ماكـولا
04-29-2010, 01:01 AM
الإيمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان الإيمان كما جاء في القرآن الكريم، والسنة المتواترة.
حكم الإيمان بالكتب :
الإيمان بكتب الله التي أنزل على رسله كلها ركن عظيم من أركان الإيمان وأصل كبير من أصول الدين ، لا يتحقق الإيمان إلا به وقد دل على ذلك الكتاب والسنة
قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
والمراد بالكتب , الكتب والصحف التي حوت كلام الله تعالى الذيَ أوحاه إلى رسله عليهم السلام . سواء ما ألقاه مكتوبا كالتوراة ، أو أنزله عن طريق الملك مشافهة فكتب بعد ذلك كسائر الكتب .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:136].
فأمر الله عباده المؤمنين في الآية بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه . فأمرهم بالإيمان بالله ورسوله وهو محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أنزل على رسوله وهو القرآن ، والكتاب الذي أنزل من قبل وهو جميع الكتب المتقدمة : كالتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، ثم بين في ختام الآية أن من كفر بشيء من أركان الإيمان فقد ضل ضلالا بعيدا وخرج عن قصد السبيل ومن أركان الإيمان المذكورة الإيمان بكتب الله
وقال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة : 177) . فأخبر عز وجل أن حقيقة البر : هو الإيمان بما ذكر من أركان الإيمان ، والعمل بخصال البر الواردة في الآية بعد هذا . وذكر من أركان الإيمان : " الإيمان بالكتاب " قال ابن كثير : هو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء . حتى ختمت بأشرفها ، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب "
تعريف الكتب
ومعنى الكتاب في اللغة:"اسمٌ لما كتب مجموعاً، والكتاب مصدر، يقال: كتب يكتب كتاباً وكتابة والجمع كُتبُ وسمي القرآن كتاباً لما جُمع فيه من القصص والأمثال والعقائد والأمر والنهي والتشريع، أو لأنه اشتمل على جميع الكتب السابقة وكل شيء جمع بعضه إلى بعض سُمي كتاباً وقد جاء في القرآن الكريم بمعنى اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام:59] .
ويأتي بمعنى التوراة والإنجيل وبمعنى القرآن المجيد قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر:32]، وبمعنى الرحمة والمغفرة قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام:54] وغير ذلك .
والمراد بالكتب التي يجب الإيمان بها الكتب المنزلة على أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه عليهم، التي حوت الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وبيان شرائعه وأحكامه.
وقد جاء الإيمان بالكتب في بعض سور القرآن الكريم في قوله تعالى:
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ) [يونس:1-2].
ومن الآيات أيضاً قولـه تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37] .
ومحل الشاهد قولـه: (ولكن تصديق الذي بين يديه) ففي هذا إثبات الكتب السابقة وأن القرآن الكريم جاء مفصلاً لها ومهيمناً عليها ومبيناً ما وقع فيها من التحريف والتبديل، ومصدقاً لها "ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة، لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على ذلك، ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك .." -فتح القدير- .
ومن الآيات أيضاً قوله تعالى: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [يونس:94].
فقوله: (يقرءون الكتاب) إثبات للكتب السابقة.
ثمرات الإيمان بالكتب :
وللإيمان بالكتب آثاره العظيمة على المؤمن فمن ذلك :
1- شكر الله تعالى على لطفه بخلقه وعنايته بهم حيث أنزل إليهم الكتب المتضمنة إرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة .
2- ظهور حكمة الله تعالى حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها ، وكان خاتم الكتب القرآن العظيم مناسبا لجميع الخلق في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة .
3- إثبات صفة الكلام لله تعالى وأن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، وعجز المخلوقين عن الإتيان بمثل كلامه
والإيمان بالكتب يتضمن ما يلي:
أولاً: الاعتقاد الجازم بأن لله جل وعلا كتباً أنزلها على أنبيائه ورسله.
ثانياً: إن الله تعالى تكلم بها على الحقيقة وليس مجازاً، وأن منها المسموع بدون حجاب، ومنها ما سمعه الرسول البشري من الرسول الملائكي مبلغاً عن ربه جل وعلا، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى:51].
ومنها ما خطه جل وعلا بيده قال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) [الأعراف:145].
ثالثاً: إن جميع هذه الكتب يصدق بعضها بعضاً قال تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37].
رابعاً: إن نسخ هذه الكتب بعضها لبعض حق كما نسخ الإنجيل بعض شرائع التوراة وكما كان القرآن ناسخاً لجميع هذه الشرائع وأن النسخ جائز في القرآن الكريم فقد ينسخ بعضه بعضاً كما قال تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [البقرة:106].
