المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعض الفوائد من تكرار قصة موسى مع السحرة



متروي
06-02-2010, 02:31 AM
بعض الفوائد في تكرار قصة موسى عليه السلام مع السحرة

بداية نقول ان التكرار اذا صدر في أي كتاب فانه حتما سيجعله مملا لكن في القرآن الكريم الامر مختلف تماما فميزة كتاب الله عز وجل انه لا يخلق على كثرة الرد و لا يمل من كثرة القراءة و هذا ما يجعله نسيج وحده فانظر مثلا الى تكرار آية (فبأي آلاء ربكما تكذبان) في سورة الرحمن و كيف جعل هذا التكرار منها عروسا للقرآن الكريم لا يشبع منها و كذلك قصة موسى عليه السلام فقد زادت القرآن حلاوة و روعة على ان التكرار لا يخلو من فائدة او زيادة فهو اما لثثبيت معنى مهم كمسألة التوحيد و الدعوة الى افراد الله عز وجل بالعبادة و الدعاء التي هي موضوع القرآن الاول و لهذا تتكرر كثيرا في القرآن حتى يدرك القارئ و السامع هدف الرسالة و معناها ولهذا لا نجد في القرآن تكرارا للاحكام الشرعية كالحدود و العقوبات مثلا فذكرها مرة واحدة يغني عن اعادتها و تكرارها و اما ان يكون التكرار يحمل اضافة و هذا هو الاكثر و لكن الذين لا يعقلون لا يتفطنون الى هذه الزيادات التي تأتي في شكل كلمة زائدة او كلمة مغايرة او احداث جديدة فقصة موسى عليه السلام مثلا طويلة و عريضة تبدأ من قبل ولادته و تستمر في طفولته و شبابه و كهولته طيلة حكم فرعون التي تتجاوزالخمسين سنة و تستمر بعده مع بني اسرائيل في حالات شتى و فيها من العبر و الدروس ما جعلها تجربة مهمة و رائعة و ما جعل موسى عليه السلام كليما لله عز وجل فأنظر مثلا قصة موسى عليه السلام مع السحرة فقد وردت في سورة الاعراف بهذا الشكل (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126))وانظر الى نفس القصة في سورة يونس(فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82))ثم انظر إليها في سورة طه (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76))ثم انظر إليها أيضا في سورة الشعراء(لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)).
ففي سورة الأعراف وردت القصة مفصلة بينما في سورة يونس وردت مختصرة جدا بينما جاء فيها حكم السحر عند الله بأنه من عمل المفسدين و بأن الله ناصر الحق مهما مكر الباطل وفعل.
بينما في سورة طه وردت أيضا مفصلة و فيها زيادات كالاشارة إلى الخوف الذي تملك موسى عليه السلام لما رأى السحر العظيم الذي جاء به هؤلاء السحرة و هي إشارة أيضا إلى كون الأنبياء عليهم السلام بشر يشعرون كما نشعر فيرجون و يخافون و لكن الله يثبتهم على الحق و كذلك أولياؤه من عباد الرحمن فعليهم بالصبر و الثبات مهما خافوا و مهما جزعوا.
و فيها أيضا زيادة في سورة الاعراف حيث أشار الله عز وجل إلى التوتر و الرهبة التي تملكت المتفرجين و الحاضرين و في سورة طه وصف غير موجود في الاعراف لطريقة السحر التي أوهم بها السحرة الناس أن ماكان في أيديهم من حبال و عصي قد تحولت إلى أفاعي ستلتهم الجميع و فيها أيضا زيادة بذكر مكر فرعون عند افتضاح أمره بإتهامه للسحرة بالتواطء مع موسى عليه السلام و إتهامه بأنه هو معلمهم الأكبر و هذا من إستخفاف فرعون بقومه و فيها توسع في ذكر صبر السحرة الذين كانوا كفار قبل لحظات فإذا بهم بعدما رأوا بعلمهم أن الذي جاء به موسى ليس سحرا و ليس خداعا إنما هو حقيقة رؤوها بأعينهم فلم يستكبروا و لم يطلبوا فرصة أخرى و لم يتحججوا إنما عرفوا فأسلموا فصبروا فاستشهدوا فدخلوا الجنة و لم يضرهم عذاب فرعون القاسي بالصلب و تقطيع الأطراف .
و فيها أيضا زيادة بكون فرعون كان يكره السحرة على تعلم السحر حتى يستحوذ على عقول الناس و قلوبهم بالتخويف و الترهيب .
و في سورة الشعراء زيادة أخرى هي جمع فرعون للناس لحضور موعد موسى مع السحرة حتى يعظم في أعينهم فوق ما هو عليه فإن الناس إذا رؤوا أفاعيل السحرة العظيمة المخيفة ثم رؤوا هؤلاء السحرة على قوتهم يقبلون قدم فرعون فسيقتنعون بأنه هو ربهم الأعلى كما قال لهم ذلك فعلا..
و فيها أيضا أن الناس جاؤوا و هم على شبه يقين بأن السحرة هم الغالبين بل و فيها إشارة إلى كون هؤلاء الناس لا يرغبون في الحق فلم يقولوا نتبع السحرة أو موسى بل عزموا أمرهم على إتباع السحرة إن غلبوا أما إن غلب موسى فلم يجرؤوا على ذكرها لخوفهم الشديد من فرعون..
و لمن أراد التدبر فلا بد من أن يستنبط الأعاجيب على أن الزيادة لا تقتصر في أحداث القصة فقد تكون الزيادة من نوع أخركأن تكون مثلا إشارة لغوية إلى إختلاف لغات قبائل العرب فقد ذكر الله عز وجل في سورة طه (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) و هي مخالفة لما نحن عليه اليوم من نحو و إعراب مع العلم أن النحو وضع إعتمادا على القرآن و بعده بنحو قرنين من الزمن مما يدل على أن لغات قبائل العرب كانت تختلف من منطقة إلى أخرى و هذا معروف و مسلم به عند الأدباء و المؤرخين و المختصين في اللغة العربية فكما نرى لو تدبرنا القرآن لخرجنا بالأعاجيب و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن.