أبو صلاح الدين
07-07-2005, 03:05 PM
تـنبـيه: مقالي هذا ملخص من الكتب التي في قائمة المراجع, وخاصة (هل العهد الجديد كلمة الله) وهو كتاب ماتع خطير ومهم جدا.
سوف أدخل في الموضوع بدون مقدمات:
مخطوطات العهد الجديد
يقول القس سويجارت: " يوجد ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مخطوط يدوي قديم من كلمة الرب من العهد الجديد ... وأقدمها يرجع إلى ثلاثمائة وخمسين عاماً بعد الميلاد ، والنسخة الأصلية أو المنظورة ، أو المخطوط الأول لكلمة الرب لا وجود لها ..".
ولو فصلنا أكثر في ذكر ما وصل إلينا من مخطوطات العهد الجديد، فإنا نقول: إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
أ ) مخطوطات البردي ، والكتابة على ورق البردي، وكانت تستخدم في القرن الثاني والثالث الميلادي . وقد وصل إلينا عن طريقها قطعتين فقط من العهد الجديد .
الأولى : تضم جملتين من إنجيل يوحنا 18/31 ، 18/37 - 38، وقد كتبتا في القرن الثاني وهي محفوظة في مانشستر.
والثانية : وتضم مقطعين من إنجيل متى 1/1 - 9 ، 12/14 - 20 .كما يوجد بعض مخطوطات البردي والتي تحوي نصوصاً إنجيلية صغيرة ، وتعود للقرون اللاحقة .
ب ) مخطوطات إغريقية مكتوبة على رقوق الحيوانات ، ولم تعرف هذه الطريقة في الكتابة إلا في القرن الميلادي الرابع ، ويوجد منها عدد كبير من المخطوطات أهمها النسخة الإسكندرية والفاتيكانية والسينائية.
ج ) مخطوطات متأخرة ترجع للقرون 13 - وما بعده ، وذكر منها البروفسور كولينز سبع مخطوطات أهمها البازلية .
ومن أهم المخطوطات المكتوبة على رقوق الحيوانات المخطوطة الفاتيكانية والسينائية والإسكندرانية ، وهي مخطوطات كتبت في القرن الرابع الميلادي، ونذكر هنا بعض ما يتعلق بالعهد الجديد في هذه المخطوطات .
1 ) النسخة الفاتيكانية : وجاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك : " وأقدم كتب الخط التي تحتوي على معظم العهد الجديد أو نصه الكامل كتابان مقدسان يعودان إلى القرن الرابع وأجلّهما المجلد الفاتيكاني .. وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر ، وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ ، ولكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا الرسالة إلى العبرانيين ( 9/14 - 13/25 ) والرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس ، والرسالة إلى فليمون ، والرؤيا.
وقد أضاف ناسخ مجهول في القرن الخامس عشر الميلادي هذه الرسائل . وينتهي إنجيل مرقس في هذه النسخة عند الجملة 16/9 ، وترك بعده بياض .
2 ) النسخة السينائية: ويقول عنها المدخل الفرنسي " والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له المجلد السينائي .. لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا وجزء من ( الراعي ) لهرماس ، وهما مؤلفان لم يحفظا في قانون العهد الجديد صيغته في الأخيرة " .
ولا تتضمن هذه النسخة خاتمة مرقس 16/9 - 20 ولا يوجد فيها بياض عند هذه الخاتمة بل يبدأ على الفور إنجيل لوقا .
3 ) النسخة الإسكندرانية : وتحوي العهد الجديد مع النقص الواضح فيه ، ومن النقص الموجود فيها (1) في أول متى - 25/6 ، (2) وفي يوحنا من 6/51 - 8/52 .
وتضم أيضاً رسالتي كلمنت - وهما أيضاً ناقصتين - اللتين لم تضما إلى العهد الجديد إضافة إلى زبور غير معترف فيه، وينسب لسليمان، كما فيه أشياء أخرى لم تدخل في الكتاب المقدس .
4 ) النسخة الافرايمية : وتحوي هذه النسخة العهد الجديد فقط ، وهي محفوظة في باريس في المكتبة الوطنية ، ويرى المحققون أنها كتبت في القرن السادس أو السابع ، وقال بعضهم : بل القرن الخامس .
5 ) نسخة بيزا : وتعود للقرن الخامس ، وتحوي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ، وهي محفوظة في جامعة كمبرج ، وتخلو من كثير من النصوص مثل مقدمة يوحنا . وقد تحرر ناسخها من المخطوطات القديمة التي ينقل عنها أيما تحرر ، فقد قام بكتابة نسب المسيح كما أورده متى ، ثم لما نسخ إنجيل لوقا ولاحظ الفوارق الكبيرة بين قائمتي لوقا ومتى أعاد قائمة متى في إنجيل لوقا ، ولما كانت قائمة متى ناقصة لكثير من الأسماء أضاف الناسخ أسماء إضافية من عنده .
6 ) النسخة البازلية : ويفترض تدوينها في القرن الثامن ، وهي محفوظة بجامعة بازل بسويسرا، وتضم الأناجيل الأربعة بنقص كبير .
7 ) نسخة لاديانوس : وترجع هذه النسخة للقرن التاسع ، وهي محفوظة في بولديانا بأكسفورد ، وتضم سفر أعمال الرسل فقط .
كما ثمة مخطوطات أخرى متأخرة عنها ، فهي أقل أهمية .
اختلاف مخطوطات العهد الجديد
نلحظ أولاً أن هذه النسخ جميعاً ليست من خط كاتبها أو ليس منها شيء كتب في وجوده، بل إن أولها كتب بعد وفاة كُتاب الأناجيل بما لا يقل عن قرنين من الزمان .
ولا يستطيع النصارى أن يثبتوا سنداً لهذه المخطوطات إلى كتبتها ، واعترف بذلك القسيس فرنج فقال " إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة " لكن رحمة الله الهندي يعتبره عذراً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب ، فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين .
وهذه النسخ وغيرها التي يتحدث النصارى عن كثرتها لا يتفق منها إثنان ، فقد تعرضت للزيادة والنقصان حسب أهواء النساخ وهو ما يعترف به النصارى ومنهم سويجارت الذي يحاول التقليل من أهمية هذه الاختلافات فيقول : " المبادئ العلمية تخبرنا أنه فيما يختص بكتب العهود القديمة إذا توفر لدينا عشر نسخ منها فإننا لا نحتاج بالضرورة إلى الأصل لنضمن تحققنا من النسخة الأصلية ، وعندما نفكر أن لدينا أربعة وعشرين ألف نسخة ، وأن بعض الاختلافات موجودة فيما بين هذه النسخ ، وهذا ما نعترف به ، فالمهم أن جوهر النص لم يتغير" .
لكن الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس " يرد ذلك ويخالفه ، وكان روبرت قد أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس ، ثم منع من طبعها ، ولما سئل عن السبب في منعها قال : " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب " .
يقول د. روبرت : " لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس " ، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد ، وأن الخلاف محصور فيمن قام بهذا التحريف .
ويقول كينرايم : إن علماء الدين اليوم على اتفاق واحد يقضي بأن الكتاب المقدس وصل إلينا منه أجزاء ضئيلة جداً فقط هي التي لم يتم تحريفها .
ويقول الدكتور روبرت : " لن يدعي أحداً أبداً : أن الله هو مؤلف كل أجزاء هذا الكتاب قد أوحى إلى الكتبة هذه التحريفات أو لم يكن يعرفها أكثر من ذلك " .
يقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية " : " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح ، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية ، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا.
وعن إنجيل مرقس ، فيتحدث عنه نينهام مفسر إنجيل مرقس ، فيقول : " لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها ، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد ، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس ، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماً ، وأما رسائل بولس فلها ستة قراءات مختلفة تماماً " .
ويقول : " ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين " ويستعين بما ذكره القس شورر عن مخطوطات الأناجيل وأن بها 50000 اختلاف ، وقال كريسباخ 150000 وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص " .
وممن اعترف بكثرة هذه الاختلافات العالم ميل ، وذكر بأنها ثلاثون ألفاً ، ووافقه القس باركر البروتستانتي ، وأوصل هذه الاختلافات العلامة وتيس تين إلى أزيد من ألف ألف .
ويقول شميت: لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل العديدة التي لا تحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة".
ويحاول النصارى تبرير هذه الاختلافات الكثيرة بين المخطوطات فيقول صاحب كتاب " مرشد الطالبين " : " لا تعجب من وجود اختلافات في نسخ الكتب المقدسة ، لأن قبل ظهور صناعة الطبع في القرن الخامس عشر من الميلاد كانت تنسخ بالخط ، فكان بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً وساهياً " ، لكن الحق أن هناك تحريفاً متعمداً وهو ما أقر به المدخل الفرنسي للعهد الجديد " إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة . بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية .. هناك فوارق أخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير .
فإن نص العهد الجديد قد نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء ... يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحياناً عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم ، وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي ، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ ، ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحياناً إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت على التلاوة بصوت عال.
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلف ألوان التبديل .. والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة ، لكي يقيم نصاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يمكن في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".
ويؤكد هذا كله جورج كيرد رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس بقوله : " كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين ، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش .
إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافاً كبيراً ، ولا يمكننا الاعتماد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ .. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على يد المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة ".
أمثلة لتحريف النساخ
وذكر المحققون أمثلة صريحة لتدخل النساخ في النص عن عمد ، منه ما جاء في متى " متى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس ، ليفهم القارئ ، فحينئذ ليهرب الذي في اليهود إلى الجبال "( متى 24/15 - 16 ) فلفظه " ليفهم القارئ " من زيادة الناسخ .
ومثله ما جاء في آخر يوحنا " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21/24 ) فقوله " نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ .
ومثله ما جاء في يوحنا " للوقت خرج دم وماء ، والذين عاين شهد ، وشهادته حق ، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " ( يوحنا 19/34 - 36 ) فالجملة الأخيرة أراد الناسخ بها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا ، وهي ليست من كتابته .
إبطال دعوى الإلهام لكتبة العهد الجديد
إن أحداً من كتاب العهد الجديد - سوى بولس - لم يدع لنفسه الإلهام ، بل سجلت كتاباتهم أن هذا العمل جهد بشري خالص لم يقصد كاتبوه أن يسجلوا من خلاله كتباً مقدسة.
فها هو لوقا في مقدمة إنجيله يقول “ إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة ، رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس ، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به “ ( لوقا 1/1-4 ) .
فيفهم من هذه المقدمة أمور منها : أن إنجيله خطاب شخصي ، وأنه دوّنه بدافع شخصي ، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق ، وأن كثيرين كتبوا غيره ، ولم يذكر لوقا شيئاً عن إلهام إلهي أو وحي من روح القدس .
وإذا كان الحواريون والتلاميذ غير عارفين بإلهامية ذواتهم وبعضهم ، فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن ؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم .
عبارات لا يمكن أن تكون وحياً
لو تتبعنا الأناجيل لما وجدنا ما يشعر بأن أياً منها صادر من ملهم يكتب وحياً ، فمثلاً يقول لوقا : “ ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة ، وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف .. “ ( لوقا 3/23 ) فلفظه “ نحو “ “يظن” لا تصدر عن ملهم جازم بما يقول، وقد أزعجت هاتان العبارتان علماء الكنيسة ، فحذفوهما من طبعة الكتاب المقدس المنقحة.
ومثله في خاتمة يوحنا يقول : “ وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله (يوحنا 20/30 - 31 ) ، وقد كتبه بطلب من أساقفة آسيا لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.
ويقول : “ هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا ، وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق “ فلم يذكر شيئاً عن إلهام هذا الإنجيل ، ثم قال بعدها ما أثبت صفة البشرية لكلامه “ وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة “ ( يوحنا 21/24 - 25 ) ، فمثل هذه المبالغة لا يغيب أنها صنع بشري لعادة البشر في ذلك.
وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة ، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب
ومن ذلك قول بولس : “ أقول لهم أنا لا الرب “ ( كورنثوس (1) 7/12 ) .
ثم يقول “ حسب رأيي “ ( كورنثوس (1) 7/40 ).
ويقول : “ ليس عندي أمر من الرب فيهن “ ( كورنثوس (1) 7/25 )، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة .
ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة “ الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه “ ( كورنثوس (2) 11/16 - 17 ).
ويؤكد أن بعض ما يصدر عته هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي منه، فيقول: “لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد ... أعطي رأياً في هذا أيضاً “ ( كورنثوس (2) 8/8 - 10 ).
ويقول بولس: “ ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً “ ( كورنثوس (2) 11/1 )، فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.
ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس: “ لقد اجترأت كثيراً فيما قلت أيها الإخوة“ ( رومية 15/15 ).
إنكار المحققين لإلهامية كتبة العهد الجديد
وقد أنكرت بعض فرق النصارى وبعض مقدميهم وغيرهم من المحققين إلهامية الأناجيل والرسائل .
ويقول مؤلفو الترجمة المسكونية: “ جمع المبشرون ، وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي “ فليس ثمة إلهام إذن.
ويقول لوثر عن رسالة يعقوب: “ إنها كلّاء .. هذه الرسالة وإن كانت ليعقوب .. إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه ، لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط “، فقول لوثر هذا، يفهم منه عدم اعتباره ليعقوب الحواري ملهماً.
ثم يقول ريس في دائرة معارفه: “ والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين - مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال - توقف ميكايلس في كونها إلهامية “.
ويقول" حبيب سعيد" عن بولس في كتابه "سيرة رسول الجهاد" منبهاً إلى حقيقة هامة وصحيحة : " لم يدر بخلده عند كتابتها - أو على الأصح عند إملائها - أنه يسطر ألفاظاً ستبقى ذخراً ثميناً تعتز به الأجيال القادمة"، ويا للعجب ، بولس لا يعلم بقدسية كلماته بينما النصارى عنه يناضلون.
وفي الفاتيكان شكل البابا ( جون ) لجنة لدراسة الإنجيل برئاسة العلامة (هانز كومب)، وبعد دراسة متأنية ، قررت اللجنة:" أن الإنجيل كلام بشر ، وأنه لا يوجد دليل على أن الإنجيل ينحدر مباشرة عن الله “ .
إن أحداً من الإنجيلين لم يلهم كتابة خبر الصعود (صعود المسيح للسماء), لأن خبر الصعود قد أضيف فيما بعد،كما اعترفت بذلك لجنة تنقيح الكتاب المقدس التي أصدرت النسخة (r.s.v), واسمها النسخة المنقحة من الكتاب المقدس..!!
إبطال نسبة الأناجيل والرسائل للحواريين
تعود أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون إلى ثمانية مؤلفين تفاوتت مقادير كتاباتهم ، ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على المائة صفحة .
وأيضاً يتفاوت قرب هؤلاء من المسيح ، ففي حين أن يهوذا وبطرس ويوحنا من تلاميذه الاثنى عشر ، فإن لوقا ومرقس لم يلقيا المسيح ، فيما لم يتنصر بولس إلا بعد رفع المسيح .
والنصارى يعتبرون هؤلاء المؤلفين الثمانية بشراً ملهمين كتبوا ما أملاه عليهم روح القدس وفق أسلوبهم ، وقد ثبت لدينا عدم إلهامية كتبة العهد الجديد فيما سبق .
ولكن هل تصح نسبة الكتب إلى هؤلاء الثمانية؟ وبالذات إلى متى ويوحنا وبطرس الذين يفترض أنهم من أخص تلاميذ المسيح أم أن النسبة هي أيضاً محرفة ؟ وهل من الممكن أن يصدر هذا الكلام - الذي في العهد الجديد - من حواريي المسيح الذين رباهم طوال سني رسالته ، وذكرهم القرآن بالثناء الحسن ؟
إن هذا كله جعل المحققين من المسلمين يرون أن هذه الأسفار لا يمكن أن تصدر عن تلاميذ المسيح المؤمنين ، فاهتموا لذلك بدراسة وتوثيق نسبة هذه الأسفار إليهم .
أولاً : إنجيل متى
أدلة الكنيسة على صحة نسبة الإنجيل إلى متى
تؤكد الكنيسة بأن متى هو كاتب الإنجيل ، وتستند لأمور ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس ، أهمها : " الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصر "
وأيضاً " لا يعقل أن إنجيلاً خطيراً كهذا - هو في مقدمة الأناجيل - ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح ".
وأيضاً " يذكر بابياس " في القرن الثاني الميلادي أن متى قد جمع أقوال المسيح "
وأخيراً " من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات ، لأن هنا من أهم واجباته لتقديم الحسابات،وكذلك فإن هذا الإنجيلي قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة ".
ملاحظات على إنجيل متى :
رأى المحققون أنه لا دليل عند النصارى على صحة نسبة الإنجيل لمتى ، بل إن الأدلة قامت بخلافه. إذ في الإنجيل أموراً كثيرة تدل على أن كاتبه ليس متى الحواري ، ومن هذه الأدلة :
- أن متى اعتمد في إنجيله على إنجيل مرقس ، فقد نقل من مرقس 600 فقرة من فقرات مرقس الستمائة والاثني عشر ، كما اعتمد على وثيقة أخرى تسمى M
يقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى : " إن القديس متى كان يقتبس من إنجيل القديس مرقس ، وكان ينقحه محاولاً الوصول إلى تصور أحسن وأفضل لله ".
ويضيف القس فهيم عزيز أن اعتماد متى على مرقس حقيقة معروفة لدى جميع الدارسين، فإذا كان متى هو كاتب الإنجيل فكيف ينقل عن مرقس الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة المسيح ؟ كيف لأحد التلاميذ الإثني عشر أن ينقل عنه ؟
- ثم إن إنجيل متى قد ذكر متى العشار مرتين ، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه الكاتب ، فقد ذكره بين التلاميذ الإثنى عشر ، ولم يجعله أولاً ولا آخراً ، ثم لما تحدث عن اتباعه للمسيح قال: " وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى فقال له : اتبعني فقام وتبعه" ( متى 9/9 ) .
فاستخدم أسلوب الغائب ، ولو كان هو الكاتب لقال : " قال لي " ، " تبعته " " رآني "، فدل ذلك على أنه ليس الكاتب ، وهنا يجدر التنبيه على أمر هام ، وهو أن مرقس ذكر القصة ذاتها، وسمى عامل الضرائب لاوي بن حلفي ( انظر مرقس 2/15 ) فهل لاوي بن حلفي هو نفسه متى؟ هل هذا هو الاسم التنصيري للاوي كما تزعم الكنيسة؟
يقول جون فنتون مفسر متى وعميد كلية اللاهوت بلينشفيلد بأنه لا يوجد دليل على أن متى هو اسم التنصير للاوي ، ويرى أنه من المحتمل " أنه كانت هناك بعض الصلات بين متى التلميذ والكنيسة التي كتب من أجلها هذا الإنجيل، ولهذا فإن مؤلف هذا الإنجيل نسب عمله إلى مؤسس تلك الكنيسة أو معلمها الذي كان اسمه متى، ويحتمل أن المبشر كاتب الإنجيل قد اغتنم الفرصة التي أعطاه إياها مرقس عند الكلام على دعوة أحد التلاميذ ، فربطها بذلك التلميذ الخاص أحد الإثني عشر ( متى ) الذي وقره باعتباره رسول الكنيسة التي يتبعها " .
