المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هناك، بين اللذات وهادمها... شارع فاصل



زينب من المغرب
06-12-2010, 10:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وقادتني قدماي كما كل مرة تزورني الهموم ويسيطر علي تحزين الشيطان, إلى ظل شجرة التين العزيزة هذه.
كم استظلينا بظلها قبل أن تهيج ريح في هذه السنة وتقتلع منها أكثر من نصفها في لحظة قدرها الذين عاينوها بأقل من دقيقة واحدة.
أجل دقيقة هزت من هذه المنطقة أشجارا كثيرة لا بل واقتلعت من بعض البيوت غرفا بكاملها. ناهيك عن الأبواب والنوافذ.
إنها قدرة الله الذي إذا قال للشيء كن فيكون.
وحقيقة أعجب كل العجب وأنا أرى أمثال هذه النازلات تمر على الملاحدة مرور الكرام. وحين أقول لك ملاحدة فلا أقصد بها تلك الشرذمة العربية.
لا فهؤلاء أصنفهم ضمن طابور المدمنين والمرضى النفسانيين. وسيكون لنا عنهم حديث إن شاء الله تعالى.
ولكن حديثي عن الملاحدة الذين تبنوا الفكر( في الوقت الذي قام أصحابنا بنقل ونسخ هذا الفكر بأسلوب غبي أنتج فشلا ذريعا ) واعتقدوا أن العلم يستطيع أن يفسر هذه الظواهر.
أتصور هذا العلم الذي إلى حد الآن لازال عاجزا عن التنبؤ بتوقيت انفجار بعض البراكين التي تصنف ضمن النشيطة, كيف له أن يكون ملاذا لهؤلاء.
لا بل وكل ما وصل إليه في عالم الأحياء أنه أجرى بعض الدراسات المجهرية ثم وقف عاجزا عن متابعتها في شكلها الضخم، وحديثي هنا عن دراسته للخلية في نبتة مثلا فهو استطاع تحصيل بعض المعادلات التي تنتج عن بعض التفاعلات داخل الخلية ولكنه لا يعرف النشاط الكلي للنبتة.
أتذكر حين تبجحت إحداهن (عرفت نفسها ملحدة وما وجدتها سوى ضائعة) بأن العلم بوصوله لهذه المعادلات فإنه نفى فكرة وجود الإله. وحين طلبت منها تبريرا لعجزه عن إدراك النشاط الكلي للنبتة (إذا تحدثنا عن التركيب الضوئي مثلا) لم أسمع لها ركزا.
عاجز هو هذا العلم وسيضل عاجزا مهما حلم هؤلاء.
كيف لا ورب السماء والأرض يقول :{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]
وأعود لمثل هذه النازلات وأتذكر حديث الناس صباحا حيث تسمع الحمد لله هنا وخوف من عذاب الله هناك ودعاء هنالك.
كيف لا وقدوتهم صلى الله عليه وآله وسلم كذا كان فعله:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : " اللهم ! إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به . وأعوذ بك من شرها ، وشرما فيها ، وشر ما أرسلت به " . قالت : وإذا تخيلت السماء ، تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر . فإذا مطرت سري عنه . فعرفت ذلك في وجهه . قالت عائشة : فسألته . فقال : " لعله ، ياعائشة ! كما قال قوم عاد : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} " .
الراوي: عائشة المحدث:مسلم (http://dorar.net/mhd/261) - المصدر: صحيح مسلم (http://dorar.net/book/3088&ajax=1) - الصفحة أو الرقم: 899
خلاصة حكم المحدث: صحيح
تعلمنا الخوف من النازلات والإعتبار بما تحمل في طياتها من غضب أو رحمات والدعاء فيها أن تكون خيرا وتختم بالصبر إن جرّت معها حملا يعز على النفس وتجري له الأعين باكيات.
وهل استطاع العلم اثبات أن استغفارنا ودعاءنا ورجاءنا عند الديان هو مجرد إختراع إنساني -كما يغني بعضهم-؟؟
كيف يفعلها وهو لا يزال كل يوم يتمخض -رغم أنف الأغبياء المتباكين على نظريات الشاذين فيه- عن التأكيد على أن الإسلام هو دين الله الذي ارتضى للناس ويرسل في ذلك إشارة لمن يكيدون له بأن موتوا بغيضكم.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

أحمد فتحي الموحد
06-13-2010, 02:50 PM
وهل استطاع العلم اثبات أن استغفارنا ودعاءنا ورجاءنا عند الديان هو مجرد إختراع إنساني -كما يغني بعضهم-؟؟
كيف يفعلها وهو لا يزال كل يوم يتمخض -رغم أنف الأغبياء المتباكين على نظريات الشاذين فيه- عن التأكيد على أن الإسلام هو دين الله الذي ارتضى للناس ويرسل في ذلك إشارة لمن يكيدون له بأن موتوا بغيضكم.

بارك الله فيك أختي الفاضلة.

زينب من المغرب
06-14-2010, 12:24 AM
وفيك أيها الفاضل

زينب من المغرب
06-15-2010, 08:59 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورغم أن الظل غدى شحيحا تحتها إلا أنني لا زلت أجد ملاذي تحت أوراقها،
جلست ونظرت إلى الأسفل كما هي عادتي حين أجلس،لأستمتع بأصدقائي القدماء وهم يدبون في نشاطهم المعتاد.
إحداهن تحمل فتات خبز أكبر من حجمها وهي تجره في استماتة المقاتل، والأخرى تجر حشرة ميتة، والجميع ماض في خط يبدو سواده من بعيد.
أحببت مراقبة حثيث النمل منذ طفولتي، كان خوفي من الناس يمنعني من الخروج للعب مع أقراني ، وكنت أمضي جل وقتي بمراقبة النمل في حديقة بيتنا الصغيرة جدا.
هكذا كنت أقضي الساعات وأنا أراهن يسلمن على بعضهن البعض بتناطح رؤوسهن السوداء باحثين عن الفتات وعن بقايا للحمل في كل مكان.
كنت في البداية مجرد مراقبة لهذا النشاط الغريب مستمتعة بتخيل حديثهن مع بعضهن البعض. ونسج الرؤى الطفولية عنه، وحين قرأت عن قصة الصرار والنملة، ذلك المغني الذي يفضل الغناء على العمل بنشاط كما هي، بدأ ينتابني الحزن عند سماع صوته.
وكنت دائما أقول لوالدي رحمة الله عليه اسمع هذا الصرار لا يريد أن يفكر يوما ويعمل كما تفعل النملة.
أغضب جدا حين أسمعه يغني.
لكن الآن بعد مضي كل هذه السنين، اتضح لي أن في عالم النمل هذا من العجب الكثير. لكن قبل أن أعرج بك إلى الحديث عن هذا العالم دعني أقف بك وقفة مع هذا الصرار.
هل استمتعت مرة بأغانيه؟؟
دعني أصف لك نوعية من الناس تشبهه والتي وعدتك بالحديث عنها.
أجل إنهم الملاحدة العرب، أولئك المغنين على ألحان الآخرين، تجدهم متعطشين إلى جملة من علم الآخرين الذي لا يتقنونه أبدا ثم يبدأون في نسج الأغنيات عن مغالطات في القرآن والسنة إعتمادا على هذه الجملة وهم في ذلك لا فهموا الجملة ولا فهموا الوحيين.
ويبدأ العزف وكل غبي ينسخها عن الآخر ويضيف إليها معزوفة جديدة.
وتتوالى الصرخات بأن الإسلام هوى. معتقدين بذلك أن حفنة الشبهات الجوفاء التي يلقون بها قد تهدم دينا متكاملا.
وإن كان الصانع لتلك الجملة لم يقصد بها الإسلام إلا أنهم يستميتون في ربطها به حتى ليبدوا لك الفرق الشاسع لا بل الهوة السحيقة بينها وبين الإسلام لأن شطارتهم العظمى تتجلى في النقل بينما ترقيع الهوة بين ما نُقل وبين ما يرتجون دحضه يبقى عملا مجهولا بالنسبة لهم.
ولعل من أشد السخافات في عملهم هذا هو إعتماد جملة الآخرين في نقد دينهم ( الذي لا يخرج عن اثنين: دين سماوي حُرّف أو عبادة وثنية متوارثة منذ القدم) لينتقدوا هم دينا لم يطله تحريف ولم يكن فيه بصمة آدمية بل كله- تنزيله وحفظه-رباني محض.
فتجد نفسك في الحوار مع الملحد العربي في كل مرة مضطرا لتذكيره بأن النقاش حول الإسلام وليس باقي الديانات.
دعنا نضرب مثالا واقعيا لهذ الخبط الذي لديهم, في فرويد ذاك اليهودي الذي يبدو سكره في نظرياته واضحا للعيان، لا بل ونظرياته كلها كانت فاضحة لنوع العلاقة التي كانت بينه وبين مرضاه. وليس حديثي هنا إلا عن تفاسيره المجنونة للأحلام.
كيف يعقل أن يصدق عاقل كلامه؟؟
دعنا نسألهم هل سبق وأجرى تجاربه في التنويم المغناطيسي على مسلم توضأ وصلى صلاته وذكر الله واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ونام على شقه الأيمن؟؟
طبعا لن تجد لهم إلا نواح الغارق في أوحال الوهم.
إن الرجل لم يفعل سوى نقل هلوسات من لهجتها نعرف ببساطة كمسلمين أنها من الشيطان.
بينما جاء الإسلام ذاك الدين العظيم الشاهق رغم صراخ الواهمين بحديث فاصل في المسألة جعل من المسلمين أسياد هذا العلم:
الرؤيا ثلاث : فرؤيا حق ، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ، ورؤيا تحزين من الشيطان . فمن رأى ما يكره فليقم فليصل
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2280
خلاصة حكم المحدث: صحيح
هكذا علم الرؤى في الإسلام مبني على ثلاث أنواع ومعه دواء لحالة التحزين.
وإذا أردت أن تصاب بهستيريا الضحك إحك لأحد الملاحدة العرب حلما راودك.
سيفتتح كلامه ب اللاشعور المكبوت الذي يوجد داخل الأنا الأعلى التي بدايتها الطفولة المرعبة، والغريزة الحيوانية في الإنسان....
هل فهمت شيء؟؟
لا, لكن مع تفسير ملحد بحول الله ستفهم شيئا واحدا أن نفسك تواقة للمنكرات والمحرمات وما عليك إلا الإنقياد لها استجابة للهوى.
وهنا يجب أن تقف وقفة المسبح بحمد من علم ما كان وما لم يكن وما لو كان كيف كان يكون حين سماهم في كتابه: (( مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ))
هذا هو إلاههم وهذا هو ديدنهم وهذا ما رشحهم ليكونوا كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
صرير وبكاء على تخريف الكافرين.
نسأل الله العافية
وما أن تنزل رحمات الله على الأرض؛ من أمطار حتى يدخل الصرار جحره، وهكذا هو الملحد العربي ما أن تدحض شبهاته حتى تراه اختفى من أمامك وانكفىء صريره فتعلم يقينا أنه رحل في رحلة بحث جديدة عن جملة يشحتها منهم ليوجع دماغنا بها من جديد.
ويبقى نشاط النمل مستمرا غير آبه بصريره ,عمل دؤوب ترى نتائجه عما قريب بحول الله.
وها أنا في كبري أعيد نفس الجملة : انظر إلى هؤلاء الملاحدة العرب لا يريدون التفكير وعمل شيء نافع سوى البكاء على أطلال جهل الكافرين
كانت حكاية طفولية أكثر ما آلمني فيها حال الصرار وكان تشبيه في كبري أكثر ما آلمني فيه حياة شبابنا الذي ينخدع بمثل هذه الشبهات.
ولنا معهم حديث في البقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
06-18-2010, 08:37 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تذكرت تلك العنواين التي تجدها في المنتديات، وفي أوجه الكثيرين ممن عاصرتهم في الكلية أيام دراستي.
عناوين من أمثال "ساعدوني فإني أغرق في الشبهات" وآخر يقول "أنقدوني فإني أكاد ألحد" والعنواين كثيرة والغارقون كثر.
أتعلم حين أرى أمثال هذه العناوين تشدني حسرة كبيرة وألم داخلي على هؤلاء، أقول في نفسي: آه أيها الإنسان ما غرك وجعلك تدخل معتركا لست أهلا له؟؟
تتجلى صورة تلك الأم التي حين يجري إبنها وهي تحذره بأن لا يجري حتى لا يسقط ثم يسقط ويجرح ويأتيها باكيا فتهتز من قلبها وتجري إليه لترى جرحه وتضمده وتتمنى لو تستطيع توبيخه ولكن جرحه العميق وبكاءه يمنعانها.
هكذا أحس حين أقرأ مواضيعهم أتمنى من كل قلبي لو أوبخهم لأنهم ولجوا عالم أولئك الجهال. أتمنى لو أعلن غضبي لكن جرح الآخر وحيرته تمنعاني عن البوح فأقف بعيدة سائلة الله أن يشرح بصيرتهم لقول إخوانهم وهم يخطون معهم بتدرج وبطىء.
ولكن على ماذا كل هذه الحيرة أعلى أغاني لا تطعم ولا تغني من جوع.
أجل ربما أنت استغربت المثال وقلت في نفسك وما علاقة الصرار بالملاحدة العرب ولكن تأمل عزيزي فيما قلت لك سابقا وتذكر أن الصرار أغانيه لا تطعمه من جوع فالرواية تقول أنه في الشتاء يأتي النملة يشحت منها لقمة العيش وكل أغانيه كانت انذارا منه بأن الصيف حل وعلى النمل العمل.
كذلك الشرذمة المنتمية إلى عربيتنا، فهم لا حياة لهم إن لم نكن نحن نعمل, وما شبهاتهم إلا بمثابة محفز لنا بأن نبحث في الدين ونتفقه فيه. فكم من أشياء تعلمناها ونحن نحاورهم؟؟
ووجودهم جاء نتيجة صناعة يهودية للنخر في الإسلام ، إذن فما وجدوا إلا لأننا وجدنا وما صنعهم عدونا إلا لأننا كنا بناء متينا صعب الإختراق وما هم إلا رجل من أرجل الأخطبوط الذي يسبح في بحر هذه الأمة وينفث بين الحين والآخر سحابة حبره الأسود في أوجه ضحاياه ليشوش عليهم الرؤية حتى يبتلعهم ثم ما يلبث أن يمسح البحر بماءه الصافي ذلك الحبر لكن بعد أن يكون امتص هو ضحيته.
وأقف مجددا مع شبابنا العزيز الذي اختلفت ظروف إنجرافه في سيل شبهاتهم؛ فمن راغب في دحضها دون علم كاف ولا معرفة بأنه يجب أن يحارب في الصف ومع الجنود المتراصة وليس وحده لأن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية. ومن آخر دخل بالخطأ و و و و
وتتعدد الأسباب ولكن في جلها يكون هشاشة الحصن النفسي هو السبب.
فماذا تتوقع من هاجر للأذكار وناس للورد ومهمل للدعاء ومتهاون في صلاة الفجر، ماذا تتوقع منه حين يسمع صرخات هؤلاء المدمنين؟؟
ثم أقرأ مواضيعهم وأراهم يشكون الأرق والإضطراب والخوف، ولا يعرفون لماذا، ويقفون عاجزين لأن الدماغ أثقل بكل ما تكرهه الفطرة وهي لازالت في صاحبها نابضة وهذا ما يجعل التضارب بين فطرة بيضاء وأفكار سوداء يشوش الذهن فيعتل الجسم ويذهب صفاء السريرة.
أبكي لبكاهم وأشفق على حالهم وأتعوذ بالله من فاتنيهم.
الحمد لله أن لنا دينا عظيما والحمد لله أن لنا ملاذا طيبا والحمد لله أن لنا فطرة توافق هذا الدين.
فعلا الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

shahid
06-18-2010, 09:59 AM
شكرا لك اختنا الكريمة . وفقك الله وسددك .

زينب من المغرب
06-18-2010, 10:01 AM
اللهم آمين
جزاك الله خيرا أيها الفاضل

memainzin
06-18-2010, 11:08 AM
جزاك الله خير الجزاء فى الدنيا والآخرة أختى الفاضلة

زينب من المغرب
06-21-2010, 09:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حين وصل بي التفكير إلى هؤلاء الحيارى، تذكرت مشهدا صادفني قبل وصولي إلى هذا المكان.
في طريقي أمر على حديقة عمومية يجلس فيها كل من يعتقد أنه سيعمر الملايين من السنين فيأتي إليها ليضيع وقته -الذي سيحاسب على كل ثانية فيه-, يراقب الناس ويضحك ملىء فاه وينمم ويختلط ويخون الله ورسوله ودينه وهو جالس إلى فتاة لا علاقة شرعية بينه وبينها يخرف عليها وهي تسمع تخاريفه.
مغتر بطول الأمد ومتناس أن الموت لن يرسل له إعلانا مسبقا. متجاهل أنه يأتي فجأة فهو لن ينتظره إلى أن يتوضأ ويصلي ويتوب ويستغفر.
ينسى المسكين كل هذا ويجلس في غفلته ليمارس المنكرات جهارا.
تعج هذه الحديقة بالمشاهد التي تجعل النصارى الذين يعيشون بين ظهرانينا لا يتعبون جدا في البحث عن صور تدهور أخلاق المجتمع الإسلامي.
وبينما أنا أتجاوز هذه الحديقة سمعت بكاء طفل صغير إلتفت يمينا ووجدته متسخا بدى لي في سنته الرابعة أو أقل بقليل وهو يضرب أمه التي تجلس على حشائش الأرض المخضرة ولا تنقصه إتساخا -إن لم أقل تزيد-،على عينيها هالة زرقاء وكأن أحدهم لكمها.
اعتقدت أنها مجنونة وكان الولد يدفعها فتميل يمينا ويسرة، ثم اتضح لي بعد طول نظر أنها سكرانة، لم أتمالك دموعي وأنا أرى مشهد هذا الطفل في يدي هذه اللعوب.
سكت الولد عن البكاء حين نهرته وبدأ يلعب ويدور حولها بشكل زاد من إحساسها بالدوار فقامت تضربه. التفت أحد الجالسين إليها فأخذ الولد وأعطاه حلوى فسكت. ثم جلس الصغير ليأكلها بينما وقفت أمام هذا المشهد متألمة باكية هزني من أعماق قلبي.
طفل في يدي سكيرة زانية( قالها لي أحد المعارف حين حكيت له عنها). الموقف مؤثر صراحة ويهز القلوب فينقسم فيه أنواع من الناس ولكني سأحدثك فقط عن إثنين منهما.
الأول يقول اللهم إني أسألك أن ترحم هذا الطفل برحمتك وتحيطه بمنك وكرمك وتفرق بينه وبين مصير هذه المرأة. وهو في دعاءه متأكد ولا يساوره أدنى ذرة شك بأن الله رحمان رحيم أرحم بعباده من كل تصور قد يخطر بباله، لديه جزم في أنه مهما حاول إدراك مقدار الرحمة التي يلف الله بها عباده فإنه لن يصل إلى واحد في المئة لأنه عرف من خلال وحي السنة -الذي جاء به من لا ينطق عن الهوى- أن هذا الواحد في المئة هو كل الرحمة التي توجد في هذه الدنيا الصغيرة والتي تدركها حواسه بينما ما خفي عنه فهو فيه لا يكيّف ولا يشبّه لأنه مؤمن بعجزه عن الإدراك وما جاءه هذا الإيمان بضعفه إلا من عجزه عن الإحاطة بهذه الواحد في المئة.
أجل فهذا الإنسان لازال كل يوم يستغرب من حنان لبوءة على إبنها، لا بل والعلم لا يزال ينقل إلى حد الآن -كاكتشاف جديد- صورا بديعة لبعض أنواع الرحمة في بعض المخلوقات.
فهذا النوع من الناس يدرك أن هذا كله يدخل في هذا الواحد في المئة وأنه مهما اكتشف ومهما عرف عن رحمة الكائنات لبعضها البعض فإنها تضل دائما محصورة في ذلك العدد ،ومن رحمة الله بعباده أن رزقهم هذه الأمثلة ولحكمة اقتضاها,أدناها الإستئناس بمعنى الرحمة والإيمان بالقصور عن إدراك شموليته
هذا النوع من الناس مصدق قلبا وقالبا لما جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فيه حديثه:
إن لله مائة رحمة . أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام . فبها يتعاطفون . وبها يتراحمون . وبها تعطف الوحش على ولدها .
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم ء المصدر: صحيح مسلم ء الصفحة أو الرقم: 2752
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فيقف أمام هذا المشهد داعيا راجيا من الله أن يشمل الصغير برحمته ويرزق أمه الهداية والتوبة وهو في ذلك يكون مستعملا لهذه الرحمة التي فطرها الله في خلقه ودائما في الإطار الذي حددتها حكمته.
لكن.
النوع الثاني من الناس والذي ابتلينا به حديثا في مجتمعاتنا الإسلامية دخل علينا بمفاهيمه الجديدة الممسوخة عن ماسخيه.
رأى صناع فكره هناك يقولون للكنيسة فجاء يقول للمسجد وهو في ذلك جاهل أشد الجهل في أن أولئك لديهم رب في الكنيسة بينما نحن لدينا رب في السماء.
ولا تعتقد في أنه بهذا يسلم بوجود الإله لا ولكنه ينتشي بحجج الآخرين في دحض الإله المزعوم المختبىء في الكنائس وينقلها نسخة طبق الأصل لينتقد بها إلها ليس كمثله شيء.
هذا النوع إذا مر بهذا المشهد يقف وقفة سيكون لنا عنها حديث في البقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
06-21-2010, 09:38 PM
جزاك الله خير الجزاء فى الدنيا والآخرة أختى الفاضلة


