المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة أسماء الله الحسني‏ (5)



د. محمود عبد الرازق الرضواني
07-23-2005, 02:20 PM
جلال أسماء الله الحسني

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فمن حكمة الله عز وجل أنه فطر عباده علي أن يكون جلال المحبوب هو أعظم دواعي الحب في قلوبهم فالقلب يحب كل جميل ويتعلق بكل جليل‏.‏ ومن هنا تعلقت القلوب بربها لعظمة اسمائه وجلالها وكمال أوصافه وجمالها‏,‏ قال تعالي في وصف اسمائه‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)[‏ الأعراف‏:180]‏ وقال في مدحها وعلو شأنها‏:(‏ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام‏)[‏ الرحمن‏:78]‏ وقد أجمع القراء علي قراءة ذي الجلال بالياء‏,‏ وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والعراق علي اعتبار معني المباركة ووصف المسمي بالجلال فيكون المسمي نفسه موصوفا بالجلال والإكرام وتفرد ابن عامر بالواو فقرأ‏:(‏ تبارك اسم ربك ذو الجلال‏)‏ وكذلك في مصاحف أهل الشام علي اعتبار ان الجلال والمباركة تعود علي الأسماء الحسني فالاسم نفسه موصوف بالجلال والإكرام‏.‏

والجلال هو منتهي الحسن والعظمة في الأسماء والصفات والأفعال‏,‏ وله عند التحقيق ركنان‏:‏ أولهما الكمال وهو بلوغ الوصف اعلاه‏,‏ والثاني الجمال وهو بلوغ الحسن منتهاه ومن حكمة الله عزوجل في خلقه أنه ان أعطي احدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال‏,‏ وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال‏,‏ وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال فربما يبلغ المرء كمالا في الغني بحيث يفوق الآخرين فيه حتي يبلغ الوصف اعلاه‏,‏ لكنه مبتلي في غناه فربما يكون جاهلا أو مريضا أو قبيحا أو عقيما أو مبتلي في ولده وزوجته‏,‏ أو أهله وعشيرته أو غير ذلك من أنواع البلاء‏,‏ وكذلك ربما تجد امرأة بلغت كمالا في الخلق والنسب ولها منزلة كبيرة في الشرف والحسب وعلي قدر كبير من العلم والفهم وهي أبعد ما تكون عن الخيانة وموصوفة بالصدق والأمانة‏,‏ غير أنها قبيحة سوداء أو دميمة بكماء لا تسر أحدا من الناظرين اعطاها الله من جهه الكمال وابتلاها من جهة الجمال‏.‏

والله عز وجل لو أعطي أحدا من عباده كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال‏,‏ فما يلبث ان يموت الملك العادل او يغتال‏,‏ وكل ذلك عن حكمة الله في خلقه ليعلموا ان الجلال المطلق في اسمائه وصفاته وأنه المنفرد به دون غيره فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال‏,‏ بل كل اسم من اسمائه فيه الكمال والجمال معا كما قال تعالي‏:(‏ تبارك أسم ربك ذي الجلال والإكرام‏)[‏ الرحمن‏:78].‏

ويذكر ابن القيم‏(‏ الفوائد‏183)‏ انك إذا أضفت إلي كماله وجماله ما كان من إحسانه في ملكه وإنعامه علي خلقه فإنه لا يتخلف عن حبه إلا الجاحدون وأصحاب القلوب الخبيثة والنفوس الخسيسة‏,‏ فإن الله فطر النفوس علي محبة المحسنين اليهم المتصفين بالكمال والجمال‏,‏ وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلوب فمن المعلوم ان مقلب القلوب لا أحد يعظمه إحسانا وجمالا أو انعاما وكمالا‏,‏ فلا شيء أكمل من الله ولاشيء لا أجمل من الله‏,‏ فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته وكمال قدرته وبديع حكمته وكل هذه اوصاف دلت عليها الأسماء‏,‏ فلا نحصي ثناء عليه هو كما أثني علي نفسه‏,‏ له الفضل كله علي خلقه وجنه وإنسه‏,‏ له النعمة السابغة والحجة البالغة والسطوة الدامغة‏,‏ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه‏,‏ بل أفعاله كلها لا تخرج عن المصلحة والحكمة والفضل والرحمة‏,‏ كلامه صدق ووعده حق وعدله ظاهر في سائر الخلق‏,‏ إن أعطي فبفضله ورحمته وكرمه ونعمته‏,‏ وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته‏.‏

