المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قوله تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة"



ماكـولا
04-10-2010, 03:49 PM
قال الشنقيطي رحمه الله في اضواء البيان " قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} الآية في قوله: {خليفة} وجهان من التفسير للعلماء:

أحدهما: أن المراد بالخليفة أبونا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره. وقيل: لأنه صار خلفا من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبله، وعليه فالخليفة: فعيلة بمعنى فاعل. وقيل: لأنه إذا مات يخلفه من بعده، وعليه فهو من فعيلة بمعنى مفعول. وكون الخليفة هو آدم هو الظاهر المتبادر من سياق الآية.

الثاني: أن قوله: {خليفة} مفرد أريد به الجمع، أي خلائف، وهو اختيار ابن كثير. والمفرد إن كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مرادا به الجمع كقوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر} يعني وأنهار بدليل قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} الآية وقوله: {واجعلنا للمتقين إماما}، وقوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} ونظيره من كلام العرب قول عقيل بن علفة المري: [الوافر]
وكان بنو فزارة شرعم ... وكنت لهم كشر بني الأخينا

وقول العباس بن مرداس السلمي: [الوافر]

فقلنا اسلموا إنا أخوكم ... وقد سلمت من الإحن الصدور

وأنشد له سيبويه قول علقمة بن عبدة التميمي: [الطويل]
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب

وقول الآخر: [الوافر]
كلوا في بعض بطنكم تعفوا ... فإن زمانكم زمن خميص
وإذا كانت هذه الآية الكريمة تحتمل الوجهين المذكورين. فاعلم أنه قد دلت آيات أخر على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالخليفة: الخلائف من آدم وبنيه لا آدم نفسه وحده. كقوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} الآية .

ومعلوم أن آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس ممن يفسد فيها، ولا ممن يسفك الدماء. وكقوله: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} الآية وقوله: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} الآية وقوله: {ويجعلكم خلفاء} الآية ونحو ذلك من الآيات.

ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد بالخليفة آدم، وأن الله أعلم الملائكة أنه يكون من ذريته من يفعل ذلك الفساد وسفك الدماء. فقالوا ما قالوا، وأن المراد بخلافة آدم الخلافة الشرعية، وبخلافة ذريته أعم من ذلك، وهو أنهم يذهب منهم قرن ويخلفه قرن آخر.

تنبيه
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة؛ يسمع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة، ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم إلى أن قال: ودليلنا قول الله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} وقوله تعالى : {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} وقال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} أي: يجعل منهم خلفاء إلى غير ذلك من الآي.

وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين، حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ورووا لهم الخبر في ذلك فرجعوا وأطاعوا لقريش. فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها. ولقال قائل: إنها غير واجبة لا في قريش ولا في غيرهم. فما لتنازعكم وجه، ولا فائدة في أمر ليس بواجب، ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك. فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين والحمد لله رب العالمين. انتهى من القرطبي.

قال مقيدة عفا الله عنه: من الواضح المعلوم من ضرورة الدين أن المسلمين يجب عليهم نصب إمام تجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الله في أرضه. ولم يخالف في هذا إلا من لا يعتد به كأبي بكر الأصم المعتزلي، الذي تقدم في كلام القرطبي، وكضرار، وهشام القوطي ونحوهم.

وأكثر العلماء على أن وجوب الإمامة الكبرى بطريقة الشرع كما دلت عليه الآية المتقدمة وأشباهها وإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ ولأن الله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن. كما قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} ، لأن قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} فيه إشارة إلى إعمال السيف عند الإباء بعد إقامة الحجة.
وقالت الإمامية: إن الإمامة واجبة بالعقل لا بالشرع.

وعن حسن البصري والحاجظ والبلخي: أنها تجب بلعقل والشرع معا , واعلم أن ما تقوله العمامية من المفتريات على أبي بكر وعمر وأمثالهم من الصحابة, وما تتقوله في الأثني عشر إماما, وفي الإمام المنتظر المعصوم, ونحو ذلك من خرافات وأكاذيب الباطلة كلفةله باطل لا أصل له.

وإذا أردت الوقوف على تحقيق ذلك: فعليك بكتاب " منهاج السنة في نقض كلام الشيعة والقدرية" للعلامة الشيخ تقي الدين أبي العباس بن تيمية, فإنه جاء فيه بما لا مزيد عليه من الأدلة القاطعة, والبراهين الساطعة علي إبطال جميع تلك الخرافات المختلفة. فإذا حققت وجوب نصب الإمام الأعظم على المسلمين.

فاعلم أن الإمامة تنعقد له بأحد أمور:

الأول: ما لو نص صلى الله عليه وسلم على أن فلانا هو الإمام. فإنها تنعقد له بذلك.
وقال بعض العلماء: إن إمامة أبي بكر رضي الله عنه من هذا القبيل, لإن تقديم النبي صلي الله عليه وسلم له في إمامة الصلاة وهي أهم شئ, فيه إشارة إلى التقديم للإمامة الكبرى وهو ظاهر.

الثاني: هو اتفاق أهل الحل والعقد على بيعته.

وقال بعض العلماء: إن إمامة أبي بكر منه, لإجماع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار عليها ب الخلاف, ولا عبرة بعدم رضى بعضهم, كما وقع من سعد بن وقاس رضي الله عنه من عدم قبوله بيعة أبي بكر رضي الله عنه.

الثالث: أن يعد إليه الخليفة الذي قبله, كما وقع من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما.
ومن هذا القبيل، جعل عمر رضي الله عنه الخلافة شورى بين ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنهم راض.

الرابع: أن يتغلب على الناس بسيفه وينزع الخلافة بالقوة حتى يستتب له الأمر وتدين له الناس لما في الخروج عليه حينئذ من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم.

قال بعض العلماء: ومن هذا القبيل قيام عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير وقتله إياه في مكة على يد الحجاج بن يوسف فاستتب الأمر له. كما قاله ابن قدامة في "المغني".