اللهم آمين
وجزاك النظر إلى وجهه الكريم أيها الفاضل

زينب من المغرب
07-04-2010, 01:12 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهنا يقف ذاك الذي قال عن نفسه ملحد عربي, وقد جمع في جملته التعريفية هذه بين متناقضين.
فجميعنا يعلم أنه حين ألحد لم يفعل سوى لبس سروال الغرب المتسخ- بعد أن أزاله عنه الغربي ليرسله إلى القمامة- فالتقطه هذا الناطق بالعربية ولبسه.
بينما العربي ارتبط اسمه بالنخوة والبهاء والصفاء، أولسنا ننعت الذي لديه عزة نفس بأنه ذو نخوة عربية؟؟
فكيف إذن يلبس ذو النخوة لباسا متسخا؟؟
أرأيت التناقض بين الكلمتين؟؟
وهذا هو الجديد المستحدث بين أظهرنا. جاءنا ليقف أمام مشاهد من أمثال هذه الأم ويطرح سؤالا تعفه الفطرة ينم عن جهل وعن قلب تشمع بالشبهات والوساوس الشيطانية.
يقول لك أين عدل الله مع هذا الطفل؟؟
حقيقة لا أخفي عنك أنني حين اقتربت من تلك الأم وابنها تذكرت شبهات هؤلاء الملاحدة لأنني قرأتها كثيرا في المنتديات. فالذي يقول لك لماذا يعذبنا الله وهو خالقنا؟؟. والذي يقول لماذا يخلق معوقين ومرضى. وكثيرة جدا هي السخافات المترجمة عن الآخرين.
ترامت تلك العناوين والخزعبلات إلى ذهني وبدأت أنظر يمينا وشمالا, فما وجدت سوى إختلاط على أشده وجهر بالمنكر على مرأى من الجميع رضي من رضي وسخط من سخط.
أرى الميوعة أمامي تزحف الخيلاء بعد أن أرخيت لها الحدود في هذا البلد.
كم من ذنب رمقته بعيني وأنا أتجول بين الأوجه والحركات والسكنات، كم امتعضت حنقا وغيضا من التفسخ والإنحلال الذي يحوم حولي .
له أسماء متعددة منهم من يسميه "حرية" ومنهم من يسميه "تقدم" ومنهم من يسميه "موضة" ومنهم من يسميه "التحرر من عقدة المجتمع وظلمه"...تعددت الأسماء والمنكر واحد.
وقلت في قرارة نفسي اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، وفي أثناء قولها, قلت سبحان الله لو شاء الله لنسف بنا هذه المدينة العائمة في المنكرات في لمحة بصر ولكن رحمته سبقت، وهذا ما عجز عن رؤيته ذلك الأعمى فطرح السؤال من جهته ونسي أن الذي فسدت لديه حاسة الذوق لا يعتد به في الحكم على مذاق الطعام.
يناقش العدل الإلهي وهو منكر لوجود إله. وهذا ما أحتاج فعلا أن أفهمه.
كيف يعقل أنه لا يزال يتخبط ويرتجي العلم ليعطيه دليلا واحدا على نفي وجود إله -ولن يستطيع-ثم ودون أن يحظى منه بجواب رجائه يقفز هذه القفزة ليناقش في عدله.
عدل من؟؟ عدل إله تنكرون وجوده؟؟
ومنهم من يقول لك إنني أحاول أن أستعمل معك الإستدلال بالعكس لنصل إلى عدم وجود الله.
وهذا الآخر عليك أن تقول له إذن اذهب إلى أعلى قمة جبلية وارم نفسك منها. لأن استدلالك هنا سيحتاج منك أن تأخذ كل صفة من صفات الإله وتستعمل معها هذا الإستدلال بالعكس لتصل إلى نفيها وهذا ما لن تستطيعه.
ولسنا بذلك نقر له بأن إحتمال نفي صفة العدل وارد.
لا طبعا فهذا الولد وذاك المعاق وتلك الحرب وووو كلها تنطوي تحت حكمة ربانية عظيمة.
ومن يضمن لي أن هذا الطفل لن يكون ذو مستقبل زاهر وأنه لن تتلقاه يد كريمة تحن عليه. فإستعمال العدل هنا هو ضرب من العبث لأنه يتحدث عن غيب لا ندريه.
وذاك المعاق من يستطيع أن يقول لي أي جزاء سيناله نتيجة صبره وصبر المحيطين به.
وذلك الطفل الذي تعرض للتعذيب حتى الموت. من ظلمه؟؟
إن قال الله قلنا له حاشا لمن حرم الظلم على نفسه أن يظلم, وما تلك المحنة سوى محطة يمرق منها بسهولة إلى جنة الرحمان.مع عدم علمنا بماذا كان سيكون ذلك الطفل.
وحتى إن تحدثنا وأطلنا الحديث حول هذه الشبهة الغبية التي يحب إثارتها ناقص عقل مغشى القلب فاقد البصيرة, فإننا سنجد أنفسنا أمام مسخ برمجه الآخرون على أن يقول دون أن يسمع إلا من رحم ربي.
وجلت ببصري والدموع تعيق علي النظر وأنا أرى مشاهد تغضب صاحب غيرة على الدين. وواقعا تجري فيه حكمة وعدل ورحمة الخالق الكريم.
هل جربت مرة أن تلبس نظارة أحد يعاني من ضعف بصر حاد؟؟
بماذا شعرت؟؟
أكيد بالدوار ولم تستطع رؤية شيء، إصدقني القول إن قلت لك إنه نفس الإحساس الذي يراودني حين أسمع أحدهم يقذف هذه الشبهات.
وكأنه بما يطرح يريدنا أن نرى بنظارته ومن زاويته.
إضافة إلى أن نظارته عليها غبار وهو إعتاد النظر بها عبر ذلك الغبار كيف إذن سنريه أن عليها غبار. إن أزلنا النظارة عن عينيه لم ير الغبار لأنه ضعيف البصر من دونها, وإن أعدناها فهو قد إعتاد النظر بغبارها. حتى إن مسحته عنها وأعدتها إليه اشتكى لك من قوة الضوء النافذ عبر زجاجها ونعتك بأنك تصرفت بتخلف فطبيبه لم يقل يوما له عن هذا الغبار ولا مسحه عنه.
أرأيت مدى صعوبة حاله؟؟
ذاك هو الملحد العربي وتلك هي بصيرته فهل تعتقد أن هذا يؤهله للحديث عن العدل في عالمه الخالي من هذا المعنى؟؟
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى لنرصد هذا المعنى في حياة الملحد.

