الشيخ عبدالرحمن عيسى
06-23-2010, 01:11 AM
نظرات
في الدين الخالص
(( ألا لله الدين الخالص ))
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ــ حلب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة وتمهيد :
لقد وصف الله سبحانه وتعالى , الإسلام الحق , بأنه الدين الخالص لله , أي الخالص من الشِيات والشوائب , وكل الثقافات , وكل الانطباعات , والخالصُ من المراءاة والمباهاة , والمتاجرة والبيع , والمداولةِ كالأسهم في البورصات , والاستعاضة عنه بالمِزاجيات والذوقيات , وتقديم الأولويات المذهبية والطائفية والعنصرية ..
المشكلة : أن الإسلام الحق والخالص , قد اكتسب عبر المراحل والقرون , سِـماتٍ وبصمات , من الداخلين فيه من الأمم الأخرى , ونشأت ناشئة الفِـرق الإسلامية , ذات المعتقدات والتصورات التي ليست منه في شيء , فأصبحت هذه المعتقدات والتصورات , واجهة أمامية لكل فرقة , وعناوينَ كبيرة , اختفى وراءها الإسلام الحق , والدين الخالص , وصدَق على المسلمين , أنهم فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً وأحزاباً , كل حزب بما لديهم فرحون ..
وهكذا تم عبور الأجيال إلى الإسلام , ولم يستمسك بالعُـروة الوثقى , ويعتصمْ بحبل الله , إلا مَنْ عصم الله , من المؤمنين الموحِّدين , والسالكين على درب النبي ومن معه من الصالحين ..
ويقول سبحانه : ( إن الدين عند الله الإسلام .. ) .
فالدين : ما يَدين به الإنسان , ويخضع له من معتقد وانتماء وولاء , في هذه الحياة , ويعتبره ضميرَه ووجدانـَه , ولا يرضى به عوضاً ولا بديلاً , فينفي سبحانه , أن يكون الدين بهذا المعنى , إلا على وَفق الإسلام الحق , الذي هو استسلام لأمر الله المحْض , وسلامٌ مع البشر والكائنات , دون كراهية وحقد وإيذاء .. ولذلك يقول سبحانه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .
فالدين : شعائر وعبادات والتزامات , والإسلام : سلوك وأخلاق , وقيم فاعلة في النفس والمجتمع , ورائدة في الحب والحرب , والخِصب والجدْب , والحكومة الربانية العتيدة ..
وإن مما تمتاز به هذه الأمة , أن لها وجهين : دين وإسلام , فالدين وُجْدانيات , والإسلام سلوكيات , في حين أن بقية الأمم , لها الدين فقط , المنسحب من الحياة , والموغل في الرهـْبنة , أو الواغل فيها بعنف وتزيُّـد , وعنصرية مفضوحة , وأساطير الأولين , اكتتبها أربابها من مخلفات الوثنيات القديمة !..
وما دام الأمر كذلك , فالدين لدينا : روح وحياة , والإسلام : إطار ومدار , وكيان مُفـْعم بالحياة الحية والنابضة , والنزعة الحضارية الناهضة .. والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم ..
عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
إماطة اللثام والغموض :
ولعلنا نريد بهذا البحث , أن نـُميط اللثام , قدر الجهد والمستطاع , عن ملامح ما يمكن أن يكون عليه التصور , لإسلام مستقبلي قادم غير بعيد , يقود المجتمع , وينقذ الأمة , ويحرر الأمم والشعوب , وينهي حالة الضياع والجور والظلم , التي تستبد بالعالم , وتحيل الحياة فيه , إلى كوارث وفظائعَ وأشلاء , وحمامات دماء .. مثلما نتصور أن هذا الإسلام المرتقب , يتعامل مع أعقد المشاكل والمشكلات , بديناميكية وآلية سمحة ومَرِنة , متـَّئدة غير متعجلة , ومركـَّزة غير مرتجَلة , ومتوازنة غير مختلة ولا منحازة ..
ولا يخفى أن التصورات حول هذا الإسلام , كثيرة ومتعددة , حسب الأمزجة والجماعة المتصوِّرة , وحسب الفكر المنقـِّب , وحسب المرجعية المعتمدة في هذا السياق , وفتاواها الجاهزة !.. والمرجعياتُ مختلفة ومتخالفة : فهناك مَنْ يرى العنف والتشدد , ومن يرى التكفير والردة , ومن يرى الحرب والتحدي , ومن يرى الطائفية والمذهبية , ومن يرى المهادنة والمداهنة , ومن يرى النفاق والذوبان في الأنظمة والسلطة , ومن يرى الانتقائية الممقوتة , ومن يرى الوعظ المجاني والرخيص , ومن يرى السير في ركاب الأقوياء والأعداء , ومن يرى التحديث والمعاصرة , ومن يرى الانسحاب والتواري والجمود ..
فهذا البحث يقدم رؤية وسطية حقاً , وتصوراً راسخاً , ويحمل بوادر صيغة إسلامية , تتسم بالواقعية المنطقية , وبالعملية الأصيلة , وبالطرح المتوازن , وبالاستراتيجية العالمية , وترتكز على الروح والمعنى والمضمون , ومقاصد الشريعة الحقة , وعلى الأساسيات والإنسانيات في هذا الدين , وتأخذ بأيدي الغرقى والمستغيثين , قبل البحث في هـُوياتهم وانتماءاتهم ..
الشريعة : مقاصدُ وقواعد :
من المؤكد بَـداهة , أن مقاصد الشريعة الغراء خمسة , وكل شيء في خدمتها ومصلحتها وصيانتها .. وهي : حفظ النفس والمال والعرض والعقل والدين ..
وأن هذه الضرورات الخمس , ليست مهددة فحسب , بل مقتحَمة ومجتاحة ومحطمة , ومآسي النفس والدين والعرض , والمال والعقل , أكبر من أن تسطر في كتاب , أو يحيط بها قلم وفكر , في هذه الدنيا المستباحة والذبيحة !..
ومما لا يخفى على المتابع من أهل الذكر , أن البشر في الأرض , من مسلمين وغير مسلمين , نساء ورجالاً وولداناً , هم في مأزق صعب , وأزمة حادة , وحصار يدفع بهم إلى الهاوية , وإلى مكان سحيق , ولا ينفع معهم ولا يجدي , إلا أسلوب الإغاثة والإطفاء والإنقاذ , والترفق والتيسير , ورفعُ الحرج والتعسير , والأخذ بمبدإ الضرورات الشرعية , وأحكام الاضطرار والمضطر , غير باغٍ ولا عاد ..
وإن الإسلام مسؤولية عن قناعة , وحرية عن وعي , وإجابة عن دعوة , وتراحم عن تعاون وألفة , ومنهج حياة وسلوك , عن قرار ورضى واختيار ..
وكما قال سبحانه : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيِّ ) . فلا إكراه في الدين , ولا عنف في الممارسة , ولا تشنج في التصور , ولا هرطقة ولا تنطع , ولا محدودية ولا حرفية في البلاغ والأداء , ومقاربةِ ما انحرف من أشياء وأشياء , فوق كل الصعُـد والأنحاء ..