- ثم إن التمعن في الإنجيل يبين مدى الثقافة التوراتية الواسعة التي جعلت منه أكثر الإنجيليين اهتماماً بالنبوءات التوراتية عن المسيح ، وهذا لا يتصور أن يصدر من عامل ضرائب ، وهذا لن يكون من كتابة متى العشار . يقول أ. تريكو في شرحه للعهد الجديد (1960م ): إن الاعتقاد بأن متى هو عشار في كفر ناحوم ناداه عيسى ليتعلم منه ، لم يعد مقبولاً ، خلافاً لما يزعمه آباء الكنيسة.
منكرو نسبة الإنجيل إلى التلميذ متى
وقد أنكر كثير من علماء المسيحية في القديم والحديث صحة نسبة الإنجيل لمتى يقول فاستس في القرن الرابع : " إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه " ، وكذا يرى القديس وليمس . والأب ديدون في كتابه " حياة المسيح" .
ويقول ج ب فيلبس : " نسب التراث القديم هذه البشارة إلى الحواري متى ، ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي " .
ويقول د برونر : " إن هذا الإنجيل كله كاذب " .
ويقول البرفسور هارنج : إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري ، بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما .
وجاء في مقدمة إنجيل متى للكاثوليك : " أما المؤلف ، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وتقاليد الكنيسة تنسبه إلى الرسول متى ، ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم ".
ويقول القس فهيم عزيز عن كاتب متى المجهول: " لا نستطيع أن نعطيه اسماً ، وقد يكون متى الرسول ، وقد يكون غيره " .
ويقول المفسر لإنجيل متى جون فنتون في تفسيره عن كاتب متى : " إن ربط شخصيته كمؤلف بهذا التلميذ إنما هي بالتأكيد محض خيال " .
وقد طعنت في صحة نسبة الإنجيل لمتى فرق مسيحية قديمة ، فقد كانت الفرقة الأبيونية ترى البابين الأولين لإنجيل متى إلحاقيين ، ومثلها فرقة يوني تيرين ، ويرون أن البداية الحقيقية لهذا الإنجيل قوله : " في تلك الأيام جاء يوحنا المعمداني .... " ( متى 3/1 ) فتكون بداية الإنجيل قصة يوحنا المعمداني كما هو الحال في مرقس ويوحنا ، ويدل لذلك أيضاً أن قوله " في تلك الأيام " لا يمكن عوده على ما في الإصحاحين السابقين، إذ كان الحديث في آخر الإصحاح الثاني عن قتل هيرودس للأطفال بعد ولادة المسيح ، وهو زمن طفولة المسيح والمعمدان الذي يكبره بستة أشهر ، بينما الإصحاح الثالث يتحدث عن دعوة المعمداني - أي وهو شاب - ، وهذا يعني وجود سقط أو حذف قبل الإصحاح الثالث ، أو أنه البداية الحقيقية للإنجيل .
من الكاتب الحقيقي لإنجيل متى؟
وإذا لم يكن متى هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه ، فمن هو كاتب هذا الإنجيل ؟
في الإجابة عن السؤال نقول: نتائج الدراسات الغربية التي أكدت أن هذا الإنجيل قد كتبه غير متى التلميذ ، ونسبه إليه منذ القرن الثاني ، ولربما يكون هذا الكاتب تلميذاً في مدرسة متى .
ويحاول كولمان وشراح الترجمة المسكونية تحديد بعض الملامح لهذا الكاتب ، فالكاتب - كما يظهر في إنجيله - مسيحي يهودي يربط بين التوراة وحياة المسيح ، وهو كما يصفه كولمان : يقطع الحبال التي تربطه باليهودية مع حرصه على الاستمرار في خط العهد القديم ، فهو كاتب يهودي يحترم الناموس ، ويعتبر بذلك من البعيدين عن مدرسة بولس الذي لا يحترم الناموس ، بينما يقول هذا الكاتب " فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس ، هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات "( متى 5/19 ) .
ويرجح كولمان أيضاً أنه عاش في فلسطين ، ويرجح فنتون أنه " كتب في حوالي الفترة من 85 - 105م " (متى مات سنة70) ، وهو يقارب ما ذهب إليه البرفسور هارنج حين قال " إن انجيل متى ألف بين 80 - 100م " .
ولو تساءلنا أين الإنجيل الذي كتبه متى كما جاء في شهادة بابياس في القرن الثاني الميلادي؟
وفي الإجابة عن السؤال نقول: فإن بابياس ذكر أن متى كتب وجمع أقوال المسيح ، وما نراه في الإنجيل اليوم هو قصة كاملة عن المسيح وليس جمعاً لأقواله ، كما أن عدم صحة نسبة هذا الإنجيل له لا تمنع من وجود إنجيل آخر قد كتبه ، ولعل من المهم أن نذكر بأن في الأناجيل التي رفضتها الكنيسة إنجيلاً يسمى إنجيل متى ، فلعل بابياس عناه بقوله .
وهكذا رأى المحققون أن ثمة أموراً تمنع القول بأن هذا الإنجيل هو كلمة الله ووحيه وهديه، فهو - وكما يقول الشيخ أبو زهرة - إنجيل " مجهول الكاتب ، ومختلف في تاريخ كتابته ، ولغة الكتابة ، ومكانها ، وتحديد من كتب له هذا الإنجيل ، ثم شخصية المترجم وحاله من صلاح أو غيره وعلم بالدين ، واللغتين التي ترجم عنها ، والتي ترجم إليها ، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي .
ثانياً : إنجيل مرقس
ملاحظات على إنجيل مرقس
لقد توقف المحققون ملياً مع هذا الإنجيل وكاتبه ، وكانت لهم ملاحظات : -
أن مرقس ليس من تلاميذ المسيح ، بل هو من تلاميذ بولس وبطرس . يقول المفسر نينهام مفسر لوقا : " لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة ، وعلاقة خاصة بيسوع ، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى " .
وثمة دليل قوي آخر هو شهادة المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال : " اعتاد الشيخ يوحنا أن يقول : إذ أصبح مرقس ترجماناً لبطرس دون بكل تدقيق كل ما تذكره ، ولم يكن مع هذا بنفس الترتيب المضبوط ما رواه من أقوال وأفعال يسوع المسيح ، وذلك لأنه لم يسمع من السيد المسيح فضلاً عن أنه لم يرافقه ، ولكن بالتبعية كما قلت ، التحق ببطرس الذي أخذ يصوغ تعاليم يسوع المسيح لتوائم حاجة المستعمين ، وليس بعمل رواية وثيقة الصلة بيسوع وعن يسوع لأحاديثه " .
كما يقول مفسر مرقس دنيس نينهام قوله " من غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في أعمال الرسل ( 12/12 ، 25 ) ... أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى ( 5/13 ) .. أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس ...
لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد ، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم ، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية ، فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة " .
وأهم مسألة شغلت الباحثين بخصوص هذا الإنجيل خاتمته ، فإن خاتمة هذا الإنجيل (16/9 - 20 ) غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمة كمخطوطة الفاتيكان والمخطوطة السينائية .
ويقول وليم باركلي : إن النهاية المشهورة - علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة - فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل ، وقد اعتبرتها النسخة القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها ، ونقل رحمة الله الهندي أن القديس ( جيروم ) في القرن الخامس ذكر بأن الآباء الأوائل كانوا يشكون في هذه الخاتمة .
وعن الخاتمة الموجودة يقول الأب كسينجر " لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي ( النشر للعامة ) لكتاب مرقس في الجماعة التي ضمنته .
وبعد أن جرت بين الأيدي الكتابات المتشابهة لمتى ولوقا ويوحنا ، تم توليف خاتمة محترمة لمرقس بالعناصر من هنا ومن هناك لدى المبشرين الآخرين .. وذلك يسمح بتكوين فكرة عن الحرية التي كانوا يعالجون بها الأناجيل " .ويعلق موريس بوكاي قائلاً " ياله من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة ".
ثالثاً : إنجيل لوقا
ملاحظات على إنجيل لوقا
نلاحظ على إنجيل لوقا ملاحظات، أهمها :
1- أن مقدمته تتحدث عن رسالة طابعها شخصي ، وأنها تعتمد على اجتهاده لا على إلهام وحي ، وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية ، فقد أنكر إلهامية هذا الإنجيل عدد من النصارى منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء ، وقال القديس أغسطينوس : " إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة".
2- شك كثير من الباحثين في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل ، بل إن هذا الشك كما ذكر جيروم يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة ، وكذلك فرقة مارسيوني فليس في نسختها هذين الإصحاحين .
ويؤكد المحققون بأن لوقا لم يكتب هذين الإصحاحين ، لأنه يقول في أعمال الرسل " الكلام الأول أنشأته ياثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع " ( أعمال 1/1 ) أي معجزاته بدليل تكملة النص " ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " ( أعمال 1/2 ) والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح ، لا عن أعماله . ونقل وارد كاثلك عن جيروم قوله : بأن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل .
وهكذا نرى للإنجيل أربعة من الكتاب تناوبوا في كتابة فقراته وإصحاحاته .
3- إن الغموض يلف شخصيته ، فهو غير معروف البلد ولا المهنة ولا الجهة التي كتب لها إنجيله تحديداً ، ولا تاريخ الكتابة و .... المعروف فقط أنه من تلاميذ بولس ، وأنه لم يلق المسيح ، فكيف يصح الاحتجاج بمن هذا حاله وجعل كلامه مقدساً ؟
رابعاً : إنجيل يوحنا
أدلة النصارى على نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتستدل الكنيسة لتصحيح نسبة هذا الإنجيل بأدلة ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس وهي : -
" (1) كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً ، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين ، والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود …ويظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية .
(2) كان الكاتب واحداً من تلاميذ المسيح ، ويظهر هذا من استخدامه المتكلم الجمع .. وفي ذكر كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه ... ويتضح من يوحنا ( 21/24 ) أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح .
(3) كان كاتب الإنجيل هو التلميذ الذي كان المسيح يحبه .. وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه " .
ويتحدث مؤلف الإنجيل عن سبب تأليفه له فيقول " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون - إذا آمنتم - حياة باسمه " ( يوحنا 20/31 ) ".
ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون : " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته ، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة ، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين ...ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح " .
وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته ، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول : " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي ، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح ، غير أن الشهادة بصحته كافية .
فإن بطرس يشير إلى آية منه ( بطرس (2) 1/14 ، يوحنا 21/18 ) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه ، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس ، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني .
وبناءً على هذه الشهادات ، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه ، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".
إنكار صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتوجهت جهود المحققين لدراسة نسبة الإنجيل ليوحنا ، ومعرفة الكاتب الحقيقي له .فقد أنكر المحققون نسبة الإنجيل ليوحنا الحواري ، واستندوا في ذلك إلى أمور منها :
1- أن ثمة إنكار قديماً لصحة نسبته ليوحنا ، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق النصرانية القديمة ، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني ، ويقول صاحب كتاب ( رب المجد ) : " وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود ، وحجر عثرة في سبيلهم ، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة يوحنا ".
وتقول دائرة المعارف البريطانية: " هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا ، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا ، وذلك في نحو 165م ، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد) . ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئاً .
لكن السؤال عن هذه الطبقة المسيحية البالغة في كثرة عددها إلى أن رآه سانت اييفانيوس جديرة بالحديث الطويل عنها في ( 374 - 377م ) " أسماها القس " ألوغي " ( أي معارضة الإنجيل ذي الكلمة ) .
لئن كانت أصلية إنجيل يوحنا فوق كل شبهة ، فهل كانت مثل هذه الطبقة لتتخذ نحوه أمثال هذه النظريات في مثل هذا العصر ، ومثل هذا البلد ؟ لا وكلا " .
ومما يؤكد خطأ نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا أن جاستن مارتر في منتصف القرن الثاني تحدث عن يوحنا، ولم يذكر أن له إنجيلاً ، واقتبس فيلمو - 165م - من إنجيل يوحنا ، ولم ينسبه إليه .
وقد أُنكر نسبة الإنجيل أمام أرينيوس تلميذ بوليكارب الذي كان تلميذاً ليوحنا ، فلم ينكر أرينيوس على المنكرين ، ويبعد كل البعد أن يكون قد سمع من بوليكارب بوجود إنجيل ليوحنا ، ثم لا يدافع عنه .
وقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصوراً متلاحقة ، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته ليوحنا . منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية : " ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد ، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تسلم بصحة هذه النسبة .
ويقول القس الهندي بركة الله : " الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدى الرسول ، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية " .
وعند تفحص الإنجيل أيضاً تجد ما يمتنع معه نسبته الإنجيل للحواري يوحنا ، فالإنجيل يظهر بأسلوب غنوصي يتحدث عن نظرية الفيض المعروفة عند فيلون الإسكندراني ، ولا يمكن لصائد السمك يوحنا أن يكتبه خاصة أن يوحنا عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ) .
وتقول دائرة المعارف البريطانية : " أما إنجيل يوحنا ، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور ، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما ، وهما القديسان متى ويوحنا .... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي ، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى ، لخبطهم على غير هدى ".
وأما ما جاء في خاتمة الإنجيل مما استدل به القائلون بأن يوحنا هو كاتب الإنجيل وهو قوله " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا ، وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21 / 24 ) . فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل ليوحنا ، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب .
ويرى ويست أن هذه الفقرة كانت في الحاشية ، وأضيفت فيما بعد للمتن ، وربما تكون من كلمات شيوخ أفسس . ويؤيده بشب غور بدليل عدم وجودها في المخطوطة السينائية .
ويرى العلامة برنت هلمين استرتير في كتابه " الأناجيل الأربعة " أن الزيادات في متن يوحنا وآخره كان الغرض منها " حث الناس على الاعتراف في شأن المؤلف بتلك النظرية التي كان ينكرها بعض الناس في ذلك العصر" .
ثم إن بعض المؤرخين ومنهم تشارلز الفريد ، وروبرت إيزلز وغيرهما قالوا بأن يوحنا مات مشنوقاً سنة 44م على يد غريباس الأول ، وعليه فليس هو مؤلف هذا الإنجيل، إذ أن هذا الإنجيل قد كتب في نهاية القرن الأول أو أوائل الثاني .
من كتب إنجيل يوحنا؟
وإذا لم يكن يوحنا هو كاتب الإنجيل ، فمن هو الكاتب الحقيقي ؟
يجيب القس فهيم عزيز : " هذا السؤال صعب ، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل " .
وحاول البعض الإجابة عن السؤال من خلال تحديد صفات كاتب الإنجيل دون ذكر اسم معين، يقول جرانت: " كان نصرانياً ، وبجانب ذلك كان هيلينياً ، ومن المحتمل أن لا يكون يهودياً ، ولكنه شرقي أو إغريقي ، ونلمس هذا من عدم وجود دموع في عينيه علامة على الحزن عندما كتب عن هدم مدينة لليهود " .
وجاء في مدخل الإنجيل أن بعض النقاد " يترك اسم المؤلف ، ويصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنائس آسيا " .
وقال مفسر إنجيل يوحنا جون مارش : " ومن المحتمل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا ، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس خلافاً لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدى .. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع ، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة ، فقام حينئذ بتسجيل جديد لقصة يسوع ".
وقال المحقق رطشنبدر : " إن هذا الإنجيل كله ، وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه ، بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني ، ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس " .
ويوافقه استادلن ويرى أن الكاتب " طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية ".
وقال الخوري في " تحفة الجيل " بأن كاتب الإنجيل هو تلميذ يوحنا المسمى بروكلوس.
وقال بعض المحققين ومنهم جامس ماك كينون ، واستيريتر في كتابه " الأناجيل الأربعة " بأن يوحنا المقصود هو تلميذ آخر من تلاميذ المسيح وهو ( يوحنا الأرشد ) ، وأن أرينوس الذي نسب إنجيل يوحنا لابن زبدى قد اختلط عليه أمر التلميذين .
وذكر جورج إيلتون في كتابه " شهادة إنجيل يوحنا " أن كاتب هذا الإنجيل أحد ثلاثة : تلميذ ليوحنا الرسول أو يوحنا الشيخ ( وليس الرسول ) أو معلم كبير في أفسس مجهول الهوية .
لكن ذلك لم يفت في عضد إيلتون الذي ما زال يعتبر إنجيل يوحنا مقدساً ، لأنه " مهما كانت النظريات حول كاتب هذا الإنجيل، فإن ما يتضح لنا جلياً بأن كاتبه كان لديه فكرة الرسول ، فإذا كتبه أحد تلاميذه فإنه بلا مراء كان مشبعاً بروحه .. ".
كما ذهب بعض المحققين إلى وجود أكثر من كاتب للإنجيل ، منهم كولمان حين قال : " إن كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن النص المنشور حالياً ينتمي إلى أكثر من مؤلف واحد ، فيحتمل أن الإنجيل بشكله الذي نملكه اليوم قد نشر بواسطة تلاميذ المؤلف ، وأنهم قد أضافوا إليه "، ومثله يقول المدخل لإنجيل يوحنا .
ومن هذا كله ثبت أن إنجيل يوحنا لم يكتبه يوحنا الحواري ، ولا يعرف كاتبه الحقيقي ، ولا يصح بحال أن ننسب العصمة والقداسة لكاتب مجهول لا نعرف من يكون .
وعند غض الطرف عن مجهولية الكاتب واستحالة القول بعصمته عندئذ ، فإن ثمة مشكلات تثار في وجه هذا الإنجيل نبه المحققون إليها منها : اختلاف هذا الإنجيل عن باقي الأناجيل الثلاثة رغم أن موضوع الأناجيل الأربعة هو تاريخ المسيح .
إذ تتشابه قصة المسيح في الأناجيل الثلاثة ، بينما يظهر الإنجيل الرابع غريباً بينها ، فمثلاً : هو الإنجيل الوحيد الذي تظهر فيه نصوص تأليه المسيح ، بل هو أنشىء لإثبات ذلك كما يقول المفسر يوسف الخوري: " إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها ، والسبب : أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح " .
ولما لم يكن في الأناجيل الثلاثة ما يدفع أقوال هذه الطوائف ، أنشأ يوحنا إنجيله ، وهذا المعنى يؤكده جرجس زوين، فيقول عن أساقفة آسيا أنهم اجتمعوا " والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح ، وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون " .
ويقول الأب روغيه في كتابه المدخل إلى الإنجيل :" إنه عالم آخر ، فهو يختلف عن بقية الأناجيل في اختيار الموضوعات والخطب والأسلوب والجغرافيا والتاريخ ، بل والرؤيا اللاهوتية " .
وهذه المغايرة أوصلته إلى تقديم صورة للمسيح مغايرة تماماً عما في الأناجيل الثلاثة والتي يسميها البعض : " المتشابهة " أو " الإزائية " ، لذا تقول دائرة المعارف الأمريكية: " من الصعب الجمع بين هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة ، بمعنى أن لو قدرنا أنها صحيحة لتحتم أن يكون هذا الإنجيل كاذباً " .
يقول السير آرثر فندلاي في كتابه " الكون المنشور " معبرا عن هذا الاختلاف : " إن إنجيل يوحنا ليس له قيمة تستحق الذكر في سرد الحوادث الأكيدة ، ويظهر أن محتوياته لعب فيها خيال الكاتب دوراً بعيداً ".
ومن المشكلات التي تواجه هذا الإنجيل أيضاً أن أيدي المحرفين نالت هذا الإنجيل ، فأضافت فيه رواية المرأة الزانية ( انظر يوحنا 8/1 - 11 ) والتي يقول عنها مدخل هذا الإنجيل: " هناك إجماع على أنها من مرجع مجهول في زمن لاحق". وقد حذفت هذه القصة من النسخة القياسية المراجعة ( (r. S. V) لاعتبارها عبارة دخيلة على الإنجيل .
