المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرشاد الأنام إلى ترك الآثام



الحكيم
06-15-2010, 02:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الأكوان ومنزل القرآن ومسير الشؤون والأكوان والرقيب على العبد في المراقبة والنسيان وعالم السر والإعلان والصلاة والسلام على منبر الحق طه النبي العدنان من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وأنار به درب السائرين والحائرين فكان طوق النجاة وحبل الاعتصام وشفيع العالمين وباب الرحمة الإلهية و الفيوضات الربانية وعلى آله وصحبه نجوم هذه الأمة ومصابيح دجاها....
أما بعد:
فإن الإنسان فطرت نفسه إلى حب الشهوات وتنزع منذ الصغر إلى الاستمتاع بكل ما تريده النفس وتحتاجه فإنها كالوحش البري يحتاج إلى ترويض كي يمتطى ويقاد فكما قال الإمام البوصيري رحمه الله تعالى:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فالنفس تحتاج إلى ترويض وكسر لرغباتها وهذا الأمر لا يأتي من فراغ وإنما يحتاج إلى تعب وصبر ومكابرة وهكذا يكون حال المسلم على الدوام في حال متابعة ومراقبة لأعماله وحتى خواطره وسرائره خوفا أن تشوبها شائبة تنحط به إلى دركات المعصية وأوحال الخطيئة وهذا ما أراده الله تعالى من بني البشر والجن في قوله:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" فإذا ما فهم الإنسان دوره في هذه الحياة فإنه لا يحيد عن أداء أشرف مهمة أنيطت بمخلوق، ولكن كما أسلفنا فإن النفس البشرية تنزع في طبيعتها إلى المعصية والمخالفة وتركن إلى الراحة والكسل فلذلك يجب على الفطن العاقل أن ينقي نفسه مما يشوبها من المعاصي وإليك بعض النصائح والطرق التي تفيد في هجران المعاصي ونبذ الشهوات:
* أول ما يجب ما على المرء معرفته هو هل إذا كان ما يقوم بفعله منكراً أم لا لأن الذي يداوم على فعل أمر ويظنه ليس منكراً في حين أنه منكر يحرمه الشارع تعالى فهو لن يقلع عن هذا الفعل لاعتقاده ذاك الذي

يعتقده وهذا يستدعي تعلم الفقه ولو الشيء اليسير منه حتى يضمن المسلم نفسه ألا تزل في المعصية فهذا لابد منه.
* وعلى المرء أيضاً أن يستعظم حرمات الله تعالى فهو حين يعصيه فإنه يعصي خالق الأكوان الجبار الرحمن وعندما يدخل تعظيم الله القلب فإن حب المعصية يهرب حثيثاً منكوس الرأس صاغراً وكما أقول:"إذا أشرق في القلب فيض التجليات الإلهية أزيلت كل الحجب المطوية " فاستعظام فعل المنكر يورث في القلب كرهاً له فمن شهد لطائف المنان كره أن يلقى في النيران، وإذا كان المرء يخاف من مخالفة أحد الملوك أو السلاطين أو ذوي النفوذ وهم بشر مثله فكيف لا يخاف من رب الأرباب وملك الملوك
ومن يهاب الناس ولا يهاب الله تعالى يخشى على إيمانه، وكيف يستحي مرتكب المعاصي أن يعصي الله تعالى أمام الناس فتراه ينفرد بنفسه ويغفل عن مراقبة الله له ويرتكب ما شاء من المعاصي والآثام فلو أنه راقب الله تعالى في جميع أحواله وأفعاله لما فعل ما فعل وهذه المراقبة هي نتيجة أيام طوال وجهد كثير في سبيل أن تبقى هذه المراقبة حية في كل الأوقات فإذا غفل المرء عن الله تعالى ولو لحظة بدأت نفسه تفك قيودها وتجهز نفسها وطبعاً بمساعدة إبليس اللعين وعندها تكون الكارثة وإليكم مثالاً: سيدنا آدم عليه السلام عندما ألح عليه إبليس أن يأكل من الشجرة التي حرمها الله تعالى عليه وبعد دأب طويل استجاب له سيدنا آدم عليه السلام ومن منا يشك بإخلاصه وقربه ورفعة منزلته عند الله وبالرغم من ذلك فإن نبياً كسيدنا آدم عليه السلام وقع في شراك إبليس عليه من الله ما يستحق فكيف بك أيها الغافل العاصي ألست لقمة سائغة لنفسك وإبليس إلا إذا عصمك الله تعالى من شرورهما ويكون ذلك بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن وتأتي المراقبة نتيجة للإخلاص والحب وكثرة الذكر وصفاء القلب ونقاء الخاطر وعلى الإنسان أن يقرر ويصمم على السمو بنفسه عن النقائص والرذائل ثم المضي في درب الطاعة فهو وحده طوق النجاة في خضمّ هذه الحياة القاسية.
