن أحد أن يعرف الحق ويصل إليه، والله سبحانه قد بين أن كل ما يُدّعى إذا لم يكن البرهان دالا عليه، فلا يكون صدقا ولا حقا حين قال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة : 111] .
فإنكار الرجوع إلى الدليل وعد ذلك باطلا أو خطأ، يترتب عليه التخبط في الظلمات، وأن يسير المسلم في طريق مظلم لا يوصل إلى الله.
فبالله عليك إن لم نعرف الحق من خلال الدليل، ولم نتحاكم إليه ويكن هو مرجعنا، فكيف نعرف الحق وكيف نهتدي إلى الصواب.
إن الله سبحانه إنما أنزل كتابه ليكون حاكما بين الناس، ومرجعا لهم فيما اختلفوا فيه .
ولو رجع كل فرد من أي ملة أو طائفة إلى الدليل الصحيح، لوصل إلى الحق واتضح له الصواب ، أما أن يكون مرجع الإنسان هواه وما يصور لنفسه ويتخيله بعقله، فهذا لا يوصل إلى الله ومرضاته.

وعدم الرجوع إلى الدليل، يعني أن نقبل كل دعوى يدعيها إنسان بدون بينة، وهذا أمر ظاهر الفساد، فإن الدعوى لا يعجز عنها أحد، وإنما يتميز الحق من الباطل من خلال الأدلة الصحيحة.
نسأل الله أن ينور بصائرنا ويهدي قلوبنا !


النصيحة ( 14): التحذير من الاقتصار على كتب محددة دون غيرها
احذر أخي التبليغي جمعني الله وإياك في جنته في دار كرامته! من الاقتصار على بعض الكتب والانحصار فيها، فإنك إن اقتصرت على ((رياض الصالحين)) ،و ((حياة الصحابة)) ، و(( تبليغي نصاب)) فاتك من الخير غير قليل، وضاع عليك مما يجب عليك تعلمه الشيء الكثير، مع أن هذه الكتب باستثناء ((رياض الصالحين)) ، مشتملة على مالا يعتمد عليه لضعفه بالنسبة لـ((حياة الصحابة)) ، أو لمخالفته للقرآن والسنة أيضا كـ((تبليغي نصاب)) .
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (1 / 259) :
"وقال {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون : 53]، والزبر الكتب، أي كل فرقة صنفوا كتبا أخذوا بها وعملوا بها ودعوا إليها دون كتب الآخرين، كما هو الواقع سواء" انتهى كلامه.
وقال الشيخ سعد الحصين حفظه الله في رسالته " الدعوة إلى الله في
جزيرة العرب" (ص71) :
"وعلى سبيل المثال فإن كتاب تبليغي نصاب، وهو الكتاب الوحيد لغير العرب في منهج جماعة التبليغ، يضم إلى جانب الآية والحديث الصحيح والدعوة إلى الخير ما يأتي :
1- الحث على السفر إلى المدينة بقصد زيارة قبر النبي -صلى الله عليه
وسلم- بعد الحج بدليل :"من حج ولم يزرني فقد جفاني"
[تبليغي نصاب (فضائل الحج) محمد زكريا، (ص98)] .

2- الحث على التوجه لقبره -صلى الله عليه وسلم- بالدعاء الآتي : يا رسول الله أسألك الشفاعة. [تبليغي نصاب "فضائل الحج" (ص115)] .

3- صيغة السلام على العمرين رضي الله عنهما : (جئناكما نتوسل بكما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشفع لنا ويدعو لنا ربنا) [المصدر السابق : (ص117)] .

4- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج يده من قبره ليتمكن الشيخ أحمد الرفاعي (في القرن السادس الهجري) من تقبيلها على مرأى من تسعين ألف مسلم (ص131) .

5- أن الكعبة تذهب إلى بعض الصالحين في أماكنهم، (ص 88) .

6- صيغة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- : "اللهم صل على سيدنا محمد، بحر أنوارك ومعدن أسرارك ولسان حجتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك وطريق شريعتك المتلذذ بتوحيدك إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود عين أعيان خلقك المتقدم من نور ضيائك"
انتهى كلام الشيخ سعد الحصين حفظه الله .

نسأل الله أن يهدينا للصواب وأن يمسكنا بالسنة والكتاب حتى نلقاه !


النصيحة (15): التحذير من الخروج للخارج بدون فائدة، ومن الاجتماعات السنوية، ومن الاقتصار في الدعوة على المسلمين دون الكفار :
أنصحك أخي التبليغي نفع الله بك وأيدك وسددك ووفقك لكل خير، أن تترك الخروج إلى الخارج إذا كان لمجرد اجتماع عام لأفراد الجماعة يجتمعون فيه من شتى البلدان، وأن تقتصر في الخروج على بلدك والأماكن القريبة من حولك، وإن أردت أن تخرج للخارج فاخرج إلى أماكن ليس فيها من يدعوهم إلى الخير، ممن هم بحاجة حقيقية للدعوة، واحذر من الرأي المخالف لما كان عليه الرسل جميعا من ترك دعوة الكفار إلى الإسلام، والاقتصار في الدعوة فقط على المسلمين، بحجة أن المحافظة على رأس المال أولى من الحرص على الربح؛ لأن هذا رأي يصادم النصوص الكثيرة التي تحث على دعوة الكفار إلى الله تعالى، فلا يجوز أن نتركها بمثل هذه الأمثلة التي هي ليست مما يحتج بها في شرع الله ودينه، فالخروج ينبغي أن يكون مرتبطا بالحاجة والفائدة، أما أن يأتي الناس من باكستان إلى بلاد الشام مثلا، وأهل الشام يخرجون إلى باكستان، فهذا تضييع للمال والوقت بدون فائدة، فإنه كان بالإمكان أن يدعو الباكستانيون في أماكنهم، والشاميون في أماكنهم، أما هذا التبادل فلا حاجة إليه، أما إذا كان الخروج إلى الخارج من أجل حضور اجتماع عام لأفراد الطائفة، فهذا أيضا ليس بسديد؛ لأنه مما لا أصل له في الشرع، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في "لقاءات الباب المفتوح" (72 /10) :
"كما أن الذهاب إلى بلاد أخرى من بلاد العجم الباكستان أو غيرها لا نرى السفر إلى هناك، ولا نرى حجاً إلا إلى بيت الله الحرام، وهذا الاجتماع السنوي الذي يجتمع فيه ما يزيد على المليون، هذا شبه الحج وهذا لا نراه، ونرى أن جماعة التبليغ يكونون في أماكنهم يدعون إلى الله عز وجل في القرى والمدن، ونرى أيضاً أنه يلزم على طلبة العلم أن يخرجوا معهم لتعديل منهجهم، وإصلاح ما هم عليه من الأخطاء التي قد تكون من كل أحد من الناس، فأنا لست من الذين يذمونهم ذماً مطلقاً، ولا من الذين يمدحونهم مدحاً مطلقاً، لكني أرى أن في القوم خيراً، وأن الله نفع بهم نفعاً كبيراً، ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن أحداً من الناس أثر ولا سيما في العامة مثل ما أثر هؤلاء".
وقال رحمه الله أيضا في "لقاءات الباب المفتوح" (18 / 26) :" لكن مجرد الاجتماع في وقتٍ معين في مكان معين بهذه الكثرة كأنها عيد يتكرر أو كأنه موسم حج، ومجرد وقوع هذا الأمر لا نعلم له أصلاً من الشرع، لا في زمن الخلفاء الراشدين ولا من جاء بعدهم".
انتهى كلامه رحمه الله .

