المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام نفيس للامام ابن حزم يصف فيه حالنا اليوم



ابن السنة
03-26-2010, 12:41 AM
ابن حزم هو محي الفقه الظاهرى و كانت له قدم فى الكثير من العلوم ولد سنة 384 للهجرة و توفى سنة
456



قال أبو محمد إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا ووجدهما قد تفاقم الداء بهما فأما إحداهما
فقد جلت المصيبة فيها وبها وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتداؤا دخولهم إلى المعارف بطلب علم العدد ونزواته وطبائعه ثم تدرجوا إلى تعديل الكواكب وهيئة الأفلاك وكيفية قطع الشمس والقمر والدراري الخمسة وتاقطع فلكي النيرين والكلام في الأجرام العلوية وفي الكواكب الثابنة وانتقالها وإبعاد كل ذلك وإعظامه وفيما دون ذلك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شيء من كتب الأوائل وحدودها التي نصبت في الكلام وما مازج بعض ما ذكرنا من آراء الفلاسفة في القضاء بالنجوم وأنها ناطقة مدبرة وكذلك الفلك فأشرفت هذه الطائفة من أكثر ما طالعت مما ذكرنا على أشياء صحاح براهينها ضرورية لائحة ولم يكن معها من قوة المننة وجودة القريحة وصفاء النظر ما تعلم به إن من أصاب في عشرة آلاف مسألة مثلاً فجائز أن يخطىء في مسئلة واحدة لعلها أسهل من المسائل التي أصاب فيها فلم تفرق هذه الطائفة بين ما صح مما طلعوه بحجة برهانية وبين ما في أثناء ذلك وتضاعيفه مما لم يأت عليه من ذكره من الأوائل إلابإقناع أو بشغب وربما بتقليد ليس معه شيء مما ذكرنا فحملوا كل ما أشرفوا عليه محملاً واحداً وقبلوه قبولاً مستوياً فسترى فيهم العجب وتداخلهم الزهو وظنوا أنهم قد حصلوا على مباينة العالم في ذلك وللشيطان موالج خفية ومداخل لطيفة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فتوصل إليهم من باب غامض نعوذ بالله منه وهو أنهم كما ذكرنا أصغار من كل شيء من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها فلم يعبؤا بآية من كتاب الله تعالى الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين والذي لم يفرط فيه من شيء والذي من فهمه كفاه ولابسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي بيان الحق ونور الألباب


ولم تلق هذه الطائفة المذكورة من حملة الدين إلا أقواماً لا عناية عندهم بشيء مما قدمناه وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بفهمها وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلايلها ومنبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به جاههم وحالهم وأما بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من مسند ولاما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مما نقل عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه عن أهل الكتاب فنظرت الطائفة الأولى من هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستهجال فتمكن الشيطان منهم وحل فيهم حيث أحب فهلكوا وضلوا واعتقدوا أن دين الله تعالى لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل فاعتقدوا أكثروا الإلحاد والتعطيل وسلك بعضهم طريق الاستخفاف والإهمال وإطراح ثقل الشرائع واستعمال الفرائض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللذات من أنواع الفواحش المحرمات من الخمور والزنا واللواطة والبغاء وترك الصلوات والصيام والزكاة والحج والغسل وقصدوا كسب المال كيف تيسر وظلم العباد واستعمال الأهزال وترك الجد والتحقيق وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين وخروجهم عن جملة المؤمنين بعد أن غذوا بلبان الإسلام ونشؤا في حجور أهله نسأل الله العصمة من الضلال لنا ولا بنائنا ولك إخواننا من المسلمين ونسأله تدارك من زلت قدمه وهوت نقله أنه على كل شيء قدير وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدؤا الطلب لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزيدوا على طلب علو الإسناد وجمع الغرائب دون أن يهتموا بشيء مما كتبوا ويعلموا به وإنما تحملوه حملاً لا يزيدون على قراءته دون تدبر معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به ونه لم يأت هملاً ولا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عبثاً بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به بل أكثر هذه الطائفة لا يعمل عندهم إلا ما جاء من طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وتفسير الكلبي وتلك الطبقة وكتب البذي التي إنما هي خرافات موضوعات وأكذوبات مفتعلات ولدها الزنادقة تدليساً على الإسلام وأهله فأطلقت هذه الطائفة كل اختلاط لا يصح من أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلمة والظلمة على ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وهذا يوجب أن جرم العالم غير متناه وهذا هو الكفر بعينه فنافرت هذه الطبقة التي ذكرنا كل برهان ولم يكن عندها أكثر من قولهم نهينا عن الجدال فليت شعري من نهاهم عنه والله عز وجل يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل صلى الله عليه وسلم.

