المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القدر المشترك بين صفة الخالق وصفة المخلوق ..



مالك مناع
04-07-2010, 10:50 AM
قال فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى:

"التشبيه مصدر شبَّهَهُ بغيره تشبيها، أو شبَّه الشيء بكذا تشبيها.

فالتشبيه: هو جعل مخلوق مشابها لله جل وعلا، أو جعل الله جل جلاله مشابها في صفاته للمخلوقات.

والتشبيه مراتب أيضا:

المرتبة الأولى من مراتب التشبيه: التشبيه الكامل وهو المساوي للتمثيل؛ يعني أن يقول يده كيدي، كقول المجسمة والعياذ بالله، وصورته كصورتي والعياذ بالله، وأشباه ذلك، فهذا تشبيه كامل؛ يعني شبه الله جل وعلا بالمخلوق من جهة الصفة في الكيفية وفي المعنى.

وهذا كفر بالله جل وعلا: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"؛ والمشبه يعبد صنما، الممثل يعبد صنما، تخيل في نفسه صورة للرب جل وعلا وجعلها عليه، وهذا كما قلنا لكم لا يمكن أن يكون لله جل وعلا في ذاته وصفاته شيء يتخيله العبد أو يتصوره؛ لأنه كل ما خطر ببالك فالله جل وعلا بخلافه، كل ما جاء في بالك فالله سبحانه وتعالى بخلافه.

لأن المعرفة واستقبال المعارف والإدراكات في الإنسان ستأتي شيئا فشيئا؛ وهو أصلا جاء من غير إدراك، فالله جل وعلا جعل له السمع والبصر والفؤاد ليدرك.

فإذن كل المدركات في الإنسان مجلوبة له من واقع ما رأى، ومن واقع ما سمع، أو من واقع ما قارن، والشيء الذي لم يره ولم يسمعه وليس ثَم ما يقارَن به، فكيف تحصل له معرفته، ولذلك تجد أن الإنسان لا يمكن يتصور شيء ما رآه أو رأى مثيلا له أو رأى ما يقاس عليه؛ ما يجتمع هو وإياه في أشياء، ما يمكن أن يتصوّر شيء لم يره أصلا أو لم ير مثيلا له؛ لكن لو رأى ما يقاس عليه ممكن، رأى مثيلا له ممكن.

مثلا تقول الإنسان الياباني مختلف في صورته عنَّا لكن يبقى التخيل العام عندك أنه ما دام أنه إنسان فهو على هذه الصفة.
تقول مثلا الخبز في بلد له شكل غريب، لا تتصور أنت هذا الشكل لكن تعرف الخبز ما هو من حيث الصفة؛ لأنك تعرف أن ذاك سيكون في مادته مشابها لهذا الذي عرفته.

لو ذُكر لك شيء غريب مثلا في بلد من البلاد فيه بناء، ممكن أن تتصور البناء على نحو ما إذا كنت رأيت شبيها له أو ما يقاس عليه؛ أو مركبات هذا البناء وطريقة البناء وأنه أدوار مثلا، قال لك مثلا مثلث، شُرح لك عن الأهرامات من صفتها كذا وكذا، يمكن أن تتصور لأنك رأيت مثيلا له، رأيت ما يقاس عليه، رأيت ما يمكن أن تعقد مقارنة فتصل على نوع إدراك لذلك.
أما الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته فلا يقاس بخلقه ولم ير مثيلا له جل جلاله ولا يقارن بشيء، ولذلك كل ما يخطر في البال إنما هو من جرّاء إدراكات مختلفة لا يمكن أن يكون منها حقيقة الرب جل جلاله.

ولهذا كل ما خطر في بالك فالله سبحانه وتعالى بخلافه، فإذا استرسل مع هذا وشبه فإنّه يعبد صنما، يعني تخيّل في نفسه صورة وهيأ له إلها يكون على نحو ما فعبده.

لهذا قال أئمة السلف: المشبه يعبد صنما والمعطل يعبد عدما.

هذا التشبيه الكامل الذي هو التّمثيل، وهذا التمثيل أو التشبيه قد يكون في الذات بأجمعها، وقد يكون في صفة من الصفات، قد يقول: الله سبحانه وتعالى مثلي على صفتِي -والعياذ بالله- وهذا كفر، أو يقول يده كَيَدي، وسمعه كسمعي، وعينه كعيني وأشباه ذلك وهذا أيضا كفر بالله جل جلاله.