ما أجمل أن يكون الإنسان متجردا للحق لا يتعصب لشيء سوى الكتاب والسنة، ليس له قصد إلا اتباع الحق، وأن يدور مع الدليل حيث دار، فيكون منشرح الصدر مطمئن الفؤاد بما من الله عليه من السير على صراطه المستقيم واتباع نهجه القويم، نسأل الله أن يجعلنا جميعا منهم بمنه وفضله، فإنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له .


النصيحة (16): التحذير من الاعتكاف الأسبوعي
أنصحك أخي التبليغي - هداني الله وإياك للحق- أن تترك الاعتكاف الأسبوعي لكونه بدعة.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال :
"الاعتكاف الأسبوعي كل خميس في مراكزهم بدليل قولهم أنه ورد حديث : "من اعتكف ليلة في بيت من بيوت الله باعد الله بينه وبين النار ثلاث خنادق ما بين الخندق والخندق مثل ما بين السماء والأرض؟"
فأجاب رحمه الله بقوله : "الاعتكاف كل خميس وليلة جمعة من البدعة لا شك في هذا، فإنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه كان يخصص يوم الخميس باعتكاف، بل ولا أنه اعتكف إلا في رمضان في العشر الأول ثم الأوسط يبتغي ليلة القدر، ثم قيل له : بل أعلم عليه الصلاة والسلام أنها في العشر الأواخر فصار يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ولم يعتكف في غير رمضان إلا سنة من السنين ترك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، ثم قضاه في شوال، ورخص لعمر بن الخطاب أن يوفي نذر اعتكاف يوم في المسجد الحرام، وأما الحديث الذي ذكره السائل فلا أعلمه صحيحا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- " انتهى. من "كشف الستار" لمحمد العريني (ص79) .


النصيحة (17): المواظبة على قراءة السور العشر الأخيرة من القرآن الكريم لم يرد .

أنصحك أخي التبليغي بارك الله فيك، أن لا تواظب على قراءة السور العشر الأخيرة من القرآن الكريم، في ما يسمى حلقات العلم لعدم ورود ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقد سئل الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال :
"خرجت مع بعض الدعاة وفقهم الله، فكان ترتيبهم في الخروج أن يكون بعض الوقت في حلقات للذكر، فكان من ترتيبهم في هذه الحلق أن يجتمع كل شخصين أو ثلاثة فيتذاكرون العشر السور الأخيرة من القرآن ثم التشهد، ثم الصلاة الإبراهيمية، فما حكم المواظبة على هذا العمل بهذه الطريقة غالبا على وجه التقرب إلى الله ؟"

فأجاب رحمه الله بقوله : "العبادات توقيفية، فلا يجوز للإنسان أن يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله؛ لأن الله تعالى أنكر على الذين يتبعون ما شرع لهم من دون الله ورسوله فقال : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)} [الشورى : 21] .
والعبادات توقيفية في جنسها وقدرها وصفاتها وزمانها ومكانها وسببها، فلا بد أن تكون العبادة مطابقة للشرع في هذه الأمور، وما ذكر السائل من هذا الترتيب لذكر الله عز وجل وقراءة القرآن يحتاج إلى توقيف، فإن كان واردا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلى العين والرأس، وإن كان غير وارد ففيما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كفاية وغنى، ولا أعلم أنه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل هذا الترتيب للذكر وقراءة القرآن، وعلى هذا فإني أنصح إخواني القائمين بذلك أن يدعوا هذا العمل إلى العمل المشروع الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فإن ذلك أولى لهم وأحسن عاقبة ومآلا ".
انتهى من"كشف الستار" (ص 70) .


النصيحة (18): حلق الرأس ليس سنة :
انتبه أخي التبليغي حفظك الله وأيدك بروح من عنده، إلى أن من البدع حلق الرأس تعبدا، فإن حلق الرأس لو كان من السنة لغير التحلل من حج أو عمرة لما جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من سيما الخوارج، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ" . قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ . قَالَ "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ " التَّسْبِيدُ " . رواه البخاري.