زينب من المغرب
07-04-2010, 08:58 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديث الملحد العربي عن العدل يدفعني لأتساءل، مانوع الجنون الذي يوصل صاحبه إلى الحديث عن خاصية لا يعرفها.
وحين أقول لا يعرفها فإنني لا أكون ظالمة له، لأنني ما رأيت ملحدا طرح سؤالا حول العدل الإلهي إلا واضطر محاوره أن يعدل سؤاله ليتضح في أغلب الأحيان أن الصفة المقصود الحديث عنها في مثاله ليس العدل إنما صفة إلهية أخرى.
وتمنيت لو أرى ملحدا عربيا يصف لي العدل وصفا دقيقا. ولو حتى الفلاسفة الذين أسسوا لقاعدة هذه التساؤلات.
وكلما تحدثت عن الفلسفة أصابني شلل فكري ووقف رأسي عن القدرة على الإستيعاب.
تذكرت حين درست الفلسفة أول مرة، كان أستاذنا أنذاك رسام تشكيلي ومدرس فلسفة، وكنت أقرأ النصوص المطروحة للمقرر -التي في أغلبها عبارة عن مقالات لأحد الفلاسفة القدامى جدا- فأجد نفسي وسط دوامة غامضة. لم أفهم نصا واحدا طيلة تلك السنة الأولى وكنت أقضي معظم الوقت أتأمل في بعض الصور التشكيلية التي تصاحب كل مقال.
ويا لها من صور عين وسط مكعبات ومربعات وخربشات ولا أدري ما قصة تلك الفوضى. وحتى تمر الساعة بسرعة كنت أقول لصديقتي التي هي في نفس حالة عدم الفهم: لنسأل الأستاذ ما معنى هذه الصورة حتى نغير الموضوع، وكان الأستاذ من تعلقه بذلك الفن مجرد أن نطرح عليه التساؤل حتى يبحر في التعبير:إن هذه الصورة رمز للأنا داخلك الذي يبعث فيك الشعور بالذنب... حقيقة لا أذكر تفاسيره المهم أننا كنا نستهلك الأستاذ لنخرج من القسم في حالة ضحك هستيري على ذلك الفلم الذي ينتجه من مجرد صورة لا معنى لها( في نظري).
كرهت الفلسفة لأنني كنت أستحضر كل طاقة التركيز التي أمتلك لأقرأ نصوصها دون أن أخرج بفائدة تذكر. كنت أتساءل عن فائدة تلك المصطلحات الغريبة كالأنا الأعلى وغيرها الكثير.
بئيسة بدت لي هذه الفلسفة وأنا أرى أناسا ضيعوا شطرا كبيرا من حياتهم ليفهموا كنه معان ويؤسسوا -بناء على هذا الفهم- قوانين منظمة للعلاقات بين البشر وهم لا زالوا يجهلون خبايا النفس البشرية.
كيف يحدد لي إنسان ـ مقيد بالمشاعر الإنسانية ـ أية عقوبة تكون ذات فعالية على جريمة معينة.
أتذكر يوم قال الأستاذ أن الفلسفة هي أم العلوم، ملت إلى صديقتي وقلت لها: الحمد لله أنها أنجبت، تصوري لو كانت هذه الأم عقيم فإنني كنت سأترك طلب العلم الدنيوي في أول يوم. لن يفيدني سماع تعريف فلسفي للعدل. لأن العقل البشري خلقه الله تبارك وتعالى ليدرك المعارف الدنيوية المحسوسة والمعارف الغيبية فهو فيها محتاج للوحي ليفهم دون أن يكيف ولا أن يعطل.
في نظرك هل يستطيع هذا العقل البسيط أن يتحدث -بإدراك تام- عن صفة العدل الإلهي؟؟ ويشرحها وهو غير مؤمن بالآخرة؟؟
أتذكر قانونا تعتمده أمي في التربية. أمي بالنسبة لها إن خرج أحد أبنائها يلعب خارجا وجاء أحد من الناس يشتكي إليها بأنه تسبب في مشكل، كان إبنها ظالما أو مظلوما ستضربه. ولا تستثني في ذلك أحد منا.
كنت أراه في صغري ظلما وأقول لماذا لا تنصفنا أمي. ولكني كبرت وأدركت أن أمي بذلك علمتنا كيف نحل مشاكلنا خارجا وكيف نتبصر الحق ونتعقل في المواقف ونعتمد على أنفسنا ونتجنب المشاكل ما أمكن وفوائد أخرى جعلتني كما كل إخوتي نتبنى قانونها في التربية.
ولست بهذا أحاول أن أفهمك العدل الإلهي، تعالى الله عن ذلك، ولكني أحاول أن أقول لك هل اسطعت فهم عدل أمي في حياة الطفولة؟؟ طبعا لا, ولكني احتجت لأن أكبر وأحلل الأمور بعقل جديد مليء بالتجارب والمعارف.
فهل في نظرك هذه الدنيا وهذا العقل كافيان ليفسرا للملحد العدل الإلهي؟؟
انظر لتراهم يتخبطون بقول أننا يجب أن نستخدم عقولنا -وهم أباطرة النقل عن فلاسفة الكفر- لنسير حياتنا.
حقيقة كلما قرأت لملحد مقالا رأيت مدى الغباء المحبوك فيه ومدى قلة الوعي عنده, أجد نفسي أردد: هذا ما يحدث حين يستبدل الدين بالهوى.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
07-13-2010, 01:43 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفي محاولاته اليائسة التي يبثها الملحد عن عدم وجود عدل في بعض الإبتلاءات، يبرز العنوان الواضح لكل من عرف ربه:
عن أي إله يتحدث هذا؟؟
ألا ترى معي أن ذلك الإله الذي يستطيع مخلوقه أن يفهم عنه ما لم يبلغه به هو غير عادل؟؟
أجل كيف يكون عادلا وهو مقيد بشروط مخلوقه؟؟
سأقرب لك المعنى أكثر، أوليس الملحد العربي يرى انتفاء صفة العدل عن الإله الذي خلق طفلا معاقا وترك طفلة يعذبها مستخدموها حتى الموت و و و. أوليس هذا الإنتفاء والإنتقاص خاضع لقانونه هو -أي الملحد العربي- ؟؟
إذن فهذا الإله الذي لا يجب عليه فعل كذا وكذا وعليه أن يكون كذا وكذا هو إله لا يعرفه سوانا نحن المسلمين من خلال الوحي" مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه" .
هذا هو هذا الإله الذي يتحدث عنه الملحد العربي إنه هواه الذي يخضع لغرائزه وشهواته وهذا الإله طبعا -وأضيف صوتي إليهم- ننفي عنه صفة العدل طالما أنه يخضع لنفس نقاط ضعف مخلوقه.
وهذا هو ما كنت أقصده في حديثي عن مثال النظارة.
فالملحد يرى بعين إلهه ويتوهم المسكين أنه يتحدث عن إله غيره.
مسكين أنت أيها الملحد.
اعتقدت أننا حين أسلمنا فإننا استسلمنا لدين يستطيع أعور مثلك أن ينخر فيه؟؟
مسكين أنت أيهاالتافه.
أوهمك إلهك بأننا قد ننخدع بغبار نظارتك ولا نعرف أن كل ما تؤلفه هو مجرد وساوس شيطان أقسم على أن لا يدخل جهنم إلا ومعه كل أعور مثلك.
.........
ولنعد إلى الله سبحانه وتعالى ولنتأمل تصويره البديع في الكون وفي أنفسنا، ولنرى هذه الشمس التي يعقبها القمر وهذه المنظومات الحيوانية التي حين حاول أن يتدخل فيها الإنسان بعلمه الضئيل لم يفعل سوى أن خرب وساهم في الانقراض والكسر والجرح والظلم. فأصبح على الخيرين منه مهمة أصعب من الإكتشاف والتطوير ألا وهي ترميم ما أفسده الجاهلين.
هل تعتقد أن هذا الله الذي جعل من تلك النطفة علقة ثم كسى لحمها عظما وأخرجها من العتمة المظلمة إلى نور الدنيا، فقامت وأذنبت وأسرفت وقتلت تسعا وتسعين نفسا فعرض لها التوبة وأنقدها من النار بشبر من ارض.
أترى الله الذي علم أنه سيكون فينا من هم منا وعلى ديننا ولكن دعاة يهدون بغير هدي حبيبنا فمر الزمان وظهر ذلك.وغيره الكثير " وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا"
أتراه هذا الله يمكن أن تصل بنا الجرأة أن نخضع عدله إلى أمثال هذه الإبتلاءات لننفي ونثبت فيها؟؟
سبحان الله الذي خلق كل شيء بقدر. سبحانه وتعالى الله عما يفتري هؤلاء العمي علوا كثيرا
فذاك ما يجب أن نبدأ به مع الملحد فهو يقول لك إن سلمنا بأن لهذا الكون إله فهل هو عادل. فلنبادره بالقول إن سلمت بأنه الله سبحانه الذي خلق الخلائق وسير الكون وجعل لكل شيء قدرا. ورغم كل ذلك فإنه يرى مخلوقه الضعيف الضئيل الذي عصاه فلا يؤاخذه بما كسب. ويترك هذا الكون الذي لا يساوي عنده جناح بعوضة ليطيعه فيه من يطيع ويعصيه فيه من يعص.
هل لنا أن نناقش بعقلنا البسيط -ودون وحي- عدله في ظل جهلنا الشديد بعلمه وحكمته ووو وباقي صفاته؟؟
فعند ذلك فقط ستقول اللهم لا تحاسبنا بعدلك ولكن برحمتك.
ولكن سؤالا لا ينفك يغادر مخيلتي عن الطفل الملحد. كيف سيتربى وكيف سينشأ وكيف يمكننا أن نحشر فطرة سليمة بسواد خبيث؟؟
وهذا ما سأفعله بحول الله في ما سيقدم من حديث سأحاول أن أدخل معك بيت ملحدة عربية تربي ابنها على الإلحاد ليكون رمزا للملحد الذي يحلم به هؤلاء الشرذمة التي بيننا.
وهذا البيت سوف أبنيه إنطلاقا من تجربتي مع الأطفال الذين يدهشونني بأسئلتهم دائما وأفكار الأم سأحاول اقتباسها من كل ما ينادي به هؤلاء العمي في كتاباتهم ومنتدياتهم.
وأسأل الله أن يحفظني في خلال ذلك من وساوس الشيطان وزيغ القلب واللسان.
فسألج عالمهم المقرف وليس معي سوى هذا الدعاء: اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
07-15-2010, 04:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<<..... وحتى نستطيع الوصول إلى عالم ملحد بكل المقاييس فإننا نحتاج إلى مجهودات جبارة وسنوات من العمل الجاد لسد ثغرات العلم حتى لا نترك مجالا للدين ليقدم تفاسيره. ولنضع نصب أعيننا أن الإنسان عاش حياته -منذ انفصاله عن جده الأول- في ظل الأديان, لذلك فإن استئصال هذا الإيمان كمن يستأصل الإنسان من القرد>>.
كانت هذه آخر جملة ختمت بها كتابها الذي ألفته بعنوان "نحو عالم ملحد".قرأت هذه الجملة وأغلقت غلاف الكتاب الذي عقب تأليفها له تحولا كبيرا في مجرى حياتها.
عادت بها الذكريات إلى يوم خرجت من بلدها العربي لأنها أحست أنها لن تمارس إلحادها فيه بالشكل الذي تريده وانطلقت إلى أوروبا باحثة عن الحرية التي كانت تنشدها، تاركة وراءها أمّا منكسرة لفراق ابنتها الوحيدة بعد أن خُيرت بين أمها والإلحاد فاختارته عن كل شيء.
وحلت وسط ترحيب من كل الجهات وفي يدها كتابها الذي كان في الضفة الأخرى محل سخرية وازدراء وفي هذه الضفة جواز مرورها إلى العالم المثقف من أبوابه الواسعة.
يعني لها هذا الكتاب الشيء الكثير،فكل ورقة فيه تذكرها بحقل أمها حيث كانت تجد لذة الكتابة وهي جالسة تحت شجرة من أشجاره أو مرتمية بين الحشائش التي تغطي أرضه.
لذلك فكلما أخذها الحنين إلى صدر أمها فتحت هذا الكتاب لتقرأ فيه.
سنين مضت تجري كالرياح. وهي مأخوذة بهذا العالم الجديد الذي فتح لها ذراعيه ليحتضنها مع ما تحمل من فكر إلحادي.
وصفها البعض بأنها ملكة الإلحاد، والآخر بأنها امرأة لم يوجد في الأزمان مثلها، والآخر لم ير في كل ذلك سوى إضهاد وظلم دولتها - رغم أن خروجها جاء عن طواعية منها - وكتبت المجلات وأرخى صناع القصص لأقلامهم العنان وجُلب كل ذي حنكة في المسكنة الكاذبة ليؤلف ويسخر ويتظلم بالشكل الذي يخدم فيه مصالح لا يعرف كنهها حتى هو.
سهرات ومؤتمرات ولقاءات تلت تلك الرحلة، وملأت خزانتها جوائز وشهادات ووو.
كل ذلك فقط لأنها ألفت كتابا انطلق من بداية ظهور الإلحاد وختم بتبشير بأنه ستكون له السيادة.
فكرت في نفسها قائلة: لولا تلك الرحلة لكنت الآن زوجة أحدهم في بيت مليء بالأطفال، قالتها والتفتت إلى فراشها حيث ينام رضيعها في براءة، وتذكرت بأسى حين أخبرتها الطبيبة أنها لن تلد بغيره.
ابتسمت وهي تنظر إليه، وأحست بشيء داخلها لم تحسه يوما، حتى في وقوفها على المنصات لإستلام الجوائز ولا في قراءتها لمدح الجرائد لها. لا إن هذا النوع من النشوة اللذيذة تحسه فقط وهي تنظر إلى رضيعها.
وتمتمت: شتان بين سعادتي بما صنعت من مجد وسعادتي بوجودك في حياتي.
فكرت في هذا الإحساس بالأمومة الذي كان مجهولا عنها إلا بعد أن جربته بنفسها. وقالت في نفسها غريب حال الأديان كيف استطاعت إقناع الناس بإنتقاص المرأة رغم هذه المسؤولية الصعبة التي تحملها والتي هي ضمان استمرار النوع البشري على الأرض.
أتساءل هل يستطيع العلم توفير أرحام اصطناعية بدل هذه المشقة التي تتحملها النساء. ماذا لو استطاع؟؟
كيف سيكون حال الأديان آنذاك تجاه المرأة؟؟. لو فعلها العلم سنستطيع كسر شوكة الأديان.
أشاحت بهذه الخاطرة عن ذهنها وقامت إلى رضيعها وحملته بين ذراعيها وقبلته وفي داخلها ذلك الإحساس الذي لا تستطيع تفسيره ولا وصفه؛ مزيج غريب من السعادة والفرح والحنين.
رأت في عيني رضيعها كل أحلامها تتحقق بغد إلحادي بكل المقاييس.
وعدت نفسها أن تخلص له في التربية حتى يكون المثال العالمي لرجل ملحد.
أعدت كل الظروف الملائمة له ليكون كذلك؛ انها في بلد الحريات المطلقة ,ولديها زوج لا يحمل أي ذرة من الإنتماء الى العرب ولا إلى دينهم. وقد نظّرت في كتاباتها بما يكفي -ابتداء من الولادة حتى الوفاة- لحياة ملحد والآن لم يعد أمامها سوى الخروج من عالم التنظير إلى عالم التطبيق لتحقق النجاح المثالي لنظرياتها.
نظرت إلى رضيعها مجددا وقالت له من حسن حظك أنك ستعيش بدون أي ماض ديني. ستضرب للعالم صورة مثالية للملحد الذي حلمت به.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
07-27-2010, 08:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلست في قاعة الإنتظار، تستمع إلى دقات قلبها وهي تخفق بشدة، وابنها في الداخل يخضع لعملية جراحية على جهازه التنفسي.
التفتت إلى زوجها وهو يجلس على كرسي في القاعة وقد إصفر وجهه وملأ عينيه الدمع. فاقتربت منه في هدوء وجلست بجانبه وقالت:
حين تشترك الإنسانية في هذه المشاعر، يهرع المتدينين إلى آلهتهم ليعلقوا عليها الأماني والآمال بإنقاذ مرضاهم.
فالمسلمون يلجؤون إلى السجود طالبين الشفاء من ربهم الذي يلتقيهم في صلواتهم. والنصارى يحملون أنفسهم إلى الكنائس ليسترسلوا في جلسة الإعترافات والرجاء وكأنهم بين يدي طبيب نفسي. والبوذيون يحملون القربات إلى الثماتيل لتشفي مرضاهم.
ايه كل يهرب إلى إلهه ليلقي عليه جزء من الهم الذي يحمله. وهذا يشكل عائقا كبيرا لنا نحن الملحدين.
فحتى لو استطعنا زحزحة الإيمان بالإله داخل الإنسان, فإنه عند هذه المحطات سيعود مهرولا إليه، ليقايضه بالعودة إلى أحضان الدين مقابل الشفاء، وبعدها إما ملحدا حاقدا على الآلهة ( إن مات المريض) أو مؤمنا متوجسا خائفا ( إن عاش المريض).
سنخوض معركة ضارية لإنتزاع بقايا الأديان من العقول.
دار صمت بينهما ثم أردف زوجها قائلا: هل أنت متعبة؟؟
قالت له: لن أذهب للنوم وكف عن الإلحاح في ذلك، ففي الداخل يرقد جزء مني تحت رحمة الأطباء
فرد عليها في برود أعصاب: لا تستعجلي الفهم عني؛ فأنا أسألك لأقول لك ماذا لو أزلت الكرسي من تحتك وتركتك معلقة في الهواء، كيف ستشعرين؟؟
ستحسين ثقلا إضافيا على ثقل الخوف من نتيجة العملية.
هذا ما يفعله الإله بالنسبة للمتدينين إنه يعطيهم قوة لتحمل المشاق التي تفرضها الطبيعة علينا.
في هذه اللحظة بالذات أحس أنهم يكونون أحسن حالا منا، لأن آمالهم معلقة على شيء يعتقدونه قويا وآمالنا معلقة على رجل يرتدي بذله بيضاء درس بضع سنين في مدرسة يعرف فيها جزء بسيطا جدا من كلٍ خارق جيدا الذي هو جسم الإنسان.
رمقته بنظرة حادة وقالت: هل أفترض أنك من الذين تحدثت عنهم بأنهم يفرون إلى الأديان بسرعة؟؟
لا يا عزيزي ليسوا أحسن حالا منا لأننا نشترك معهم في كل شيء في الإحساس بالخوف وفي النتيجة التي سيصل إليها المريض.
ليست هناك معجزات تنقذ المرضى هناك مهارة الطبيب المعالج ومدى علمه بالحالة التي بين يديه.
سيحتاج الطب لأن يتطور أكثر من هذا حتى يكسب ثقة الناس به لدرجة تساعدهم على تقبل فكرة أن من يملك الدواء هو ذلك الذي طوره في مختبرات مجهزة بأحدث التقنيات وليس في كتب الأديان المشبعة بالأساطير والخرافات.
إن أي إحساس إضافي الآن لن يزيح عني هذا الخوف. أفترض أن الفكرة واضحة بالنسبة لك؟؟
قال لها في ألم: ما يشغلني الآن هو حال إبني ولا أهتم بالحوارات حول المشاعر فهي لم تكن في عالمك حاضرة يوما وكنت دائما ترددين أنها تنتج عن تفاعلات كيميائية ولا أذكر ماذا أيضا.
تمتمت قائلة: حين يكبر إبني ستقتنع أن كل ما أقول هو الصواب. وعندها فقط ستعرف أن الأديان ليست سوى أفيون يستعمله كل حسب حالاته.
التفت إليها زوجها وقال: ثلاث ساعات ونحن نجلس هنا في ترقب وانتظار تلعب بنا الأفكار السيئة وتميل بنا في مختلف الإتجاهات، بقدر ما هو العمر صغير جدا بقدر ما تضيع أجزاء منه في لحظات دون هدف.
نتهم الآخرين بأن الدين مجرد أفيون ونحن نتمنى في هذه اللحظة أي أفيون لنهرب من هذه الأزمة التي تكسرنا.
والتفت إليها وقال لم أقل كلامي لتردي عليه فأنا أتحدث لألهي نفسي فقط.
وضعت يدها على فمها في إيحاءة بالصمت وقامت إلى نافذة الغرفة لتطل على الحديقة.
وما هي إلى دقائق حتى خرج الطبيب وأخبرها بنجاح العملية وأن ابنها بخير فالتفتت إلى زوجها وقالت له مبتسمة: هل ربحنا ملحدا أم مؤمنا؟؟
ابتسم ورد عليها في عفوية : بل أبا مسرورا.
وانطلقا إلى الغرفة يتسابقان الخطى للإطمئنان على ابنيهما.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
07-28-2010, 10:26 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخيرا نطق ابنها بأول اسم وقال في تعثر: بابا.
نزلت دمعة من عينيها وهي تسمعها ضمته بقوة وقبلته، أحست أن العالم كله يصفق لها لأن ابنها نطق بهذه الكلمة لم تكثرت إن كان لم ينادها هي ولكن المهم عندها هو أنه تكلم. فرحة لا تعادلها فرحة أن نطق فلذة كبدها.
قالت في نفسها: آه كم هي جميلة هذه اللغة التي تتشكل من رموز وعبارات تعطي لأفكارنا وجودا واقعيا، لم يفكر الفلاسفة وهم يكتبون عنها ويسبحون في طياتها بهذه الفرحة التي تغمر نفس الأم عند أول كلمة يتلفظها إبنها.
تتبخر كل التعاريف الفلسفية من الذهن وتحل محلها فرحة عارمة وكأن كلمة "بابا" جاءت لتنسف كل العلوم التي اهتمت باللغة من مخيلتي.
آه يا ولدي وكأني بسماعي لهذه الكلمة قد حققت حلمي بأن أتجاوز الزمن لأعود إلى اليوم الذي استطاع فيه الإنسان اختراع هذه الخاصية التي شكلت حدا فاصلا بينه وبين كل مخلوق تطور عنه.
وكأنني أشهد تلك الإبتسامة في عينيه وهو يحرك شفتيه لأول مرة ويتلفظ بأولى كلماته. رغم أنها مجرد تفاسير شخصية خاض فيها علماء الفلسفة إلا أنني أحس أنها أقرب إلى التصديق وأنا أسمع هذه الكلمة من فم ابني.
يالعار الأديان يحرمون الإنسان كل إنتصاراته وينسبونها إلى إلههم ليضفون عليه طابع القوة والحكمة والغلبة.
كم عانا ابني ورمى الحروف مبعثرة قبل أن يلفظ كلمة صحيحة أخيرا ليحاكي ما تسمعه أذناه. فكم من الجهد تكبله الإنسان الأول ليحاكي أصوات الطبيعة ويصنع كلمة من غير محاكاة؟؟ وفي الأخير يأتي من ينسبها إلى وهم لا يوجد إلا في خيالات المتدينين.
كم يتنكر هذا الإنسان لمجهود جده الأول. ينسى أن طاقاته غير محدوده لقد وصل إلى القمر بعلمه وبحثه وكده ولا زالت المسيرة ماضية. أتساءل إن بقي بعد مئات السنين متدينين هل سينسبون هم الآخرون وصول الإنسان إلى القمر إلى إله؟؟
مجرد هراء هذا الذي يتناقله هؤلاء المتدينون.
وأعادت النظر في عيني ابنها وهي تحتضنه بين ذراعيها وقالت له: قل بابا
فرددها في تعثره الأول: بابا
تمنت لو أنه يستمر بسرعة في تلفظ الأسماء بسرعة.
وتمتمت: وأخيرا سأنتقل معك أيها الغالي في حلقة التواصل من مرحلة الإشارات البطيئة إلى مرحلة الضخ السريع للمعلومات. أخيرا سنبدأ مشوارنا في التأسيس لمدرسة الإلحاد الجديدة التي لا تهزمها الأديان أبدا.
ابتداء من اليوم أستطيع أن أقول بدأت رحلة الغوص في أعماقك لأضع كل فكرة في مكانها الصحيح دون أن تخضع لإرهابات وآمال الأديان الواهية.
سنبحر في عالم لا يوجد فيه غيب ولا يوجد فيه عاقل غيرنا.
عالم كل قواعده مدركة بالحواس وقابلة للأخذ والرد.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
************************************************** *************************
على هامش القصة:
رجاء اقرأ هذا الدعاء: اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك

زينب من المغرب
07-30-2010, 02:15 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومرت الأيام تجري والطفل يرتقي في تقليده لكلمات أمه ويحفظ بعض الأغنيات ويرددها بتعثر وتقطع، فتسقط في صدر الأم سقوط الجواهر النفيسة في صندوق فقيرة.
تضمه وتبتسم له وتكرر بنفس تقطعاته، وكأنها بذلك تعود إلى الطفولة حيث أصبحت العودة مستحيلة.
كانت مأخوذة بعالمه الجميل. تجري معه طول اليوم وتقفز وتغني.
تمنت أن لا تنقضي تلك اللحظات.
لكنه آن الأوان ليهجرها لساعات كل يوم.
وقفت أمام باب المدرسة تودعه، تقدم خطوتين والتف ليراها تلوح له بيديها فعاد سريعا إليها وقال لها لا أريد أن أذهب وبدأ في البكاء. رفعته إليها وضمته وهي تمسح على رأسه وتسكته لكن دمعها خانها فبكت هي الأخرى. أحست وكأنه يؤخذ منها عنوة.
قالت لها المدرسة وهي تبتسم: هذا حال الأطفال في اليوم الأول، لكن الأمهات من النادر أن يتصرفن مثلك.
مسحت دمعها وردت : يعز علي أن أرى دمعه.
وقبلته فأخذته المدرسة بسرعة وهو يصرخ، انقطع الصوت بعد أن أغلقت الباب وراءه.
كانت خائفة عليه مما سيحمل لها من أفكار عليها أن تخضعها لمصفاة الإلحاد لتحذف كل أثر للدين منها.
ومرت الأيام بسرعة واعتادت أن تسأله عند كل رجوع, ماذا درست؟؟ ماذا قال لك زملاؤك؟؟ فتصحح له في كل مرة.
في إحدى المرات كان جالسا يتفرج في موسوعة الحيوانات (كتابه المفضل) بينما كانت هي منهمكة بالكتابة، ظل مدة طويلة لا يحرك ساكنا, قامت إلى مكتبه الصغير فلم يلتفت إليها وظل يحدق في الصورة التي أمامه، نظرت إلى الصورة كانت لطائر اللقلاق الأبيض وهو يطير ,احتلت الصورة كل الصفحة بشكل بدى معها منظر الطائر جميلا جدا
اقتربت منه وقالت: يبدو جميلا هذا الطائر أليس كذلك؟؟
فرفع عينيه إليها وقال: هل هذا هو الذي حملني إليك؟؟
استغربت وقالت له: كيف حملك إلي؟؟
قال لها: أجل, لقد أخبرني صديقي أن أمه تقول, بأن هناك طيورا بيضاء تحملنا من جزيرة بعيدة إلى البيوت فنصبح أبناءكم هكذا نخلق.
ابتسمت له في محاولة منها لإخفاء امتعاضها من هذه القصة السخيفة التي يرد بها النصارى على أطفالهم حين يسألونهم كيف ولدوا.
ثم قالت له: لا ليس هكذا خلقت أبدا.
ثم أردفت وهي تمسك بيده : تعال معي سأريك كيف خلقت.
فتحت جهاز الحاسوب وبدأت تشرح له بالتفاصيل الدقيقة لم تتوانى في فتح أي موقع أو صورة، أسهبت في الشرح والطفل مأخوذ بما تقول، من عادته أن يمطرها بوابل من الأسئلة في خلال شرحها لكن هذه المرة ظل جامدا ساكتا، لم يتحدث، ينظر إلى الصور وإليها في ذهول غريب.
لم تسأله كما عادتها هل فهم أم تعيد، بل استرسلت في شرحها.
إلى أن قال لها في لحظة مفاجئة: توقفي لا أريد أن أرى أو أسمع المزيد.
فالتفتت إليه وقالت في استغراب: لماذا؟؟
فرد بعفوية: أنت تكذبين فالطائر هو من يحملنا إليكم وهذا الذي أرى لا يمكن.
تمنت لو تستطيع الرد عليه كما كانت تفعل أمها: ستفهم حين تكبر، لكن لم يعد هناك مجال لهذه الجملة فقد حرقتها بأسلوبها في التربية الذي يقوم على طرح كل شيء كما هو دون أخذ السن بعين الإعتبار.
ظل الطفل طول اليوم لا يحدثها ويتهرب منها، يسألها كل مرة متى سيحضر والده.
وأخيرا جاء الأب جرى إليه بسرعة وتعلق به وبدأ يحكي له عن الطائر وعما قالت له والدته، نظر إليها زوجها وقال لها: أما كان عليك الإبقاء على فكرة الطائر إلى حين.
قالت له: كنت فضلت أن أقول له أن إله المسلمين يضعنا في بطون الأمهات ويخرجنا منها كما قالت لي أمي على أن أسمح لهذه الفكرة الغبية عن الطائر أن تعشش في رأس إبني.
رد عليها بغضب: هل التربية الجنسية تكون لطفل لا زال لا يدرك معاني الأحاسيس الإنسانية لأن جلها لا زالت في حالة سكون؟؟ هل أضرت بك فكرة أن تعرفي أننا ولدنا غير ما قالت لك أمك قبلا؟؟
فردت في غضب هي الأخرى: لقد إضطررت إلى إعادة بلورة كل ما في ذهني على حسب الفهم الجديد بعد أن كانت قاعدته تفسير أمي. لقد اختصرت عليه الطريق حتى لا يكون عرضة لأي انتهاك لا فكري ولا غيره.
فتمتم وهو يغادر إلى غرفته: أفضل أن أخسر الإلحاد على أن أخسر إبني.
فقالت وهي ترفع صوتها: شكرا على هذا الإستسلام عند نقطة البداية
تبعه إبنه وظل متعلقا به طيلة ذلك اليوم، حتى أنه لم يشأ النوم إلا معه.
مرت الأيام، وعاد إلى الإلتصاق بأمه,بعد أن كاد يتخذها عدوة, وفي مرة سألته: ما رأيك في الطائر الأبيض؟؟
فصدمها قائلا: إنه من يحملنا إلى أمهاتنا.
فقالت له: لماذا لا تزال مصرا على هذه القصة الكاذبة؟؟
فأجاب بتلقائية: لأنها جميلة.
أيقنت أنه استهجن الحقيقة ولكنه على الأقل يعلمها ولم تلق بالا إذا ما كان مصدقا أم لا لما قالت له.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