ومن العلماء من يقول: تنعقد له الإمامة ببيعة واحد، وجعلوا منه مبايعة عمر لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة، ومال إليه القرطبي. وحكى عليه إمام الحرمين الإجماع وقيل: ببيعة أربعة. وقيل غير ذلك.
هذا ملخص كلام العلماء فيما تنعقد به الإمامة الكبرى. ومقتضى كلام الشيخ تقي الدين أبي العباس ابن تيمية في "المنهاج" أنها إنما تنعقد بمبايعة من تقوى به شوكته، ويقدر به
على تنفيذ أحكام الإمامة؛ لأن من لا قدرة له على ذلك كآحاد الناس ليس بإمام.

واعلم أن الإمام الأعظم تشترط فيه شروط:
الأول: أن يكون قرشيا وقريش أولاد فهر بن مالك. وقيل: أولاد النضر بن كنانة. فالفهري قرشي بلا نزاع. ومن كان من أولاد ملك بن النضر أو أولاد النضر بن كنانة فيه خلاف. هل هو قرشي أو لا ؟ وما كان من أولاد كنانة من غير النضر فليس بقرشي بلا نزاع.

قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة في ذكر شرائط الإمام. الأول: أن يكون من صميم قريش لقوله صلى الله عليه وسلم :"الأئمة من قريش" وقد اختلف في هذا.

قال مقيده عفا الله عنه: الاختلاف الذي ذكره القرطبي في اشتراط كون الإمام الأعظم قرشيا ضعيف. وقد دلت الأحاديث الصحيحة على تقديم قريش في الإمامة على غيرهم. وأطبق عليه جماهير العلماء من المسلمين.

وحكى غير واحد عليه الإجماع ودعوى الإجماع تحتاج إلى تأويل ما أخرجه الإمام أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال: "إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته". فذكر الحديث وفيه:"فإن أدركني أجلى وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل".

ومعلوم أن معاذا غير قرشي وتأويله بدعوى انعقاد الإجماع بعد عمر أو تغيير رأيه إلى موافقة الجمهور. فاشتراط كونه قرشيا هو الحق، ولكن النصوص الشرعية دلت على أن ذلك التقديم الواجب لهم في الإمامة مشروط بإقامتهم الدين وإطاعتهم لله ورسوله، فإن خالفوا أمر الله فغيرهم ممن يطيع الله تعالى وينفذ أوامره أولى منهم.

فمن الأدلة الدالة على ذلك ما رواه البخاري في "صحيحه"، عن معاوية حيث قال: باب الأمراء من قريش. حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: "كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش: أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك قحطان فغضب، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فإنه قد بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين" . انتهى من "صحيح البخاري" بلفظه.

ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أقاموا الدين" لأن لفظة "ما" فيه مصدرية ظرفية مقيدة لقوله :"إن هذا الأمر في قريش" ؛ وتقرير المعنى إن هذا الأمر في قريش مدة إقامتهم الدين، ومفهومه: أنهم إن لم يقيموه لم يكن فيهم. وهذا هو التحقيق الذي لا شك فيه في معنى الحديث.

وقال ابن حجر في "فتح الباري" في الكلام على حديث معاوية هذا، ما نصه: وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه نظير ما وقع في حديث معاوية، ذكره محمد بن إسحاق في الكتاب الكبير. فذكر قصة سقيفة بني ساعدة، وبيعة أبي بكر وفيها: فقال أبو بكر: وإن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره. وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء:

الأول: وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به. كما في الأحاديث التي ذكرتها في الباب الذي قبله حيث قال: "الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا: ما حكموا فعدلوا" ، الحديث وفيه: "فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله" .
وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم.

الثاني: وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم. فعند أحمد وأبي يعلى من حديث ابن مسعود رفعه: "إنكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا، فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب" . ورجاله ثقات إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه، هذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد الله، وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه عن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري ولفظه: "لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته" الحديث.

وفي سماع عبيد الله من أبي مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار، أخرجه الشافعي والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء، ولفظه: قال لقريش :"أنتم أولى بهذا الأمر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة" وليس في هذا تصريح بخروج الأمر عنهم، وإن كان فيه إشعار به.

الثالث: الإذن في القيام عليهم وقتالهم، والإيذان بخروج الأمر عنهم كما أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان رفعه: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء" . ورجاله تقات، إلا أن فيه انقطاعا؛ لأن روايه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه.

وأخرج أحمد من حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة بعدهما راء، وهو ابن أخي النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود لهم " وسنده جيد، وهو شاهد قوي لحديث القحطاني فإن حمير يرجع نسبها إلى قحطان، وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية: "ما أقاموا الدين" أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم. انتهى.

واعلم أن قول عبد الله بن عمرو بن العاص، الذي أنكره عليه معاوية في الحديث المذكور، إنه سيكون ملك من قطحان إذا كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعني به القحطاني الذي صحت الرواية بملكه، فلا وجه لإنكاره لثبوت أمره في الصحيح، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه". أخرجه البخاري في "كتاب الفتن" في "باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان"، وفي "كتاب المناقب" في "باب ذكر قحطان". وأخرجه مسلم في "كتاب الفتن وأشراط الساعة" في "باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء" وهذا القحطاني لم يعرف اسمه عند الأكثرين.

وقال بعض العلماء اسمه جهجاه. وقال بعضهم: اسمه شعيب بن صالح. وقال ابن حجر في الكلام على حديث القطحاني هذا ما نصه: وقد تقدم في الحج أن البيت يحج بعد خروج يأجوج ومأجوج: وتقدم الجمع بينه وبين حديث :"لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت. وأن الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة" فينتظم من ذلك أن الحبشة إذا خربت البيت خرج عليهم القحطاني فأهلكهم، وأن المؤمنين قبل ذلك يحجون في زمن عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم، وأن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقي بعد عيسى ويتأخر أهل اليمن بعدها.

ويمكن أن يكون هذا مما يفسر به قوله: "الإيمان يمان" أي: يتأخر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض. وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين فلعله رمز إلى هذا. انتهى منه بلفظه والله أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم.

الثاني: من شروط الإمام الأعظم: كونه ذكرا ولا خلاف في ذلك بين العلماء،ويدل له ما ثبت في "صحيح البخاري" وغيره من حديث أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" .

الثالث: من شروط الإمام الأعظم كونه حرا. فلا يجوز أن يكون عبدا، ولا خلاف في هذا بين العلماء.
فإن قيل: ورد في الصحيح ما يدل على جواز إمامة العبد. فقد أخرج البخاري في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة".

ولمسلم من حديث أم الحصين: اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله.

ولمسلم أيضا من حديث أبي ذر رضي الله عنه أوصاني خليلي أن أطيع وأسمع، وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف.

فالجواب من أوجه:

الأول: أنه قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود؛ فإطلاق العبد الحبشي لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يتصور شرعا أن يلي ذلك، ذكر ابن حجر هذا الجواب عن الخطابي، ويشبه هذا الوجه قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} على أحد التفسيرات.

الوجه الثاني: أن المراد باستعمال العبد الحبشي أن يكون مؤمرا من جهة الإمام الأعظم على بعض البلاد وهو أظهرها، فليس هو الإمام الأعظم.

الوجه الثالث: أن يكون أطلق عليه اسم العبد؛ نظرا لاتصافه بذلك سابقا مع أنه وقت التولية حر، ونظيره إطلاق اليتم على البالغ باعتبار اتصافه به سابقا في قوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} الآية وهذا كله فيما يكون بطريق الاختيار. أما لو تغلب عبد حقيقة بالقوة فإن طاعته تجب؛ إخمادا للفتنة وصونا للدماء ما لم يأمر بمعصية كما تقدمت الإشارة إليه.
والمراد بالزبيبة في هذا الحديث، واحدة الزبيب المأكول المعروف، الكائن من العنب إذا جف، والمقصود من التشبيه: التحقير وتقبيح الصورة؛ لأن السمع والطاعة إذا وجبا لمن كان كذلك دل ذلك على الوجوب على كل حال إلا في المعصية كما يأتي ويشبه قوله صلى الله عليه وسلم :"كأنه زبيبة". قول الشاعر يهجو شخصا أسود:
دنس الثياب كأن فروة رأسه ... غرست فأنبت جانباها فلفلا

الرابع: من شروطه أن يكون بالغا. فلا تجوز إمامة الصبي إجماعا لعدم قدرته على القيام بأعباء الخلافة.

الخامس: أن يكون عاقلا فلا تجوز إمامة المجنون ولا المعتوه، وهذا لا نزاع فيه.

السادس: أن يكون عدلا فلا تجوز إمامة فاسق، واستدل عليه بعض العلماء بقوله تعالى: {قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} الآية، ويدخل في اشتراط العدالة اشتراط الإسلام؛ لأن العدل لا يكون غير مسلم.

السابع: أن يكون ممن يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين، مجتهدا يمكنه الاستغناء عن استفتاء غيره في الحوادث.

الثامن: أن يكون سليم الأعضاء غير زمن ولا أعمى ونحو ذلك، ويدل لهذين الشرطين الأخيرين، أعني: العلم وسلامة الجسم قوله تعالى في طالوت: {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}.

التاسع: أن يكون ذا خبرة ورأي حصيف بأمر الحرب، وتدبير الجيوش، وسد الثغور، وحماية بيضة المسلمين، وردع الأمة، والانتقام من الظالم، والأخذ للمظلوم. كما قال لقيط الإيادي: [البسيط]
وقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مطلعا

العاشر: أن يكون ممن لا تلحقه رقة في إقامة الحدود، ولا فزع من ضرب الرقاب، ولا قطع الأعضاء، ويدل ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن الإمام لا بد أن يكون كذلك. قاله القرطبي.

مسائل:

الأولى: إذا طرأ على الإمام الأعظم فسق أو دعوة إلى بدعة. هل يكون ذلك سببا لعزله والقيام عليه أو لا ؟
قال بعض العلماء: إذا صار فاسقا أو داعيا إلى بدعة جاز القيام عليه لخلعه، والتحقيق الذي لا شك فيه أنه لا يجوز القيام عليه لخلعه إلا إذا ارتكب كفرا بواحا عليه من الله برهان.

فقد أخرج الشيخان في "صحيحيهما"، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله". قال :"إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان".

وفي "صحيح مسلم"، من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم " قالوا: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال :"لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة" .
وفي "صحيح مسلم"، أيضا: من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف بريء، ومن أنكر سلم، ولكن من رضى وتابع" . قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم ؟ قال :" لا ما صلوا".

وأخرج الشيخان في "صحيحيهما" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا مات ميتة جاهلية" .
وأخرج مسلم في "صحيحه"، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" ، والأحاديث في هذا كثيرة.

فهذه النصوص تدل على منع القيام عليه، ولو كان مرتكبا لما لا يجوز،إلا إذا ارتكب الكفر الصريح الذي قام البرهان الشرعي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه كفر بواح، أي: ظاهر باد لا لبس فيه.

وقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول: بخلق القرآن وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وأنواع الإهانة، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك. ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة، فأبطل المحنة، وأمر بإظهار السنة.

واعلم أنه أجمع جميع المسلمين على أنه لا طاعة لإمام ولا غيره في معصية الله تعالى. وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا لبس فيها ولا مطعن، كحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" أخرجه الشيخان وأبو داود.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في السرية الذين أمرهم أميرهم أن يدخلوا في النار: "لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا؛ إنما الطاعة في المعروف" . وفي الكتاب العزيز: {ولا يعصينك في معروف} .

المسألة الثانية : هل يجوز نصب خليفتين كلاهما مستقل دون الآخر ؟. في ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: قول الكرامية بجواز ذلك مطلقا محتجين بأن عليا ومعاوية كانا إمامين واجبي الطاعة كلاهما على من معه، وبأن ذلك يؤدي إلى كون كل واحد منهما أقوم بما لديه وأضبط لما يليه.
وبأنه لما جاز بعث نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الإمامة أولى.

القول الثاني: قول جماهير العلماء من المسلمين: أنه لا يجوز تعدد الإمام الأعظم، بل يجب كونه واحدا، وأن لا يتولى على قطر من الأقطار إلا أمراؤه المولون من قبله، محتجين بما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" .

ولمسلم أيضا: من حديث عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" .
وفي رواية: "فاضربوه بالسيف كائنا من كان" .
ولمسلم أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" ثم قال: سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي".

