المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرات في باب " الرد على الجهمية " من سنن ابن ماجه لأبي ريان الطائفي



فيصل...
07-24-2005, 03:21 PM
نظرات في باب " الرد على الجهمية " من سنن ابن ماجه

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فعندما يستشرف البعض بدينه ، ويرفع للناس جبينه ، نسأله سؤال متثبت : هل ما دنتَ به مأخوذ من الكتاب والسنة ، ومَنْ سلفُك في ذلك ! .

هذه ثلاث ، فما يبرح صاحب البدعة والضلالة إلا وينغض رأسه ، ويرخي جبينه ، ويقول : قال الأخطل النصراني !! ، وقال الفيلسوف الفلاني !! .

وأما صاحب السنة ، فيقول نعم : قال الله تعالى في سورة كذا : كذا وكذا ، وروّينا في " صحيح البخاري " كذا وكذا ، وأخبرنا أشياخنا عن أشياخهم أن الصحابي فلان قال كذا ، وقال به التابعي فلان ، وثبت عن تابع التابعي فلان من أكثر من وجه .

فيا لله ما هذا الشرف ، وما هذه الرفعة ، وما هذا الركن الشديد الذي أوى إليه ! ، آية ماضية ، وسنة قاضية ، وأثر صريح ! ، فمن الذي يضاهيه ؟ ، ومن الذي يجاريه ؟ ، فأنعم به وأكرم .

ولما تطاول أقزام ( اللامعقول ) و ( السفسطة في المنقول ) من أفراخ الجهمية ، والأشاعرة ، وكل ملحد في أسماء الله وصفاته : على عقيدة أهل السنة ، واستشرفوا بزلات المتأخرين ، وسقطات غير المعصومين ، جئناهم بأقوال الأئمة الأثبات ، والفرسان في كل الأوقات ، فأنغضوا رؤوسهم ، وعلموا أنهم قد خاضوا بحراً لا ساحل له ، وغاصوا في لجة لا نجاة منها ؟ ، ولهذا لما بلغ كبراؤهم تلك اللجج ، وخاضوا قي تلك الحجج ، أعلنوا التوبة والرجوع إلى الله ، وتفضيل دين العجائز الفطري على تعمقات علم الكلام ، كالرازي والجويني والغزالي وغيرهم وهم من هم في هذا الميدان ؟! .

ومن الأركان التي شيدت لنصرة دين النبي من كتب أهل السنة ما سبق وأن سميت كـ : " السنة " لحماد بن سلمة [ ت : 167 ] .

وكتاب " الصفات " لعبدالله بن محمد الجعفي [ ت : 229 ] .

وكتاب " الرد على الجهمية ، وأصول السنة " للإمام أحمد بن حنبل [ ت : 241 ] .

وكتاب " الاعتصام بالسنة " و " الرد على الجهمية " للبخاري [ ت : 256 ] .

وكتاب " خلق أفعال العباد " له .

وكتاب الرد على الجهمية لأبي داود من كتابه السنن ، ومسائله عن الإمام أحمد في " الصفات " .

وكتاب " النعوت " في سنن النسائي .

وأبواب " الرد على الجهمية " لابن ماجه .

وكتاب " أصول السنة " للرازيين أبي حاتم وأبي زرعة .

وكتاب " الحيدة " لعبدالعزيز الكناني صاحب الشافعي .

وكتاب " السنة " لعبدالله بن أحمد .

وكتاب " السنة " لحنبل بن إسحاق .

وكتاب " السنة " لأبي بكر الأثرم .

وكتاب " الاستقامة في الرد على أهل البدع " لخشيش بن أشرم .

وكتاب " التوحيد " لأبي بكر محمد بن خزيمة .

وكتاب " السنة " لابن أبي عاصم .

وكتاب " السنة " للحكم بن معبد الخزاعي .

وكتاب " السنة " لأبي القاسم الطبراني .

وكتاب " المعرفة " في السنة ، و " الرؤية " لأبي أحمد العسال .

وكتاب " الصفات " و " الرؤية " للدارقطني .

و كتاب " العرش لابن أبي شيبة " لابن أبي شيبة .

وكتاب " الرد على الجهمية " للدارمي .

وكتاب " السنة " للخلال .

وكتاب " السنة " لأبي الشيخ الأصبهاني .

وكتاب " الرد على الجهمية " لابن منده .

وكتاب " شرح أصول أهل السنة " لأبي القاسم اللالكائي .

وكتاب " الرد على الجهمية " من سنن ابن ماجه لأبي محمد بن ماجه .

وكتاب " السنة " لأبي عمر الطلمنكي .

وكتاب " الإبانة " لابن بطة .

وقصيدة " السنة " لأبي بكر بن أبي داود السجستاني صاحب السنن .

وكتاب " الشريعة " للآجري .

وكتاب " العلو " لابن قدامة .

وغيرها من الكتب التي ما شرق أهل البدع من الجهمية وأتباعهم بشيٍ أشد من شرقهم بأمثال هذه الكتب ، أدام الله المحفوظ منها عزاً ونصراً لأهل السنة .

