المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إطلالة



nafez_1962
05-27-2010, 10:35 PM
إطلالة
على غـدٍ إسلامي واعـد
بقلم
الشيخ عبدالرحمن العيسى – حلب

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة وتمهيد :
كثر الحديث عن الإسلام , وغـده القادم , في الآونات الأخيرة من الزمن , وهناك كتب وأبحاث , حتى من كتابٍ غربيين , تنحو في هذا الاتجاه , و تـُصر عليه , وتقوم باستعراض جملة من الـدواعـي والـمقدمات , والـتحلـيلات الـنظرية والموضوعية , الداعمة لحق الإسلام , في أنْ تؤول إليه أمورالبشر في الأرض : عناية وهداية ورحمة , بعد أن عم قحط جارف , لكل ما يرفع الحرج , ويكشف الظلم , ويُنهي حالة التداعي والطغيان , والحروب المقوضة للحضارة والعمران ..
إن وقوع المصائر في قبضة المقامرين والـثـُّمالى والـخائبين , قـد نجم عنه ما نرى ونسمع , مما لا يخفى حتى على قاصري النظر , وعديمي الثقافة , مما هو مأساة حقيقية عالمية , تزلزل هذا الكوكب من الأعماق , وتنتظم كل الأقطار والآفاق .. وتحيل الكون إلى كوارث وأزمات , لا حلَّ لها ..
فلا يخلو شبر على الأرض , ولا هو بمنجاة من مظالمَ وآثام , وآلام تتصدع لها الأدمغة , وتنهار منها الأعصاب , ويخر الإنسان صريعاً لليد وللفم , غير مأسوف عليه , ولا مَن يحزنون ويبكون ..
لقد تحقق لأعداء الله ما يحلمون به , فوقعت هذه البسيطة تحت حكمهم , وفي متناول أيديهم , وغـيَّـبوا الإسلام , وألحقوا به كل تهميش وإقصاء , وجعلوا كثيراً من أبنائه يُجافونه ويباعدونه , وفرضوا على الخليقة كلها , تجاربهم الشريرة وحكوماتهم الجائرة , وأسلحتهم التدميرية الشاملة , وأفرغوا ما في جَعـبتهم , من فجور وحقد وإباحية , واستراتيجيات عدوانية وشيطانية , وحملات استعمارية ..
والآن خسروا كل شيء , في حانات الميسر والخمر والخيانة والجاسوسية , والأحلام الأسطورية , وظهر لهم الإسلام الحق , بقامته المديدة , وهامته الشامخة , وروحه وريحانه , وسماحته وحنانه ..
فالدوْر له , والزمن والتاريخ والغد والموعد , والعوْد الذي هو أحمد , بهمة أحمد , وبتضحيات كل المحمديين , والمؤمنين حقاً والصادقين والصامدين ..
الغدُ للإسلام .. فلماذا ؟:
بالرغم من كل تطيُّر وتشاؤم , يوحي بهما واقع العصر , المفعمُ باليأس وبالخُسر , فإن الآمال العريضة لغدٍ إسلامي واعد , لا يمكن إلا أن تشكل حقيقة الحقائق , لدي المتفائلين والواثقين من المؤمنين , والمنصفين الأوروبيين ..
الإشكالية : في غاية الحقـِّية والوضوح , فإن الفجر المرتقب , لا يحين ولا يبزغ , إلا بعد ليل أشد قتامة وظلاماً وإعتاماً ..
واليسر لا يكون إلا بعد الـعـسر , والفـرج لا يأتي إلا بعد الـضيق , والأمن لا يكون الشعور بالحاجة إليه , إلا بعد الخوف , والنصر لا يتحقق إلا بالصبر على البأس والبأساء , ومس الضراء , وظروف البلاء ..
وإصلاح الأرض , لا يتم تسويغه وإنجازه , إلا بعد فساد عريض , وتقويض للقيم , وزحزحة لنواميس التوازن والعدل ..
وفي القرآن المجيد : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها .. ) ..
إن الغد الواعد , ليس بناؤه والوصول إليه , من فراغ وقعود , وانتظار مجَّانيٍّ , بل لا بد من دفع الأثمان الغالية والواجبة .. وإن المناضلين والمجاهدين والمقاومين , من هذه الأمة , يقومون وينهضون بدفع تلك الأثمان , بهمة وعزيمة وسـخـاء , وشـجاعة وتضحـية وفـداء , إلى درجة أن يقـول الـرسول والـمؤمنون : ( متى نصر الله ؟ ألا إن نصر الله قريب ) ..
هذا من جهة , ومن جهة أخرى , فإن وقوع هذا الكوكب المنكوب , رهينة بأيدي كبار المجرمين والمجانين والمفسدين , لأمر لم يسبق له مثيل , وقد تم استنفاد كل التبريرات العدوانية , التي احتج بها الظالمون والآثمون , أعداءُ الحق والإنسان والدين , ورواد الإباحية السياسية والأخلاقية ..
وبناء على هذه المُعطيات والحقائق , فإن الوضع الإنساني المتدهورَ إلى الحضيض , على أيدي ظالميه وجلاديه , لن يبقى هكذا يسير على غير هدى , ويُحرق بنيران الظلم والتجبر والإباحية , والحرب الضروس , التي تدور رحاها فتطحن الأمم والشعوب , وتجعل العرب والمسلمين , يَسبحون فوق بحر من الدم والإرهاب المدجج والمبرمج , وتـُشن عليهم الغزوات الوحشية , في عُـقر دارهم , وتقوم دولة الأساطير والخرافات , في جنبهم وخاصرتهم ..
وهذا كله في المحصلة بمثابة نـَعْي للظالمين , الذين لا يرحمون , ولا تعرف الرحمة إلى قلوبهم سبيلاً , وناقوسُ خطر حقيقي , ينذر المفسدين في الأرض , وأن دولتهم إلى بوار , وسيضمحل وجودهم الغادر والفاجر , كما تضمحل بقايا الظلمة , أمام النور الزاحف , والشمس البازغة !..
الـمشكلة : أن أعـداء الحـق والـرحمة , من الاستعماريين الجدد والقدامى , لا يقرأون التاريخ , وإذا قرأوه لا يعتبرون , ولا يعيدون النظر في العواقب القادمة والمآلات الصادعة , والنهايات المحتـَّمة ..
ولذلك فمن المؤكد , أن الغد ليس لهم , وأنهم إلى مصارعهم سائرون , وأن أمة الصمود والإجابة والإيمان , هي الأجدر والأحق بالنصر , وأن حـمَلة الرسالة الصادقين , هم الذين تـُعوِّل الحياة عليهم , وتنعطف إليهم , وتنتظرهم : هداة ومنقذين , ومحررين حقاً من كل تبعات هذا الواقع المرير , وأوزاره التي تنوء بها الجبال الراسيات .. وتـُحير الحليم , وتـُلجم العليم ..
إنهم البقية الصالحة من هذه الأمة , التي نادى بها القرآن المجيد , قبل أربعة عشر قرناً .. ولنقرأ قول الله تبارك وتعالى : ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهوْن عن الفساد في الأرض إلا قليلاً مما أنجينا منهم ... ) ..
فالنجاء والنصر , لهذه البقية الصالحة , الظاهرة على الحق , التي تمثل الغيث المغيث , في أمة الحبيب محمد , صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم , الذي يقول : ( مَثل أمتي كمثـل الـغـيث لا يُـدرى أولـه خـير أم آخـره ) .. ويقول أيضاً : ( لا تـزال طـائفة مـن أمـتي ظـاهرين عـلى الحـق لا يـضـرهـم مَن خـالـفهم حتى يأتي أمر الله ) ..
الوعد الإسلامي الحق :
إن ما يَعِـد به الإسلام الحق , وما يـُنتظر منه , في هذه الآونات والمآلات , هو ما يُفترض أن يقدمه إلى أتباعه وغير أتباعه , من إغاثة وتدارك , ورتـْق حضاري غير مسبوق , وكشف لغياهب الظلم والجور , والعدوان الصارخ على كل المؤمنين والمستضعفين , والمعذبين في الأرض , دونما حجة من إنسانية وعدالة !.
وهذا يجرنا إلى الحديث عن مستقبلية الإسلام , أو أن المستقبل لهذا الإسلام وعداً واعداً ومفعولاً , لدى كل الباحثين والمَعْـنيين , من مسلمين وغربيين ..
والإشكالية هنا : هي في ملامح هذا الإسلام , الذي يُراد له أن يملأ حياة العرب والعالم , بعد هذه السياسات الطاغية والرعناء , التي دمرت الأمن والحضارة , واستهلكت الحياة الإنسانية الشريفة , كما تـُستهلك الأدوية والأطعمة , ومواد التجميل , وزجاجات الخمر , وألعاب الميسر والمراباة , وآبار النفط , ومناجم الفحم والإثم !..
إن قضايا الحضارة والسكان والإنسان , تدور في حلقات مغلقة , وإخفاقات مخجلة , وخطط فاشلة , وعسكرة مستنفِـرة وهائجة .. وفي واقع الحال , تـُحمل وتفرض الأساطير والأحلام والخرافات , وتقوم دولة الشياطين والمهووسين والمغامرين , ويتهاوى صرح التراث الإنساني العريق , تحت سنابك الحديد والنار وجنود الخسة والنذالة والعار , وسادة القراصنة والمافيات في العالم !..
