المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تبيان مشكلة أهل الكفر مع الإيمان



شرف الدين الصافي
04-03-2010, 06:51 PM
الحمد لله الذي أوصل من صدق في طلب الحقيقة للحق المبين ، وخص أهل السنة والجماعة بأنوار اليقين ، وحرس قلوب المخلصين من الالتفات لضلال الزائغين
وامتن علينا بالنبي الأمين ، الحجة الكبرى على العالمين، المؤيد بالمنهج المتين ، الذي رفع من اعتصم به لمقام المؤمنين الفائزين ، وهوى من تنكب عنه لدرْك الأشقياء الخاسرين ، اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على سيرته ونهج نهجه إلى يوم الدين .
وبعد فأرجو من الأخوة الموحدين أن يقبلوني أخاً جديدا بينهم ، أشد عضدي بهم ، وأضع يدي بأيديهم في العمل على إزالة الغشاوات عن عيون الشاكين ، وتمزيق شبهات الملحدين ، فأسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يجعلنا من المخلصين .

مما لا شك فيه أن الإيمان بوجود إله ، والاعتقاد بأنه خالق مدبر متصرف في هذا الكون هو فطرة جبل عليها قلب الإنسان، بل هو شعور يشرق في أعماقه فيشعر بوجود قوة وسلطة تهيمن على هذا الكون تمنحه التنظيم ، وتتصرف فيه بالحياة والموت ، والبناء والفناء ، والحركة والسكون وجميع أنواع التغير فيه وهذا الشعور هو من أقوى الأدلة على وجود الله ولا نحتاج إلى إقامة برهان عليه كما لا نحتاج إقامة برهان على وجود الغرائز والمشاعر الإنسانية .
وليس هذا الشعور حكراً على مجموعة دون أخرى ، بل يشترك فيه جميع الناس ويقوم في نفس الطفل الصغير والإنسان البدائي والمتحضر ، والجاهل والمتعلم ، والطبيب والفيلسوف والمرأة في عقر دارها ، وإليه أشار القرآن الكريم بقوله ((قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) إبراهيم
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) الروم ، وقال ((صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ )) البقرة
وأكد عليه صلى الله عليه وسلم بقوله :( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ) .
وأما عن طبيعة هذه الفطرة ووصفها فهي (القلب السليم) ، وهو ملكة إيمانية جبلت على وعي ودرك وذوق الحقائق الإيمانية ، والتفاعل والانسجام مع القوانين والتشريعات الإلهية ، فهو دائم الاحتياج للدين الذي يجد فيه حياته ونمائه ، ولن نجد دينا يروي شغفه ويحقق مطلبه كدين الإسلام، فهو الدين الوحيد الذي يوائم الفطرة الإنسانية ويتناغم معها أيما تناغم ، وفي ذلك يقول أحد الدعاة : (لو كانت الفطرة جسداً لكان الإسلام هو الكساء الكامل المماثل لهذا الجسد) ، وأما الشرائع والديانات الأخرى المحرفة فبقدر ما في بعضها من البقايا التي تقارب بعض جوانب الفطرة ، إلا أن فيها من المصادمات ما يكفل أن تكون العدو الدود للفطرة .
إذا فسلامة قلب الإنسان هي رأس مال إيمانه ، ولابد أن نعلم أن العامل الأكبر في تعزيز الإيمان واليقين في قلب المؤمن وثباته عليه ، يكون بالثمار التي يجنيها من التفاعل مع الاعتقادات والتصديق بالوعود والإخبارات ، والدأب على ممارسة الطاعات بصدق وإخلاص ، فتعود على القلب بالرحمات الإلهية والأنوار الإيمانية التي تزيد المؤمن تبصرة بالطريق المستقيم ، وينجلي عنده الفرق بين طريق الحق والباطل ، قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) الأنفال ، فبالتالي تعكس هذه الرحمات على النفس أحوالاً طيبة من الطمأنينة والسكينة والخشوع والرضا والقناعة وانشراح الصدر ، فتعظم بها سعادته ، ويتملك حب هذا الإله قلبه ، فيعيش في جنة دنيوية ولسان حاله يردد المقولة الشهيرة : إنا في لذة لو عرفها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ، قال تعالى ((أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه))الزمر ، وقال (( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) الرعد ،
وقال (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) النحل
، هذا هو حال المؤمنين وهذا هو الطريق الوحيد للسعادة المنشودة لدى جميع البشر .

