ماكـولا
05-16-2010, 03:53 PM
الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان الستة
قال تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136]. وقوله: (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:84].
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:136] .
والنبوة في اللغة مشتقة من النبأ: وهو الخبر والجمع أنباء "تقول نبأ ونَبَّأَ أي أخبر، ومنه أُخذَ النبي لأنه أنبأ عن الله تعالى وهو فعيل، بمعنى فاعل" وقد يأتي فعيل بمعنى مفعول لقوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) [التحريم:3] "وقيل: النبي مشتق من النَّبَاوة، وهي الشيء المرتفع"
واشترط الراغب للخبر عندما يسمى نبأ أربعة شروط هي:
1- أن يكون خبراً.
2- أن يتضمن فائدة.
3- أن يحصل به علم أو غلبة ظن.
4- خلوه من الكذب بأن يصل حد التواتر ، وهذه الشروط تنطبق جميعها على أخبار الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم، فيما يبلغون عن الله عز وجل من الوحي.
وأما الرسول فهو المرسل، مأخوذ من الإرسال، وأصله رَسَّل وهو "الانبعاث على التؤدة ويقال ناقة رسلة سهلة السير، وإبل مراسيل منبعثة انبعاثاً سهلاً، ومنه الرسول المنبعث .." "والجمع على أَرسل ورُسُل ورُسْل ورُسلاء" وقد يطلق الرسول على الجمع ، كما في قولـه تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [الشعراء:16] والرسول هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه .
أما التعريف الاصطلاحي للفظي النبوة والرسالة، فاختلف العلماء في اتفاقهما وترادفهما، أو تبيانهما على أقوال ذكرها الماوردي – رحمه الله – في أعلام النبوة فقال: "اختلف أهل العلم في الأنبياء والرسل على قولين: أحدهما أن الأنبياء والرسل واحد، فالنبي رسول والرسول نبي، والرسول مأخوذ من تحمل الرسالة، والنبي مأخوذ من النَبَأ، وهو الخبر إن همز، ومأخوذ من النُّبُوة إن لم يهمز، وهو الموضع المرتفع وهذا أشبه لأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد كان يخاطب بهما.
القول الثاني: أنهما يختلفان، لأن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات والرسول أعلى منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك سميت الملائكة رسلاً ولم يسموا أنبياء" ا.هـ.
واختلف من قال بالتفريق بينهما في ذكر الفرق على أقوال عدة منها: "إن الرسول هو الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي، والنبي هو الذي يوحى إليه في نومه" وقال الحليمي – رحمه الله – في تعريف النبوة "خبر خاص هو الذي يلزم الله عز وجل به أحداً من عباده فيميزه بإلقائه إليه عن غيره، ويقفه به على شريعته .. فإن انضاف إلى هذا التوفيق أمر تبليغه إلى الناس ودعائهم إليه، كان نبياً رسولاً .. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا .." .
والقول: أن النبي لا يؤمر بالتبليغ قول لا يتناسب مع ما جاءت به الأحاديث من تبليغ الأنبياء شرائع الله وبناء عليه، فهذا الفرق مردود لمخالفته الأحاديث الصحيحة .
ومنها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وهو أجمعها في - النبوات- حيث قال: ".. فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ ما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه، فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي، وليس برسول" وجميع هذه الأقوال متقاربة، وقول من قال بالتفريق هو الصواب إن شاء الله لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحج:52] فعطف النبي على الرسول والعطف يقتضي المغايرة ولقوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب عندما قال: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت .. ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت" حملاً للفظ على التأسيس لا التأكيد، وفي الحديث الصحيح النص على أن نوح – عليه السلام – أول رسول إلى أهل الأرض مع العلم أنه كان قبله أنبياء كآدم، وشيث، وإدريس – عليهم السلام – .
ونستطيع أن نلخص الفروق بينهما فيما يلي:
1- إن الرسول يأتي بشريعة مستقلة عمن سبقه، بخلاف النبي الذي يكون تابعاً لشريعة رسول قبله.
2- إن بينهما عموماً من وجه وخصوصاً من وجه آخر، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
3- إن الرسالة أكمل من النبوة، إذ هي – أي الرسالة – نبوة وزيادة.
كما أنهما يجتمعان في أن كلاً من الرسول والنبي يوحى إليه، كما إن كليهما، اصطفاء وتشريف من الله عز وجل، ولا تنال بالكسب، والاجتهاد، كما إن كليهما قد ختم بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما مأموران أن بتبليغ الوحي وأما ما ذكره الماوردي في التفريق بين النبوة والرسالة ونقله عن قطرب وهو: "إن الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي هو المحدث لا يبعث إلى أمة" فهو قول فاسد لأنه يفضي إلى رفع المحدث إلى درجة النبي، كما يفضي إلى القول بأن النبوة يمكن أن تنال بالكسب وهذا يخالف إجماع المسلمين، بل وحتى الملل الأخرى من اليهود والنصارى
والمحدث لا يصل إلى درجة الأنبياء والرسل كما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك من أمتي أحد فإنه عمر" وفي رواية أخرى "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال، يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر"
والمحدث: الملهم، وقيل: الرجل الصادق الظن، وقيل: من يجري الحق على لسانه من غير قصد، وقيل من تكلمه الملائكة وقيل غير ذلك .
كيفية الايمان بالرسل :.
والإيمان بالرسل هو الاعتقاد الجازم والتصديق القلبي بأن الله عز وجل أرسل رسلاً دعوا إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك، وأنهم بلغوا ما أمرهم الله تعالى بتبليغه، من غير زيادة ولا نقصان، وأنهم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه،
والتصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دون الله . قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل : 36) . وبأنهم جميعهم صادقون ، بارون ، راشدون ، كرام بررة ، أتقياء أمناء ، هداة مهتدون . قال تعالى : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } (يس : 52) . وقال تعالى بعد أن ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والرسل : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (الأنعام : 87 ، 88) .
وبأنهم كلهم كانوا على الحق المبين ، والهدى المستبين جاءوا بالبينات من ربهم إلى أقوامهم . قال تعالى حكاية عن أهل الجنة : { لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } (الأعراف : 43) . وقال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } (الحديد : 25) .
وبأن أصل دعوتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله وأما شرائعهم فمختلفة . قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء : 25) . وقال عز وجل : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (المائدة : 48) .
وبأنهم قد بلغوا جميع ما أرسلوا به البلاغ المبين ، فقامت بذلك الحجة على الخلق . قال تعالى : { لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } (الجن : 28) . وقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } (النساء : 165)
الرسل بشر ولكنّ الله منّ عليهم بالوحي والرسالة وفضلهم على العالمين :.
ويجب الإيمان بأن الرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء . وإنما هم عباد أكرمهم الله بالرسالة . قال تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (إبراهيم : 11) . وقال تعالى عن نوح : { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } (هود : 31) . وقال عز وجل آمرًا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } (الأنعام : 50) .
وقال "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "(الحج :75)
قال الله "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " الزخرف
قال ابن القيم في الهدي " فأنكر عليهم سبحانه تخيرهم عليه وأخبر أن ذلك ليس إليهم بل إلى الذي قسم بينهم معايشهم المتضمنة لأرزاقهم ومدد آجالهم وكذلك هو الذي يقسم فضله بين أهل الفضل على حسب علمه بمواقع الاختيار ومن يصلح له ممن لا يصلح وهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات وقسم بينهم معايشهم ودرجات التفضيل فهو القاسم ذلك وحده لا غيره وهكذا هذه الآية بين فيها انفراده بالخلق والاختيار وأنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره كما قال تعالى: { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام 124 ] أي الله أعلم بالمحل الذي يصلح لاصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره "
نصر الله لرسوله وتأييده لهم :.
ومما يجب اعتقاده أيضًا في حق الرسل أنهم منصورون مؤيدون من الله ، وأن العاقبة لهم ولأتباعهم . قال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (غافر : 51) .
قال تعالى في شأن نصرة رسله: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ) [يونس:73].
وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) [يونس:88-89] الآيات إلى قوله: (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس:102-103].
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام:54] ا.هـ (74)
.