المرتبة الثانية في التشبيه: أن يكون التشبيه في بعض الصفة لا في الكيفية ولكن في المعنى، فيقول: الكيفية لا نعلمها لكن معنى الصفة في الله جل وعلا هو معناها في المخلوق.

وهذا أيضا مما ينبغي تجنبه؛ لأن صفة الرب جل وعلا معناها في حقه كامل لا يعتريه نقص من وجه من الوجوه، وأما في المخلوق فهو فيه الصفة ولكنها ناقصة تناسب نقص ذاته.

ولهذا يقال في مثل هذا: إن الله جل وعلا له الكمال المطلق في صفة السمع، والمخلوق متصف بالسمع، أو تقول لله سمع وللمخلوق سمع وليس السمع كالسمع؛ يعني في أصل المعنى موجود سمع وسمع؛ لكن في تمام المعنى وكماله مختلف ليس الاتصاف في الله جل وعلا مثل الاتصاف في المخلوق.

المرتبة الثالثة في التشبيه: تشبيه العكس؛ تشبيه المخلوق بالخالق والعياذ بالله، وتشبيه المخلوق بالخالق يعني أن يجعل للمخلوق صفة من صفات الله جل وعلا، مثل أن يغيث أو أنه يسمع وهو غائب، أو أن له قدرة أو أن له تصرف في الكون أو أشباه ذلك، وهذا كحال عباد الأصنام والأوثان والقبور وعباد عيسى والملائكة وعباد الأولياء، كلهم على هذه الصفة، يجعلون للمخلوق بعض صفات الله جل وعلا، وهذا لاشك أنه تشبيه وهو في حد ذاته من جهة التشبيه كفر لمن اعتقده، فمن وصف المخلوق بصفة الله جل وعلا من تصريف الكون أو يقولون فلان من الأولياء له ربع الكون يتصرّف فيه أوله نصف الكون يتصرف فيه، أو فلان الملك له التصرف في الملكوت بنفسه فيطلب منه ويستغاث به ويسأل أو يلجأ إليه ونحو ذلك، من الأموات أو من الغائبين.

فكل هذا تشبيه للمخلوق بالخالق وتمثيل للمخلوق بالخالق وهو شرك بالله جل جلاله.

لهذا لم يُطلق أكثر السلف نفي التشبيه، وإنما أطلقوا نفي التمثيل؛ لأن الله جل جلاله قال: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".

ولفظ شبه والتشبيه لم يرد فيه النفي في الكتاب ولا في السنة فيما أعلم، وإنما ورد لفظ التمثيل "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".

وفرق ما بين التمثيل وما بين التشبيه:

لأن التمثيل معناه المساواة هذا مثل هذا؛ يعني يساويه في صفة أو في صفات، أما التشبيه فهو من التشابه، وقد يكون التشابه كاملا، فيكون تمثيلا، وقد يكون التشابه ناقصا فيكون في كلّ المعنى أو في أصل المعنى على نحو ما فصلت لك.

فإذن إذا قيل لا نشبِّه فلا يندرج في ذلك إثبات أصل المعنى يعني التشابه في المعنى؛ لأنه لا يستقيم إثبات الصفات إلا بمشابهة في المعنى، ولكن ليس مشابهة في كل المعنى، ولا في الكيفية؛ لأن هذا تمثيل.

فلهذا لا يُطلق النفي للتشبيه، لا نقول التشبيه منتفيا مطلقا، كما يقوله من لا يحسن، بل يقال التمثيل منتفٍ مطلقا، أما التشبيه فنقول التشبيه منتف؛ الله سبحانه تعالى لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء وينصرف هذا النفي للتشبيه في الكيفية أو في تمام المعنى في كماله.

[شرح الطحاوية]

مالك مناع
04-07-2010, 10:52 AM
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

ما الفرق بين التشبيه والتمثيل في الأسماء والصفات؟

الإجابة: التشبيه والتمثيل في الأسماء والصفات بينهما فرق، ولهذا ينبغي أن نقول: "من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل"، بدل قول: "من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تشبيه".

فالتعبير بالتمثيل أولى لأمور:

أولاً: أنه الموافق للفظ القرآن في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، {فلا تضربوا لله الأمثال}، ولم يقل: ليس كشبهه شيء ولا قال: فلا تضربوا لله الأشباه.