أحمد فتحي الموحد
07-31-2010, 04:32 AM
بارك الله فيكِ

زينب من المغرب
07-31-2010, 11:15 PM
بارك الله فيكِ


وفيكم بارك أخي الكريم وجزاك الله خيرا

زينب من المغرب
08-02-2010, 06:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحب الساعات إلى قلبها حين ترقد إلى جانبه في فراشه لتروي له عن بعض القصص التي تذكرها عن طفولتها بعد أن تقوم بإزالة الآثار الدينية منها.
نامت إلى جانبه في ليلة وقالت له: حبيبي سنروي اليوم قصة الجدة المريضة وحفيدتها التي تحمل الطعام إليها في خوف من الذئب الذي يطاردها.
نظر إليها مدة ثم قال: ما معنى جدة؟؟
فقالت له: هي أمي أنا أو أم أبوك فهما بالنسبة لنا أما وكلاهما تكون جدتك
فقال لها: وأين جدتي أنا؟؟
أحست غصة في حلقها وأتبعتها بسرعة: لقد ماتت.
فقال لها: وأين هي الآن؟؟
فأجابته: ميتة لقد دفناها تحت التراب.
فصمت لحظة طويلة، فلم ترد أن تقض عليه صمته وكأنها تستغل هذه الفرصة لتفكر في ما سترد به إن سألها ما تتوقعه.
وكان ما توقعت، رفع عينيه المثقلتين بالنوم وقال لها: كيف يموت الناس؟؟
فنظرت في عينيه وقالت له: ألا تريد أن تنام على قصة جميلة؟؟
رد عليها: هل الموت شيء قبيح؟؟
أحست وكأنها وقعت في مصيدة، فكرت في داخلها:
<< صعب هو الموت يا عزيزي، إنه يعني نهاية كل شيء، إنه يكسر كل الأفكار والأحلام، يعني نقطة لا سطر بعدها.آه كم يكدر هذا الموت علينا من فرحة.
بقدر ما يبدو الموت محفزا في دين أمي بقدر ما يبدو في إلحادي ظلاما مخيفا وعدما ينتظر الإنقضاض عليك في أية لحظة. >>
وضع راحته على جبينها وقال لها: ألا تعرفين الموت أنت أيضا يا أمي؟؟
فقالت له: ومن الآخر لا يعرف الموت؟
قال لها: المدرسة سألتها ماذا يعني الموت فبكت ولم تجبني.
فقبلته وقالت له: بالعكس يا ماما فأمك تعرف أجوبة كل الأسئلة التي في ذهنك.
إذا سألتك"أين كنت قبل أن تولد؟؟" أكيد لا أنت ولا أحد غيرنا يعرف. كذلك الموت إنه نهاية لا نعرف ماذا بعدها.
فقال لها: لكنك في المرة السابقة حين تفرجنا في الحاسوب شرحت لي أن الإنسان كان مقسما بين الأب والأم التقيا وأعطيا إنسانا جديدا.
فكيف سيعود هذا الجسم الكبير صغيرا جدا من جديد وينقسم مجددا بين الأب والأم؟؟ حتى في قصة الطائر الأبيض فإنه لن يستطيع حملنا ونحن كبار ليعيدنا إلى الجزيرة.
أحستها فرصة لتبطل حكاية الطائر من رأسه. فقالت في سرعة: أرأيت ألم أقل لك إن حكاية الطائر مجرد كذب؟؟
فرد عليها: ولكن حتى حكايتك لم أفهم منها معنى الموت؟؟
فقالت له: اسمع عزيزي حين يقف الإنسان عن الحركة ويصبح جامدا لا يتحرك كالطاولة؛ نعرف أنه مات ولم يعد فيه روح.فنحمله في صندوق إلى حفرة كبيرة ونضعه فيها حتى لا يأكل لحمه الوحوش.
فرد عليها: وإن عاد للحركة كيف سيخرج وهو في ذلك الصندوق؟؟
فقالت له : لا لن يعود إلى الحركة أبدا.
فألح قائلا: من قال لك ذلك ؟؟
فأتبعت وهي في غاية الإنزعاج من هذا الموضوع الذي تكره الخوض فيه: عزيزي, الإنسان حين يموت يبدأ جسمه في الذوبان كالثلج وينتهي شيئا فشيئا حتى لا يبقى منه شيء. فلا يعود موجودا أبدا ولا يرجع يوما إلينا.
فرد عليها: هل سأموت أنا أيضا؟؟
فضمته وقد أحست الرعب في عينيه: عزيزي لا تفكر في الموت الآن فأنت لا زلت صغيرا ولا زالت أمامك الحياة لتعيش فيها وتنموا ويصبح جسدك كبيرا وقويا. فكر في اليوم كيف كان جميلا ورائعا.فكر في الغد ما هي اللعبة التي ستلعبها مع صديقك.
وقبل أن يسألها مجددا أتبعت بسرعة: ألا تريد سماع قصة الجدة والحفيدة إنها جميلة جدا؟
فرد عليها: أجل.
استمرت تزيد في القصة وتؤلف من عندها حتى ينام, وكلها توجس من أن ينبش موضوع الموت من جديد خاصة وأنه كان يسهو بعيدا عنها خلال سرد القصة.
بعد أن أغلقت باب غرفته وجدت زوجها يقف خلفها، ارتعدت من وقفته وقالت له: ما بك؟؟
فرد عليها: هل من مشكل مع الولد؟؟
فقالت له: ذبحني بأسئلته، كان يسألني عن الموت.
فرد عليها: والأكيد أنك بدل طمأنته زدت الطين بلة.
نظرت إليه في سخرية وقالت له وهي تخطوا بعيدا عنه: يمكنك تأجيل هذا المزاح إلى الصباح فلست في مزاج للرد عليك الآن.
..........في منتصف الليل.
استيقضت على صراخ إبنها، فقامت هي وزوجها في نفس الوقت وذهبا يجريان إلى غرفته.
بمجرد أن فتحا الباب وجداه يجلس في فراشه ويضع يديه على عينيه وهو يصرخ.
ضمه والده وقال له: ما بك حبيبي؟؟
فقال له: أخاف من الموت. إنه يريد أن يأخذني .
نظر إليها بسرعة وقال: شكرا على دروسك الوردية.
أشاحت بوجهها بعيدا عنه بينما حمله هو إلى غرفته وهو يقول له: لا يا عزيزي لا تخف فالموت لا يستطيع أن يدخل البيت إلا بعد أن أسمح له أنا.
فقال له: صحيح يا بابا.
فرد عليه: أجل وماذا تعتقد؟؟ إنه لا يدخل البيوت حتى يطلب الإذن من صاحبها.
فضمه الولد وهو يقول: ولكنك لن تسمح له بالدخول.
فرد عليه: لا طبعا وهل أسمح للموت أن يأخذ مني ولدي الجميل.
ظل ساعتين يغني له لينام. ثم نام بجانبه.
بينما ظلت الأم ساهرة طيلة تلك الليلة تفكر في نفسها وقد وقعت في حيرة من أمرها: هل يرفض عقل الإنسان الحقيقة ابتداء, أم أنها عاجزة عن إختيار الوسيلة الجيدة لإيصال هذه الحقيقة إلى فكر إبنها.
أينجح المتدينون -بخرافاتهم- في صنع نفسية قوية لأطفالهم وتخسر هي-بقول الحقيقة الواقعية- إبنها شيئا فشيئا ؟؟
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
08-03-2010, 09:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلس الثلاثة إلى مائدة الإفطار في صمت رهيب، حتى الطفل كان صامتا يتنقل بنظراته بين والديه.
فجأة كسر الصمت قائلا: أمي متى يأخذ الموت الناس؟؟
رفعت بصرها عن فنجان القهوة ونظرت في عيني زوجها وكأنها تقول له تفضل اشرح أنت، لمس الوالد يد إبنه وقال له: لماذا تفكر في الموت يا عزيزي؟؟ إنه بعيد عنك الآن، انسه.
تصنعت ابتسامة وقالت بدورها: لو كان الناس يخافون من الموت هل تعتقد كان يستطيع أحد أن يسوق السيارة لتدهسه أخرى؟؟ هل كان هناك من سيركب طائرة وهي معرضة للسقوط؟؟ هل كان الناس سيسبحون في البحر وهو كبير ومخيف؟؟ لم يكن ليتحرك أحد من مكانه حتى لا يتعرض لحادث ويموت.
إن الموت يا عزيزي لا يفكر فيه إلا الخائفين، الموت ضعيف جدا ولا يستطيع أن يهزم الأجسام القوية التي تتغذى جيدا.
حاولت تحفيزه وإلغاء الفكرة من رأسه، لكن الفطرة تأبى إلا أن تتعلق بقوة تحميها من مخاوفها.
التفت إلى والده وقال له: لكن حتى لو أتى فأبي لن يسمح له أن يأخذني.
اغرورقت عيناها بالدموع وهي ترى في عينيه إحساس الأمان الذي افتقدته منذ غادرت بلدها وحضن والدتها الدافىء.
تمتمت في داخلها:<<كم هو رائع هذا الإحساس، أن تشعر أن هناك قوة أكبر منك تحيط بك وتلفك بالأمان. رغم أنه إحساس كاذب إلا أنه جميل .
لم يعد إنسان من الموت ليصف لنا هل هو مؤلم، لكن إحساسنا تجاه الموت ممتزج دائما بالخوف من الألم، ربما هذا الخوف من المجهول هو ما جعل الإنسان الأول يفكر في صنع قوة خارقة يرتجي عندها، وبما أن هذا الإنسان كان لا يزال غير متطور عاطفيا فإنه إضطر لمواجهة هذا الإحساس بتبني فكرة الإله.>>
لم تشعر بزوجها وهو يخرج ووجدت ابنها جالسا وهو يقول لها: ماما ألن أذهب إلى المدرسة اليوم؟؟
ابتسمت وقامت من مقعدها وهي تقول بأعلى صوتها وكأنها تنفس عن حزن داخلي: هيا بنا إلى المدرسة.
.....
حضر زوجها للغداء كما العادة، جلس إلى الطاولة ولم ينطق ببنت شفة إلى أن أنهى طعامه. ثم نظر إليها مطولا وقال لها: ألا تلاحظين يا عزيزتي أن الطفل غير قادر على إستيعاب الأفكار الإلحادية التي تغرسين في رأسه؟؟
فردت في استغراب: أي إلحاد؟؟ لا أفعل سوى نقل الملموس له في شفافية تامة.
فقال لها: لكنك تنسين أن عدم إكتمال نضجه العاطفي والمعرفي يقف سدا منيعا بينه وبين تقبل هذه الحقيقة كما نراها نحن الملاحدة. ألا تعرفين أننا تخطينا فكرة الخوف من الموت فقط لأننا دفناها تحت رغبتنا في تحقيق كل أحلامنا. نحن لم نلغ الفكرة أبدا من أذهاننا ولا زلنا عند كل خبر وفاة أحد نتذكرها فتسري في عروقنا رعشة مخيفة.إننا نتعامل معها كمن يدفن النار بالهشيم الذي لا يلبث أن يزيد إشتعالا كلما نحى بنا العمر نحو تلك النهاية. لقد إحتجنا إلى قدر كبير من التعقل حتى نخفي -وفقط نخفي- فكرة الموت من حياتنا. فهل تعتقدين أن الطفل لديه هذا الكم من التعقل ليتعامل معه كما نحن؟؟
نظرت إليه طويلا، حركت كرسيها قليلا، ثم قالت: هذا بالضبط ما أحاول تعليمه أريده أن يعرف الأشياء على حقيقتها فلا يحتاج إلى إيهام نفسه بأوهام يكتشف فيما بعد أنها مجرد نسج خيال أحدهم إضطر إلى إستهلاكه هو كوسيلة لتجنب الخوف. قريبا سيبدأ في التفاعل معنا بسرعة وسيصبح أكثر مرونة في تقبل الواقع.
نظر إليها يائسا وقال وهو يهم بالوقوف: أخشى عليك أن تندمي لأنك تعاملت مع إبنك على أنه فأر تجربة.
ردت في عصبية: اعلم أن إتهاماتك الجاهزة بدأت تزعجني فعلا.
خرج من الغرفة وتركها فريسة إحساس بالإرهاق، من جهة, ابنها الذي يحمل لها في كل يوم أفكارا من زملائه كلها بحاجة إلى إعادة بلورة على الميزان الإلحادي ومن جهة, زوجها المستعد لأن يخسر الإلحاد عند أبسط ردة فعل من إبنه.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
08-06-2010, 01:16 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرت الأيام والأشهر والإبن متذبذب بين مستهجن أفكار أمه وبين تائه باحث عن أجوبة أحسن عند زملائه ومدرسته
كان يقضي معظم وقته داخل البيت بالمطالعة في موسوعة الحيوانات، ذلك الكتاب الذي لا يفارقه في جميع تنقلاته.
قالت له في مرة:هل تريد أن ترى هذه الحيوانات حية؟؟
كانت بالنسبة له تحقيق لأغلى أمنية، ظل طيلة اليوم ينتظر والده ليذهبوا جميعا إلى حديقة الحيوانات الموجودة في مدينته.
وحل في الحديقة أخيرا.
طارت دهشته الممتزجة بقليل من الخوف سريعا وبدأ بالجري بين الأقفاص يرمي الأكل لهذه ويقلد صراخ هذه. كان في قمة السعادة وهو يعانق بعينيه عالمه الجميل بعد أن تحول من مجرد صور على كتاب إلى حياة تدب.
كاد يضيع بين الناس من كثر تنقله بين الأقفاص.
قال لأمه: أتمنى لو استطعت أن أسكن هنا فوق شجرة لأكون دائما قريبا من هذه الحيوانات الجميلة.
ابتسمت له وهي ترى فرحة طفلها تتحول إلى بريق دافىء في عينيه. تنهدت من أعماقها والتفتت إلى زوجها الواقف بجانبها وقالت: منذ متى فقدت عيوننا هذا البريق من الفرحة؟؟
فقال لها ضاحكا: يوم خطوتنا الأولى في الإلحاد.
فردت وهي مغضبة:ما بالك تتهجم على هذا المعتقد الذي أنقذنا من أوهام لم تفعل شيئا سوى حقننا بالأحقاد والأحزان والتوجس والخوف من ماذا ؟؟ من وهم.
فأجابها: دعينا نستمتع بهذه اللحظات ولا نكدرها بحواراتنا الفارغة.
لم تشأ التعليق على كلمة "فارغة" حتى لا يتحول الموقف إلى خصام
التفتت إلى طفلها الذي قادته قدماه إلى قفص الشمبانزي. تعلقت عيناه به بشدة وهو يراقب حركاته وطريقة أكله للفستق وطريقة جلوسه.ظل يحدق فيه مدة طويلة قبل أن يلتفت لأمه التي كانت تراقبه مراقبة كيميائي لنتيجة تفاعل مخبري ويقول: انظري حركات هذا القرد، تكاد تكون كالإنسان.
فابتسمت وقالت له: بل هو إنسان عجز أن يكمل نموه.
لم يلق لجملتها بالا إذ لم تكن الظرفية للسرد ولكن كانت للمشاهدة الصامتة.
علمت أنه تفادى جملتها عمدا.
دار تساؤل في خاطرها: ترى كيف سيتعامل مع نظرية التطور؟؟ إنها كل الموجود للرد على أسئلته.
وأخيرا عادوا إلى البيت بعد أن اقتلع منهم الإبن وعدا بالعودة قريبا
......
في مرة عاد من المدرسة وبعد أن ظل طيلة طريق العودة صامتا قال لأمه: هل صحيح أن أول إنسان كان قردا؟؟
فقالت في نفسها: من حسن حظك أنك تدرس حيث لم يقولوا لك أن أصله إنسان كان في السماء. ثم ردت عليه قائلة: ما رأيك أنت؟؟
ظل صامتا مدة من الزمن وقال لها: لا أدري لأنني لم أفهم الدرس الذي كانت تشرح المدرسة جيدا .
فربتت على كتفه وقالت له: حسنا حبيبي في البيت سأشرح لك ذلك بالتفاصيل.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى لنلتقي بتلقين التطور للفطرة