وقال شيخ الإسلام في كتابه "الاستقامة" (1 / 255-258) :
"وقيل لأبي بكر بن عياش، يا أبا بكر من السني قال الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها، وهذا أصل عظيم من أصول سبيل الله، وطريقه يجب الاعتناء به، وذلك أن كثيرا من الأفعال قد يكون مباحا في الشريعة أو مكروها أو متنازعا في إباحته وكراهته، وربما كان محرما أو متنازعا في تحريمه، فتستحبه طائفة من الناس يفعلونه على أنه حسن مستحب ودين وطريق يتقربون به، حتى يعدون من يفعل ذلك أفضل ممن لا يفعله، وربما جعلوا ذلك من لوازم طريقتهم إلى الله، أو جعلوه شعار الصالحين وأولياء الله، ويكون ذلك خطأ وضلالا وابتداع دين لم يأذن به الله، مثال ذلك حلق الرأس في غير الحج والعمرة لغير عذر، فإن الله قد ذكر في كتابه حلق الرأس وتقصيره في النسك، وذكر حلقه لعذر في قوله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة : 196] .

وأما حلقه لغير ذلك فقد تنازع العلماء في إباحته وكراهته نزاعا معروفا على قولين هما روايتان عن أحمد، ولا نزاع بين علماء المسلمين وأئمة الدين أن ذلك لا يشرع ولا يستحب ولا هو من سبيل الله وطريقه ولا من الزهد المشروع للمسلمين ولا مما أثنى الله به على أحد من الفقراء، ومع هذا فقد اتخذه طوائف من النساك الفقراء والصوفية دينا حتى جعلوه شعارا وعلامة على أهل الدين والنسك والخير والتوبة والسلوك إلى الله المشير إلى الفقر والصوفية، حتى أن من لم يفعل ذلك يكون منقوصا عندهم خارجا عن الطريقة المفضلة المحمودة عندهم، ومن فعل ذلك دخل في هديهم وطريقهم، وهذا ضلال عن طريق الله وسبيله باتفاق المسلمين، واتخاذ ذلك دينا وشعارا لأهل الدين من أسباب تبديل الدين، بل جعله علامة على المروق من الدين أقرب، فإن الذي يكرهه وإن فعله صاحبه عادة لا عبادة، يحتج بأنه من سيماء الخوارج المارقين، الذين جاءت الأحاديث الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذمهم من غير وجه وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- :" سيماهم التحليق" فإذا كان هذا سيماء أولئك المارقين، وفي المسند والسنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم" كان هذا على بعده من شعار أهل الدين أولى من العكس، ولهذا لما جاء صبيغ بن عسل التميمي إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وسأله من المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وضربه ضربا عظيما كشف رأسه فوجده ذا ضفيرتين، فقال لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك؛ لأنه لو وجده محلوقا استدل بذلك على أنه من الخوارج المارقين، وكان يقتله لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتالهم وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في صفتهم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية ."انتهى كلام شيخ الإسلام .

النصيحة (19): العمامة ليست سنة على الأرجح

الأصح في العمامة أنها من سنن العادة لا العبادة؛ لأنه ليس عندنا دليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبسها تقربا إلى الله، بل الظاهر أنه كان يلبسها اتباعا لعادة قومه، فلو لم يلبسوها ما لبسها، لذلك لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمامة، ولا حث عليها، ولم يصح فيها سوى الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- وفعله -صلى الله عليه وسلم- في باب العادات الأصل فيه الجواز، فلا نخرج عن الجواز فيه إلى الاستحباب، أو الوجوب إلا بدليل .
واللابس للعمامة الآن اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كنا لا نشدد عليه لكون المسألة خلافية، ولكن نوجهه إلى القول الأرجح في المسألة هو يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في فعله، ولكنه نسي أنه مخالف للنبي -صلى الله عليه وسلم- في قصده، إذ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يظهر لم يكن يقصد بها القربى إلى الله، وإنما قصد بها العادة، واللابس لها الآن يقصد بلبسها نيل الثواب والأجر لكونه يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فاختلف القصد .
والمطلوب هو موافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في فعله مع قصده، لا في
فعله مجردا عن قصده .
والطريق إلى موافقته -صلى الله عليه وسلم- في فعله وقصده، هو اتباع عادة الناس فيما لا يخالف الشرع .
فمن وافق عادة الناس في لباسه فيما لا يخالف الشرع يكون متأسيا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- موافقا له في فعله وقصده .
ثم إننا نجد الذين يلبسون العمامة قاصدين نيل الثواب في ذلك، مخالفين
لعادة الناس في بلادهم، قد تناقضوا إذ إنهم اعتقدوا استحباب لبس العمامة للبس النبي -صلى الله عليه وسلم- إياها، في حين أنهم لم يلبسوا الإزار والرداء والنعال السبتية ولم يطولوا الشعر ولم يحملوا العصا ولم يحلوا الأزرار ولم يلبسوا الخاتم اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يركبوا الحمار والناقة مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ركبها ولا ينامون على الحصير مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نام عليه .
فإذا كانت العمامة سنة مستحبة لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- إياها، فهذه الأمور أيضا قد فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ،فمن اقتصر على العمامة دونها وقع في التناقض وعدم التزام ما التزم به .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط" (ص 423) :
" التأسي به في صورة الفعل الذي فعله من غير أن يعلم قصده فيه، أو مع عدم السبب الذي فعله، فهذا فيه نزاع مشهور، وابن عمر مع طائفة يقولون بأحد القولين، وغيرهم يخالفهم في ذلك، والغالب والمعروف عن المهاجرين والأنصار أنهم لم يكونوا يفعلون كفعل ابن عمر رضي الله عنهما" انتهى .

وجاء في "لقاءات الباب المفتوح" (160 / 23) للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما يلي :
"السؤال: لبس العمامة هل هي سنة ثبتت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟
الشيخ: لا، لباس العمامة ليس بسنة، لكنه عادة، والسنة لكل إنسان أن يلبس ما يلبسه الناس ما لم يكن محرماً بذاته، وإنما قلنا هذا؛ لأنه لو لبس خلاف ما يعتاده الناس لكان ذلك شهرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لباس الشهرة، فإذا كنا في بلد يلبسون العمائم لبسنا العمائم، وإذا كنا في بلد لا يلبسونها لم نلبسها، وأظن أن بلاد المسلمين اليوم تختلف، ففي بعض البلاد الأكثر فيها لبس العمائم، وفي بعض البلاد بالعكس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس العمامة؛ لأنها معتادة في عهده، ولهذا لم يأمر بها بل نهى عن لباس الشهرة مفيداً إلى أن السنة في اللباس أن يتبع الإنسان ما كان الناس يعتادونه، إلا أن يكون محرماً، فلو فرضنا أن الناس صاروا يعتادون لباس الحرير وهم رجال قلنا: هذا حرام ولا نوافقهم، ولو كنا في بلد اعتاد الرجال أن يلبسوا اللباس النازل عن الكعبين قلنا: هذا حرام ولا نوافقهم" انتهى. والله تعالى أعلم .