وأبطلوا احتجاج الكرامية بأن معاوية أيام نزاعه مع علي لم يدع الإمامة لنفسه، وإنما ادعى ولاية الشام بتولية من قبله من الأئمة، ويدل لذلك:
إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما فقط لا كل منهما.

وأن الاستدلال بكون كل منهما أقوم بما لديه وأضبط لما يليه، وبجواز بعث نبيين في وقت واحد، يرده قوله صلى الله عليه وسلم: "فاقتلوا الآخر منهما" ؛ ولأن نصب خليفتين يؤدي إلى الشقاق وحدوث الفتن.

القول الثالث: التفصيل فيمنع نصب إمامين في البلد الواحد والبلاد المتقاربة، ويجوز في الأقطار المتنائية كالأندلس وخراسان.

قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: لكن إن تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان، جاز ذلك على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. انتهى منه بلفظه.
والمشار إليه في كلامه: نصب خليفتين، وممن قال بجواز ذلك:

الأستاذ أبو إسحاق كما نقله عنه إمام الحرمين. ونقله عنه ابن كثير والقرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة.
وقال ابن كثير: قلت: وهذا يشبه حال الخلفاء: بني العباس بالعراق، والفاطميين بمصر، والأمويين بالمغرب.

المسألة الثالثة: هل للإمام أن يعزل نفسه ؟.

قال بعض العلماء: له ذلك. قال القرطبي: والدليل على أن له عزل نفسه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أقيلوني أقيلوني، وقول الصحابة رضي الله عنهم: لا نقيلك ولا نستقيلك. قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فمن ذا يؤخرك ؟ رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك ؟.

قال: فلو لم يكن له ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه. ولقالت له ليس لك أن تقول هذا.

وقال بعض العلماء: ليس له عزل نفسه؛ لأنه تقلد حقوق المسلمين فليس له التخلي عنها.

قال مقيده عفا الله عنه إن كان عزله لنفسه لموجب يقتضي ذلك كإخماد فتنة كانت ستشتعل لو لم يعزل نفسه، أو لعلمه من نفسه العجز عن القيام بأعباء الخلافة، فلا نزاع في جواز عزل نفسه. ولذا أجمع جميع المسلمين على الثناء على سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسن بن علي رضي الله عنهما، بعزل نفسه وتسليمه الأمر إلى معاوية، بعد أن بايعه أهل العراق؛ حقنا لدماء المسلمين وأثنى عليه بذلك قبل وقوعه، جده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" . أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

المسألة الرابعة: هل يجب الإشهاد على عقد الإمامة ؟.

قال بعض العلماء: لا يجب؛ لأن إيجاب الإشهاد يحتاج إلى دليل من النقل. وهذا لا دليل عليه منه.

وقال بعض العلماء: يجب الإشهاد عليه؛ لئلا يدعي مدع أن الإمامة عقدت له سرا، فيؤدي ذلك إلى الشقاق والفتنة.
والذين قالوا بوجوب الإشهاد على عقد الإمامة، قالوا: يكفي شاهدان خلافا للجبائي في اشتراطه أربعة شهود وعاقدا ومعقودا له، مستنبطا ذلك من ترك عمر الأمر شورى بين ستة فوقع الأمر على عاقد، وهو عبد الرحمن بن عوف ومعقود له، وهو عثمان وبقي الأربعة الآخرون شهودا، ولا يخفى ضعف هذا الاستنباط كما نبه عليه القرطبي وابن كثير والعلم عند الله تعالى

ماكـولا
04-10-2010, 04:04 PM
حكم وصف الإنسان بأنه خليفة الله:

اسئل ابن عثيمين رحمه الله " كثيراً ما نقرأ ونسمع عن وصف الإنسان بأنه خليفة الله في أرضه، ويستدلون بقول الله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، وقوله سبحانه وتعالى لداود يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ... [ص:26]، ويفرقون بينه وبين قول الله سبحانه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام:165]، فما هو الصحيح في هذا الشيء؟

الجواب: الصحيح بارك الله فيك! أنه إن أريد بالخليفة أنه وكيل عن الله في خلقه فهذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى أعلم بخلقه، وهو متصرف فيهم، ولا يحتاج إلى واسطة أو وكيل، وإن أريد بذلك أنه قائم بأمر الله، منفذ لأمر الله، في عباد الله؛ فهذا لا بأس به. وقد ذكر الله عدة آيات تدل على هذا المعنى مثل قوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام:165] وقوله: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص:26] وما أشبه ذلك، فالخليفة إذا قصد به أن الإنسان وكيل لله، وأن الله عز وجل أسند الأمر إليه؛ فهذا لا يجوز، وإن أريد بذلك أنه خليفته، أي: منفذ لشريعة الله في أرض الله؛ فهذا لا بأس به، أي أنه يجوز أن يطلق عليه خليفة الله بالمعنى الذي ذكرت. ......"


نقل الطبري " 604- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال الله تعالى ذكره للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا وأجعل فيها خليفة. وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق .
وهذا القول يحتمل ما حكي عن الحسن، ويحتمل أن يكون أراد ابن زيد أن الله أخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة له يحكم فيها بين خلقه بحكم .. الخ ما قال

وقال ابن كثير " { إني جاعل في الأرض خليفة } أي: قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل، كما قال تعالى: { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } [الأنعام: 165] وقال { ويجعلكم خلفاء الأرض } [النمل: 62]. وقال { ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون } [الزخرف: 60]. وقال { فخلف من بعدهم خلف } [مريم: 59]
... وليس المراد هاهنا بالخليفة آدم، عليه السلام، فقط، كما يقوله طائفة من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل، وفي ذلك نظر، بل الخلاف في ذلك كثير، حكاه فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره، والظاهر أنه لم يرد آدم عينا إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } فإنهم إنما أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ويقع بينهم من المظالم ويرد عنهم المحارم والمآثم، قاله القرطبي أو أنهم قاسوهم على من سبق، كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك.

وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين [وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي: لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه وهاهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقا. قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها فقالوا: { أتجعل فيها } الآية وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك كما سيأتي، أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: { إني أعلم ما لا تعلمون } أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم."

