الأسمر
07-24-2005, 06:13 PM
تفسير القرآن الكريم في لعصر الحديث
تصل إلي في هذه الآونة الأخيرة أسئلة كثيرة من طلاب العلم و المشتغلين بالدراسات الدينية عن فهم القرآن في عصرنا هذا من وجهة النظر إلى العلوم الطبيعية و المخترعات الحديثة و من أمثلتها سؤال الطالب الأديب عمر عبد العزيز السباجي يقول فيه : إن المتكلمين عن تفسير القرآن الكريم انقسموا إلى طائفتين : (( إحداهما تحبذ تفسير القرآن الكريم تفسيراً علمياً و الأخرى تدعو إلى فهم القرآن الكريم كما كان يفهمه العرب الأميون الذين خاطبهم القرآن الكريم . فما رأي سيادتكم في التفسير العلمي الذي يذهبون إليه ؟ و ما هي الأدلة التي تعززون بها هذا الرأي؟ )) .
و من أمثلة هذه الأسئلة سؤال الطالب الأديب يس مهدي جودة يذكر فيه هذه الآية الشريفة : (( فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا , بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين )) .ثمم يقول : (( أليس من الممكن أن تعتبر هذه الآية الشريفة إشارة مبكرة من القرآن الكريم إلى القذيفة الذرية , دليلاً قاطعاً على سبق القرآن الكريم العلمي الذي أمكن إثباته في مواضع كثيرة ؟ )) .
و هذه و أمثالها أسئلة تأتي في أوانها و نغتبط بها لأنها تدل على بحث الشباب المتعلم في أمور عقيدته و ضميره و حرصه على الفهم المستقل أنفة من التقليد و التسليم و بغير دليل و نرى أن الأسئلة من هذا القبيل ليست بالجديدة في العالم الإسلامي لأنها أعيدت على أساليب مختلفة في عصور النهضات العلمية و أدوار الانتقال من حضارة إلى حضارة أو الاشتباك بين الثقافات المتعارضة في المشرف و المغرب و تجددها اليوم معقول منتظر بعد تجدد النظر إلى السماء و إلى أسرار المادة و حقيقة المخلوقات المادية على هذا النحو الذي لم يسبق له سابقة مثله فيما تقدم من أدوار التاريخ الإسلامي و قد شاركت في اليوم أبناء الديانات الأخرى من المسيحيين و الإسرائيليين و البراهمة و البوذيين فيندر أن تطلع على صحيفة من صحفهم تدرس المباحث اللاهوتية إلا رأيت فيها محاولات شتّى لإعادة تفسير العقائد الكونية عندهم على ضوء العلم العصري كما يقولون و أهم هذه المحاولات ما كان منها متصلاً بمسألة خلق الإنسان الأول و مسألة السماوات و سكانها و مسألة القيامة و الحساب .
و الأمر الذي لا محل للخلاف فيه أن الإنسان العصري مطالب بفهم كتبه المقدسة و فهم ما توجبه على ضميره من الفرائض و الشعائر و الواجبات و لكن هل معنى ذلك أن الكتب المقدسة لا تفهم إلا كما فهمها المخاطبون بها أول مرة , أو معناه أنها تفهم في كل عصر على حساب النظريات العلمية التي انتهى إليها أبناؤها ؟
لا هذا و لا ذاك – فيما نعتقد – و هو الفهم المطلوب من المكلف المخاطب بالكتاب .
فإن المسلم مأمور في القرآن الكريم بالتفكير و التأمل و التدبر و الاستقلال بذلك عن الآباء و الأجداد و أحبار الزمن القديم و أئمة الدين فيه .
و ليس الخطاب مقصوراً على العرب الأميين و لا هو بمقصور على أبناء القرن العشرين و لكنه عام لكل عصر و لكل مكان إذ ليس من المعقول أن يفكر الإنسان على نسق واحد في جميع العصور .