النصيحة (20) : التحذير من بعض البدع :

احذر أخي التبليغي المحب لاتباع السنة واجتناب البدعة - بارك الله فيك- من البدع التالية :
*المواظبة على الدعاء جهرا من قبل فرد وتأمين الآخرين قبل الجولة؛ لعدم وروده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضوان الله عليهم .

* ترك شخص على الذكر عند الخروج إلى الجولة، واعتقاد أن لذكره أثرا في نجاح الدعوة .

* ترك زيارة الأقارب أثناء الخروج حين السفر إلى بلد يقطنون فيه،
وهذا مع كونه لا دليل عليه، فهو ينافي صلة الرحم التي جاءت النصوص تأمر بها وتحذر مما ينافيها .

* أن تجعل من أذكار الصباح والمساء الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة مرة، ومن أذكار المساء الاستغفار مائة مرة، لعدم الدليل عليه، والاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من أفضل العبادات وأحسن الأقوال، ولكن تحديد وقت وعدد لعبادة لا يجوز أن يكون إلا ممن له الحق في التشريع للعباد، فإنه كما لا تصح العبادة إلا لله لا يصح أن يعبد الله سبحانه إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفي صحيح الذكر النبوي ما يغني عن ضعيفه وما لا أصل له .


النصيحة (21): آداب لا مستند لها

أنصحك أخي التبليغي وفقك الله، أن لا تأخذ من آداب الطعام والنوم ونحو ذلك كل ما تسمع حتى تعلم مستنده من الأدلة الشرعية، ومن أمثلة ذلك :
*أنه يذكر في بعض كتب الفقه استحباب الجلوس في الأكل على الرجل اليسرى ونصب اليمنى، ولكن الحديث المروي في هذه الجلسة ضعيف، فقد جاء في "المغني عن حمل الأسفار " (3 /293) للحافظ العراقي :
"وروى أبو الحسن بن المقري في الشمائل من حديثه "كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى، ثم قال إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأفعل كما يفعل العبد" وإسناده ضعيف" انتهى.

*وكذلك النهي عن توجيه القدمين إلى القبلة، وإن كان يقول به بعض الفقهاء ولكن لا دليل عليه، واعتقاد أنه ينافي تعظيم القبلة أو أن فيه امتهانا لها، لا أصل له ولا صحة له والأصل الإباحة. والتحريم أو الكراهة من الأحكام الشرعية التي لا تؤخذ إلا من الأدلة الشرعية الصحيحة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : "ليس على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه اتجاه الكعبة، بل إن الفقهاء رحمهم الله يقولون : إن المريض الذي لا يستطيع القيام ولا القعود يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة" ، فتاوى ابن عثيمين (2 / 976) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين عن وضع الرجلين باتجاه القبلة عند النوم فقال : ليس على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه في اتجاه القبلة .
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2 / 976) انتهى .

*وكذلك النهي عن النوم بعد العصر ليس فيه حديث صحيح ،
قال الحافظ ابن الجوزي في "الموضوعات" (3 /69) :
"عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه".
هذا حديث لا يصح" انتهى .
وجاء في "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (4 / 145) :
"ثنا أبو عروبة ثنا بن مصفى ثنا مروان قلت لليث بن سعد ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان، يا أبا الحارث مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه، قال الليث لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل" .


النصيحة (22): الحذر من الاقتصار على جزء من الدين وترك أجزاء أخرى
قد حذر الله سبحانه من الاقتصار على الأخذ بجزء من الدين مع ترك أجزاء أخرى قال تعالى :
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة : 14] .
وقال تعالى : {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 85] .
وأمر الله سبحانه بالأخذ بشرائع الإسلام على سبيل الشمول فقال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة : 208] .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذه الآية الكريمة :
"يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك" انتهى .
فالواجب الأخذ بجميع ما أنزل الله على رسوله، وأن يجعل المسلم لكل حكم شرعي ما جعله الله له بدون زيادة ولا نقصان، فالحذر والتحذير من الشرك يجب أن يكون أشد من الحذر والتحذير من المعاصي، والكبائر أشد من الصغائر، والعناية بالتوحيد أكثر من العناية بالطاعات مما هو دونه، والعناية بالواجبات أكثر من المستحبات، فالواجب على الداعي إلى الله سبحانه أن يدعو إلى الإسلام كله لا يترك شيئا منه بحسب علمه وقدرته، والكلام في الدعوة إلى الله لا يجوز أن يكون محصورا ببعض شرائع الإسلام مع إهمال شرائع أخرى، فكما أن الله سبحانه شرع لنا الخشوع في الصلاة شرع للصلاة أركانا وواجبات ومستحبات غير الخشوع، فلا يجوز الاقتصار على الخشوع دونها فقد قال -صلى الله عليه وسلم- : "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري.
فالمشروع أن نصلي كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة تامة بأركانها وواجباتها ومستحباتها، والذي شرع إكرام المسلمين هو الذي شرع طلب العلم وترك الكلام عليه بغير علم والنهي عن المنكر وتأدية الزكاة والحج وغير ذلك من الشرائع الكثيرة، والدعوة إلى الله كما تكون للغافلين بالموعظة الحسنة تكون للمستجيبين بالدليل من الكتاب والسنة، وتكون للمنكرين والمعرضين بالجدال بالتي هي أحسن كما قال تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125] .
قال الحافظ ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1 / 78) :
"والدعوة الى الله بالحكمة للمستجيبين، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين" .