زينب من المغرب
08-09-2010, 12:43 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلست قريبة منه، جمعت كما كل مرة أمامها كل الوثائق التي كانت تحتفظ بها لهذه المناسبة. علمت أن هذا الدرس سيأتي وقته سريعا لذلك خططت له ودرست الأسئلة المتوقعة فيه بكل دقة.
فتحت الكتب على مكتبها وبدأت بالقول: أتذكر عزيزي حين كنا في حديقة الحيوانات، ماذا قلت لك؟؟
فقال لها بدون تفكير: لا.
فابتسمت له: لقد قلت لك إن القرد هو إنسان لم يكتمل نموه.
فقال لها: لا أتذكر ولكن ماذا يعني هذا؟؟
فبدأت في السرد: عزيزتي إعلم أنه في يوم من الأيام في الزمن الغابر لم يكن أحد يعيش على هذه الأرض. ثم تجمعت بعض العناصر الأساسية لتكون الخلية ( سبق وشرحت له مجهريا كيف هي الخلية وماذا تعني..) التي قامت بالإنقسام, كلما تكون جزء منها انقسم إلى إثنين وهكذا بدأت تتشعب وتتجمع في كل مرة لتعطي كائنا على حسب الظروف التي تجمعت فيها هذه الخلايا.
فقال لها: ولماذا لم تفترق بعد الإنقسام الأول أو الثاني؟؟
فردت مبتسمة: ألم نتعلم أن بعض الأسئلة تزول مباشرة إذا أحسنا الإنصات إلى الأخير. ولكن ربما تكون هناك التي تفرقت فماتت
فقال لها: لقد قلت للمدرسة "أن من أحسن سمعا أحسن إجابة" فكتبتها في ورقة وعلقتها حتى نعمل بها كلنا وقبلتني على ذلك.
فابتسمت وضمته إليها وهي تقول: أنت ولد ذكي يا حبيبي.
ثم أتبعت كلامها: الآن لدينا بعض الكائنات تكونت وبدأت تطور نفسها على حسب الحاجة. فنتيجة وجود الأشعة وتفاعل هذا الكائن معها جاءت العين و كان لصدور الأصوات من الصواعق والبرق وغيره سببا لظهور الأذن وكلما طور هذا الكائن عضوا إلا وجعل له وظيفة تناسب إحتياجاته .
ونشأت بعد ذلك كائنات غريبة وبدأت تتزاوج بين القوي منها فقط فيموت الضعيف والمشوه ويبقى الأقوى منها الذي ينقل صفات القوة إلى إبنه وهذا الأخير يقوم بتطويرها وهكذا إلى أن ظهرت كل هذه الكائنات والحيوانات.
فقال لها مقاطعا: هل أطرح سؤالا؟
فأجابته باسمة: تفضل حبيبي.
فقال: وتلك الخلية الأولى هي نفسها التي تكون أجسامنا؟؟
فقالت مجيبة: لا طبعا فالخلية الأولى كانت غير متطورة ولكن التي نملك حاليا متطورة جدا. ثم منعا لمزيد من الأسئلة تابعت دون أية فاصلة.
وبدأت الكائنات تنفصل عن بعضها البعض وتنتشر في الأرض فتطور نفسها وتنوعها بعيدا عن تلك التي جاءت عنها.
إلى أن وصلت في التطور إلى القرد. فهو الحيوان الأكثر تطورا في إتجاه الإنسان. ومن هنا أكمل القرد تطوره ليعطي إنسانا فيما بعد. أو ربما أن الإنسان والقرد لهما نفس الجد وهما أخوين وليسا أب وإبن. فالعلم في هذا لا زال لم يثبت شيئا*
وصمتت قليلا لتستشعر وقوع شرحها على عقل إبنها.
ظل هو الآخر صامتا يفكر ثم قال لها: هل هذا يعني أننا كنا قرودا في زمن ما؟؟ولماذا اخترنا التحول إلى قرود وبقي القرود كما هم؟؟
فردت وهي تحافظ على إبتسامتها العريضة: لا ليس بالضرورة أن القرد كان إنسان ولكن إفتراضات العلماء تقول أنهم ينتمون لنفس الجد.
فقاطعها بعفوية: وكيف هو هذا الجد؟؟
فقالت له: لا نعرف المهم قد انفصل عنه الإنسان والقرد. أو ربما القرد ومنه الإنسان
فقال لها: ولماذا لم يتحول القرد؟؟
فقالت له: لقد قلت لك ليس بالضرورة أن يكون القرد هو جد الإنسان فقد يكون أخا له فحسب.
كانت أجوبتها الركيكة مدعاة لسيل من الأسئلة في دماغ الطفل.
سأل وسأل وسأل وكانت كل الأجوبة مبهمة بالنسبة لعقله. كان يفكر في هل يعقل أن يكون أصله من ذلك القرد القذر, الذي يفرك جلده بطريقة تثير إشمئزازه؟؟
ثم سألها: أمي لماذا لم نطور جناحين كالطائر؟؟
فردت عليه: ولكن لدينا الطائرة فما حاجتنا إلى الأجنحة.
فأصر: أمي الطيران جميل فلماذا لم تكن لنا أجنحة؟؟
فردت قائلة: حبيبي الإنسان أوقف التطور بأن طور لنفسه عقلا فانتقل إلى مرحلة فهم الواقع والإبتكار فيه إعتمادا على وسائل وآلات.
فقال لها: وليس للحيوانات عقل؟؟
فردت: طبعا الإنسان هو الوحيد العاقل.
استمرت تشرح وتسهب لتقنع فطرة نقية بأن أصلها حيوان.
فقال لها في لحظة : أمي, أين هو ذلك الإنسان الذي نصفه حيوان؟؟
وكانت الصدمة في كيف تشرح الحلقة المفقودة؟؟
فردت عليه: حبيبي هذا هو مازال العلم يحاول إكتشافه*. فلازالت الحفريات مستمرة للتنقيب عن هيكل عظمي لهذا النصف إنسان وكل ما نملك هو هيكل عظمي لقردة تكاد تكون في مظهرها كإنسان لكنها أقرب إلى القرد منا.
بينه وبين نفسه تدور أسئلة وحكاية أمه لم تلقى في صدره ترحيبا البتة
ثم التفت إليها قائلا: أمي هل أنت متأكدة من هذه القصة؟؟
فطمأنته: حبيبي ألم تشرحها لكم المدرسة؟؟ تأكد أنني متأكدة منها كتأكدي أنك إبني.
فقال لها في الأخير: أمي هل يمكن أن نعود إلى حديقة الحيوانات غدا؟؟
فقالت له : ولم؟؟
فرد عليها: لأنك وعدتيني هل نسيتي؟؟
فضحكت وضمته إليها وهي تقول: حسنا لا عليك عزيزي غدا نذهب.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
__________________________________________________ ____________________________
* على أساس أنه أثبت شيئا من التطور الذي يفتتح الحديث فيه بنفترض ويخرج منه بمسلمة دون إستدلال منطقي أو تجريبي يذكر

أميرة الجلباب
08-09-2010, 02:23 PM
ما شاء الله تبارك الله أختى الكريمة زينب، أسلوب شيق وقلم رشيق، يعجبني الخيال الخصب في بعض المواضع، ودقة الوصف لانفعالات النفس البشرية في مواضع أخرى.
وما توفيقكِ إلا بالله، فواصلي بارك الله فيك.

زينب من المغرب
08-09-2010, 03:27 PM
اللهم آمين
أسعدني مرورك أيتها الغالية وجزاك الله خيرا.
نسأل الله العون والسداد

الجويرية
08-15-2010, 01:44 AM
ماشاء الله تبارك الرحمن اختي زينب
ربنا يزيدك يارب
شدتني جدا القصة وعشت معاها وكاني ارى ما يحدث واسمعه
سبحان الله
جزاكي الله خيرا
انتظر باقي القصة ان شاء الله علي شوق

شوكة
08-22-2010, 09:29 PM
جزاك الله خير الجزاء فى الدنيا والآخرة أختى الفاضلة

زينب من المغرب
09-17-2010, 05:19 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل الثلاثة إلى الحديقة، نزل الولد في هدوء غريب ثم انطلق دون أن يلتفت إلى يد والدته التي مدت إليه لتصطحبه كما اعتادت.
استمر في خطواته إلى أن وصل إلى قفص القرد، وقف يراقب حركاته وسكناته وهو هادئ ترتسم على وجهه علامة رجل يفكر.
التفتت إلى زوجها الذي كان هو الآخر يحدق في ابنه وقالت وهي تبتسم: تشتركان في نفس الملامح حين تسرحان في تفكير عميق، قالت ذلك وهي تشير إلى طفلها.
التفت إليها زوجها دون أن ينطق ببنت شفة ثمعاد إلى التحديق في ابنه الذي كان متجردا كليا من المحيط حوله.
فجأة بدأالابن ينظر إلى يديه و إلى يدي القرد كرر التنقل بينهما عدة مرات، كان ينظر في استغراب شديد، بدأ القرد يفرك جلده فارتسمت على وجهالابن علامات تقزز فتحرك بعيدا عنه إلى قفص الذئب ومنه إلى قفص الزرافة وهو يحدق في الأطراف والرأس ويقارن ويعود بين الفينة والأخرى إلى قفص القرد.
تركه الوالدان في جولاته واختارا لنفسيهما مكانا في مقهى الحديقة المطل عليها حيث يستطيعان الجلوس والمراقبة في نفس الوقت. استمر صمت زوجها طويلا، كان يحتسي القهوة وهو يراقب ابنه، لم ترد مقاطعة صمته رغم أنها كانت تتمنى معرفة ما يجول بخاطره.
وبعد مدة وضع فنجانه على الطاولة، نظر إليها وقال: هل أخبرتيه عن نظرية التطور؟؟
فقالت في هدوء: هل تجهل أنها تدرس في المدرسة؟؟
رد عليها: سألتك أنت وما يحدث في المدرسة أعلمه جيدا.
قطبت جبينهافي حزم وقالت: ما قصة هذا الأسلوب في الحديث؟؟ حسنا لقد طلب مني مزيدا من الشرح لأنه لم يستوعب الدرس جيدا وفصلت المبهم هذا كل ما فعلت. أتمنى أنني أجبت سيادتك.
وأشاحت ببصرها بعيدا.
بينما قال في صوت يكاد يكون حزينا: أتعلمين عزيزتي لا زلت أذكر اليوم الأول الذي التقيتك فيه كانت حفلة تكريمية على شرفك. كنت أراقب حركاتك وكيف كنت ترفضين شرب الخمر، كان هذا الرفض المستمر هو ما جعلني أقترب منكوأعرضه عليك بدوري. قلت لك نخب النجاح فاعتذرت في أدب أنك لا تشربين الخمر أبديت إستغرابي لكنك قلت : هل من داعي لهذا التعجب؟؟ فقلت لك : هل هذا تحرر من قيود الأديان إلى قيود شخصية ولكن جوابك كان حكيما وكان أشد ما أعجبني فيك لا زلت أذكره حرفيا قلت لي: أنا ملحدة ذات أصل مسلم عربي وعندنا شرب الخمر حرام وكوني أقول عن الأديان أنها مجرد اختراع إنساني فهذا يعني أن فيها ما هو صالح وما هو مجرد هلوسات. نظرت إلى أضرار الخمر وحال المخمورين فعفت نفسي أن تشربه وأبت كرامتي أن تتذوقه. كل النظريات القديمة تخضع للتمحيص فيؤخذ الصالح منها ويترك الطالح والأولى بنا نحن الملاحدة أن نأخذ من الأديان( بإعتبارها نظريات إخترعها الإنسان) الصالح. أضيفك سيدي أنني لم ألحد لأسبح في محرمات الأديان وأنعم بها وأغيظ المتدينين وكأنني ذلك الثور الهائج الذي يرى النور لأول مرة فيخرج ليدهس كل ما يجد, ولكني ألحدت لأنني اقتنعت بالفكر وقد تمتعت بالحكمة والذكاء الكافيين لأختاره عن إقتناع وليس عن إحساس بالضغط*.
أحببت جوابك هذا علمت أنك صاحبة عقل جميل تقربت إليك أكثر ولم يكن حبك للإلحاد ما شدني إليك ولكن أسلوبك في إختيار الإلحاد هو ما جعلني أرى صدق قلبك يتلألأ في عينيك.
كانت في خلال الحديث تنظر إليه مستغربة هذه الإعترافات، إبتسمت وقالت: بعض إعترافات الأزواج تكون ذات وقع جميل على القلوب ولكن إن أختيرت في توقيتها المناسب.
إبتسم هو الآخر وقال لها: أعلم أنك تستغربين مني سرد هذه الذكرى بعد هذا السؤال القاسي ولكن وددت لو انتهجت هذا الأسلوب في حياتك مع إبنك، لقد وعدتي أنك ستخبرينه كل الحقائق كما هي دون زيف ولا تفاسير دينية فبركها الإنسان القديم، لكنك لم تحترمي ذلك فيما فعلت مع الإبن حين شرحت له التطور فعتمت الحقيقة بتقديم نظرية بليدة كهذه على أنها حقيقة علمية بينما هي لا تمت للعلم بصلة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*: إليك ( الملاحدة العرب) أعني واسمعي يا جارة

زينب من المغرب
09-17-2010, 05:22 AM
الأخت جويرية وشوكة جزاكما الله كل خير وبارك الله متابعتكما.