ومن القواعد المقررة , والمقاصد المشروعة في الإسلام , أن المشقة تجلب التيسير , وإذا ضاق الأمر اتسع , وأن الدين يسر , ولن يشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا , والضرورات تبيح المحظورات , ولا ضرر ولا ضرار , وواجبٌ رفع الحرج , والعفو عما يشق الاحتراز عنه , وإرادةُ الله : التخفيفَ والرحمة , وإتمامَ النعمة ..
الإسلام والأوضاع الجديدة :
هذا وقد نجمت أمور وأوضاع عبر التاريخ , استوعبها الفقه الإسلامي والمجتهدون , والفقهاء الأمناء الحقيقيون , وهناك الآن , مبتدعات ومستحدثات , وأمزجة ومخترعات , أصبحت من ضرورات الحياة , ومستلزمات العيش , وفجرت مصائب وأوبئة , لم تكن قط في أسلافنا , فالتعامل مع كل ذلك , لا يكون إلا بدقة ورفق وموضوعية , وموعظة وأسوة حسنة نبوية , ودعوةٍ مفتوحة غير منغلقة , وتركيزٍ على الجوهر والمَخبر , لا على الظاهر والمظهر , ومسؤوليةٍ قيادية راحمة وعالمة , ومرجعيةٍ مقتدرة واحدة , تجمع الشمل , وتلم الشعْث , وتدني القاصي والمستنفـِر , وتـُطامن من المتأبيِّ والمستكبر , وتصبر على الجاهل , وتكشف المتلاعب بالدين والمتجاهل .. وتولي المرأة عناية خاصة , ترفع عنها أوزار هذه الحياة الفاجرة والظالمة !..
إن أخطر وأكبر عقدة تواجه الإسلام , هي قضية المرأة التي تتمتع بتأثير فاعل في المجتمع والدولة , والتعليم والأسرة , وقوة المشاركة والمنافسة , وضخامة المواهب والطاقات المتفجرة , وأصبحت المرأة غيرَ المرأة : طهارة وإثماً , بناء وهدماً , احتشاماً وسفوراً , وجهالة وعلماً ..
وغير المرأة من العقد والتعقيدات الراسخة والمتجذرة , والبدع والموبقات المهلكة , والفرص الإباحية المدمرة , وسهرات الليالي الحمراء والسوداء ..
أي أن الإسلام لدى عودته ومرجعيته , سوف يجد أنماط عيش وحياة : سياسية وأخلاقية واجتماعية , لم يعهدها من قبل , في كثافتها وصفاقتها , وتحديها للدين وللحق وللعدل , وعليه أن يتصدى لها , وأن لا يضيق بها , وأن تتراجع هي أمامه , لا أن يتراجع هو أمامها .. وأن يقوِّمها حتى تعتدل وتستقيم , وتعود كهيئتها يوم خلق الله السموات والأرض ..
وعظمة الإسلام الحق , تكمن وتظهر , في نوعية الاستيعاب والمعالجة , والمواجهة والمقاربة , والأولويات الصاعدة , والتأتيِّ المحبب , والحب الجامع والرائع , والرحمة الحانية والهادية والواسعة , التي تفتقدها المرآة , ويفتقدها المجتمع كله ..
ولا يغربن عن البال , أن امتلاك زمام المبادر والمباشرة , في منح ومشروعية هذه المعطيات والوعود والبشريات , لن تكون إلا بقيادة إسلامية محمدية عليا , تتمتع بالكفاءة الفذة , والمصداقية المطلقة , وتخضع لها كل المرجعيات الدينية , ودوائر الإفتاء والتنظير , في السياسة والمجتمع , ووسائل الإعلام , ورجالات الفكر والثقافة والتعليم ..
استدعاء الإسلام العظيم :
ولقد يقول قائل , من قاصري الفكر والنظر , أو من ملاحظي مآربهم وانتماءاتهم : إن الإسلام موجود , ما دامت المساجد عامرة بالناس والبنيان , والكعبة لا تكاد تتسع للطائفين والعاكفين , والشهادات العالية , مدلاة على الجدران والصدور , والمكاتب والمكتبات , تضيق بالأبحاث والعلوم , والكليات والثانويات الشرعية , تـُخرِّج المزيد من الشيوخ والمفتين , وطلاب العلم الطامحين , وعديمي التجربة الناضجة في الحياة !..
وهم لا يتصورون أن يتعدى الإسلام هذه الإشارات والحدود , على حين تبقى شؤون الحياة العليا والدنيا , في قبضة الكافرين والظالمين والمنافقين , أعداء الله والإنسانية والدين ..
ونساءُ كثيرٍ من الأمة , ضحايا السفور والفتنة , والإباحية الجنسية الصاعقة , والعبثِ بكل شيء , وبأنوثة المرأة , وبراءة الأطفال , وعقول الرجال ..
إذن البحث يدور حول استدعاء الإسلام الحق , الذي يحررنا من كل هذه الطقوس الشيطانية , والموبقات والرهبانية , ويجمع شملنا بنبينا وقرآننا , بعد البعد والقطيعة , والإدبار عن الله وعن الشريعة , ويعيد إلينا اعتبارنا , وحقوق وجودنا الحضاري الفاعل في هذه الحياة ..
وطبيعي جداً , أن الذين يعيشون على ضفاف هذا الواقع المتفسخ والآسن , لا يريدون أن يكون للإسلام الحق , حضور حقيقي , وتغيير جوهري , في حياة المسلمين الراهنة , لسبب ظاهر وغير خفي , فإنهم يعلمون أن التغيير يَذهب بهم , ويُلغي دوْرهم , فلا تجد فيهم من ينتظر فرجاً , أو يرتقب تغييراً , بل هم أعداء ذلك , لأن ما هم فيه , من بحبوحة العيش , ويسر ورخاء , وقضاء الحاجات جميعاً , هو الفرج بعينه , وسواه كرب وبلاء وخسارة , إذا كان يجعلهم عبيداً , يجري عليهم ما يجري على العبيد , الصابرين المحتسبين !..
وأما المستضعفون والمظلومون , والمحرومون والمعذبون من هذه الأمة , فليذهبوا إلى الجحيم , ما داموا هم يملأون جيوبهم وبطونهم , ويتقلبون في أعطاف النعيم !.. ويبتزون الجاه الزائف , ويعيشون على الفتات المتساقط من موائد القادرين والظالمين ..
ما يفتقده العرب والعالم :
إن صيغة إسلامية حقيقية واقعية , مسؤولة على مستوى العرب والعالم , هي التي يفتقدها العرب والعالم , في هذه الأواخر المتأخرة من الزمن , الذي تراكمت وتفاقمت فيه الدواهي والفتن التي تزلزل العقول والعروش , وتـُذهل الحكومات والجيوش ..
وإن دعواتٍ مُعمَّمة , من قبل الموظفين الدينيين والمتصدرين , إلى ضرورة الرجوع إلى الدين , والأخذِ بالكتاب والسنة , وبسطَ القول في المثاليات , وتكرارَ المُسَلمات , والمواعظ المجانية , التي لا تسبب التزاماً ومسؤولية , هي كل ما يقدَّم إلى الأمة , التي لا تزداد إلا ذهولاً وضياعاً , وانهماكاً في الشهوات والدنيويات , والهزيل والساقط من الهمة والنيات ..