فالدعوة إلى الله تعالى لا يجوز أن تكون محصورة عند أهل الإسلام بدعوة الغافلين بالموعظة مع ترك دعوة المعاندين والمعارضين بالمجادلة بالتي هي أحسن وتزييف شبهاتهم ورد أباطيلهم، ودعوة المستجيبين بتعليمهم أحكام دينهم وردهم إلى الكتاب والسنة في كل ما تنازع فيه الناس وإقناعهم بالأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة .
فكما أن المسلم يحرص على دعوة تارك الصلاة من أجل أن يصلي فعليه أن يحرص على دعوة كل مبتدع لترك بدعته واتباع الكتاب والسنة، ودعوة كل من خالف الكتاب والسنة في مسألة فقهية أو عقائدية للرجوع إلى الكتاب والسنة، وأن يزيل شبهته إن وجدت ويقيم الحجة عليه من كتاب الله وسنة نبيه بفهم سلف هذه الأمة المشهود لهم بالفضل والخيرية .
بل وعليه أيضا أن يدعو الكفار إلى الإسلام ويبين لهم بطلان ما هم عليه من الكفر والشرك بالطرق المقنعة ويقيم لهم الأدلة والبراهين على صحة الإسلام وصدق ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند ربه .
ومن الدعوة إلى الله إفتاء الناس بالكتاب والسنة وآثار الصحابة وعدم تركهم تتخطفهم فتاوى أهل البدع والضلال المنحرفة عن الحق.
ومما شرعه الله تعالى نصرة دينه والذب عن حياضه بتصفيته من الشوائب التي أدخلت فيه وليست منه، من أحاديث لم تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفتاوى منحرفة عن الكتاب والسنة مجانبة للصواب، وعقائد مناقضة لما أنزل الله على رسوله من الحق والهدى .

فالحاصل الواجب هو اتباع شرائع الإسلام كافة، وعدم الاقتصار على جزء منها .
وأنت أخي التبليغي حري أن تكون أذنا صاغية لذلك بما عهدناه عنك من محبة لمعرفة الحق واتباعه، فوالله ما أكتب لك هذه النصائح إلا محبة للخير لك كمحبتك الخير للناس حين تقوم بدعوتهم أو أكثر، أسأل الله أن يوفقني وإياك لاتباع الحق حيثما كان، والدوران معه حيثما دار إنه ولي ذلك والقادر عليه .


النصيحة (23): التحذير من إنكار تأثير الأسباب بإذن الله

انتبه أخي التبليغي وفقنا الله جميعا لاتباع الحق، إلى خطأ من يكرر تلك العبارة المأخوذة من العقيدة الأشعرية مع مخالفتها للكتاب والسنة والسلف، وهي أن النار لا تحرق والسكين لا تقطع ولكن الله سبحانه يخلق الإحراق عند النار لا بها والقطع عند السكين لا بها،
قال الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي في كتاب "مجمل اعتقاد أئمة السلف" :
"تأثير الأسباب الطبيعيّة في مسبباتها بإذن الله :
إِن الله يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء بالسحاب، ويُنْبِتُ النباتَ بالماء، ونحو ذلك.
والقولُ بأن الله يَفْعَلُ عند الأسباب لا بِها يُفضي إلى إِبطال حِكمةِ الله في خلقه، وأنه لم يجعل في العين قوةَ تمتاز بها عن الخدِّ تُبصِرُ بها، ولا في النار قوةً تمتازُ بها عن التراب تَحْرِقُ بها، فضلًا عمَّا في هذا القول من
مخالفةٍ للكتاب والسنة، فإِن الله تعالى يقول :
{فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف : 57] ،
ويقول : {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا} [البقرة : 164] ،
ويقول : {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة : 14] ،
ويقول : {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة : 52] ،
ويقول : {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ
الْحَصِيدِ} [ ق : 9] ،ويقول : {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة : 15-16] ،
ومثل هذا في القرآن كثير، وكذلك في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله : « لا يموتن أحدٌ منكم إِلا آذَنْتُمونيِ حتى أُصلِّي عليه، فإِنَّ الله جاعلٌ بصلاتي عليه بركةً ورحمة » [ أخرجه النسائي وابن ماجه ] .
وقال -صلى الله عليه وسلم- : « إِن هذه القبور مملوءةٌ على أهلها ظُلْمَةً، وإِنَّ الله جاعلٌ بصلاتي عليهم نورًا » . [ أخرجه البخاري بنحوه وأخرجه مسلم واللفظ له ].
فالله سبحانه خلق الأسباب والمسببات وجعل هذا سببًا لهذا، فإِذا قال القائل : إِن كان مقدورًا، حصل بدون السبب، وإِلا لم يحصل
جوابه أنه مقدورٌ بالسبب، وليس مقدورًا بدون السبب .
وقولهم : إِن الله تعالى أجرى العادة بهذه الأسباب، وأنه ليس لها تأثير في المسببات بإِذنه !!! قولٌ بعيدٌ جدًا عن مُقْتَضى الحكمة، بل هو مُبطلٌ لها؛ لأنَّ المسببات إِنْ كان يمكن أن تُوجَدَ من غير هذه الأسباب، فأي حكمةٍ في وجودها عن هذه الأسباب" انتهى .