سوف أدخل في الموضوع بدون مقدمات:
مخطوطات العهد الجديد
يقول القس سويجارت: " يوجد ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مخطوط يدوي قديم من كلمة الرب من العهد الجديد ... وأقدمها يرجع إلى ثلاثمائة وخمسين عاماً بعد الميلاد ، والنسخة الأصلية أو المنظورة ، أو المخطوط الأول لكلمة الرب لا وجود لها ..".
ولو فصلنا أكثر في ذكر ما وصل إلينا من مخطوطات العهد الجديد، فإنا نقول: إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
أ ) مخطوطات البردي ، والكتابة على ورق البردي، وكانت تستخدم في القرن الثاني والثالث الميلادي . وقد وصل إلينا عن طريقها قطعتين فقط من العهد الجديد .
الأولى : تضم جملتين من إنجيل يوحنا 18/31 ، 18/37 - 38، وقد كتبتا في القرن الثاني وهي محفوظة في مانشستر.
والثانية : وتضم مقطعين من إنجيل متى 1/1 - 9 ، 12/14 - 20 .كما يوجد بعض مخطوطات البردي والتي تحوي نصوصاً إنجيلية صغيرة ، وتعود للقرون اللاحقة .
ب ) مخطوطات إغريقية مكتوبة على رقوق الحيوانات ، ولم تعرف هذه الطريقة في الكتابة إلا في القرن الميلادي الرابع ، ويوجد منها عدد كبير من المخطوطات أهمها النسخة الإسكندرية والفاتيكانية والسينائية.
ج ) مخطوطات متأخرة ترجع للقرون 13 - وما بعده ، وذكر منها البروفسور كولينز سبع مخطوطات أهمها البازلية .
ومن أهم المخطوطات المكتوبة على رقوق الحيوانات المخطوطة الفاتيكانية والسينائية والإسكندرانية ، وهي مخطوطات كتبت في القرن الرابع الميلادي، ونذكر هنا بعض ما يتعلق بالعهد الجديد في هذه المخطوطات .
1 ) النسخة الفاتيكانية : وجاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك : " وأقدم كتب الخط التي تحتوي على معظم العهد الجديد أو نصه الكامل كتابان مقدسان يعودان إلى القرن الرابع وأجلّهما المجلد الفاتيكاني .. وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر ، وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ ، ولكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا الرسالة إلى العبرانيين ( 9/14 - 13/25 ) والرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس ، والرسالة إلى فليمون ، والرؤيا.
وقد أضاف ناسخ مجهول في القرن الخامس عشر الميلادي هذه الرسائل . وينتهي إنجيل مرقس في هذه النسخة عند الجملة 16/9 ، وترك بعده بياض .
2 ) النسخة السينائية: ويقول عنها المدخل الفرنسي " والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له المجلد السينائي .. لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا وجزء من ( الراعي ) لهرماس ، وهما مؤلفان لم يحفظا في قانون العهد الجديد صيغته في الأخيرة " .
ولا تتضمن هذه النسخة خاتمة مرقس 16/9 - 20 ولا يوجد فيها بياض عند هذه الخاتمة بل يبدأ على الفور إنجيل لوقا .
3 ) النسخة الإسكندرانية : وتحوي العهد الجديد مع النقص الواضح فيه ، ومن النقص الموجود فيها (1) في أول متى - 25/6 ، (2) وفي يوحنا من 6/51 - 8/52 .
وتضم أيضاً رسالتي كلمنت - وهما أيضاً ناقصتين - اللتين لم تضما إلى العهد الجديد إضافة إلى زبور غير معترف فيه، وينسب لسليمان، كما فيه أشياء أخرى لم تدخل في الكتاب المقدس .
4 ) النسخة الافرايمية : وتحوي هذه النسخة العهد الجديد فقط ، وهي محفوظة في باريس في المكتبة الوطنية ، ويرى المحققون أنها كتبت في القرن السادس أو السابع ، وقال بعضهم : بل القرن الخامس .
5 ) نسخة بيزا : وتعود للقرن الخامس ، وتحوي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ، وهي محفوظة في جامعة كمبرج ، وتخلو من كثير من النصوص مثل مقدمة يوحنا . وقد تحرر ناسخها من المخطوطات القديمة التي ينقل عنها أيما تحرر ، فقد قام بكتابة نسب المسيح كما أورده متى ، ثم لما نسخ إنجيل لوقا ولاحظ الفوارق الكبيرة بين قائمتي لوقا ومتى أعاد قائمة متى في إنجيل لوقا ، ولما كانت قائمة متى ناقصة لكثير من الأسماء أضاف الناسخ أسماء إضافية من عنده .
6 ) النسخة البازلية : ويفترض تدوينها في القرن الثامن ، وهي محفوظة بجامعة بازل بسويسرا، وتضم الأناجيل الأربعة بنقص كبير .
7 ) نسخة لاديانوس : وترجع هذه النسخة للقرن التاسع ، وهي محفوظة في بولديانا بأكسفورد ، وتضم سفر أعمال الرسل فقط .
كما ثمة مخطوطات أخرى متأخرة عنها ، فهي أقل أهمية .
اختلاف مخطوطات العهد الجديد
نلحظ أولاً أن هذه النسخ جميعاً ليست من خط كاتبها أو ليس منها شيء كتب في وجوده، بل إن أولها كتب بعد وفاة كُتاب الأناجيل بما لا يقل عن قرنين من الزمان .
ولا يستطيع النصارى أن يثبتوا سنداً لهذه المخطوطات إلى كتبتها ، واعترف بذلك القسيس فرنج فقال " إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة " لكن رحمة الله الهندي يعتبره عذراً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب ، فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين .
وهذه النسخ وغيرها التي يتحدث النصارى عن كثرتها لا يتفق منها إثنان ، فقد تعرضت للزيادة والنقصان حسب أهواء النساخ وهو ما يعترف به النصارى ومنهم سويجارت الذي يحاول التقليل من أهمية هذه الاختلافات فيقول : " المبادئ العلمية تخبرنا أنه فيما يختص بكتب العهود القديمة إذا توفر لدينا عشر نسخ منها فإننا لا نحتاج بالضرورة إلى الأصل لنضمن تحققنا من النسخة الأصلية ، وعندما نفكر أن لدينا أربعة وعشرين ألف نسخة ، وأن بعض الاختلافات موجودة فيما بين هذه النسخ ، وهذا ما نعترف به ، فالمهم أن جوهر النص لم يتغير" .
لكن الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس " يرد ذلك ويخالفه ، وكان روبرت قد أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس ، ثم منع من طبعها ، ولما سئل عن السبب في منعها قال : " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب " .
يقول د. روبرت : " لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس " ، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد ، وأن الخلاف محصور فيمن قام بهذا التحريف .
ويقول كينرايم : إن علماء الدين اليوم على اتفاق واحد يقضي بأن الكتاب المقدس وصل إلينا منه أجزاء ضئيلة جداً فقط هي التي لم يتم تحريفها .
ويقول الدكتور روبرت : " لن يدعي أحداً أبداً : أن الله هو مؤلف كل أجزاء هذا الكتاب قد أوحى إلى الكتبة هذه التحريفات أو لم يكن يعرفها أكثر من ذلك " .
يقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية " : " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح ، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية ، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا.
وعن إنجيل مرقس ، فيتحدث عنه نينهام مفسر إنجيل مرقس ، فيقول : " لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها ، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد ، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس ، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماً ، وأما رسائل بولس فلها ستة قراءات مختلفة تماماً " .
ويقول : " ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين " ويستعين بما ذكره القس شورر عن مخطوطات الأناجيل وأن بها 50000 اختلاف ، وقال كريسباخ 150000 وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص " .
وممن اعترف بكثرة هذه الاختلافات العالم ميل ، وذكر بأنها ثلاثون ألفاً ، ووافقه القس باركر البروتستانتي ، وأوصل هذه الاختلافات العلامة وتيس تين إلى أزيد من ألف ألف .
ويقول شميت: لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل العديدة التي لا تحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة".
ويحاول النصارى تبرير هذه الاختلافات الكثيرة بين المخطوطات فيقول صاحب كتاب " مرشد الطالبين " : " لا تعجب من وجود اختلافات في نسخ الكتب المقدسة ، لأن قبل ظهور صناعة الطبع في القرن الخامس عشر من الميلاد كانت تنسخ بالخط ، فكان بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً وساهياً " ، لكن الحق أن هناك تحريفاً متعمداً وهو ما أقر به المدخل الفرنسي للعهد الجديد " إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة . بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية .. هناك فوارق أخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير .
فإن نص العهد الجديد قد نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء ... يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحياناً عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم ، وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي ، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ ، ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحياناً إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت على التلاوة بصوت عال.
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلف ألوان التبديل .. والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة ، لكي يقيم نصاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يمكن في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".
ويؤكد هذا كله جورج كيرد رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس بقوله : " كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين ، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش .
إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافاً كبيراً ، ولا يمكننا الاعتماد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ .. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على يد المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة ".
أمثلة لتحريف النساخ
وذكر المحققون أمثلة صريحة لتدخل النساخ في النص عن عمد ، منه ما جاء في متى " متى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس ، ليفهم القارئ ، فحينئذ ليهرب الذي في اليهود إلى الجبال "( متى 24/15 - 16 ) فلفظه " ليفهم القارئ " من زيادة الناسخ .
ومثله ما جاء في آخر يوحنا " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21/24 ) فقوله " نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ .
ومثله ما جاء في يوحنا " للوقت خرج دم وماء ، والذين عاين شهد ، وشهادته حق ، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " ( يوحنا 19/34 - 36 ) فالجملة الأخيرة أراد الناسخ بها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا ، وهي ليست من كتابته .