قال الزمخشري " قوله : { فِى الارض خَلِيفَةً } فكانا مفعوليه . ومعناه مُصَيّرٌ في الأرض خليفة . والخليفة : من يخلف غيره . والمعنى خليفة منكم ، لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته . فإن قلت : فهلا قيل : خلائف ، أو خلفاء؟ قلت : أريد بالخليفة آدم . واستغني بذكره عن ذكر بنيه كما استغنى بذكر أبي القبيلة في قولك : مضر وهاشم . أو أريد من يخلفكم ، أو خلفاً يخلفكم فوحد لذلك . وقرىء : «خليقة» بالقاف ويجوز أن يريد : خليفة مني ، لأنّ آدم كان خليفة الله في ارضه وكذلك كلّ نبي { إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً فِى الارض } [ ص : 26 ] .."

وفي قول الله تعالى " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ "

قال الزمخشري " { خَلِيفَةً فِى الأرض } أي : استخلفناك على الملك في الأرض ، كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها . ومنه قولهم : خلفاء الله في أرضه . أوجعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحقّ "

فالشاهد ان الانبياء هم خلفاء الله على دينه وشرعه والانبياء هم من ينبؤون بما يطلعهم الله من اوامره ونواهيه وكذلك الرسل هم رسل الله والمبلغون رسالات الله وشرائعه الى الناس , وكذلك ورثتهم العلماء الذين هم ورثة الانبياء

فاذا عُلم هذا عُلم عظم القول على الله بغير خشية ان يكون قد داخله شيء من حظ النفس او الهوى
وكان من وصية النبي صلى الله عليه وسلم انه كان اذا بعث جيشا وامر عليه اميرا ان يقول له " وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري تصيب حكم الله فيهم أم لا"

وقال الله { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } [سورة الأعراف: 33]
فقرن الشرك بالقول على الله بغير علم بعدما تدرج في المنكارت الى ان وصل الى اعظمها
فلا يصدروا الا عن قال الله او قال رسوله صلى الله عليه وسلم , وكذا الانبياء لا يصدرون الا عن قول الله وامره وقد قال الله " ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله "

قال ابن كثير " هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله وقد توعد الله تعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد"

فالخلاصة الاستخلاف في الارض للأنبياء ومن بعدهم حتى يصلوا الى العلماء والمبلغين عنهم على دين الله الموروث عن الانبياء
فالعلماء هم الموقعون عن الله كما سمى ابن القيم كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين , وكذا السلطان فما من حد يقيمه الا بأمر الله من قصاص ونحوه , ولذلك عظم الحكم بغير ما انزل الله وصار كفرا وشركا لمخالفته ما امر به من البلاغ والاعراض عنه وقد قال الله " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"

وسئل ابن عثيمين رحمه الله
كيف عرفت الملائكة أن آدم وذريته سوف يفسدون في الأرض ويسفك بعضهم دم بعض وهل يدل ذلك على أن هناك بشراً خلقوا قبل آدم علماً بأن الملائكة عندما عرض الله تعالى عليهم الأسماء قالوا لا نعلم وهذا ما جاء في قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة قال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا لا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)؟

ومما اجابه رحمه الله " الجن قد خلقوا قبل الإنس كما قال الله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال حمأ مسموم والجان خلقناه من قبل من نار السموم) ومنهم من قال بل إن المراد بقوله خليفة أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً فيذهب أناس ويأتي آخرون وعندي أن الأقرب لموافقته لظاهر الآية وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء لمن سبقهم فيمن هم على الأرض وأن الملائكة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء بناء على ما حصل من هؤلاء القوم الذين خلفهم آدم وذريته في الأرض وفي الآية الثانية التي ساقها السائل وهو قول الملائكة لما قال الله لهم أعلموني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فيه دليل على أن الإنسان إذا سئل عن شئ لا يعلمه فإنه يقول مثل هذا القول فيقول الله أعلم أو لا علم لنا إلا ما علمنا الله أو ما أشبه ذلك من الكلام فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الفتوى أو على الحكم بين الناس بلا علم لأن ذلك من كبائر الذنوب قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) .."

كيف عرفوا ان لبني آدم دماء وهل للجن دم!
قد روى الامام مسلم عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « لما صور الله آدم فى الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك ».
فلعل الملائكة قد رأوا ادم وعلموا خلقه او انهم علموا ما فعله الجن في المخلوقات من الدواب وغيرها من سفك دمائها وتقديم القرابين وغير ذلك , فقاسوا هذه الخلقة على خلقة بني آدم في ذلك وقتلهم بعضهم لبعض بناءا على اصل خلقة بني البشر
وعليه فليس للجن دماً لكونهم خلقوا من نار , والله اعلم

متعلم أمازيغي
04-10-2010, 09:36 PM
بارك الله فيك أخي الكريم ماكولا
فقط أريد أن أعلق على فتوى الإمام ابن عثيمين رحمه الله بخصوص التسمية بخليفة الله..

أبو بكر رضي الله عنه لما قيل له أنت خليفة الله رفض هذا اللقب،و قال بل أنا خليفة رسول الله،فالخلف للغائب لا للحاضر،و عمر الفاروق رضي الله عنه كان يقال له خليفة خليفة رسول الله فاستثقل هذا الاسم،فلما نودي بأمير المؤمنين أحب هذا اللقب،و لو جاز التسمية بخليفة الله بقبلها عمر بن الخطاب و قبله أبو بكر..

خليفة الله تحيل على نظام حكم فاسد يدعى "الثيوقراطية" فلدرء الشبهات و دفعها ينبغي أن نتحفظ من إطلاق هذه الألقاب.

الله أعلم


بارك الله فيك أخي :emrose:

ماكـولا
04-11-2010, 02:12 AM
حفظك الرحمن يا اخي وبارك فيك , وجزيت خيراً على هذا التعليق

اود ان اذكر شيئاً , ذلكم انه قد سبق الخلاف في تفسير الاية والصحيح عندي والذي ترجح هو ما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
وقد ورد اشكالات منها هذا الذي تفضلت به

فاقول اخي الحبيب

هذا الحديث ورد في المسند رقم 59 عن بن أبي مليكة قال قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله فقال : أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا راض به وأنا راض به وأنا راض

قال الأرناؤوط : إسناده ضعيف لانقطاعه فإن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر

ومنهم من اقتصر اطلاق ذلك على آدم وداود قال البغوي " ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود عليهما السلام ، قال الله سبحانه وتعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " وقال "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض "


وقال ابن الجوزي في زاد المسير " وفي معنى خلافة آدم قولان .
أحدهما : أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ، ودلائل توحيده ، والحكم في خلقه ، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد .
والثاني : أنه خلف من سلف في الأرض قبله ، وهذا قول ابن عباس والحسن ."