وقد سماه نبينا صلي الله عليه وسلم بالجميل وبين أنه يحب الجمال‏,‏ روي مسلم من حديث ابن مسعود ان النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ إن الله جميل يحب الجمال‏)‏ فهو سبحانه له في اسمائه جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال في سائر المخلوقات لا تقوي الأبصار في هذه الدار علي النظر إلي رب العزة والجلال‏,‏ قال تعالي‏:(‏ ولما جاء موسي لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا‏)[‏ الأعراف‏:143]‏ فأي محبوب في الوجود يسمو إلي علو شأنه وكماله؟ قال تعالي‏:(‏ هو الله الخالق الباريء المصور له الأسماء الحسني يسبح له ما في السموات والأرض وهوالعزيز الحكيم‏)[‏ الحشر‏:24].‏

ولابد لمن وجد الله في اسمائه الحسني من التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق والاسم ودلالته في حق الخالق‏,‏ فلو قلنا مثلا‏:‏ سعيد سعيد‏,‏ كلاهما من الناحية اللغوية اسم‏,‏ لكن الأول في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره‏,‏ ولا يعني المنادي عند ندائه سعيدا ان كانت فيه صفة السعادة أم لا‏,‏ فالاسم في حق البشر فارغ من الوصفية علي الأغلب بل لما سمي الإنسان سعيدا عند الولادة فإن احدا لا يعلم انه في مستقبله سيكون حزينا أم سعيدا‏,‏ لأن ذلك امر لا يعلمه إلا الله‏,‏ فلما اكتسب وصف السعادة كحالة طارئة وصفة زائدة قامت بالمسمي ووصف بها استدعي ذلك تعبيرا إضافيا عن حلول صفة السعادة فيه‏,‏ فقلنا‏,‏ سعيد سعيد‏,‏ ومن ثم فإن الأصل في أسماء البشر ارتباطها علي الدوام بمسماها كأسماء بلا أوصاف‏,‏ أو أسماء فارغة من الأوصاف فإن استجد الوصف بالمسمي عبرنا عن ذلك بقدر زائد فقلنا سعيد سعيد أو سعيد في منتهي السعادة‏.‏

أما الأسماء في حق الله فتختلف اختلافا كليا عن ذلك‏,‏ فهي علمية‏,‏ ووصفية معا في آن واحد ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق‏,‏ ولذلك لم يقل النبي صلي الله عليه وسلم ان الجواد سبحانه جواد‏,‏ وإن المحسن محسن‏,‏ وإن الحيي الستير حيي ستير وإن الجميل سبحانه جميل‏,‏ والوتر تعالي وتر‏,‏ كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح لأن الأسماء في حق الله أعلام وأوصاف‏,‏ سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا مبتدأ أو خبرا فأي موضع كان من النص فهو علم ووصف

أما في حقنا فالأسماء علي الأغلب أعلام بلا أوصاف فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح ولم يصح في حق الله‏,‏ ولو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا يتنزه عنه من أوتي جوامع الكلم صلي الله عليه وسلم ولذلك فإن الثابت الصحيح عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ انه قال‏:‏ إن الله عز وجل جواد يحب الجود‏,‏ إن الله جميل يحب الجمال‏,‏ وقال‏:‏ وإن الله وتر يحب الوتر‏,‏ إن الله رفيق يحب الرفق إلي آخر ماذكره النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فكان الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير كلها أسماء لله عز وجل تدل علي العلمية والوصفية معا لأن الله لم يطرأ عليه وصف كان مفقودا أو يستجد به كمال لم يكن موجودا‏,‏ كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح علي سعيد ومنصور وصالح‏.‏

وقد كان من شأن العرب ان يسموا اولادهم بأسماء الجماد والحيوان لما يرون فيها من بعض الصفات النبيلة كتسميتهم صخرا أو حربا أو اسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا‏,‏ وهم يقصدون بهذه التسمية تمييز الشخص عن غيره لأنه لابد لكل فرد من اسم يميزه بالعلمية ويتطلعون أيضا إلي أن يتحقق الوصف فيه مستقبلا‏,‏ فالذي يسمي ولده صخرا يأمل ان تتوافر فيه صفه القوة والصلابة‏,‏ والذي يسميه حربا يأمل ان تتوافر فيه صفه الفارس المقاتل والمقدام الهمام‏,‏ والذي يسميه أسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا يرغب ان تتوافر فيه صفه الشجاعة والجرأة والوفاء والتحمل والعظمة والبقاء‏,‏ وقد يسمون الجارية زهرة أو غزالا أو شهدا أو نورا‏,‏ أو قمرا أو جميلة وهي سوداء كالليل البهيم أو قبيحة وجهها دميم أو خبيثة الجوهر والمنظر ولذلك كانت أغلب الأسماء التي يسميها العرب مبنية علي مراعاة العلمية والرغبة في حدوث الوصفية‏.‏