النصيحة (24): الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله ولا الإيمان بقدره

إن الله سبحانه قدر المسببات بأسبابها فهو خالق السبب وما ينتج عنه وذلك كله من قدره سبحانه، فهو سبحانه الذي قدر أن يكون الشفاء من الأمراض بأدويتها، وحصول الرزق بطلبه، ودخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح، وطول العمر بصلة الرحم والدعاء والمحافظة على الصحة وفعل البر ونحو ذلك . فكل سبب علمنا أن الله سبحانه جعله سببا لشيء من خلال شرعه في الأمور الشرعية ومن خلال التجربة والحس في الأمور المادية الدنيوية، فإنما يكون نفعه وتحقق نتيجته بإذن الله سبحانه وقدره، فالأخذ بالأسباب المباحة لا ينافي التوكل على الله ولا الإيمان بقضائه وقدره، بل من ترك الأخذ بالأسباب فهو الذي يخدش إيمانه بقدر الله؛ لأن الأسباب مما قدره الله وقضاه .
إلا أنه لا يجوز للمسلم أن يعتمد على الأسباب؛ لأنها لا تؤثر بنفسها وإنما تؤثر بإذن الله، فإن حصول المقصود من السبب إنما يكون بمشيئة الله تعالى، وكم من إنسان يأخذ بالسبب ولا يتحقق له مقصوده !!.
فالمؤمن بالقدر حقا يأخذ بالأسباب ولكن مع عدم الاعتماد عليها وتعلق القلب بها، إنما يكون اعتماده على الله سبحانه في الوصول إلى مقصود تلك الأسباب والحصول على نتائجها؛ لأنه هو سبحانه مسبب الأسباب وكل شيء بيده وتحت ملكه وسلطانه .
إن أولئك الذين يتركون الأخذ بالأسباب بحجة قوة إيمانهم بقضاء الله وقدره قد جانبوا الصواب وخالفوا السنة والكتاب، فإن النصوص من القرآن والسنة التي توجه للأخذ بالأسباب كثيرة متظاهرة، منها قوله
تعالى :
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل : 20] ،
وقال سبحانه : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك : 15] ،
وقال -أيضا- جل شأنه :
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال : 60] ،
بل إن النصوص تبرز لنا أن الشيء قد يكون مكتوبا في الصحف ثم
يتغير لسبب من الأسباب كالدعاء وصلة الرحم ، قال تعالى :
{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد : 39] .

وعن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا
يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر" .
[ رواه الترمذي وحسنه الألباني ]
وعن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" متفق عليه .
معنى ينسأ له في أثره : يؤخر له في أجله .
ولكن المحو من الصحف إنما يكون من الصحف التي عند الملائكة لا من اللوح المحفوظ، وأما علم الله فإنه لا يمكن أن يقع فيه اختلاف، فخذ أيها المسلم بالأسباب وأنت معتمد على رب الأرض والسموات .
فحري بك حينئذ أن تنال المطلوب وتنجو من المرهوب .

من خلال هذا البيان يتضح لك أخي التبليغي أحسن الله إليك، خطأ
ترك تحضير الدرس اعتمادا على الله وتوكلا عليه؛ لأن تحضير الدرس
هو من قبيل الأخذ بالأسباب ليكون الدرس على درجة عالية من الصحة والإتقان والبعد عن الخطأ والافتراء على الله والقول عليه بغير علم، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله والإيمان بقدره، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه .


النصيحة (25): التحذير من تكليف الجهال إلقاء البيانات والدروس

ينبغي لك أخي التبليغي أن تجعل البيان والدرس حتى ولو كان قراءة من كتاب ( رياض الصالحين ) مع بعض التعليق عليه على طلبة العلم لا على الجهال؛ لأن تكلم الجاهل في الناس مبينا ومدرسا فيه مخاطر لا تحمد عقباها، فهو لا يحسن قراءة الآية إذا قرأها فضلا عن توضيحها،ولا يميز صحيح الحديث من ضعيفه بل قد ينقل كلاما لا صلة له برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناسبا إياه له، والقول على الله بغير علم والافتراء عليه الكذب من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، مع ما يترتب على ذلك من ترويج فاسد الأقاويل والجهالات المتنوعة بين الناس، وحذار أن تظن أن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- : "بلغوا عني ولو آية".رواه البخاري.
أن يقوم أي شخص من الناس مبينا في الناس على هذا الوجه، ولكن المقصود بالحديث أن يبلغ الإنسان ما يعلم من الكتاب والسنة بعد حصوله له على وجه الإتقان والمعرفة الصحيحة، لا أن يبلغ شيئا لا يحسن قراءته فضلا عن شرحه وتوضيحه، أو أن يفسره تفسيرا لا يقوم على أسس علمية، وإنما هو أوهام عوام وتخبطات الجهال .
قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : 108] .
قال الإمام البغوي في تفسيره (4 / 284) :
"{ قُلْ } يا محمد، { هَذِه } الدعوة التي أدعُو إليها والطريقة التي أنا عليها، { سَبِيلِي } سُنَّتي ومنهاجي.
وقال مقاتل : ديني، نظيره قوله:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل : 125] ،
أي: إلى دينه. {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة } على يقين. والبصيرة : هي المعرفة التي تُمِّيزُ بها بين الحق والباطل" .
وقال الإمام السعدي في تفسيره (1 / 406) :
"{ عَلَى بَصِيرَةٍ } من ديني، أي : على علم ويقين من غير شك ولا
امتراء ولا مرية" .
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (1 / 21) :
"ولكن لا يمكن أن تتم الدعوة إلا بعلم الإنسان بما يدعو إليه؛ لأن
الجاهل قد يدعو إلى شيء يظنه حقاً وهو باطل، وقد ينهى عن شيء
يظنه باطلاً وهو حق، فلا بد من العلم أولاً فيتعلم الإنسان ما يدعو إليه.
وسواء كان عالماً متبحراً فاهماً في جميع أبواب العلم، أو كان عالماً في نفس المسألة التي يدعو إليها، فليس بشرط أن يكون الإنسان عالماً متبحراً في كل شيء، بل لنفرض أنك تريد أن تدعو الناس إلى إقام الصلاة، فإذا فقهت أحكام الصلاة وعرفتها جيداً فادع إليها ولو كنت لا تعرف غيرها من أبواب العلم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :
(بلغوا عني ولو آية) ولكن لا يجوز أن تدعو بلا علم أبدا؛ لأن ذلك فيه خطر؛ خطر عليك أنت، خطر على غيرك، أما خطره عليك فلأن الله حرم عليك أن تقول على الله ما لا تعلم، قال الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 33] ، وقال تعالى : {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم} [الإسراء : 36] ، أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فإنك مسؤول عن ذلك، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]" انتهى .


النصيحة (26): التحذير من اللحن في القرآن والحديث

احذر أخي المسلم التبليغي حفظك الله، من قراءة أحاديث من (رياض الصالحين) على الناس مع عدم صحة القراءة والخطأ في الحركات أو الحروف لما يترتب على ذلك من تغيير المعنى أحيانا، وأن تنسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله.

قال الإمام النووي -رحمه الله- في "التقريب " ( ص15) :
"وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق".
وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في "الباعث الحثيث في اختصار
علوم الحديث" (ص19) :
"ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية ، قال الأصمعي :
( أخشى عليه إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن" فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه".


النصيحة (27): رواية الحديث بالمعنى لها شروط يجب الالتزام بها:
أنصحك أخي التبليغي حفظك الله، إن لم تكن طالب علم قوي أن لا تنقل الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس وتحدثهم به بمعناه؛ لأن نقل الحديث بالمعنى لا يصح إلا بشروط لا تتوفر عادة في غير أهل العلم وطلبته المبرزين، وهذا يؤكد لك أن البيان أو الدرس ينبغي أن لا يجعل على غير طلبة العلم .
قال الإمام النووي -رحمه الله- في "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" (ص15) :
"إن لم يكن عالما بالألفاظ ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه، فإن كان عالماً بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه، والأصول، لا تجوز إلا بلفظه، وجوز بعضهم في غير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجوز فيه، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف : يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير مصنف وإن كان بمعناه والله أعلم، وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه : أو كما قال أو نحوه، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ . وإذا اشتبه على القارئ لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك أو كما قال، لتضمنه إجازة وإذناً في صوابها إذا بان، والله أعلم" .


النصيحة (28): التحذير من التحديث بما لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث :
أنصحك أخي التبليغي، أن تتأكد من صحة أي حديث تريد أن تحدث به الناس قبل بثه ونشره بينهم، حذرا من أن يشملك وعيد الأحاديث التالية :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " . رواه مسلم
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ". رواه مسلم
وعن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" .
[ أخرجه ابن حبان وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ]
قال الحافظ ابن حبان في صحيحه (1 /210) :
"ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو غير عالم بصحته" ثم روى قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" انتهى .
وقال الحافظ ابن حبان -أيضا- في "المجروحين" (1 / 7) :
"عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" في هذا الخبر دليل على صحة ما ذكرنا أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مما تقول عليه، وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد من هذا وذاك أنه قال - صلى الله عليه وسلم- : "من روى عنى حديثا وهو يرى أنه كذب" ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب. فكل شاك فيما يرفع أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر" انتهى .

وقال المناوي في "فيض القدير" (6 / 116) :
"(يرى) بضم ففتح يظن وبفتحتين ذكره بعضهم (فهو أحد الكاذبين) بصيغة الجمع باعتبار كثرة النقلة وبالتثنية باعتبار المفتري والناقل عنه والأول كما في الديباج أشهر، فليس لراوي حديث أن يقول قال الرسول إلا إن علم صحته، ويقول في الضعيف روي أو بلغنا فإن روى ما علم أو ظن وضعه ولم يبين حاله أيدرج في جملة الكذابين؛ لإعانته المفتري على نشر فريته، فيشاركه في الإثم كمن أعان ظالما، ولهذا كان بعض التابعين يهاب الرفع ويوقف قائلا الكذب على الصحابي أهون"
انتهى مختصرا .

ولا تظنن أن ما يذكره بعض العلماء بأن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال يسوغ لك نقل الأحاديث النبوية للناس بدون تثبت وتأكد من صحتها؛ لأنك إذا رويت الحديث الضعيف عند
العلماء لا بد أن تذكره بصيغة التمريض .
قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته (ص19) :
"إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا و كذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك . وإنما تقول فيه روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه أو جاء عنه أو روى بعضهم أو ما أشبه ذلك . وهذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول "قال رسول -صلى الله عليه وسلم-" فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحنا أولاً، والله أعلم" .
وقال الحافظ النووي في المجموع (1 / 63) :
"صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح، وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه، وهذا الأدب أخل به المصنف وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بل جماهير أصحاب العلوم مطلقا ما عدا حذاق المحدثين وذلك تساهل قبيح" انتهى .
وفي الحقيقة لا يصلح الاكتفاء بذكر الحديث الضعيف بصيغة التمريض عند العوام الذين لا يفهمون مغزاها ولا المقصود منها، فلا بد أن تصرح بضعف الحديث إذا ما نقلته إليهم .
قال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني في تمام المنة (ص40) :
"إذا كان من المسلم به شرعا أنه ينبغي مخاطبة الناس بما يفهمون ما أمكن، وكان الاصطلاح المذكور عن المحققين لا يعرفه أكثر الناس، فهم لا يفرقون بين قول القائل : "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " وقوله: "روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لقلة المشتغلين بعلم السنة، فإني أرى أنه لا بد من التصريح بصحة الحديث أو ضعفه؛ دفعا للإيهام كما يشير إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله : "دع ما يريبك إلى مالا يريبك" [ رواه النسائي والترمذي وهو مخرج في " إرواء الغليل (2074)" وغيره ]" انتهى كلام الألباني .
وقال الإمام أبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث"(ص 75): "ولكنه جرى في ذلك على عادة جماعة من أهل الأحاديث يتساهلون في أحاديث فضائل الأعمال، وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم وإلا دخل تحت الوعيد في قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" انتهى .