وإننا لنرى في واقعنا وحاضرنا العربي والإسلامي , ما هو ناطق بذلك , ومُصدِّر له , إلى درجة لافتة للنظر , مع فقدان عنصر الصدق والإخلاص , والورع عما لا يحل ولا يجوز , وشيوع أنماط عجيبة ومريبة , من المداهنة والنفاق , والرياء الفاضح , وبيع اللسان والقلم , والآيات والتاريخ , والملاحم النبوية الإسلامية , بأثمان بخسة , ودنيا حقيرة ..
والطبقات الحاكمة والنافذة , ومن معها من المترفين والمترهـِّلين , والعملاء والانتهازيين , نراهم يقللون من جدوى الإسلام , في الحياة العامة والمعاصرة , ودنيا السياسات والاستراتيجيات وأنه قاصر ومتقاصر عن الوفاء والإيفاء بالاحتياجات العربية الملحة , وليست فيه القدرة والمرونة على التحديث والمعاصرة , وأن مفرزات الغرب والأمريكان , أعلى كعباً منه , وأقدر على حل أزمة الأمة والعالم , وأن الإسلام الحق , عاجز عن إحداث تغيير في القيم العالمية السائدة ..
المرأة وحقيقة المشكلة :
ويجب التنبه والانتباه , إلى أن المشكلة ليست في الإسلام الحق , من حيث هو دين الله , واختياره للبشر , ولكن في عرض الإسلام , وانحلال عزيمة الداعين إليه واختلافهم , وتدنـِّي مستوياتهم , وعدم النية في تحمل المسؤولية , المترتبة على أهل العلم , وحملة الرسالة في ظاهر الأمر , وبادي الرأي .. حيث لا جـِدَّية في كل ذلك على الإطلاق ..
وكأن دين الله للبشر في آخر الدهر , لا يصلح لسرعة الصوت والضوء , وحضارة الكمبيوتر والتكنولوجيا , والليزر والأقمار الصناعية , والقنوات الفضائية , والعابرات للقارات , والأحدث والأخطر من الجرائم والإباحيات , وانفجار الثقافات ..
وهناك من يجادل بأن المرأة قد خرجت سافرة , إلى هذه الدنيا العريضة , وانخرطت في كل مجالاتها الصعبة والعسيرة , وقد صارت مثقفة ومتعلمة ورائدة , وزاحمت الرجال بالمناكب , وسبقتهم إلى كل المسؤوليات والمناصب , وصار حضورها المكثف , لا يمكن الاستغناء عنه , في كل المواكب والمواقع , وتفجرت فيها المواهب والطاقات والإمكانات ..
فنجد نساء عبقرياتٍ في الخير والشر , متفوقاتٍ في الحُلو والمر , ويَصنعن أمشاج هذه الحياة , بكل معطياتها وأبعادها , وما فيها من لأواء وبلاء , وشدائد الضراء ..
أضف إلى أن المرأة المعاصرة , اضطرتها الظروف القاهرة , إلى أن تكون معيلة بمفردها أو مع أبيها وزوجها , أو أولادها اليتامى .. الأمر الذي يؤكد أنها قد خرجت وتحررت , ولن تعود إلى بيتها كما كانت , وأن الفتيات الدارسات , أكثر من الفتيان الدارسين , وأن مسؤوليات النساء , قد تضاعفت أكثر من أي وقت مضى , وآل الأمر والحكم إليهن , في أكثر البيوت والحالات , وصرن حاكمات وقاضيات ومبدعات .. وسبقن الرجال , وعبثن بهم !..
فإذا كان الأمر كذلك , فماذا عسى يكون عند الإسلام , تـُجاه ذلك , إذا ما كان قد تسلم الزمام , في يوم من الأيام , وما هو فاعل في حرب النجوم والأقمار , والأفلام وأجهزة الإعلام , وأجهزة الأمن العام , وكبائر الخطايا والآثام ؟..
تساؤلات مشروعة :
فأنى للإسلام أن يكون له دور قيادي فاعل ومتفاعل , في فضِّ هذه التعقيدات والإشكالات , وهل سيعيدنا إلى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا , وما هو صانع تجاه التفجر السكاني المرعب والمخيف , والتخطف العالمي العنيف , والمداخلات الخفية , التي اخترقت عظام الأمة , بكل قوة وجدية , فأصبح الواحد منا لا يعرف عدواً من صديق , وغامت الرؤية , وعَميت علينا الأنباء , وعَمي الطريق ؟!..
إننا إن أغمضنا أعيننا عن كل ذلك , كان مثلنا كالنعامة الحمقاء , أو كالمرأة الخرقاء, التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً وأشتاتاً , وعبثاً مميتاً , وكنا مخدوعين وربِّ الكعبة , وكان السراب والتباب مصيرنا , وضل سعينا , ونحن نحسب أننا نـُحسن صُنعاً , ونظن أننا أشد قوة , وأكثر جمعاً !.. وأننا أقرب إلى الله , مع تفاهتنا وسفاهتنا , وأننا عالة على الكافرين أعدائنا !!..
ولكن ومهما يكن من أمر , فهل تحول الموانع والذرائع , دون أمر الله إذا جاء , ودون إنجاز مشروع الإغاثة والعناية الإلهية , لإنقاذ العرب والإنسانية , من هذه الوثنية السياسية الفاضحة , والجاهلية بوجوهها المختلفة والكالحة , والفوضى التي تضرب أطنابها فوق كل أرض , وفي كل اتجاه ودرب , وتخلق واقعاً لا عهد لنا به من قبل ..
ولا ننكر وجود خلل وتخلخل وثـُغرة كبيرة , في كيان الخطاب الإسلامي المتداول الآن , كالعملة الورقية المهترئة , إذ هناك أكثر من خطاب مختلف , ومرجعياتٌ كثيرة ومتعددة الإشكال تقتسم المسلمين من عرب وغيرهم , وتشطرهم إلى مزيد من الولاءات والانتماءات , وتفسير الدين والتاريخ حسب ذلك كله , وحسبما يهوى ويشاء السادة الحاكمون , والغثائيون من الـنـُّخب المثقفين , وعُـشاق وعشيقات الفروج , ومُضلات الهوى العاري والمكشوف !..
واقع المرجعيات الدينية :
وهذه المرجعيات متخالفة ومتناقضة , وانتقائية وغوغائية , ومسيَّسة محلياً وقطرياً , وتلتفت بشدة وبحدة , إلى الناحية الدنيوية المعيشية , والمنافع العاجلة , والمكاسب والمناصب الموضوعة , وتحرص على أن تكون لها دنيا عريضة , وأرصدة وفيرة , وأن تحيا مُتـْرفة ومستريحة , وغير مسؤولة , وبعيدة عن هم الدين والدعوة , وتعمل بالحوافز المادية المُبتزَّة !..
وفي كل قطر من أقطار العروبة والإسلام , ترى شيوخاً متعممين , ومثقفين جامعيين , ومتخصصين في الشريعة والفتوى والدين , يقولون ما لا يفعلون , ويكتمون كثيراً من الحق والعلم وقد يتعاملون مع التراث والشريعة والمواعظ , بانتقائية ممقوتة , توافق الهوى والمصلحة الذاتية والمزاجَ السياسي والحكومي , والإعلامَ الغـُثائي والرسمي ..