والراجح الاول لما سيأتي ان شاء الله

وقال صديق حسن خان " والصحيح أنه إنما سمي خليفة لأنه خليفة الله في أرضه، لإقامة حدوده وتنفيذ قضاياه"

وفي الفتاوى المعاصرة للقرضاوي " ولكني أرى أن الأدلة التي اعتمدا عليها في منع القول بخلافة الإنسان لله في الأرض، ليست قاطعة ولا راجحة.

وعمدة أدلتهما هنا أمران:

أحدهما: أن أبا بكر رضي الله عنه حين قالوا له: يا خليفة الله، قال: لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسبي ذلك.

الثاني: أن الخليفة من يقوم مقام غيره... والله تعالى لا يجوز أن يكون أحد خلفا عنه: لأنه لا سمي له ولا كفء، بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره. كما في حديث: "اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل".

وبالنظر في الدليل الأول نجده قيل في مقام معين له خصوصية ينفرد بها عن سواه. ذلك هو مقام الإمام الأعظم الذي بويع رئيسًا للدولة بعد رسول الله. مظنة الغلو في مثل هذه الحالة قائمة ومعروفة لدى كثير من الأمم، التي ورث المسلمون ملكهم، وأقربهم الفرس: الذين يضفون على ملوكهم ورؤسائهم نوعًا من التقديس والتأليه، وأبو بكر رضي الله عنه - مع أنه رئيس دولة - صاحب عقيدة يريد لها أن تسود وأن تظل سليمة من التشويه والتحريف، وتخصيصه وحده - دون المسلمين جميعًا - بأنه خليفة الله، يخشى منه أن يكون غلوا في التعظيم الذي ينفرد به الحكام عادة. لهذا رفضه رضي الله عنه، واكتفى بأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: "حسبي ذلك" فهذا التعقيب منه يدل على ما ذكرناه. وقد ورد أن أحد الشعراء خاطب أبا بكر بقوله:
أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله في أموالنا حق الزكاة منزلاً تنزيلا

وسواء بلغ هذا الشعر أبا بكر أم لم يبلغه، فقد قيل في عصر أبي بكر، ولم ينقل ألينا أن أحدًا من الصحابة أنكره.
وبذلك يبين لنا أن عبارة أبي بكر ليست نصًا في إنكار خلافة الله العامة لكل البشر، لأنها سيقت في مناسبة خاصة لغرض خاص.

ونظير هذا ما روي عن أبي ذر أنه أنكر على معاوية أن يسمى مال الخزانة الإسلامية "مال الله" وأصر على أن يسميه " مال المسلمين " مع أن إضافة المال إلى الله تعالى واردة في القرآن الكريم: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (النور: 33)، ولكنه هنا خشي أن تهون كلمته " مال الله " من حق أفراد الجماعة في المال، فتمتد إليه يد ولي الأمر في غير مصلحة المسلمين أصحاب المال الحقيقيين.
والذي يعنينا هنا أن العبارة، قد تكون جائزة في نفسها، ولكن يأتي اعتبار معقول، يمنع استعمالها في مقام معين.

وبالنظر إلى الدليل الثاني: لا نسلم أن الخلافة عن الله تستلزم أن يكون الإنسان سميًا لله وكفوًا، تعالى الله عن ذلك. فإن الخليفة هو الوكيل والنائب، والله تعالى يوكل من يشاء من خلقه فيما شاء من أمره. كما وكل ملائكته في بعض شئون خلقه، وكما أناب الإنسان في تنمية المال وإنفاقه، على ما يرضي الله سبحانه مالك المال وصاحبه الحقيقي، قال تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) (الحديد: 7).
قال الزمخشري في تفسير الآية: يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها وخولكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب أ هـ..."


ثم قال " إن الخلافة عن الله توحي بأمور أربعة ليس منها ولا في واحد منها ضرر ولا خطر على الإنسان، بل فيها الخير الكثير لمن تدبرها:

أولها: أن الإنسان ليس مطلق التصرف في هذا الكون يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل، ولا يحاسب على ما يحكم، إنما هو مخلوق مستخلف من خالق الكون وخالقه، موكل بأن يعمره ويتصرف فيه وفق أمر موكله وإرشاد مستخلفه.

ثانيها: أن الله قد أعطاه شرفًا عظيمًا بهذه المنزلة التي خصه بها دون سائر المخلوقات العلوية والسفلية. شرفًا غبطته عليه الملائكة المقربون وعبر عنه الإمام الرازي بقوله: إن الله جعل آدم خليفة له... ومعلوم أن أعلى الناس منصبًا عند الملك من كان قائمًا مقامه في الولاية والتصرف وكان خليفة له... وهذا متأكد بقوله تعالى: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض...) (لقمان: 20)، ثم أكد هذا التعميم بقوله: (خلق لكم ما في الأرض جميعا) (البقرة: 29)، فبلغ آدم في منصب الخلافة إلى أعلى الدرجات، فالدنيا خلقت متعة لبقائه، والآخرة مملكة لجزائه، وصارت الشياطين ملعونين بسبب التكبر عليه، والجن رعيته، والملائكة في طاعته وسجوده والتواضع له، ثم صار بعضهم حافظين له ولذريته، وبعضهم منزلين لرزقه، وبعضهم مستغفرين له.

ثالثها: أن هذا الإنسان المستخلف لا بد أن يكون قد أعطي من الطاقات والمواهب وهيئ له من الأسباب والمعينات والآلات ما يمكنه من القيام بحق هذه الخلافة، وإلا كان استخلافه في هذه الأرض عبثًا يتنزه عنه الإله العليم الحكيم.