ثم إنك عليك أن تنتبه أن الحديث الذي تنقله للناس إذا كان ضعيفا أنه ليس موضوعا ولا شديد الضعف ولا يشتمل على حكم شرعي من الأحكام الخمسة ولا تعتقد أنت ثبوته، وكذلك عليك أن تنبه من يسمعك على ضعفه حتى لا يعتقد ثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1 / 250) :
"لا يجوز أن يعتمد فى الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله
حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، لكن إذا علم تحريمه وروي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب، جاز أن يرويه فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله، وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب، فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا، فأما أن يثبت شرعا لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم، ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال وإلى ضعيف خفيف لا يمنع من ذلك، وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفا ويحتج به، ولهذا مثل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما وهذا
مبسوط فى موضعه" .
وقال الإمام الشاطبي في "كتاب الاعتصام" (1 / 171) :
"فإذاً هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة ، فلا بد من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناءً على
قولهم : إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح والبدع المستدل عليها بغير الصحيح لا بد فيها من الزيادة على المشروعات كالتقييد بزمان أو عدد أو كيفية ما . فليزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو ناقض لما أسسه العلماء .
ولا يقال : إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط . لأنا نقول
هذا تحكم من غير دليل، بل الأحكام خمسة" .
وقال الشيخ علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"
(5 / 463) :
"الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد إجماعا، كما قاله النووي محله الفضائل الثابتة من كتاب أو سنة" .
وقد ذكر الحافظ السخاوي في آخر كتابه "القول البديع في فضل الصلاة على الحبيب الشفيع" عن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني أن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة :

1- الأول : متفق عليه أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه .

2- الثاني : أن يكون مندرجا تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث
لا يكون له أصل أصلا .

3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي -صلى الله عليه
وسلم- ما لم يقله. قال : والأخيران عن ابن عبد السلام وعن صاحبه
ابن دقيق العيد والأول نقل العلائي الاتفاق عليه .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته "تبيين العجب بما ورد في
شهر رجب" :
"ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة . وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر بذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال
فيظن أنه سنة صحيحة .
وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره .
وليحذر المرء من دخوله تحت قوله -صلى الله عليه وسلم- : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به .
ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع"انتهى.

فمن لم يلتزم بهذه الشروط لا يجوز له أن ينقل الحديث الضعيف للناس، ومن العلماء من لم يجز العمل بالحديث الضعيف مطلقا حتى ولو كان في فضائل الأعمال .

قال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني تغمده الله برحمته في كتابه "تمام المنة في التعليق على فقه السنة" (ص23) :
"القاعدة الثانية عشرة ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال اشتهر بين كثير من أهل العلم وطلابه، أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال .
ويظنون أنه لا خلاف في ذلك .كيف لا والنووي رحمه الله نقل الاتفاق عليه في أكثر من كتاب واحد من كتبه ؟ وفيما نقله نظر بين؛ لأن الخلاف في ذلك معروف، فإن بعض العلماء المحققين على أنه لا يعمل به مطلقا، لا في الأحكام ولا في الفضائل .
قال الشيخ القاسمي -رحمه الله- في "قواعد التحديث" (ص94) :
"حكاه ابن سيد الناس في "عيون الأثر" عن يحيى بن معين، ونسبه في "فتح المغيث" لأبي بكر بن العربي، والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا... وهو مذهب ابن حزم..." .
قلت : وهذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي لأمور : الأول : أن
الحديث الضعيف إنما يفيد الظن المرجوح، ولا يجوز العمل به اتفاقا،
فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضعيف في الفضائل لابد أن يأتي
بدليل، وهيهات ! ...إلخ " انتهى .
وفقنا الله جميعا لسلوك سبيله الموصل إلى مرضاته وجنته دار كرامته .



تمت بحمد الله











الفهرس

مقدمة الشيخ جلال السلمي ............................................... 2
مقدمة الشيخ أكرم زيادة .................................................. 3
مقدمة المؤلف .................................................. ............. 6
النصيحة (1): الخروج ليس بواجب بإجماع الأمة .......................... 8
النصيحة (2): ضرورة الدعوة إلى توحيد الألوهية .......................... 9
النصيحة (3): انتبه إلى توحيد الأسماء والصفات ............................ 10
النصيحة (4): تتعلق بالصفات الستة ...................................... 11
النصيحة (5): التحذير من جملة : (علينا أن ندعو الناس بالهم والحزن) ....... 13
النصيحة (6): لا يذم الجدال مطلقا ....................................... 18
النصيحة (7): أحذرك ونفسي من الحزبية لغير الإسلام ..................... 20
النصيحة (8): احذر من احتقار العلماء .................................... 25
النصيحة (9): احذر من ترك التشاغل بطلب العلم ومن إنكار
قراءة الكتب وتأليفها ....................................... 30
النصيحة (10): احذر من مقولة إن العلم يورث الكبر ..................... 36
النصيحة (11): احذر من تقسيم العلم إلى مسائل للعلماء
وفضائل للعوام .......................................... 37
النصيحة (12): التحذير من القاعدة التالية: "لا نتكلم في خروجنا
في الفقهيات والخلافيات والجماعات الأخرى" ............... 39
النصيحة (13): احذر من إنكار طلب الدليل .............................. 41
النصيحة (14): التحذير من الاقتصار على كتب محددة دون غيرها ......... 42
النصيحة (15): التحذير من الخروج للخارج بدون فائدة ومن الاجتماعات
السنوية ومن الاقتصار في الدعوة على المسلمين دون الكفار .. 44
النصيحة (16): التحذير من الاعتكاف الأسبوعي .......................... 46

النصيحة (17): المواظبة على قراءة السور العشر الأخيرة من
القرآن الكريم لم يرد ...................................... 47
النصيحة (18): حلق الرأس ليس سنة ..................................... 48
النصيحة (19): العمامة ليست سنة على الأرجح ........................... 51
النصيحة (20): التحذير من بعض البدع ................................... 53
النصيحة (21): آداب لا مستند لها ........................................ 54
النصيحة (22): الحذر من الاقتصار على جزء من الدين
وترك أجزاء أخرى ....................................... 58
النصيحة (23): التحذير من إنكار تأثير الأسباب بإذن الله .................. 60
النصيحة (24): الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله
ولا الإيمان بقدره ......................................... 61
النصيحة (25): التحذير من تكليف الجهال إلقاء البيانات والدروس ........ 64
النصيحة (26): التحذير من اللحن في القرآن والحديث .................... 66
النصيحة (27): رواية الحديث بالمعنى لها شروط يجب الالتزام بها ............ 67
النصيحة (28): التحذير من التحديث بما لم يثبت عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث .................... 68