فنصرة الله لرسله ومن أطاعه من المؤمنين، حقاً أوجبه الله على نفسه، وهو من دلائل نبوة الأنبياء "فهذا يدل مع صدق الأنبياء على الرغبة في اتباعهم والرهبة من مخالفتهم، ففيه العلم بصدقهم، والموعظة للخلق" ولهذا يقول تعالى في سورة الشعراء بعد كل قصة من قصص الأنبياء: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء:67-68]
وقد لا يتحقق النصر بداية الأمر لحكمة أرادها الله بينها جل وعلا في قوله: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:139-140]
وفي قوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران:166-167]
وقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].
وفي نصر الله لرسله، ومحق أعدائهم، دلائل على النبوة أيضاً من حيث إن الله تعالى أبقى هذه المعالم والآثار في الأرض حتى بلغ العلم بها مبلغ التواتر، كتواتر العلم بالطوفان، وتواتر العلم بدمار فرعون وقومه .
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الروم:9].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : "فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول بأنهم رسل الله وإن أقواماً اتبعوهم وإن أقواماً خالفوهم، وإن الله نصر الرسل والمؤمنين وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها، ونقل هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار ملوك الفرس والعرب في جاهليتها، وأخبار اليونان وعلماء الطب والنجوم والفلسفة اليونانية" .
الرسل يتفاضلون :.
يجب اعتقاد تفاضل الرسل على ما أخبر عز وجل في قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } (البقرة : 253) .
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث عليه الصلاة والسلام " « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع » . رواه مسلم . وفي أول حديث الشفاعة : «أنا سيد الناس يوم القيامة »
وروى مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم»
إشكال وجوابه :.
فإن قيل : يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تفضلوني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى باطشا بساق العرش ، فلا أدري هل أفاق قبلي ، أو كان ممن استثنى الله؟ » خرجاه في الصحيحين ، فكيف يجمع بين هذا وبين قوله « أنا سيد ولد آدم ولا فخر »
فالجواب : أن هذا كان له سبب ، فإنه كان قد قال يهودي : لا والذي اصطفى موسى على البشر ، فلطمه مسلم ، وقال : أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا ، لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذموما ، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذموما ، فإن الله حرم الفخر ، وقد قال تعالى : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } . وقال تعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر ، أو على وجه الانتقاص بالمفضول .
وقد أجاب بعضهم بجواب آخر ، وهو : أن قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تفضلوني على موسى » ، وقوله : « لا تفضلوا بين الأنبياء » نهي عن التفضيل الخاص ، أي : لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه ، بخلاف قوله : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » فإنه تفضيل عام فلا يمنع منه . وهذا كما لو قيل : فلان أفضل أهل البلد ، لا يصعب على أفرادهم ، بخلاف ما لو قيل لأحدهم : فلان أفضل منك
بيان ما في قوله عليه الصلاة والسلام " ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى " بخاري
وفي رواية "من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب" بخاري
وهذا اللفظ يدل على العموم ، لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى ، وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم ، أي : فاعل ما يلام عليه . وقال تعالى : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فقد يقع في نفس بعض الناس أنه أكمل من يونس ، فلا يحتاج إلى هذا المقام ، إذ لا يفعل ما يلام عليه . ومن ظن هذا فقد كذب ، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس : { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ، كما قال أول الأنبياء وآخرهم ، فأولهم : آدم ، قد قال : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } وآخرهم وأفضلهم وسيدهم : محمد صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح ، حديث الاستفتاح ، من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، بعد قوله (وجهت وجهي) إلى آخره : « اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت » ، إلى آخر الحديث ، وكذا قال موسى عليه السلام : { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم }
وأيضا : فيونس صلى الله عليه وسلم لما قيل فيه : { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } ، فنهي نبينا صلى الله عليه وسلم عن التشبه به ، وأمره بالتشبه بأولي العزم حيث قيل له : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } ، فقد يقول من يقول : أنا خير من يونس : وليس للأفضل أن يفخر على من دونه ، فكيف إذا لم يكن أفضل ، فإن الله لا يحب كل مختال فخور ، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد » . فالله تعالى نهى أن يفخر على عموم المؤمنين ، فكيف على نبي كريم؟
فلهذا قال : « لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى » . فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفتخر على يونس . وقوله : « من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب » ، فإنه لو قدر أنه كان أفضل ، فهذا الكلام يصير نقصا ، فيكون كاذبا ، وهذا لا يقوله نبي كريم ، بل هو تقدير مطلق ، أي : من قال هذا فهو كاذب ، وإن كان لا يقوله نبي ،
كما يجب اعتقاد صحة ما جاءت به النصوص من ذكر فضائلهم وخصائصهم وأخبارهم ، كاتخاذ الله إبراهيمَ ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم خليلين لقوله تعالى : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } (النساء : 125) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا » أخرجه مسلم .