ومن هذه الكتب كما سبق الإشارة إليه " أبواب ما أنكرت الجهمية " من سنن الحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني الشهير بابن ماجه – بالهاء في الوقف والدرج – [ 207-275هـ ] ، في المجلد الأول ( ص : 63 وما بعدها ) ، فذكر جملة من الأحاديث فيها النص على بعض صفات الله عز وجل ، وسوف أذكرها واحداً تلو الآخر ، مع ما فيها من الفوائد ، قال رحمه :

باب فيما أنكرت الجهمية

حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير ثنا أبي و وكيع ح وحدثنا علي بن محمد ثنا خالي يعلى و وكيع وأبو معاوية قالوا : ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله قال : كنا جلوساً عند رسول الله فنظر إلى القمر ليلة البدر ، قال : ( إنكم سترون ربكم ، كما ترون هذا القمر لا تَضامُّون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) ثم قرأ : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (قّ:39) .

قال أبو ريان الطائفي كان الله في عونه ونصرته :

هذا حديث عظيم متفق على صحته ، في إثبات رؤية الله تعالى في الجنة ، والآيات في إثبات رؤية الله تعالى واضحة المعنى معلومة كقول الله تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس:26) ، وقوله تعالى : ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35) ، وقوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23) ، وقوله سبحانه عن أهل النار : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين:15) فإذا عذب أهل النار بالحجب أنعم أهل الجنة بالتجلي ، والأحاديث كثيرة وهذا الحديث منها ، وسيأتي مثله ، أنشدني مشايخي بأسانيدهم إلى أبي بكر بن أبي داود في قصيدته في " السنة " قوله :


وقل يتجلى الله للخلق جهرة ****** كما البدر لا يخفى وربك أوضح

وليس بمولود وليس بوالدٍ ***** وليس له شبه تعالى المسبَّح

وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ****** بمصداق ما قلنا حديث مصرِّح

رواه جرير عن مقال نبينا ****** فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح

روى ذاك قوم لا يُرد حديثهم ****** ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا
وهذا الحديث الصحيح فيه إثبات رؤية أهل الجنة بأعينهم لله عز وجل أشد وضوحاً من رؤيتهم في الدنيا للقمر ليلة البدر في ليلة لا غيم فيه ولا قتر ، وقد وصف النبي هذا الوضوح بأنهم : ( لا يُضامون ) وفي رواية ( لا تَضامُّون ) و في رواية ( لا تضارون ) في رؤيته عز وجل ، وكلها روايات صحيحة مقبولة المعنى تدل على وضوح الرؤية لوجه الله الكريم ، ففي اللفظ الأول ( يُضامون ) من الضيم من عسر النظر ، والثانية ( لا تَضامُّون ) من الضم أي لا يضم بعضكم إلى بعض عند رؤيته ، فلا يحصل ذلك لوضوحه للناس كما سيأتي في حديث أبي رزين رضي الله عنه ، والثالثة ( لا تضارون ) أي لا يدرككم ضرر عند رؤيته لوضوحه عز وجل للناس .

وراوي الحديث : يوسف هذه الأمة : جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه ، الذي ما راءه النبي إلا تبسم ، الصحابي الجليل الذي سلك سبيل خليلي رب العالمين في تحطيم الأصنام ، فكما حطم إبراهيم عليه السلام أصنام قومه ، وكما حطم نبينا وحبيبنا محمدٌ أصنامَ قومه حول البيت عام الفتح وهو يقرأ : ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81) ، صنع جرير بن عبدالله مع أكبر صنم يعبده أهل اليمن وهو : ذو الخلصة وكان يسمى البناء الذي عليه !!! بالكعبة اليمانية !! ، وكعبة المسلمين التي في مكة تسمى بالكعبة الشامية ! ، فعندما زفر صدر النبي كراهة للشرك وعبادة الأوثان ، وقال : ( من لي بذي الخلصة ) ، امتثل لذلك جرير بن عبدالله رضي الله عنه ، وركب فرسه بعد أن دعا له النبي بالثبات عليه والتأييد والنصرة ، فهدمه .

وقد شرف الله أهل التوحيد بالاستنان بسنة الحنفاء المرسلين ، فهدم شيخ الإسلام ابن تيمية أوثاناً كانت تعبد في دمشق ، وكذا الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – حيث هدم العديد من الأضرحة التي شيدت على القبور كما شيد على ذي الخلصة من قبل ، فحطمها وهو يقول : ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81) .

فرحم الله من استن بسنة المرسلين ، والحنفاء الصادقين ، والعلماء الراسخين وحطم الأضرحة التي ضاهت ذا الخلصة في وصفه و وصف عبادها من حولها !! .

مسألة : رؤية أهل الجنة لله عز وجل : عامة تشمل النساء على الصحيح من قولي أهل العلم لعموم الأدلة .

تنبيه : في قوله ( كما ترون القمر ) هذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، فالله أجل وأعلا أن يشبه بأحدٍ من خلقه .

فائدة : من قوله : (كنا جلوساً عند رسول الله ) فيه مشروعية التحديث بأخبار الصفات عند عامة الناس وخاصتهم ، وقد أطال فارس المعقول والمنقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – الرد على من أنكر ذلك من ثلاثة عشر وجه تقريباً تجدها في أول كتابه الحافل " التسعينية " .

فائدة ثانية : فيه فضيلة صلاتي الفجر والعصر ، والأحاديث في فضلهما على وجه الخصوص كثيرة ، وكذا الأحاديث في الترهيب من التفريط فيهما كثيرة .

فائدة ثالثة : قوله : ( قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) دليل لأهل التوحيد على أن الشمس هي التي تدور على الأرض لا أن الأرض تدور على الشمس ، والله تعالى يقول : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (يّـس:38) ، وثبت في " الصحيح " من كلام الصادق المصدوق أنه ما من يوم تغرب فيه الشمس إلا وتذهب تحت العرش وتسجد لله تعالى ، وتستأذن في أن تشرق فيؤذن لها ، حتى يأتي يوم تستأذن فلا يؤذن لها ويقال : ارجعي من حيث غربتِ .

هذا دين الله ، ودين الرسول ، ومن اتبع هواه ، وصدق الملحدين فلا يلومنّ إلا نفسه ! .

فائدة رابعة : من قوله : ( فنظر إلى القمر ) فيه إباحة النظر إلى السماء بل مشروعيته خلافاً لبعض متعنتة الصوفية في امتناعهم من النظر إلى السماء بدعوى الحياء من الله !! ، والله تعالى أمرنا بالتفكر في خلق السماوات والأرض .

فائدة خامسة : قوله : ( إنكم سترون ) والخطاب بنصه للصحابة وبعمومه لسائر الأمة فيه إشارة إلى الشهادة بأن الجنة مآل كل مسلم ، وإن عذب قبل ذلك ، ففيه الرد على الخوارج والمعتزلة ، وفيه ثبوت الرؤية لأهل الجنة بعامة على سائر درجاتهم .

فائدة سادسة : فيه جواز قراءة بعض الآية من أولها أو آخرها إذا لم يكن هناك إخلال بالمعنى حيث قرأ قوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (قّ:39) ، وأولها : ( فاصبر لحكم ربك ) .

فائدة سابعة : قول ابن ماجه في الإسناد : ح ، هذا حرف يؤتي به لأحد أمرين ، إما بمعنى ( الحديث ) أي أخبرنا فلان عن فلان ح .. أي : الحديث كما يقال بعد ذكر بعض الآية : الآية ، أو يكتب الناس اليوم بعد ذكر بعض الكلام : ألخ ، أي إلى آخره .

والمعنى الثاني : التحويل ، أي تحول الإسناد وعاد من جديد عن شيخٍ آخر يلتقي مع من انتهى إليه الإسناد الأول في شيخه .

تم المجلس الأول من النظرات في باب الرد على الجهمية من سنن ابن ماجه ويليه المجلس الثاني .

أبو ريان الطائفي

كان الله في عونه ونصرته

فيصل...
07-24-2005, 03:25 PM
المجلس الثاني من النظرات في باب الرد على الجهمية من سنن ابن ماجه .

الحمد لله رب العالمين ، تقدم معنا في المجلس السابق الكلام عن حديث جرير البجلي رضي الله عنه في إثبات رؤية الله تعالى ، وبيان ما تنكره الجهمية منه ، ومن عجائب الأمور عندما ترى من يذم الجهمية وهو يقول بقولهم من وجهٍ آخر ، ويتفق معهم في حقيقة القول ، ومن ذلك رؤية الله تعالى ! ، وكذلك ( أشباه الجهمية ) من أدعياء إتباع الأشعري ، فمنهم من قال هي رؤية القلب ! حيث أن الله لا يُرى بالعين ، فإثبات الرؤية بالعين يلزم ( الجهة !! ) ، ومنهم من قال الرؤية رؤية عين ، ولكن يرون الثواب ولا يرون وجه الله تعالى ! ، ومنهم من رأى كثرة عبارات السلف في الرؤية ، وتكفير من أنكرها ، فأثبتوا الرؤية بالعيان ومنهم من تحايل بمنفيات ترده إلى أصل قول جهم ، ومنهم من أثبت الرؤية ، وناقضوا أنفسهم و أنكروا صفة الوجه فأي تناقض هذا التناقض ، وعن ماذا يكشف الله حجابه ، وماذا يرى أهل الجنة ؟! : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء: من الآية82) .

ولعلكم ترون حقيقة انحراف الجهمية المعاصرة !! ، وأنهم أكذب من الرافضة يظهرون ما لا يبطنون ، ولكن الله تكفل بكشف سريرة كل منافق بفلتات لسانه ، ولحن قوله ، قال تعالى : ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:30) ، فظهر فساد أقوالهم في مواطن عدة من مؤلفاتهم ، وأصولهم الاعتقادية ، ومجالس المناظرة ، كما حصل للحافظ ابن قدامة في مناظرته لخصومه ، وهم أدعياء اتباع الأشعري !! .