مُسوِّغات الغد الواعد :
فالإسلام الواعد , يمتلك أحقية وعده وعودته , من كون أعدائه يُخْربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين , ويُنهون بأنفسهم وظلمهم , مبررات ومسوغات وجودهم واستمرارهم , ولم يبق لهذا العالم على أيديهم , ما يتمثله ويعتز به , من المباديء والنظريات والقيم , التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن العشرين وأبادها أربابها ومُـدَّعوها , وداسوها بأحذيتهم , وأعلنوها حرباً نهائية على الإسلام وأهله , وفي نيتهم أن يستأصلوا شأفته , وأن يَـقضوا عليه في مهده .. ويُنهوا وجود أمته , إلا من وجود شكلي , وغير فاعل ولا مؤثر , وفاقدٍ لكل حق واعتبار ..
إن الحرب التي شنها أعداء الإسلام , على الإسلام , كانت في النتيجة والعاقبة , حرباً مفلسة وخاسرة , يقودها قادة مفلسون وخاسرون , فقدوا كل شرعية ومصداقية , ولم يبق لهم إلا أن يكونوا أكذب من مسيلمة الكذاب , وأن يديروا أقذر إعلام , وأشده كذباً وتلفيقاً , وبالتالي أن يصنعوا انتصارات على الورق والهواء , وأن يرسموا مستقبلهم على صفحة الجليد والماء ..
فانتصار الإسلام الحق , من حيث كونـُه رسالة من الله القدوس , يحملها سيد الخلق محمد , صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم , وهزيمة أعدائه المتربصين به , قضية مفروغ منها , ولا شك فيها مطلقاً , والعودة الحميدة الموعودة , هي لذلك الإسلام الحق , ولتلك الرسالة النبوية الخالدة , التي لا نبوة بعدها , ولا نبيَّ بعد نبيها ورسولها : القائد والرائد والخالد محمد , صلى الله على محمد ..
واقعية دعوة الإسلام :
الإسلام الذي ندعو إليه , في أواخر هذا الزمن الصعب والعسير , هو إسلام عملي وواقعي , ويتسم بالأصالة والعمق والتفوق , والمسؤولية السياسية والاستراتيجية , التي تحيط وتهيمن على كل ما في الأرض , من سياسات واستراتيجيات , لا تقوم إلا على الظلم والجور والكفر , والمصالح الحزبية الضيقة والشركات الاحتكارية الضخمة , وصراع المطامع والثقافات , والعَـلمانية والعولمة الإباحية المدمرة , التي تعلن الحرب القذرة , على الإسلام , وعلى النزعة الخيِّـرة في الإنسانية والإنسان , وقضايا التعايش والسلام .. وتريد تدمير سائر المرجعيات والخصائص والهُويات !..
وهذا الإسلام : إغاثة عاجلة للمستغيثين , ورد على الواقع التوراتي والتلمودي , الذي يراد له أن يكون العوضَ والبديل , وأن يكون في الأرض القائد والدليل , وأن تسيطر الأساطير والخطط الجهنمية , التي تبشر بها استراتيجية المسيح الدجال , لتحيل هذا الكوكب إلى فراغ وظلمات , وعدمية محضة , وتفكك رهيب .. فكأن العالم خرائب وأنقاض , وأودية موحشة ومرعبة ..
فالإسلام الحق , هو الذي ينقذ من كل ذلك , ويقود مركب الحياة الإنسانية , إلى شاطيء الأمان والإيمان , وانتصار الإنسان .. في هذا العالم المتدهور والمنهار والمحترق بالحديد والنار , والمحكوم بأسلحة الفتك والحقد والجنون , وهيستيريا الإباحية والشيطان الملعون والمأفون ..
البحث في جوهرية الإسلام :
فبعد أن آل أمر الإسلام عند المسلمين , إلى مجرد طقوس وعبادات , معتادة ومُعادة , ومجردة من أية سلوكية وروحانية , ولا دور لها في الحياة العملية لدى المسلمين , حيث يسيرون ويعملون على وفق الأهواء والمصالح , وما تأمر به الشهوات والمغريات , والحياة الغربية المأفونة .. والإسلام عند الأكثرين : قول بلا فعل , ودعوى بلا تطبيق , وانتساب بدون سلوك وخلق والتزام ..
