المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خاطرةٌ شرعيةٌ حول: (الغُـبارِ البُركانيِّ في أوروبا ) !



مالك مناع
04-22-2010, 12:19 AM
الحمد لله العزيز الجبَّـار القدير القهَّــار , والصلاةُ والسلامُ على النبي المنتقى المُـختـار وآله وصحابته الأطهـار والتابعين البررة الأخيار , وبعد:

سبحــان الله , سبحانَ من ذلَّ كل عظيمٍ لسطوته , سبحانَ من خضعَ كل جبَّـارٍ لقُـدرته , سبْحَـانَ من لا يدفعُ دافعٌ ما نفذ من أمره ومشيئته وحـكمته.

سُبحان من ينذِر عبادهُ بالآياتِ المُخوِّفـات , والدلائل الواضحات , تحذيراً وتبغيضاً للمآثم والجرائر , وتنبيهاً إلى ما هو أشدُّ من ذلك من عذاب الآخرة لمن أدمَـن غشيانَ ومُزاولة المناكر.

فكم من آيةٍ يُخوِّفُ بها عباده استَـنْبَـتَتِ الإيمانَ في قلوبٍ هامدة قاحلة , وكم من نذارةٍ كونيةٍ بينَـةٍ استلحقَ بها السَّـاهون رُكَّـاب القافلة , آياتٌ باهرةٌ تُقلقُ المطمئنين , وتخوِّفُ المُتقين , ويُستتابُ بها العصاةُ من الكفرةِ والفاسقين.

آياتٌ تشدهُ وتخطِفُ أبصارَ اوقلوبَ لخلقِ فلا يملكونَ لها دفعاً , ولا يجدونَ فيها حيلةً ولا يستطيعونَ مقاومةً ولا رفعاً , لينطقَ منهمُ الحالُ والمقالُ فيقولانِ مـلئ أسماعِ الكون (المُـلكُ لله الواحد القهار).!

فلا إله إلا الله لا تقومُ السماوات والأرضونُ وعامرُهما إلا به , ولا حاجةَ بهِ لمن في أقطارها , غنـيٌّ عن كل شيء , ومفتقرٌ إليه كل شيء , لا يُبدَّلُ أمرهُ ولا معقِّب لحكمه ولا مُشير عليه ولا وزير لديه , عزَّ فقـهر , وعظمَ وقدر وأمَـر.

أيها القارئُ المؤمنُ (وغيرُ المؤمن):

هاهي كُبرياتُ دُول العالمِ بصناعاتها وأساطيلها ومعاملها وجامعاتها ومختبراتها وإمكانياتها ومُقدراتها وتحالفاتها تقفُ عاجزةً حسيرةً كسيرةً لا تملكُ أمام الغُبار البُركاني إلا ما يملكهُ الذبابُ في وجه الملتويات العوج والعواصف الهُـوج.

طيرانٌ في الأرضِ قابعٌ ينتظرُ الفرج , ودولٌ صناعيةٌ متقدمةٌ وكبرى طاغيةٌ تعترفُ بحلول الضرر وتمكُّـن العجز والحرج , ولعلَّ الله تعالى أراد بحكمةٍ منهُ لفتَ الأبصار التي أرهقها التطلع لحضارة الغرب المادية الخاوية من المعالي والكمالاتِ فيعلموا أنَّ فوقَ كل ذي علمٍ عليماً قادراً عظيما فيرهبوهُ , ولا عجب فهو القائلُ في محكم كتابه (وَإِيَّـايَ فَارْهَـبُـونِ) و (وَخافُـونِ إنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِـينَ) و (وَيُحَـذِّرُكُـمُ اللهُ نَفْسَـهُ).

يقولُ ابنُ القيم رحمه الله عن منزلة الخوفِ إنَّـها فرضٌ على كُـل أحدٍ.