ونعود أيها الأخوة الكرام للكلام عن الحديث الثاني :

قال الحافظ الأثري أبو محمد ابن ماجه :

حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير ثنا يحي بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( تَضامُّون في رؤية القمر ليلة البدر ، قالوا : لا ، قال : فكذلك لا تضَامّون في رؤية ربكم يوم القيامة ) .

قال أبو ريان الطائفي كان الله في عونه ونصرته :

هذا حديث عظيم ، راويه هو إمام أهل الرواية والإسناد ، أبو هريرة الدوسي : عبدالرحمن بن صخر ، الذي حبه وحب أمه علامة الإيمان ، وبالضد : بغضه علامة النفاق والزندقة ، أكثر الصحابة رواية للحديث عن النبي ، ومن أكثرهم ملازمة له ، وكان يقول : إن إخواني المهاجرين أهل صفق بالأسواق ، والأنصار أهل زرع ، ونساء النبي تشغلهن المرآة والمكحلة عن مزيد تحمل الحديث ، وكنت أصحب النبي على شبع بطني ، فيسمع عنه الكثير ، ودعا له النبي بقوة الحفظ لما يسمعه من النبي ، وله مع النبي أخبار وأحداث فيها من دلائل النبوة الشي الكبير ، كحديث : قدح اللبن وأهل الصفة ، وحديث : المزودة والتمرات ، وحديث هداية أمه ودوس ، وغير ذلك ، وقد دأب أعداء الإسلام من المستشرقين والرافضة على الطعن في هذا الصحابي الجليل لما له من مرويات ضخمة ، فإذا أسقطوه ، وشككوا فيه ، تسنى لهم الطعن في الدين ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، فلعنة الله على الرافضة ، ومن دان بدينهم ، شر الخلق والخليقة .

قال القحطاني رحمه الله :

إن الروافض شر من وطئ الحصى **** من كل إنسٍ ناطق أو جان

فائدة : رقى الأعمش امرأة بها صرع ، فتكلم على لسانها الجان ، فسألة الأعمش ، بأن الله تعالى ذكر أنكم كنتم طرائق قددا ، فهل فيكم هذه المذاهب التي فينا اليوم ؟ ، فقال الجان : نعم ، فينا الجهمي ، والمرجئ ، قال ومن أخبثكم ؟! ، قال : الرافضة .

ومن هذه القصة ونحوها أخذ القحطاني – رحمه الله – قوله : ( من كل إنسٍ ناطقٍ أو جانِ ) .

فائدة أخرى استطرادية : بعد ذكر هذا الجان السلفي ، نذكر جنية سلفية !! ، فقد ذكر ابن أبي يعلى أن أحمد بن نصر الخزاعي قرأ على رجلٍ به مس ، فتكلمت الجنية وقال : يا أبا عبدالله دعني وإياه فإنه يقول القرآن مخلوق .

وفي الحديث من الفوائد : أن ظاهر الحديث عموم يوم القيامة ، وإلا فهذه الرؤية تكون في الجنة ، نعيماً لأهلها ، وهل يرى الله قبل ذلك ؟! .

أما في الدنيا فلا ، لقصة موسى عليه السلام ، وقوله : ( إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) .

أما قبل ذلك ، فجاءت أحاديث في " الصحيح " تثبت ذلك لأهل الجنة في عرصات يوم القيامة ، وفيها إثبات صورة الله تعالى .

وسيأتي الكلام عن الحديث الثالث قريباً .

وأستمهل الإخوان مدة قصيرة للعودة بإذن الله بما ينفع بعد الفراغ من بعض المشاغل .

أبو ريان الطائفي

كان الله في عونه ونصرته

فيصل...
07-24-2005, 03:28 PM
المجلس الثالث من النظرات في باب الرد على الجهمية من سنن ابن ماجه .

قال أبو محمد ابن ماجه – رحمه الله – تحت باب : فيما أنكرت الجهمية :

حدثنا محمد بن العلاء الهمداني حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي صالح السمان عن أبي سعيد قال قلنا : يا رسول الله أنرى ربنا ؟ ، قال : ( تضامون في رؤية الشمس في الظهيرة في غير سحاب ؟ ، قلنا : لا ، قال فتضارون في رؤية القمر ليلة البدر في غير سحاب ؟ ، قالوا : لا ، قال : إنكم لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤيتهما ) .

وهذا حديث صحيح ، رواه مسلم في " صحيحه " من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه – وهو عند الإمام أحمد من حديث الأعمش به .

وراويه الصحابي الجليل أبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه أحد المكثرين لرواية الحديث عن النبي ، هو وأبوه صحابيان ، ومن اتفقت له الصحبة مع أبيه كثير ، استشهد أبوه في غزوة أحد ، ولم يشهدها أبو سعيد لصغر سنه ، من فقهاء الصحابة ، وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم ، قوياً في الحق ، محباً للحديث والتحديث .

روى ابن الجعد بإسناده إليه أنه قال : تحدثوا فإن الحديث يهيّج الحديث .

وروى الترمذي في " سننه " قال : حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن أبي هارون العبدي قال كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرضين يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا .

قال أبو عيسى قال علي بن عبد الله قال يحيى بن سعيد كان شعبة : يضعف أبا هارون العبدي قال يحيى بن سعيد ما زال ابن عون يروي عن أبي هارون العبدي حتى مات وأبو هارون اسمه عمارة بن جوين .

قلت : وتأمل سلسلة أطباء علل الحديث !! ، أبو عيسى إمام في العلل ، عن علي بن عبدالله المديني إمام في العلل ، عن يحي بن سعيد القطان إمام في العلل عن شعبة بن الحجاج العتكي إمام في العلل !! .

وفيه من الفوائد : إثبات رؤية الله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه ، خلافاً للجهمية ممن نفى رؤية الله تعالى أو تأولها برؤية الثواب ونحوه .

وفيه من الفوائد : سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن الله ، وعن صفات الله تعالى ، وبه يرد على من استنكر السؤال عن صفات الله تعالى ، وعن الله تعالى ، والمنكر هو السؤال عن ( كيفية ) صفاته عز وجل ، ولهذا غضب الإمام مالك على من سأله عن : كيفية الاستواء ، وقال مقالته الشهيرة :

الاستواء غير مجهول [ أي معلوم المعنى في لغة العرب ] .

والكيف غير معقول [ أي لا تعقله عقولنا فالله أعلى وأجل من أن يحقق كنه صفاته المخلوقون ] .

والإيمان به واجب [ لأنه مما جاء به القرآن والسنة الصحيحة ] .

والسؤال عنه بدعة [ أي عن الكيفية ] .

وفيه من الفوائد : طريقة النبي الفائقة في تقريب الجواب إلى الصحابة بشيٍ يشاهدونه ، وتقدم أن التشبيه هنا للرؤية لا للمرئي ، ولهذا قال : ( إنكم لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤيتهما ) .

أبو ريان الطائفي

كان الله في عونه ونصرته

فيصل...
07-24-2005, 03:32 PM
المجلس الرابع من مجالس النظرات في باب ما أنكرت الجهمية من سنن ابن ماجه

قال الإمام الحافظ أبو عبدالله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني – رحمه الله تعالى – في باب ما أنكرت الجهمية :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت : يا رسول الله أنرى الله يوم القيامة ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ ، قال : ( يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر مخليا به ؟ ، قال قلت : بلى ، قال : ( فالله أعظم وذلك آية في خلقه ) .
قلت :

هذا حديث صحيح الإسناد طائفي المخرج ، صحح إسناده الحافظ ابن القيم .

وصحح هذا الإسناد الطائفي - أعني : يعلى عن وكيع عن أبي رزين - : الإمام الترمذي في موطن وحسنه في موطنٍ آخر وأنكر عليه ابن القطان والصواب تصحيحه كما بيّن ذلك الإمام أبو عبدالله ابن القيم في تعليقه على " مختصر السنن "

والحديث :

رواه الإمام أحمد في " المسند " .

والإمام أبو داود في " سننه " في كتاب " السنة .

وابن أبي عاصم في " السنة " وصححه الشيخ الألباني .

ورواه الدارقطني في " الرؤية " وقد تكلف محققا الكتاب في تضعيفه !! .

ورواه غير من ذكرت .

وهذا الحديث مما أنكرته الجهمية ، وفيه إثبات رؤية الله عياناً في الجنة ، يراه أهل الجنة بأبصارهم رؤية حقيقية وهو فوقهم سبحانه وتعالى ، هكذا قال أهل الأثر ، ولم يلزموا أنفسهم بإلزامات الجهم بن صفوان وأضرابه بلوازم المخلوقين من أن يحويه مخلوق فالله عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) ، كما أن أهل السنة لم يصرفوا معناه عن ظاهره ، ويؤولونه برؤية الثواب ، وقد تقدم الكلام عن رؤية الله تعالى في الأحاديث السابقة .

وكما تقدم تمثيل النبي رؤية الله تعالى برؤية القمر من باب تشبيه جلاء الرؤية و وضوحها لا من باب تشبيه المرئي بالمرئي .

وقوله : ( أليس كلكم يرى القمر مخلياً به ) يوضح ما تقدم في إحدى روايات أحاديث الرؤية من قوله : ( لا تَضامّون ) من الضم والتزاحم ، فالله يتجلى لأهل الجنة بكل وضوح ويرون وجهه ، وما أعطوا نعيماً في الجنة أفضل من ذلك .

وراوي الحديث الصحابي الجليل : أبو رزين : لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل بن عامر العامري العقيلي وهو من أهل الطائف .

قال بعض أهل العلم أنه هو : لقيط بن صبره ، ذهب إلى ذلك الإمام أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم ، وحكى ابن حجر التفريق بين الاثنين عن الأكثر ، وصوبه في " الإصابة " .

وفي الإسناد : ( وكيع بن حُدُس ) ، ويقال بالعين بدل الحاء – المهملة – أبو مصعب العَقيلي – الطائفي روى له أهل السنن .

يرويه عن وكيع : يعلى بن عطاء العامري الطائفي من الرواة الثقاة من رجال مسلم وأهل السنن .

قلت : فهذا إسناد مخرجه صحيح طائفي !! :

فيعلى بن عطاء طائفي ثقة ، و وكيع بن حدس طائفي وثّق ، و عمّه الصحابي الجليل أبو رزين العقيلي طائفي ، والرسول مر بالطائف وأقام في ضواحيها غير مرة ، فأكرم به من إسناد .

أبو ريان الطائفي

كان الله في عونه ونصرته

فيصل...
07-24-2005, 03:37 PM
المجلس الخامس من مجالس : النظرات على باب أنكرت الجهمية من سنن أبي محمد ابن ماجه

قال رحمه الله تعالى :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال : قال رسول الله : ( ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره ) ، قال قلت يا رسول الله أو يضحك الرب ؟ ، قال : ( نعم ) ، قلت : ( لن نعدم من رب يضحك خيرا ) وهو عند الإمام أحمد .

قلت : وهذا إسناد صحيح طائفي ، تقدم الكلام عليه في الحديث السابق .

وفي الحديث فوائد :

الفائدة الأولى : إثبات صفة الضحك لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى ، وقد أثبت هذه الصفة الأئمة من هذا الحديث وأشباهه .

( 1 ) قال الإمام عبدالعزيز بن الماجشون نفتي المدينة وعالمها [ت : 164هـ ] في " رسالته " في جواب له عما أنكرت الجهمية : ( ... فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران فعمي عن البين بالخفي ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) فقال لا يرى يوم القيامة وقد قال المسلمون لنبيهم : ( هل نرى ربنا يا رسول الله فقال : ( هل تضارون في رؤية الشمس الحديث .. ) إلى أن قال : وقال رسول الله : ( لا تمتليء النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط ويزوى بعضها إلى بعض ) وقال لثابت بن قيس : ( لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة ) [ انظر التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية : 1/ ؟ ] و [ مختصر العلو : 144-145 ] .

( 2 ) قال أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني أحمد بن نصر قال سألت سفيان بن عيينة [ ت : 198هـ ] وأنا في منزله بعد العتمة ، فجعلت ألح عليه في المسألة ، فقال : دعني أتنفس ، فقلت :كيف حديث عبد الله عن النبي : ( أن الله يحمل السموات على إصبع والأرضين على إصبع ) ، وحديث : ( أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن ) ، وحديث : ( إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق ) ، فقال سفيان : هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف .

( 3 ) وروى ابن منده في " التوحيد " ابن عبدالبر في " التمهيد " [ 7/149-150 ] عن الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام [ ت : 224هـ ] أنه لما قيل له : هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية والكرسي وموضع القدمين ، وضحك ربنا من قنوط عباده ، وإن جنهم لتمتلئ وأشبها هذه الأحاديث ؟ ، فقال رحمه الله : ( هذه الأحاديث حق لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض ) .

( 4 ) و قال الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم [ ت : 287هـ ] في كتاب " السنة " له [ ص : 244 ] : باب ذكر من ضحك ربنا عز وجل .. ثم ذكر هذا الحديث الذي معنا وأحاديث أخر .

( 5 ) سئل أبو العباس ابن سريج فقيه العراق [ ت : 306هـ ] رحمه الله عن صفات الله تعالى فقال : ( حرام على العقول أن تمثل الله وعلى الأوهام أن تحده وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله وقد صح عن جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآي والأخبار الصادقة عن رسول الله يجب على المسلمين الإيمان بكل واحد منه كما ورد ، وأن السؤال عن معانيها [ أي كيفياتها : ز ] بدعة ، والجواب كفر وزندقة ، مثل قوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ، وقوله : ( الرحمن على العرش استوى ) ، ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) ونظائرها مما نطق به القرآن كـ : الفوقية والنفس واليدين والسمع والبصر وصعود الكلم الطيب إليه والضحك والتعجب والنزول - إلى أن قال - إعتقادنا فيه وفي الآي المتشابه في القرآن : أن نقبلها ولا نردها ولا نتأولها بتأويل المخالفين ولا نحملها على تشبيه المشبهين ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهر تنزيلها .. ) أسند ذلك الحافظ الذهبي في [ مختصر العلو : 226 ] .

( 6 ) وقال الإمام الحافظ ابن جرير الطبري [ ت :310هـ ] في كتاب " التبصير في معالم الدين " [ ص : 132-142 ] : ( القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالاً ... وذلك نحو إخباره عزوجل أنه : ( سميع بصير ) وأن له يدين بقوله : ( بل يداه مبسوطتان ) ، أن له يمينا لقوله : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ، وأن له وجها بقوله : ( كل شي هالك إلاّ وجهه ) وقوله : ( ويبقى وجه ربك ) ، وأن له قدما بقول النبي : ( حتى يضع الرب فيها قدمه ) ، وأنه يضحك بقوله : ( لقي الله وهو يضحك إليه ) ، وأنه يهبط كل ليلة وينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي إذ ذكر الدجال فقال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها غياية ، وكما يرون القمر ليلة البدر ، لقول النبي ، وأن له أصابع لقول النبي : ( ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ) ، فإن هذه المعاني الذي وصفته ونظائرها مما وصف الله به نفسه ورسوله ما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والرؤية لا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد إنتهائها ... – إلى أن قال – فإن قيل : فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت ، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل و وحيه وجاء ببعضها رسول الله ، قيل : الصواب من هذا القول عندنا : أن نثبت حقائقها على ما نَعرف من جهة الإثبات ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال : ( ليس كمثله شي وهو السميع البصير ) .... ) .