ولعلنا نلمح من هذه المواهب موهبة العلم والمعرفة التي برزت في تعلم آدم للأسماء كلها بتعليم الله عز وجل.
كما نجد الوسائل المعينة على مهمة الخلافة في مثل قوله تعالى في الآية السابقة لقصة استخلاف آدم: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا) (البقرة: 29)، أو في آيات أخرى مثل (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه). (الجاثية: 13).

رابعها: أن الإنسان الذي لا يقوم بحق هذه الخلافة ولا يرعى أمانتها، لا يستحق أن يحظى بشرف اسمها، وحمل عنوانها، ووجب أن يسحب منه لقب " خليفة الله " فخلفاء الله هم المؤمنون الصادقون المذكورون في قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (الأنبياء: 105)."

قلت والاخير نجده في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا "
فالاصل الكتاب والسنة والرجوع اليه عند الخلاف وعند اعوجاج الحكام فهم محكومون في الحقيقة مقيدون بالدليل الا ما جاء في ابواب الاجتهاد او المصالح المرسلة وما شابه فالامر يكون بالنظر , فلا مدخل للثيوقراطية , وسقف ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " اذا اجتهد الحاكم فأصاب فلو اجران واذا اجتهد قاخطأ فله اجر واحد " ويقيد ذلك ما ورد عن أبي هاشم قال قال لولا حديث ابن بريدة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة . ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل جار في الحكم فهو في النار " لقلنا إن القاضي إذا اجتهد فهو في الجنة " ابن ماجه


وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1-151 " وقوله "اولئك خلفاء الله في ارضه ودعائه الى دينه "هذا حجة احد القولين في انه يجوز ان يقال فلان خليفة الله في ارضه واحتج اصحابه ايضا بقوله تعالى للملائكة إني جاعل في الارض خليفة واحتجوا بقوله تعالى "وهو الذي جعلكم خلائف في الارض" وهذا خطاب لنوع الانسان وبقوله تعالى" امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض" وبقول موسى لقومه "عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون" وبقول النبي صلى الله عليه و سلم "ان الله مُمكن لكم في الارض ومستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" واحتجوا

بقول الراعي يخاطب ابا بكر رضي الله عنه :
خليفة الرحمن انام معشر ... حنفاء نسجد بكرة واصيلا
عرب نرى لله في اموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا ..."

فهذا الذي يترجح ان شاء الله , والله اعلم
بوركت

متعلم أمازيغي
04-11-2010, 02:46 PM
بارك الله فيك أخي الكريم ماكولا و جعلك الله شعلة حق يهتدى بها

أما إني قد قرأت ما قلت،و قد أجدت و أفدت حفظك الله

لكني لا أتفق معك في ترجيحك و ما استندت عليه

فتلك الكلمة لأبي بكر رضي الله عنه لم ترو بذلك اللفظ فقط،بل رويت بألفاظ مختلفة،و قد علل :radia: رفضه لهذا الاسم بقوله " أما و الله ما أنا بخيركم،و لقد كنت لمقامي (منصب الخلافة) هذا كارها،و لوددت أن فيكم من يكفيني..أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله كان يعصم بالوحي،و كان معه ملك و إن لي شيطانا يعتريني،ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني و إن زغت فقوموني"

فانظر و كأن أبا بكر يعلم أن خلافة الله تتطلب العصمة،فالنبي صلى الله عليه و سلم خليفة الله،لأنه ينوب عنه في تطبيق شرائعه التي أنزل على وجه الكمال و التمام،أما سائر البشر فلا يمكن أن نسميهم خلائف الله لأنه لا أحد يبلغ مرتبة الكمال البشري،و هنا ينبغي أن نتحفظ من اطلاق هذا اللقب على الأمراء الفسقة و الحكام الطغاة و إلا أحطناهم بهالة من القدسية،و هم يجدون في مثل هذه الألقاب مبررا لأفعالهم المشينة و تصرفاتهم الظالمة،وبالتالي لن يكون هناك مجال لمحاسبتهم،لأنهم خلائف الله و ظله،فكلامهم كلام الله،و هم إنما يحكمون بسلطانه،فإذا قالوا فما علينا إلا التصيديق و الخضوع و إلا فإننا نعارض إرادة الله،و انظر ماذا يقول خليفة عباسي(و مثل هذا الكلام نجده عند الأمويين كذلك) :" أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة و عنكم ذادة نحكمكم بحق الله الذي أولانا و سلطانه الذي أعطانا..و إنما أنا سلطان الله في الأرض و حارسه على ماله..جعلني عليه قفلا !!!!!!!! إن شاء الله يفتحني لاعطائكم و إن شاء يقفلني"،و هذا الكلام يا أخي منطقي، أتدري لماذا؟ لأن المال مال الله،و هو الرزاق سبحانه،و الحاكم خليفة الله في الأرض و بالتالي فهو المسؤول عن خزائنها،إن شاء أعطى و إلا كان عليه قفلا...:)):

و في هذا الصدد يا أخي ماكولا فإن أبا ذر رضي الله عنه لم "يثر" بسبب ادعاء معاوية أن المال مال الله،و لكن لأسباب أخرى،و روايتك كانت مبتورة ناقصة،فأبو ذر الغفاري رضي الله عنه ما كان بذلك الجشع بل عرف بزهده و ورعه،و الكثير من مواقفه لم تكن سياسية كما يظن البعض،بل إنما أفعاله صدرت عن قلب مؤمن يبغي إحقاق الحق و إبطال الباطل و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ابتغاء مرضاة الله تعالى،لا لأغراض دنيوية.

قال معاوية : "الأرض لله،و أنا خليفة الله..فما أخذت فلي،و ما تركته للناس فبالفضل مني"،فأجابه أبو ذر الغفاري : كلا إن هذا المال هو مال الناس،فهو لهم .."،فمعاوية هنا لأنه خليفة الله يشبه نفسه به فجعل المال له و أنه المعطي و الرازق و الممتن على العباد..و هذه لاشك ممارسة سافرة للسياسة في الدين،و قد عرف أنه كان يمارس السياسة كذلك في "الغنيمة" باعتماد "المواكلة و المشاربة" كما يسميها هو في أول خطابه للمسلمين...