وكتكليم الله تعالى لموسى لقوله تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } (النساء : 164) . وكذلك تسخير الجبال والطير لداود يسبحن بتسبيحه ، قال تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } (الأنبياء : 79) . وإلانة الحديد لداود كما قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } (سبأ : 10) .
وتسخير الرياح لسليمان تسير بأمره ، وتسخير الجن له يعملون بين يديه ما يشاء ، قال تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } (سبأ : 12) . وتعليم سليمان منطق الطير ، قال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } (النمل : 16) .
عدد الرســل :.
وجاء في حديث أبي ذر أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رواه احمد (ضعيف جدا )والحاجة إليه ماسة, وحاجة البشرية إليهم أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجتها إلى الهواء الذي تتنفسه، وذلك لأنهم رسل كرام جاؤوا بما فيه صلاح العباد، من أطاعهم نجا، ومن خالفهم خسر، سبيلهم هي سبيل الرحمن، وحزبهم هو حزبه.
والإيمان بهم إجمالاً فيما لم يذكر وتفصيلاً فيمن ذكر في القرآن وهم خمسة وعشرون نبياً ذكر منهم ثمانية عشر نبياً في قوله تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِين وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) [الأنعام:83-86] .
وأما السبعة الباقون فهم آدم – عليه السلام – وذكره الله في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33] وإدريس وذكره الله في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً) [مريم:56]، وهود وصالح وشعيب وقد ذكر الله أخبارهم في كثير من سور القرآن العظيم وأيضاً ذا الكفل وقد ذكره الله تعالى في قوله: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ) [الأنبياء:85]. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وورد ذكر الباقين في مواضع أخرى من القرآن . قال تعالى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } (الأعراف : 65)
وقال : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } (الأًعراف : 73) . وقال : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } (الأعراف : 85) . وقال : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا } (آل عمران : 33) . وقال : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (الفتح : 29) . فيجب الإيمان بهؤلاء الأنبياء والمرسلين إيمانًا مفصلًا ، والإقرار لكل واحد منهم بالنبوة أو الرسالة على ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم
ونؤمن بأن هنالك رسل لا نعرفهم فنؤمن بهم جملة قال الله " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك "
أولو العزم من الرسل هم : ذوو الحزم والصبر . قال تعالى : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } (الأحقاف : 35) .
وقد اختلف العلماء فيهم . فقيل المراد بأولي العزم هم جميع الرسل . و" من " في قوله { مِنَ الرُّسُلِ } لبيان الجنس لا للتبعيض . قال ابن زيد : " كل الرسل . كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيًّا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل " .
وقيل هم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم . قال ابن عباس : " أولو العزم من الرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى " . وبهذا القول قال مجاهد وعطاء الخراساني ، وعليه كثير من متأخري أهل العلم .
وقد ذكر الله هؤلاء الخمسة مجتمعين في موطنين من كتابه وبه استدل لهذا القول . الأول في سورة الأحزاب . قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } (الأحزاب : 7) . والثاني في سورة الشورى
قال تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } (الشورى : 13) . قال بعض المفسرين : " ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ومن أولي العزم من الرسل " .
وهؤلاء الخمسة هم أفضل الرسل وخيار بني آدم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : (خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم وصلى الله وسلم عليهم أجمعين) .
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم على ما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع » .
تكذيب رسول واحد تكذيب للجميع وهو كفر :.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء:150-152] .
يتبع ان شاء الله ..
استفيدت هذه المادة من اصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة
مقال د. قذلة القحطاني
شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز الحنفي
قال تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136]. وقوله: (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:84].
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:136] .
والنبوة في اللغة مشتقة من النبأ: وهو الخبر والجمع أنباء "تقول نبأ ونَبَّأَ أي أخبر، ومنه أُخذَ النبي لأنه أنبأ عن الله تعالى وهو فعيل، بمعنى فاعل" وقد يأتي فعيل بمعنى مفعول لقوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) [التحريم:3] "وقيل: النبي مشتق من النَّبَاوة، وهي الشيء المرتفع"
واشترط الراغب للخبر عندما يسمى نبأ أربعة شروط هي:
1- أن يكون خبراً.
2- أن يتضمن فائدة.
3- أن يحصل به علم أو غلبة ظن.
4- خلوه من الكذب بأن يصل حد التواتر ، وهذه الشروط تنطبق جميعها على أخبار الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم، فيما يبلغون عن الله عز وجل من الوحي.
وأما الرسول فهو المرسل، مأخوذ من الإرسال، وأصله رَسَّل وهو "الانبعاث على التؤدة ويقال ناقة رسلة سهلة السير، وإبل مراسيل منبعثة انبعاثاً سهلاً، ومنه الرسول المنبعث .." "والجمع على أَرسل ورُسُل ورُسْل ورُسلاء" وقد يطلق الرسول على الجمع ، كما في قولـه تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [الشعراء:16] والرسول هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه .
أما التعريف الاصطلاحي للفظي النبوة والرسالة، فاختلف العلماء في اتفاقهما وترادفهما، أو تبيانهما على أقوال ذكرها الماوردي – رحمه الله – في أعلام النبوة فقال: "اختلف أهل العلم في الأنبياء والرسل على قولين: أحدهما أن الأنبياء والرسل واحد، فالنبي رسول والرسول نبي، والرسول مأخوذ من تحمل الرسالة، والنبي مأخوذ من النَبَأ، وهو الخبر إن همز، ومأخوذ من النُّبُوة إن لم يهمز، وهو الموضع المرتفع وهذا أشبه لأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد كان يخاطب بهما.
القول الثاني: أنهما يختلفان، لأن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات والرسول أعلى منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك سميت الملائكة رسلاً ولم يسموا أنبياء" ا.هـ.
واختلف من قال بالتفريق بينهما في ذكر الفرق على أقوال عدة منها: "إن الرسول هو الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي، والنبي هو الذي يوحى إليه في نومه" وقال الحليمي – رحمه الله – في تعريف النبوة "خبر خاص هو الذي يلزم الله عز وجل به أحداً من عباده فيميزه بإلقائه إليه عن غيره، ويقفه به على شريعته .. فإن انضاف إلى هذا التوفيق أمر تبليغه إلى الناس ودعائهم إليه، كان نبياً رسولاً .. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا .." .
والقول: أن النبي لا يؤمر بالتبليغ قول لا يتناسب مع ما جاءت به الأحاديث من تبليغ الأنبياء شرائع الله وبناء عليه، فهذا الفرق مردود لمخالفته الأحاديث الصحيحة .
ومنها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وهو أجمعها في - النبوات- حيث قال: ".. فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ ما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه، فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي، وليس برسول" وجميع هذه الأقوال متقاربة، وقول من قال بالتفريق هو الصواب إن شاء الله لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحج:52] فعطف النبي على الرسول والعطف يقتضي المغايرة ولقوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب عندما قال: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت .. ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت" حملاً للفظ على التأسيس لا التأكيد، وفي الحديث الصحيح النص على أن نوح – عليه السلام – أول رسول إلى أهل الأرض مع العلم أنه كان قبله أنبياء كآدم، وشيث، وإدريس – عليهم السلام – .
ونستطيع أن نلخص الفروق بينهما فيما يلي:
1- إن الرسول يأتي بشريعة مستقلة عمن سبقه، بخلاف النبي الذي يكون تابعاً لشريعة رسول قبله.
2- إن بينهما عموماً من وجه وخصوصاً من وجه آخر، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
3- إن الرسالة أكمل من النبوة، إذ هي – أي الرسالة – نبوة وزيادة.