( 7 ) وقال شمس الأئمة ابن خزيمة [ ت : 311هـ ] في " كتاب التوحيد " [ ص : 230 ] : ( باب ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل بلا صفة تصف ضحكه جل ثناؤه لا ولا يشبه ضحكه بضحك المخلوقين ، وضحكهم كذلك ، بل نؤمن بأنه يضحك كما أعلم النبي ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا ، إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه ، لم يطلعنا على ذلك فنحن قائلون بما قال النبي مصدقون بذلك ، بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه ) .

قلت : وكلام ابن خزيمة ملئ بالبيان الشافي ، وفيه دفع التهمة الملعونة بأنه يرى التجسيم ، والله يحكم بينه وبين خصومه بالعدل : ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52) .

( 8 ) وقال أبو العباس محمد بن إسحاق النيسابوري السراج [ ت : 313هـ ] : ( من لم يقرّ بأن الله تعالى : يعجب ، ويضحك ، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : ( من يسألني فأعطيه ) فهو زنديق كافر ، يستتاب فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه ، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .. ) رواه الذهبي بإسناده في " العلو " انظر [ مختصر العلو : 232 ] .

( 9 ) وقال الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري [ ت : 360هـ ] في كتابه " الأربعين في دلائل التوحيد " [ ص : 76 ] : باب إثبات الضحك لله عز وجل ، وذكرا حديثاً في ذلك .

كما قال في كتاب " الشريعة " [ 2 / 52 ] : باب الإيمان بأن الله عز وجل يضحك – ثم قال – اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل ، وبما وصفه به رسوله ، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا مذهب العلماء ومن اتبع ولم يبتدع ، ولا يقال فيه : كيف ، بل التسليم له ، والإيمان به : أن الله عز وجل يضحك ، كذا روي عن النبي وعن صحابته ، ولا ينكر هذا إلاّ من لا يُحمد حاله عند أهل الحق ... ) ثم ذكر هذا الحديث في جملة أحاديث أخرى ثم قال بعد ذلك : ( هذه السنن كلها نؤمن بها ، ولا نقول فيها : كيف ، والذين نقلوا هذه السنن : هم الذين نقلوا إلينا السنن في الطهارة ، وفي الصلاة ، وفي الزكاة ، وفي الصيام ، والحج ، والجهاد ، وسائر الأحكام من الحلال والحرام ، قبلها العلماء منهم أحسن القبول ، ولا يرد هذه السنن إلاّ من يذهب مذهب المعتزلة فمت عارض فيها أو ردها أو قال : كيف ، فاتهموه واحذروه ! ) .

قلت : رحمه الله تعالى فما أتم كلامه وأكمله ، ويرد بها على من أنكر هذه الصفة ، وعلى من رد أحاديثها بدعوى أنها أخبار آحاد ، فأخبر أن نقلة هذه الأخبار هم نقلة أخبار سائر الأحكام فالطعن فعدم قبول البعض يلزم منه عدم قبول البعض الآخر ، فماذا يبقى من الدين بعد ذلك ؟! .

( 10 ) وذكر الإمام محمد بن إسحاق ابن منده [ت : 395هـ ] في كتابه " التوحيد " [ 3/197 ] : باب ذكر ما يدل على أن الله عز وجل يضحك مما يحب ويرضاه ويعرض عما يكره ويسخطه .. ) ثم قال : ( بيان أن الله يضحك إلى المجاهد في سبيل الله .. ) وساق الحديث ، ثم قال : ( بيان آخر على أن الله عز وجل يضحك ويعجب من إكرام الضيف .. ) وساق أحاديث أخرى .

( 11 ) وقال أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني [ ت : 438هـ ] في رسالته " عن الفوقية " [ 1/174 – المجموعة المنيرية ] : ( فإن قالوا لنا: في الاستواء شبهتم، نَقُول لهم: في السمع شبَّهتم ووصفتُم ربَّكُم بالعَرَضِ، فإن قالوا: لا عَرَضَ بل كما يليقُ به، قُلنا: في الاستواء والفوْقية لا حَصْر بل كما يليقُ به فجميع ما يلزمُونا به في الاستواء، والنِّزُول، واليد، والوجهِ، والقَدَم، والضَّحكِ ، والتَّعجبِ من التَّشبيه نُلزِمُهم به في الحياةِ، والسمعِ، فكما لا يجْعَلونها هم أعراضاً كذلك نحن لا نجعلها جوارح، ولا ما يُوَصَفُ به المخلوق، وليس من الإنصاف أن يفهموا الاستواء، والنزول، والوجه، واليد صفـات المخلوقين فيحتاجوا إلى التَّأويل والتَّحْريف.

