المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخلافة حلم أم كابوس؟



ساري فرح
04-21-2010, 03:05 PM
الخلافة حلم أم كابوس؟

خلافة إسلامية؟ في القرن الحادي والعشرين؟ أجُننتم؟ أفقدتم عقولكم؟ أتريدوننا أن نعود إلى الخيل والجِمال؟ أتريدوننا أن نسكن في الخيام والبوادي؟ ولا تقولوا أنكم ستقطعون الأيدي وتجلدون الظهور وترجمون حتى الموت! لا، هذا غير مقبول إطلاقاً! وخليفتكم المسلم سيكون الحاكم المطلق أليس كذلك؟ يا للديكتاتورية! وماذا ستفعلون بالمسيحيين وغير المسلمين؟ هل ستفرضون عليهم الجزية ويكونون مواطنين من الدرجة الثانية أو حتى السفلى؟ إنه فعلاً لكابوس مريع!!!

تشكل هذه المقولات وغيرها صورة نمطية عن الخلافة أو الحكم الإسلامي، ومما لا ريب فيه أن هذه الصورة لا تقتصر فقط على أذهان غير المسلمين، بل حتى المسلمين أيضاً ترتسم في أذهانم هذه الصورة...

ترى ما مدى صحة هذه الصورة؟ وكيف لنا أن نتعرف إلى الصورة الحقيقية؟ وما هي مصادرها؟
إن هذه الصورة النمطية المشوهة، كما يرى المسلم المؤيد لفكرة الحكم الإسلامي، نتجت عن فقدان المعرفة بنظرية الإسلام في الحكم ومصادرها الشرعية، وكذلك عدم معرفة التاريخ الإسلامي. إضافة إلى ذلك، فإن المدارس والجامعات تركز عادة على بعض الحقب السوداء في تاريخ الخلافة الإسلامية (الأموية، العباسية، العثمانية، وغيرها...) وتقوم كتب المناهج بتعميم هذه الصورة إيحاءً منها بأن حكم الإسلام هو كذلك. والمسلمون لا ينكرون هذه الحقب، إلا أنهم يعتقدون أنها ليست الأصل، وما هي إلا إستثناءات في تاريخ أمتنا الحافل بالصور المشرقة التي تظهر سماحة الإسلام وعظمة تشريعه (يمكنك مراجعة كتاب "تاريخنا المفترى عليه" للدكتور القرضاوي) وهذا التاريخ لم يتغنَّ به علماء الإسلام فحسب، بل تغنَّى به كثير من مؤرخي وعلماء الغرب كأرنولد توينبي وتوماس أرنولد وسايمون أوكلي وغوستاف لوبون وغيرهم.

أما مصادر الصورة الصحيحة عن الخلافة فهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (باعتبارها مصادر التشريع الإسلامي)، إضافة إلى السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي باعتبارها وقائع تاريخية ونماذج تطبيقية للتشريع الإسلامي.

وأما الرد على تلك الصور النمطية فيحتاج إلى كتابة مجلد ضخم موثَّق ومحقق، وهذا ما لا يتسع الوقت له بالنسبة إلي على الأقل. لذلك، سنقتصر في الرد من خلال النقاط التالية، عسى أن تروي غليل المتسائلين:

·في الحكم: يجب أن تتوفر في الحاكم المسلم مواصفات معينة كلها تصب في خانة أهليته للحكم، فليس من الضرورة أن يكون من سلالة معينة ولا من قومية أو عرق محددين، والأمة تبايع الخليفة فيما يسمى عقد البيعة، والحاكم في الإسلام لا يمكن أن يكون ديكتاتوراً، لأن الحاكمية في الإسلام ليست للشخص، بل هي للشرع، فعلى الحاكم تطبيق الشرع وهو محاسب عن ذلك أمام الأمة، ومحاسبة الحكام واجبة على الأمة وتتمثل في هيئة قضائية يحق لها إقالة الحاكم ولا يحق للحاكم إقالتها وهي محكمة المظالم، وذلك يتجسَّد في قول أبي بكر رضي الله عنه حين ولِّيَ الخلافة: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم؛ فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني...". تُعتَبر حاكمية القانون Governance of law ركناً من أركان الدولة الحديثة عند مفكري السياسة الغربيين، وهذا الركن متوفر في الحكم الإسلامي كما سبق لنا شرحه. وإقامة حكم الإسلام لا يكون عن طريق الإنقلاب والثورة، بل عبر قبول فئة من الناس بتحكم الإسلام وتوافقهم على ذلك، وذلك منذ أول أيام الإسلام، لم يقم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إنقلاباً على نظام ما، بل طلب النُّصرة من أهل القوة ورؤوس القبائل، وجاءه أهل المدينة مبايعيين وكان هناك توافق في المدينة على تحكيم الإسلام فيما بينهم. فإقامة الحكم في الإسلام شبيهة بالعقد الإجتماعي Social contract عند مفكري الغرب. وهذا بدهي؛ إذ أنه من المستحيل أن تحكم شعباً ما بنظام لا يعرفونه ولا يرضونه لأنفسهم. وبعد بيعة العقبة الثانية، أرسل محمد عليه الصلاة والسلام مصعب بن عمير إلى المدينة التي بايعه أهلها ليعرِّف الناس بالإسلام، رغم ان نسبة كبيرة من أهل المدينة لم يعتنقوا الإسلام، ولكنهم وبهذه الطريقة تعرفوا إلى الإسلام. وبعد فترة من الزمن هاجر الرسول إلى المدينة. بعبارة أُخرى، لا بد من نظام معين لحكم أي أمة من أمم الأرض، والإسلام يقدم نظاماً للحكم والاقتصاد والاجتماع لا يميز في رعاية الشؤون بين المسلمين وغيرهم، بل يقوم بتأمين حاجاتهم والقضاء بينهم بالعدل والقسط كما أمر الله {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء : 58]