وكل منهم يُدْلي بدلوه , ويعبر عن اعتقاده وظنه , وقد يداهن أولي الأمر , وينتقي لهم ما يشتهون : إيثاراً لدنياه , واتباعاً لهواه , ويرد على مَنْ سواه , فأنى لهؤلاء أن يشكلوا خطاباً إسلامياً جامعاً وكاملاً وقادراً على حمل أعباء الرسالة , وما يستدعيه واقع الأمة , من وجوب التدارك والتدخل السريع , ومواجهة محدثات البدع والأمور , بعقل مفتوح , وتجرد لله , وأسوة حسنة , تعصم من الزيغ , ومزالق الأقدام , وتـُلزم بتقوى الله , واتباع سيدنا رسول الله عليه صلى الله ..
أخطاء وتصورات شائعة :
يخطيء الذين يتصورون , أن الإسلام يهدم الحياة المعاصرة بكل معطياتها ومنجزاتها , وليس لها عنده إلا الحظر والمنع والردع والتحريم والتأثيم , والعودة إلى حياة الجواري والحريم , وكأن الإسلام لحىً طويلة , وثياب قصيرة , وبيوت خاوية , ونساء متوارية , وسير على الأقدام , وعيش بدون تكاثر وزحام , وكأن الإسلام في وارد العجز والتخلف والاستسلام ..
وليس من المنطق في شيء , أخذ تصور عن الإسلام , من خلال ما انتهى إليه عند المسلمين , في آخر هذا الزمان , فلسنا ملزمين أن نبدأ من آخر المسيرة المتعثرة , حيث الدين حكايات ملفقة , وأحاديثُ ضعيفة وموضوعة , ومفاهيم خاطئة , ومعلومات غثة ومجتثة , وعباءات وألقاب فضفاضة , وشهادات مشتراة , وإعجابُ كلٍ برأيه وبعلمه , وغرورٌ حتى الجنون , وتكبر حتى الكفر , وتعاظم حتى الغثيان , وشعور أحدهم أنه أكثر من إنسان !..
إن الغـُلوَّ والتطرف , وكل السلبيات , هي التي ستنتهي عندما يعود الإسلام الحق , إغاثة وإطفاء , وإنجاءً من سعير الكفر , وجحيم الإباحية والشذوذات جميعاً , وهتكِ حقوق الإنسان : ممارسة وفعلاً , واغتيالِ عقله وقلبه , وطاقة حُبه , ليعيش بلا قلب وبلا حب وبلا مشاعر أصلاً , وكأنه حجر أصم , أو أشد قسوة وتصلباً !..
مثلما يخطيء الذين يظنون أن الإسلام في عودته المرتقبة , يؤخذ جملة واحدة , ويطبق بالقسر وبالقهر , والعقوبات الأشد , وبالتصفيات الجسدية والطائفية !.. وبالسيف وحبال المشانق , والسجون والمقابر الجماعية .. وأنهار الدماء ..
أستغفر الله العظيم ..
فبعد تناهي القرون , وأحداث الزمان , وبعد كل هذا التمزق والعصيان , لا يؤتى بالإسلام ليسقط على هذا الواقع , ملغياً ومنهياً ما يمكن إلغاؤه وإنهاؤه , وفارضاً بقوة الحديد والنار , والتشدد المُوبق , ما يراه القائمون عليه , حسب تصورهم وجهلهم وثقافتهم , ومخزونهم التاريخي الخاطيء , فيفسدون ولا يصلحون , ويسيئون ولا يحسنون !.. وينفضُّ كثير من المسلمين , وتقوم حرب بين المؤيدين والمعارضين , من هذه الأمة ذاتها !.. ( أيْ حرب أهلية ) . وما أكثرها ؟!..
فالقضية المِفصلية , هي في الأولويات والأحق والأجدر والأهم والأعم , وصولاً إلى بداية صحيحة , وطريق قويمة , وخطىً واثقة وثابتة , وبناءٍ حضاري إنساني سليم ..
وهذا هو إسلام الإغاثة والتدارك , ومد الجسور والمعابر , وإطفاء اللهب المستعر في الصدور , وفي السرائر والضمائر , ويحرق الوجدانيات والمشاعر ..
فقد زاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وساءت الظنون والخواطر , وظن الجميع ألا ملجأ ولا مَنـْجاة . فمتى يفهم الناس , أن الإسلام روح إلهية نبوية متدفقة , وبدون هذه الروح , فإنهم أموات غير أحياء , وما يشعرون أيَّـان يـُبعثون ..
وليس الإسلام الحق , في إيجاد مجتمع صالح متدين الآن , كما يتوهم الغافلون , ولكن في إنقاذ مجتمع , وخلاص أمة , وهداية شاردين وخاطئين .. وجمعٌ على الحق والهدى والدين ..
السؤال الذي يَرد الآن :
ولعل السؤال الآن : ما هي ملامح هذا الإسلام الحق , الذي يراد له أن يكون الملاذ والعاصم , من كل هذه الأوضاع العربية والعالمية , المتردية والمتصدعة والمنهارة ؟..
نعم إنه ذلك الإسلام الحر والمتحرر من سلطة رجال الدين , ومن سائر صنوف التنطع والتقوقع , والتراجع إلى الخلف , بتراجع المحسوب عليهم , والمنطلقُ بالحياة العربية والإنسانية , إلى أوسع آفاقها الإيجابية , التي لا تعرف حدوداً ضاغطة , ولا قيوداً مرهقة , ولا هرطقة ولا تزمتاً ولا تعنتاً , وتنفتح على جميع خلق الله : تسامحاً وحباً , واتساعاً : رحمة وعلماً , وتعاملاً بالتيسير ورفع الحرج والإحراج , عن المكلفين أجمعين ..
بمعنى أنها حياة حافلة بالتوافق والتلاقي , غنية بالفرص والعطاءات , والمواهب والإبداعات , وتصان فيها كل مكتسبات التقدم والتنمية والعصرنة , بعيداً عن توسيع دائرة المحظورات والممنوعات .. مع واجب التدرج في الإيغال وتحريم المحرمات ..
كما تصان الحياة من التلوث والدياثة , والانفلات الأعمى , والانسياق الأهوج , وراء المتعة الجسدية البحتة , والإغراء والفتنة , والمتاجرة الرخيصة , بكل القيم والذمم !..
وهذا هو الإسلام العائد والمستعيد , والمنجد والمغيث , وليس إسلامَ الألقاب الفارغة , والأبراج العاجية العالية , والمظاهر الخادعة , والأطماع المهيمنة , والقدوة الانتهازية السيئة , والحسابات الدنيوية المؤْثـَرة , والانفصام وانعدام الالتزام , وتهميش الأصول والأحكام , وإحالةِ أمر التدين والدين , إلى مجرد الادعاء والدعوى , ومعسول الكلام ..
أخيراً : هل من الممكن أن نفهم الآن , هذه الإشكالية والمفارقة , وهي أن كثيراً من الذين يفرضون أنفسهم أئمة على الأمة , وأوصياء على الإسلام , ليسوا أكثر من عقبات كأداء , أمام تقدم الإسلام الحق في هذا الزمن , بسبب عجزهم المخزي , وغرورهم الكبير , وتدينهم الكاذب , وحبهم للدنيا , واتكائـِهم على الناحية العلمية الضَّحْـلة , والموعظة المُجْـترة , واستغلالهم المكشوف لكتاب الله عز وجل : القرآن المجيد ..