و معاوية و الأمويون وبعدهم العباسيون كلهم اتخذوا من إيديولوجيا الجبر سندا لإضفاء المشروعية على أفعالهم،و تخدير الناس و أخذهم باسم الله و القدر على الخضوع،لهذا عرف الحسن البصري بشدته على أمراء بني أمية،و كان يقوم في وجههم و ينكر أن تكون أفعالهم صادرة عن إرادة الله و قال بأن الانسان مسؤول عن أفعاله حتى نجده في بعض كتب المعاصرين من القدرية،و رسالته للحجاج بن يوسف مشهورة في كتب التاريخ(كانت ردا على رسالة الحجاج الذي اتهمه فيها بإنكار القدر).

لهذا يا أخي لا أرى أن نسمي غير الأنبياء بخلفاء الله تعالى اقتداء بالسلف،فلو نظرنا في كتب السنة و التاريخ نجد أن الصحابة كانوا ينادون أبا بكر بخليفة رسول الله،أي يخلفه في قيادة الأمة و الاجتهاد قدر الامكان في تطبيق سنته صلى الله عليه و سلم.و لحادثة السقيفة في هذا الصدد عبرة،فالصحابة كانوا يتفاوضون على من يخلف الله،فلا أحد قال بوراثة النبوة و بالتالي العصمة كما هو عند الشيعة،بل نظروا إلى الكفاءة السياسية و الشرعية،فكان أبو بكر محل إجماع المسلمين،و لو كان أبو بكر خليفة الله لكان من اختياره سبحانه و تعالى كما اختار الأنبياء و الرسل،و لكن الأمر كان شورى بين المسلمين.

إن السلطة الدينية و الحق الالهي و الثيوقراطية،مفاهيم لا تمت للاسلام بصلة،و الإسلام جاء ثورة على عصور القروسطاوية التي كانت تدعي فيها الكنيسة أنهم يتحدثون باسم الاله،و جاء ثورة على النطام الفارسي الذي كان يدعي حاكمه كسرى أن له علاقة وطيدة مع الاله و أن كلمته كلمة الله(أهورا-مزدا)،و جاء ليهدم الفرعونية التي تزعم أن الحاكم اله يعبد..أما الاسلام فيرى أن كل بني آدم خطاء،و أن خير الشهداء من قام في وجه حاكم ظالم...

خليفة الله باختصار تحمل المعاني التالية :

-تذكر بعصور مظلمة من تاريخ البشرية
-ادعاء عصمة الحاكم،و من تبعيات ذلك عدم محاسبة الحكام على خروقاتهم الدينية و السياسية..

متعلم أمازيغي
04-11-2010, 03:19 PM
في تأويل "الخليفة"

أخي ماكولا تخصيص الحكام و الأمراء بخلافة الله لم أجده في كتب التفاسير،بل المقصود خلافة عمارة الأرض،أو خليفة بمعنى خلائف أي يخلف بعضهم بعضا،و هناك من تأول الخليفة بمن يحكم في الأرض،لكنه اشترط الحكم بالعدل و لعل هذا لا ينطبق إلا على الأنبياء صلوات الله عليهم،روي عن ابن عباس و ابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا كما في تفسير الطبري : إنـي جاعل فـي الأرض خـلـيفة منـي يخـلفنـي فـي الـحكم بـين خـلقـي، وذلك الـخـلـيفة هو آدم ومن قام مقامه فـي طاعة الله والـحكم بـالعدل بـين خـلقه.

و إليك تفسير شيخ المفسرين الإمام الطبري للآية

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { خَـلِـيفَةً }.

والـخـلـيفة الفعلـية، من قولك: خـلف فلان فلاناً فـي هذا الأمر إذا قام مقامه فـيه بعده، كما قال جل ثناؤه:
{ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فـي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }
يعنـي بذلك: أنه أبدلكم فـي الأرض منهم فجعلكم خـلفـاء بعدهم ومن ذلك قـيـل للسلطان الأعظم: خـلـيفة، لأنه خـلف الذي كان قبله، فقام بـالأمر مقامه، فكان منه خـلفـاً، يقال منه: خـلف الـخـلـيفة يخـلُف خلافة وخـلـيفـاً، وكان ابن إسحاق يقول بـما:

حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً } يقول: ساكناً وعامراً يسكنها ويعمرها خـلقاً لـيس منكم. ولـيس الذي قال ابن إسحاق فـي معنى الـخـلـيفة بتأويـلها، وإن كان الله جل ثناؤه إنـما أخبر ملائكته أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة يسكنها، ولكن معناها ما وصفت قبل.

فإن قال لنا قائل: فما الذي كان فـي الأرض قبل بنـي آدم لها عامراً فكان بنو آدم بدلاً منه وفـيها منه خـلفـاً؟ قـيـل: قد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك.

فحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: أوّل من سكن الأرض الـجنّ، فأفسدوا فـيها، وسفكوا فـيها الدماء، وقتل بعضهم بعضاً. قال: فبعث الله إلـيهم إبلـيس فـي جند من الـملائكة، فقتلهم إبلـيس ومن معه، حتـى ألـحقهم بجزائر البحور وأطراف الـجبـال ثم خـلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال: { إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً }.

فعلـى هذا القول إنـي جاعل فـي الأرض خـلـيفة من الـجنّ يخـلفونهم فـيها فـيسكنونها ويعمرونها.

وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس فـي قوله: { إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً } الآية، قال: إن الله خـلق الـملائكة يوم الأربعاء، وخـلق الـجن يوم الـخميس، وخـلق آدم يوم الـجمعة، فكفر قوم من الـجن، فكانت الـملائكة تهبط إلـيهم فـي الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء وكان الفساد فـي الأرض.

وقال آخرون فـي تأويـل قوله: { إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَة } أي خـلفـاً يخـلف بعضهم بعضاً، وهم ولد آدم الذين يخـلفون أبـاهم آدم، ويخـلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله.

ماكـولا
04-12-2010, 12:06 PM
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً وما ذكرته اخي هو احد الاقوال وهو رأيك ومعه ادلته , ولازلتُ على ما ذكرت لك
وفقكم الله

شاب تائب
05-04-2010, 02:49 PM
بارك الله فيك

و الله يجعله في ميزان حسناتك