المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الاسماء الحسني‏ (2)‏



د. محمود عبد الرازق الرضواني
06-30-2005, 08:50 AM
بقلم: د‏.‏ محمود عبدالرازق الضواني
الاستاذ بجامعة الازهر


اتفق علماء الامة علي اختلاف مذاهبهم علي انه يجب الوقوف علي ما جاء في الكتاب وصحيح السنة بذكر اسماء الله نصا دون زيادة أو نقصان‏,‏ لان اسماء الله الحسني توقيفية لا مجال للعقل فيها‏,‏ فالعقل لا يمكنه بمفرده ان يتعرف علي اسماء الله التي تليق بجلاله‏,‏ ولا يمكنه ايضا ادراك ما يستحقه الرب من صفات الكمال والجمال‏,‏

فتسمية رب العزة والجلال بما لم يسم به نفسه قول علي الله بلا علم‏,‏ وهو أمر حرمه الله علي عباده‏,‏ وقد اشتهرت في ذلك مناظرة بين الامام ابي الحسن الاشعري وشيخه ابي علي الجبائي عندما دخل عليهما رجل يسأل‏:‏ هل يجوز ان يسمي الله تعالي عاقلا؟ فقال ابو علي الجبائي‏:‏ لا يجوز‏,‏ لان العقل مشتق من العقال وهو المانع‏,‏ والمنع في حق الله محال فامتنع الاطلاق‏,‏

فقال له ابو الحسن الاشعري‏:‏ فعلي قياسك لا يسمي الله سبحانه حكيما‏,‏ لان هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام‏,‏ وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ فنحكم بالقوافي من هجانا‏,‏ ونضرب حين تختلط الدماء‏,‏ وقول الآخر‏:‏ ابني حنيفة حكموا سفهاءكم‏,‏ اني اخاف عليكم ان اغضبا‏,‏ والمعني نمنع بالقواقي من هجانا‏,‏ وامنعوا سفهاءكم‏,‏ فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع‏,‏ والمنع علي الله محال لزمك ان تمنع إطلاق حكيم علي الله تعالي‏,‏ فلم يجب الجبائي

إلا انه قال للاشعري‏:‏ فلم منعت انت ان يسمي الله عاقلا واجزت ان يسمي حكيما؟ قال الاشعري‏:‏ لان طريقي في مأخذ اسماء الله ـ عز وجل ـ الإذن الشرعي دون القياس اللغوي‏,‏ فأطلقت حكيما لان الشرع اطلقه ومنعت عاقلا لان الشرع منعه‏,‏ ولو اطلقه الشرع لاطلقته‏.‏

بني الله السماء وسقانا الغيث ولا يجوز ان يسمي بناء أو سقاء وقال ابن حزم‏: لا يجوز ان يسمي الله تعالي ولا ان يخبر عنه الا بما سمي به نفسه أو اخبر به عن نفسه في كتابه أو علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم أو صح به إجماع جميع أهل الاسلام المتيقن ولا مزيد‏,‏ وحتي وان كان المعني صحيحا فلا يجوز ان يطلق عليه تعالي اللفظ‏,‏

وقد علمنا يقينا ان الله عز وجل بني السماء فقال‏:(‏ والسماء بنيناها‏),(‏ الذاريات‏:47),‏ ولا يجوز ان يسمي بناء‏,‏ وانه تعالي خلق اصباغ النبات والحيوان‏,‏ وانه تعالي قال‏:(‏ صبغة الله ومن احسن من الله صبغة‏)(‏ البقرة‏:138)‏ ولايجوز ان يسمي صباغا‏,‏ وانه تعالي سقانا الغيث ومياه الارض ولا يسمي سقاء ولا ساقيا‏,‏ وهكذا كل شئ لم يسم به نفسه

وقال الامام النووي‏:(‏ اسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح‏),‏ واحتج الامام الغزالي علي ان الاسماء توقيفية بالاتفاق علي انه لا يجوز لنا ان نسمي رسول الله صلي الله عليه وسلم باسم لم يسمه به ابوه ولا سمي به نفسه وكذا كل كبير من الخلق‏,‏ قال‏:‏ فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولي

وقال الامام السيوطي‏:(‏ اعلم ان اسماء الله تعالي توقيفية بمعني انه لا يجوز ان يطلق اسم ما لم يأذن له الشرع وان كان الشرع قد ورد بإطلاق ما يرادفه‏),‏ وقال ابو القاسم القشيري‏:(‏ الاسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والاجماع‏,‏ فكل اسم ورد فيها وجب اطلاقه في وصفه‏,‏ وما لم يرد لم يجز ولو صح معناه‏),‏

وقال ابن المرتضي‏:(‏ اسماء الله وصفاته توقيفية شرعية‏,‏ وهو اعز من ان يطلق عليه عبيده الجهلة ما رأوا من ذلك‏),‏ والاقوال في ذلك كثيرة يعز إحصاؤها وكلها تدل علي ان عقيدة أهل السنة والجماعة مبنية علي ان الاسماء الحسني توقيفية‏,‏ وانه لابد في كل اسم من دليل نصي صحيح يذكر فيه الاسم بلفظه‏,‏

إذا كان الامر كذلك فمن الذي سمي الله عز وجل الخافض المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبدئ المعيد المميت المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور‏.‏ لابد لثبوت كل اسم من دليل نصي صحيح يذكر فيه الاسم بلفظه

هذه جميعها ليست من اسماء الله الحسني لان الله عز وجل لم يسم نفسه بها وكذلك لم ترد في صحيح السنة‏,‏ وانما سماه به الوليد بن مسلم ضمن ما ادرجه باجتهاده في رواية الترمذي‏,‏ فالخافض مثلا لم يرد في القرآن أو السنة اسما وانما ورد فعلا في صحيح مسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال‏:(‏ ان الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه‏),‏

ولا يجوز ان نشتق لله من كل فعل اسما ولم يخولنا الله في ذلك قط‏,‏ وانما امرنا سبحانه بإحصاء اسمائه وجمعها وحفظها ثم دعاؤه بها‏,‏ فدورنا حيال الاسماء الحسني الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء‏,‏ ولو أصر علي تسميته بالخافض وأجاز لنفسه ذلك فيلزمه تسميته البناء لانه بني السماء‏,‏ والسقاء لانه سقي أهل الجنة شرابا طهورا‏,‏ والمدمدم لانه دمدم علي ثمود‏,‏ والمدمر لانه دمر الكافرين‏,‏ والطامس لانه طمس علي اعينهم‏,‏ والمقطع لانه قطع اليهود امما‏,‏ والمنسي لانه انساهم ذكره‏,‏ والمفجر لانه فجر الارض عيونا‏,‏ والمفصل لانه فصل الآيات‏,‏ والمضاعف لانه يضاعف الاجر‏,‏ والمضحك والمبكي لانه اضحك وابكي‏,‏ والمخرج لانه يخرج الزرع وغير ذلك من آلاف الافعال في الكتاب والسنة والتي سيقلبها بدون حق إلي اسماء‏,

كما ان الله عز وجل قال‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏),(‏ فله الاسماء الحسني‏)(‏ الاسراء‏110),‏ ولم يقل ولله الاوصاف أو فله الافعال‏,‏ وشتان بين الاسماء والاوصاف‏,‏ فالوصف لا يقوم بنفسه كالعلم والقدرة والعزة والحكمة والرحمة والخبرة وإنما يقوم الوصف بموصوفه ويقوم الفعل بفاعله‏,‏ إذ لا يصح ان نقول‏:‏ الرحمة استوت علي العرش‏,‏ أو العزة اجرت الشمس‏,‏ أو العلم والحكمة والخبرة انزلت الكتاب واظهرت علي النبي صلي الله عليه وسلم ما غاب من الاسرار‏,‏ فهذه كلها اوصاف لا تقوم بنفسها بخلاف الاسماء الدالة علي المسمي الذي اتصف بها كالرحمن الرحيم والعزيز العليم والخبير الحكيم القدير‏.‏

ويقال هذا ايضا في اشتقاق الوليد بن مسلم وغيره للمعز المذل حيث اشتق هذين الاسمين من قوله تعالي‏:(‏ قل اللهم مالك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شئ قدير‏)(‏ آل عمران‏:26),‏ فالله عز وجل اخبر انه يؤتي ويشاء وينزع ويعز ويذل ولم يذكر في الآية بعد مالك الملك واسمه القدير سوي الافعال‏,‏ فهؤلاء اشتقوا لله اسمين من فعلين وتركوا علي قياسهم اسمين آخرين‏,‏ فيلزمهم تسمية الله عز وجل بالمؤتي والمنزع فضلا عن تسميته بالمشئ طالما ان المرجعية في علمية الاسم إلي الرأي والاشتقاق دون التتبع والجمع والإحصاء‏.‏ دورنا حيال الاسماء الجمع والاحصاء ثم الحفظ والدعاء وليس الاشتقاق والانشاء