وحسبنا الله العظيم .. والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. عبد الرحمن
في الدين الخالص
(( ألا لله الدين الخالص ))
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ــ حلب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة وتمهيد :
لقد وصف الله سبحانه وتعالى , الإسلام الحق , بأنه الدين الخالص لله , أي الخالص من الشِيات والشوائب , وكل الثقافات , وكل الانطباعات , والخالصُ من المراءاة والمباهاة , والمتاجرة والبيع , والمداولةِ كالأسهم في البورصات , والاستعاضة عنه بالمِزاجيات والذوقيات , وتقديم الأولويات المذهبية والطائفية والعنصرية ..
المشكلة : أن الإسلام الحق والخالص , قد اكتسب عبر المراحل والقرون , سِـماتٍ وبصمات , من الداخلين فيه من الأمم الأخرى , ونشأت ناشئة الفِـرق الإسلامية , ذات المعتقدات والتصورات التي ليست منه في شيء , فأصبحت هذه المعتقدات والتصورات , واجهة أمامية لكل فرقة , وعناوينَ كبيرة , اختفى وراءها الإسلام الحق , والدين الخالص , وصدَق على المسلمين , أنهم فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً وأحزاباً , كل حزب بما لديهم فرحون ..
وهكذا تم عبور الأجيال إلى الإسلام , ولم يستمسك بالعُـروة الوثقى , ويعتصمْ بحبل الله , إلا مَنْ عصم الله , من المؤمنين الموحِّدين , والسالكين على درب النبي ومن معه من الصالحين ..
ويقول سبحانه : ( إن الدين عند الله الإسلام .. ) .
فالدين : ما يَدين به الإنسان , ويخضع له من معتقد وانتماء وولاء , في هذه الحياة , ويعتبره ضميرَه ووجدانـَه , ولا يرضى به عوضاً ولا بديلاً , فينفي سبحانه , أن يكون الدين بهذا المعنى , إلا على وَفق الإسلام الحق , الذي هو استسلام لأمر الله المحْض , وسلامٌ مع البشر والكائنات , دون كراهية وحقد وإيذاء .. ولذلك يقول سبحانه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .
فالدين : شعائر وعبادات والتزامات , والإسلام : سلوك وأخلاق , وقيم فاعلة في النفس والمجتمع , ورائدة في الحب والحرب , والخِصب والجدْب , والحكومة الربانية العتيدة ..
وإن مما تمتاز به هذه الأمة , أن لها وجهين : دين وإسلام , فالدين وُجْدانيات , والإسلام سلوكيات , في حين أن بقية الأمم , لها الدين فقط , المنسحب من الحياة , والموغل في الرهـْبنة , أو الواغل فيها بعنف وتزيُّـد , وعنصرية مفضوحة , وأساطير الأولين , اكتتبها أربابها من مخلفات الوثنيات القديمة !..
وما دام الأمر كذلك , فالدين لدينا : روح وحياة , والإسلام : إطار ومدار , وكيان مُفـْعم بالحياة الحية والنابضة , والنزعة الحضارية الناهضة .. والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم ..
عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
إماطة اللثام والغموض :
ولعلنا نريد بهذا البحث , أن نـُميط اللثام , قدر الجهد والمستطاع , عن ملامح ما يمكن أن يكون عليه التصور , لإسلام مستقبلي قادم غير بعيد , يقود المجتمع , وينقذ الأمة , ويحرر الأمم والشعوب , وينهي حالة الضياع والجور والظلم , التي تستبد بالعالم , وتحيل الحياة فيه , إلى كوارث وفظائعَ وأشلاء , وحمامات دماء .. مثلما نتصور أن هذا الإسلام المرتقب , يتعامل مع أعقد المشاكل والمشكلات , بديناميكية وآلية سمحة ومَرِنة , متـَّئدة غير متعجلة , ومركـَّزة غير مرتجَلة , ومتوازنة غير مختلة ولا منحازة ..
ولا يخفى أن التصورات حول هذا الإسلام , كثيرة ومتعددة , حسب الأمزجة والجماعة المتصوِّرة , وحسب الفكر المنقـِّب , وحسب المرجعية المعتمدة في هذا السياق , وفتاواها الجاهزة !.. والمرجعياتُ مختلفة ومتخالفة : فهناك مَنْ يرى العنف والتشدد , ومن يرى التكفير والردة , ومن يرى الحرب والتحدي , ومن يرى الطائفية والمذهبية , ومن يرى المهادنة والمداهنة , ومن يرى النفاق والذوبان في الأنظمة والسلطة , ومن يرى الانتقائية الممقوتة , ومن يرى الوعظ المجاني والرخيص , ومن يرى السير في ركاب الأقوياء والأعداء , ومن يرى التحديث والمعاصرة , ومن يرى الانسحاب والتواري والجمود ..
فهذا البحث يقدم رؤية وسطية حقاً , وتصوراً راسخاً , ويحمل بوادر صيغة إسلامية , تتسم بالواقعية المنطقية , وبالعملية الأصيلة , وبالطرح المتوازن , وبالاستراتيجية العالمية , وترتكز على الروح والمعنى والمضمون , ومقاصد الشريعة الحقة , وعلى الأساسيات والإنسانيات في هذا الدين , وتأخذ بأيدي الغرقى والمستغيثين , قبل البحث في هـُوياتهم وانتماءاتهم ..
الشريعة : مقاصدُ وقواعد :
من المؤكد بَـداهة , أن مقاصد الشريعة الغراء خمسة , وكل شيء في خدمتها ومصلحتها وصيانتها .. وهي : حفظ النفس والمال والعرض والعقل والدين ..
وأن هذه الضرورات الخمس , ليست مهددة فحسب , بل مقتحَمة ومجتاحة ومحطمة , ومآسي النفس والدين والعرض , والمال والعقل , أكبر من أن تسطر في كتاب , أو يحيط بها قلم وفكر , في هذه الدنيا المستباحة والذبيحة !..
ومما لا يخفى على المتابع من أهل الذكر , أن البشر في الأرض , من مسلمين وغير مسلمين , نساء ورجالاً وولداناً , هم في مأزق صعب , وأزمة حادة , وحصار يدفع بهم إلى الهاوية , وإلى مكان سحيق , ولا ينفع معهم ولا يجدي , إلا أسلوب الإغاثة والإطفاء والإنقاذ , والترفق والتيسير , ورفعُ الحرج والتعسير , والأخذ بمبدإ الضرورات الشرعية , وأحكام الاضطرار والمضطر , غير باغٍ ولا عاد ..
وإن الإسلام مسؤولية عن قناعة , وحرية عن وعي , وإجابة عن دعوة , وتراحم عن تعاون وألفة , ومنهج حياة وسلوك , عن قرار ورضى واختيار ..
وكما قال سبحانه : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيِّ ) . فلا إكراه في الدين , ولا عنف في الممارسة , ولا تشنج في التصور , ولا هرطقة ولا تنطع , ولا محدودية ولا حرفية في البلاغ والأداء , ومقاربةِ ما انحرف من أشياء وأشياء , فوق كل الصعُـد والأنحاء ..
ومن القواعد المقررة , والمقاصد المشروعة في الإسلام , أن المشقة تجلب التيسير , وإذا ضاق الأمر اتسع , وأن الدين يسر , ولن يشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا , والضرورات تبيح المحظورات , ولا ضرر ولا ضرار , وواجبٌ رفع الحرج , والعفو عما يشق الاحتراز عنه , وإرادةُ الله : التخفيفَ والرحمة , وإتمامَ النعمة ..
الإسلام والأوضاع الجديدة :
هذا وقد نجمت أمور وأوضاع عبر التاريخ , استوعبها الفقه الإسلامي والمجتهدون , والفقهاء الأمناء الحقيقيون , وهناك الآن , مبتدعات ومستحدثات , وأمزجة ومخترعات , أصبحت من ضرورات الحياة , ومستلزمات العيش , وفجرت مصائب وأوبئة , لم تكن قط في أسلافنا , فالتعامل مع كل ذلك , لا يكون إلا بدقة ورفق وموضوعية , وموعظة وأسوة حسنة نبوية , ودعوةٍ مفتوحة غير منغلقة , وتركيزٍ على الجوهر والمَخبر , لا على الظاهر والمظهر , ومسؤوليةٍ قيادية راحمة وعالمة , ومرجعيةٍ مقتدرة واحدة , تجمع الشمل , وتلم الشعْث , وتدني القاصي والمستنفـِر , وتـُطامن من المتأبيِّ والمستكبر , وتصبر على الجاهل , وتكشف المتلاعب بالدين والمتجاهل .. وتولي المرأة عناية خاصة , ترفع عنها أوزار هذه الحياة الفاجرة والظالمة !..
إن أخطر وأكبر عقدة تواجه الإسلام , هي قضية المرأة التي تتمتع بتأثير فاعل في المجتمع والدولة , والتعليم والأسرة , وقوة المشاركة والمنافسة , وضخامة المواهب والطاقات المتفجرة , وأصبحت المرأة غيرَ المرأة : طهارة وإثماً , بناء وهدماً , احتشاماً وسفوراً , وجهالة وعلماً ..
وغير المرأة من العقد والتعقيدات الراسخة والمتجذرة , والبدع والموبقات المهلكة , والفرص الإباحية المدمرة , وسهرات الليالي الحمراء والسوداء ..
أي أن الإسلام لدى عودته ومرجعيته , سوف يجد أنماط عيش وحياة : سياسية وأخلاقية واجتماعية , لم يعهدها من قبل , في كثافتها وصفاقتها , وتحديها للدين وللحق وللعدل , وعليه أن يتصدى لها , وأن لا يضيق بها , وأن تتراجع هي أمامه , لا أن يتراجع هو أمامها .. وأن يقوِّمها حتى تعتدل وتستقيم , وتعود كهيئتها يوم خلق الله السموات والأرض ..
وعظمة الإسلام الحق , تكمن وتظهر , في نوعية الاستيعاب والمعالجة , والمواجهة والمقاربة , والأولويات الصاعدة , والتأتيِّ المحبب , والحب الجامع والرائع , والرحمة الحانية والهادية والواسعة , التي تفتقدها المرآة , ويفتقدها المجتمع كله ..
ولا يغربن عن البال , أن امتلاك زمام المبادر والمباشرة , في منح ومشروعية هذه المعطيات والوعود والبشريات , لن تكون إلا بقيادة إسلامية محمدية عليا , تتمتع بالكفاءة الفذة , والمصداقية المطلقة , وتخضع لها كل المرجعيات الدينية , ودوائر الإفتاء والتنظير , في السياسة والمجتمع , ووسائل الإعلام , ورجالات الفكر والثقافة والتعليم ..
استدعاء الإسلام العظيم :
ولقد يقول قائل , من قاصري الفكر والنظر , أو من ملاحظي مآربهم وانتماءاتهم : إن الإسلام موجود , ما دامت المساجد عامرة بالناس والبنيان , والكعبة لا تكاد تتسع للطائفين والعاكفين , والشهادات العالية , مدلاة على الجدران والصدور , والمكاتب والمكتبات , تضيق بالأبحاث والعلوم , والكليات والثانويات الشرعية , تـُخرِّج المزيد من الشيوخ والمفتين , وطلاب العلم الطامحين , وعديمي التجربة الناضجة في الحياة !..
وهم لا يتصورون أن يتعدى الإسلام هذه الإشارات والحدود , على حين تبقى شؤون الحياة العليا والدنيا , في قبضة الكافرين والظالمين والمنافقين , أعداء الله والإنسانية والدين ..
ونساءُ كثيرٍ من الأمة , ضحايا السفور والفتنة , والإباحية الجنسية الصاعقة , والعبثِ بكل شيء , وبأنوثة المرأة , وبراءة الأطفال , وعقول الرجال ..
إذن البحث يدور حول استدعاء الإسلام الحق , الذي يحررنا من كل هذه الطقوس الشيطانية , والموبقات والرهبانية , ويجمع شملنا بنبينا وقرآننا , بعد البعد والقطيعة , والإدبار عن الله وعن الشريعة , ويعيد إلينا اعتبارنا , وحقوق وجودنا الحضاري الفاعل في هذه الحياة ..
وطبيعي جداً , أن الذين يعيشون على ضفاف هذا الواقع المتفسخ والآسن , لا يريدون أن يكون للإسلام الحق , حضور حقيقي , وتغيير جوهري , في حياة المسلمين الراهنة , لسبب ظاهر وغير خفي , فإنهم يعلمون أن التغيير يَذهب بهم , ويُلغي دوْرهم , فلا تجد فيهم من ينتظر فرجاً , أو يرتقب تغييراً , بل هم أعداء ذلك , لأن ما هم فيه , من بحبوحة العيش , ويسر ورخاء , وقضاء الحاجات جميعاً , هو الفرج بعينه , وسواه كرب وبلاء وخسارة , إذا كان يجعلهم عبيداً , يجري عليهم ما يجري على العبيد , الصابرين المحتسبين !..
وأما المستضعفون والمظلومون , والمحرومون والمعذبون من هذه الأمة , فليذهبوا إلى الجحيم , ما داموا هم يملأون جيوبهم وبطونهم , ويتقلبون في أعطاف النعيم !.. ويبتزون الجاه الزائف , ويعيشون على الفتات المتساقط من موائد القادرين والظالمين ..
ما يفتقده العرب والعالم :
إن صيغة إسلامية حقيقية واقعية , مسؤولة على مستوى العرب والعالم , هي التي يفتقدها العرب والعالم , في هذه الأواخر المتأخرة من الزمن , الذي تراكمت وتفاقمت فيه الدواهي والفتن التي تزلزل العقول والعروش , وتـُذهل الحكومات والجيوش ..
وإن دعواتٍ مُعمَّمة , من قبل الموظفين الدينيين والمتصدرين , إلى ضرورة الرجوع إلى الدين , والأخذِ بالكتاب والسنة , وبسطَ القول في المثاليات , وتكرارَ المُسَلمات , والمواعظ المجانية , التي لا تسبب التزاماً ومسؤولية , هي كل ما يقدَّم إلى الأمة , التي لا تزداد إلا ذهولاً وضياعاً , وانهماكاً في الشهوات والدنيويات , والهزيل والساقط من الهمة والنيات ..