كما أنهما يجتمعان في أن كلاً من الرسول والنبي يوحى إليه، كما إن كليهما، اصطفاء وتشريف من الله عز وجل، ولا تنال بالكسب، والاجتهاد، كما إن كليهما قد ختم بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما مأموران أن بتبليغ الوحي وأما ما ذكره الماوردي في التفريق بين النبوة والرسالة ونقله عن قطرب وهو: "إن الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي هو المحدث لا يبعث إلى أمة" فهو قول فاسد لأنه يفضي إلى رفع المحدث إلى درجة النبي، كما يفضي إلى القول بأن النبوة يمكن أن تنال بالكسب وهذا يخالف إجماع المسلمين، بل وحتى الملل الأخرى من اليهود والنصارى
والمحدث لا يصل إلى درجة الأنبياء والرسل كما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك من أمتي أحد فإنه عمر" وفي رواية أخرى "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال، يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر"
والمحدث: الملهم، وقيل: الرجل الصادق الظن، وقيل: من يجري الحق على لسانه من غير قصد، وقيل من تكلمه الملائكة وقيل غير ذلك .
كيفية الايمان بالرسل :.
والإيمان بالرسل هو الاعتقاد الجازم والتصديق القلبي بأن الله عز وجل أرسل رسلاً دعوا إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك، وأنهم بلغوا ما أمرهم الله تعالى بتبليغه، من غير زيادة ولا نقصان، وأنهم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه،
والتصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دون الله . قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل : 36) . وبأنهم جميعهم صادقون ، بارون ، راشدون ، كرام بررة ، أتقياء أمناء ، هداة مهتدون . قال تعالى : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } (يس : 52) . وقال تعالى بعد أن ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والرسل : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (الأنعام : 87 ، 88) .
وبأنهم كلهم كانوا على الحق المبين ، والهدى المستبين جاءوا بالبينات من ربهم إلى أقوامهم . قال تعالى حكاية عن أهل الجنة : { لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } (الأعراف : 43) . وقال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } (الحديد : 25) .
وبأن أصل دعوتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله وأما شرائعهم فمختلفة . قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء : 25) . وقال عز وجل : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (المائدة : 48) .
وبأنهم قد بلغوا جميع ما أرسلوا به البلاغ المبين ، فقامت بذلك الحجة على الخلق . قال تعالى : { لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } (الجن : 28) . وقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } (النساء : 165)
الرسل بشر ولكنّ الله منّ عليهم بالوحي والرسالة وفضلهم على العالمين :.
ويجب الإيمان بأن الرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء . وإنما هم عباد أكرمهم الله بالرسالة . قال تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } (إبراهيم : 11) . وقال تعالى عن نوح : { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } (هود : 31) . وقال عز وجل آمرًا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } (الأنعام : 50) .
وقال "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "(الحج :75)
قال الله "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " الزخرف
قال ابن القيم في الهدي " فأنكر عليهم سبحانه تخيرهم عليه وأخبر أن ذلك ليس إليهم بل إلى الذي قسم بينهم معايشهم المتضمنة لأرزاقهم ومدد آجالهم وكذلك هو الذي يقسم فضله بين أهل الفضل على حسب علمه بمواقع الاختيار ومن يصلح له ممن لا يصلح وهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات وقسم بينهم معايشهم ودرجات التفضيل فهو القاسم ذلك وحده لا غيره وهكذا هذه الآية بين فيها انفراده بالخلق والاختيار وأنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره كما قال تعالى: { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام 124 ] أي الله أعلم بالمحل الذي يصلح لاصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره "
نصر الله لرسوله وتأييده لهم :.
ومما يجب اعتقاده أيضًا في حق الرسل أنهم منصورون مؤيدون من الله ، وأن العاقبة لهم ولأتباعهم . قال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (غافر : 51) .
قال تعالى في شأن نصرة رسله: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ) [يونس:73].
وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) [يونس:88-89] الآيات إلى قوله: (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس:102-103].
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام:54] ا.هـ (74)
.
