المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقبات في طريق الدعوة



ساري فرح
03-31-2010, 06:04 PM
عقبات في طريق الدعوة

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة : 143]
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125]
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : 108]
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران : 110]

إن من أبرز العقبات في طريق الدعوة - عدا عن العقبات المادية المتمثلة بأعداء الإسلام الغربيين والأنظمة الحاكمة المحلية وزبانيتها الأمنية - إنتشار كثير من المفاهيم الأكاديمية والشعبية، والتي تشير صراحة إلى تعطيل الدعوة.

من المفاهيم الأكاديمية:
أصل ونشوء الأديان:
 (القول بأن الدين من صنع البشر وبأن تعدد الآلهة هو الأصل لا التوحيد)
 هذه المقولة تستند إلى المقاربة الوضعية في فهم تاريخ و"نشوء" الأديان؛ إذ أن الأكاديميين الماديين الذين لا يؤمنون بالوحي الإلهي يقولون بوجود مؤسسين للأديان: فموسى مؤسس اليهودية ويسوع المسيح مؤسس المسيحية ومحمد مؤسس الإسلام (عليهم الصلاة والسلام)، وقد أخذ واقتبس كل واحد منهم من تعاليم الديانات السابقة وعدلوا فيها. كما أنهم يقولون أن الإنسان هو الذي أنشأ فكرة الإله إذ أن الإنسان البدائي الذي خاف من مظاهر الطبيعة أخذ يقدسها ويجعل آلهة لكل واحد من المظاهر التي يطمع بثوابها ويخشى عقابها.
 إن هذه المقربة تستند إلى افتراضات وليس إلى أدلة دامغة، ومستندها هو إنكار الوحي الإلهي.
 أما مقاربتنا هي أن الأصل في الدين هو التوحيد والإنسان الأول آدم عليه السلام كان مسلماً موحداً لله وقد علمه الله تعالى وأوكل إليه تعليم أبناءه، ثم انحرف بعض من ذريته فيما بعد من التوحيد إلى التعدد والشرك، وقد أرسل الله تعالى رسله لدعوتهم إلى التوحيد الحق، فآمن من آمن وكفر من كفر عبر العصور. وكل الأنبياء والرسل كانوا يدعون إلى توحيد الله والإسلام له، رغم أن اسم الدين – الإسلام – لم يكن مصرحاً به حتى بعث الله خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام. وإنك إن درست الأديان لن تجد أن تسميتها كانت جزءاً من الرسالة: فالكتاب المقدس لا يذكر اسم الدين والمسيح عليه السلام لم يذكر عنه في الأناجيل أنه جاء يدعو الناس إلى الدين المسيحي بل جاء في إنجيل متى الإصحاح 5 فقرة 17 – 19 أنه جاء ليكمل الناموس والرسل ولم يأت ليبطلهم.
 إذاً يتبين لنا أن الأديان السماوية (وحتى غيرها من الأديان كالهندوسية وفق بعض الأبحاث) أصلها واحد وكلها تدعو إلى التوحيد ولكن التغيرات طرأت عليها لاحقاً على يد بعض الناس وقد أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل ليصلحوا ما تم إفساده من قبل أولئك الذين حرفوا وابتدعوا، والأدلة على صحة هذه المقاربة أقوى بكثير من مزاعم المقاربة الأولى التي يتبناها الماديون والملاحدة.