خامساً: إن جميع هذه الكتب قد اتفقت على الدعوة على توحيد الله عز وجل وإن اختلفت الشرائع.
سادساً: الإيمان بأن لله كتباً كثيرة لا يعلم عددها إلا الله فنؤمن بها إجمالاً، ونؤمن بما ورد ذكره تفصيلاً كالتوراة، والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم، والقرآن. أما الإيمان بالقرآن الكريم فيشمل جميع ما سبق ويزيد عليها، بأنه يجب مع الإيمان به، امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتحكيمه في جميع شؤون البشر والعمل بمحكمه، والوقوف عند متشابهه، وأنه ناسخ لجميع الكتب السابقة ومهيمن عليها قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) [المائدة:48] ، وأنه محفوظ بحفظ الله تعالى له، وتلك مزية له خاصة حيث تكفل الله تعالى بحفظه كما قال عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
فجميع ما في المصحف هو كلام الله تعالى لم يفت منه شيء .
من هذه الكتب ..
أ) التوراة : وهي كتاب الله الذي آتاه موسى عليه السلام . قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } (القصص : 43) . وفي حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا : « فيأتون إبراهيم فيقول : لست هُنَاكم ويذكر خطيئته التي أصابها ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما »، وقد ألقى الله التوراة على موسى مكتوبة في الألواح وفي ذلك
يقول سبحانه { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } (الأعراف : 145) . قال ابن عباس (يريد ألواح التوراة) . وفي حديث احتجاج آدم وموسى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : « قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده » أخرجاه في الصحيحين من طرق كثيرة .
والتوراة هي أعظم كتب بني إسرائيل وفيها تفصيل شريعتهم وأحكامهم التي أنزلها الله على موسى وقد كان على العمل بها أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا من بعد موسى كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } (المائدة : 44)
والتوراة "لفظ عبراني بمعنى التعليم والشريعة" وهي منزلة على نبي الله موسى الكليم – عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه – .
والتوراة تطلق اليوم عند اليهود على مجموعة الأسفار الخمسة، وهي سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر الأحبار، وسفر العدد، وسفر التثنية
واليهود: هم قوم موسى – عليه السلام – وسموا بذلك الاسم نسبة إلى يهوذا ابن يعقوب وقيل: نسبة إلى الهود وهو التوبة والإنابة، وكان اليهود يعرفون ببني إسرائيل ثم أطلق عليهم يهود: وديانتهم أصلها صحيح، ولكنهم حرفوا وبدلوا في دين الله تعالى ما لم يشرعه .. وهم فرق كثيرة منها: العنانية والعيسوية، والمقاربة، والسامرة، وغيرها
وقد أخبر الله تعالى بتحريفهم لها كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة:79]
ويقـول تعــالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة:174].
ومن الأدلة على أن التوراة الموجودة الآن محرفة ما يلي:
1- ما جاء في وصف الرب تعالى بأوصاف لا تليق به تعالى ولا يمكن أن يصف بها نفسه جل وعلا في كتاب من كتبه، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد "فقال موسى للرب فيسمع المصريون الذين أصعدت بقوتك هذا الشعب من وسطهم 14- ويقولون لسكان هذه الأرض قد سمعوا أنك يا رب وسط هذا الشعب الذين أنت يا رب قد ظهرت لهم عيناً لعين، وسحابتك واقفة عليهم وأنت سائر أمامهم بعمود سحاب نهاراً وبعمود نار ليلاً"
سفر العدد الإصحاح الرابع عشر الفقرة 13-14 .
وما جاء في سفر التثنية في الإصحاح الرابع (24- لأن الرب إلهك هو نار أكله إله غيور) سفر التثنية الإصحاح الرابع الفقرة 24 .
2- اتهامهم هارون – عليه السلام – بصناعة العجل، وحاشاه وهو نبي من أنبياء الله أن يفتري على الله ويدعو إلى الشرك والوثنية ولكن اليهود إخوان القردة والخنازير، لا يفتؤون يفترون على الأنبياء الكذب والزور، ومن ذلك ما جاء في سفر الخروج في الإصحاح الثاني والثلاثين: "1- ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه.
2- فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.
3- فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون. 4- فأخذ ذلك من أيديهم وصوّرهُ بالأزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً" سفر الخروج الإصحاح الثاني والثلاثون الفقرة 1-4، وانظر الفقرة 21-26 .
إلى آخر ما جاء في كتبهم من التحريف والتبديل، بالإضافة إلى انقطاع أسانيدها، وما فيها من التناقض والاختلاف في التواريخ، وقد شهد بعضهم من المنصفين على أن هذه التوراة كتبت في زمن سليمان – عليه السلام – لأن ما فيها شاهد على أن كاتبها ليس موسى – عليه السلام – .
يتبع ..