فنصرة الله لرسله ومن أطاعه من المؤمنين، حقاً أوجبه الله على نفسه، وهو من دلائل نبوة الأنبياء "فهذا يدل مع صدق الأنبياء على الرغبة في اتباعهم والرهبة من مخالفتهم، ففيه العلم بصدقهم، والموعظة للخلق" ولهذا يقول تعالى في سورة الشعراء بعد كل قصة من قصص الأنبياء: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء:67-68]
وقد لا يتحقق النصر بداية الأمر لحكمة أرادها الله بينها جل وعلا في قوله: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:139-140]
وفي قوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران:166-167]
وقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].
وفي نصر الله لرسله، ومحق أعدائهم، دلائل على النبوة أيضاً من حيث إن الله تعالى أبقى هذه المعالم والآثار في الأرض حتى بلغ العلم بها مبلغ التواتر، كتواتر العلم بالطوفان، وتواتر العلم بدمار فرعون وقومه .
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الروم:9].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : "فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول بأنهم رسل الله وإن أقواماً اتبعوهم وإن أقواماً خالفوهم، وإن الله نصر الرسل والمؤمنين وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها، ونقل هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار ملوك الفرس والعرب في جاهليتها، وأخبار اليونان وعلماء الطب والنجوم والفلسفة اليونانية" .
الرسل يتفاضلون :.
يجب اعتقاد تفاضل الرسل على ما أخبر عز وجل في قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } (البقرة : 253) .
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث عليه الصلاة والسلام " « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع » . رواه مسلم . وفي أول حديث الشفاعة : «أنا سيد الناس يوم القيامة »
وروى مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم»
إشكال وجوابه :.
فإن قيل : يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تفضلوني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى باطشا بساق العرش ، فلا أدري هل أفاق قبلي ، أو كان ممن استثنى الله؟ » خرجاه في الصحيحين ، فكيف يجمع بين هذا وبين قوله « أنا سيد ولد آدم ولا فخر »
فالجواب : أن هذا كان له سبب ، فإنه كان قد قال يهودي : لا والذي اصطفى موسى على البشر ، فلطمه مسلم ، وقال : أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا ، لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذموما ، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذموما ، فإن الله حرم الفخر ، وقد قال تعالى : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } . وقال تعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر ، أو على وجه الانتقاص بالمفضول .
وقد أجاب بعضهم بجواب آخر ، وهو : أن قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تفضلوني على موسى » ، وقوله : « لا تفضلوا بين الأنبياء » نهي عن التفضيل الخاص ، أي : لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه ، بخلاف قوله : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » فإنه تفضيل عام فلا يمنع منه . وهذا كما لو قيل : فلان أفضل أهل البلد ، لا يصعب على أفرادهم ، بخلاف ما لو قيل لأحدهم : فلان أفضل منك
بيان ما في قوله عليه الصلاة والسلام " ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى " بخاري
وفي رواية "من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب" بخاري
وهذا اللفظ يدل على العموم ، لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى ، وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم ، أي : فاعل ما يلام عليه . وقال تعالى : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فقد يقع في نفس بعض الناس أنه أكمل من يونس ، فلا يحتاج إلى هذا المقام ، إذ لا يفعل ما يلام عليه . ومن ظن هذا فقد كذب ، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس : { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ، كما قال أول الأنبياء وآخرهم ، فأولهم : آدم ، قد قال : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } وآخرهم وأفضلهم وسيدهم : محمد صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح ، حديث الاستفتاح ، من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، بعد قوله (وجهت وجهي) إلى آخره : « اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت » ، إلى آخر الحديث ، وكذا قال موسى عليه السلام : { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم }
وأيضا : فيونس صلى الله عليه وسلم لما قيل فيه : { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } ، فنهي نبينا صلى الله عليه وسلم عن التشبه به ، وأمره بالتشبه بأولي العزم حيث قيل له : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } ، فقد يقول من يقول : أنا خير من يونس : وليس للأفضل أن يفخر على من دونه ، فكيف إذا لم يكن أفضل ، فإن الله لا يحب كل مختال فخور ، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد » . فالله تعالى نهى أن يفخر على عموم المؤمنين ، فكيف على نبي كريم؟
فلهذا قال : « لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى » . فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفتخر على يونس . وقوله : « من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب » ، فإنه لو قدر أنه كان أفضل ، فهذا الكلام يصير نقصا ، فيكون كاذبا ، وهذا لا يقوله نبي كريم ، بل هو تقدير مطلق ، أي : من قال هذا فهو كاذب ، وإن كان لا يقوله نبي ،
كما يجب اعتقاد صحة ما جاءت به النصوص من ذكر فضائلهم وخصائصهم وأخبارهم ، كاتخاذ الله إبراهيمَ ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم خليلين لقوله تعالى : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } (النساء : 125) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا » أخرجه مسلم .
وكتكليم الله تعالى لموسى لقوله تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } (النساء : 164) . وكذلك تسخير الجبال والطير لداود يسبحن بتسبيحه ، قال تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } (الأنبياء : 79) . وإلانة الحديد لداود كما قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } (سبأ : 10) .
وتسخير الرياح لسليمان تسير بأمره ، وتسخير الجن له يعملون بين يديه ما يشاء ، قال تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } (سبأ : 12) . وتعليم سليمان منطق الطير ، قال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } (النمل : 16) .
عدد الرســل :.
وجاء في حديث أبي ذر أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رواه احمد (ضعيف جدا )والحاجة إليه ماسة, وحاجة البشرية إليهم أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجتها إلى الهواء الذي تتنفسه، وذلك لأنهم رسل كرام جاؤوا بما فيه صلاح العباد، من أطاعهم نجا، ومن خالفهم خسر، سبيلهم هي سبيل الرحمن، وحزبهم هو حزبه.
والإيمان بهم إجمالاً فيما لم يذكر وتفصيلاً فيمن ذكر في القرآن وهم خمسة وعشرون نبياً ذكر منهم ثمانية عشر نبياً في قوله تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِين وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) [الأنعام:83-86] .
وأما السبعة الباقون فهم آدم – عليه السلام – وذكره الله في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33] وإدريس وذكره الله في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً) [مريم:56]، وهود وصالح وشعيب وقد ذكر الله أخبارهم في كثير من سور القرآن العظيم وأيضاً ذا الكفل وقد ذكره الله تعالى في قوله: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ) [الأنبياء:85]. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وورد ذكر الباقين في مواضع أخرى من القرآن . قال تعالى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } (الأعراف : 65)
وقال : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } (الأًعراف : 73) . وقال : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } (الأعراف : 85) . وقال : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا } (آل عمران : 33) . وقال : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (الفتح : 29) . فيجب الإيمان بهؤلاء الأنبياء والمرسلين إيمانًا مفصلًا ، والإقرار لكل واحد منهم بالنبوة أو الرسالة على ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم
ونؤمن بأن هنالك رسل لا نعرفهم فنؤمن بهم جملة قال الله " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك "
أولو العزم من الرسل هم : ذوو الحزم والصبر . قال تعالى : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } (الأحقاف : 35) .
وقد اختلف العلماء فيهم . فقيل المراد بأولي العزم هم جميع الرسل . و" من " في قوله { مِنَ الرُّسُلِ } لبيان الجنس لا للتبعيض . قال ابن زيد : " كل الرسل . كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيًّا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل " .
وقيل هم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم . قال ابن عباس : " أولو العزم من الرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى " . وبهذا القول قال مجاهد وعطاء الخراساني ، وعليه كثير من متأخري أهل العلم .
وقد ذكر الله هؤلاء الخمسة مجتمعين في موطنين من كتابه وبه استدل لهذا القول . الأول في سورة الأحزاب . قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } (الأحزاب : 7) . والثاني في سورة الشورى
قال تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } (الشورى : 13) . قال بعض المفسرين : " ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ومن أولي العزم من الرسل " .
وهؤلاء الخمسة هم أفضل الرسل وخيار بني آدم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : (خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم وصلى الله وسلم عليهم أجمعين) .
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم على ما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع » .
تكذيب رسول واحد تكذيب للجميع وهو كفر :.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء:150-152] .
يتبع ان شاء الله ..
استفيدت هذه المادة من اصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة
مقال د. قذلة القحطاني
شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز الحنفي