والمُـتأمِّـلُ للسبعة الأصنافِ النَّـاجينَ من حرِّ القيامةِ وشمسها الدَّانيةِ يجدُ القاسمَ الذي استوجبوا به ظلَّ العرشِ على اختلاف أعمالهم خوفَ الله تعالى.

أيُّـها القارئ: إنَّ هذا الغُـبارَ البُركانيَّ ينبغي معهُ أن يتأمَّل المؤمنونَ جلالَ الله تعالى الذي يُفنـي كل موجود ويبقى هُـو ذو الجلال والإكرام.

كيفَ لو أصبحَ الخلائقُ وقد ملُحَ ماءُ الدنيا بأسره فمن يأتيهم بالماء غير الله.؟

كيف لو أمسوا عاجزينَ عن ممانعة الأتربة في الليل ومُدافعتها.؟

كيفَ لو سلبَهُم الله الكهرباء التي بها معاشُهم وأعيتهم حِيَـلُ استردادها.؟

أيها الأحبة:

إنَّ عجْـزَ أمَـمِ الأرضِ عن وقوفها في وجهِ هذه الظاهرة الكونيةِ ليدُلُّ بصدقٍ لا لبس معهُ ولا مريةَ على أنَّ الله تعالى وتقدَّسَ لو رفع عنايتهُ عن الكونِ أقلَّ من طرفة العينِ لهلك عُـمَّـارُ السماواتِ والأرضِ ولم يجدوا للوجود واستمرار الحياةِ سبيلاً , ولذلك بين لنا تعالى في كتابه أنَّ معصومَ الخلائقِ وخطَّاءَها وبرَّ البريَّـةِ وفُجارها ورفيعَ القدر ووضيعهُ من العباد وسائسهم ومسُوسَهم وكبيرهم وصغيرَهم وعاقلهم ومجنونهم كُـلُّ أولئك يسألون الله تعالى ما يحتاجونهُ في معاشهم وحياتهم الدنيوية إما سؤالَ مقالٍ كما نفعلُ نحنُ المسلمين أو سؤالَ لسانِ الحالِ كما يفعلُ الكفرةُ والملاحدة وصدق الله حين بيَّـن ذلك بقوله (يسألهُ من في السماواتِ والأرضِ كُـلَّ يومٍ هُـو في شَـأنٍ).

أيها المسلمُ: يا من كُـنتَ ولا تزالُ تركَـبُ الطائرات ثم تعصي اللهَ بين سمائه وأرضه بالنَّظر المُحرَّم والوجهة المُحرَّمة والأغراضِ المُحرَّمة أأمنتَ من في السماء أن يحبسكُـم بغُبارٍ بركاني مفاجئٍ لا تتنبأ به الأرصادُ ولا الأبراجُ ..؟

هل ستفعلُ فعلَ فرعون حينَ يُدركك الغبار وغازاته السامة لتقول : آمنتُ أنَّـهُ لا إله إلا الله , أو تقولَ مقالةَ المذمومين المردودة توبتهم وقد رأوا الموت: إنَّـي تُبتُ الآن.؟

أيتها المُسلمةُ التي لا يحلوا لها تضييقُ اللباسِ ولا إبرازُ المفاتنِ وتحجيمُـها لإغراء المحصَنينَ والأيامي , أما آنَ لكِ وقد حدثَ هذا المشهدُ الكونيُّ الفظيعُ أن تتقي الله وقد سخر لكِ الجوَّ لتركبيهِ آمنةً بما أحاطكِ اللهُ به من الكلاءةِ..؟

أيتها المتبرجةُ السافرة الفاتنةُ المفتونةُ المائلةُ المميلةُ المتعطرة المتكسرةُ المتغنجةُ أأمنتِ من في السماء أن يحبسكُـم وأنتم تعصونهُ بين أرضه وسمائه فيصيبكم بغُبارٍ بركاني مفاجئٍ لا تتنبأ به الأرصادُ ولا الأبراجُ ..؟

هل ستفعلين فعلَ فرعون حينَ يُدرككِ الغبار وغازاته السامة لتقولي : آمنتُ أنَّـهُ لا إله إلا الله , أو تقولي مقالةَ المذمومين المردودة توبتهم وقد رأوا الموت: إنَّـي تُبتُ الآن.؟

هذه الحادثةُ الآنيةُ التي شلَّـت حركةَ الطائراتِ هي رسولٌ إلى كل طاغيةٍ فرداً كانَ أو جماعةً أو دولةً يقولُ (إنَّ ربَّـكَ لبالمرصاد).

إنَّـها رسولٌ إلى الخلقِ كُـلهم يكلمهم إنَّ جُـنود الله تعالى لا حصرَ لها , ولا رادَّ ولا مقاومَ لبأسها , جنودٌ في السماوات وفي الأرضِ وفيما بينهما وفي البحار وتحت الثرى.

جنودٌ لا تنتظرُ إلا أن يقالَ لها كوني فتكونَ بأمر الله على ما يريدُ الله من الإرسال والابتلاء والقهر والتخويف.

جنودٌ عدَّ الله بعضَـها في استعراضِ القُرآنِ لأخبار الماضين من فجرة الأمم وعُتاتها (فكُلّاً أخَذنَا بذَنبِـهِ فمِنهُم مَنْ أرْسَلْنا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُـمْ مَن أَخَـذَتْهُ الصَّـيْحَـةُ وَمِنْهُـمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَـا).

اللهمَّ إنا نسألُـكَ بقدرتكَ عليناَ وخُضُوعِنا لقهركَ وسُلطانكَ وغِناكَ عَنَّا وفقرنا إليكَ أن تكشِفَ عَنَّا كُلَّ بلاءٍ وأن تُرينا في محاربيكَ أبلغَ العظاتِ وأن تُنجي المسلمينَ في كل أرضٍ , نعوذُ بنُـور وجهكَ أن تُـرَدَّ علينا توبتُـنا وقد داهمنا البلاءُ , اللهم ارزقنا خشيتكَ في الأمن والخوف والصحة والمرض والغنى والفقر والمنشط والمكره والرغبة والرهبة , اللهم أحي في قلوب المُسلمين إعظامَك وإجلالَكَ ومُراقبَتَكَ واهدِ ضالَّ المُسلمينَ أجمعين , ومن لا تُريدُ به ذلك اللهمَّ فلا تؤاخذنا بعصيانه وأرحنا منهُ بما شئتَ يا الله يا ذا الجلالِ والإكرام.

http://majles.alukah.net/showthread.php?t=56251

أدناكم عِلما
04-22-2010, 05:25 AM
بارك الله فيك ولك
هذا دُخان قليل وصغير فانظر ماذا فعل بهم فكيف ب (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‏*‏ يغشي الناس هذا عذاب أليم‏*‏ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون‏*‏ أني لهم الذكري وقد جاءهم رسول مبين‏*)

ahmed11
04-22-2010, 01:55 PM
بارك الله فيك اخي العزيز

زاد المعاد
04-22-2010, 02:18 PM
هذا دخان فقط فكيف إذا ثار البركان فأين أجهزة الإنذار من قبل ظهوره؟ سبحان من لا يعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء
جزاكم الله خيرا ونفع بكم ولا يجعلنا الله وإياكم ممن يقول حين يرى العذاب إني تبت الآن اللهم آمين

مالك مناع
04-22-2010, 07:20 PM
بارك الله فيكم ..


وقفات مع بركان آيسلندا للشيخ :محمد صالح المنجد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وبعد :

ففي دويلة صغيرة ، لا تعدو أن تكون جزيرة نائية قي شمال المحيط الأطلسي ، يثور بركان صغير من تحت نهر جليدي ، لينفث موجات من السحب الغبارية ، فيحدث فزعاً عاماً في قارة أوربا بأسرها ، وارتباكاً عالميا للرحلات الدولية. توقَّفت الطائرات، وأُغلقت المطارات، وعُلقت الرحلات ، فـ (113) مطاراً أوروبيا يغلق أبوابه الجوية أمام الملاحة العالمية ، وأكثر من (63 ) ألف رحلة طيران تلغى ، وخسائر شركات الطيران تصل نحو (250) مليون دولار يومياً... والمتأثرون من الناس فاق عددهم سبعة ملايين مسافر ، تقطعت بهم السبل ، وتحولت صالات المطارات إلى مهاجع للمسافرين ، وبدأت المطارات بتزويدهم بالأسرة والأغطية ... فضلا عن خسائر المصدرين والمستوردين .

لقد غدت أوروبا اليوم شبه معزولة عن العالم الخارجي ، وهي تواجه أكبر تعطل للنقل الجوي في تاريخها ، بل عدها البعض الأسوأ من نوعها في تاريخ الطيران المدني!!

1 ـ فاعتبروا يا أولي الأبصار :
سحابُ غبارِ بركانٍ واحدٍ يصيب قارة كاملة بالذعر والخوف ، ويشل حركتها الجوية ، فكيف لو تفجرت عدة براكين ؟!. إنه لأمر يستدعى منا التأمل والنظر ، والتفكر والاعتبار ، فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله ، ويقينه بأن كل ما يقع في كونه من خير فهو من فضله ورحمته ، وكل ما يقع فيه من شر فهو بعلمه (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، وله الحكمة في كلِّ ما يقضي ويقدِّر: (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ) . والمؤمن يقف عند مواقع العبر، وأحكام القدر، ينظر ويتدبر ، ولا يقتصر اعتبار المؤمن على ما يحدث قريباً منه في الزمان والمكان ، بل هو معتبر بكل ما يبلغه من آيات الله قربت منه أو بعدت عنه زماناً ومكاناً .

2 ـ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً:
فالبراكين والزلازل جند من جند الله يرسلها على من يشاء من عباده في الوقت الذي يشاء على النحو الذي يشاء ، إنذاراً ، ووعيداً وابتلاءً ، وتمحيصاً ، وعقاباً ، ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ). ومن جنود الله هذا الرماد المكون من جزيئات صغيرة من الزجاج والصخور المفتته التي تهدد محركات الطائرات وهياكلها وتعيق حركتها ... وقد وُصِفَ هذا الرماد بالقاتل ؛ لأن استنشاقه يمزق النسيج الرئوي. والاقتصار في تعليل ما حدث بأنه مجرد أمر طبعي لا يسير إلا وفق نظم ونواميس كونية ... يدل على غفلة عن مدبر الكون ومسيِّره ، فمن الذي يجريها وفق ذلك النظام ، ويسلطها على من يشاء وفق تقديره وتدبيره !! . ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ، وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ).

3ـ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ .
إن ما حدث آية من آيات الله يرسلها لعباده تذكرة وموعظة للمؤمنين ، وتخويفاً وترهيباً للمعرضين ، فالقلوب المؤمنة تتعظ وتخبت وتنيب لربها، والقلوب الغافلة لا يشغلها سوى الخسائر الاقتصادية ، والمتابعة الإعلامية ، ومراقبة البركان... متناسين رب البركان : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) . إن من علامة قسوة القلوب وطمسها أن يسمع الناس قوارع الأحداث ، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال ، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم ، عاكفين على اتباع شهواتهم ، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد.

4 ـ المؤمن مرهف الحس حي القلب:
يتأثر بمثل هذه الأحوال المخيفة ، مقتدياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا رأى ريحاً أو غيماً عُرِفَ ذلك في وجهه ، فأقبل وأدبر ، خوفاً من نزول عذاب.
وما ذاك إلا لرؤية غيم ، فكيف بأعمدة من الرماد على ارتفاع (11 ) كيلومترا في الجو !! ..
وكان حاله صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس ـ تلك الآية الكونية ـ من أشد أحوال الخوف والانكسار والتضرع، حتى إنه خرج فزعاً يجر رداءه مستعجلاً يخشى أن تكون الساعة ومع ذلك فإننا نجد الآن من لا يتأثر ، ولا يخاف ، ولا يتعظ؟!

5 ـ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ:
إن ما حدث شاهد عظيم على قدرة الله جل جلاله ، فقدرته سبحانه فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة.. أرانا عجائب قدرته، ودلائل قوته فيما خلق وقدَّر.. فما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا). فقدرة الله لا يحدها شيء : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).

6 ـ عجز بني البشر :
فهذا الإنسان كلما طغى وتكبَّر وتجبَّر في الأرض ، وادعى الوصول لأعلى درجات الكمال والاستغناء عن خالقه ، يبعث الله ما يبين له ضعفه وعجزه وفقره إلى مولاه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد) .
فماذا صنعت الدول بأجهزتها وقوتها أمام هذا الجندي من جنود الله ... هل يستطيعون منعه أو إيقافه ؟
إنهم يشاهدون ما يحدث ، ولا يملكون نحوه شيئًا ، مع كل ما وصلوا إليه من علوم وتقنيات!!.
فأين قوتهم وقدرتهم، وأين دراساتهم وأبحاثهم، ومكتشفاتهم ومخترعاتهم؟
هل دفعت لله أمرًا؟ ، أو منعت عذابًا؟ أو عطَّلت قدراً؟!
في لحظات معدودة ينقلب الأمن خوفاً، وتتحول مكاسب شركات الطيران إلى خسائر قدرت بمئات الملايين، وتقف قارة بأكملها عاجزة أمام هذه الكارثة ، بالرغم مما توصلت إليه من تِقْنِيَّة علمية، ليطلعهم الله عز وجل على مدى ضعفهم ، وقلة حيلتهم ، وليعلموا صدق قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) .

7 ـ أين القوة المادية ؟
لطالما تبجحوا بقوتهم وجبروتهم المادي واغتروا به ... لكن هذا التطور لم يستطع أن يفعل شيئاً أمام سحابة من الدخان ، ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ).
فهم في غرور يهيئ لهم أنهم في أمان ، وفي حماية ، وفي اطمئنان !! .
فلما خُيِّل إليهم أنهم بلغوا شأواً عظيما في مجال صناعة الطيران.. أتاهم البركان على حين غرة؛ فأصاب طيرانهم بالعجز، والخسارة الفادحة (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) .

8 ـ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا:
فأين العلم ، والتقدم ، والتقنية للقضاء على هذه السحابة البركانية .
لقد غدا علماء البيئة وعلم الأرض والأرصاد في حيرة واضطراب : فالبعض يقول إن البركان سيهدأ .... والبعض الآخر يقول سيزداد ، والبعض يقف حائراً ولا يدري متى سيتوقف البركان عن نفث الغبار الذي يسبح على ارتفاع كيلومترات في الجو، فقد تتواصل لعدة أيام وربما عدة أشهر ، وربما أكثر !!
والبعض يرى أن الأسوأ لم يأتِ بعد !!
وقد صرح المتخصصون في علم الأرض بمكاتب الأرصاد بقولهم : "نرى إشارات متباينة ، توجد بعض الإشارات التي تدل على أن الثوران سيهدأ ، وأخرى تظهر أنه لا يتراجع ".

9 ـ قصور الحسابات البشرية :
ومع أن لهذه الآيات الكونية أسباباً بمقدور البشر في أحيان كثيرة التنبؤ بها قبل وقوعها.... إلا أن هذه الحوادث تثبت يوماً بعد يوم قصور البشر ، سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات ، أو في التصدي لها.
وإذا وقع قدر الله ، فلا تنفع حينئذ مراكز الدراسات الإستراتيجية, ولا الاحترازية, ولا أجهزة التحكم, ولا مراكز الأبحاث ورصد المعلومات ولا غيرها فـ ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ).
كما اعترف الخبراء أن تأثير السحابة البركانية بهذه الصورة يعد الأول من نوعه (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)..