زينب من المغرب
09-20-2010, 05:04 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أزاح الكرسي قليلا إلى الوراء واستطرد في الحديث وهو يشير بسبابته إلى الحديقة أسفل، قال: انظري عزيزتي وقارني بين ما يوجد هناك داخل تلك الأقفاص حبيسا و بين هؤلاء الناس الذين يتجولون خارج الأقفاص. بين هذا الذي في الداخل ووذاك الذي في الخارج هناك علامات استفهام كثيرة يتخبط فيها العلم، لكن الذي لا يقبل أية علامة استفهام هو أن تكون نظرية رجل غبي كداروين هي الحقيقة الدامغة كما يسعى البعض إلى تصويرها.
إن مجرد النظر الساذج البسيط للناس يجعلك تقول في قرارة نفسك كم أحتاج من مقدار الغباء لأتخيل مجرد تخيل أننا كنا في يوم قردا
لم أكن أحسب أن كل ذلك الذكاء والحكمة التي امتلكت قد يعميانك عن تبصر سخف هذه النظرية.
دققي النظر جيدا في هذه الحياة من حولنا في هذه العين التي تبصر وتلك الأذن التي تسمع. استمعي إلى مشاعرك اركني إلى نفسك لحظة وإستخلصي نفسك لقراءة ما يوجد داخلك تجردي من العناد والمكابرة كوني طالبة للحق. وقولي لي هل تصدقين أن بينك وبين القرد علاقة أبوة؟؟
هل تريدين من إبنك أن يلتهم سذاجة رجل غبي ويقدسها وهي لا تعدو أن تكون هواجس أسخف من هلوسات الأديان.
لا ليس بهذه الطريقة تخلصين لإبنك؟؟ وليس بهذا الشكل توصلين الحقيقة أنت تزيفينها الآن.
كون العلم عاجز عن تفسير مسألة معينة فيجب أن لا يكون عيبا نستره بالخرافات الجاهلة من أحد إلتقط بعض مصطلحات العلم ليخرف علينا ونهضم نحن تخريفه حتى نملأ الفراغ؟
-كانت تتابعه بصمت ينم عن تفكير عميق من صاحبته. وكان بدوره يتابع دون انقطاع-
لطالما كنت في مختبري أجري تجربة على كائن حي ولطالما وقفت مندهشا أمام روعة الميزان الذي صمم داخل كل جهاز من أجهزته ليضمن له كل تلك الوظائف التي يقوم بها.لا يوجد ميزان بشري واحد يضاهيه في الدقة وهذا شيء يجب أن نعترف به بكل مصداقية
لربما تغرك فكرة أن الصوت الناقد للنظرية ضئيل عالميا ولربما يكاد ينعدم ولكن هذا إن كان دليلا على شيء فهو دليل على أن تحرر العلم من إضطهاد الكنيسة لم يكن لنيل الحرية ولكن لينتقل لمضطهد آخر.
كل ما يجري في المختبرات يحتاج إلى مباركة رجال السياسة ليرى النور وإلا سيظل حبيسا حتى إشعار آخر.
عزيزتي إنه التحرر من رجال الدين إلى رجال السياسة. والتعتيم حول هذه النظرية السخيفة أكبر دليل على ذلك.
تذكرين قصة الملك الذي يحب ارتداء أغرب الملابس حتى ضحك عليه أحدهم فخرج على حاشيته عاريا ولم يجرأ أحد على قول ذلك إلا صبي صغير.
هذا ما أرادوا الوصول إليه، لم يعد البسطاء يستطيعون تكذيب النظرية بعد أن قال كل العلماء بصدقها. ولكن للأسف لا يحجب ضوء الشمس بغربال.
والمصيبة أن كل الإكتشافات تحرف لصالح هذا السخف فأية حرية تلك التي يزعمون أن العلم نعم بها بعد التحرر من سيطرة الكنيسة.
لطالما تساءلت لم الإنتصار لهذه النظرية؟؟
كان علي المتابعة بعمق لكل ما يجري في السياسة والعالم حتى أخلص إلا أنه ليست النظرية في حد ذاتها ما يهم ولكن هناك أشياء وراء الكواليس تمرر إلى العقول التي خُدرت تخديرا كليا حين صدقت بالنظرية.
ابتسمت للحظة وقالت: لم أكن أعرف أنني تزوجت شارلك هولمز؟
ابتسم هو الآخر وقال لها: هل أبدو رجلا في خيال كاتب مهووس بحل الألغاز؟؟
ردت عليه بعد أن أحست أن الظرف لا يسمح بالمزاح: يمكنك المتابعة فيبدوا أنني لم أكن أعرفك ولتوي بدأت.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
09-21-2010, 05:14 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابتسم هو الآخر وقال لها: تعلمين أنني لا أحب كتم البسمة في قلبك ولكني أفضل تأجيل المزاح. على كل دعينا نتم الحديث.
بسطت راحة كفها لتقول له تفضل دون أن تتكلم.
فاستطرد قائلا: لا تتصوري أنني تابعت الأحداث متابعتي للتجارب داخل المختبر، لا، إنما قلصت من حدة التجاهل لأخبار العالم، رغم أن إلحادنا جعلنا ننزوي بعيدا عنه.
طرحت أسئلة عديدة من أمثال: ماذا بعد التصديق بالتطور؟ كيف تصمد نظرية كهذه أمام واقع علمي ينسفها كليا؟؟ ما هي المصلحة التي ترتجى من جيل يقول في كلامه كان جدي القرد؟؟
وأسئلة أخرى كثيرة أفضت بي إلى التعمق أكثر في أحداث العالم التي تفسر بوضوح تام سبب هذا التحصين المتين لخرافة داروين.
عزيزتي إن الإنتساب إلى القرد يعني ببساطة نفي كل الصفات والمشاعر الإنسانية الجميلة لتبرر كل الجرائم ويصبح العالم في فوضى عارمة لا يحدها قانون.
يريدون منا أن ندير أظهرنا للإبداع في الكائنات الحية لأننا لن نمدح الصدفة على أية حال، ونقف في متاحف الرسم لنصفق لأحدهم ونمدحه بعد أن جمع الألوان وصنع خربوطية لا معنى لها ونسميها إبداعا بإسم الفن التشكيلي. هذا ما أسميه قمة السخف.
التصديق بالداروينية يعني وداعا لما توارثناه من أخلاق.
ثم ألم يتعب الإنسان الأول ليكون دساتير الأخلاق سواء حشرها في أوامر الآلهة أو قوانين الملوك فهي شيء لا يمكن أن نطمسه كليا لنبدأ من الصفر في إستجماع مبادىء الأخلاق.
لا زلت على قولك على ما أعتقد في أن الملحد يجب أن يلتزم بأخلاقه التي ورثها إلا ما كان منها مبالغا فيه. فهل سيصدق من جده قرد بأنه مضطر إلى الإلتزام بالأخلاق.
إن تكسير الإلتزام الأخلاقي الذي كان يسود العالم ما كان ليتحقق لولا الضربة القاضية التي منحتها النظرية.
والذي لا أجد جوابا له هو مادمنا كملاحدة إختاروا الحرية في التفكير, غير مضطرين للتصديق بأية معلومة لا إثبات مادي عليها فلماذا نصدق بهذه النظرية؟ بل إن كل من يختار الإلحاد معتقدا أول ما يفعل هو تقديم الولاء للنظرية بتبنيها والإستماتة في الدفاع عنها. وهذا التعلق بها ما هو إلى دليل قوي على الرعب الذي يختزنه الملاحدة في قلوبهم من نقيض النظرية الذي هو الخلق.
هل فكرت في الذين أنجبتهم النظرية من العلماء؟؟ كماركس وفرويد وسارتر وغيرهم؟؟ هل شممت رائحة الحقد وروح الجريمة في كتاباتهم ونظرياتم هم أيضا؟؟ فلمزيد من أمثال هؤلاء تحظى النظرية بكل هذا الحرص والصون والتشهير وضمانا لمستهلك يحافظ على غنى رجال السياسة من خلال بحثه الحيواني في ثلاثية الغاية من وجوده " السكن والغداء والجنس".
فأية دفعة تلك التي تريدين من إبننا أن يتشربها؟؟
وعند تلفظه لهذه الجملة تذكر إبنه فبدأ ينظر يمينا ويسرة ليراه ولكن لم يره فسألها: لا أرى الإبن هل رأيته؟؟
انتفضت من مكانها وقالت له: لا, اعتقدت أنك تراقبه في خلال الحديث.
نزلت الأدراج لا تكاد تبصر الطريق، جرت إلى قفص القرد ولم تجد إبنها هناك، فبدأت تنادي بإسمه بأعلى صوتها انتفض الناس من حولها وبدأ الجميع يسألها وهي لا تكاد توضح الكلام تجري في كل الإتجاهات بدأ الجميع ينادي عليه بإسمه ولكن لا فائدة، كانت تتنقل بين الأقفاص وتنظر داخلها وكأنه يمكن أن يكون في الداخل، أرادت أن تبكي ولكن الخوف الشديد كان يمنعها.
لم تهتم بأين يمكن أن يكون زوجها ولكنها تريد إبنها الآن تريد أن تضمه إليها، إستمرت في جريها وبدأ الدمع ينزل فيمسحه الهواء المصطدم بوجهها صرخت وصرخت لكن دون جدوى، لا تعرف كيف تذكرت نظرة أمها إليها وهي تودعها رفضت أن تضمها لكن في عينيها كانت ترتسم آلام الفراق. أحست غصة في قلبها لم تكذب عليها أمها حين قالت لها: ستحسين بآلامي يوم تصبحين أما. ثم تلفظت عن غير سيطرة منها وقالت: آه يا أمي كم أشتاق إليك؟؟
شدها زوجها بقوة وقال لها: تعالي معي.
خلصت دراعها من يده بقوة وقالت له: اتركني لقد فقدت ولدي، قالتها والدموع تخنقها.
فقال لها: تعالي لقد وجدته إنه في السيارة.
لم تكد تسمع آخر عبارة حتى قفزت تسابق الريح إليه ضمت بقوة حتى قال لها: أمي أكاد أختنق.
فابتسمت وهي تمسح الدمع عن عينيها وقالت: حبيبي لقد كدت أموت بحثا عنك أين كنت؟؟
فرد عليها: لقد قرفت من النظر إلى ذلك القرد المقزز بحركاته.
أراد الوالد أن يأخذه من يدها لكنها رفضت فقال: من يشعر بالجوع؟؟
قالت: أنا وولدي الحبيب
لكنه رد قائلا: لا أريد أن آكل فأنا أشعر بالغثيان.
فقالت له:لا تقلق, سنأكل شيئا تحبه جدا.
ولم تنتظر موافقته، فحملته بسرعة وجرت به إلى مطعم الحديقة
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
09-23-2010, 03:33 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نام الإبن في السيارة من شدة التعب والجري في حديقة الملاهي التي زاروها بعد الغداء.
حملته بكل هدوء إلى سريره بعد أن وصلوا إلى البيت، وبينما هي تنحني لتقبله فتح عينيه وقال لها: أمي هل أشبه القرد؟؟
ابتسمت لهوقالت في صوت خافت: طبعا لا, حبيبي أنت جميل جدا جدا. وكل الناس يقولون عنك أنك وسيم. ألا ترى أن الناس كلما رأوك قبلوك؟؟
فقال لها:لماذا لم نتطور عن حيوان آخر كالطيور الجميلة أو الأسماك أو الغزال حتى. لم نجد سوى ذلك القرد العفن لنتطور عنه؟؟
ضحكت له وقالت: لماذا تتقزز منه إلى هذه الدرجة؟؟
فقال لها: لأنه مقزز جدا كل شيء فيه يقرفني. لكن لماذا لم نتطور عن باقي الحيوانات؟؟
قالت في محاولة لإخفائها عجزها: لأن القرد هو الأقرب إلينا في بنيته.
واستطردت بسرعة: لقد كنت نائما في السيارة ما الذي أيقضك؟؟
قال لها: حسنا سأنام.
تركت غرفته وذهبت للنوم بدورها، تقلبت في الفراش مرات ومرات، هجر النوم جفنها تلك الليلة، لقد تلاشى ذلك التعب الذي كانت تحسه. هجمت عليها الأفكار وتراكمت الهواجس في عقلها.
أزالت الغطاء عنها وقامت إلى مكتبها في الغرفة المجاورة، بدأت تنتقي كتب سارتر وماكس وغيرهم من الملاحدة، ثم جلست على الكرسي وبدأت تتصفحها.
قالت في نفسها:هناك شيء مشترك بين كل هؤلاء، رغم إختلاف تخصصاتهم إلا أنهم اشتركوا في تحويل التطور من نظرية جوفاء إلى قوانين وممارسات تتجلى فيها الغابوية بشكل ساطع.
كانت تقلب الصفحات وكأنها تبحث عن شيء معين بذاته. لقد كانت عيناها تتنقل بين الفقرات ودماغها يسترجع عليها حديث زوجها.
ضحكت في قرارة نفسها وقالت: يبدو أنني أصبت بعدوى التحري التي أصابته.
أغلقت الكتب وقامت إلى نافذة الغرفة فتحتها وبدأت تطل، أحست بالبرد يلفح جسمها فلفت يديها حولها ونظرت إلى السماء التي كانت صافية وتبدو فيها النجوم جميلة وكان القمر في تمامه. تنقلت بنظرها في حديقة بيتها الصغيرة وكأنها تراها لأول مرة.تنفست وأحست وكأن ألما يقطع قلبها تذكرت نظرات ولدها حين كان يقف عند قفص القرد بينما هو مشمئز منه إذ أتى صبي في مثل سنه ورمى الفستق للقرد نظر ابنها إلى ذلك الصبي بحزن كسر قلبها آنذاك أحست لحظتها وكأن النظرية اغتصبت منه طفولته فمنعته الإستمتاع بالحيوانات كما باقي الأطفال.
أحست بحزن شديد نظرت مرة أخرى إلى السماء وتجولت بعينيها بين النجوم، أرادت أن تبكي وتصرخ وفجأة أحست براحة زوجها توضع بهدوء على كتفها. همس قائلا وهو يهم بالإطلال على وجهها: ما بك؟؟ لماذا أنت مستيقظة؟؟
وضعت رأسها بين راحتيها وبدأت في البكاء وكأنها طفل صغير. لم يحاول سؤالها مجددا ربت على كتفها وقال لها: سترتاحين بعد البكاء. و ظل واقفا بجانبها بينما استمرت في بكائها ونحيبها.
مسحت الدمع عن عينيها وقالت له: أحس بأنني أقف على هاوية والمخاوف تحيط بي من كل جانب.
نظر إليها وقال لها مشيرا إلى الكتب التي كانت تقرأ فيها: الغوص في نظريات هؤلاء تولد إحساسا غريبا في نفس الباحث بصدق فيها. أتعلمين عزيزتي, أنا أيضا كلما فكرت في إلحادنا تراكمت علي المخاوف. وكأن عقولنا كانت صفحة بيضاء بلا حدود فجاء الإلحاد وحدد فيها نقطة في الوسط هي حياتنا ثم لون البقية بالأسود فكل ما يحيطنا قبل الحياة سواد وبعدها سواد.
قالت له فجأة: لهجتك تكاد تصبح لا أدرية؟؟ ألا ترى ذلك؟؟
فقال لها متفاديا السؤال: بماذا تحسين وأنت تنظرين إلى السماء والنجوم وتشمين هذا الهواء بماذا تشعرين حين تلامس يدي جسدك. هل يسمح لك التطور بالتعبير عن هذه المشاعر؟؟
واستدار ليعود إلى غرفته وهو يقول: التطور ليس بندا في دستور الإلحاد. كوني ملحدا لا يعني أبدا أنني مضطر للتصديق بالتطور.
وأغلق باب الغرفة وتركها فريسة القلق.
....
وقفت عند باب المدرسة تنتظر إبنها فخرجت المدرسة ترافقه على غير عادتها وبعد التحية بادرتها بالسؤال: هل من خطب؟؟
فقالت المدرسة: لأول مرة يضرب رفيقا له في الصف ولا يريد أن يقول لم فعل ذلك؟؟
فقالت له الأم: لماذا ضربت رفيقك؟؟
فأشار عليها لتعطيه أذنه وهمس فيها: لأنه قال لي يا قرد.
ضحكت في قرارة نفسها ثم قطبت جبينها واعتذرت للمدرسة وحملته إلى السيارة.
كانت تنظر إليه عبر المرآة وتكاد تنفجر من الضحك لتلك النظرة الغاضبة التي ترتسم على وجهه حاولت كتم الضحك بصعوبة وقالت له: لم يكن عليك ضرب زميلك وكان يكفي أن تقول له أنا لست قردا بل أنا إنسان.
فقال لها في غضب طفولي: وحين يقول لي إننا والقردة من نفس الجد عندها لن أعرف كيف أجيبه، لقد ضربته حتى لا يفكر في قولها مرة أخرى.
صمتت عن الكلام، غاصت الضحكة في أعماقها وحل محلها سؤال عريض، هل أقول له إن التطور لا يعدو أن يكون مجرد تفسير لا صحة فيه وهناك تفسير آخر يقول بالخلق؟؟. لكن خافت أن تدخل في أسئلة لا نفاذ منها إلا بالإعتراف بوجود الأديان. وهذا ما تحاول مداراته بكل طاقتها.
وعدت نفسها أن تسرد الواقع كما هو لإبنها لكن في هذه المرة وقف العناد والمكابرة سدا منيعا بينها وبين الحقيقة.
قالت له: عدني ألا تضرب أحدا في المدرسة لأن هذا سلوك( أرادت أن تقول حيواني وأعرضت) ليس جيد. والضرب سيجعل الآخرين يكرهونك.
لم يجبها وانشعل بالنظر عبر نافذة السيارة فقالت له: هل سمعتني؟؟
فقال لها: أجل أجل أجل.
فابتسمت وهي تقول: أجل واحدة تكفي.
لم يجبها فصمتت وانشغلت بالقيادة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
09-26-2010, 09:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقي على رأس السنة أسبوع وسيسعر الجو بالإحتفالات، رغم أن الإستعدادات قد ابتدأت منذ أكثر من أسبوع، المتاجر مكتظة والشوارع لا تكاد ترى فيها أحد يمر دون أن تكون يديه مثقلة بالمشتريات يعتليها أغلى أنواع الخمور،أشجار الميلاد تُزيَّن وتوضع في كل بيت، آمال الأطفال تعلق على الهدايا التي سيأتي بها أبوهم نويل....
كانت هذه الصور تمر في خاطرها وهي واقفة وراء باب الشرفة تراقب تساقط الثلوج في صمت. تمتمت: هؤلاء النصارى كل حياتهم كذب حتى الأطفال لم يسلموا من تأليفاتهم. ما أحلى أعياد المسلمين في صدقها.
ارتسمت على شفتيها إبتسامة وهي تتذكر طفولتها وفرحتها العارمة بقدوم العيد. نظرت إلى يديها وتذكرت قول أمها وهي تضع الحناء عليهما في ليلة العيد: اليدين والقدمين وكل ما فيك سيتكلم يوم القيامة ليشهد بما فعلت بهم, إنهم أمانة عندك لذلك عليك دائما الحرص على تجنب أن تقعي بهما فيما يغضب الله منك.
تحملها أمها إلى فراشها لأن الحناء في قدميها أيضا. وتنام حالمة بالغد الجميل.
آه كم هو رائع الإستيقاظ على تهاليل المساجد بدل صوت تلك الأجراس المزعج في كنائس هؤلاء القوم.
قالتها وعادت إلى ذكراها الجميلة كيف كانت تمشي مسرعة الخطى لتغسل الحناء وتجري إلى أمها التي تعد الفطور تقبلها فتقول لها: كم تبدين جميلة في هذا اليوم، لازالت تتذكر إشراقة وجه أمها في أيام الأعياد وتدفق النور منه. تفطر بعد أن يعود الأب من المسجد. فتلبسها أمها الملابس الجديدة وتنطلقان في جولة صباحية لتبادل التباريك والتهنيئات والحلوى، كل شيء في العيد كان صادقا, مشاعر الناس أحاسيسهم حتى الأطفال لا يبنون أحلاما على وهم -كما يفعل النصارى مع أطفالهم- لكنهم يسلمون على الأيادي الكبيرة منتظرين الرد ببعض الدريهمات كل وما تجود به نفسه.
ثم قالت: الطفل يحب كل هدية مهما كان حجمها وصغرها فلماذا يكذبون عليه بالقول إن النويل سيأتي في مركبة؟؟لكنه هوس النصارى الدائم في جعل الإنسان يسبح في خيالات لا أرض لها.
وفجأة تذكرت ابنها واغرورقت عيناها بالدموع وقد استرجعت مخيلتها صورة وجهه حين يسألها لماذا نحتفل بهذا اليوم؟ وهذا اليوم؟ ولماذا نضع هذه الشجرة؟ ولماذا نضع الجوارب فيها؟ ولماذا نأكل الديك الرومي؟ ووابل من الأسئلة لا يجد عندها سوى التفاسير الجافة الباردة التي لا تجد لها مكانا بين أحلام طفولته فيرتسم على وجهه نظرة فلاح في صخب المدينة.
كانت تحتفل مكرهة حتى لا يحس بالغربة بين زملائه الذين تكثر ثرثرتهم في هذه الأيام، وإذا بها تهرب من حفرة الى حفرة أشد وطأة على نفسها.
نزلت دمعة من عينها وأحست بالثقل وهي تقول بينها وبين نفسها: كم أعاني لأجل النهوض بهذا الإلحاد من ركام الأديان وكم أشقى ليسعد إبني بحياة لا وجود فيها لإرهابات الآلهة وتهديداتهم بنيران تحرق وجحيم يسعر منذ آلاف السنين ليوم يدخله الآثمون. ورغم كل هذا إلا أنني فاشلة في رسم تلك الفرحة التي كانت تغمرني بالعيد على وجه إبني.
إلا أن الذي يواسيني هو ذلك اليوم الذي تكتمل فيه مشاعره نموها وينضج عقله النضوج الكامل فيجد أن ما قدمته له كان هو الأفضل، عندها فقط سأحس بالراحة بعد هذا التعب القاسي.
التفتت صدفة ووجدت زوجها يجلس في هدوء تام واضعا بجانبه محفظته الممتلأة بمحاضراته، فمسحت الدمعة عن خدها وتصنعت إبتسامة وهي تقول: منذ متى وأنا تحت المراقبة؟؟
فاقترب مبتسما وقال: أي عالم هذا الذي سرقك لدرجة لم تشعري فيها عودتي وجلوسي هنا من ساعة تقريبا؟؟
مالت برأسها قليلا إلى اليمين وضمت يديها إلى ذراعيها وهي تقول له: كنت أسبح في أعياد طفولتي.
فبدأ يحل ربطة عنقه متجها إلى غرفة نومه ليغير ثيابه وهو يقول: ويا ترى هل ستكون أجمل من أعياد النصارى؟؟
لم تجب,بل تركته حتى عاد بعد أن غير ثيابه وقال لها: لم أسمع جوابك.
فردت بإبتسامة ساخرة:ابتظرت عودتك حتى أضمن سماعك,عزيزي رغم أن كلاهما أوهام الإنسان القديم إلا أنه لا مجال للمقارنة بين المسلمين في صدقهم وإلتزامهم بما تنص عليه كتبهم المقدسة وبين النصارى وتخريفاهم المفضوحة في كذبها. وحقيقة لا زلت أستغرب هذا الإله الذي يقول لعباده إشربوا حتى الثمالة في يوم الميلاد.
ثم ضحكت وتابعت: على الأقل لن تجد أيا من التعاليم الإسلامية تنص على أن يصبح الإنسان حيوانا ولو ليوم واحد.
فارتبك وقال لها: يبدو أنها ذكرى قوية لدرجة جعلتك تنقلبين للدفاع عن المسلمين بهذه السرعة.
تنهدت وقالت: لا أعتقد أنهم بحاجة للدفاع من ملحدة, ولكنها مجرد موازنة أمور بين خرافتين عظيمتين كالنصرانية والإسلام.
حاول أن يغير الموضوع بعد أن أحس أن عرق العروبة لازال نابضا فيها وقال لها: سأذهب لإحضار الولد من المدرسة.
فالتفتت إليه وهي تضحك وقالت له: رغم أنه لا زال باكرا على الموعد إلا أنها كوسيلة للهروب لا بأس بها. سأقوم بتجهيز مائدة الأكل في خلال ذلك.
ابتسم مغادرا وهو يقول: وإنها إحدى مخاطر الزواج بالمرأة الذكية.
ضحكت وتحركت هي الأخرى في إتجاه المطبخ وفي قرارة نفسها كانت تشعر بحزن شديد من القادم.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
09-29-2010, 01:57 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان الجو ماطرا والبرد قارسا، لقد مر العيد الكئيب وترك خلفه صور حزن وحيرة وضياع إبنها مغروسة في قلبها، تكسرها كلما جالت بخاطرها.
جلست في سيارتها تراقب المارة وهي تنتظر عند باب المدرسة. ثم رن الجرس فخرجت بمظلتها لتستقبله، أجلسته في مكانه ووضعت بجانبه محفظته ثم انطلقت في مسيرتها.
لقد تغيرت عاداته كثيرا، كان يحكي لها عن زملائه وماذا فعل معهم ويسألها عن المشاهد التي تمر أمامه في الطريق ولا يكف عن الثرثرة إلى أن يصلا إلى البيت، وإن حدث وظل صامتا ,وهي من الحالات النادرة جدا,كانت تعرف أن مشكلا حدث معه. لكن في الأيام الأخيرة لم يعد يحدثها وإن سألته أجابها في حدود السؤال وعاد إلى صمته.
نظرت إليه وقالت في محاولة لكسر الصمت: هل تشعر بالبرد؟؟
فأجابها مباشرة:لا. وأطبق صامتا.
حاولت مجددا أن تنعش الجو فابتسمت وهي تقول له:ولماذا وجهك يقول أنك غاضب؟؟
فقال لها: ولماذا سأغضب ياماما وأنا دائما أنهض في الصباح أفطر وأذهب إلى المدرسة وأدرس وأعود إلى البيت وأنجز الواجبات المدرسية وأنطلق غدا إلى نفس اليوم.
استغربت من طفلها أن يشعر بالملل والروتين وهو لا يزال في أحلى الأيام في حياة الإنسان، الأيام التي لا مجال فيها لحساب الوقت وتعداد السنوات والخوف من قرب تلك النهاية التي تخر لها كل القوى في استسلام عن إجبار وليس عن إختيار.
استعجلت القول قبل أن يبدأ في سرد مزيد العبارات المتشائمة التي تحزنها أكثر مما تربكها، فاستطردت قائلة: قلت أنك لا تشعر بالبرد حسنا هذا جيد لأننا سنخوض مغامرة جميلة الآن وسنرى إلى أي حد تستطيع تحدي البرد؟؟
نظر إليها في ملل وقال: ماذا سنفعل؟؟
لم تجبه رغم أن نظرته غير مشجعة بتاتا، أوقفت السيارة وألبسته معطفه البلاستيكي ولبست هي الأخرى معطفها ثم أنزلته وهو في حالة إستغراب شديد و أغلقت السيارة وهي تقول له: حين كنت صغيرة كان في كراسة المدرسة نص عنوانه:" فسحة تحت المطر" وفيه صورة امرأة تمشي والشتاء تسقط كنت أنظر إليها وأحس أن هناك شيء جميل في تلك الصورة. المطر يسقط وأنت تمشي تحته وكأنك تقول له أنا لا أخافك ولن أختبىء بمجرد سقوطك.فكنت منذ صغري أحب أن أمشي تحت المطر كلما غضبت أو أحسست بشيء غريب في داخلي، كان ينصت إليها بإهتمام مما زاد في حماستها فأتممت قائلة: سنمشي تحت المطر لتحس كم هو رائع أن تسقط القطرات الباردة على ظهرك.
شدت يده وانطلقا في خطواتهما. كانت الشتاء تسقط بغزارة على ظهريهما وسقوط المطر على غطاء الرأس الخاص بالمعطف يصدر صوتا مزعجا لدرجة لا يسمعان بعضهما.
قالت له وهي تصرخ: هل تستطيع أن تسبقني؟؟
فابتسم وهو يصرخ بصوت أعلى منها: طبعا سأسبقك.
لم يكد يتم عبارته حتى إنطلقت تجري فتبعها هو,كانت تضحك بأعلى صوتها وهي تراوغ محاولاته، كانت تنتقل من شارع إلى شارع ومن حي إلى حي غير آبهة بالمياه التي كانت تبللها، أحست وكأنها تحلق إلى بعيد إلى حيث لم يكن للحزن مكان في قلبها, إلى العالم الذي كانت تخرج فيه من المدرسة والشتاء تسقط فتستفز إحدى زميلاتها بضربها لتطاردها الأخيرة في محاولة إنتقام طفولية بريئة.
كانت تسترق النظرات إلى عينيه وترى سعادته بمطاردتها, فتسري في قلبها نشوة لذيذة, نشوة الأمومة الغريبة على كل العلماء والتي كتب لأسرارها أن تكون حبيسة في قلوب الأمهات. لعبت كما يلعب الصغار غير مبالية بالسيارات التي كان يتوقف بعضها لمتابعة ركض هذه الأم المجنونة التي قررت اللعب في أشد الشهور قساوة.
وصلا في جريهما إلى إحدى المنتزهات العامة فجلست على إحدى الكراسي المبللة وأجلسته بجانبها، وضعت يدها على دراعه الآخر وأطبقت صامته، أرادت أن تترك له الفرصة لتذوق هذه اللحظات فهي تقول دائما أن هناك مشاهد في الحياة قد يفسدها الكلام.
بدى لها في غاية السعادة, التفت إليها ووضع راحة يده على وجهها المبلل وقال وهو يبتسم: جميل الجري تحت المطر
وضعت راحتها فوق راحته وقالت: أغمض عينيك وقل لي بماذا تشعر؟؟
فعل ما قالت وتنهد بعمق وقال لها: أحس وكأنني طائر يحلق في السماء وأرى البيوت صغيرة أسفل مني.
ثم فتح عينيه فجأة وقال لها: أمي أعتقد أنني تطورت عن الطائر في جزيرة بعيدة وهو حملني إليك بعد أن أكملت تطوري.
ضحكت له وقالت: لا أريد منك أن تفكر الآن أريدك أن تقرأ فقط ما يوجد داخلك وتنقله إلي.
تنهد مجددا وقال لها: أريد أن نجري دائما تحت المطر ونصرخ بأعلى صوتنا.
ضمته بقوة وقالت له وهي تغالب دمع عينيها: سنفعل ذلك سنفعل أكيد.
ثم صمتا برهة وكأن كل منهما إنشغل بهذا الإحساس الذي غمرهما.
وما هي إلا لحظات قصيرة حتى مر رجل متسخ الثياب رثها، يحمل زجاجة خمر في يده ويجر قدماه جرا ثقيلا، فخاف إبنها وتعلق بها بينما وقف الرجل عند قدميها وقال في حزن شديد: الدنيا لا شيء أنا أكرهها ماذا فعلت للإله حتى يعاقبني بكل هذا، لقد كنت طيبا..
بدأ يهذي بسكره ويتظلم عن ظلم الإله له .شدت على يد إبنها وبدأت تجري في سرعة وكأنها أحدهم يطاردها مهددا إياها بسلاح.
كان يقول لها: أمي أنا خائف.
لكنها لا تجيبه ,بقيت على جريها إلى أن وصلا إلى السيارة. فرفض أن يصعد وقال لها وهو يحدق بها وقد أغرق الدمع عينيه: أمي لماذا كنت تجرين؟؟ هل كنت خائفة؟؟
جثت على ركبتها غير عابئة ببرودة الأرض التي تكاد تهشم عظامها،إن ظهور الدمع في مقلتيه بالنسبة لها كاقتطاع جزء من قلبها, وضعت راحتيها على دراعيه وقالت له: حبيبي، لا لم يخفني ولكن لم أرد أن يفسد عليك سعادتك بهذه الفسحة .
كانت تحاول جاهدة أن تخفي خوفها مما سيبعث هذا المشهد في عقل إبنها من تساؤلات.
فقال لها في إستغراب: لماذا حين رآنا نجري بدأ يصرخ ويقول: إلهي لقد ظلمتني؟؟ هل تعرفين هذا الذي ظلمه؟؟
أربكها السؤال فقالت له: حبيبي ألم نشعر بالسعادة طوال هذا اليوم الجميل انظر كم تبللت ثيابنا وكم جرينا لنخرج ما بداخلنا من حزن فلماذا تريد أن تحزن بالتفكير في هذا الرجل.
فقال لها وكأنه لم يسمع سؤالها: ماما لماذا كان ذلك الرجل يبكي من ظلمه؟؟ من إعتدى عليه؟؟ ومن هو الإله؟؟
كانت أسئلته كسكاكين تغرس في قلبها وكأنها تدمر بناء ظلت لسنوات حريصة على استمراريته.
ردت وهي تهم بالنهوض: سنتحدث عن كل هذا في البيت فأنا أشعر بالبرد الشديد.
وافق عن غير رضى وبدأ في فتح أزرار المعطف ليصعد إلى السيارة ثم انطلقا في صمت.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
10-05-2010, 12:44 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل أحسست بالفرق بين الإستحمام العادي والإستحمام بعد فسحة باردة؟؟ قالتها له وهي تلبسه ثيابه بعد أن أخذا حماما ساخنا.
فرد عليها: أجل، خاصة حين تصب الماء الساخن على جسدك أول مرة.
شدت على يديه وأخذته إلى غرفة الجلوس جلس هو على الكنبة بينما أوقدت هي المدفئة وجاءت لتجلس بجانبه.
كانا ينظران إلى الشرفة المقابلة لهما، فقالت دون أن تلتفت: كم يبدو الجو باردا جدا في الخارج حين تكون في مكان دافىء. مراقبة الأمطار تبعث في داخلي شجونا وذكريات طفولتي. يذكرني هذا الجو بجلوسي في بيتنا أمام أمي وهي تعد الفطائر، كان يحمر وجهي من حرارة الجمر المشتعل، والشتاء تسقط على سقف بيتنا فتصدر أصواتا قوية، لكن ذلك لم يكن يثني أمي عن الغناء بصوت شجي بشكل يصبح فيه الجو جميلا ودافئا .
قاطعها دون أن يبعد نظره عن الشرفة: لكني وأنا أراقب الشتاء، أتذكر الحيوانات التي ستموت من شدة البرد أو من الغرق، دائما يقفز إلى ذهني صورة الطيور التي ستسقط ميتة بسبب ذلك. يخيفني الشتاء وأكثر ما يخيفني فيه أن أكون يوما في الشارع لا أجد بيتا لأنام وأتدفىء فيه. مثل ذلك الرجل الذي رأيناه اليوم. والذي أخافنا رغم أنه في حال سيئة جدا ولا يبدو قادرا على الجري. هل سيجد بيتا ليستحم فيه بعد فسحته ويجلس في غرفة دافئة ليتفرج على تساقط المطر؟؟ ربما ذلك الذي ظلمه أخذ منه ما يملك لذلك كان يبكي ويصرخ؟؟