نسبية الحقيقة:
 من الممكن أن نوجز هذا المفهوم الفلسفي كالتالي: لا وجود لحقيقة مُطلقة في عالَم المعتقدات والقِيَم الخُلُقية، بل إن المعتقدات والمتبنيات الفكرية نسبية. وبالتالي فلا وجود للدين الحق، بل كل الأديان هي الدين الحق بالنسبة لمعتنقيها.
ويعتبر هذا المفهوم الحجر الأساس في التعددية الفكرية والديمقراطية السياسية.
وهذا المفهوم الفكري يُدرَّسُ على صعيد واسع، خاصَّة في الجامعات والمدارس المبثوثة في بلاد المسلمين.
 ولو أردنا أن نُحسِنَ الظنَّ بالعاملين على إشاعة هذا المفهوم بين الناس، لَقُلنا أن الغاية من إطلاق المفهوم هي حثُّ أصحاب المعتقدات المختلفة على احترام العقائد المغايرة ومعتنقيها، وبالتالي درء الفتن المحتملة التي تنجم عن تعصُّب فئات دينية لدينهم وما قد يُفضي إليه ذلك من اعتداءات على أصحاب المِلل والأفكار المغايرة. فإشاعة مفهوم النسبية الخُلُقية من شأنه أن يُقنِع المتشددين لفكرهم أن ما يرونه حقاً هو الحق بالنسبة لهم دون غيرهم من الناس، فلا داعي للصدام في سبيل فرض ما يرونه حقاً على غيرهم من الناس.
 "إن فكرة الحقيقة المطلقة تؤسس لدى حاملها شرعية امتشاق السلاح دفاعًا عنها ، ليس هذا السلاح قطعا هو الفكر ؛ فمالك الحقيقة لا يجادل ) . ( عبد الإله بلقزيز ، نهاية الداعية ، ص 70)
 ويقول شاكر النابلسي معددًا مواصفات المجتمع المدني الذي يطمح إليه: "إن القيم في المجتمع المدني نسبية ، وهذه النسبية تجعل القيم متغيرة غير ثابتة . لا احتكار للحقيقة في المجتمع المدني ، وعدم الاحتكار يقود المجتمع المدني إلى التسامح لا إلى التعصب ، وإلى الانفتاح لا إلى الانغلاق" . ( صعود المجتمع العسكري ، ص 205-206)
 يعاني المفهوم من مغالطة واضحة ألا وهي أن إطلاق فكرة نسبية كل المعتقدات والقِيَم لا يصحُّ حتى بالنسبة للمفهوم نفسه. إذ أننا إذا قلنا بنسبية المعتقدات كلها، فإن ذلك سيطال المفهوم ذاته؛ فكيف نقول بعدم وجود حقيقة مطلقة بينما نتعامل مع مفهوم النسبية كحقيقة مُطلقة؟ ولو سلَّمنا جدلاً أن هذا المفهوم هو وحده حقيقة مطلقة دون غيره من المعتقدات، فما الذي يجعل منه حقيقة مُطلقة؟
 لا يخفى على عاقل مُتَجَرِّد أن الكون قائم على الحق؛ فهو مُقَنَّن ومُنَظَّم وغايةٌ في الإتقان. والمادَّة عاجزة عن إيجاد نفسها، فكيف بإيجاد قوانين تخضع لها؟
لا بد للوجود من غاية يحددها الخالق الحق. كما أنه لا بُدَّ من منهج متكامل لتحقيق تلك الغاية. ويُقابِل الغاية العبث، والعبث يَتَنَـزَّهُ عنه العُقَلاء، والكون خيرُ شاهِدٍ على حِكمة الخالق جلَّ وعَلا...
 يقول تعالى في كتابه الكريم:
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون : 71]
 وهذه الغاية والمنهج الموصِلُ إليها قد بيَّنَهُما الخالقُ تعالى للبشر وأرسل إليهم الأنبياء والرسل وأيَّدهم بالخوارق والمعجزات والحُجَج البيِّنات ليتبيَّن الحق للناس.
ولا يُمكن أن نلجأ إلى أهواء الناس المتباينة لمعرفة حقيقة الوجود وغايته، عدا عن المنهج الذي يصلح للإنسان من حيث تنظيم حياته ومعالجة مشاكله:
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام : 116]
 وها هو الإسلام الدين الذي ارتضاه الخالق تعالى لخلقه، دين يستند إلى حقائق موضوعية تبيِّنُ للناس أنه الدين الحق. ومن تلك الحقائق القرآن الكريم، معجزة الله الخالدة، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، ولا يمكن أن يكون إلا من لدُن خالق هذا الكون الحكيم العليم.
 وقد بين الله تعالى للناس غاية وجودهم وصحَّح مفاهيم اصحاب الأديان عن الله واليوم الآخر وبيَّن لهم سُبُل الخير كلِّها.
إضافة إلى أن الله سبحانه بيَّن لنا في رسالته الخاتمة للبشرية كيفية التعامل مع معتنقي الأديان الأخرى وذلك بأن ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن اضطرنا الأمر إلى الجدال فليكن بأحسن أسلوب وأرقى مضمون، وأن نعاملهم على أساس البر والإحسان والقسط، وأن نحكم بينهم بالعدل، وبألا نكرههم على اعتناق الإسلام، مع السماح لهم بممارسة معتقداتهم ضمن النظام العام، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. وبذلك تنتفي مخاوف دعاة النسبية الخُلُُقية من حيث ينتفي التعصب المؤدي إلى الإساءة إلى أهل الملل الأخرى، وشريعتنا السمحة تشهد على ذلك كما يشهد تاريخنا الإسلامي.