وأصل الضلال والبلاء وعدم استيعاب طريقة الموحدين في فهم الأسماء الحسني قياس اسماء المخلوق علي أسماء الخالق لكن عقيدة أهل السنة لما كانت مبنية علي أن التوحيد هو إفراد الله بما ثبت له من الأسماء والصفات وأن الله متوحد عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية التي تحكم ذوات المخلوقات واسمائهم‏,‏ فإنهم وفقوا إلي الفهم الصحيح في باب الأسماء والصفات‏,‏ فعندهم ان الأسماء في حق الله علمية ووصفية‏,‏ علمية من جهة الدلالة علي الذات ووصفية من جهة المعني الذي تضمنه كل اسم فاسم الله القدير وكذلك العلي الرحمن القوي العزيز الحكيم السميع العليم وغير ذلك من الأسماء دلت علي إثبات صفة القدرة والعلو والرحمة والقوة والعزة والحكمة والسمع والعلم فهي أعلام لقوله تعالي‏:(‏ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني‏)[‏ الإسراء‏:110]‏

وكلها تدل علي ذات واحدة ومسمي واحد‏,‏ وهي أيضا أوصاف لقوله تعالي‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)[‏ الأعراف‏:180]‏ وقد ذكر الله عزوجل من اسمائه الحسني الغفور الرحيم وكلاهما علم علي ذاته كما جاء في قوله‏:(‏نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم‏)[‏ الحجر‏:49]‏ وقد بين في موضع آخر ان الاسم يتضمن الوصف وأن الغفور ذو مغفرة‏,‏ والرحيم ذو رحمة‏,‏ فقال تعالي‏:(‏ وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب‏)[‏ الرعد‏:6]‏ وقال‏:(‏ وربك الغفور ذو الرحمة‏)[‏ الكهف‏:58]‏ ومن اسمائه الحسني القوي حيث ورد علما مطلقا علي ذات الله فقال‏:(‏ إن ربك هو القوي العزيز‏)[‏ هود‏:66]‏ وفي موضع آخر بين أنه متصف بالقوة فقال‏:(‏ إن الله هوالرزاق ذو القوة المتين‏)[‏ الذاريات‏:58].‏

وذكر الله أيضا من اسمائه الحسني العزيز فقال‏:(‏ لا إله إلا هو العزيز الحكيم‏)[‏ آل عمران‏:6]‏ ثم قال في تضمن الاسم للوصف‏:(‏ سبحان ربك رب العزة عما يصفون‏)[‏الصافات‏:180]‏ وقال أيضا‏:(‏ فإن العزة لله جميعا‏)[‏ النساء‏:139]‏ ومن ثم فان الأدلة قاطعة في أن الله سبحانه رحيم برحمة‏,‏ قوي بقوة‏,‏ عزيز بعزة وكذلك أيضا قدير بقدرة حكيم بحكمة‏,‏ سميع بسمع عليم بعلم‏,‏ وغير ذلك من الأسماء ودلالتها علي الصفات ولا يشبه في وصفه حال المخلوق كما نقول سعيد بلا سعادة أو صالح بلا صلاح‏,‏ أو سعيد وهو حزين كاسم بلا مسمي‏,‏ أو منصور وهو مهزوم أو صالح وهو طالح‏,‏ وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله‏.‏

abed
07-30-2005, 08:21 PM
الاسما، والصفات.............القدرة ...................

--------------------------------------------------------------------------------
أخي الكريم السلام عليكم ورحمة الله
لي بحثين فيما يتعلق في باب الاسما، والصفات
ألا وهي مسألة.............القدرة ...................
مع أن كل بحث يرد على الاخر الكل يرد على خصمه بالادلةكمايضهرلى
ذالك كما أنى لست أهل لذالك ((( لمعرفة الصواب))) أو حتى التحقيق في الموضوع .ألا ترا أن المسألة زاغ فيها الكثير من المتكلين هذاكان فى زمانهم فضلا عن زماننا .
أخي الفاضل فهل لك الفظل أن تحقق في المسألة وسترا ماأهمية هذه
المسألة.وعلم هذا الدين لاينتهي والبحر ينتهي ولو جيء بمثله مددا
أناعامى لاتأخذني بتعبيري هذا .انا في إنتضار الجواب لأرسل لكم البحثين .
ويعرض فى المنتدى لتكون الإستفادة للجميع (( هذا إن أردتم))
جعل الله ذالك في ميزان حسناتك.
والسلام عليكم ورحمة الله
:emrose: :emrose: :emrose: عبد الله الاندلسي

د. محمود عبد الرازق الرضواني
08-05-2005, 08:07 PM
سننظر في بحثيك إن شاء الله