10 ـ لا ملجأ منه إلا إليه :
إذ ليس للإنسان - مهما عظمت قوته واشتد ذكاؤه - من حيلة أمام هذه الآيات الكونية الكبرى سوى اللجوء إلى الله خالقها ومدبرها ، والانطراح بين يديه ، وإخلاص الدعاء والعبادة له ، ولهذا شرعت الصلاة عند حصول الآيات العظيمة كالكسوف والخسوف (هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ ).

11 ـ سبحان مقلب الأحوال :
فما أسرع ما تتبدل الأحوال, وتتغير الأمور ... إذا أراد الله شيئا قال له كن فيكون ، بلمح البصر، من غير ممانعة ولا منازعة. مابين غمضة عين وانتباهتها .. يغير الله من حال إلى حـال فبينا الناس في حياتهم ومعائشهم غادون رائحون ، ودون أي مقدمات يفجؤهم البركان بهذه السحب العظيمة ، ليربك تخطيطاتهم وحساباتهم وتوقعاتهم . والمؤمن ينتقل من هذا الأمر ليتذكر أمر الساعة: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ، وقال : (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

12 ـ أعاجيب الله في قدره :
فهذه النيران المستعرة يخرجها سبحانه وتعالى من قلب الجليد، ومن تحت نهر جليدي، كما قال رئيس أيسلندا: "ما نشاهده هنا في أيسلندا .. منظر لا يمكنكم أن تروه في مكان آخر من العالم، وهو امتزاج ثورة بركانية وأنهار جليدية" .
فما أعظم قوة الله وما أبهر عجائبه التي يسوقها لتبصير الغافلين، ودعوتهم للتفكير ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ). يقيم اللّه لعباده من آياته في النفس والكون ما يدل على بديع صنعته، وباهر قدرته، ليتبين لهم الحق، والمخذول من أعرض وتولى . ومن العجائب أن دولة البركان " أيسلندا" لم تتأثر بما حدث؛ لأن التيارات الهوائية حملت ذرات الغبار البركاني واتجهت به بعيداً عنها ، فتهبط طائراتها وتقلع بلا قلق ودون خوف... فقد قُدِّر لهذا الغبار أن يذهب لمكان محدد !!.

13 ـ النظرة الإلحادية للطبيعة :
فمن جحود البشر لخالقهم ونكرانهم له نسبة كل صغيرة وكبيرة في الكون لقدرة الطبيعة ، فبدلا من الإذعان لقدرة الله فيما حصل ، نجد رئيس دولة البركان يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".
وينسون قدرة الله الذي خلقها وسخرها ، وأن الطبيعة لا حول لها ولا قوة ، بل كل ما يحدث فبإرادته سبحانه ومشيئته ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) . (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .

14 ـ نار تذكر بنار :
فالصهير الناري البركاني الذي سبب هذا الرماد بلغت درجة حرارته (1200) درجة مئوية ، وأذاب 10% من نهر الجليد، وهذه من نار الدنيا ، فكيف بنار الآخرة ، ولهذا لما ذكر الله نار الدنيا ، قال : (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) تُذَكِّر بالنار الكبرى يوم القيامة ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَارُكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) .

15 ـ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا:
فالسحب البركانية أدت إلى إغلاق المطارات, واحتجاز ملايين المسافرين ، حتى لجأ بعضهم لإرسال استغاثات إلى سفارات دولهم لمساعدتهم في العودة إلى منازلهم..وكم من مؤتمرات نُظِّمَت ، ولقاءات أعد لها ، وحجوزات تأكدت ، ومواعيد تحددت ... ثم أصحابها اليوم يفترشون مقاعد المطارات (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ).