من المفاهيم الشعبية:
وراثة الدين:
 المشكلة الرئيسية تكمن في أن كثيراً من الناس يعتبرون الدين من الموروثات العائلية التي تولد مع الإنسان.
 تشكل هذه النظرة للدين عائقاً أمام الدعوة ومن هنا يجب علينا أن نوضح بطلان هذه النظرة للدين.
 عامل الإنتماء الوراثي الديني والذي يتميز به العرب والشرقيون بشكل عام حينما يعتبرون أنه لا تجوز "خيانة" الآباء والأجداد بتبديل الدين.
 يقول الله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170]
 إن الدين اقتناعٌ واعتقادٌ لا وراثة عن الآباء والأجداد.
 هذه النظرة الوراثية للدين عند العرب والشرقيين أكثر من الغربيين؛ أكثر أبناء الغرب مستقلين فكرياً عن آباءهم مما يجعل الدعوة أسهل معهم.
 ومن هذا المنطلق فإن الإسلام هو الدين الحق لأنه يستند إلى حقائق موضوعية تبين صحة مصادره (القرآن والسنة) وكونها وحياً إلهياً، بينما تستند الأديان الأخرى في الإجمال على العواطف والتلاعب بالمشاعر.

فهم خاطئ لنصوص دينية:
 أدى الجهل بالدين إلى فهم خاطىء لكثير من نصوص القرآن والحديث ومنها نصوص اتخذها البعض ذريعةً لإبطال الدعوة إلى الله. ومن هذه النصوص: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص : 56] {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون : 6] ومنها اشتقت الأمثال الشعبية كالمثل الشائع في لبنان "كل مين على دينه الله يعينه".
 إن هذا الفهم الخاطئ سببه إهدار للسياق القرآني وعدم ربط الآيات بعضها وبعض لفهم القرآن الكريم، إذ أن الله تعالى يقول: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52]، ولا تناقض بين هذه الآية والآية السادسة والخمسين من سورة القصص، إذ أن الأولى تعني هداية التوفيق، وهي من الله سبحانه وتعالى، وهذه الآية تعني هداية الدلالة وهي من البشر. والنهي عن الإكراه ليس نهياً عن الدعوة، كما أن تبيان التفريق بين ديننا وأديانهم ليس معناه أن لكل أن يتبع دينه دون أن نقوم بدعوة أتباع الأديان الأخرى إلى الدين الحق: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران : 85]

الخوف على الرزق والأجل:
 إن المسلم الفاهم لدينه يؤمن يقيناًَ بأن الرزق والأجل بيد الله وحده ولا يخشى في الله لومة لائم أثناء سيره لتبليغ رسالة ربه والدعوة إلى دينه لإقامته في الأرض وغايته العليا الفوز برضا الله عز وجل.
 {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة : 24]

الواجهة الخربة:
 ومن ابرز العوائق: سلوك المسلمين أنفسهم من خلال معاملاتهم مع الآخرين وتصرفاتهم الشخصية.
 إن البون الشاسع بين الإسلام وكثير من المسلمين كبير جداً ورَدمُه يحتاج إلى غرفة طوارئ وعملية إصلاح داخلي كبيرة. بإيجاز، يمكننا القول، وبكل أسف، أن واجهتنا خَرِبَة.
 وقد أدى ذلك إلى قول أحد الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام: "الحمد لله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين".
 والعلاج القصير المدى في هذه الحالة يكمن في إظهار تعاليم الإسلام من خلال سلوكنا ومعاملاتنا كي يرى أولئك الإسلام متمثلاً في القول والعمل معاً.
 إضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نبيِّن لهم بأن الإسلام دين كامل ولكن المسلمين ليسوا كاملين، وبأن نبيِّنَ لهم أن كثيراً من الممارسات التي يقوم بها مسلمون ليست من الإسلام في شيء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أخوكم أبو مريم (الثاني)