المادة مستفادة من مقال ل د. قذلة القحطاني
واصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة
حكم الإيمان بالكتب :
الإيمان بكتب الله التي أنزل على رسله كلها ركن عظيم من أركان الإيمان وأصل كبير من أصول الدين ، لا يتحقق الإيمان إلا به وقد دل على ذلك الكتاب والسنة
قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
والمراد بالكتب , الكتب والصحف التي حوت كلام الله تعالى الذيَ أوحاه إلى رسله عليهم السلام . سواء ما ألقاه مكتوبا كالتوراة ، أو أنزله عن طريق الملك مشافهة فكتب بعد ذلك كسائر الكتب .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:136].
فأمر الله عباده المؤمنين في الآية بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه . فأمرهم بالإيمان بالله ورسوله وهو محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أنزل على رسوله وهو القرآن ، والكتاب الذي أنزل من قبل وهو جميع الكتب المتقدمة : كالتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، ثم بين في ختام الآية أن من كفر بشيء من أركان الإيمان فقد ضل ضلالا بعيدا وخرج عن قصد السبيل ومن أركان الإيمان المذكورة الإيمان بكتب الله
وقال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة : 177) . فأخبر عز وجل أن حقيقة البر : هو الإيمان بما ذكر من أركان الإيمان ، والعمل بخصال البر الواردة في الآية بعد هذا . وذكر من أركان الإيمان : " الإيمان بالكتاب " قال ابن كثير : هو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء . حتى ختمت بأشرفها ، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب "
تعريف الكتب
ومعنى الكتاب في اللغة:"اسمٌ لما كتب مجموعاً، والكتاب مصدر، يقال: كتب يكتب كتاباً وكتابة والجمع كُتبُ وسمي القرآن كتاباً لما جُمع فيه من القصص والأمثال والعقائد والأمر والنهي والتشريع، أو لأنه اشتمل على جميع الكتب السابقة وكل شيء جمع بعضه إلى بعض سُمي كتاباً وقد جاء في القرآن الكريم بمعنى اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام:59] .
ويأتي بمعنى التوراة والإنجيل وبمعنى القرآن المجيد قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر:32]، وبمعنى الرحمة والمغفرة قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام:54] وغير ذلك .
والمراد بالكتب التي يجب الإيمان بها الكتب المنزلة على أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه عليهم، التي حوت الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وبيان شرائعه وأحكامه.
وقد جاء الإيمان بالكتب في بعض سور القرآن الكريم في قوله تعالى:
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ) [يونس:1-2].
ومن الآيات أيضاً قولـه تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37] .
ومحل الشاهد قولـه: (ولكن تصديق الذي بين يديه) ففي هذا إثبات الكتب السابقة وأن القرآن الكريم جاء مفصلاً لها ومهيمناً عليها ومبيناً ما وقع فيها من التحريف والتبديل، ومصدقاً لها "ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة، لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على ذلك، ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك .." -فتح القدير- .
ومن الآيات أيضاً قوله تعالى: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [يونس:94].
فقوله: (يقرءون الكتاب) إثبات للكتب السابقة.
ثمرات الإيمان بالكتب :
وللإيمان بالكتب آثاره العظيمة على المؤمن فمن ذلك :
1- شكر الله تعالى على لطفه بخلقه وعنايته بهم حيث أنزل إليهم الكتب المتضمنة إرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة .
2- ظهور حكمة الله تعالى حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها ، وكان خاتم الكتب القرآن العظيم مناسبا لجميع الخلق في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة .
3- إثبات صفة الكلام لله تعالى وأن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، وعجز المخلوقين عن الإتيان بمثل كلامه
والإيمان بالكتب يتضمن ما يلي:
أولاً: الاعتقاد الجازم بأن لله جل وعلا كتباً أنزلها على أنبيائه ورسله.
ثانياً: إن الله تعالى تكلم بها على الحقيقة وليس مجازاً، وأن منها المسموع بدون حجاب، ومنها ما سمعه الرسول البشري من الرسول الملائكي مبلغاً عن ربه جل وعلا، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى:51].
ومنها ما خطه جل وعلا بيده قال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) [الأعراف:145].
ثالثاً: إن جميع هذه الكتب يصدق بعضها بعضاً قال تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37].
رابعاً: إن نسخ هذه الكتب بعضها لبعض حق كما نسخ الإنجيل بعض شرائع التوراة وكما كان القرآن ناسخاً لجميع هذه الشرائع وأن النسخ جائز في القرآن الكريم فقد ينسخ بعضه بعضاً كما قال تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [البقرة:106].
خامساً: إن جميع هذه الكتب قد اتفقت على الدعوة على توحيد الله عز وجل وإن اختلفت الشرائع.
