المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رد - السنة ليست يقينية بسبب روايتها بالمعنى مع عدم كفالة الله بحفظها -



ماكـولا
06-08-2010, 02:25 AM
يقول منكروا السنة " السنة ليست يقينية بسبب روايتها بالمعنى مع عدم كفالة الله بحفظها ، وكثرة ما غزاها من الأحاديث الموضوعة .

يقول الحافظ أسلم : (( كل الروايات التي نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاءت بالمعنى ولم تأت بألفاظه عليه الصلاة والسلام ... والمعروف أن تغيير اللفظ موجب لتغيير المعنى ولو يسيرا )) .
ويقول برويز : ((اعلم أن الله عز وجل لم يتكفل بحفظ شيء سوى القرآن، فلذا لم يجمع الله الأحاديث كما أنه لم يأمر بجمعها ولا تكفل بحفظها)).

ويقول عبد الله جكرالوي : " بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمئآت السنين نحت بعض النّاس هذه الهزليات من عند أنفسهم ثم نسبوها إلى محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وهو منها براء ".



الرد :

يقول عثمان بن معلم " الرد :
إن النبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على أن ينقلوا عنه سنته ويُعْنَوْا بها ويبلِّغوها كما سمعوها منه فقال : « نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلّغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع » .

ولا شك أن أداء لفظ الحديث كما سمع هو الأولى والأجدر الذي يتحقق به دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لسامعه إلا أن المعنى هو المقصود الأول من الأحاديث واللفظ وسيلة ، فإذا روى الراوي الحديث وأصاب المعنى قبل منه ذلك .
وقد وضع أهل العلم لرواية الحديث بالمعنى ضوابط تكفل صونه من تغيير المعنى .

قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي : (( قال جمهور الفقهاء : يجوز للعالم بمواقع الخطاب ومعاني الألفاظ رواية الحديث على المعنى ، وليس بين أهل العلم خلاف في أن ذلك لا يجوز للجاهل بمعنى الكلام وموقع الخطاب ، والمحتمل منه وغير المحتمل .. فأما الدليل على أنه ليس للجاهل بمواقع الخطاب، وبالمتفق معناه والمختلف من الألفاظ فهو أنه لا يؤمن عليه إبدال اللفظ بخلافه بل هو الغالب من أمره وأما الدليل على جواز ذلك للعالم بمعناه .. فهو اتفاق الأمة على أن للعالم بمعنى خبر النبي صلى الله عليه وسلم وللسامع بقوله أن ينقل معنى خبره بغير لفظه وغير اللغة العربية ، وأن الواجب على رسله وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين .. وإذا ثبت ذلك صح أن القصد برواية خبره وأمره ونهيه إصابة معناه وامتثال موجبه ، دون إيراد نفس لفظه وصورته .

وعلى هذا الوجه لزم العجم وغيرهم من سائر الأمم دعوة الرسول إلى دينه والعلم بأحكامه .

ويدل على ذلك أنه إنما ينكر الكذب والتحريف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيير معنى اللفظ ، فإذا سلم راوي الحديث على المعنى من ذلك كان مخبرا بالمعنى المقصود من اللفظ ، وصادقا على الرسول صلى الله عليه وسلم ))

قال المعلمي : (( ولو قلت لابنك : اذهب فقل للكاتب : أبي يدعوك ، فذهب وقال له : والدي - أو الوالد - يدعوك ، أو يطلب مجيئك إليه ، أو أمرني أن أدعوك له ، لكان مطيعا صادقاً ، ولو اطلعت بعد ذلك على ما قال فزعمت أنه قد عصى أو كذب وأردت أن تعاقبه لأنكر العقلاء عليك ذلك ، وقد قص الله عز وجل في القرآن كثيرا من أقوال خلقه بغير ألفاظهم ؛ لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحد المعجز ، ومنه ما يكون عن لسان أعجمي ، ومنه ما يأتي في موضع بألفاظ وفي آخر بغيرها ، وقد تتعدد الصور كما في قصة موسى ، ويطول في موضع ويختصر في آخر ، فبالنظر إلى أداء المعنى كرر النبي صلى الله عليه وسلم بيان شدة الكذب عليه ، وبالنظر إلى أداء اللفظ اقتصر على الترغيب .

واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية ، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة ، ومنها ما أصله قولي ، ولكن الصحابي لا يذكر القول ، بل يقول : أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكذا ، أو نهانا عن كذا ، أو قضى بكذا ، أو أذن في كذا ، وأشباه هذا وهذا كثير أيضا .

وهذان الضربان ليسا محل نزاع ، والكلام فيما يقول الصحابي فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت ، أو نحو ذلك .

ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر ووقع اختلاف فإنما هو في بعض الألفاظ ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذ حكوا قوله صلى الله عليه وسلم يهملون ألفاظه البتة ، لكن منهم من يحاول أن يؤديها فيقع له تقديم وتأخير ، أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك .

ومع هذا فقد عرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ ، وكان ابن عمر ممن شدد في ذلك ، وقد آتاهم الله من جودة الحفظ ما أتاهم .