وجادلهم بالتي هي أحسن.

وأخبر تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا.

يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا.

وقد نص تعالى في غير موضع من كتابه على أصول البراهين وقد نبهنا عليها في غير ما موضع من كتابنا هذا وحض تعالى على التفكر في خلق السموات والأرض ولا يصح الاعتبار في خلقهما إلا بمعرفة هيآتهما وانتقال الكواكب في أفلاكهما واختلاف حركاتها في التغريب والتشريق والأفلاك تداويرها وتعارض تلك الأدوار على رتبة واحدة وكذلك معرفة الدوائر والمنطقة والميل والاستواء وكذلك معرفة الطبائع وامتزاج العناصر الأربعة وعوارضها وتركيب أعضاء الحيوان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أعضائه بعضها ببعض وقواه المركبة فمن أشرف على ذلك وعلمه رأي عظيم القدرة وتيقن أن كل ذلك صنعة ظاهرة وإرادة خالق مختار لأن اختلاف تلك الحركات يضطر إلى المعرفة بأن شيئاً منها لا يقوم بنفسه دون ممسك مدبر لا إله إلا هو ولا خالق سواه ولا مدبر حاشاه ولا فاعل مخترع إلا هو ثم زاد قوم منهم فأتوا بالأفيكة التي تقشعر منها الذوائب وهي إن أطلقوا أن الدين لا يؤخذ بحجة فأقروا عيون الملحدين وشهدوا أن الدين لا يثبت إلابالدعاوي والغلبة وهذا خلاف قوله عز وجل.

قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

وقوله تعالى.

فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان.

هذا قول الله عز وجل وما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الكفاية والغناء عن قول كل قائل بعده وقد حاج ابن عباس الخوارج وما علمنا أحداً من الصحابة رضي الله عنهم نهى عن الاحتجاج فلا معنى لرأي من جاء بعدهم

فكان كلام هذه الطائفة مغرياً للطائفة الأولى بكفرها ومغبطاً لهم لشركهم إذ لم يروا في خصومهم في الأغلب إلا من هذه صفته ثم زادت هذه الطائفة الثانية غلواً في الجنون فعابوا كتبنا لا علم لهم بها ولا طالعوها ولا رأوا منها كلمة ولا قرؤها ولا أخبرهم عنما فيها ثقة كالكتب التي فيها هيئة الأفلاك ومجاري النجوم والكتب التي جمعها أرسطاطاليس في حدود الكلام قال أبو محمد وهذه الكتب كلها كتب سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز وجل وقدرته عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم وعظم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يتعرف كيف التوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها وكيف يعرف الخاص من العام والمجمل من المفسر وبناء الألفاظ بعضها على بعض وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبداً وما يصح مرة وما يبطل أخرى وما لا يصح البتة وضرب الحدود التي من شذ عنها كان خارجاً عن أصله ودليل الخطاب قال أبو محمد فلما رأينا عظيم المحنة فيما تولد في الطائفتين اللتين ذكرنا رأينا من عظيم الأجر وأفضل العمل بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى وقدرته وتأييده فنقول وبه عز وجل نتأيد ونستعين إن كل ما صح ببرهان أي شيء كان فهو في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منصوص مسطور يعلمه كل من أحكم النظر وأيده الله تعالى بفهم وأما كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب فالقرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منه خاليان والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم بما يبطله عيان أو برهان إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في إبطالهما.

ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

ولسنا من تفسير الكلبى الكذاب ومن جرى مجراه في شيء ولا نحن من نقل المتهمين في شأن إنما نحتج بما نقله الأئمة الثقاة الأثبات من رؤساء المحدثين مسنداً فمن فتش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا والحمد لله رب العالمين وإنما الباطل ما ادعته الطائفة الأولى من نطق الكواكب وتدبيرها وهذا كفر لا حجة عندهم على ما قالوه منه أكثر من أن المحتج لهم قال لما كنا نعقل وكانت الكواكب تدبرنا كانت أولى بالعقل منا وهذا الذي ذكروه ليس بشيء لأن الكواكب وإن كان لها تأثير في العالم ظاهر فليس تأثيرها تأثير ملك واختيار يدل على ذلك ما قد ذكرناه في كتابنا هذا من الدلائل على أن الكواكب مضطرة لا مختارة وإنما تأثيرها كتأثير النار بالإحراق والماء بالتبريد والسم بإفساد المزاج والطعام بالتغذية والفلفل بحذو اللسان والإهليلج بالقبض للفم وما جرى هكذا من سائر ما في العالم وكل ذلك غير ناطق والكواكب والأفلاك جارية هذا المجرى لأن تأثيرها تأثير واحد لا يختلف وحركتها حركة واحدة لا تختلف وليس كذلك المختارة ولقد قال لي بعضهم وقد عارضته بهذا أن المختار الفاضل يلزم أفضل الحركات فلا يتعداها وتلك الحركة الدورية هي أفضل الحركات فقلت له وما دليلك على أن تلك الحركة أفضل الحركات ومن أين صارت الحركة من شرق إلى غرب أو من غرب إلى شرق أفضل من الحركة من جنوب إلى شمال أو من شمال إلى جنوب وكيف يكون عندكم أفضل الحركات والأفلاك الثمانية تنتقل من غرب إلى شرق والتاسع من شرق إلى غرب فأي هاتين الحركتين قلتم أنها أفضل عندكم وقد اختار الآخر الحركة التي ليست أفضل فظهر فساد هذا القول بيقين وهذه دعاوي مجردة بلا برهان وما كان هكذا فقد سقط ولا فرق بينك وبين من قال بل الحركة علو أفضل أو على خط مستقيم سائرة وراجعة ونحن نجد تلك الأجرام تسفل في بعض ممراتها وتشرف في بعض وتسقط في بعض على قولكم وتوافق بزعمكم بروح نحس مظلمة وأخرى نيرة سعيدة وبعض الأفلاك يقطع من غرب إلى شرق وهو حركة جميعها إلا الأعلى فإنه يتحرك من شرق إلى غرب فليست هذه أفضل الحركات فبطل قولهم والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد وكذلك ماذكره من ذكر ذلك منهم من الكرور عند انتهاء آلاف من الأعوام ذكروها وانتصاب الكواكب الثابتة على نصبٍ ما من قطعها لفلكها فهذا أيضاً كذب مجرد ودعوى ساقطة لا دليل عليها ولا يعجز عن مثلها أحد ولم يأتوا على شيءٍ من ذلك بشغب ولا بإقناع فكيف ببرهان وإنما هو تقليد لبعض قدماء الصابئين فمثل هذه الحماقات والخرافات هي الذي دفعته الشريعة الإسلامية وأبطلته وأما ما قامت عليه البراهين فهو في القرآن والسنة موجود نصاً واستدلالاً ضرورياً والحمد لله رب العالمين

المهاجر إلى ربه
06-01-2010, 06:42 PM
من أي كتب الإمام ابن حزم نقلت هذا الكلام.؟ يا أخي وجزاك الله خيرا على هذا النقل الرائع

د . عبدالباقى السيد
06-01-2010, 07:31 PM
بارك الله فى الأخوين الحبيبين ابن السنة والمهاجر .
هذا النقل من كتاب " الفصل فى الملل والأهواء والنحل" للعلامة ابن حزم ، وهذا الكلام وضعه ابن حزم رحمه الله تحت عنوان " ذكر فصول يعترض بها جهلة الملحدين على ضعفة المسلمين "
ويلى ذلك " مطلب بيان كروية الأرض " .
أنظر : كتاب الفصل ، ج1 من الطبعة المكونة من ثلاثة أجزاء ص345-352.

المهاجر إلى ربه
06-02-2010, 09:14 AM
شكرا يا دكتور وجزاك الله خيرا

ابن السنة
06-27-2010, 06:45 PM
ما أحوجنا لامثال ابن حزم
ما احوجنا لعالم متفقه فى الدين و علوم الدنيا