* كثرة الدعاء والالتجاء إلى الله وحده في رفع حجب الغفلة عن القلب فإن القلب مرآة تعكس حال الإنسان وقلب أشرق فيه نور الله حاشاه أن يخمد بوحل المعصية ويجب التماس الأوقات التي تجاب فيها الدعوة كوقت السحر وبعد الصلوات وعند نزول المطر وعند انهمار الدمع من المقل فذاك دليل على خشوع القلب وصفاء مرآته وكلما شعرت بحاجة أو ألمت بك مصيبة فاطرح مطاياك عند أعتاب باب الله تعالى ولن يردك خائباً لأنه أكرم الأكرمين فهذا دواء ناجع لإزالة درنات المعصية وجذب أنوار العناية الربانية.
* وهناك طريقة نافعة في حال غلبة الشهوة وعدم القدرة على ردها فعليك بالتأجيل والتسويف حتى يذهب الله عنك ذلك الأمر فهذه الرغبة وقتية سرعان ما تشغل نفسك بغيرها فإذا ألمت بك حاجة إلى القيام بالمعصية فتريث وحاول أن تذهبها عنك بأن تشغل بالك وعقلك بغيرها.
* إن الملك أو السلطان إذا أصدر تشريعاً يوجب عدم القيام بأمر ما فإن هذا المنع يسري مفعوله داخل سلطة الملك والله تعالى لا حدود لسلطانه ومملكته وهو الذي أوجب عليك أن لا تمارس المعصية فإنك إذاً إذا أردت أن تعصي فاخرج إلى خارج سلطان الله تعالى وافعل حينئذ ما تشاء أن استطعت لذلك سبيلاً ومن يستشعر هذا المعنى يستحيل أن يعصي الله تعالى.
* حاول أن تشعر بأن المعصية قذارة كباقي القذارات بل أشد والإنسان بطبعه يميل إلى تطهير نفسه من النجاسات وهكذا يميل القلب إلى ترك المعاصي.
* أكثر من ذكر الله تعالى ومن الاستغفار وطلب العون والصوم فإن ذلك يساعد في طرد حب المعصية من القلب.
* لا تجاهر بالمعصية فكما ورد لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " قيل : يا رسول الله , ومن المجاهرون ؟ قال : " الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه , ثم يصبح , فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا , فيكشف ستر الله عنه "
وهكذا نرى أن المجاهرة بالمعصية أمر عظيم فكيف تفضح نفسك وقد سترك الله تعالى؟ كما أن المجاهرة بالإثم تؤدي إلى انتشاره بين الناس حين يغدو أمراً عادياً يفعله فلان وفلان من الناس.
* أكثر من مجالسة الصالحين فإن بركتهم ونورهم يغشيان القلب وأكثر من المداومة على حلق الذكر فقد روى الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جلس القوم يذكرون الله عز وجل قال الله لملائكته : إني قد غفرت لهم فجللوهم بالرحمة قالت الملائكة : يا ربنا إن فيهم فلانا قال : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم "، ويا صاح إن مجالسة أهل الصلاح تجعل المرء من أهل الفلاح فعليك بالأولياء والصالحين خذ عنهم وانتفع بهم أو على أقل تقدير احضر مجالسهم وحلق الذكر عسى أن ينالك شيء منهم فتغدو من أهل التقوى.
* تذكر في حال كونك بالمعصية القول التالي:
عن أبي بن كعب قال :"ما ترك عبد شيئا لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله مما هو خير منه من حيث لا يحتسب ، ولا تهاون عبد أو أخذه من حيث لا يصلح له إلا أتاه الله بما هو أشد منه ، من حيث لا يحتسب"
فإذا أيقنت هذا القول عند قيامك بالمعصية فإنك لا محالة ستتركها وإن بلغت بها ذروة المتعة ليقينك أن الله جل شأنه سيخلف عليك بأحسن مما تركت لأجله.