فعلى هذا ما كان من أحاديث المشهورين بالتحفظ فهو بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان من حديث غيرهم فالظاهر ذلك ؛ لأنهم كلهم كانوا يتحرون ما أمكنهم ، ويبقى النظر في تصرف من بعدهم ))

أما قول برويز إن الله لم يتكفل بحفظ السنة فنقول : إن الله تكفل بحفظ الذكر ، وهو يشمل القرآن والسنة لأنها بيان له لا تنفك عنه ، ومظاهر حفظ الله للسنة النبوية بادية أمامنا ، إذ لم تخل العصور الإسلامية من حفاظ الحديث الذين شمّروا عن ساعد الجدّ لحفظه في صدورهم وتتبعه من أفواه الرجال وقطع المفاوز والفيافي للقاء من سبقهم من الحفاظ ، واشتد حرص كثير منهم في كتابة ما سمعوه فاجتمع لهم الضبطان: ضبط الصدر وضبط الكتاب، ثم كانوا إذا أرادوا أن يرووا عن رجل سألوا عنه وفحصوا حاله حتى كان يقال لبعضهم: أتريدون أن تزوجّوه، كل ذلك احتياطاً للسنة، ونشأ عن ذلك علمٌ قائم بنفسه هو علم الرجال، بحيث لا يخفى على المعنيّ بأمر الحديث حال الرواة جرحاً وتعديلاً، وهو علمٌ لا يوجد عند الأمم غير الإسلامية، فمن عرف اجتهاد المحدثين ونصحهم للأمة علم مدى عناية الله سبحانه بحفظ السنة النبوية .

أما إلغاء حجية السنة بسبب وجود أحاديث موضوعة فسيأتي في الجواب عن الشبهة الثامنة الكلام عن وجود الغش في النفائس عموماً ، وأن هذا لم يصدَّ الناس عن أخذ الصحيح وترك المغشوش ، هذا في الأمور الدنيوية فكيف يتركهم الله عُمياً فاقدي البصائر فيما يتعلق بدينهم؟ هذا بعيد عن حكمة الله .
ثم إن العلماء وضعوا لمعرفة الحديث الموضوع ضوابط تعين على إدراكه ليُعرف فيحذرَ ، منها :

اشتمال الحديث على مجازفات لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث (( من صلى الضحى كذا وكذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبياً )) قال ابن قيم الجوزية : ((وكأن هذا الكذاب الخبيث لم يعلم أن غير النبي لو صلى عمر نوح عليه السلام لم يعط ثواب نبي واحد )) .
تكذيب الحس له .

سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه كحديث (( لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً ، ما أكله جائع إلا أشبعه )) .
مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة المتواترة مناقضة بينة ، فكل حديث يشتمل على فساد أو ظلم أو عبث أو مدح باطل أو ذم حق ، أو نحو ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم منه بريء .

أن يُدّعى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه كما يزعم الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد علي بن أبي طالب بمحضر من الصحابة كلهم ، وهم راجعون من حجة الوداع ، فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع ثم قال : (( هذا وصيّي وأخي والخليفة من بعدي )) .

أن يكون الحديث باطلاً في نفسه كحديث (( المجرة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش )) .
أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء ، فضلاً عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى كحديث (( النظر إلى الوجه الجميل عبادة )) .

ومنها أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا مثل قوله : (( إذا كان سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت ، وإذا كان شهر كذا وكذا وقع كيت وكيت )) .

أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق .

أن يكون الحديث مما تقوم به الشواهد الصحيحة على بطلانه كحديث عوج بن عنق الطويل ففي حديثه أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثاً ، مع أنه صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طول آدم ستون ذراعاً ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ))

مخالفة الحديث صريح القرآن كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة ، قال ابن قيم الجوزية : (( وهذا من أبين الكذب ، لأنه لو كان صحيحاً لكان كل أحد عالماً أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وإحدى وخمسون سنة . قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ } (الأعراف:187).

أن تكون ألفاظ الحديث أو معانيه ركيكة يمجها السمع ويدفعها الطبع ويسمج معناها للفطن كحديث (( إن لله ملكاً من حجارة يقال له : عمارة ينزل على حمار من حجارة كل يوم فيسعر الأسعار ثم يعرج )) .


ما يقترن بالحديث من القرائن التي يُعلم بها أنه باطل مثل حديث وضع الجزية عن أهل خيبر ، قال ابن قيم الجوزية ، (( وهذا كذب من عدة وجوه : أحدها أن فيه شهادة سعد بن معاذ ، وسعد قد توفي قبل ذلك في غزوة الخندق . ثانيها : أن فيه (( وكتب معاوية بن أبي سفيان )) هكذا ، ومعاوية إنما أسلم زمن الفتح ، وكان من الطلقاء )) إلى آخر الوجوه التي أوصلها إلى عشرة .

ولم يكتفوا ببيان تلك الضوابط ، بل أفردوا الموضوعات بكتب نُشر أكثرها ، من أعظمها " الموضوعات " لابن الجوزي واشتمل على نحو خمسين كتاباً على ترتيب الكتب المصنفة في الفقه .

كما أن كتب العلل تذكر كثيراً من الحديث الموضوع ، فهي السباقة لتنبيه الناس إلى الأحاديث الموضوعة ، ولم يقتصروا على ذلك بل ألّفوا كتباً لبيان الضعفاء والمتروكين والوضاعين وأحاديثهم كالضعفاء للعقيلي والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي وكتاباهما جامعان لما سبقهما من الكتب المؤلفة في الضعفاء كالضعفاء لعلي بن المديني والضعفاء للبخاري والشجرة في أحوال الرجال للجوزجاني والضعفاء والمتروكين للنسائي .

فكيف يحاول رجال بعد ذلك نزع الثقة بالسنة لوجود الأحاديث الموضوعة التي ميّزها أهل العلم وأُمن اختلاطها بالصحيح؟ فما مَثَلُهم في محاولتهم تلك إلا كمثل متطبب جاهل عُرِض عليه مريض مصاب بخراج في إحدى أصابع يده ويكفيه إزالة هذه الأصبع وحدها فقال ذلك الجاهل : لا علاج له إلا بتر اليد من أصلها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( الواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب ، فإن السنة هي الحق دون الباطل ، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام ))


شبهات القرآنيين