إننا مطالبون بأن نفهم القرآن الكريم في عصرنا كما كان يفهمه العرب الذين حضروا الدعوة المحمدية لو أنهم ولدوا معنا , و تعلموا ما تعلمنا , و عرفوا ما عرفناه و اعتبروا بما نعتبر به من حوادث الحاضر و حوادث التاريخ منذ الدعوة المحمدية إلى اليوم .
و لكن التفكير العصري في شيء و إقرار النظريات العلمية المتجددة شيء آخر .
فإننا نستفيد من أخبار الرحلات و من آراء المفكرين و من مذاهب العلماء النظريين و التجريبيين إدراكاً نافعاً في لنا ففي التأمل و النظر دون أن نؤمن بصحة كل خبر و صواب كل رأي و صدق كل نظرية , و لا يمكن موضوعها متعلقاً بهذا العلم أو ذاك .
و مثال ذلك إن الإنسان المعاصر لا يخطئ في استدارة الأرض بعد كشف الأمريكيتين فإنه لا يفسر كلمة البسط بالنسبة للأرض كما فسرها الذين وهموا أن الأرض لا تكون مبسوطة أمامنا و هي على شكل الكرة لأن الإنسان المعاصر يرى بعينه أن الأرض تبسط أمامه كما ينظر إليها و لا يمنع ذلك أن تكون على شكل الكرة في استدارتها لأننا هكذا نفهم فكرة البسط بالنظر و هكذا نعلم علم الواقع اليقين أن بسطها أمامنا و امتدادها للسائحين فيها لا ينقض الاستدارة التي لا تقبضها بمعنى من معاني القبض و هو نقيض البسط في اللغة و الإدراك المعقول .
فالكشف العلمي الحديث يفيد الباحث العصري في تصحيح معنى البسط و يذكره أن نقيض البسط هو القبض و ليس الاستدارة الكروية و لكنه لا يدعو إلى إنكار البسط بهذا المعنى الصحيح .
و على هذا المثال ينبغي أن نستفيد من النظريات العلمية دون أن نقحمها على القرآن الكريم أو نعتبر أن القرآن الكريم مطالب بموافقتها كلما تغيرت من زمن لآخر و من تفكير إلى آخر .
و لذا كان من الخطأ أن نقرر أن القرآن الكريم يؤيد النظرية السديمية في نشأة المنظومة الشمسية أو نشأت الكواكب عموماً من دخان المجرة المشهورة أو دخان المجرات الأخرى التي لا ترى بالعين و لا بالمناظير فقد تعاقبت النظريات منذ أيام العالم الطبيعي ((بوفون)) إلى اليوم عن نشأة المنظومة الشمسية و لم تزل ينقض بعضها بعضاً حتى الساعة .
هل نشأت المنظومة الشمسية من الاصطدام بمذنب عابر في الفضاء ؟ هل نشأت من التقاء شمسين متعارضتين ؟ هل نشأت من انفجار الشمس نفسها و تطاير أجزائها ثم عودتها إلى فلكها بفعل الجاذبية ؟ هل نشأت من تجمع السديم و جموده ؟
كل أولئك آراء يقول بها العلماء و لا يستقر منها رأي واحد إلى قرار و من شاء فليفهم النظرية السديمية هي النظرية الدخانية على وجه من الوجوه و لكن ليس له أن يجعل رأيه هذا عقيدة من العقائد القرآنية التي يكفر بالدين من يعارضه فيها ! و ليس له ان ينفيها بغير حجة قاطعة من القرآن الكريم .
و قد شاء بعض المفكرين أن يفسر السماوات السبع بالسيارات السبع في المنظومة الشمسية تطبيقاً لعلم الفلك في تفسير الكتاب و هو اجتهاد حسن على اعتباره فهماً لصاحبه لا يوجب على نفسه أن يعتقده و لا يوجب اعتقاده على سواه و لكنه يجور عن القصد إذا ألزم الناس به إلزاماً و عرضهم للشك بالباطل في الكتاب الإلهي إذا أقحم رأيه عليه لأن علم الفلك لم يلبث أن أثبت أن السيارات عشر غير النجميات و غير المئات من السيارات الصغار ووجودها بهذا العدد إلى اليوم حقيقة لا سبيل إلى الطعن فيها و قد توجد بعدد آخر بعد حين .