إبطال دعوى الإلهام لكتبة العهد الجديد
إن أحداً من كتاب العهد الجديد - سوى بولس - لم يدع لنفسه الإلهام ، بل سجلت كتاباتهم أن هذا العمل جهد بشري خالص لم يقصد كاتبوه أن يسجلوا من خلاله كتباً مقدسة.
فها هو لوقا في مقدمة إنجيله يقول “ إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة ، رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس ، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به “ ( لوقا 1/1-4 ) .
فيفهم من هذه المقدمة أمور منها : أن إنجيله خطاب شخصي ، وأنه دوّنه بدافع شخصي ، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق ، وأن كثيرين كتبوا غيره ، ولم يذكر لوقا شيئاً عن إلهام إلهي أو وحي من روح القدس .
وإذا كان الحواريون والتلاميذ غير عارفين بإلهامية ذواتهم وبعضهم ، فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن ؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم .
عبارات لا يمكن أن تكون وحياً
لو تتبعنا الأناجيل لما وجدنا ما يشعر بأن أياً منها صادر من ملهم يكتب وحياً ، فمثلاً يقول لوقا : “ ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة ، وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف .. “ ( لوقا 3/23 ) فلفظه “ نحو “ “يظن” لا تصدر عن ملهم جازم بما يقول، وقد أزعجت هاتان العبارتان علماء الكنيسة ، فحذفوهما من طبعة الكتاب المقدس المنقحة.
ومثله في خاتمة يوحنا يقول : “ وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله (يوحنا 20/30 - 31 ) ، وقد كتبه بطلب من أساقفة آسيا لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.
ويقول : “ هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا ، وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق “ فلم يذكر شيئاً عن إلهام هذا الإنجيل ، ثم قال بعدها ما أثبت صفة البشرية لكلامه “ وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة “ ( يوحنا 21/24 - 25 ) ، فمثل هذه المبالغة لا يغيب أنها صنع بشري لعادة البشر في ذلك.
وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة ، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب
ومن ذلك قول بولس : “ أقول لهم أنا لا الرب “ ( كورنثوس (1) 7/12 ) .
ثم يقول “ حسب رأيي “ ( كورنثوس (1) 7/40 ).
ويقول : “ ليس عندي أمر من الرب فيهن “ ( كورنثوس (1) 7/25 )، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة .
ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة “ الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه “ ( كورنثوس (2) 11/16 - 17 ).
ويؤكد أن بعض ما يصدر عته هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي منه، فيقول: “لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد ... أعطي رأياً في هذا أيضاً “ ( كورنثوس (2) 8/8 - 10 ).
ويقول بولس: “ ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً “ ( كورنثوس (2) 11/1 )، فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.
ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس: “ لقد اجترأت كثيراً فيما قلت أيها الإخوة“ ( رومية 15/15 ).
إنكار المحققين لإلهامية كتبة العهد الجديد
وقد أنكرت بعض فرق النصارى وبعض مقدميهم وغيرهم من المحققين إلهامية الأناجيل والرسائل .
ويقول مؤلفو الترجمة المسكونية: “ جمع المبشرون ، وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي “ فليس ثمة إلهام إذن.
ويقول لوثر عن رسالة يعقوب: “ إنها كلّاء .. هذه الرسالة وإن كانت ليعقوب .. إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه ، لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط “، فقول لوثر هذا، يفهم منه عدم اعتباره ليعقوب الحواري ملهماً.
ثم يقول ريس في دائرة معارفه: “ والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين - مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال - توقف ميكايلس في كونها إلهامية “.
ويقول" حبيب سعيد" عن بولس في كتابه "سيرة رسول الجهاد" منبهاً إلى حقيقة هامة وصحيحة : " لم يدر بخلده عند كتابتها - أو على الأصح عند إملائها - أنه يسطر ألفاظاً ستبقى ذخراً ثميناً تعتز به الأجيال القادمة"، ويا للعجب ، بولس لا يعلم بقدسية كلماته بينما النصارى عنه يناضلون.
وفي الفاتيكان شكل البابا ( جون ) لجنة لدراسة الإنجيل برئاسة العلامة (هانز كومب)، وبعد دراسة متأنية ، قررت اللجنة:" أن الإنجيل كلام بشر ، وأنه لا يوجد دليل على أن الإنجيل ينحدر مباشرة عن الله “ .
إن أحداً من الإنجيلين لم يلهم كتابة خبر الصعود (صعود المسيح للسماء), لأن خبر الصعود قد أضيف فيما بعد،كما اعترفت بذلك لجنة تنقيح الكتاب المقدس التي أصدرت النسخة (r.s.v), واسمها النسخة المنقحة من الكتاب المقدس..!!
إبطال نسبة الأناجيل والرسائل للحواريين
تعود أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون إلى ثمانية مؤلفين تفاوتت مقادير كتاباتهم ، ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على المائة صفحة .
وأيضاً يتفاوت قرب هؤلاء من المسيح ، ففي حين أن يهوذا وبطرس ويوحنا من تلاميذه الاثنى عشر ، فإن لوقا ومرقس لم يلقيا المسيح ، فيما لم يتنصر بولس إلا بعد رفع المسيح .
والنصارى يعتبرون هؤلاء المؤلفين الثمانية بشراً ملهمين كتبوا ما أملاه عليهم روح القدس وفق أسلوبهم ، وقد ثبت لدينا عدم إلهامية كتبة العهد الجديد فيما سبق .
ولكن هل تصح نسبة الكتب إلى هؤلاء الثمانية؟ وبالذات إلى متى ويوحنا وبطرس الذين يفترض أنهم من أخص تلاميذ المسيح أم أن النسبة هي أيضاً محرفة ؟ وهل من الممكن أن يصدر هذا الكلام - الذي في العهد الجديد - من حواريي المسيح الذين رباهم طوال سني رسالته ، وذكرهم القرآن بالثناء الحسن ؟
إن هذا كله جعل المحققين من المسلمين يرون أن هذه الأسفار لا يمكن أن تصدر عن تلاميذ المسيح المؤمنين ، فاهتموا لذلك بدراسة وتوثيق نسبة هذه الأسفار إليهم .
أولاً : إنجيل متى
أدلة الكنيسة على صحة نسبة الإنجيل إلى متى
تؤكد الكنيسة بأن متى هو كاتب الإنجيل ، وتستند لأمور ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس ، أهمها : " الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصر "
وأيضاً " لا يعقل أن إنجيلاً خطيراً كهذا - هو في مقدمة الأناجيل - ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح ".
وأيضاً " يذكر بابياس " في القرن الثاني الميلادي أن متى قد جمع أقوال المسيح "
وأخيراً " من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات ، لأن هنا من أهم واجباته لتقديم الحسابات،وكذلك فإن هذا الإنجيلي قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة ".
ملاحظات على إنجيل متى :
رأى المحققون أنه لا دليل عند النصارى على صحة نسبة الإنجيل لمتى ، بل إن الأدلة قامت بخلافه. إذ في الإنجيل أموراً كثيرة تدل على أن كاتبه ليس متى الحواري ، ومن هذه الأدلة :
- أن متى اعتمد في إنجيله على إنجيل مرقس ، فقد نقل من مرقس 600 فقرة من فقرات مرقس الستمائة والاثني عشر ، كما اعتمد على وثيقة أخرى تسمى M
يقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى : " إن القديس متى كان يقتبس من إنجيل القديس مرقس ، وكان ينقحه محاولاً الوصول إلى تصور أحسن وأفضل لله ".
ويضيف القس فهيم عزيز أن اعتماد متى على مرقس حقيقة معروفة لدى جميع الدارسين، فإذا كان متى هو كاتب الإنجيل فكيف ينقل عن مرقس الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة المسيح ؟ كيف لأحد التلاميذ الإثني عشر أن ينقل عنه ؟
- ثم إن إنجيل متى قد ذكر متى العشار مرتين ، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه الكاتب ، فقد ذكره بين التلاميذ الإثنى عشر ، ولم يجعله أولاً ولا آخراً ، ثم لما تحدث عن اتباعه للمسيح قال: " وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى فقال له : اتبعني فقام وتبعه" ( متى 9/9 ) .
فاستخدم أسلوب الغائب ، ولو كان هو الكاتب لقال : " قال لي " ، " تبعته " " رآني "، فدل ذلك على أنه ليس الكاتب ، وهنا يجدر التنبيه على أمر هام ، وهو أن مرقس ذكر القصة ذاتها، وسمى عامل الضرائب لاوي بن حلفي ( انظر مرقس 2/15 ) فهل لاوي بن حلفي هو نفسه متى؟ هل هذا هو الاسم التنصيري للاوي كما تزعم الكنيسة؟
يقول جون فنتون مفسر متى وعميد كلية اللاهوت بلينشفيلد بأنه لا يوجد دليل على أن متى هو اسم التنصير للاوي ، ويرى أنه من المحتمل " أنه كانت هناك بعض الصلات بين متى التلميذ والكنيسة التي كتب من أجلها هذا الإنجيل، ولهذا فإن مؤلف هذا الإنجيل نسب عمله إلى مؤسس تلك الكنيسة أو معلمها الذي كان اسمه متى، ويحتمل أن المبشر كاتب الإنجيل قد اغتنم الفرصة التي أعطاه إياها مرقس عند الكلام على دعوة أحد التلاميذ ، فربطها بذلك التلميذ الخاص أحد الإثني عشر ( متى ) الذي وقره باعتباره رسول الكنيسة التي يتبعها " .
- ثم إن التمعن في الإنجيل يبين مدى الثقافة التوراتية الواسعة التي جعلت منه أكثر الإنجيليين اهتماماً بالنبوءات التوراتية عن المسيح ، وهذا لا يتصور أن يصدر من عامل ضرائب ، وهذا لن يكون من كتابة متى العشار . يقول أ. تريكو في شرحه للعهد الجديد (1960م ): إن الاعتقاد بأن متى هو عشار في كفر ناحوم ناداه عيسى ليتعلم منه ، لم يعد مقبولاً ، خلافاً لما يزعمه آباء الكنيسة.