* تذكر أنك ستلاقي الله تعالى يوم القيامة وستجزى بما جنته يداك إن كان خيراً فخير وإن كان نقيض ذلك فعندها ستكثر من الندم ساعة لا ينفع الندم واعلم أن المتعة لا تتجاوز حدود قيامك بها فإن الزاني إذا ما انتهى من معصيته انقطعت لذته ولكن وزر هذا الإثم و وباله سيثقل كاهله ويغلف قلبه بحجاب الغفلة حتى يطمس على قلبه فلا يشهد دلائل الخير ويزداد انغماساً في الشهوات وتزل قدمه في منحدر المخالفات.
* أكثر من ذكر الجنة واجعل مرامك فيها الفردوس الأعلى حيث تلقى النبي صلى الله عليه وسلم وكل الأنبياء والأتقياء والشهداء وحسن أولئك رفيقاً واعمل لتكون من أهلها فإن ذلك يزيد من إيمانك ويشحذ همتك ويقلل من إقبالك على الشهوات وفي ذلك الخير والفلاح.
* أكثر من الصدقة على نية ترك المعاصي وإتباع المنهج الصحيح فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة ، وأعدوا للبلاء الدعاء " وإن الابتلاء بالمعصية مرض سقيم والصدقة تساعد في التداوي منه كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
* إذا ما قمت بذنب فسارع إلى التوبة النصوحة منه وذلك يكون بالندم على ما بدر منك، والاستغفار، وبالمعاهدة على عدم فعل المعاصي والمنكرات شريطة أن تكون التوبة نابعة من قلب محروق يتلهف إلى غفران الله تعالى ورضوانه.
* لا تستحقرن من المنكر شيئاً خيفة أن يتراكم عليك فيغدو كالجبال الراسيات التي تستقر في قلبك فتحجب عنك معينة اللطائف والرحمات
فرب معصية حسبتها صغيرة استوجبت بها نار جهنم والعياذ بالله.
* لا يغرنك أن الله تعالى غفور رحيم يغفر الذنب ويعفو عن كثير فهو أيضاً جل في علاه جبار منتقم قهار فعليك أن تطير بجناحي الرهبة والرغبة فإذا ما حلقت بجناح الرهبة فقط قضى عليك يأسك وأرداك تشاؤمك المهالك، وإذا ما طرت بجناح الرغبة فقط جعلك ذلك تقترف المعاصي والآثام لأن قلبك اطمأن لبطش الله وهذا ما يورد موار الهلاك.
* اهجر كل من كان سبباً في تعلقك بالمعصية ولو كان أقرب الأقربين إليك لأن دوام صحبتك له يعيدك إلى حالك السابق فهو يجعلك وثيق الصلة بتلك المعصية مما يحليها في قلبك فيكون انقيادك لها أسهل مما كنت عليه سابقاً فاقطع صلتك بكل ما يبت إلى ماضي المعصية بصلة فبذلك تضمن عدم عودتك إليها إن شاء الله تعالى.
* خذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لك في كل الأحوال والأوقات فإنه المعصوم الدال الأكبر على الله تعالى حيث قال فيه: " من يطع الرسول فقد أطاع الله" وحاول التزام أمره ونهيه فهو كما قال فيه الحق جل وعلا:" وما ينطق عن الهوى*إن هو إلا وحي يوحى".
* لا تنظر إلى من هم دونك ممن يفعلون المنكرات والمحرمات وتتهاون مع نفسك في فعل المنكر لرؤيتك إياهم يفعلونه فإن ذلك يضعف همتك ويخمد عزيمتك و يولجك أبواب المعاصي.
* لا تيأس إذا عاهدت على عدم القيام بالذنب فإذا بك تفعله وترتكب الآثام فإنه يقبل منك التوبة إذا كنت صادقاً بها حال توبتك فإذا ما نكثت العهد عاودت تجديد التوبة بصدق وإخلاص ولا يحبطك ذلك بل يرفع من همتك.
يعظم حرمة الله في قلبك ويديم مراقبتك له في كل الشؤون والأحوال فالنفس تكره أن تحسب عليها أفعالها وهي تحب التهرب من اللوم.
ولا تنس أن تملئ وقت الفراغ الذي أساس كل المعاصي والآثام بكل ما يرضي الله تعالى..
والحمد لله رب العالمين..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...