و الذين فسروا الأيام الستة بأيامنا هذه كما نعده في كل أسبوع قد أخطأوا الفهم ووجب أن يدركوا خطأهم قبل أن يتبين للعلم أن تاريخ الكواكب يمتد إلى ملايين السنين .
نعم . قد وجب أن يدركوا خطأهم هذا وأن يعلموا أن الأيام الستة غير أيا م الكرة الأرضية في دورتها حول نفسها ، وأن السنين أيضاً غير سنوات الكرة الأرضية في دورتها حول الشمس . لأن الشمس والأرض لم تكونا مخلوقتين في اليوم الأول من تلك الأيام فلا بد أن يكون للخلق حساب غير حساب الفلكيين للأيام والسنين .
والذين أنكروا مذهب التطور يحق لهم أن ينكروه من عند أنفسهم لأنهم لم يطمئنوا إلى براهينه ودعاواه ولكنهم لا يجوز لهم أن ينكروه استناداً إلى القرآن الكريم ، لأنهم لا يملكون أن يفسروا خلق السلالة الآدمية من الطين على نحو واحد يمنعون ما عداه ، وكل ما يجوز لهم أن يوجبوا الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سوى الطين وبث فيه روح الحياة فصنع منه السلالة التي نشأ منها آدم عليه السلام فأما أن يحتموا كيفية التسوية وكيفية النفخ وكيفية خلق السلالة والزمن التي خلقت فيه ، فهو ادعاء على القرآن الكريم لا يقبل منهم على وجه من وجوه النفي أو وجوه الإثبات ؛ ويجوز أن يكون مذهب التطور مذهباً ناقصا ً في تطبيقه على الحياة وعلى الكائنات العضوية وبخاصة في قول أتباعه بتحول الأنواع .. ولكن لا يجوز أن نقحم الآيات القرآنية في إنكار النشوء والتطور فإنه إنكار أخطر من إنكار القائلين بتكفير الفلكيين لأنهم ذهبوا إلى استدارة الأرض ودورانها حول الشمس في الفضاء .
وكل ما يجب على المسلم أن يؤمن به ، أن كتابه الإلهي يأمر بالبحث والتكفير ولا ينهاه عنه ولا يصده عن النظر والتأمل في مباحث الوجود وأسرار الطبيعة وخفايا المجهول كيفما كان ، ولكنه لا يأمره بالتماس التوفيق بين نصوصه وبين نظريات العلوم كلما ظهرت منها نظرية بعد نظرية يحسبها العلماء ثابتة مقررة وهي عرضة بعد قليل للنقص أو التعديل ، بل لا يأمره الكتاب بالتوفيق بين الكيفيات التي يفهمها العلم والكيفيات التي يقدرها العقل لفهم المسائل الكونية في بداءتها الأولى ونهايتها الأخيرة بين طوايا الغيب المجهول .. لأنه ينبغي أن يعلم-عقلاً وعلماً وإيماناً- بأن اليوم إذا نسب إلى الإله أو نسب إلى عمر الكون لن يفهم منه أنه يوم من أيام عمر الإنسان ، قبل أن يوجد ، وقبل أن توجد الأرض التي خلق عليها الإنسان .
فنحن مطالبون بأن نفهم القرآن الكريم ، ومطالبون بأن نفكر وأن نستفيد لأفكارنا من علوم العصر الذي نعيش فيه ، ولكننا لا نطالب في عصر من العصور بأن نعلق إيماننا بتفسير النظريات العلمية ، وهي لا تستقر عصراً واحداً على تفسير غير قابل للنقض أو التعديل والتحوير .