ثانياً: أن التشبيه صار وصفاً يختلف الناس في فهمه، فعند بعض الناس إثبات الصفات يسمى تشبيهاً، ويسمونه من أثبت صفة لله مشبهاً، فتجد ذلك عند المعتزلة كما يقول: الزمخشري في تفسيره الكشاف: "وقالت المشبهة"، ويقصد أهل السنة والجماعة.

ثالثاً: أن نفي التشبيه على الإطلاق بين صفات الخالق وصفات المخلوق لا يصح، لأنه ما منا من صفتين ثابتتين إلا وبينهما اشتراك في أصل المعنى وهذا الاشتراك نوع من المشابهة: فالعلم مثلاً، للإنسان علم، وللرب سبحانه علم، فاشتركا في أصل المعنى، لكن لا يستويان، أما التمثيل فيصح أن تنفي نفياً مطلقاً.

وأيضاً فلا يقال: من غير تأويل بل من غير تحريف، لأن التأويل في أسماء الله وصفاته ليس منفياً على كل حال، بل ما دل عليه الدليل فهو تأويل ثابت وهو بمعنى التفسير، وإنما المنفي هو التحريف وهو صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، كما صنع أهل التعطيل الذين اختلفوا فيما نفوا وأثبتوا من أسماء الله وصفاته، فمنهم من أثبت الأسماء وبعض الصفات ونفي أكثر الصفات، ومنهم من أثبت الأسماء ونفي الصفات كلها، ومنهم من نفي الأسماء والصفات كلها، ومنهم من نفي كل إثبات وكل نفي فقال: لا تصف الله بإثبات ولا نفي.

وأهل السنة بريئون من هذا ويثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات.

وكذلك فقد جاء النص بذم التحريف في قوله: {يحرفون الكلم عن مواضعه}، ولم يقل: يؤولون، والتزام الألفاظ الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة أولى من إحداث ألفاظ أخرى، لأن ما جاء في الشرع أشد وأقوى.

من مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الأسماء والصفات.

مالك مناع
04-07-2010, 10:54 AM
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في درء التعارض:

(وأيضا فيقال: إنه ما من موجودين إلا بينهما قدر مشترك وقدر مميز فإنهما لا بد أن يشتركا في أنهما موجودان ثابتان حاصلان وأن كلا منهما له حقيقة : هي ذاته ونفسه وماهيته حتى لو كان الموجودان مختلفين اختلافا ظاهرا كالسواد والبياض فلا بد أن يشتركا في مسمى الوجود والحقيقة ونحو ذلك بل وفيما هو أخص من ذلك مثل كون كل منهما لونا وعرضا وقائما بغيره ونحو ذلك وهما مع هذا مختلفان؛ وإذا كان بين كل موجودين جامع وفارق فمعلوم أن الله تعالى ليس كمثله شيء : لا في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فلا يجوز أن يثبت له شيء من خصائص المخلوقين ولا يمثل بها، ولا أن يثبت لشيء من الموجودات مثل شيء من صفاته ولا مشابهة في شيء من خصائصه سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا ).

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- عن إطلاق الأشاعرة الصفة النفسية لله تعالى:

(وإن كان قصدهم بالنفسية في حق الله الوجود فقط وهو صحيح؛ لأن الإطلاق الموهم للمحذور في حقه تعالى لا يجوز، وإن كان المقصود به صحيحاً؛ لأن الصفة النفسية في الاصطلاح لا تكون إلا جنساً أو فصلاً، فالجنس كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان، والفصل كالنطق بالنسبة إلى الإنسان، ولا يخفى أن الجنس في الاصطلاح قدر مشترك بين أفراد مختلفة الحقائق، كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والفرس والحمار، وأن الفصل صفة نفسية لبعض أفراد الجنس ينفصل بها عن غيره من الأفراد المشاركة له في الجنس، كالنطق بالنسبة إلى الإنسان، فإنه صفته النفسية التي تفصله عن الفرس مثلاً، المشارك له في الجوهرية والجسمية والنمائية والحساسية، ووصف الله جل وعلا بشيء يراد به اصطلاحاً ما بينا لك، من أعظم الجراءة على الله تعالى كما ترى؛ لأنه جل وعلا واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، فليس بينه وبين غيره اشتراك في شيء من ذاته، ولا من صفاته، حتى يطلق عليه ما يطلق على الجنس والفصل، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً؛ لأن الجنس قدر مشترك بين حقائق مختلفة).