فكرت في أن ترسم الإله كإنسان وتتخلص من ذكرى ذلك السكير,لكن سيكتشف كذبها بسرعة بعد أن يتحدث أحد زملائه عن الإله,مما سيفقده الثقة في أقوالها وهذا ما لايمكنها المغامرة به.فقررت مواجهة هذا المشهد في ذهن إبنها كما واجهته سابقا في ذهنها. التفتت إليه وقالت: عزيزي، صحيح أنك لا تزال صغيرا على مسائل كثيرة في هذه الحياة والتي قد لا يستوعبها عقلك الآن، لكني أفضل دائما أن أخبرك الحقيقة كما هي على أن أكذب عليك أو أتجاهل أسئلتك. حاولت دائما أن أخفي عنك مسألة هذا الإله فقط لأن الوقت لم يكن مناسبا ,وهو لا يزال غير مناسب, لكني مضطرة بعد الموقف الذي حدث في الحديقة أن أخبرك بما عليك معرفته ودعه في عقلك لتحاول به رسم صورة واضحة في المستقبل عن هذا العالم وكيف يسير.

حاول أن تنصت جيدا لما سأقول، فسننتقل أنا وأنت إلى الإنسان الأول الذي استطاع بعد معاناة كثيرة من الوصول إلى الشكل النهائي الذي نحن عليه الآن. وبعد أن تكون لديه العقل وبدأ يدرك الأشياء ويفهمها،كان عليه أن يجدد تأقلمه مع العالم من جديد، وهذه المرة بشكل يناسب تكوينه العالي الطراز. بحث عن ملاجىء له فاتخذ من الكهوف بيوتا وبدأ يتزاوج ويلد وتكاثر نسله، وأصبح عليه حاجيات جديدة فصار يسخر الطبيعة لخدمته من استعمال مياهها وخشبها وغيره، وفي خلال ذلك كان عليه أن يكتشف في كل مرة العالم من حوله، وهذا ما عرضه لمخاطر عديدة منها مواجهة الحيوانات الضخمة بوسائله البسيطة الشيء الذي كان يرديه مهزوما أمامها وعندها يقف بين حالتين, إما يفر إن أمكنه أو يخر صريعا. وكذلك الزلازل والبراكين ومسائل كثيرة أدت إلى تكوين هالة من الخوف والهلع عنده، فنظر بعلمه البسيط إلى صنعته التي لا تعدوا أن تكون جمع الخشب لإشعال النار، وضرب الحجارة بقوة لصنع كهف للسكن... ثم جال بنظره في العالم حوله فرأى براكين تثور وزلازل تدمر وحيوانات تسعر بين الفينة والأخرى وشتاء تسقط بأزمنة متفاوتة وشمس تشرق يتبعها قمر وكل ماض في ميزان هائل من الحكمة الشيء الذي كان يفتقده، فأعزى ذلك كله إلى وجود كائن قوي جدا وضخم جدا يتحكم في كل هذا,فسماه الإله.
انتشرت الفكرة بين الأفراد القليلة الموجودة على الأرض أنذاك ثم تناقلتها الجماعات، فكان كلما خاف الإنسان من زلزال دعى هذا الإله ليحميه منه باعتباره المالك لمفاتيح إيقاف وارسال هذه الظواهر، ثم وبعد أن تشعبت القبائل والعشائر أصبح كل واحد يحكم القبيلة يفرض عليها قوانينا ليخدم مصلحته ويدعي أنها من عند هذا الإله حتى يجد لها قبولا طيبا في صدور الناس.
فتخيل معي كيف أصبح الوضع بعد مرور الملايين من السنين، لقد مُلأت الكتب بالأساطير والخرافات، مرة للزيادة في صفات هذا الإله حسب ما يصل إليه العلم من طاقات جديدة وقوى, ومرة للزيادة في أوامره وذلك حسب مصالح الطبقات الحاكمة أو المتسترة تحت الحكام.

ارتسمت على وجهه علامات الدهشة وسألها: غريب فعلا!!
ابتسمت وهي تقول: أجل هو غريب لكنه الواقع.
فرد محافظا على نفس ملامحه. الغريب هو كيف استطاع هذا الإنسان أن يطور أذنا وعينا وحواس وأطراف من خلال أصوات الرعد ونور البرق ولم يكن ذو عقل حينها ثم بعد أن طور هذا العقل صار يخاف وينسب كل ما في الدنيا إلى هذا الإله !!فلماذا طور هذا العقل إذن؟؟

كانت ملاحظة في محلها لدرجة أربكتها؛ فقالت له: لقد أخبرتك أننا لا نعرف كيف طور عقله.
فقال لها: فكيف تعرفون كيف صنع هذا الإله إذن؟؟
فردت: لأن العديد من العلماء المختصين الذين أفنوا حياتهم في قراءة هذه الكتب التي كان يدون فيها الإنسان هذه التعاليم الإلهية والصفات، هم الذين وصلوا إلى هذه النتيجة وطبعا بدلائل,فقدموا للإنسانية خيرا عظيما.
فقال لها في غير مبالاة بجملتها الأخيرة: وكيف هو هذا الإله؟؟
فردت وقد ارتسمت على وجهها نظرة ساخرة: في كل قبيلة وفي كل حضارة ستجده بصفات مختفلة، هناك من عندهم فأرا وهناك من عندهم كلبا وهناك من جعلوه في السماء نزل مرة وتصارع مع أحد الناس فطلب السماح للعودة إلى سمائه قبل حلول الضوء، ومنهم من قال أنه لا ينزل من السماء لكنه أرسل إبنا له قامت إحدى القبائل الأخرى التي خالف صفات الإله الخاص بها بقتله. لقد تعددت صور الآلهة عبر الملايين من السنين، فكل من يملك ذكاء بسيطا كان يضحك على الحمقى بأنه رأى الإله وهو الذي أرسله إلى الناس ليعلمهم بعضا مما يريد.
لم يبادلها الإبتسام لكنه قال لها: ألا يمكن أن يكون هذا الإله موجود فعلا؟؟
فردت عليه: لا طبعا لأن كل ماكان ينسب للإله، من تصريف الرياح وانزال الأمطار وتفجير البراكين وزلزلة الأراضي ووو كلها استطاع العلم أن يتوصل إلى أنها ليست سوى حركات تنتج عن تفاعلات لا دخل لأحد فيها.

فقال لها بعد صمت:إذن لم يعد هناك من يتحدث عن هذا الإله بعد أن اتضح أنه لا وجود له، فلماذا إذن كان يصرخ ذلك الرجل؟؟

فردت وقد ارتسمت على وجهها علامات أسف: للأسف الشديد لازال الناس يؤمنون بهذه الآلهة، فالذي يمرض يرتجي هذا الإله أن يزيح عنه المرض والذي يفقد أمواله يسأل هذا الإله أن يعوضه عنها، كل يدعوا على حسب متطلباته وهذا الإرتباط بشيء غير موجود يبعث فيهم الإحساس بالأمان والدفىء الشيء الذي يجعلهم متشبتين به أكثر وأكثر. لكن هناك من يؤمن بهذا الإله لكنه كلما حلت به مصيبة اشتكى من ظلمه وتباكى وتظلم وقال لقد ظلمني وتجاهل أن أية مشكلة تحل به تكون نتيجة سوء تخطيط منه ليس إلا,وهؤلاء ليسوا سوى فاشلين في إدراك النجاح والمتقاعسين عنه.
فقال لها: حتى المرض والموت يأتي نتيجة سوء تخطيط؟؟؟؟
فقالت له: المرض لا يأتي إلا من الأوساخ وسوء التغذية والموت فيه حالات أغلبها تكون بسبب حوادث ناتجة عن تهور الإنسان أو بسبب شيخوخة جسمه وعدم قدرته على تحمل الحياة.

أطبق صامتا ولم يجبها وكأنه يحاول هضم هذا الطبخ الجديد والذي لا يأتيه من أمه سوى ما هو شبيهه.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
10-08-2010, 01:23 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استمر صامتا طويلا كان يحاول فهم هذا الإله. لم تكن الفكرة قد اتضحت في دماغه بعد، التشويش كان يطغى على هذه الأسطورة الجديدة من أساطير أمه الغير مريحة أبدا.
التفت إليها وسألها: وكم هو عدد الذين لديهم إله؟؟
أجابت بكل مصداقية: يفوقنا بكثير جدا جدا.
أتبعها بسؤال آخر، وكان البادي عليه أنه يبلور سؤالا جديدا كلما بدأت الإجابة عن السابق: هل هناك عالم لديه إله؟؟
فقالت محافظة على مصداقيتها: هناك من العلماء من يعتقد أن هذا الكون له قوة هائلة تنظمه وهو استنتاج إنطلاقا من قوانين فيزيائية؛ لكن هؤلاء لم يلصقوا صفات بهذه القوة بإعتبارهم غير محيطين إلى حد الآن بجميع صنعتها في هذا الكون. وهناك آخرون بقوا على نفس إيمان آبائهم ومنهم من اتخذ طريقا مثلنا.
وكأنها بهذه الجملة هزت عاصفة هوجاء ,قال لها: هل كان والداك لهما إله؟؟
ابتسمت ابتسامة مريض مجهد، وقالت له: لقد كانا والدايا لهما إله، يقولان أنه في السماء، ولكن ليس سماءنا هذه إنما هي سابع سماء بعد هذه,،يقولان أنه فوق كل سماء هناك سماء أخرى وعددهن سبع سماوات, وهذا الإله يضحك ويغضب ويمكر وينتقم وصفات أخرى غير معقولة.
فقاطعها قائلا: كيف علموا أنه كذلك؟؟
فردت: لأن لديهم كتاب يقولون أن هناك ملك لا يظهر هو الآخر أنزله على انسان مثلنا ,وهو يسمى بالرسول يعني مرسل من الإله إلى الناس,حتى يبلغهم أوامره.
فقال لها، وقد شدته الحماسة لهذا الموضوع كما لو أن خيال طفولته وجد مرتعه الخصب: وماذا يقول هذا الإله في هذا الكتاب؟؟ هل لديك نسخة منه؟؟
ابتسمت له وقالت: مجرد خرافات لا قيمة لها. ستجد العديد من القصص الغريبة, مثلا أذكر إحداهن كانت تحكي عن رسول بعث في أناس قدامى كان إسمه يوسف وكان جميلا جدا ...... وأسهبت في شرح قصة يوسف كما تذكرها عن أمها التي كانت تملأ بها ليالي طفلتها لتعيشها في عالم من الخيال الذي كان يتناسب جدا وسنها.
فكرت في داخلها لحظة وقالت: رغم دينية هذه القصص إلا أنها كانت ذو طعم جميل وساحر لعقلي؛ كم كنت أتشوق لرؤية جمال يوسف وقوة موسى وصبر أيوب وملك سليمان وكم تمنيت أن أركب سفينة نوح مع أزواج الحيوانات، كنت أسبح فيها بأجنحة من البراءة وأنا أتجول بين قيم أخلاقية عالية المستوى. كم تمنيت لو كان في الإلحاد عالم نفر إليه بشكل يبعدنا عن مرارة هذا الواقع الذي رغم محاولاتنا المضنية لجعله مثاليا إلا أننا نبقى دائما في حاجة للهروب إلى عالم من الصفاء والكمال للأسف يفتقده الإلحاد، مما يجعلنا في احتكاك دائم بالمحسوس وغير قادرين على السباحة في غيره.
انتبهت فجأة فوجدته غارقا في نومه، ابتسمت وهي ترى براءة وجهه الجميل وقد رحل عنها إلى عالم آخر يحمل معه كآخر زاد قصة رجل جميل تعرض للظلم لكنه ظل مؤمنا بوجود إله.
قامت من جانبه بعد أن وضعت رأسه على وسادة وغطته ثم أطفأت الأنوار وخفضت من حرارة المدفئة.
كانت الساعة تشير إلى السابعة لكن الجو مظلم فالفصل شتاء، قامت تلتمس الطريق إلى المطبخ لتعد لنفسها قهوة، وقفت أمام الإبريق وذهنها منشغل بفكرة الوجود الإلهي، قالت في صراحة تامة مع نفسها: صحيح أننا لا نملك أدلة قاطعة على عدم وجود إله، لا بل إننا لا نملك دليلا واحدا على عدم وجوده إلا أننا نستطيع دحض أدلة الآخرين وهذا كاف بالنسبة لي لألحد. لكن يا ترى هل سيتقبل عقله على صغره أن ينتصر فاقد الدليل على صاحب الدليل؟؟ هل سيفضل أن يكون منفردا بإلحاده وسط متديننين محيطين به من كل جانب، أخوف ما أخاف عليه أن يستحلي فكرة أن يخاطب إله النصارى كل ليلة ويروي له عن أحلامه وطموحاته كما يفعل أبناء هؤلاء، فالعقل البشري في خجله الطفولي سيفضل أن يكشف أسراره مهما كانت بسيطة لأذن تسمعه ولا يراها أفضل من أن يستودعها عند إنسان يرى ملامح وجهه كيف تتغير بإكتشاف هذه الأسرار.
ربما دخلت معه في المهمة الأصعب في حياته، فمثل هذا الموضوع لا يقبل إلتواءات في الأجوبة أو تضليل فني بالسؤال عن حالته هروبا من الجواب عن أسئلته.