فإن فَهِموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراضِ، فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية، وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع وينفون عنه عوارض الجسم فيها، فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء، ومن أنصف عرف ما قلنا اعتقده وقبل نصيحتنا ودان الله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك،ونفى عن جميعها التشبيه، والتعطيل، والتأويل، والوقوف، وهذا مراد الله تعالى منا في ذلك لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد، وهو الكتاب والسنة، فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل، وحرفنا هذه وأوّلناها كُنَّا كمنْ آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى. )


( 12 ) وقال قوام السنة الأصبهاني [ ت : 535هـ ] في كتابه " الحجة في بيان المحجة " [ 1/429 ] : فصل في الرد على من أنكر من صفات الله عز وجل الضحك والعجب والفرح ... ثم ذكر أحاديث في هذا الباب ، ومنها حديث الترمذي هذا .

وقال في [ 2/457-458 ] : ( وأنكر قوم في الصفات : الضحك ! ، وقد صح عن النبي أنه قال : ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنة ... ) وإذا صح الحديث لم يحل لمسلم ردّه وخيف على من يرده الكفر !! ، وقال بعض العلماء : ( من أنكر الضحك فقد جهل جهلاً شديداً ) ، ومن نسب الحديث إلى الضعف وقال : لو كان قوياً لوجب رده ، وهذا عظيم القول أن يرد قول رسول الله ، والحق أن الحديث إذا صح عن النبي وجب الإيمان به ، ولا توصف صفته بكيفيته ، ولكن نسلم إثباتاً له وتصديقاً به .

هذا كلام الأئمة في ( بعض ) ما نقل عنهم من عصر الرواية والإسناد ، والقرون المفضّلة في صفة الضحك خاصة ، وما تركته الكثير ، وعامة من صّنف في كتب العقائد يذكر صفة الضحك من صفات الله تعالى كـ ( أبي الحسن الأشعري ) و ( ابن قدامة ) وغيرهم .

( 13 ) قال الحافظ ابن كثير في رسالته في " العقائد " : ( فإذا نطق الكتاب العزيز و وردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك : وجب اعتقاد حقيقته ، من غير تشبيه بشي من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين ، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله من غير إضافة ولا زيادة عليه ، ولا تكييف له ، ولا تشبيه ، ولا تحريف ، ولا تبديل ، ولا تغيير ، وإزالة لفظه عما تعرفه العرب وتصرفه عليه ، والإمساك عما سوى ذلك ) [ من كتاب " علاقة الإثبات والتفويض " لمعطي رضا نعسان : ص : 51 ] .

الفائدة الثانية : قوله : ( وقرب غِيَره ) بكسر الغين المعجمة وفتح الياء المثناة التحتية ، أي قرب تغّير الحال بنزول المطر ، وهذا هو اللفظ المعروف في الحديث ، وبعضهم يقول : ( خيره ) ولو صحت فالمعنى بها ظاهر .

الفائدة الثالثة : قوله : ( يا رسول الله أو يضحك الرب ؟ ) فيه جواز السؤال عن الصفات ، ولا يجوز السؤال عن الكيفيات كما قال الإمام مالك رحمه الله في الاستواء : والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، وأما السؤال عن صفات الله تعالى الخبرية والفعلية فجائز بل من أوجب الواجبات لتحقيق معرفة الله تعالى ، حيث أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف ، وكلما تجلت الصفات للعبد المؤمن زاد اتصاله بربه عز وجل ، وهذا الحديث شاهد على ذلك ، فعندما علم السائل بأن ربه عز وجل يضحك ، عظم رجاؤه بالله وقال : ( لن نعدم من رب يضحك خيرا ) ، وهذه ثمرة عظيمة يجنيها من علم أن ربه يضحك ، وكذلك في سائر الصفات ، بل ما من صفة من صفات الله تعالى وإلاّ وفي معرفتها الأثر البالغ النافع في قلب العبد المؤمن .

تم الكلام بإيجاز عن هذا الحديث ، ويليه المجلس السادس بإذن الله تعالى .


أبو ريان الطائفي

كان الله في عونه ونصرته

فيصل...
07-24-2005, 03:40 PM
جزى الله خيراً أبا ريان وسدد قلمه :


http://alsaha2.fares.net/sahat?128@28.nHfGst6Bwk4.2@.1dd7a994

حازم
07-24-2005, 05:39 PM
جزاك الله خيرا يا اخ فيصل على هذا النقل .سؤال يا اخى هل انت فيصل المشارك فى انا المسلم ؟

فيصل...
07-24-2005, 11:19 PM
وإياك أخي الكريم.

بالنسبة لسؤالك فنعم

الجندى
07-25-2005, 07:44 AM
يا أهلاً بالأخ الفاضل فيصل ، سعدت بتسجيلك ومشاركتك ، هذا القسم ينتظر منك الكثير اخى

فيصل...
07-30-2005, 04:09 PM
اهلاً بك أخي الكريم.

أنا والله يا اخي أقل وأحقر من ان ينتظر مني شيء فالله المستعان.