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، ما بال الكثيرين قد تنكروا لهذا الطريق ، ولم يجدوا عند إقبالهم عليه هذا الانسجام والتوافق
بل بعضهم على العكس وجد نفرة في قلبه وبعداً .
فالجواب أن هذا القلب الذي الأصل فيه السلامة والصفاء قابل لحلول الأمراض و الأكدار ، وسبب مرضه كثرة الغفلة عن الله عز وجل والاسترسال مع المعاصي والشهوات وغلبة الهوى ، وكلما كان من السلامة أقرب كان لخطاب الله أوعى وإقباله على ربه أقوى وأكثر إصغاء للمة الملك، كما قال تعالى : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) ق ، وقال : (( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) الشعراء ، وكلما كان من السلامة أبعد ، كلما انشد إلى المعاصي والمحرمات ، وازداد تثاقلا من القيام بالواجبات ، وكان قلبه مستقرا ومرتعا للشياطين ، وفي بعد عن هدي رب العالمين ، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام ( إنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
فعلاقة القلب مع الإيمان إن أردنا تمثيلها بصورة حسية هي كعلاقة العين مع الأشياء المرئية ، فلكي تتم الرؤية الصحيحة للعين لابد من توفر شرطين أساسيين ، الأول وجود الأجسام الخاضعة للرؤية وتوفر لوازمها من ضوء وغيره ، الثاني سلامة العين من كل الموانع والصوارف التي تحول دون الرؤية السليمة ، فإن طرأ على العين من الآفات والأمراض ما ينقص سلامتها
نتج عن ذلك ضعف الرؤية ، وكلما زادت الأمراض وكثرت العاهات كلما زاد خلل الرؤية ، وربما إن كان المرض شديدا رأت العين الأشياء مشوهة على خلاف طبيعتها .
كذلك حال القلب مع الإيمان فكلما تمكنت المعاصي ولذة الشهوات وقوة الهوى من القلب كلما قل إدراكه و عظم خرابه وزاد تعلقا وإقبالا على الدنيا ، وتفريطاً في أمور الآخرة ، وضعف الإيمان فيه وأصبح عرضة للوساوس والفتن وأكثر قابلية للصدام مع الدين
وإذا لم يتدارك المرء نفسه بتوبة وإنابة صادقة ، ليغسل ما في قلبه من السواد ويداوي ما اعتلاه من العلل والأمراض ، بل أمعن في اقتراف المعاصي والآثام والغفلة عن رب الأنام ، عندها يتضاعف حجم مرضه وتتسع دائرة سواد قلبه ، إلى أن يكسو السواد كل قلبه فيعمى القلب ، ويقع في داء عضال طويل المآل عسير الزوال ، وهو الطبع والختم والران الذي حذر منه القرءان بقوله
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) البقرة
وقال ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي
فِي الصُّدُور)) الحج
وقال (( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون )) البقرة
وقال ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) محمد
وقال ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)) النحل
وفي هذا الصدد يقول الإمام الغزالي (ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلوب وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بأمر الآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويصير مقصور الهم عليها ، فإذا قرع سمعه أمر الآخرة وما فيها من الأخطار دخل من أذن وخرج من أذن ، ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك أولئك يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة )
إذا فمواقف الناس المختلفة من الإيمان ، هي ترجمة وانعكاس لأحوال قلوبهم وعن أنواع هذه القلوب يقول ابن القيم في كتابه الوابل الصيب (والقلوب ثلاثة : قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذ بيتا ووطنا ، وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن .
القلب الثاني : قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه ، لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية ، فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع ، فالحرب دول وسجال وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر ومنهم من هو تارة وتارة .
القلب الثالث : قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان ، وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات ، فلنوره في صدره إشراق ولذلك الإشراق إيقاد ، لو دنا منه الوسواس احترق به فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق )

وكثيرا ما نعجب من أناس على مستوى من الثقافة والمعرفة ، إذا خاض في الحديث عن أمور الدين والإيمان تفوه بسخف منقطع النظير وتكلم بكلام يتعفف عنه الجاهل والطفل الصغير وتعلل باستشكالات هي أقرب للوهم منها للحقيقة ، وما ذاك إلا من الفساد الذي استحكم قلبه نتيجة غلبة هواه ، فطمس عن إبصار الحقائق وسيطر عليه منطق اللذة والمادة والشهوة ، واختلت لديه اعتبارات الحكم على الأشياء ، فيرى الحق باطلاً والباطل حقاً ، وفيهم يقول عز وجل ((وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) المطففين
ويقول الفخر الرازي في تفسيره عن هذه الآية ( فالمعنى ليس الأمر كما يقوله من أن ذلك أساطير الأولين ، بل أفعالهم الماضية صارت سبباً لحصول الرين في قلوبهم )
وقال تعالى ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) الأنعام
وقال ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا )) الكهف
وقال (( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) البقرة
وهنا نرى أن الله أحال السبب في اشتراكهم مع من قبلهم في طرح مثل هذه التساؤلات المكابرة ، إلى تشابههم معهم في ضلال قلوبهم
وأشد القلوب نكوصا وأعتاها كفرا وضلالا ، هي التي وصلت للتشوه الكامل والانطماس التام، فتراها في انسجام وألفة مع أسباب هلاكها ، ونفور واشمئزاز من أسباب صلاحها وسعادتها ونجاتها ، ويغدو النفع في حقها ضراً والضر في حقها نفعاً وهي التي قال عنها تبارك وتعالى (( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) الزمر
وقال (( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا )) الإسراء
وقال ((فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)) الزمر
ويوضح الإمام الفخر الرازي في تفسيره عامل الاختلاف بين قلب المؤمن والكافر في كيفية التأثر بالقرآن والذكر بقوله
(إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر بعيدة عن مناسبة الروحانيات شديدة الميل إلى الطبائع البهيمية والأخلاق الذميمة ، فإن سماعها لذكر الله يزيدها قسوة وكدورة ، وتقرير هذا الكلام بالأمثلة فإن الفاعل الواحد تختلف أفعاله بحسب اختلاف القوابل كنور الشمس يسود وجه القصار ويبيض ثوبه ، وحرارة الشمس تلين الشمع وتعقد الملح ، وقد نرى إنساناً واحداً يذكر كلاماً واحداً في مجلس واحد فيستطيبه واحد ويستكرهه غيره ، وما ذاك إلا ما ذكرناه من اختلاف جواهر النفوس) إذا فمشكلة أهل الكفر من الإيمان ليست مشكلة منطق أو عقل بقدر ما هي مشكلة قلبية ونفسية قال تعالى ((فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ))
فمثل هؤلاء إذا عرض لهم من الدلائل والعبر ما يؤكد اليقين بوجود الله وبليغ حكمته وعظيم قدرته ، رأيت منهم التفسيرات الفاسدة والآراء الممجوجة ، كذلك إذا سمعوا كلام ربهم يذكرهم بحاجتهم وافتقارهم إليه وأنهم عبيد مملوكون له ، ضاقوا ذرعاً بهذا الكلام وقابلوه بالسخرية والاستهزاء ، وزادوا إصرارا على كفرهم وإلحادهم .
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه في عدة مواضع مقارنة بين حال المؤمنين والكافرين وأثر الآيات والبراهين الإيمانية على كل منهما
قال جل وعلا ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)) البقرة
وقال عز من قائل ((وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)) التوبة
وقال ((لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) الحج
والحمد لله رب العالمين .

مسلم99
04-03-2010, 07:53 PM
إذا فسلامة قلب الإنسان هي رأس مال إيمانه .

فعلاٌ أخي أن قلب الإنسان هو الملك المتوّج وهو الرئيس المتَّبع، فصلاحه وسلامته واستقامته رأس كل خير، وسبب كل فلاح
وسلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة وهي من أسباب دخول الجنة
أخي شرف الدين الصافي سلمت لنا يداكٌ التي خطت هذا الموضوع
وتشرُفنا بك اخي الحبيب فاهلا بكم معنا اخا حبيبا تستفيد منا ونستفيد منكم فلا تحرمنا مما عندكم من علم وفضل تقبل الله منا ومنكم واهلا وسهلا بكم :emrose: :hearts:

...

شرف الدين الصافي
04-04-2010, 12:09 AM
بارك الله بك أخي مسلم 99 وأشكر حفاوة ترحيبك ، وأسأل الله أن ينفع بكم وبكل الأخوة الموحدين

ماكـولا
04-29-2010, 03:25 AM
جزاكم الله خيراً , وبارك فيكم ..
واهلاً بك اخي الكريم وطبت وطاب سعيك
وفقك الرحمن

أمَة الرحمن
04-29-2010, 10:57 AM
جزاكم الله كل خير على هذا الموضوع الجميل.