وإننا لنرى في واقعنا وحاضرنا العربي والإسلامي , ما هو ناطق بذلك , ومُصدِّر له , إلى درجة لافتة للنظر , مع فقدان عنصر الصدق والإخلاص , والورع عما لا يحل ولا يجوز , وشيوع أنماط عجيبة ومريبة , من المداهنة والنفاق , والرياء الفاضح , وبيع اللسان والقلم , والآيات والتاريخ , والملاحم النبوية الإسلامية , بأثمان بخسة , ودنيا حقيرة ..
والطبقات الحاكمة والنافذة , ومن معها من المترفين والمترهـِّلين , والعملاء والانتهازيين , نراهم يقللون من جدوى الإسلام , في الحياة العامة والمعاصرة , ودنيا السياسات والاستراتيجيات وأنه قاصر ومتقاصر عن الوفاء والإيفاء بالاحتياجات العربية الملحة , وليست فيه القدرة والمرونة على التحديث والمعاصرة , وأن مفرزات الغرب والأمريكان , أعلى كعباً منه , وأقدر على حل أزمة الأمة والعالم , وأن الإسلام الحق , عاجز عن إحداث تغيير في القيم العالمية السائدة ..
المرأة وحقيقة المشكلة :
ويجب التنبه والانتباه , إلى أن المشكلة ليست في الإسلام الحق , من حيث هو دين الله , واختياره للبشر , ولكن في عرض الإسلام , وانحلال عزيمة الداعين إليه واختلافهم , وتدنـِّي مستوياتهم , وعدم النية في تحمل المسؤولية , المترتبة على أهل العلم , وحملة الرسالة في ظاهر الأمر , وبادي الرأي .. حيث لا جـِدَّية في كل ذلك على الإطلاق ..
وكأن دين الله للبشر في آخر الدهر , لا يصلح لسرعة الصوت والضوء , وحضارة الكمبيوتر والتكنولوجيا , والليزر والأقمار الصناعية , والقنوات الفضائية , والعابرات للقارات , والأحدث والأخطر من الجرائم والإباحيات , وانفجار الثقافات ..
وهناك من يجادل بأن المرأة قد خرجت سافرة , إلى هذه الدنيا العريضة , وانخرطت في كل مجالاتها الصعبة والعسيرة , وقد صارت مثقفة ومتعلمة ورائدة , وزاحمت الرجال بالمناكب , وسبقتهم إلى كل المسؤوليات والمناصب , وصار حضورها المكثف , لا يمكن الاستغناء عنه , في كل المواكب والمواقع , وتفجرت فيها المواهب والطاقات والإمكانات ..
فنجد نساء عبقرياتٍ في الخير والشر , متفوقاتٍ في الحُلو والمر , ويَصنعن أمشاج هذه الحياة , بكل معطياتها وأبعادها , وما فيها من لأواء وبلاء , وشدائد الضراء ..
أضف إلى أن المرأة المعاصرة , اضطرتها الظروف القاهرة , إلى أن تكون معيلة بمفردها أو مع أبيها وزوجها , أو أولادها اليتامى .. الأمر الذي يؤكد أنها قد خرجت وتحررت , ولن تعود إلى بيتها كما كانت , وأن الفتيات الدارسات , أكثر من الفتيان الدارسين , وأن مسؤوليات النساء , قد تضاعفت أكثر من أي وقت مضى , وآل الأمر والحكم إليهن , في أكثر البيوت والحالات , وصرن حاكمات وقاضيات ومبدعات .. وسبقن الرجال , وعبثن بهم !..
فإذا كان الأمر كذلك , فماذا عسى يكون عند الإسلام , تـُجاه ذلك , إذا ما كان قد تسلم الزمام , في يوم من الأيام , وما هو فاعل في حرب النجوم والأقمار , والأفلام وأجهزة الإعلام , وأجهزة الأمن العام , وكبائر الخطايا والآثام ؟..
تساؤلات مشروعة :
فأنى للإسلام أن يكون له دور قيادي فاعل ومتفاعل , في فضِّ هذه التعقيدات والإشكالات , وهل سيعيدنا إلى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا , وما هو صانع تجاه التفجر السكاني المرعب والمخيف , والتخطف العالمي العنيف , والمداخلات الخفية , التي اخترقت عظام الأمة , بكل قوة وجدية , فأصبح الواحد منا لا يعرف عدواً من صديق , وغامت الرؤية , وعَميت علينا الأنباء , وعَمي الطريق ؟!..
إننا إن أغمضنا أعيننا عن كل ذلك , كان مثلنا كالنعامة الحمقاء , أو كالمرأة الخرقاء, التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً وأشتاتاً , وعبثاً مميتاً , وكنا مخدوعين وربِّ الكعبة , وكان السراب والتباب مصيرنا , وضل سعينا , ونحن نحسب أننا نـُحسن صُنعاً , ونظن أننا أشد قوة , وأكثر جمعاً !.. وأننا أقرب إلى الله , مع تفاهتنا وسفاهتنا , وأننا عالة على الكافرين أعدائنا !!..
ولكن ومهما يكن من أمر , فهل تحول الموانع والذرائع , دون أمر الله إذا جاء , ودون إنجاز مشروع الإغاثة والعناية الإلهية , لإنقاذ العرب والإنسانية , من هذه الوثنية السياسية الفاضحة , والجاهلية بوجوهها المختلفة والكالحة , والفوضى التي تضرب أطنابها فوق كل أرض , وفي كل اتجاه ودرب , وتخلق واقعاً لا عهد لنا به من قبل ..
ولا ننكر وجود خلل وتخلخل وثـُغرة كبيرة , في كيان الخطاب الإسلامي المتداول الآن , كالعملة الورقية المهترئة , إذ هناك أكثر من خطاب مختلف , ومرجعياتٌ كثيرة ومتعددة الإشكال تقتسم المسلمين من عرب وغيرهم , وتشطرهم إلى مزيد من الولاءات والانتماءات , وتفسير الدين والتاريخ حسب ذلك كله , وحسبما يهوى ويشاء السادة الحاكمون , والغثائيون من الـنـُّخب المثقفين , وعُـشاق وعشيقات الفروج , ومُضلات الهوى العاري والمكشوف !..
واقع المرجعيات الدينية :
وهذه المرجعيات متخالفة ومتناقضة , وانتقائية وغوغائية , ومسيَّسة محلياً وقطرياً , وتلتفت بشدة وبحدة , إلى الناحية الدنيوية المعيشية , والمنافع العاجلة , والمكاسب والمناصب الموضوعة , وتحرص على أن تكون لها دنيا عريضة , وأرصدة وفيرة , وأن تحيا مُتـْرفة ومستريحة , وغير مسؤولة , وبعيدة عن هم الدين والدعوة , وتعمل بالحوافز المادية المُبتزَّة !..
وفي كل قطر من أقطار العروبة والإسلام , ترى شيوخاً متعممين , ومثقفين جامعيين , ومتخصصين في الشريعة والفتوى والدين , يقولون ما لا يفعلون , ويكتمون كثيراً من الحق والعلم وقد يتعاملون مع التراث والشريعة والمواعظ , بانتقائية ممقوتة , توافق الهوى والمصلحة الذاتية والمزاجَ السياسي والحكومي , والإعلامَ الغـُثائي والرسمي ..