فبعد ذلك كله , لا بد من المطالعة المتعمقة , والبحث المتوازن , في مباديء جوهرية الإسلام , وأولوياته في الريادة والهداية , والتحويل المرتقب , والتغيير في كل المفاهيم والشعارات , التي تم استهلاكها بالكامل , وأصبحت عبئاً ضاغضاً , وقد تخطاها الزمن , وتسارعُ الأحداث , وآل أمرها إلى النفاد والنضوب , والجمود والتحجر والتكلس والرجعية ..
وأصبحت الاتهامات التي يُرمى بها الإسلام , واجهة لأعداء الإسلام , ووصمة عار في جبينهم , فأولئك الرجعيون الحقيرون , الذين هم عن كل خسة ونذالة يبحثون , وطريقهم مسدودة بالأشلاء المُروِّعة , والدماء والجثث المتعفنة , والمصائب التي تبكي لها الأرض والسموات , وسكان الغابات !!..
إن ما بُنيَ عليه الإسلام , من شهادة وعبادات , متداوَل وفي المتناول , ولكن المفقود الذي نبحث عنه , هو جوهر الإسلام , وروحه النابضة بالحياة الطاهرة , التي جرى تغيبها وتهميشها منذ حين بعيد , وبدونها فليس لنا هوية ولا وجود , إلا هوية الضياع , ووجود الضائعين , الذين يتلفتون , فلا يجدون مَن يرحمهم !..
إننا مفتقرون من الإسلام , إلى روحه الرائدة والسائسة , في هذا العالم المتخبط والمتورط , والمعيدةِ لنا حياتنا التي افتقدناها , فافتقدنا عزتنا وكرامتنا , ومقعدنا اللائق بنا تحت الشمس , التي تمت زحزحتنا عنه , منذ بداية القرن العشرين .. وأعطينا مقعداً حسبما يقرر أعداؤنا الكافرون !!..
الإسلام ومستويات الحديث عنه :
حينما يجري الحديث عن الإسلام , تبرز لنا ثلاثة مستويات ..
الأول : الحديث عن الإسلام التاريخي , كيف ظهر وكيف انتشر, وعن السيرة النبوية , وعن تراثه التشريعي والفقهي كيف تكوَّن , وكيف تأصَّل .. وكيف إلينا تاماً وسالماً قد وصل ..
والثاني : الحديث عن الإسلام , بوضعه الراهن , وواقعيته المعاصرة , وحالة الشتات والضعف , التي يعاني منها المسلمون , ويعيشون في تأخر وتفلت وتشرذم , وضلال مبين ..
وأما المستوى الثالث : فهو الحديث عن الإسلام المجدِّد للحياة , وقدراته الفاعلة , وإمكاناته الصالحة , وقيمه الواعدة , الأمر الذي يجعل منه الملاذ والمنقذ , والمَخرجَ الوحيد , في عملية الخلاص من هذه الأزمة العالمية المتأزمة , والطرق المسدودة , والفتن الغير معهودة ..
وفي هذا السياق , تتم عملية الرصْد لمجمل الحقائق والمدرَكات, والمفاهيم الإيجابية , والقيم الجوهرية الفذة , من بين ركام هذا الكمِّ الهائل , من الإرث الحضاري الإسلامي العريق , الذي يجمع بين أسباب النجاح والتقدم , وعوامل الفشل والتخلف , ويُعبر عن سير المسلمين خلال أحداث التاريخ , وتقلبات القرون واحتمال ما قد كان أن لا يكون .. مما يصح أن يكون مرآة صقيلة , نرى فيها أنفسنا على حقيقتها , ونعلم مَنْ نكون , وكيف يجب أن نكون ..
ولعلنا نجد في كل ذلك , ما يُـزيل الغشاوة عن الأعين , ويَـشفي صدور المؤمنين , ويُذهب غيظ قلوبهم , وينفـِّس بعض الكرب عنهم , ويبعث فيهم من الأمل والتفاؤل , ما يبدد حالة اليأس , التي تخيم على الأمة , وما ران على الأفئدة والبصائر , من رجس الشيطان , وما يوسوس به في الصدور ..
وبعد فماذا بعد :
نحن نحفظ ونردد هذا القول المآثور : ( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) . ففيه دليل وبرهان , على أن الأول والآخر من وضع هذه الأمة , متشابهان إلى حد كبير , من حيث الدعوة الهادية والمغيثة للعرب ابتداء , ومن حيث الوضعُ الداخلي والعالمي , ومن حيث الصد والصدود والتمنع , من قبل رجالات الحكم والزعامة والنفوذ , والمنافقين لهم , ومَنْ وراءَهم من أعداء الإسلام الرافضين والمستعمرين والمستشرقين ..