الأستاذ عباس محمود العقاد
كتاب / ما يقال عن الإسلام 213- 218
تصل إلي في هذه الآونة الأخيرة أسئلة كثيرة من طلاب العلم و المشتغلين بالدراسات الدينية عن فهم القرآن في عصرنا هذا من وجهة النظر إلى العلوم الطبيعية و المخترعات الحديثة و من أمثلتها سؤال الطالب الأديب عمر عبد العزيز السباجي يقول فيه : إن المتكلمين عن تفسير القرآن الكريم انقسموا إلى طائفتين : (( إحداهما تحبذ تفسير القرآن الكريم تفسيراً علمياً و الأخرى تدعو إلى فهم القرآن الكريم كما كان يفهمه العرب الأميون الذين خاطبهم القرآن الكريم . فما رأي سيادتكم في التفسير العلمي الذي يذهبون إليه ؟ و ما هي الأدلة التي تعززون بها هذا الرأي؟ )) .
و من أمثلة هذه الأسئلة سؤال الطالب الأديب يس مهدي جودة يذكر فيه هذه الآية الشريفة : (( فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا , بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين )) .ثمم يقول : (( أليس من الممكن أن تعتبر هذه الآية الشريفة إشارة مبكرة من القرآن الكريم إلى القذيفة الذرية , دليلاً قاطعاً على سبق القرآن الكريم العلمي الذي أمكن إثباته في مواضع كثيرة ؟ )) .
و هذه و أمثالها أسئلة تأتي في أوانها و نغتبط بها لأنها تدل على بحث الشباب المتعلم في أمور عقيدته و ضميره و حرصه على الفهم المستقل أنفة من التقليد و التسليم و بغير دليل و نرى أن الأسئلة من هذا القبيل ليست بالجديدة في العالم الإسلامي لأنها أعيدت على أساليب مختلفة في عصور النهضات العلمية و أدوار الانتقال من حضارة إلى حضارة أو الاشتباك بين الثقافات المتعارضة في المشرف و المغرب و تجددها اليوم معقول منتظر بعد تجدد النظر إلى السماء و إلى أسرار المادة و حقيقة المخلوقات المادية على هذا النحو الذي لم يسبق له سابقة مثله فيما تقدم من أدوار التاريخ الإسلامي و قد شاركت في اليوم أبناء الديانات الأخرى من المسيحيين و الإسرائيليين و البراهمة و البوذيين فيندر أن تطلع على صحيفة من صحفهم تدرس المباحث اللاهوتية إلا رأيت فيها محاولات شتّى لإعادة تفسير العقائد الكونية عندهم على ضوء العلم العصري كما يقولون و أهم هذه المحاولات ما كان منها متصلاً بمسألة خلق الإنسان الأول و مسألة السماوات و سكانها و مسألة القيامة و الحساب .
و الأمر الذي لا محل للخلاف فيه أن الإنسان العصري مطالب بفهم كتبه المقدسة و فهم ما توجبه على ضميره من الفرائض و الشعائر و الواجبات و لكن هل معنى ذلك أن الكتب المقدسة لا تفهم إلا كما فهمها المخاطبون بها أول مرة , أو معناه أنها تفهم في كل عصر على حساب النظريات العلمية التي انتهى إليها أبناؤها ؟
لا هذا و لا ذاك – فيما نعتقد – و هو الفهم المطلوب من المكلف المخاطب بالكتاب .
فإن المسلم مأمور في القرآن الكريم بالتفكير و التأمل و التدبر و الاستقلال بذلك عن الآباء و الأجداد و أحبار الزمن القديم و أئمة الدين فيه .
و ليس الخطاب مقصوراً على العرب الأميين و لا هو بمقصور على أبناء القرن العشرين و لكنه عام لكل عصر و لكل مكان إذ ليس من المعقول أن يفكر الإنسان على نسق واحد في جميع العصور .