وكذلك العدل لم يرد في القرآن اسما أو فعلا ولا دليل لمن سمي الله بهذا الاسم سوي الامر بالعدل في قوله تعالي‏:(‏ ان الله يأمر بالعدل والاحسان‏)(‏ النحل‏:90),‏ اما الجليل فلم يرد اسما في الكتاب أو صحيح السنة ولكن ورد وصفا في قوله تعالي‏:(‏ ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام‏)(‏ الرحمن‏:27),‏ وفرق كبير بين الاسم والوصف لان الله عز وجل وصف نفسه بالقوة فقال‏:(‏ ذو القوة المتين‏)(‏ الذاريات‏:58),‏ وسمي نفسه القوي في قوله‏:(‏ وهو القوي العزيز‏)(‏ الشوري‏:19),‏

ووصف نفسه بالرحمة فقال‏:(‏ وربك الغني ذو الرحمة‏)(‏ الانعام‏:133),‏ وسمي نفسه الرحمن الرحيم فقال‏:(‏ تنزيل من الرحمن الرحيم‏)(‏ فصلت‏:2),‏ ولما كانت اسماء الله توقيفية ولا نسمي الله إلا بما سمي به نفسه‏,‏ فإن الله وصف نفسه بالجلال ولم يسم نفسه الجليل‏,‏ وكذلك الباعث المحصي لم اجد حجة أو دليلا علي اثبات هذين الاسمين‏,‏ والذي ورد في القرآن والسنة صفات الافعال فقط كما في قوله تعالي‏:(‏ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله علي كل شئ شهيد‏)(‏ المجادلة‏:6),‏ وهي كثيرة في القرآن والسنة‏,‏

ومن الملاحظ أن الذي اشتق الباعث من قوله يبعثهم والمحصي من قوله احصاه الله ترك المنبئ من قوله فينبئهم‏,‏ لان الآية لم يرد فيها بعد اسم الله الشهيد سوي الافعال التي اشتق منها فعلين وترك الثالث في حين ان هذه الاسماء جميعها لم ترد نصا صريحا في الكتاب أو صحيح السنة‏,‏ وكذلك ايضا المبدئ المعيد اسمان لا دليل علي ثبوتهما‏,‏ فقد استند من سمي الله بهذين الاسمين إلي اجتهاده في الاشتقاق من قوله تعالي‏:(‏ انه هو يبديء ويعيد‏)(‏ البروج‏:13),‏ ومعلوم ان اسماء الله الحسني توقيفية علي النص وليس في الآية سوي الفعلين فقط‏,‏

أما الضار النافع‏,‏ فهذان الاسمان لم يردا في القرآن أو السنة‏,‏ وليس لمن سمي الله بهما إلا اجتهاده في الاشتقاق من المعني المفهوم من قوله‏:(‏ قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله‏)(‏ الاعراف‏:188),‏ أو ما صح في سنن الترمذي ان النبي صلي الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏واعلم ان الامة لو اجتمعت علي ان ينفعوك بشئ لم ينفعوك الا بشئ قد كتبه الله لك‏,‏ ولو اجتمعوا علي ان يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك‏),‏

ولم يذكر في الآية أو الحديث النص علي الاسم أو حتي الفعل‏,‏ فالضار لم يرد اسما ولا وصفا ولا فعلا‏,‏ ولم اجد في القرآن أو السنة إلا ما ورد عند البخاري من قول عائشة‏:(‏ فما كانت من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها‏,‏ لقد خوف عمر الناس وان فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك‏)‏ وقس علي ذلك في بقية الاسماء التي ذكرناها سابقا‏,‏

والسؤال الذي يطرح نفسه‏:‏ ما هي الاسماء الحسني التي ندعو الله عز وجل بها وكيف يمكن التعرف عليها؟ نستكمل الموضوع في العدد القادم ان شاء الله‏.‏