وكل منهم يُدْلي بدلوه , ويعبر عن اعتقاده وظنه , وقد يداهن أولي الأمر , وينتقي لهم ما يشتهون : إيثاراً لدنياه , واتباعاً لهواه , ويرد على مَنْ سواه , فأنى لهؤلاء أن يشكلوا خطاباً إسلامياً جامعاً وكاملاً وقادراً على حمل أعباء الرسالة , وما يستدعيه واقع الأمة , من وجوب التدارك والتدخل السريع , ومواجهة محدثات البدع والأمور , بعقل مفتوح , وتجرد لله , وأسوة حسنة , تعصم من الزيغ , ومزالق الأقدام , وتـُلزم بتقوى الله , واتباع سيدنا رسول الله عليه صلى الله ..
أخطاء وتصورات شائعة :
يخطيء الذين يتصورون , أن الإسلام يهدم الحياة المعاصرة بكل معطياتها ومنجزاتها , وليس لها عنده إلا الحظر والمنع والردع والتحريم والتأثيم , والعودة إلى حياة الجواري والحريم , وكأن الإسلام لحىً طويلة , وثياب قصيرة , وبيوت خاوية , ونساء متوارية , وسير على الأقدام , وعيش بدون تكاثر وزحام , وكأن الإسلام في وارد العجز والتخلف والاستسلام ..
وليس من المنطق في شيء , أخذ تصور عن الإسلام , من خلال ما انتهى إليه عند المسلمين , في آخر هذا الزمان , فلسنا ملزمين أن نبدأ من آخر المسيرة المتعثرة , حيث الدين حكايات ملفقة , وأحاديثُ ضعيفة وموضوعة , ومفاهيم خاطئة , ومعلومات غثة ومجتثة , وعباءات وألقاب فضفاضة , وشهادات مشتراة , وإعجابُ كلٍ برأيه وبعلمه , وغرورٌ حتى الجنون , وتكبر حتى الكفر , وتعاظم حتى الغثيان , وشعور أحدهم أنه أكثر من إنسان !..
إن الغـُلوَّ والتطرف , وكل السلبيات , هي التي ستنتهي عندما يعود الإسلام الحق , إغاثة وإطفاء , وإنجاءً من سعير الكفر , وجحيم الإباحية والشذوذات جميعاً , وهتكِ حقوق الإنسان : ممارسة وفعلاً , واغتيالِ عقله وقلبه , وطاقة حُبه , ليعيش بلا قلب وبلا حب وبلا مشاعر أصلاً , وكأنه حجر أصم , أو أشد قسوة وتصلباً !..
مثلما يخطيء الذين يظنون أن الإسلام في عودته المرتقبة , يؤخذ جملة واحدة , ويطبق بالقسر وبالقهر , والعقوبات الأشد , وبالتصفيات الجسدية والطائفية !.. وبالسيف وحبال المشانق , والسجون والمقابر الجماعية .. وأنهار الدماء ..
أستغفر الله العظيم ..
فبعد تناهي القرون , وأحداث الزمان , وبعد كل هذا التمزق والعصيان , لا يؤتى بالإسلام ليسقط على هذا الواقع , ملغياً ومنهياً ما يمكن إلغاؤه وإنهاؤه , وفارضاً بقوة الحديد والنار , والتشدد المُوبق , ما يراه القائمون عليه , حسب تصورهم وجهلهم وثقافتهم , ومخزونهم التاريخي الخاطيء , فيفسدون ولا يصلحون , ويسيئون ولا يحسنون !.. وينفضُّ كثير من المسلمين , وتقوم حرب بين المؤيدين والمعارضين , من هذه الأمة ذاتها !.. ( أيْ حرب أهلية ) . وما أكثرها ؟!..
فالقضية المِفصلية , هي في الأولويات والأحق والأجدر والأهم والأعم , وصولاً إلى بداية صحيحة , وطريق قويمة , وخطىً واثقة وثابتة , وبناءٍ حضاري إنساني سليم ..
وهذا هو إسلام الإغاثة والتدارك , ومد الجسور والمعابر , وإطفاء اللهب المستعر في الصدور , وفي السرائر والضمائر , ويحرق الوجدانيات والمشاعر ..
فقد زاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وساءت الظنون والخواطر , وظن الجميع ألا ملجأ ولا مَنـْجاة . فمتى يفهم الناس , أن الإسلام روح إلهية نبوية متدفقة , وبدون هذه الروح , فإنهم أموات غير أحياء , وما يشعرون أيَّـان يـُبعثون ..
وليس الإسلام الحق , في إيجاد مجتمع صالح متدين الآن , كما يتوهم الغافلون , ولكن في إنقاذ مجتمع , وخلاص أمة , وهداية شاردين وخاطئين .. وجمعٌ على الحق والهدى والدين ..
السؤال الذي يَرد الآن :
ولعل السؤال الآن : ما هي ملامح هذا الإسلام الحق , الذي يراد له أن يكون الملاذ والعاصم , من كل هذه الأوضاع العربية والعالمية , المتردية والمتصدعة والمنهارة ؟..
نعم إنه ذلك الإسلام الحر والمتحرر من سلطة رجال الدين , ومن سائر صنوف التنطع والتقوقع , والتراجع إلى الخلف , بتراجع المحسوب عليهم , والمنطلقُ بالحياة العربية والإنسانية , إلى أوسع آفاقها الإيجابية , التي لا تعرف حدوداً ضاغطة , ولا قيوداً مرهقة , ولا هرطقة ولا تزمتاً ولا تعنتاً , وتنفتح على جميع خلق الله : تسامحاً وحباً , واتساعاً : رحمة وعلماً , وتعاملاً بالتيسير ورفع الحرج والإحراج , عن المكلفين أجمعين ..
بمعنى أنها حياة حافلة بالتوافق والتلاقي , غنية بالفرص والعطاءات , والمواهب والإبداعات , وتصان فيها كل مكتسبات التقدم والتنمية والعصرنة , بعيداً عن توسيع دائرة المحظورات والممنوعات .. مع واجب التدرج في الإيغال وتحريم المحرمات ..
كما تصان الحياة من التلوث والدياثة , والانفلات الأعمى , والانسياق الأهوج , وراء المتعة الجسدية البحتة , والإغراء والفتنة , والمتاجرة الرخيصة , بكل القيم والذمم !..
وهذا هو الإسلام العائد والمستعيد , والمنجد والمغيث , وليس إسلامَ الألقاب الفارغة , والأبراج العاجية العالية , والمظاهر الخادعة , والأطماع المهيمنة , والقدوة الانتهازية السيئة , والحسابات الدنيوية المؤْثـَرة , والانفصام وانعدام الالتزام , وتهميش الأصول والأحكام , وإحالةِ أمر التدين والدين , إلى مجرد الادعاء والدعوى , ومعسول الكلام ..
أخيراً : هل من الممكن أن نفهم الآن , هذه الإشكالية والمفارقة , وهي أن كثيراً من الذين يفرضون أنفسهم أئمة على الأمة , وأوصياء على الإسلام , ليسوا أكثر من عقبات كأداء , أمام تقدم الإسلام الحق في هذا الزمن , بسبب عجزهم المخزي , وغرورهم الكبير , وتدينهم الكاذب , وحبهم للدنيا , واتكائـِهم على الناحية العلمية الضَّحْـلة , والموعظة المُجْـترة , واستغلالهم المكشوف لكتاب الله عز وجل : القرآن المجيد ..
وحسبنا الله العظيم .. والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. عبد الرحمن