إننا مطالبون بأن نفهم القرآن الكريم في عصرنا كما كان يفهمه العرب الذين حضروا الدعوة المحمدية لو أنهم ولدوا معنا , و تعلموا ما تعلمنا , و عرفوا ما عرفناه و اعتبروا بما نعتبر به من حوادث الحاضر و حوادث التاريخ منذ الدعوة المحمدية إلى اليوم .
و لكن التفكير العصري في شيء و إقرار النظريات العلمية المتجددة شيء آخر .
فإننا نستفيد من أخبار الرحلات و من آراء المفكرين و من مذاهب العلماء النظريين و التجريبيين إدراكاً نافعاً في لنا ففي التأمل و النظر دون أن نؤمن بصحة كل خبر و صواب كل رأي و صدق كل نظرية , و لا يمكن موضوعها متعلقاً بهذا العلم أو ذاك .
و مثال ذلك إن الإنسان المعاصر لا يخطئ في استدارة الأرض بعد كشف الأمريكيتين فإنه لا يفسر كلمة البسط بالنسبة للأرض كما فسرها الذين وهموا أن الأرض لا تكون مبسوطة أمامنا و هي على شكل الكرة لأن الإنسان المعاصر يرى بعينه أن الأرض تبسط أمامه كما ينظر إليها و لا يمنع ذلك أن تكون على شكل الكرة في استدارتها لأننا هكذا نفهم فكرة البسط بالنظر و هكذا نعلم علم الواقع اليقين أن بسطها أمامنا و امتدادها للسائحين فيها لا ينقض الاستدارة التي لا تقبضها بمعنى من معاني القبض و هو نقيض البسط في اللغة و الإدراك المعقول .
فالكشف العلمي الحديث يفيد الباحث العصري في تصحيح معنى البسط و يذكره أن نقيض البسط هو القبض و ليس الاستدارة الكروية و لكنه لا يدعو إلى إنكار البسط بهذا المعنى الصحيح .
و على هذا المثال ينبغي أن نستفيد من النظريات العلمية دون أن نقحمها على القرآن الكريم أو نعتبر أن القرآن الكريم مطالب بموافقتها كلما تغيرت من زمن لآخر و من تفكير إلى آخر .
و لذا كان من الخطأ أن نقرر أن القرآن الكريم يؤيد النظرية السديمية في نشأة المنظومة الشمسية أو نشأت الكواكب عموماً من دخان المجرة المشهورة أو دخان المجرات الأخرى التي لا ترى بالعين و لا بالمناظير فقد تعاقبت النظريات منذ أيام العالم الطبيعي ((بوفون)) إلى اليوم عن نشأة المنظومة الشمسية و لم تزل ينقض بعضها بعضاً حتى الساعة .
هل نشأت المنظومة الشمسية من الاصطدام بمذنب عابر في الفضاء ؟ هل نشأت من التقاء شمسين متعارضتين ؟ هل نشأت من انفجار الشمس نفسها و تطاير أجزائها ثم عودتها إلى فلكها بفعل الجاذبية ؟ هل نشأت من تجمع السديم و جموده ؟
كل أولئك آراء يقول بها العلماء و لا يستقر منها رأي واحد إلى قرار و من شاء فليفهم النظرية السديمية هي النظرية الدخانية على وجه من الوجوه و لكن ليس له أن يجعل رأيه هذا عقيدة من العقائد القرآنية التي يكفر بالدين من يعارضه فيها ! و ليس له ان ينفيها بغير حجة قاطعة من القرآن الكريم .
و قد شاء بعض المفكرين أن يفسر السماوات السبع بالسيارات السبع في المنظومة الشمسية تطبيقاً لعلم الفلك في تفسير الكتاب و هو اجتهاد حسن على اعتباره فهماً لصاحبه لا يوجب على نفسه أن يعتقده و لا يوجب اعتقاده على سواه و لكنه يجور عن القصد إذا ألزم الناس به إلزاماً و عرضهم للشك بالباطل في الكتاب الإلهي إذا أقحم رأيه عليه لأن علم الفلك لم يلبث أن أثبت أن السيارات عشر غير النجميات و غير المئات من السيارات الصغار ووجودها بهذا العدد إلى اليوم حقيقة لا سبيل إلى الطعن فيها و قد توجد بعدد آخر بعد حين .