·عن الحدود: ليست الحدود غاية لذاتها، بل هي لزجر الناس ولردعهم عن ارتكاب الجرائم، ولا تقام الحدود قبل إقامة النظام، مثلاً: لا تقطع يد السارق قبل جباية الزكاة والأموال ثم توزيعها على مستحقيها لتنتفي بذلك دوافع السرقة، أو بالأحرى دافع الحاجة، ويبقى دافع الطمع، فمن يسرق بعد تطبيق نظام الزكاة المالي يسرق طمعاً، فهو يستحق بذلك إقامة الحد عليه. وكذلك بالنسبة للزنا، فالدولة تسعى لتسهيل الزواج وسد كل منافذ الفتنة التي تثير الغرائز وتشجع على الزنا (رقابة على الإعلانات، وسائل الإعلام، القنوات الفضائية، الإنترنت) وبذلك تنتفي الدوافع التي تشجع على الزنا في المجتمع. فبعد إقامة النظام، تصبح الحالات التي تنطبق عليها الحدود محدودة ونادرة جداً.

·في الوسائل والأساليب والعلم: الإسلام دين العلم، والوسائل والأساليب الحديثة مباحة شرط استخدامها لنفع الناس وتسهيل مصالحهم.

·غير المسلمين: هم تحت رعاية الدولة ومن واجب الدولة الإسلامية حمايتهم وتأمين حاجاتهم وأن تعدل في حقهم، وتفصيل ذلك موجود في كتاب (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي للدكتور القرضاوي)
هذا والتفصيل في هذا الموضوع يطول والنقاش مفتوح، ونحن نرجو أن تقوم دولة الإسلام لتفي بوعودها ليعم الخير لا على المسلمين فحسب بل على البشرية جمعاء.

أخوكم أبو مريم (الثاني)

رحالة
04-21-2010, 05:10 PM
بداية رائعة ومشوقة
بارك الله فيك
ننتظرمنك المزيد

اخت مسلمة
04-21-2010, 05:19 PM
بارك الله فيك أخي ...
الخلافة الاسلامية واقامة حكم الله تعالى في الأرض هو حلم كل مسلم صادق ايمانه .. لكن تبقى اختلاف آلية هذا الحلم والتعامل مع الأفكار حوله ونشرها على أنها صورة للاسلام ومبادئه وهو من الكثير منها براء ... وكما ذكرت أخي يكون استقاء هذه الآلية من مصادر التشريع الرئيسية قرآنا وصحيح سنة وسيرة اسلامية على خطى السلف الصالح ... ولكن ماذا على الساحة الآن ..؟؟
وكيف شارك الكثير من المسلمين في تشويه هذه الصورة الناصعه لحقبات عاشتها هذه الأمة وعاش في كنفها كل من لايدين معها بدين الله معززا مكرما كما لم يحدث من قبل..؟
هناك طوائف الآن من المسلمين دعوتهم الرئيس هي اقامة الخلافة الاسلامية ... لاخلاف هي الحلم لكل من آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام ورسالته الحق , لكن هل فيما ينشر من أفكار ومبادئ صحيح متابعه في هذا وفق ما أراده تعالى ومايحبه ويرضاه..؟
هل من الاسلام أن تخرج علينا فئة تنتسب الى الاسلام تجعل اقامة الخلافة هي العقيدة الأساسية وتنحيتها من كونها آلية لاقامة منهج الله في الأرض وتحولت بفضل " حزب التحرير " ومن سار على خطاه الآية الى " وماخلقت الجن والانس الا لاقامة الخلافة " ....!!!
أما كان الأولى لهم تصحيح عقائدهم ابتداء ليكون صحيح المنهج هو السبيل السليم والقويم لخلافة يرضى عنها الله ..؟
والله ان القلب ليحزن حين يرى طوام عقدية لفرق كهذه غفلت عنها وانشغلت في التحزب والدعوة الى اقامة خلافة على عقيدة لهم مهترئة .... اذن ليكن لدينا أولويات مصداقا لقوله تعالى : " ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " , لننصر الله فيب نفوسنا وعقائدنا ومجتمعاتنا وحسن اتباعنا وعلى أساس هذا البنيان ان احكمناه سيعين الله الأمة على حلم يراودها ضيعته بغفلتها وبعدها وانحرافاتها .. هذا هو الأساس ... قال عز من قائل : "أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين " ...
بوركت أستاذنا الفاضل ..
( مع تحفظاتي على كثير مما ورد في كتاب الشيخ القرضاوي المذكور )


تحياتي للموحدين