ولكن ما دام قد تم لشرع الله ومشروعه الكبير , ذلك الانتصار والانتشار , في أرجاء العرب والعالم , فليس من المعقول ولا المنطقي , أن يُستبعد وقوع الصلاح نفسه , وأن يكون ذلك الانتصار العظيم , في العاقبة والنتيجة , ما دامت في الحالتين , مشيئة الله ورحمته بخلقه , هي الرائدة والقاصدة , وهي المصمِّمة والفاعلة , والآخذة بالنواصي والتلابيب , نحو الهدى والرشد والسداد ..
وما كان للإسلام الذي جاء من عند الله , وبلغه رسول الله , ليرتد ويُصد , مهما كان التمنع والاستعداء , ومهما تكن الظروف ونوعية التحديات , وتطورُ أسلحة المحاربين , من الأعداء المستخفين والمستعلنين ..
فهل الذين يساهمون في صنع مستقبل الإسلام , ويمهدون له الطريق تمهيداً إنما هم في الحقيقة والمصير , أعداء الإسلام أنفسهم ؟. لأنهم بعدائهم وحربهم , يتمكن الإسلام منهم , ويقتحم عليهم حصونهم , ويلغيهم من قاموس السياسة والحكم فلا الزمن يتجمد عندهم , ولا التاريخ يموت بين أيديهم , والسنن الإلهية الدؤوبة , لا تتخلف ولا تتوقف , ولا تسمح بأن تؤول الأمور إلى اختلال ما أنزل الله من ميزان , وتبديل وتعطيل كلام الله في القرآن .. ويقول سبحانه : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) . كي تستمر لعبة الحياة , وتجيء النتائج والمصائر , حسبما يشتهون ويخططون , لكن الله يقول : ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فـُعل بأشياعهم من قبل ... ) ..
( ويأبى الله إلا أن يُـتم نوره ولو كره الكافرون ) ..
إن الإسلام العائد والمجدِّد , روح إلهية نبوية , وجوهرية إنسانية حية , وقيم عليا , وعلاقات مقدسة , وسياسات راشدة , وقناعات تنشأ عن حب وإرادة واختيار وإيغال برفق وبصدق , دونما قسر وقهر وجبرية ورهبانية , تماماً كما بدأ هذا الدين في باديء القرون , وبدأ الإسلام غريباً , وسيعود غريباً كما بدأ , غرابة التفرد والتفوق , في زمن السقوط والانبهار والانهيار ..
الإسلام الحق يعلو ولا يُعلى عليه , والكفر دائم الانكسار والانحسار , وإن بدا أحياناً بأنه ليس كذلك , لدى الغافلين والجاهلين ..
وختاماً في الختام :
فقد تم التأكيد على أن الإسلام الحق , الذي افتداه ويفتديه المؤمنون والمؤمنات بأرواحهم , وبأعز ما يملكون , ويرفضون ويأبون رفع راية الاستسلام والعجز , أمام زحوف الباطل والكفر والكافرين , رغم كل ما يصيبهم في الله ..
هذا الإسلام , هو الذي يستحق أعظم نصر , لكونه محلَّ عناية الله , ومَحط الرجاء لدى عباد الله , ولأنه لم يزل غضاً طرياً ومُوَثـَّقاً , كما نزل من عند الله سبحانه , ووراءه الرسول الأعظم , والمؤمنون معه , يَمدونه بطاقة التجديد والحياة , ويدفعون به في معارج الصعود والارتقاء , وإعادة تأسيس البناء ..
ولقد فهَّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , أن الإسلام سيكون له الختام , قبل أن تقوم الساعة الكبرى , ضمن أشراط معينة , سوف تتحقق فعلاً , فيكون الدين كله لله , ويكون واحداً غير متعدد , وتبطل سائر الأديان والعقائد , على أرض الواقع المشهود , ويؤمن البشر بإله واحد , لا شريك له , وينتهي صراع الأديان والآلهة المزيفة , مِن على سطح الكرة الأرضية ..
أي لا بد من أن تتركز كل الأوضاع المختلة , ويعتدل المزاج الدولي والإنساني , ويعود التوازن المطلق .. والصالحون من عباد الله تعالى , يرثون هذه الأرض بالكلية , حسب وعد الله في القرآن المجيد ..
قال الله سبحانه : ( ولـقد كـتبنا في الـزبور من بعـد الـذكـر أن الأرض يـرثهـا عـبادي الـصالـحـون . إن في هـذا لـبلاغاً لـقوم عـابدين . وما أرسلـناك إلا رحمة للـعالـمين ) ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. عبد الرحمن e="4"][/size]








[/size]