أزاحت الأفكار عن مخيلتها وبدأت في إعداد القهوة، وفي تلك الأثناء دخل زوجها، غير ملابسه والتحق بها بعد أن رأى أن الإنارة الوحيدة في البيت نابعة من المطبخ.
جلس على المائدة وسألها: كيف الحال اليوم؟؟
أجابت: في تمام العافية بعد جولة تحت الأمطار.
ضحك وقال: عدت إلى هذه العادة من جديد؟؟
فقالت: تجولت في سعادة مع ابني تحت زخات المطر الشديدة.
فرد: حسنا، بعض جنون النساء لا يسعنا معه سوى الإستسلام. هل كل شيء على ما يرام؟؟
فردت بعد أن عبس وجهها قليلا: لقد تعرضنا لموقف جعلنا نخوض في موضوع الإله.
وجعلت تسرد عليه الحدث بتفاصيله.
....
كان ينصت كما عادته بإهتمام يوحي للناظر إليه أنه غائب الذهن. قال لها: الآلهة والأديان والرسل وكلها حكايات ومؤلفات يجب أن تساغ بأسلوب يتماشى ومقدار تفكيره وكذا يعطيه الثقة الكافية لمواجهة أديان زملائه.
فابتسمت وهي تهم بجمع الفناجين لغسلها، دائما في التشجيع السلبي أحيك زوجي العزيز.
ضحك وهو يهم بالنهوض هو الآخر: يكفي أنني لا أتدخل لإفشال خططك العسكرية وهذه أكبر معاونة يا زوجتي العزيزة.
واختفى صوت ضحكته تحط صوت صنبور المياه .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

زينب من المغرب
10-14-2010, 11:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تأخر في النزول للإفطار، فصعدت إليه، وجدته واقفا أمام النافذة يراقب قوس الألوان في السماء، فوقفت بجانبه دون أن تنطق ببنت شفة.

إلتفت إليها بعد طول نظر وقال لها: كم تبدو جميلة هذه الألوان؟؟

فردت عليه: أجل، تداخل الألوان بهذا الشكل وسط سماء زرقاء يعطي إنطباعا جميلا في نفس الناظر إليه.

فقال متما لجملتها: وكأن رجلا ضخما يملك أقلاما كبيرة ملونة قد خط هذه الخطوط.

ضحكت وهي تقول له: سيكون عاجزا جدا. كيف يمتلك ألوانا بهذا الحجم ولا يفكر برسم شيء رائع ويكتفي بهذه الخطوط.

فالتفت إليها وقال:لكنها جميلة هكذا.

ثم أضاف:ماذا لو كان هو نفسه من رسم السماء والكواكب والنجوم والشمس وغيرها من الأشياء المعلقة هناك؟؟ وفي النهاية فكر في زيادة بهاء السماء فخط هذه الخطوط الجميلة وجعلها نادرة الظهور حتى يجعلنا في كل مرة نقف منبهرين أمام روعتها ونحس بجمالها؛ ألم تقولي لي إن قمة إستمتاع الإنسان ببعض الأشياء أن لا ينالها على الدوام؟؟

توجست خيفة من كلامه، أحست وكأنه كبر سنوات بين البارحة واليوم، فضمته وهي تقول له: لكن السماء ليست ورقة وقلم،وقد اكتشف العلم أن هذه الألوان ليست سوى إنكسار للضوء على قطرة ماء المطر. ثم أضافت في محاولة لتغيير الموضوع: يبدو أنك بدأت تفكر كرجل كبير مع الحفاظ على خيال الأطفال.

واستطردت قبل أن يزيد أو يعترض: ألن تفطر اليوم؟؟

فاستدار متجها إلى الباب دون أن تفارق يده يدها.

في الطريق إلى المدرسة....

كانت تراقبه من خلال المرآة الأمامية، فترى انشغاله بشيء لا تعرفه.

سألته: هل تفكر في شيء ؟؟

فقال لها: أفكر في قصة يوسف، وكيف استطاع إخوته أن يرموه في البئر المظلمة، وهو صغير وعاجز عن الصعود،كيف يمكن لإخوة أن يكونوا قساة إلى هذه الدرجة؟؟

فردت عليه، وقد خيمت على وجهها علامات خوف من الأثر الذي تركته القصة في نفس طفلها: لا تلقي لهذه القصة بالا فنحن نعرف أنها مجرد وهم، وهي ليست حقيقة.

فرد عليها: ولكن قد تكون حدثت فعلا؟؟

فقالت له: ربما ولكن الأهم أنها لا تعنينا في شيء.

فسألها: كيف لا تعنينا؟؟ هل هذا يعني أنه لا يمكن أن يفعل إخوة بأخيهم ما فعله إخوة يوسف؟؟

فردت في ارتباك: قد يفعل أحدهم ذلك، ولكن هل معرفة هذه القصة ستجنبه عمل ذلك ؟؟ طبعا لا فالذي سيفكر في إرتكاب جريمة لن يتذكر قبلها الحكايات التي سمع ومصير الذين أجرموا.وإلا لما أجرم أحد في الدنيا.

صمت قليلا ثم سألها: لماذا يجرم الناس؟؟ لماذا يقتل البعض الآخر؟؟ ما الذي يجعل الناس تتخاصم؟؟ لماذا نرى بؤساء في الدنيا؟

زادت حدة إرتباكها، صوت داخلها كان يقول: إنها الأسئلة التي ما فتئت ترددينها في كل مجمع مع المتدينين وفي كل كتاباتك وتعتبرينها محرجة لهم، مطالبة بدليل على عدل من يخلق الشرور ويسمح بها، يا ترى الآن في عالمك الذي لا تعترفين فيه بوجود إله إلى من ستنسبين فيه كل هذه المشاهد؟؟وعلى من ستلقين اللوم؟؟
انتبهت إليه وهو يقول: ماما هل تعرفين لماذا يجرم الناس؟؟

فردت قائلة: حبيبي، الشر أنواع، فهناك ما هو لا دخل للإنسان فيه وهناك شر ينتج عن الإنسان.
قاطعها: أمي قسوة إخوة يوسف كانت نابعة من داخلهم.
بكل هدوء قالت: حبيبي أليس من العيب مقاطعة الكبار؟؟
ثم استرسلت في الحديث: الشر الذي ينبع من نفس الإنسان وهو طبعا قادر على التحكم فيه لا ينتج إلا عن تغليب أحد المشاعر فيه. مثلا حين فكر إخوة يوسف في رمي أخيهم في البئر فإن ذلك راجع إلى غيرتهم من حب والدهم له وتفضيله عليهم. إذن إحساسهم بالأقلية في الحب والرغبة في الحصول على مركز أخيهم في قلب والدهم تحول عندهم إلى هاجس سيطر على الجانب الطيب فيهم فأظلمت عيونهم وأصبح كل ما يرون هو إزاحة هذا الهاجس للحصول على الراحة.

فقال لها بعد برهة من الصمت وكأنه يتأكد من عدم المقاطعة للمرة الثانية: إذن الشرير الأكبر في هذا هو والدهم؟؟ لأنه لم يحبهم بنفس القدر؟

فأجابت دون تفكير رغبة منها في اقفال هذا الموضوع: ربما

لكنه تابع سائلا: ولماذا لم يفكر هو الآخر في قتلهم لأنهم قتلوا أخاهم؟ طالما هو الشرير الأكبر؟؟

ابتسمت وهي تقول: ربما حزنه على إبنه منعه في التفكير في الإنتقام. أضف أنني لا أجزم أن والدهم كان شريرا ولكن قلت ربما.

فتمتم قائلا: لا يمكن أن يكون شريرا وهو أصيب بالعمى من شدة الحزن على إبنه.

شرد في صمت، لم ترد مقاطعته.وفجأة قال لها: ماما لو كنت أنت أخ يوسف ماذا كنت ستفعلين؟؟

ابتسمت ونظرت إليه: حسنا كنت سأفكر في الشيء الذي جعل والدي يحب أخي وأحاول التعلم منه وأحبه بدوري.

فسألها : ولكن كيف لم يتصرف إخوة يوسف مثلك؟؟

فأجابت: ولكني شرحت لك، فحين يفقد الإنسان القدرة على الموازنة بين مشاعره الداخلية يغلب إحداها على الأخرى فيصبح غير قادر على التمييز.
فنظر إليها بعمق وقال لها: وكيف سيتعلم الموازنة بين مشاعره؟؟
ثم نظر عبر نافذة السيارة واستطرد: كثيرا أفكر في بعض الأفعال التي أقوم بها وأقول هل هذه خير أم شر؟؟ أنت ترشدينني إلى أحسنها ولكن الذين ليس لديهم والدة من سيخبرهم بالخير والشر؟؟ فأنا حين أرى أحد أصدقائي حصل على نتيجة أحسن مني في الإمتحان لا أعرف هل أنا أكرهه أم أتمنى أن أكون مثله. ماذا لو حدث لي مثل إخوة يوسف فلم أميز بين المشاعر داخلي وقتلت أحد زملائي؟؟

ضغطت على الفرامل بقوة وأوقفت السيارة جانبا والتفتت إليه مستغربة هذه الفكرة الصاعقة منه، فقالت:حسنا لا داعي لتفكر في هذا الجنون عزيزي. داخل كل واحد منا الخير وكيف نخرجه ونجعله ينتصر على الشر هذا يعلمنا إياه المجتمع. والأبوان والمدرسة وكل الطيبين من حولنا.

فنظر إليها بعمق ثم قال: ومن الذي علم هؤلاء الخير والشر؟؟

ابتسمت وكأنها تريد زرع الثقة في قلبه ومدت يدها إليه فقبض عليها بقوة، أحست معها أنه خائف، فطمأنته قائلة: مع إحتكاك الناس بعضهم ببعض وتعاملهم عبر عصور عديدة كانوا كل مرة يزيدون في الكتب قوانين للحد من الشر ونشر الخير.

ونحن نراجعها في كل عصر ونرى تلاؤمها مع وقتنا فنأخذ منها الصالح لزماننا ونترك غيره.

فقال لها:وكيف تعرفون الصالح منها؟؟

قالت له وهي تنظر إلى ساعتها: حبيبي لقد تأخرنا عن موعد المدرسة. سنتحدث في هذا لاحقا.
واستدارت تشغل مفتاح السيارة وفي ذهنها علامات استفهام كثيرة وقلق رهيب من الإهتزاز الذي أحسته في نفسية إبنها

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

سعادة
10-17-2010, 05:43 AM
قرأتها كاملة وانتظر النهاية
شكرا لك
وجزاك الله خيرا

زينب من المغرب
12-20-2010, 01:10 AM
وجزاك الجنة
إن شاء الله البقية في طور الإعداد

ابوبكر الجزائري
02-14-2011, 03:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله.
متى تكتمل هذه القصة التي ظلت اسابيع عدة في اعلى صفحة العام ،حتى مل من ثبتها من طول الانتظار

زينب من المغرب
03-03-2011, 09:29 PM
يا إلهي ضربة قوية كهذه وتكون قاسمة الظهر :):
فعلا أجد نفسي في موقف حرج لكن مثال بسيط لمن يَسْتَحْسِنُ الإعتذار لأخته :):
حين ترى طفلا صغيرا أجهد نفسه للصعود لأول مرة على ظهر أرجوحة ليتأرجح قليلا ثم يقف دون أن ينزل فتمهل عليه وتأكد ستجد متعة كبيرة وأنت تتابع حركاته بعد طول تفكيره (أسقط فقط الجزء الأول من المثال على الموضوع :): )
لكن لا تدفعه بقوة فقد يسقط ويكره اللعبة إلى الأبد. :):

ابوبكر الجزائري
03-03-2011, 11:53 PM
لكن لا تدفعه بقوة فقد يسقط ويكره اللعبة إلى الأبد. :):
ماذا لو الف الطفل اللعبة حتى ملها،وهو يدفع اليها دفعا بعد امد طويل جدا من الوعود لتطوير اللعبة او ايجاد البديل.
حينها اخشى ان تكون كلمات ك:فهمتك،واعي ما تقول،اتضح لي انك تريد،....وجميع تصاريفها ومرادفاتها ، قد جاءت بعد ان انتهى الوقت الرسمي ،والاضافي،وصارت كلمات مثل :الرحيل،واللعبة انتهت...ونحوها مما يمت اليها بصلة قد حسمت الموقف،وصارت كلمات من قبيل يتبع، توبي كونتينيود،الموسم القادم،....واخواتها بلا معنى يذكر.،وكلمة السر في ذلك ان جيل الثورة قد مل الانتظار،ومن غفل فاته قطار التغيير:):

زينب من المغرب
03-04-2011, 12:16 AM
قلت تمهل عليه آملة أن تعطيه فرصة أن يجعل الحركة الموالية بمثابة الضربة القاضية وينهي الجولة مستغنيا في ذلك عن الأشواط الإضافية وعن الوقت المستقطع
فهل تصبر ويكون خيرا إن شاء الله أم تستعجل فيضطر الطفل إلى تقليد المطروح في الأسواق :):

ابوبكر الجزائري
03-04-2011, 08:05 AM
صبر جميل، :32:
اسال الله ان يسدد ضربتك القاضية.
ولكن لا تنسي :كان مقاتلوا الساموراي في المرتبة الثانية ،فاكتسحهم التنين الاحمر، ولا يزال ماض في الزحف على اسوار راعي البقر.
وتعقيدات البحوث العلمية ،واغلال الملكية الفكرية،وعوائق مراعاة الجودة والمواصفات الدولية،لم تدع خيارا لاحد.
وقد تم غزو اهل المدر بالسلع المقلدة ،والدور ات علينا معشر اهل الوبر،والعزاء اننا في شعف الجبال.نحاول الاكتفاء بالقليل الاصيل ،ولو كان مستعملا ...:ANSmile:

زينب من المغرب
03-04-2011, 09:03 AM
كفاني من الساموراي أنه مقاتل حتى آخر رمق وأن التقليد لا يعيبه بقدر الإتقان في توجيه الضربات وأخلاقه النزالية عالية المستوى.
أما المراتب فلا يخفى علينا أنه لا يمكن استنساخها
فإن أضفت عليه أنني لا أهتم بالمعاير الدولية ولا بالتعقيدات التي لن تنجح في تكبيل قدمي بها ستعلم أنني سأنطلق وفق معاييري ولن أعبأ بشيء فإما أن تكون ضربة موفقة أو حذف الموضوع :):
وفي هذين هذا المجال سألعب بعيدا عن ايقاع الطبول الصينية

زينب من المغرب
11-05-2021, 08:22 PM
عدنا بحمد الله ☺️

memainzin
11-10-2021, 08:26 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نام الإبن في السيارة من شدة التعب والجري في حديقة الملاهي التي زاروها بعد الغداء.
حملته بكل هدوء إلى سريره بعد أن وصلوا إلى البيت، وبينما هي تنحني لتقبله فتح عينيه وقال لها: أمي هل أشبه القرد؟؟
ابتسمت له وقالت في صوت خافت: طبعا لا, حبيبي أنت جميل جدا جدا. وكل الناس يقولون عنك أنك وسيم. ألا ترى أن الناس كلما رأوك قبلوك؟؟
فقال لها:لماذا لم نتطور عن حيوان آخر كالطيور الجميلة أو الأسماك أو الغزال حتى. لم نجد سوى ذلك القرد العفن لنتطور عنه؟؟
ضحكت له وقالت: لماذا تتقزز منه إلى هذه الدرجة؟؟
فقال لها: لأنه مقزز جدا كل شيء فيه يقرفني. لكن لماذا لم نتطور عن باقي الحيوانات؟؟





عدنا بحمد الله ☺️
عودة محموده اختنا الكريمه
اعادكم الله الى منتداكم فى خير وفى عافيه
اكملى ما بدأتيه واستمرى
(( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ))

Maro
11-10-2021, 08:04 PM
ليت أيام المنتدى تعود إلى سابقها!
الآن زمن الهواتف الذكية وشبكات التواصل المجتمعي التي لا ترعى معايير دينية ولا إنسانية...

زينب من المغرب
11-13-2021, 03:08 AM
جزاكما الله خيرا..
عدنا بحنين التلميذ إلى مدرسته.. لعلنا نكمل هذا المشوار القديم نستجدي منه وبه عبق ذلك الزمن الجميل..
أرجو أنكما بخير.. أسعدني وجودكما 🌹

Maro
11-26-2021, 06:22 PM
ألا توجد وسيلة ما نحيل بها منتدى التوحيد إلى شبكة تواصل إجتماعي شبيهة بـ"فيسبوك"؟
أظن هذه الفكرة ستعيد المنتدى إلى ما كان عليه من نشاط.

ياسر فوزى
11-28-2021, 02:40 PM
ألا توجد وسيلة ما نحيل بها منتدى التوحيد إلى شبكة تواصل إجتماعي شبيهة بـ"فيسبوك"؟
أظن هذه الفكرة ستعيد المنتدى إلى ما كان عليه من نشاط.
هذا موقع المنتدى على الفيس
https://www.facebook.com/WwwEltwhedCom/

زينب من المغرب
12-02-2021, 08:21 PM
بل هو يقصد.. أن يكون المنتدى عبارة عن شبكة تواصل اجتماعي.. وليس صفحة في شبكة التواصل..
وأنا من رأيه.. وأرجو ذلك.. ومن المؤسف أن ينسحب عن المنتدى رجالاته السابقين لينفرد كل منهم بصفحته الخاصة في الفايسبوك..