منكرو نسبة الإنجيل إلى التلميذ متى
وقد أنكر كثير من علماء المسيحية في القديم والحديث صحة نسبة الإنجيل لمتى يقول فاستس في القرن الرابع : " إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه " ، وكذا يرى القديس وليمس . والأب ديدون في كتابه " حياة المسيح" .
ويقول ج ب فيلبس : " نسب التراث القديم هذه البشارة إلى الحواري متى ، ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي " .
ويقول د برونر : " إن هذا الإنجيل كله كاذب " .
ويقول البرفسور هارنج : إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري ، بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما .
وجاء في مقدمة إنجيل متى للكاثوليك : " أما المؤلف ، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وتقاليد الكنيسة تنسبه إلى الرسول متى ، ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم ".
ويقول القس فهيم عزيز عن كاتب متى المجهول: " لا نستطيع أن نعطيه اسماً ، وقد يكون متى الرسول ، وقد يكون غيره " .
ويقول المفسر لإنجيل متى جون فنتون في تفسيره عن كاتب متى : " إن ربط شخصيته كمؤلف بهذا التلميذ إنما هي بالتأكيد محض خيال " .
وقد طعنت في صحة نسبة الإنجيل لمتى فرق مسيحية قديمة ، فقد كانت الفرقة الأبيونية ترى البابين الأولين لإنجيل متى إلحاقيين ، ومثلها فرقة يوني تيرين ، ويرون أن البداية الحقيقية لهذا الإنجيل قوله : " في تلك الأيام جاء يوحنا المعمداني .... " ( متى 3/1 ) فتكون بداية الإنجيل قصة يوحنا المعمداني كما هو الحال في مرقس ويوحنا ، ويدل لذلك أيضاً أن قوله " في تلك الأيام " لا يمكن عوده على ما في الإصحاحين السابقين، إذ كان الحديث في آخر الإصحاح الثاني عن قتل هيرودس للأطفال بعد ولادة المسيح ، وهو زمن طفولة المسيح والمعمدان الذي يكبره بستة أشهر ، بينما الإصحاح الثالث يتحدث عن دعوة المعمداني - أي وهو شاب - ، وهذا يعني وجود سقط أو حذف قبل الإصحاح الثالث ، أو أنه البداية الحقيقية للإنجيل .
من الكاتب الحقيقي لإنجيل متى؟
وإذا لم يكن متى هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه ، فمن هو كاتب هذا الإنجيل ؟
في الإجابة عن السؤال نقول: نتائج الدراسات الغربية التي أكدت أن هذا الإنجيل قد كتبه غير متى التلميذ ، ونسبه إليه منذ القرن الثاني ، ولربما يكون هذا الكاتب تلميذاً في مدرسة متى .
ويحاول كولمان وشراح الترجمة المسكونية تحديد بعض الملامح لهذا الكاتب ، فالكاتب - كما يظهر في إنجيله - مسيحي يهودي يربط بين التوراة وحياة المسيح ، وهو كما يصفه كولمان : يقطع الحبال التي تربطه باليهودية مع حرصه على الاستمرار في خط العهد القديم ، فهو كاتب يهودي يحترم الناموس ، ويعتبر بذلك من البعيدين عن مدرسة بولس الذي لا يحترم الناموس ، بينما يقول هذا الكاتب " فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس ، هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات "( متى 5/19 ) .
ويرجح كولمان أيضاً أنه عاش في فلسطين ، ويرجح فنتون أنه " كتب في حوالي الفترة من 85 - 105م " (متى مات سنة70) ، وهو يقارب ما ذهب إليه البرفسور هارنج حين قال " إن انجيل متى ألف بين 80 - 100م " .
ولو تساءلنا أين الإنجيل الذي كتبه متى كما جاء في شهادة بابياس في القرن الثاني الميلادي؟
وفي الإجابة عن السؤال نقول: فإن بابياس ذكر أن متى كتب وجمع أقوال المسيح ، وما نراه في الإنجيل اليوم هو قصة كاملة عن المسيح وليس جمعاً لأقواله ، كما أن عدم صحة نسبة هذا الإنجيل له لا تمنع من وجود إنجيل آخر قد كتبه ، ولعل من المهم أن نذكر بأن في الأناجيل التي رفضتها الكنيسة إنجيلاً يسمى إنجيل متى ، فلعل بابياس عناه بقوله .
وهكذا رأى المحققون أن ثمة أموراً تمنع القول بأن هذا الإنجيل هو كلمة الله ووحيه وهديه، فهو - وكما يقول الشيخ أبو زهرة - إنجيل " مجهول الكاتب ، ومختلف في تاريخ كتابته ، ولغة الكتابة ، ومكانها ، وتحديد من كتب له هذا الإنجيل ، ثم شخصية المترجم وحاله من صلاح أو غيره وعلم بالدين ، واللغتين التي ترجم عنها ، والتي ترجم إليها ، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي .
ثانياً : إنجيل مرقس
ملاحظات على إنجيل مرقس
لقد توقف المحققون ملياً مع هذا الإنجيل وكاتبه ، وكانت لهم ملاحظات : -
أن مرقس ليس من تلاميذ المسيح ، بل هو من تلاميذ بولس وبطرس . يقول المفسر نينهام مفسر لوقا : " لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة ، وعلاقة خاصة بيسوع ، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى " .
وثمة دليل قوي آخر هو شهادة المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال : " اعتاد الشيخ يوحنا أن يقول : إذ أصبح مرقس ترجماناً لبطرس دون بكل تدقيق كل ما تذكره ، ولم يكن مع هذا بنفس الترتيب المضبوط ما رواه من أقوال وأفعال يسوع المسيح ، وذلك لأنه لم يسمع من السيد المسيح فضلاً عن أنه لم يرافقه ، ولكن بالتبعية كما قلت ، التحق ببطرس الذي أخذ يصوغ تعاليم يسوع المسيح لتوائم حاجة المستعمين ، وليس بعمل رواية وثيقة الصلة بيسوع وعن يسوع لأحاديثه " .
كما يقول مفسر مرقس دنيس نينهام قوله " من غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في أعمال الرسل ( 12/12 ، 25 ) ... أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى ( 5/13 ) .. أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس ...
لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد ، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم ، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية ، فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة " .
وأهم مسألة شغلت الباحثين بخصوص هذا الإنجيل خاتمته ، فإن خاتمة هذا الإنجيل (16/9 - 20 ) غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمة كمخطوطة الفاتيكان والمخطوطة السينائية .
ويقول وليم باركلي : إن النهاية المشهورة - علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة - فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل ، وقد اعتبرتها النسخة القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها ، ونقل رحمة الله الهندي أن القديس ( جيروم ) في القرن الخامس ذكر بأن الآباء الأوائل كانوا يشكون في هذه الخاتمة .
وعن الخاتمة الموجودة يقول الأب كسينجر " لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي ( النشر للعامة ) لكتاب مرقس في الجماعة التي ضمنته .
وبعد أن جرت بين الأيدي الكتابات المتشابهة لمتى ولوقا ويوحنا ، تم توليف خاتمة محترمة لمرقس بالعناصر من هنا ومن هناك لدى المبشرين الآخرين .. وذلك يسمح بتكوين فكرة عن الحرية التي كانوا يعالجون بها الأناجيل " .ويعلق موريس بوكاي قائلاً " ياله من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة ".
ثالثاً : إنجيل لوقا
ملاحظات على إنجيل لوقا
نلاحظ على إنجيل لوقا ملاحظات، أهمها :
1- أن مقدمته تتحدث عن رسالة طابعها شخصي ، وأنها تعتمد على اجتهاده لا على إلهام وحي ، وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية ، فقد أنكر إلهامية هذا الإنجيل عدد من النصارى منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء ، وقال القديس أغسطينوس : " إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة".
2- شك كثير من الباحثين في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل ، بل إن هذا الشك كما ذكر جيروم يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة ، وكذلك فرقة مارسيوني فليس في نسختها هذين الإصحاحين .
ويؤكد المحققون بأن لوقا لم يكتب هذين الإصحاحين ، لأنه يقول في أعمال الرسل " الكلام الأول أنشأته ياثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع " ( أعمال 1/1 ) أي معجزاته بدليل تكملة النص " ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " ( أعمال 1/2 ) والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح ، لا عن أعماله . ونقل وارد كاثلك عن جيروم قوله : بأن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل .
وهكذا نرى للإنجيل أربعة من الكتاب تناوبوا في كتابة فقراته وإصحاحاته .
3- إن الغموض يلف شخصيته ، فهو غير معروف البلد ولا المهنة ولا الجهة التي كتب لها إنجيله تحديداً ، ولا تاريخ الكتابة و .... المعروف فقط أنه من تلاميذ بولس ، وأنه لم يلق المسيح ، فكيف يصح الاحتجاج بمن هذا حاله وجعل كلامه مقدساً ؟
رابعاً : إنجيل يوحنا
أدلة النصارى على نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتستدل الكنيسة لتصحيح نسبة هذا الإنجيل بأدلة ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس وهي : -
" (1) كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً ، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين ، والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود …ويظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية .
(2) كان الكاتب واحداً من تلاميذ المسيح ، ويظهر هذا من استخدامه المتكلم الجمع .. وفي ذكر كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه ... ويتضح من يوحنا ( 21/24 ) أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح .
(3) كان كاتب الإنجيل هو التلميذ الذي كان المسيح يحبه .. وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه " .
ويتحدث مؤلف الإنجيل عن سبب تأليفه له فيقول " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون - إذا آمنتم - حياة باسمه " ( يوحنا 20/31 ) ".
ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون : " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته ، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة ، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين ...ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح " .
وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته ، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول : " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي ، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح ، غير أن الشهادة بصحته كافية .
فإن بطرس يشير إلى آية منه ( بطرس (2) 1/14 ، يوحنا 21/18 ) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه ، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس ، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني .
وبناءً على هذه الشهادات ، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه ، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".
إنكار صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتوجهت جهود المحققين لدراسة نسبة الإنجيل ليوحنا ، ومعرفة الكاتب الحقيقي له .فقد أنكر المحققون نسبة الإنجيل ليوحنا الحواري ، واستندوا في ذلك إلى أمور منها :
1- أن ثمة إنكار قديماً لصحة نسبته ليوحنا ، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق النصرانية القديمة ، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني ، ويقول صاحب كتاب ( رب المجد ) : " وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود ، وحجر عثرة في سبيلهم ، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة يوحنا ".
وتقول دائرة المعارف البريطانية: " هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا ، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا ، وذلك في نحو 165م ، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد) . ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئاً .
لكن السؤال عن هذه الطبقة المسيحية البالغة في كثرة عددها إلى أن رآه سانت اييفانيوس جديرة بالحديث الطويل عنها في ( 374 - 377م ) " أسماها القس " ألوغي " ( أي معارضة الإنجيل ذي الكلمة ) .
لئن كانت أصلية إنجيل يوحنا فوق كل شبهة ، فهل كانت مثل هذه الطبقة لتتخذ نحوه أمثال هذه النظريات في مثل هذا العصر ، ومثل هذا البلد ؟ لا وكلا " .
ومما يؤكد خطأ نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا أن جاستن مارتر في منتصف القرن الثاني تحدث عن يوحنا، ولم يذكر أن له إنجيلاً ، واقتبس فيلمو - 165م - من إنجيل يوحنا ، ولم ينسبه إليه .
وقد أُنكر نسبة الإنجيل أمام أرينيوس تلميذ بوليكارب الذي كان تلميذاً ليوحنا ، فلم ينكر أرينيوس على المنكرين ، ويبعد كل البعد أن يكون قد سمع من بوليكارب بوجود إنجيل ليوحنا ، ثم لا يدافع عنه .
وقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصوراً متلاحقة ، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته ليوحنا . منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية : " ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد ، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تسلم بصحة هذه النسبة .
ويقول القس الهندي بركة الله : " الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدى الرسول ، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية " .
وعند تفحص الإنجيل أيضاً تجد ما يمتنع معه نسبته الإنجيل للحواري يوحنا ، فالإنجيل يظهر بأسلوب غنوصي يتحدث عن نظرية الفيض المعروفة عند فيلون الإسكندراني ، ولا يمكن لصائد السمك يوحنا أن يكتبه خاصة أن يوحنا عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ) .
وتقول دائرة المعارف البريطانية : " أما إنجيل يوحنا ، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور ، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما ، وهما القديسان متى ويوحنا .... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي ، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى ، لخبطهم على غير هدى ".
وأما ما جاء في خاتمة الإنجيل مما استدل به القائلون بأن يوحنا هو كاتب الإنجيل وهو قوله " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا ، وكتب هذا ، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21 / 24 ) . فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل ليوحنا ، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب .
ويرى ويست أن هذه الفقرة كانت في الحاشية ، وأضيفت فيما بعد للمتن ، وربما تكون من كلمات شيوخ أفسس . ويؤيده بشب غور بدليل عدم وجودها في المخطوطة السينائية .
ويرى العلامة برنت هلمين استرتير في كتابه " الأناجيل الأربعة " أن الزيادات في متن يوحنا وآخره كان الغرض منها " حث الناس على الاعتراف في شأن المؤلف بتلك النظرية التي كان ينكرها بعض الناس في ذلك العصر" .
ثم إن بعض المؤرخين ومنهم تشارلز الفريد ، وروبرت إيزلز وغيرهما قالوا بأن يوحنا مات مشنوقاً سنة 44م على يد غريباس الأول ، وعليه فليس هو مؤلف هذا الإنجيل، إذ أن هذا الإنجيل قد كتب في نهاية القرن الأول أو أوائل الثاني .
من كتب إنجيل يوحنا؟
وإذا لم يكن يوحنا هو كاتب الإنجيل ، فمن هو الكاتب الحقيقي ؟
يجيب القس فهيم عزيز : " هذا السؤال صعب ، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل " .
وحاول البعض الإجابة عن السؤال من خلال تحديد صفات كاتب الإنجيل دون ذكر اسم معين، يقول جرانت: " كان نصرانياً ، وبجانب ذلك كان هيلينياً ، ومن المحتمل أن لا يكون يهودياً ، ولكنه شرقي أو إغريقي ، ونلمس هذا من عدم وجود دموع في عينيه علامة على الحزن عندما كتب عن هدم مدينة لليهود " .
وجاء في مدخل الإنجيل أن بعض النقاد " يترك اسم المؤلف ، ويصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنائس آسيا " .
وقال مفسر إنجيل يوحنا جون مارش : " ومن المحتمل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا ، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس خلافاً لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدى .. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع ، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة ، فقام حينئذ بتسجيل جديد لقصة يسوع ".
وقال المحقق رطشنبدر : " إن هذا الإنجيل كله ، وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه ، بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني ، ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس " .
ويوافقه استادلن ويرى أن الكاتب " طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية ".
وقال الخوري في " تحفة الجيل " بأن كاتب الإنجيل هو تلميذ يوحنا المسمى بروكلوس.
وقال بعض المحققين ومنهم جامس ماك كينون ، واستيريتر في كتابه " الأناجيل الأربعة " بأن يوحنا المقصود هو تلميذ آخر من تلاميذ المسيح وهو ( يوحنا الأرشد ) ، وأن أرينوس الذي نسب إنجيل يوحنا لابن زبدى قد اختلط عليه أمر التلميذين .
وذكر جورج إيلتون في كتابه " شهادة إنجيل يوحنا " أن كاتب هذا الإنجيل أحد ثلاثة : تلميذ ليوحنا الرسول أو يوحنا الشيخ ( وليس الرسول ) أو معلم كبير في أفسس مجهول الهوية .
لكن ذلك لم يفت في عضد إيلتون الذي ما زال يعتبر إنجيل يوحنا مقدساً ، لأنه " مهما كانت النظريات حول كاتب هذا الإنجيل، فإن ما يتضح لنا جلياً بأن كاتبه كان لديه فكرة الرسول ، فإذا كتبه أحد تلاميذه فإنه بلا مراء كان مشبعاً بروحه .. ".
كما ذهب بعض المحققين إلى وجود أكثر من كاتب للإنجيل ، منهم كولمان حين قال : " إن كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن النص المنشور حالياً ينتمي إلى أكثر من مؤلف واحد ، فيحتمل أن الإنجيل بشكله الذي نملكه اليوم قد نشر بواسطة تلاميذ المؤلف ، وأنهم قد أضافوا إليه "، ومثله يقول المدخل لإنجيل يوحنا .
ومن هذا كله ثبت أن إنجيل يوحنا لم يكتبه يوحنا الحواري ، ولا يعرف كاتبه الحقيقي ، ولا يصح بحال أن ننسب العصمة والقداسة لكاتب مجهول لا نعرف من يكون .
وعند غض الطرف عن مجهولية الكاتب واستحالة القول بعصمته عندئذ ، فإن ثمة مشكلات تثار في وجه هذا الإنجيل نبه المحققون إليها منها : اختلاف هذا الإنجيل عن باقي الأناجيل الثلاثة رغم أن موضوع الأناجيل الأربعة هو تاريخ المسيح .
إذ تتشابه قصة المسيح في الأناجيل الثلاثة ، بينما يظهر الإنجيل الرابع غريباً بينها ، فمثلاً : هو الإنجيل الوحيد الذي تظهر فيه نصوص تأليه المسيح ، بل هو أنشىء لإثبات ذلك كما يقول المفسر يوسف الخوري: " إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها ، والسبب : أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح " .
ولما لم يكن في الأناجيل الثلاثة ما يدفع أقوال هذه الطوائف ، أنشأ يوحنا إنجيله ، وهذا المعنى يؤكده جرجس زوين، فيقول عن أساقفة آسيا أنهم اجتمعوا " والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح ، وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون " .
ويقول الأب روغيه في كتابه المدخل إلى الإنجيل :" إنه عالم آخر ، فهو يختلف عن بقية الأناجيل في اختيار الموضوعات والخطب والأسلوب والجغرافيا والتاريخ ، بل والرؤيا اللاهوتية " .
وهذه المغايرة أوصلته إلى تقديم صورة للمسيح مغايرة تماماً عما في الأناجيل الثلاثة والتي يسميها البعض : " المتشابهة " أو " الإزائية " ، لذا تقول دائرة المعارف الأمريكية: " من الصعب الجمع بين هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة ، بمعنى أن لو قدرنا أنها صحيحة لتحتم أن يكون هذا الإنجيل كاذباً " .
يقول السير آرثر فندلاي في كتابه " الكون المنشور " معبرا عن هذا الاختلاف : " إن إنجيل يوحنا ليس له قيمة تستحق الذكر في سرد الحوادث الأكيدة ، ويظهر أن محتوياته لعب فيها خيال الكاتب دوراً بعيداً ".
ومن المشكلات التي تواجه هذا الإنجيل أيضاً أن أيدي المحرفين نالت هذا الإنجيل ، فأضافت فيه رواية المرأة الزانية ( انظر يوحنا 8/1 - 11 ) والتي يقول عنها مدخل هذا الإنجيل: " هناك إجماع على أنها من مرجع مجهول في زمن لاحق". وقد حذفت هذه القصة من النسخة القياسية المراجعة ( (r. S. V) لاعتبارها عبارة دخيلة على الإنجيل .