16 ـ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
فهي سنة ربانية... فكلما كثرت المعاصي, والظلم والقتل, وإشاعة الفاحشة؛ كثرت المصائب العامة من الأعاصير المهلكة، والفيضانات المغرقة، والزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأمراض الفتاكة، والطواعين العامة، والحروب الطاحنة، والنقص والآفات في النفوس والزروع والثمار، وغيرها من المصائب التي يخوف الله بها العباد، ويذكرهم بقوته وسطوته، وأنهم إن تركوا أمره لم يبال بهم في أي واد هلكوا، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .
وليست هذه بآخر الكوارث التي ستصيب من أعرض عن منهج الله وطغى وظلم وتجبّر: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ ، أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .

17 ـ مصائب قوم عند قوم فوائد :
أمام هذه الكارثة الاقتصادية لشركات الطيران العالمية, زاد الطلب على القطارات والباصات والعبارات المائية... وزاد الضغط كذلك على الفنادق. ونشطت شركات السكك الحديدية التي سيرت قطارات إضافية بين دول أوروبا ... وارتفعت أسعار الرحلات عموما... فسبحان مقسم الأرزاق ، فبينا أولئك يتجرعون مرارة خسائرهم الفادحة ، ينعم هؤلاء بأرباح خيالية لم تكن لهم يوما بالحسبان !!

18 ـ استحضار نعم الله علينا:
فمن نظر إلى ما أصاب الناس في المطارات، ونومهم على المقاعد ، وقد أرهقهم التعب وأقلقهم الترقب والانتظار، استحضر نعمة الله عليه بالراحة والطمأنينة والأمان. والمؤمن ينظر للمصائب النازلة بالآخرين، فتهون عليه مصائبه ، ويمتلئ قلبه بحمد الله ، ويلهج لسانه بشكره.

19 ـ مشاهد ومشاهد :
إن هذه البراكين والزلازل تذكرنا بالزلزلة الكبرى، فبركان واحد أحدث ما أحدث من الفزع والكوارث ، فكيف بزلزلة الأرض كلها: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) . والغبار الذي حجب الشمس عن سماء هذه الدول يذكرنا بقوله تعالى: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) أي: ذهب ضوءها .
وتناثر أجزاء البركان في الهواء يذكر بقوله:( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أي : تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض .
وتعطل حركة الطيران والمطارات يذكرنا بقوله تعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) ، والعشار : هي خيار الإبل والحوامل منها ، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك ، فنبه سبحانه بذلك على تعطل كل ما هو في معناه من كل نفيس من المال ، حيث يأتي الناس ما يذهلهم عنها فيتعطل الانتفاع بها .

وعجز القارة الأوربية بعدتها وعتادها ، وذهولها مما يحدث ، وتساءل الجميع عما يحدث، يذكرنا بعجز الإنسان عند قيام الساعة ، يوم يقف مشدوها مستعظما ما يرى ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا...) أي: أي شيء عرض لها؟ وإن هذه الغيوم المتراكمة التي تملأ الأجواء على ارتفاعات هائلة ... تذكرنا بالدخان الذي يبعثه الله قبل قيام الساعة : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

وختاماً...

فإن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح.. وإن في مراحلِ العمُر ، وتقلّبات الدّهر ، وفجائع الزمان لعِبَرًا ومزدجرًا ومَوعِظة ومُدّكرًا، يحاسِب فيها الحصيف نفسَه، ويراجع مواقفَه، حتى لا يعيشَ في غَمرة ويؤخَذَ على غِرّة.

نسأل الله أن يلطف بإخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يجعل من هذه الآية عبرة يهدي بها أهل الضلال إلى صراطه المستقيم ودينه القويم. إنه سميع مجيب ، لطيف خبير

والحمد لله رب العالمين،،