و الذين فسروا الأيام الستة بأيامنا هذه كما نعده في كل أسبوع قد أخطأوا الفهم ووجب أن يدركوا خطأهم قبل أن يتبين للعلم أن تاريخ الكواكب يمتد إلى ملايين السنين .
نعم . قد وجب أن يدركوا خطأهم هذا وأن يعلموا أن الأيام الستة غير أيا م الكرة الأرضية في دورتها حول نفسها ، وأن السنين أيضاً غير سنوات الكرة الأرضية في دورتها حول الشمس . لأن الشمس والأرض لم تكونا مخلوقتين في اليوم الأول من تلك الأيام فلا بد أن يكون للخلق حساب غير حساب الفلكيين للأيام والسنين .
والذين أنكروا مذهب التطور يحق لهم أن ينكروه من عند أنفسهم لأنهم لم يطمئنوا إلى براهينه ودعاواه ولكنهم لا يجوز لهم أن ينكروه استناداً إلى القرآن الكريم ، لأنهم لا يملكون أن يفسروا خلق السلالة الآدمية من الطين على نحو واحد يمنعون ما عداه ، وكل ما يجوز لهم أن يوجبوا الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سوى الطين وبث فيه روح الحياة فصنع منه السلالة التي نشأ منها آدم عليه السلام فأما أن يحتموا كيفية التسوية وكيفية النفخ وكيفية خلق السلالة والزمن التي خلقت فيه ، فهو ادعاء على القرآن الكريم لا يقبل منهم على وجه من وجوه النفي أو وجوه الإثبات ؛ ويجوز أن يكون مذهب التطور مذهباً ناقصا ً في تطبيقه على الحياة وعلى الكائنات العضوية وبخاصة في قول أتباعه بتحول الأنواع .. ولكن لا يجوز أن نقحم الآيات القرآنية في إنكار النشوء والتطور فإنه إنكار أخطر من إنكار القائلين بتكفير الفلكيين لأنهم ذهبوا إلى استدارة الأرض ودورانها حول الشمس في الفضاء .
وكل ما يجب على المسلم أن يؤمن به ، أن كتابه الإلهي يأمر بالبحث والتكفير ولا ينهاه عنه ولا يصده عن النظر والتأمل في مباحث الوجود وأسرار الطبيعة وخفايا المجهول كيفما كان ، ولكنه لا يأمره بالتماس التوفيق بين نصوصه وبين نظريات العلوم كلما ظهرت منها نظرية بعد نظرية يحسبها العلماء ثابتة مقررة وهي عرضة بعد قليل للنقص أو التعديل ، بل لا يأمره الكتاب بالتوفيق بين الكيفيات التي يفهمها العلم والكيفيات التي يقدرها العقل لفهم المسائل الكونية في بداءتها الأولى ونهايتها الأخيرة بين طوايا الغيب المجهول .. لأنه ينبغي أن يعلم-عقلاً وعلماً وإيماناً- بأن اليوم إذا نسب إلى الإله أو نسب إلى عمر الكون لن يفهم منه أنه يوم من أيام عمر الإنسان ، قبل أن يوجد ، وقبل أن توجد الأرض التي خلق عليها الإنسان .
فنحن مطالبون بأن نفهم القرآن الكريم ، ومطالبون بأن نفكر وأن نستفيد لأفكارنا من علوم العصر الذي نعيش فيه ، ولكننا لا نطالب في عصر من العصور بأن نعلق إيماننا بتفسير النظريات العلمية ، وهي لا تستقر عصراً واحداً على تفسير غير قابل للنقض أو التعديل والتحوير .
الأستاذ عباس محمود العقاد
كتاب / ما يقال عن الإسلام 213- 218