سادساً: الإيمان بأن لله كتباً كثيرة لا يعلم عددها إلا الله فنؤمن بها إجمالاً، ونؤمن بما ورد ذكره تفصيلاً كالتوراة، والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم، والقرآن. أما الإيمان بالقرآن الكريم فيشمل جميع ما سبق ويزيد عليها، بأنه يجب مع الإيمان به، امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتحكيمه في جميع شؤون البشر والعمل بمحكمه، والوقوف عند متشابهه، وأنه ناسخ لجميع الكتب السابقة ومهيمن عليها قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) [المائدة:48] ، وأنه محفوظ بحفظ الله تعالى له، وتلك مزية له خاصة حيث تكفل الله تعالى بحفظه كما قال عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
فجميع ما في المصحف هو كلام الله تعالى لم يفت منه شيء .
من هذه الكتب ..
أ) التوراة : وهي كتاب الله الذي آتاه موسى عليه السلام . قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } (القصص : 43) . وفي حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا : « فيأتون إبراهيم فيقول : لست هُنَاكم ويذكر خطيئته التي أصابها ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما »، وقد ألقى الله التوراة على موسى مكتوبة في الألواح وفي ذلك
يقول سبحانه { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } (الأعراف : 145) . قال ابن عباس (يريد ألواح التوراة) . وفي حديث احتجاج آدم وموسى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : « قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده » أخرجاه في الصحيحين من طرق كثيرة .
والتوراة هي أعظم كتب بني إسرائيل وفيها تفصيل شريعتهم وأحكامهم التي أنزلها الله على موسى وقد كان على العمل بها أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا من بعد موسى كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } (المائدة : 44)
والتوراة "لفظ عبراني بمعنى التعليم والشريعة" وهي منزلة على نبي الله موسى الكليم – عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه – .
والتوراة تطلق اليوم عند اليهود على مجموعة الأسفار الخمسة، وهي سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر الأحبار، وسفر العدد، وسفر التثنية
واليهود: هم قوم موسى – عليه السلام – وسموا بذلك الاسم نسبة إلى يهوذا ابن يعقوب وقيل: نسبة إلى الهود وهو التوبة والإنابة، وكان اليهود يعرفون ببني إسرائيل ثم أطلق عليهم يهود: وديانتهم أصلها صحيح، ولكنهم حرفوا وبدلوا في دين الله تعالى ما لم يشرعه .. وهم فرق كثيرة منها: العنانية والعيسوية، والمقاربة، والسامرة، وغيرها
وقد أخبر الله تعالى بتحريفهم لها كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة:79]
ويقـول تعــالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة:174].
ومن الأدلة على أن التوراة الموجودة الآن محرفة ما يلي:
1- ما جاء في وصف الرب تعالى بأوصاف لا تليق به تعالى ولا يمكن أن يصف بها نفسه جل وعلا في كتاب من كتبه، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد "فقال موسى للرب فيسمع المصريون الذين أصعدت بقوتك هذا الشعب من وسطهم 14- ويقولون لسكان هذه الأرض قد سمعوا أنك يا رب وسط هذا الشعب الذين أنت يا رب قد ظهرت لهم عيناً لعين، وسحابتك واقفة عليهم وأنت سائر أمامهم بعمود سحاب نهاراً وبعمود نار ليلاً"
سفر العدد الإصحاح الرابع عشر الفقرة 13-14 .
وما جاء في سفر التثنية في الإصحاح الرابع (24- لأن الرب إلهك هو نار أكله إله غيور) سفر التثنية الإصحاح الرابع الفقرة 24 .
2- اتهامهم هارون – عليه السلام – بصناعة العجل، وحاشاه وهو نبي من أنبياء الله أن يفتري على الله ويدعو إلى الشرك والوثنية ولكن اليهود إخوان القردة والخنازير، لا يفتؤون يفترون على الأنبياء الكذب والزور، ومن ذلك ما جاء في سفر الخروج في الإصحاح الثاني والثلاثين: "1- ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه.
2- فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.
3- فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون. 4- فأخذ ذلك من أيديهم وصوّرهُ بالأزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً" سفر الخروج الإصحاح الثاني والثلاثون الفقرة 1-4، وانظر الفقرة 21-26 .
إلى آخر ما جاء في كتبهم من التحريف والتبديل، بالإضافة إلى انقطاع أسانيدها، وما فيها من التناقض والاختلاف في التواريخ، وقد شهد بعضهم من المنصفين على أن هذه التوراة كتبت في زمن سليمان – عليه السلام – لأن ما فيها شاهد على أن كاتبها ليس موسى – عليه السلام – .
يتبع ..
المادة مستفادة من مقال ل د. قذلة القحطاني
واصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة