المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم زعيما سياسيا أو مصلحا اجتماعيا فحسب؟؟؟



ومضة
07-25-2005, 11:20 AM
مقالة جديدة من الشبكة الإسلامية

http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?id=87576

++++++++


قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.


وقامت نظرية أخرى مغايرة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلاً يطمح إلى الملك والسيطرة على مقاليد الأمور ، فوضع لنفسه خطة تعتمد على تجميع الناس من حوله والتغرير بهم من منطلق هذا الدين الجديد ، وساعدته في ذلك الظروف الاجتماعية التي وُجد فيها ، حيث كان الناس في أمس الحاجة إلى نظام يلمّ شتات العرب ، ويجمعهم على كلمة واحدة ، بعد أن أنهكتهم الحروب ، وذاقوا مرارة الفقر والحرمان ، وهكذا التفّ العرب حوله وانضمّوا تحت لوائه ، وقبلوا دعوته التي أتى بها .


ومن المعلوم أن الدعوة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم تشمل ما ذكروه من جوانب السياسة والإصلاح ، لكن المشكلة تكمن في الاقتصار على هذه الجوانب ونزع الطابع النبويّ منها ، وإلباسها ثوباً ماديّا مجرداً .


ولتعرية هذه الآراء المنحرفة وبيان بطلانها ، سنقوم بعرض هذه الآراء على الواقع التاريخي وفق ما يقتضيه المنهج العلمي ، ثم لننظر هل سيسعفهم ذلك في الوصول إلى رؤيتهم المادية أم لا ؟ .

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً سياسياً ؟



أولا : إن اتصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحزم والثبات ، وعدم تقديم أية تنازلات لينفي قطعا مثل هذا الادعاء ؛ إذ إن من صفات السياسيين أن يدوروا في فلك مصالحهم الشخصية ، وما يقتضيه ذلك من الاتصاف بالمرونة في التنازل عن بعض الثوابت أو شيء من المباديء .


لكن الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على النقيض من ذلك ، ولذلك نجد موقفه واضحاً من الأعرابي الذي قدم إليه ليبايعه ، كما رواه الحاكم في مستدركه و البيهقي في سننه عن ابن الخصاصية رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام ، فاشترط علي : ( تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وتصلي الخمس وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة وتحج البيت ، وتجاهد في سبيل الله ) ، قال : قلت : يا رسول الله ، أما اثنتان فلا أطيقهما : أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم ، وأما الجهاد فيزعمون أنه من تولّى فقد باء بغضب من الله ؛ فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي ، قال : فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها ، ثم قال : ( لا صدقة ولا جهاد ؟ فبم تدخل الجنة ؟؟ ) قال : ثم قلت يا رسول الله ، أبايعك . فبايعني عليهن كلهن ".


كذلك يستوقفنا ما رواه الإمام أحمد و ابن حبان وغيرهما عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه ، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، يقول الصحابي الجليل : " وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى ) : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } ( الأعراف : 138 ) .


ويتضح من ذلك الموقف وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى بالحلول الوسطية ، أو الالتقاء في منتصف الطريق ، وذلك نابع من طبيعة الهدف الذي بُعث لأجله ، إنه رسول من الله تعالى إلى الناس جميعاً ، ومهمته هي تبليغ الإسلام إلى الناس ، فليس في يده أن يقبل مناهج مقترحة أو أفكاراً بديلة عن الشرع الإلهي ، وذلك أمر في غاية الوضوح .


ثانيا : إن ميول الإنسان ومعالم شخصيته تتضح في وقت مبكر من حياته ، وهذه الميول تتنامى لتكوّن القالب الذي يميّز الفرد عن غيره ، ولنضرب مثلا بشخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، ف معاوية نشأ في بيت زعامة سياسية ، وأبوه هو أبو سفيان الذي هو زعيم قريش ، وقد ظهرت فيه سمات النفس القيادية ، لذلك قالت أمه عنه في صغره: " ثكلته إن لم يسد إلا قومه ".


بينما عاش النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً خفيض الجناح ، راعياً للغنم – لا الإبل –، وانظر وتأمل هذا النبي الكريم لما رأى رجلاً مقبلاً يرتعد رهبة منه ، فقال له: ( هوّن عليك ؛ فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) .


وثمة أمر آخر ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه ما كان داعياً لنفسه ، ولا اشتُهر عنه الشعر – والذي هو أهم وسيلة إعلامية دعائية في ذلك العصر - ، ولو كان مريداً ابتداءً للحكم ، لهيأ أرضيةً لدعوته بالشعر ، ولدعا الناس إلى نفسه .


ثالثا : من المعلوم أن مكة ومن حولها كانت وثنية من جهة ، متغلغلة في أوحال الفقر من جهة أخرى ، ومرجع الفقر الذي ألمّ بها إلى السياسة التي انتهجها اليهود مع العرب في إغراقهم بالربا ، إلى حدٍّ أذلوا بها أعناقهم .


ومن البداهة والحال هذه أن يتّخذ النبي صلى الله عليه وسلم أقصر الطرق للوصول إلى الحكم ، بأن يعلنها حرباً على اليهود مستغلاً روح الكراهية التي تنامت في نفوس المكيّين كردّة فعلٍ تجاه هذا الظلم والاستبداد ، مع ضرورة السكوت عمّا يثير قومه عليه من ذم الأوثان والأصنام أو النيل من مكانتها .


لكن العجيب في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أصعب الطرق وأكثرها وعورة في حياته ، لقد كانت مبدأ دعوته هي نبذ الأصنام وتسفيهها ، الأمر الذي أدّى إلى كراهية قومه – الذين هم أولى الناس بنصرته – لهذه الدعوة الجديدة ، فكان التعذيب له ولأصحابه وتشريدهم عن ديارهم ، وكل ذلك يدلّنا أن مقصده لم يكن له علاقة بالتملك والسيطرة ، إنما هو في إخراج الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد .


رابعا : إن الملوك المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ممن هم ساسة للأمم كانوا مدركين لطابع النبوة في شخصيّته ، ويتضح هذا من خلال مواقفهم التي اتخذوها تجاه هذه الدعوة الجديدة ، واعترافاتهم التي سجّلوها في هذا الصدد ، وأقرب مثالين على ذلك ، موقف كل من النجاشي وهرقل ، أما النجاشي ملك الحبشة ، فنحن نعلم ما وصل إليه من حسن سياسة لشعبه وما أداه ذلك من تهافت الناس لسكنى أرضه ، ونعلم أيضاً اتصاله بالديانة المسيحية من خلال الأساقفة الذين كانوا بأرضه ، وعلى الرغم من ذلك ، فلم يفهم من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الرغبة في الزعامة السياسية ، بل تجاوز ذلك إلى الإيمان بدعوة هذا النبي ، أتراه يذعن لرجل يطمح إلى الزعامة المجردة ، في وقت لم يكن ذلك الرجل يملك من أمر نفسه ولا من أمر أصحابه شيئا ؟


إن زعيم الحبشة ، قد استمع إلى كلام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة الدين الذي جاء به ، فرأى أنوار النبوة تنبثق من سيرته العطرة ، وعلم أنه من ذات المشكاة التي أتى منها موسى عليه السلام ، فقال : " إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة " .


كذلك الشأن في هرقل عظيم الروم ، والذي استطلع شأن هذه الدعوة الجديدة في وقت مبكر ، من خلال محاورة هامة دارت بينه وبين أبي سفيان زعيم قريش ، فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح أن هرقل قال ل أبي سفيان : " إنى سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال هذا القول أحد منكم قط قبله ؟ ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت : رجل يأتم بقول قيل قبله ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فزعمت أن لا ، فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ ، فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ ، فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك هل يرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب ، لا يسخطه أحد ، وسألتك هل يغدر ؟ ، فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل ، وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم ؟ ، فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه يكون دولا يدال عليكم المرة ، وتدالون عليه الأخرى ، وكذلك الرسل تبتلى ويكون لها العاقبة ، وسألتك بماذا يأمركم ؟ ، فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله عز وجل وحده لا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصدق والصلاة والعفاف ، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة ، وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه منكم " .


خامسا : لو كان الملك غايته ، لكان في عرض قريش له أن يجعلوه ملكا طريقاً مختصراً لهذه الغاية ، لكنه أبى ذلك ، وتمسك بمبدأ نبوته ، مما ينفي صحة هذا الادعاء .


سادسا : أنه يوجد في التاريخ نموذج لرجل ادعى النبوة ليجعلها سبباً في التملك والزعامة ، هذا الرجل هو مسيلمة بن ثمامة المعروف بمسيلمة الكذاب ، ونريد بتسليط الضوء على حياة هذا الرجل أن نبيّن أن استغلال النبوة للوصول إلى السلطة أمر لا يمكن أن يخفى على عقلاء الناس ، ولا أن يلتبس شأنه على عامتهم ، وهو ما سوف نوضحه في الفقرة التالية .


إننا عندما نقرأ سيرة هذا الرجل ، فإننا نجد أن أصل حركته وادعائه للنبوة إنما كان مبنيا على حب السلطة والتملك ، ونلمس هذا مبكراً عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدّعي النبوة ، فقد روى الإمام البخاري و مسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : قدم " مسيلمة الكذاب " على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته " ، وبعد أن ادّعى النبوة كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم – كما في مسند أبي عوانة - : " من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد ، فإني أُشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً يعتدون " ، ولما كان مسيلمة طامعاً في الحكم ، استغلّ الروح العصبية في قومه فقام بإذكائها حتى يُكثر من أتباعه ، فلننظر إليه عندما خطب الناس قائلا : " أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحق بالنبوة والإمامة منكم ؟ والله ما هم بأكثر منكم ولا أنجد ، وإن بلادكم لأوسع من بلادهم ، وأموالكم أكثر من أموالهم " ، وكان كذبه من الجلاء بحيث أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال له قبل إسلامه : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب ، وقال أحد أتباع مسيلمة – وهو طلحة النمري – له : أشهد أنك كاذب وأن محمداً صادق ، ولكن كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر ".


فها نحن نرى مسيلمة قد اتضح قصده من خلال مواقفه وكلامه ، فأين هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شهد له معاصروه بنبوته ورسالته ؟ ، إن ذلك مما لا يخفى على كل منصف عاقل .


سابعا : تطالعنا كتب السير بحادثة فريدة تكشف بطلان ما زعمه المستشرقون حول طبيعة الدعوة الإسلامية ، وذلك حينما انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ، فقال الناس : انكسفت لموت إبراهيم ، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ) متفق عليه .


يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله معلقاً على هذه الحادثة : " لو كان مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة الحزينة أي داعٍ من الدعاة ، أو زعيم من الزعماء ، أو قائد دعوة أو حركة أو جماعة ، لسكت على هذا الكلام – إذا لم يوفّق إلى نفيه – ظناً منه أن ذلك الكلام إنما هو في صالح دعوته وحركته ، وظنّ أنه لم يسترع الانتباه إلى هذه الناحية ، بل إن الناس بأنفسهم فكّروا في ذلك ، وقالوا : إن الشمس انكسفت لوفاة ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذاً فهو ليس بمكلف بنفي هذا التفكير .


وذلك هو الفرق بعينه بين النبي وغيره ، فإن الأحداث التي يستغلها أصحاب التفكير السياسي – وإن كانت حوادث طبيعية – يرى الأنبياء الكرام عليهم السلام أن استغلالهَا على حساب الدين حراماً ، وأمراً يرادف الكفر ، ولا أدري أن أحداً سوى محمد صلى الله عليه وسلم قد صدق في هذا الامتحان من غير مؤسسي الجماعات وزعماء السياسة " انتهى كلامه بتصرّف .


فانظر أيها القاريء الكريم كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عدم ربط الناس بشخصه أو تطويع هذه الحادثة لمصلحته ، بل انظر كيف قام بترسيخ البعد العقائدي في مثل هذه الحوادث الكونية ، مما ينفي قطعاً كونه مجرد زعيم سياسي .


ثامنا : كل الشعوب ترى من حق قائدها أن يتملّك الأراضي ويتمتّع بالمال ويتقلّب في النعيم ، فكان من الطبيعي أن يشتهر عن النبي صلى الله عليه وسلم الثراء وأن يظهر ذلك في بيته وملبسه ومسكنه ، لكننا نفاجأ ببساطة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومدى زهده ، حتى أثّر ذلك في أصحابه رضوان الله عليهم ، وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثر الحصير في جنب النبي صلى الله عليه وسلم فبكى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يبكيك ؟ ) ، فقال : "يا رسول الله ، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه ، وأنت رسول الله " ، فقال له : ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ ) رواه البخاري ، فلماذا نراه يفضّل شظف العيش وقسوة الحياة على رغدها لو لم يكن متطلّعاً إلى ما عند الله من ثوابه ونعيمه ؟ .


تاسعا : جاءت وفود الأنصار عند العقبة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وعلى الدفاع عنه حتى الموت ، فما المقابل الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب هذه البيعة ؟ إنه لم يكن مالاً يبذله لهم ، أو وعوداً على مناصب قياديّة ، أو أمانيّ في رقاع من الأرض ، لكنه سما بهم عن كل حطام الدنيا وبشّرهم بالجنة ، والملفت للنظر أنهم لم يطالبوا بشيء من هذه الأموال ، ولكن تدافعوا للبيعة وهم يعلمون أنهم قد يدفعون أرواحهم ثمناً لهذه البيعة ، ولو كان هؤلاء القوم لم يلمسوا فيه صدق دعوته لما واقفوا على مثل تلك البيعة ، فأيّ شيء يغريهم على الموت في مقابل غير معلوم ؟ لا شك أن هذا يعد دليلاً على صدقه .


هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً اجتماعيا ؟

لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمّم مكارم الأخلاق ، ويضيف إلى الإنسانية الكثير من المعاني السامية ، والمثل العليا ، وإن البعد الأخلاقي في مبادئه واضح بلا مراء ، لكن أن يحلو للبعض أن يفسّر دعوته بانتحال النبوة ، والاحتيال باسم الدين ، كي يسهم في انتشال قومه من الانحلال الخلقي ، ومحاربة الهيمنة القبلية ، فهذا ما لا يقوله عاقل منصف ، عرف التاريخ ، أو اطلع على جزء من حياة النبي صلى الله عليه وسلم .


والنقاط التالية تبيّن تهافت تلك الفرية ، وأنها لا تعدوا أن تكون أفكاراً نابعة من نفوس مغرضة :

أولاً : إن جوانب الحياة الاجتماعية تشمل عدة أبعاد : البعد المنظّم لعلاقة الإنسان بنفسه ، والبعد المنظم لعلاقته بمن سواه ، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم مجرّد مصلحٍ اجتماعي لكان تركيزه الأعظم على هذين البعدين ، بينما نرى في الواقع أن العماد الحقيقي الذي قامت عليه دعوته هو بُعد أعمق من القضيتين السابقتين ، إنه البُعد العقدي ، والمتمثل في علاقة الإنسان بخالقه ومولاه .


لقد تركّزت الدعوة الإسلامية في أكثر مظاهرها بالعبادة وتوحيد الله جلّ وعلا ، وهذا البعد ليس له علاقة مباشرة بالإصلاح الاجتماعي ، فما بال النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بعبادة الله وحده ؟ وما علاقة الأخلاق بتحمّل أعباء تكاليف تُشغل بمجملها حياة الإنسان اليومية ؟ .


وهنا قد يقول المستشرقون : إن لهذه التكاليف أثراً في ترويض الروح على الفضيلة ، لكن هذا لا يتماشى مع النهي عن عبادة الأصنام ، ولا مع وجوب البراءة من الكفر والكافرين ، مما يجعلنا نقطع بتهافت مثل هذا الرأي .


ثانياً : إن هذا التفسير النظري ليقف عاجزاً عن تفسير بكاء الصحابة العائدين من الغزوات إذ لم تُكتب لهم الشهادة ، ويقف عاجزاً كذلك عن تفسير حرصهم على قتال ذويهم وبني جلدتهم ، حتى ترى الوالد يقتل ولده ، والأخ يقتل أخاه ، كل ذلك في سبيل هذه الدعوة الجديدة ، كما أن هذه النظرية لتعجز عن تفسير رضا المهاجرين أن يتركوا ديارهم وأموالهم ، ويختاروا مفارقة الأوطان ، إلى مصير غير معلوم ، لو لم يعلموا يقيناً بنبوته صلى الله عليه وسلم .


ثالثاً : إن المتطلّع إلى محتويات الدين الإسلامي يجد فيه العديد من التشريعات المختلفة والأنظمة المحكمة الدقيقة ، خصوصاً ما يتعلّق بجوانب القضاء والإفتاء والحدود ، والشأن في المناهج الأرضية القويّة أن تجتمع عقول كثيرة لكي تخرج بنظام متكامل كهذا النموذج ، لا أن يكون منبع هذا الدستور من رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، منشغلٍ بعبادته والاجتماع بصحابته ، ومثل هذا التصوّر يقتضي أن تكون هذه الشريعة من مصدر سماوي ، لا اجتهادات بشريةٍ عرضة للخطأ والصواب .


ونقول أخيراً : إن الإصلاح الاجتماعي هو قاسم مشترك بين الديانات السماوية والدعوات الأرضية ، كذلك فيما يتعلق بالدعوات السياسية ، فالكل يسعى إلى تحقيق الاستقرار وتنظيم الحياة ، ولكنا حينما نتكلم عن دين أتى من عند الخالق الحكيم فمن البداهة أن يكون أوسع نطاقا وأكمل نظاماً وأشمل منهجاً ، فليس هو بالمقتصر على جانب من جوانب الحياة أو نظام من نظمها .


وإذا كان الأمر كذلك ، فمن السذاجة أن يوصف الدور الذي قام به خاتم الأنبياء والمرسلين بأنه مجرد عمليات إصلاحية في المجتمع العربي ، أو محاولات لتصدّر الزعامة والسيطرة على مقاليد الحكم في جزيرة العرب ، فلا مناص من الاعتراف بالحق الواضح ، وهو ما عبّر عنه المستشرق " تريتون " بقوله : " إذا صحّ في العقول أن التفسير المادّي يمكن أن يكون صالحاً في تعليل بعض الظواهر التاريخية الكبرى ، وبيان أسباب قيام الدول وسقوطها ، فإن هذا التفسير المادي يفشل فشلاً ذريعاً حين يرغب في أن يعلّل وحدة العرب وغلبتهم على غيرهم ، وقيام حضارتهم ، واتساع رقعتهم وثبات أقدامهم ، فلم يبق أمام المؤرخين إلا أن ينظروا في العلّة الصحيحة لهذه الظاهرة الفريدة ، فيرى أنها تقع في هذا الشيء الجديد : ألا وهو الإسلام " .


تلك هي شهادة شاهد من أهلها ، فأي حجة بعد ذلك تنفع ، إذا كان ما سبق لا يُقنع !!

موراني
07-25-2005, 01:43 PM
جاء في هذه المشاركة (منقولا) :

قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية .......الخ ............

هل يمكنكم أن تذكروا أسماء هؤلاء المستشرقين ودراساتهم بالنظريات المنحرفة في هذا الموضوع ؟

موراني
07-25-2005, 02:09 PM
....هؤلاء ;): المستشرقين

ومضة
07-25-2005, 02:30 PM
الزميل موراني

قلت :


هل يمكنكم أن تذكروا أسماء هؤلاء المستشرقين ودراساتهم بالنظريات المنحرفة في هذا الموضوع ؟



المفترض أن توجّه السؤال إلى الشبكة الإسلامية التي قامت (أصلا ) بكتابة هذا الموضوع.....


ولست إلا ناقلا له فقط.....



أما إن كنت تعنيني أنا من دون غيري.....



فهذا غريب منك.....



فالذي أعرفه أن أدنى مثقف عادي ( فضلا عن مستشرق ) يعلم أن هناك العديييييييييييييييد من الكتابات التي عُنيت بالرد على المستشرقين في مختلف الجوانب ( والذي كان منها هذا الموضوع الذي تسأل عنه ).......


بعضها قد تجاوز عمره الخمسين عاما....


أذكر أنني مررت قديما بمكتبة عامة وقد تراصت فيها العديد من الكتب التي تتناول النظرة الاستشراقية للنبوة والرسالة.....


لا تجبرني يا صديقي إلى الذهاب لتلك المكتبات (فأنا مشغول هذه الأيام بعمل إضافي يومي)....


أظن أنك لن تفقد الكثير من السعرات الحرارية لو ذهبت إلى أية مكتبة للبحث عما تريد :emrose:


أشم من كلامك أنك تظن أن الشبكة الإسلامية قد كتبت الموضوع أصالة للرد عليك.....


لا....لا تظن ذلك يا صاحبي.....

فلعل الشبكة لم تسمع عنك أصلا....

وعليه فإنها لم تكتب الرد لأجل سواد عينيك (أو زرقتها.لا أدري :cool: )



وحتى أنا.........


عندما نقلت الموضوع لم تخطر أنت على بالي قط....


لذا جرى التنويه..... :rolleyes:

موراني
07-25-2005, 02:42 PM
كنت أقصد , كما كتبته واضحا , كما أظن ,
كنت أقصد هذه الدراسات للمستشرقين التي فيها النظريات المنحرفة ,

ولم أقصد الكتابات العديدة حول ما جاء عن المستشرقين والردود عليهم . يعني كنت أقصد الدراسات الأصلية بعينها , اسما وعنوانا . في الموضوع المذكور .

هذا كل ما في الأمر . حتى ولو كنت ناقلا لهذه الملاحظات .

ومضة
07-25-2005, 02:53 PM
وقصدك قد تمت الإجابة عنه فيما يلي:


فالذي أعرفه أن أدنى مثقف عادي ( فضلا عن مستشرق ) يعلم أن هناك العديييييييييييييييد من الكتابات التي عُنيت بالرد على المستشرقين في مختلف الجوانب ( والذي كان منها هذا الموضوع الذي تسأل عنه ).......





لا تجبرني يا صديقي إلى الذهاب لتلك المكتبات (فأنا مشغول هذه الأيام بعمل إضافي يومي)....


أظن أنك لن تفقد الكثير من السعرات الحرارية لو ذهبت إلى أية مكتبة للبحث عما تريد :emrose:

موراني
07-25-2005, 03:00 PM
أنا كتبت :
يعني كنت أقصد الدراسات الأصلية بعينها , اسما وعنوانا . في الموضوع المذكور .


لم أقصد العدييييييييييييييييييييد من الردود على المستشرقين .

كنت أقصد الدراسات الأصلية باللغات المختلفة و اسما وعنوانا .

هل الأمر واضح الآن ؟

مجدي
07-25-2005, 06:48 PM
الزميل مورني: اليك نماذج من الكذب:
http://islamweb.net/ver2/Archive/readart.php?id=28815
نموذج عن ذلك في السابق على التحليل الانتقائي الذي هو الكذب بعينه
اما في الربط التالي ففيه نماذج عن المستشرقين فهم ليسوا سواء منهم ومنهم
http://saaid.net/arabic/ar117.htm
زميلي مورني
المشكلة ليست دائما في الامانة العلمية او الكذب او الصدق , المشكلة في منهج المستشرقين في الدراسة .
اقصد ان المستشرق يهتم بالمخطوطة كمرجع أكثر من اهتمامه بالمخطوطة من حيث التوثيق .
فلذلك يمكن ان تجد كتاب يحقق دون معرفة مؤلفه .
ويمكن ان يحقق كتاب لا تثبت صحة نسبته .

موراني
07-25-2005, 07:29 PM
مجدي كتب :


اقصد ان المستشرق يهتم بالمخطوطة كمرجع أكثر من اهتمامه بالمخطوطة من حيث التوثيق .
فلذلك يمكن ان تجد كتاب يحقق دون معرفة مؤلفه

لم أسمع بمثل هذا الكلام حتى اليوم .

أما القول :
فلذلك يمكن ان تجد كتاب يحقق دون معرفة مؤلفه
(يعني تجد كتابا) :
هذا صحيح . انظر المقدمة لتحقيقي للتفسير من الجامع لابن وهب ( الجزء الأول) غير أن الباحث المذكور هناك هو مسلم عربي لم يعلم بما بين يديه من المخطوط ......
هذا لا يهم هنا . وأيضا النقد المتعلق بجولدزيهر ونظريته في عبد الملك بن مروان لا يهم .

أما (طبقات المستشرقين ) منصف ...نصف منصف , متردد , متعصب ...وهلم جرا , هذا أيضا لا يهم
(على الفكرة : منذ متى يعتبر مراد هوفمان مستشرقا ؟؟؟؟)
هذا أيضا لا يهم .

الموضوع : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً سياسياً ؟

والنظريات المنحرفة في كتابات المستشرقين في هذا الموضوع .

عند أي مستشرق (اسما) , في أي كتاب (عنوانا) ؟ : هذا هو الموضوع . لا مجال للتعميم في هذه المسألة .

أما منتجوماري وات (أظن انه جاء ذكره بين *المترددين* في هذه القائمة اللطيفة , التي تثير شيئا من الابتسامة عند قراءتها , ألف كتابا بالعنوان :
محمد: النبي والرجل السياسي
Muhammad : Prophet and Statesman
Oxford 1961
أي قبل أكثر من 40 سنة !

الرابطان المشار اليهما لا علاقة لهما بالموضوع (أولا)
ولا يجيبان على سؤالي المطروح هنا .

بتحياتي

ومضة
07-26-2005, 11:12 AM
أخي الحبيب مجدي........


صاحبنا يريد إجابة على النحو التالي :


قال جولد تسيهر في كتابه ..... صفحة..........: إن ظاهرة النبوة لا يمكن إلا أن تُفسر بكذا وكذا ....

وقال صموئيل زويمر في كتابه ..... صفحة..........: لقد استطاع هذا الرجل أن يصل إلى السياسة بدعوته التي أبرزها في الطابع الديني...

وأكّد درمنجهام في كتابه ..... صفحة.........أن محمدا :salla1: كان رجلا عظيما فحسب!!!


ولا زلت أتساءل.....


تُرى هل يطالب صاحبنا بهذا وبكل إصرار من منطلق تشكيكه بقيام نظريات منحرفة لتفسير النبوة؟؟؟؟؟؟؟


أم أن مقصده هو (الشغف) في دراسة هذا الموضوع للبحث عن الحقيقة؟؟؟؟؟؟؟ :39:


أم أنه أسلوب ملتوٍ لتمييع هذا الموضوع؟؟؟؟؟؟؟؟ :39:


يا صاحبي.....الكتب موجودة في المكتبات العامة ( الدراسات الأصلية كما تقول )...وقد رجوتك مرارا وتكرارا ألا تلجئني إلى البحث عن توثيق أمر واضح كوضوح الشمس...وهو معروف لأدنى (مستشرق :cool: )......



أنت كمن يصرّ إصرارا عجيبا أن يطالبني بمصوّرة من كتاب (كيث مور ) في (علم الأجنة) أن الطفل يمرّ بعدة مراحل حتى يتشكّل....... :eek:


أظن أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه وهو ما أعتبره : (تغريد خارج السرب ) :emrose:

مجدي
07-26-2005, 12:45 PM
مجدي كتب :


اقصد ان المستشرق يهتم بالمخطوطة كمرجع أكثر من اهتمامه بالمخطوطة من حيث التوثيق .
فلذلك يمكن ان تجد كتاب يحقق دون معرفة مؤلفه

لم أسمع بمثل هذا الكلام حتى اليوم .

أما القول :
فلذلك يمكن ان تجد كتاب يحقق دون معرفة مؤلفه
(يعني تجد كتابا) :
هذا صحيح . انظر المقدمة لتحقيقي للتفسير من الجامع لابن وهب ( الجزء الأول) غير أن الباحث المذكور هناك هو مسلم عربي لم يعلم بما بين يديه من المخطوط ......
هذا لا يهم هنا . وأيضا النقد المتعلق بجولدزيهر ونظريته في عبد الملك بن مروان لا يهم .

أما (طبقات المستشرقين ) منصف ...نصف منصف , متردد , متعصب ...وهلم جرا , هذا أيضا لا يهم
(على الفكرة : منذ متى يعتبر مراد هوفمان مستشرقا ؟؟؟؟)
هذا أيضا لا يهم .

الموضوع : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً سياسياً ؟

والنظريات المنحرفة في كتابات المستشرقين في هذا الموضوع .

عند أي مستشرق (اسما) , في أي كتاب (عنوانا) ؟ : هذا هو الموضوع . لا مجال للتعميم في هذه المسألة .

أما منتجوماري وات (أظن انه جاء ذكره بين *المترددين* في هذه القائمة اللطيفة , التي تثير شيئا من الابتسامة عند قراءتها , ألف كتابا بالعنوان :
محمد: النبي والرجل السياسي
Muhammad : Prophet and Statesman
Oxford 1961
أي قبل أكثر من 40 سنة !

الرابطان المشار اليهما لا علاقة لهما بالموضوع (أولا)
ولا يجيبان على سؤالي المطروح هنا .

بتحياتي
زميلي مورني المحترم : لقد حاولت قبل هذه المرة ان احاورك عنها الا وهي ان المنهج الذي نتبعه يختلف كثيرا عن منهج المستشرقين . فالعبارة الاولى يمكنك فهمي جيدا اذا نظرت الى الطريقة التي تنظر اليها انت كمستشرق (الكاف هنا ليست للتشبيه فاعرف انك مستشرق) عن نظرتنا لها كمسلمين .
اوضح اكثر انت تنظلر الى المخطوطات على انها تراث الماضي . وذلك كالنظرة الى التاريخ .
اما بالنسبة لنا كمسلمين فان الامر يختلف كثيرا لان الامر عندنا يتعلق بالدين بالدرجة الاولى . فالاهتمام باسانيد الكتب وتوفر المخطوطات المتعددة مع تحقيق نسبتها لى اصحابها هي عندنا امور ضرورية لاننا نبني الدين على تلك الاساسيات .
فلذلك تجد اسانيد للكتب تزيد توثيقها . وكذلك انت تعلم ان جمع اكبر عدد من المخطوطات له اهمية لبيان مصداقية النص وخصوصا ان كان الكاتب من من يروي الامور من حفظه اكثر من نقله من كتبه التي دون فيها .


هذا صحيح . انظر المقدمة لتحقيقي للتفسير من الجامع لابن وهب ( الجزء الأول) غير أن الباحث المذكور هناك هو مسلم عربي لم يعلم بما بين يديه من المخطوط ......من قال انه لا يهم . لذلك نرجع الى الاصل وهو النظر الى العمل فكتاب لا يعرف مؤلفه ليس له قيمة في اكثر من معرفة رأيه وجمعه ولكن احيانا لا نستطيع قبول الكثير مما أخبر به في كتابه نقلا عن غيره .
بالنسبة للمحققين هذه الايام فليسوا كلهم على درجة من الاتقان وهذا امرا عاديا في كل المجالات .
الا اننا سنرجع الى ان مؤلف الكتاب غير معروف فلا يستفاد منه الا كما ذكرت لك آنفا.

الامور التي تظنها لا تهم هي الاساس لان الاراء تتبع الخلفيات الفكرية لكل طرف ولا تسبقها اصلا .
نظرتكم الى الكتب انها تراث ونظرتنا اليها وهي كذلك ولكن عندنا قيود لان هذا التراث يؤخذ منه الدين. ويعامل الباقي بانه تراث لا يثبت له علاقة بالدين .


وأيضا النقد المتعلق بجولدزيهر ونظريته في عبد الملك بن مروان لا يهم . هنا بالطبع لا نتكلم عن مجرد النقد لان النقد امرا ممكنا من كل انسان لمنخالفه لانه لو لم يكن كذلك لكان مثله في الفكر عادة .
المشكلة عندنا منهج جولدزيهر اي ان كتابته كانت تعتمد تفسيره الشخصي الانتقائي وليس تبعا للمعلومات والتوثيق.
المنهج هو الذي يتكلم عنه الكاتب
اما بالنسبة للنظر الى الرسول :salla1: فان لم تكن نظرة من ذكروا عن محاسن الرسول انه ليس رسولا وانما رجل عظيم دون نبوة مع ايمانهم بانبيائهم فهل تضع لنا نظرتهم على غير ما ذكر .
اغلب المستشرقين ينظروا هذه النظرة من كلامهم وتلميحاتهم في دراساتهم .
فلو كانوا يقولو غير ما ذكر المؤلف فهل تخبرنا ماذا يقولوا؟لنصحح مقالة الكاتب؟
اما النظريات فانت تعرف ان الباحث عادة يضع النظريات فينفي بعضها ويثبت بعضها فتجد ان غير المسلم(ليس فقط المستشرق) اذا نظر الى الرسول :salla1: فانه اما تراه يحقد عليه كما يفعل البعض واما ان يقف حائار فلا يجد ما يشبع نظرته الا القول هو رجل عظيم فقط فترى البعض يشبهه بما نظر اليه من عظماء العالم .
هدف الكاتب اصلا هو بيان ان النبي مع كونه عظيما فهو نبي لان او صافه لا تنطبق على العظما فحسب بل تتعداهم


قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.
اذا فالموضوع له علاقة باسلوب المستشرقين . والا فانه يجب ان يصبح مسلما وخصوصا ان الامر يتعلق بمصير الانسان .
اذا فنفي الصبغة الدينية الربانية عن الاسلام هي موضوع البحث اصلا وهذا ليس نابعا الا لما ذكرت لك سابقا من المنهج المتبع ومما اخبر الباحث من النظرة المسبقة التي سماها النظريات المنحرفة .
اذا كنت تزعم غير ذلك اكرر هل لك ان تطلعنا على نظرة مختلفة؟؟

موراني
07-26-2005, 05:33 PM
لكي نأخذ هذا الاقتباس مثلا :


قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.
...........................
وسؤالي أصلا :

من
رأي هذا الرأي في دوائر المستشرقين ؟ هذا هو السؤال لا أكثر ولا أقل
أما اختلاف بين منهجية الاستشراق وغيره وهذا مسألة أخرى , والاختلاف وارد . لكن ذلك موضوع آخر .

حازم
07-27-2005, 06:32 AM
لكي نأخذ هذا الاقتباس مثلا :


قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.
...........................
وسؤالي أصلا :

من
رأي هذا الرأي في دوائر المستشرقين ؟ هذا هو السؤال لا أكثر ولا أقل
أما اختلاف بين منهجية الاستشراق وغيره وهذا مسألة أخرى , والاختلاف وارد . لكن ذلك موضوع آخر .

الموضوع انتهى من اول تعقيب للاخ ومضة على مطلب مورانى . فقد قال له ومضة

المفترض أن توجّه السؤال إلى الشبكة الإسلامية التي قامت (أصلا ) بكتابة هذا الموضوع.....
ولست إلا ناقلا له فقط.....

ولا ادرى ماذا يريد مورانى بعد ذلك ؟! يعنى ببساطة الموضوع منقول وليس للاخ وان كان لديك اى استفسار عن المصادر فتقدم بها الى ادارة الموقع الذى نشر هذا الموضوع على النت .

مجدي
07-27-2005, 10:03 AM
السؤال يا زميلي المحترم :
من لم يرى ذلك اصلا منهم !!!

موراني
07-27-2005, 11:01 AM
يا مجدي :

قد طلب مني من مختلف ( بكسر اللام !) الجوانب الأمانة العلمية غير أنّ الأعضاء بغير استثناء لم يسمعوا الى الآن ما هو منهجية (synopsis ) الا أنهم غمسوا لسانهم فيما لا علم لهم به ولم يفرقوا بين ذلك وبين تحقيق النص .
عندما ينقل أحد شيئا من غيره عليه النظر فيما ينقله . فاذا لا تعليق له على ما نقل فمعناه انه انضم الى ما نقل . فمن هنا : السؤال في مكانه .
كثيرا ما نسمع الانتقادات والتهم على الاستشراق بهذا التعميم كما تقرأ ذكر أسماء البعض بما قال ما قال أو قيل انه قال ....
المهم أن الاستشراق مذموم
مثل ما تقول :
من لم يرى ذلك اصلا منهم !!! ( تقصد : لم ير)

فان رأيت ذلك منهم , يا مجدي , فضعه هنا ما رأيته , اذ هذا الأمر يهمني

مجدي
07-27-2005, 11:46 AM
الزميل مورني لا يقصد كاتب المقال اي مستشرق ولكن الامر مفهوم من كلامهم انهم يقصد بعض المستشرقين الذين تكلموا عن الرسول .
اوضح لك الامر . انت تعرف ان المستشرقين يطلق على من درس حضارة الشرق من اهل الغرب او بالاحرى من درس التراث الاسلامي .
التراث الاسلامي فيه العديد من الجوانب المترابطة .
الكاتب نبه على ان كلامه عن بعض المستشرقين .وهو من تكلم عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم , اذا فالمقصود من تكلم عن شخصية الرسول دون غيره .
لان كل من تكلم عن شخصية الرسول ربط كل اي فعل للرسول بامر دنيوي بحث بعيد عن التشريع الرباني.
اما من نقل الكلام فلا أظن غرضه هو الكلام عن المستشرقين اكثر من امر أخر وهو الرد على شبه المستشرقين . فلعلك لا تعلم ما يثيره مثل كلام المستشرقين من شبه يود البعض استغلالها .
فاذا لاحظت الرد فانه على المستشرقين لانهم اول من زعموا بذلك بكلامهم. ان كانت تريد امثلة فالامثلة كثيرة .

ومضة
07-27-2005, 11:53 AM
خلاص خلاص يا موراني.....

المستشرقين هم (أجدع ) ناس :cool: ( باللهجة المصريه :rolleyes: )....

ارتحت؟؟؟


إذا أتمنى أن تعلّق على (أصل ) الموضوع الذي نقلته.....وإلا فأرجو أن لا تخرج الموضوع عن حيّزه لمناقشة أمور ليست من صلب الموضوع الذي نقلته....


وإن كنت تريد إتمام الموضوع مع مجدي....فأرجو فتح حوار مستقل.....ولا تشعّب الموضوع

موراني
07-27-2005, 12:43 PM
طيب خلاص , بس ما تصاحش كدا ......

أنا لست صاحب التعميم , ان يزعم أحد هذا :
قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء .......
فالسؤال في محله :

من هؤلاء البعض
وما هي الأدلة لديهم ؟

لم أود أكثر ولا أقل .

خلاص بقى

ومضة
07-27-2005, 01:01 PM
طيب خلاص , بس ما تصاحش كدا ......



أولا : أنا ما (أصاحش ) ولا تُكتب الكلمة هكذا......

ثانيا : أنا نقلت بالحرف الواحد:




قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات


هل أنت جاد أنه لا يوجد في المستشرقين أبدا من يلغي الصبغة الدينية للدعوة المحمدية :radia: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ :eek:


بدأت أشك أنك المستشرق الكبير موراني.....لعل أحدا قد اخترق جهازك وإيميلك :39:

موراني
07-27-2005, 01:22 PM
لا تجيب على السؤال بسؤال الآخر !

من هؤلاء البعض , ما هي كتاباتهم ؟ ما هي أدلتهم ؟

أين قرأت الأصل الذي أدى بك الى هذا الرأي ؟

أم تعتمد على ما تجد في الردود الكثيرة أم تقرأ الأصول بنفسك ؟

هذا هو السؤال هنا فلا الاحتمالات .

أغلق جهازك واذهب الى المكتبات فاقرأ .....ستستفيد

ومضة
07-27-2005, 01:44 PM
طيّب يا موراني......

تنزّل معي وافترض صحّة نسبة هذه الآراء عن بعض المستشرقين............فما هو قولك عن مضمون الرد الموجود في المقالة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ :39:

موراني
07-27-2005, 01:54 PM
من هؤلاء البعض ؟؟

خلاص !

احمد المنصور
07-27-2005, 04:21 PM
موراني:
قد طلب مني من مختلف ( بكسر اللام !) الجوانب الأمانة العلمية غير أنّ الأعضاء بغير استثناء لم يسمعوا الى الآن ما هو منهجية (synopsis ) الا أنهم غمسوا لسانهم فيما لا علم لهم به ولم يفرقوا بين ذلك وبين تحقيق النص

سيد موراني،

لا أرى داعٍ للتدمر من تحري الأمانة العلمية!. والظاهر أنك أنت من لا يعرف إلا "غمس اللسان"!.

أيها الفاضل، دعني أشرح لك شيئًا معروفًا وللمرة (...) اراك لا تميزه إطلاقًا (أو أنك تتظاهر بذلك).

بصفة عامة، أي دراسة بحثية يمكن تقسيمها إلى مرحلتين أساسيتين:

1) مرحلة الدراسة (والقياس)
2) مرحلة التقييم (والإستنتاج)

بالنسبة للمرحلة الأولى - فهي مرحلة خاصة - تعتمد على أمور عديدة منها: التخصص نفسه، المنهج المعتمد، المواصفات القياسية، .... إلخ.

اما المرحلة الثانية فهي تعتمد أساسًا على طرق الإستنباط المنطقية. وهذه يشترك فيها الطبيب، وخبير الجنائيات، والمهندس ..... ألخ.

لنضرب مثلا بسيطا (يفهمه الكل حتى لا يكون هناك مجال للتظاهر)!.

لنفرض أننا نريد قياس طول جسم ما، ثم القيام بتقييم النتيجة، والحكم هل هو قصيرٌ، طويلٌ، أم بين هذا وذاك؟. إذًا:

1) مرحلة الدراسة (القياس): ونستطيع أن نجريها بطرق مختلفة. بالتقدير البصري، بشريط القياس، بالليزر .... إلخ. وهنا نستطيع التمييز بين الطرق المختلفة؛ من دقيقة وهدامة وووو.... (وشخص يعرف المنهج واخر "لا يغمس لسانه فيه")،

2) مرحلة التقييم (الإستنتاج): لا نستطيع القول أن هذا الجسم طويل أو قصير إلا إذا إستندنا إلى مرجع محدد في التقييم.

وأنت أيها السيد تتكلم (وعلى طول الخط) حول المرحلة رقم (1)؛ وهذا لا تعارض فيه من ناحية المبدأ. التعارض أنك تخلطه مع المرحلة رقم (2) (وعلى طول الخط)، وكأنك لا تعرف أن أحكام العقل قائمة على أساس الاستدلال والبرهنة. وإن الموافقة، والمخالفة، والنقض، والإبرام ... كل ذلك يعتمد على (1) المحاسبة الدقيقة [القياس] و (2) الاستدلال المنطقي [التقييم].

وقد أفردنا لذلك مداخلات عديدة (يمكن الرجوع إليها هنا (http://70.84.212.52/vb/showthread.php?t=2208) ) وها هو مثال آخر لذلك:

-----***-----
في المقال المنقول عن طريق الأخ ومضة؛ يقول الكاتب:


ولتعرية هذه الآراء المنحرفة وبيان بطلانها ، سنقوم بعرض هذه الآراء على الواقع التاريخي وفق ما يقتضيه المنهج العلمي ، ثم لننظر هل سيسعفهم ذلك في الوصول إلى رؤيتهم المادية أم لا ؟ .

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً سياسياً ؟
إذًا هدف الموضوع هو الإجابة عن السؤال:
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مصلحاً سياسياً ؟
ومقارنة هذه الإجابة بــ "الآراء المنحرفة وبيان بطلانها".

وهذا هو الهدف من (مادة) المقال. إلا أن الكاتب الأصلي للمقال ذكر - مرورًا – من هم أصحاب هذه الآراء. حيث قال:


منقول (ومضة):
قدّم بعض المستشرقين ......
وكما ذكرنا أن مادة المقال ليست عن المستشرقين ولكن عن نوع من الاراء. ومع هذا لم يعمم الكاتب بل قال "بعض" والبعض من التبعيض والتخصيص وهي عكس التعميم. إلا أن السيد موراني يُصر:



موراني:
عند أي مستشرق (اسما) , في أي كتاب (عنوانا) ؟ : هذا هو الموضوع . لا مجال للتعميم في هذه المسألة

على أن هناك تعميما!!! بل ويقتبس ما ينفي "التعميم" في المقال كدليل على "التعميم"!



موراني:
أنا لست صاحب التعميم , ان يزعم أحد هذا :
قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء .......
ولا أعتقد أن هناك دليل أصدق على الإستدلال، على عدم قدرة السيد موراني على الإستدلال الصحيح، من الإستدلال بإستدلاله الخاطىء بإستعماله أدلة النفي في محل أدلة الإثبات. وبالتالي قلب الحقائق، وفي مثالنا هذا – قلب التبعيض إلى التعميم.

ومن هذا ينتج أن:

الخطأ الأول: السيد موراني يتهم صاحب المقال ظلمًا وزرًا بالتعميم،
الخطأ الثاني: وعلى أساس الخطأ الأول يطالب بالدليل على التعميم!. ولكنه - دون أن يشعر - يطالب بالدليل على (التبعيض) وبالتالي هو ينفي ذلك إطلاقًا. وإلا لما طالب بالدليل على البعض!.

والمعروف أن:
نفي (أن يعض المستشرقين إدعى .....) هو مساوي لـــ
إثبات (أن أحدًا من المستشرقين لم يدعِ .....)


-----***-----

موراني
07-27-2005, 07:17 PM
يا أحمد المنصور ,

لست في حاجة الى مثل هذا الكلام الطويل وعلى طريق الفلاسفة ......

من حق القاريء ان يتساءل من هؤلاء البعض ؟؟؟؟

حتى الآن لم يذكر أحد هنا اسما ما أو كتابا ما .....

عادة طلبة العلم حسب تجربتي في الشبكة أنهم كثيرا ما يعيدون القول (الجاهز) بغير التفكير في الأمر ويقولون أو ينقلون :
قال فلان , قال فلاني ....ويكتفي به .

أنا عادة أسمع هذا الكلام عندنا أيضا من طلبة العلم : قال فلان , وفي كتاب فلان ....وهلم جرا

غير أنني أسأله : طيب وماذا تقول أنت في هذا الأمر ؟

قال ابن تيمية.....طيب: فماذا تقول أنت في الأمر ؟

هكذا الأمر هنا أيضا . يظهر واحد على الشاشة هنا ويذكر (ناقلا) كلام فلان .
ومن حقي أن أسأله : أذكر لي أسماء الأصحاب ذوي النظريات المنحرفة في هذا الموضوع المذكور !

صمت وسكوت . فلنكتف بـ(قال فلان....)

احمد المنصور
07-27-2005, 10:43 PM
يا أحمد المنصور ,

لست في حاجة الى مثل هذا الكلام الطويل وعلى طريق الفلاسفة ......

من حق القاريء ان يتساءل من هؤلاء البعض ؟؟؟؟

يا موراني،

الطريق الطويل هو بين الفلسفة والمنطق! فأين ضيعته؟ عمومًا ليس مهمًا أنك لا تفرق بينهما!. وكذلك حاجتك وحق القاريء لا تعطيك الحق في الكذب على صاحب المقال بالتعميم!.




عادة طلبة العلم حسب تجربتي في الشبكة أنهم كثيرا ما يعيدون القول (الجاهز) بغير التفكير في الأمر ويقولون أو ينقلون :
قال فلان , قال فلاني ....ويكتفي به .

أنا عادة أسمع هذا الكلام عندنا أيضا من طلبة العلم : قال فلان , وفي كتاب فلان ....وهلم جرا

كنت فد قرأت مقالا عن المستشرقين (سأضعه لك في المداخلة الاتية) من ضمن ما جاء فيه:
"فصار هؤلاء يقول الواحد منهم : سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً"

الظاهر أن الحكاية كلها برمجة في برمجة!!!


هكذا الأمر هنا أيضا . يظهر واحد على الشاشة هنا ويذكر (ناقلا) كلام فلان .
ومن حقي أن أسأله : أذكر لي أسماء الأصحاب ذوي النظريات المنحرفة في هذا الموضوع المذكور !

صمت وسكوت . فلنكتف بـ(قال فلان....)

لا يوجد أي مانع من النقل عند ذكر المصدر، والناقل يتحمل الأمانة في صدق النقل. ولكن لا يتحمل مسئولية محتوى النص اللهم إلا مسئولية الإختيار فيما ينقل. اما حقك المزعوم في تقديم السؤال فهو أكيد ولكن لصاحب المقال. ربما أنت تقصد شيئًا اخر؛ وهو رأي ناقل المقال فيما نقل!

احمد المنصور
07-27-2005, 10:58 PM
الرد على شبهات المستشرقين حول السنة النبوية الشريفة (http://www.alshamsi.net/friends/b7ooth/islam/rad_shobhat.html)




الرد على شبهات المستشرقين
حول السنة النبوية الشريفة



إعداد : أحمد محمد بوقرين - قسم أصول الدين بالجامعة الأمريكية المفتوحة



المقدمة



ظهرت في بعض الفترات من تاريخنا الإسلامي فرق وطوائف منحرفة أنكرت السنة والاحتجاج بها ، فمنهم من أنكر السنة النبوية صراحة ودعا إلى نبذها بالكلية , زعماً منهم أنه لا حاجة إليها , وأن في القرآن ما يغني عنها ، وفريق آخر رأى الحجية في نوع منها دون غيره , وكلا الأمرين بلا شك انحراف عن جادة الطريق ولقد كان أول من تعرض لهذه المذاهب المنحرفة وردَّ على أصحابها ودحض شبهاتهم هو الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء حيث عقد فصلاً خاصاً في كتاب " الأم " ذكر فيه مناظرة بينه وبين بعض من يرون ردَّ السنة كلِّها ، كما عقد في كتاب " الرسالة "فصلاً طويلاً في حجية خبر الآحاد , وقد كادت تلك الطوائف التي أنكرت السنة جملة وطعنت فيها أن تنقرض ، حتى ظهرت فئة من المستشرقون و أشياعهم في بلادنا العربية و الإسلامية و الذين لم يألو جهدا في محاولة القضاء على الإسلام وهدم أصوله وأركانه ولقد بحث هؤلاء المستشرقون في كل جوانب الإسلام , فلم يغب عنهم أهمية السنة النبوية من حيث أنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، وفيها توضيحه وبيانه ، ولذا تناولوها بالطعن والتشويه وتلفيق الشبهات حولها, وخلال الفترة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين كان الاستشراق في ذروته لأنه كان مدعوماً من قبل الحكومات الغربية التي كانت توفر له الأسباب المعينة على دراسة العلوم الإسلامية حتى يتمكن الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية ، فبحث هؤلاء في كل ما يتصل بالإسلام من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة حتى غزت تلك البحوث العالم الإسلامي في مؤسساته الفكرية والتربوية ومناهج التعليم ، وكان العديد من المسلمين قد تتلمذوا على أيدي أولئك المستشرقين و قد نجح كثير من هؤلاء المستشرقين في التأثير على عقول بعض المسلمين ، فانخدعوا بكتاباتهم ودراساتهم حول الإسلام ، وهماً منهم أنها قامت على الموضوعية والحياد والإنصاف والتجرد في البحث العلمي ، ومن ثم اقتفوا آثارهم ، ورددوا دعاواهم التي لم يقيموا عليها أي بينة بل زادوا عليها من أنفسهم ، وكل هؤلاء وأولئك نفثوا سمومهم باسم البحث والمعرفة وحرية النقد وهم أبعد ما يكونوا عن العلم الصحيح والبحث القويم والنقد النزيه وبذلك جاءت كتابات هذا الفريق من تلامذة المستشرقين حول الإسلام عموماً والحديث النبوي خصوصاً لا تقلٌّ عن كتابات المستشرقين في إثارة الشبه والتشكيك في مصادر الشريعة الإسلامية .

وسنقوم بإذن الله تعالى في هذا البحث بالرد على شبهات هؤلاء المستشرقين ومن شايعهم

ونعرج قبل ذلك على تعريف السنة ثم نتحدث عن مفهوم الإستشراق و أهدافه ثم نختم بذكر بعض النتائج و الحقائق التي تم التوصل إليها من خلال هذا البحث الذي نسأل الله التوفيق فيه و السداد .


الباب الأول : التعريف بالسنة النبوية



أولاً : السنة في اللغة، هي : الطريقة، وهي السيرة حميدة كانت أو غير حميدة. ومن ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "(1)

ثانياً : السنة في الاصطلاح : هناك تعريف السنة النبوية عند المحدِّثون، وهناك تعريف السنة عند الأصوليون، وهناك تعريف السنة الفقهاء.

أما علماء الحديث أو المحدِّثون فإنما يبحثون في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإمام الهادي، النبي الرسول، الذي أخبرنا ربنا - سبحانه وتعالى - أنه أسوتنا وقدوتنا، ومن ثم فقد نقلوا كل ما يتصل به - صلى الله عليه وسلم - من أقوال وأفعال وتقريرات، سواء أثبت ذلك حكما شرعياً أم لم يثبت. كما نقلوا عنه - عليه الصلاة والسلام - أخباره وشمائله وقصصه وصفاته خَلْقاً وخُلُقاً. وهذا ما قررته كتب الحديث، وأنتجته مجهودات المحدثين. ومن هنا فقد عرفوا السنة بأنها : " كل ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلْقِية أو خُلُقية، سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها ".

وأما علماء الأصول، فإنما يبحثون في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشرع الذي يضع القواعد، ويوضح الطريق أمام المجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، فاهتموا من السنة بأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته التي تستقي منها الأحكام على أفعال العباد من حيث الوجوب والحرمة والإباحة، وغير ذلك .. ولذلك عرفوا السنة بأنها : (ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير ". مثال القول ؛ قوله – عليه الصلاة والسلام : - ( إنما الأعمال بالنيات ).

ومثال الفعل، ما نقل إلينا من فعله – صلى الله عليه وسلم – في الصلوات من وقتها وهيئتها. ومناسك الحج وغير ذلك. ومثال التقرير ؛ إقراره - عليه الصلاة والسلام - لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حيث قال لهم : ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة )(2) ففهم بعضهم النهي على ظاهره فأخَّر الصلاة فلم يصلِّها حتى فات وقتها، وفهم بعضهم أن المقصود حث الصحابة على الإسراع، فصلوها في وقتها قبل الوصول إلى بني قريظة. وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعل الفريقان فأقرهما جميعا

وأما علماء الفقه فيبحثون في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا تخرج أقواله وأفعاله عن الدلالة على حكم من الأحكام الشرعية. ومن هنا كانت السنة عندهم هي : " ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراً غير جازم". أو " ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير افتراض ولا وجوب". أو " ما في فعله ثواب، وفي تركه ملامة وعتاب لا عقاب ". وهي تقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة لدى الفقهاء .. وقد تطلق السنة عندهم على ما يقابل البدعة، فيقال : فلان على سنة إذا كان يعمل على وفق ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال : فلان على بدعة، إذا عمل على خلاف ذلك. ويطلق لفظ السنة عندهم - كذلك - على ما عمل عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - وجد ذلك في القرآن المجيد أو لم يوجد، لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم، لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم. لقوله - صلى الله عليه وسلم : - " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".

هذه معاني السنة ،أو تعريفاتها والمراد بها في مصطلح العلماء ، وقد تبين لنا أن علماء كل علم من العلوم لهم اهتمام وعمل في السنة يتناسب مع اهتمامهم ، ويحقق ما يهدفون إليه في علومهم ،دون أن تتعارض هذه العلوم ،فالصحيح أنها كلها في خدمة السنة النبوية وتيسير التعرف عليها والعمل بها ، ومن أشرف أهداف القائمين على هذه العلوم هو جمع السنة النبوية وتمحيصها ، وتنقيتها مما قد يكون دخيلاً عليها، ثم الدفاع عنها ضد الشاغبين عليها ، المعارضين لها ،الساعين إلى تشويهها و طرحها.

وبعد أن أشرنا إلى تعريفات العلماء للسنة النبوية الشريفة ننتقل إلى الباب الثاني والذي نتحدث فيه عن مفهوم الاستشراق و بعض أهدافه .


الباب الثاني :الإستشراق مفهومه و أهدافه



الاستشراق هو عبارة عن اتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة الإسلام والعرب بصفة خاصة ، وقد كان مقتصراً في بداية ظهوره على دراسة الإسلام واللغة العربية فقط ، ثم اتسع ليشمل دراسة الشرق كله ، بلغاته وتقاليده وآدابه فالمستشرقون إذن هم علماء الغرب الذين اعتنوا عناية كبيرة بدراسة الإسلام واللغة العربية ، ولغات الشرق وأديانه وآدابه . ولقد كانت الأبحاث والكتب و الدراسات التي كتبها هؤلاء المستشرقون عن الإسلام كبيرة جدا ، و كانوا يهدفون من وراء هذه الكتب و الأبحاث و الدراسات إلى ما يلي ما يلي :

أولا : حماية الإنسان الغربي من أن يرى نور الإسلام ، فيؤمن به ، ويحمل رايته ، ويجاهد في سبيله ، كما كان من المسيحيين في الشام ، ومصر ، والشمال الإفريقي ، وأسبانيا ، من قبل ، حين دخل الإسلام هذه الأصقاع ، فدخل أهلها في دين الله أفواجا ، وصاروا من دعاة هذا الدين الحنيف ، وحماته والمنافحين عنه . بل أعجب من ذلك أيضًا أن دخلوا في العربية دخولا غريبًا ، وصار لسانهم لسانها ، وخرج من أصلابهم كثرة كاثرة من العلماء الكبار (3).



ثانيا : معرفة الشرق ، ودراسته ، أرضه ، ومياهه وطقسه، وجباله وأنهاره ، وزروعه وثماره ، وأهله ، ورجاله، وعلمه وعلمائه ودينه ، وعقائده ، وعاداته، وتقاليده ، ولغاته و ... و ... كل ذلك لكي يعرف كيف يصل إليه ، فقد ظلت دار الإسلام مرهوبة مخوفة ، لم يستطع أحد اختراقها لعدة قرون ، وكانت المناوشات ، والاحتكاكات على الثغور والأطراف تحسم دائمًا لصالح الإسلام والمسلمين و ترجع قوى الشر مقهورة مدحورة.

ولكنها ما فتئت هذه القوى تدبر وتقدر ، وتحاول الالتفاف حول ديار الإسلام ، لما استعصى عليها اختراقها ، وكان الاستشراق هو رائدها الذي يرتاد لها الطريق وهذا الأمر باعترافهم هم بأنفسهم فهذا المستشرق الأمريكي (روبرت بين) يقول في مقدمه كتابه (السيف المقدس) : إن لدينا أسبابا قوية لدراسة العرب ، والتعرف على طريقتهم ، فقد غزوا الدنيا كلها من قبل ، وقد يفعلونها مرة ثانيـة ، إن النار التي أشعلها محمد لا تزال تشتعل بقوة ، وهناك ألف سبب للاعتقاد بأنها شعلة غير قابلة للانطفاء) (4) , ويقول الأمير (كايتاني) ذلك الأمير الإيطالي الذي (جهز على نفقته الخاصة ثلاث قوافل ، لترتاد مناطق الفتح الإسلامي ، وترسمها جغرافيا ، وجمع كل الدوريات والأخبار الواردة عن حركة الفتح في اللغات القديمة .. واستخلص تاريخ الفتح في تسعة مجلدات ضخمة بعنوان (حوليات الإسلام) بلغ بها سنة أربعين هجرية .. قال هذا الأمير الذي استهلك كل ثروته الطائلة في هذه الأبحاث ، حتى أفلس تماما ، قال في مقدمة كتابه (حوليات الإسلام) هذه : إنه إنما يريد بهذا العمل أن يفهم سرَّ المصيبة الإسلامية التي انتزعت من الدين المسيحي ملايين من الأتباع في شتى أنحاء الأرض ، ما يزالون حتى اليوم يؤمنون برسالة محمد ، ويدينون به نبيًّا ورسولاً) (5)

فهو بهذا يعلن عن هدفه بغاية الصراحة والوضوح : (أن يفهم سر المصيبة الإسلامية) أي سر الإسلام ، ومصدر قوته . ويكتب المستشرق الألماني (باول شمتز) كتابًا يتناول فيه عناصر القوة الكامنة في العالم الإسلامي ، والإسلام ، فيسمي هذا الكتاب (الإسلام قوة الغد العالميـة) فلماذا كتب هــذا الكتاب ، وقـام بهذه الدراسة ؟، إنه لا يتورع أن يعلن صراحة وبدون مواربة عن هدفه ، الذي هو تبصير أوروبا الغافلة عن هذه القوة التي هي (صوت نذير لأوروبا ، وهتاف يجوب آفاقها ، يدعو إلى التجمع والتساند الأوروبي لمواجهة هذا العملاق ، الذي بدأ يصحو، وينفض النوم عن عينيه .



يتضح من خلال ما تقدم مفهوم الإستشراق و بعض أهداف هؤلاء المستشرقين في طعنهم في الإسلام وشخص النبي صلى الله عليه و سلم و طعنهم في السنة النبوية المشرفة , وننتقل الآن إلى الحديث عن صلب موضوعنا و هو الشبهات التي يرددها هؤلاء المستشرقين و تلاميذهم ونقوم بالرد عليها بإذن الله تعالى .



الباب الثالث : الشبهات المثارة حول السنة النبوية و تفنيدها



الشبهة الأولى :

من الشبهات التي ادعاها بعض غلاة المستشرقين من قديم ، وأقام بناءها على وهم فاسد هي أن الحديث بقي مائتي سنة غير مكتوب ، ثم بعد هذه المدة الطويلة قرر المحدثون جمع الحديث وقد ردد عدد من المستشرقين هذه الشبهة منهم جولد زيهر وشبرنجر ، ودوزي ، فقد عقد " جولد زيهر " فصلاً خاصاً حول تدوين الحديث في كتابه " دراسات إسلامية " وشكك في صحة وجود صحف كثيرة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، ورأى " شبرنجر " في كتابه " الحديث عند العرب " أن الشروع في التدوين وقع في القرن الهجري الثاني ، وأن السنة انتقلت بطريق المشافهة فقط ، أما " دوزي " فهو ينكر نسبة هذه " التركة المجهولة " - بزعمه - من الأحاديث إلى الرسول صلى الله عليه و سلم .
وقد أراد المستشرقون من وراء هذه المزاعم إضعاف الثقة باستظهار السنة وحفظها في الصدور ، والتشكيك في صحة الحديث واتهامه بالاختلاق والوضع على ألسنة المدونين ، وأنهم لم يجمعوا من الأحاديث إلا ما يوافق أهواءهم ، وصاروا يأخذون عمن سمعوا الأحاديث ، فصار هؤلاء يقول الواحد منهم : سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أن الفتنة أدت إلى ظهور الانقسامات والفرق السياسية ، فقد قامت بعض الفرق بوضع أحاديث مزورة حتى تثبت أنها على الحق ، وقد قام علماء السنة بدراسة أقسام الحديث ونوعوه إلى أقسام كثيرة جداً ، وعلى هذا يصعب الحكم بأن هذا الحديث صحيح ، أو هذا الحديث موضوع .

ويمكن الرد هذه الشبهة من عدة وجوه :

1- أن تدوين الحديث قد بدأ منذ العهد الأول في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وشمل قسماً كبيراً من الحديث ، وما يجده المطالع للكتب المؤلفة في رواة الحديث من نصوص تاريخية مبثوثة في تراجم هؤلاء الرواة ، تثبت كتابتهم للحديث بصورة واسعة جداً ، تدل على انتشار التدوين وكثرته البالغة .

2 - أن تصنيف الحديث على الأبواب في المصنفات والجوامع مرحلة متطورة متقدمة جداً في كتابة الحديث ، وقد تم ذلك قبل سنة 200 للهجرة بكثير ، فتم في أوائل القرن الثاني ، بين سنة 120 ـ 130 هـ ، بدليل الواقع الذي بين لنا ذلك ، فهناك جملة من هذه الكتب مات مصنفوها في منتصف المائة الثانية ، مثل جامع معمر بن راشد(154) ، وجامع سفيان الثوري(161) ، وهشام بن حسان(148) ، وابن جريج (150) ، وغيرها كثير .


3 - أن علماء الحديث وضعوا شروطاً لقبول الحديث ، تكفل نقله عبر الأجيال بأمانة وضبط ، حتى يُؤدَّى كما سُمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهناك شروط اشترطوها في الراوي تضمن فيه غاية الصدق والعدالة والأمانة ،مع الإدراك التام لتصرفاته وتحمل المسئولية ، كما أنها تضمن فيه قوة الحفظ والضبط بصدره أو بكتابه أو بهما معاً ، مما يمكنه من استحضار الحديث وأدائه كما سمعه ، ويتضح ذلك من الشروط التي اشترطها المحدثون للصحيح والحسن والتي تكفل ثقة الرواة ، ثم سلامة تناقل الحديث بين حلقات الإسناد ، وسلامته من القوادح الظاهرة والخفية ، ودقة تطبيق المحدثين لهذه الشروط والقواعد في الحكم على الحديث بالضعف لمجرد فقد دليل على صحته ، من غير أن ينتظروا قيام دليل مضاد له .

4 - أن علماء الحديث لم يكتفوا بهذا ، بل وضعوا شروطاً في الرواية المكتوبة لم يتنبه لها أولئك المتطفلون ، فقد اشترط المحدثون في الرواية المكتوبة شروط الحديث الصحيح ، ولذلك نجد على مخطوطات الحديث تسلسل سند الكتاب من راوٍ إلى آخر حتى يبلغ مؤلفه ، ونجد عليها إثبات السماعات ، وخط المؤلف أو الشيخ المسمَع الذي يروي النسخة عن نسخة المؤلف أو عن فرعها ، فكان منهج المحدثين بذلك أقوى وأحكم وأعظم حيطة من أي منهج في تمحيص الروايات والمستندات المكتوبة .

5 - أن البحث عن الإسناد لم ينتظر مائتي سنة كما وقع في كلام الزاعم ، بل فتش الصحابة عن الإسناد منذ العهد الأول حين وقعت الفتنة سنة 35 هجرية لصيانة الحديث من الدس ، وضرب المسلمون للعالم المثل الفريد في التفتيش عن الأسانيد ، حيث رحلوا إلى شتى الآفاق بحثاً عنها واختباراً لرواة الحديث ، حتى اعتبرت الرحلة شرطاً أساسياً لتكوين المحدث .

6 - أن المحدثين لم يغفلوا عما اقترفه الوضاعون وأهل البدع والمذاهب السياسية من الاختلاق في الحديث ، بل بادروا لمحاربة ذلك باتباع الوسائل العلمية الكافلة لصيانة السنة ، فوضعوا القيود والضوابط لرواية المبتدع وبيان أسباب الوضع وعلامات الحديث الموضوع .

7 - أن هذا التنوع الكثير للحديث ليس بسبب أحواله من حيث القبول أو الرد فقط ، بل إنه يتناول إضافة إلى ذلك أبحاث رواته وأسانيده ومتونه ، وهو دليل على عمق نظر المحدثين ودقة بحثهم ، فإن مما يستدل به على دقة العلم وإحكام أهله له تقاسيمه وتنويعاته ، بل لا يُعد علماً ما ليس فيه تقسيم أقسام وتنويع أنواع ؟!!.
فظهر بذلك تهافت هذه الشبهة وبعدها عن الموضوعية والمنهجية .


الشبهة الثانية :

من الشبهات التي رددها أذناب المستشرقين قولهم : " لو كانت السنة ضرورية لحفظها الله كما حفظ القرآن في قوله تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون } ، ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابتها كما أمر بكتابة القرآن " .
وقولهم في الحديث الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم : - ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ) ، : " لو كان هذا الحديث صحيحاً لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتابة السنة ، ولأمر بتدوينها كما دون القرآن ، ولا يمكن أن يدع نصف ما أوحي إليه بين الناس بغير كتابة ، ولا يكون حينئذ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة كاملة إلى أهلها ، ولماذا ترك الصحابة نصف الوحي ولم يدونوه ، فبإهمالهم له يصبحون جميعاً من الآثمين " (6) .


الرد على هذه الشبهة و تفيدها :

إن الله عز وجل كما أراد لهذه الشريعة البقاء والحفظ ، أراد سبحانه أيضاً ألا يكلف عباده من حفظها إلا بما يطيقون ولا يلحقهم فيه مشقة شديدة ، فمن المعلوم أن العرب كانوا أمة أمية ، وكان يندر فيهم الكتبة ، وكانت أدوات الكتابة عزيزة ونادرة ، حتى إن القرآن كان يكتب على جريد النخل والعظام والجلود ، وقد عاش النبي - صلى الله عليه وسلم -بين أصحابه بعد البعثة ثلاثًا وعشرين سنة ، ولهذا كان التكليف بكتابة الحديث كله أمرا ًفي غاية الصعوبة والمشقة ، لأنه يشمل جميع أقواله وأفعاله وأحواله وتقريراته - صلى الله عليه وسلم - ولِما يحتاجه هذا العمل من تفرغ عدد كبير من الصحابة له ، مع الأخذ في الاعتبار أن الصحابة كانوا محتاجين إلى السعي في مصالحهم ومعايشهم ، وأنهم لم يكونوا جميعا يحسنون الكتابة ، بل كان الكاتبون منهم أفراداً قلائل ، فكان تركيز هؤلاء الكتبة من الصحابة على كتابة القرآن دون غيره حتى يؤدوه لمن بعدهم تامًا مضبوطًا لا يُنْقص منه حرف .
ومن أجل ذلك اقتصر التكليف على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً حتى جمع القرآن كله في الصحف .
وكان الخوف من حدوث اللبس عند عامة المسلمين فيختلط القرآن بغيره - وخصوصاً في تلك الفترة المبكرة التي لم يكتمل فيها نزول الوحي - أحد الأسباب المهمة التي منعت من كتابة السنة .
ثم إنه لم يحصل لحفاظ السنة في عهد الصحابة ما حصل لحفاظ القرآن ، فقد استحرَّ القتل بحفاظ القرآن من الصحابة ، أما السنة فإن الصحابة الذي رووا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كثر ، ولم يحصل أن استحر القتل فيهم قبل تلقي التابعين عنهم .
ومن الأسباب أيضاً أن السنة كانت متشعبة الوقائع والأحداث فلا يمكن جمعها كلها بيقين ، ولو جمع الصحابة ما أمكنهم فلربما كان ذلك سبباً في رد من بعدهم ما فاتهم منها ظناً منهم أن ما جمع هو كل السنة .
ثم إن جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن كان عرضة لأن يُقبِل الناس على تلك الكتب ، ويدعوا القرآن ، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها عن طريق الرواية ، وبعض الكتابات الخاصة .
أضف إلى ذلك أن القرآن يختلف عن السنة من حيث أنه متعبد بتلاوته ، معجز في نظمه ولا تجوز روايته بالمعنى ، بل لا بد من الحفاظ على لفظه المنزل ، فلو ترك للحوافظ فقط لما أمن أن يزاد فيه حرف أو ينقص منه ، أو تبدل كلمة بأخرى ، بينما السنة المقصود منها المعنى دون اللفظ ، ولذا لم يتعبد الله الخلق بتلاوتها ، ولم يتحداهم بنظمها ، وتجوز روايتها بالمعنى ، وفي روايتها بالمعنى تيسير على الأمة وتخفيف عنها في تحملها وآدائها .
وقد بلَّغ - صلى الله عليه وسلم - الدين كله وشهد الله له بهذا البلاغ فقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (7) ، ووجود السنة بين الأمة جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم فيه أبلغ دلالة على تبليغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياها لأمته وبالتالي لم يضع نصف ما أوحاه الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما زعم الزاعمون - ، بل الجميع يعلم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتمتعون بحوافظ قوية ، وقلوب واعية ، وذكاء مفرط ، مما أعانهم على حفظ السنة وتبليغها كما سمعوها ، مستجيبين في ذلك لحث نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لهم في الحديث الذي رواه الترمذي و غيره بقوله ( نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فحفظها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع).
فتم ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - من حفظ السنة وتبليغها ، ويكون بذلك - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ دين الله عز وجل كاملاً ولم ينقص منه شيئاً .


الشبهة الثالثة

ومن الشبهات التي يرددها المستشرقين و أذنابهم هو ما فهموه من قوله تعالى{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (8) ، وقوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (9).
فقالوا : إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين ، وكلَّ حُكم من أحكامه ، وأنه بيَّن ذلك وفصَّله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر ، وإلا كان الكتاب مفرِّطاً فيه ، ولما كان تبياناً لكل شيء ، فيلزم الخُلْف في خبره سبحانه وتعالى .



الرد على هذه الشبهة و تفنيدها :

وجواباً على هذه الشبهة يقال : ليس المراد من الكتاب في قوله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (10) القرآن ، وإنما المراد به اللوح المحفوظ ، فإنه هو الذي حوى كل شيء ، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، على التفصيل التام ، بدلالة سياق الآية نفسها حيث ذكر الله عز وجل هذه الجملة عقب قوله سبحانه : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } (11)أي مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم كل ذلك مسطور مكتوب في اللوح المحفوظ لا يخفى على الله منه شيء .
وعلى التسليم بأن المراد بالكتاب في هذا الآية القرآن ، كما هو في الآية الثانية وهي قوله سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ }(12) فالمعنى أنه لم يفرِّط في شيء من أمور الدِّين وأحكامه ، وأنه بيَّنها جميعاً بياناً وافياً .
ولكن هذا البيان إما أن يكون بطريق النص مثل بيان أصول الدين وعقائده وقواعد الأحكام العامة ، فبيَّن الله في كتابه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، وحِلِّ البيع والنكاح ، وحرمة الرِّبا والفواحش ، وحِلِّ أكل الطيبات وحُرْمة أكل الخبائث على جهة الإجمال والعموم ، وتَرَك بيان التفاصيل والجزئيات لرسوله صلى الله عليه وسلم .

ولهذا لما قيل لمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِخِّير : " لا تحدثونا إلا بالقرآن قال : والله ما نبغي بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن .
وروي عن عمران بن حصين أنه قال لرجل يحمل تلك الشبهة : إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ، ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ، ثم قال أتجد هذا في كتاب الله مفسَّرا ، إن كتاب الله أبهم هذا وإن السنة تفسر ذلك "
وإما أن يكون بيان القرآن بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحُجَجاً على خلقه .
فكل حكم بينته السنَّة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة ، فالقرآن مبَيِّن له حقيقة ، لأنه أرشد إليه وأوجب العمل به ، وبهذا المعنى تكون جميع أحكام الشريعة راجعة إلى القرآن .
فنحن عندما نتمسك بالسنة ونعمل بما جاء فيها إنما نعمل في الحقيقة بكتاب الله تعالى ، ولهذا لما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت إليه وقالت : إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت ، فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأتِ { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(13) ؟! قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه .
وحُكِي أن الشافعي رحمه الله كان جالساً في المسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى ، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِم إذا قتل الزُّنْبُور ؟ فقال لا شيء عليه ؟ فقال : أين هذا في كتاب الله ؟ فقال : قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } ، ثم ذكر إسناداً إلى النبي في الحديث الذي رواه الترمذي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) ، ثم ذكر إسناداً إلى عمر رضي الله عنه أنه قال " للمُحْرِم قتل الزُّنْبُور " فأجابه من كتاب الله قال الإمام الخطابي رحمه الله " أخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانَه الكتابُ ، إلا أن البيان على ضربين : بيان جَلِيّ تناوله الذكر نصاً وبيان خفِيّ اشتمل عليه معنى التلاوة ضمناً ، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معنى قوله سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ، فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان " , وبذلك يتبين ضلال هؤلاء وسوء فهمهم وتهافت شبهاتهم ، وأنه لا منافاة بين حجية السنة وبين كون القرآن تبياناً لكل شيء ، والحمد لله أولاً وآخراً .



الشبهة الرابعة :

ومن شبهاتهم أيضا تمسكهم بجملة أخبارٍ منسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تؤيد بحسب زعمهم - ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بالسنة ، ووجوب عرض ما جاء فيها على كتاب الله .
ومن هذه الأخبار ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود فحدّثوه فخطب الناس فقال : ( إن الحديث سيفشو عنِّي ، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي ) ، فقالوا : إذا أثبتت السنة حكماً جديداً فإنها تكون غير موافقة للقرآن ، وإن لم تثبت حكماً جديداً فإنها تكون لمجرد التأكيد فالحجة إذاً في القرآن وحده .
ومن هذه الأخبار التي استدلوا بها ما روِي أنه - صلى الله عليه وسلم- قال : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ، قلته أم لم أقله فصدّقوا به ، فإني أقول ما يُعرَف ولا يُنكَر ، وإذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدِّقوا به ، فإني لا أقول ما يُنكَر ولا يُعرَف ) ، فقالوا هذا يفيد وجوب عرض الحديث المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم - على المستحسن المعروف عند الناس من الكتاب أو العقل ، فلا تكون السنة حجَّة حينئذ .
ومن تلك الأخبار أيضاً ما رُوِي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ، ولا أحرِّم إلا ما حرَّم الله في كتابه ) ، وفي رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ، فإني لا أحلُّ لهم إلا ما أحلَّ الله ولا أحرَّم عليهم إلا ما حرَّم الله ) .
هذه هي خلاصة الشبه التي أوردوها ، وهي شبه ضعيفة متهافتة لا تثبت أمام البحث والنظر الصحيح ، وتدل على مبلغ جهلهم وسوء فهمهم .

الرد على هذه الشبهة و تفنيدها :

أما الحديث الأول : ( إن الحديث سيفشو عني .... ) فإن أحاديث العرض على كتاب الله كلها ضعيفة لا يصح التمسك بشيء منها كما ذكر أهل العلم ، فمنها ما هو منقطع ، ومنها ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول ، ومنها ما جمع بين الأمرين ، وقد بَيَّن ذلك ابن حزم و البيهقي ، و السيوطي ، وقال الشافعي في الرسالة : " ما روَى هذا أحدٌ يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل هذه الرواية في شيء " ، بل نقل ابن عبد البر في جامعه عن عبد الرحمن بن مهدي قوله : " الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث " ، ثم قال : " وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه " .
بل إن الحديث نفسه يعود على نفسه بالبطلان ، فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفاً له ، فلا يوجد في كتاب الله أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل منه إلا ما وافق الكتاب ، بل إننا نجد في القرآن إطلاق التأسي به - صلى الله عليه وسلم والأمر بطاعته ، والتحذير من مخالفة أمره على كل حال ، فرجع الحديث على نفسه بالبطلان .
ومما يدل على بطلانه كذلك معارضته الصريحة لقوله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه أبو داود : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ).


وعلى التسليم بصحة الخبر فليس المراد منه أن ما يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم نوعان : منه ما يوافق الكتاب فهذا يُعمل به ، ومنه ما يخالفه فهذا يُردُّ ، بل لا يمكن أن يقول بذلك مسلم ، لأن في ذلك اتهاماً للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يمكن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، وكيف لمؤمن أن يقول ذلك وقد ائتمنه الله على وحيه ودينه وقال له : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي }(14) .
فالرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يصدر عنه ما يخالف القرآن ، ولا يمكن أن يوجد خبر صحيح ثابت عنه مخالفٌ لما في القرآن .
فيكون معنى الحديث إذاً : " إذا رُوِي لكم حديث فاشتبه عليكم هل هو من قولي أو لا فاعرضوه على كتاب الله ، فإن خالفه فردُّوه فإنه ليس من قولي " ، وهذا هو نفسه الذي يقوله أهل العلم عندما يتكلمون على علامات الوضع في الحديث ، فإنهم يذكرون من تلك العلامات أن يكون الحديث مخالفاً لمحكمات الكتاب ، ولذلك قال " فما أتاكم يوافق القرآن : فهو عنِّي ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عنِّي".
وعندما نقول : إن السنة الصحيحة لابدَّ وأن تكون موافقة للقرآن غير مخالفة له ، فلا يلزم أن تكون هذه الموافقة موافقة تفصيلية في كل شيء ، فقد تكون الموافقة على جهة الإجمال ، فحين تبين السنة حكماً أجمله القرآن ، أو توضِّح مُشْكِلاً ، أو تخصص عامَّاً ، أو تقييد مطلقاً ، أو غير ذلك من أوجه البيان ، فهذا البيان في الحقيقة موافق لما في القرآن ، غير مخالف له .
بل حتى الأحكام الجديدة التي أثبتتها السنة ودلَّت عليها استقلالاً ، هي أيضاً أحكام لا تخالف القرآن ، لأن القرآن سكت عنها على جهة التفصيل ، وإن كان قد أشار إليها وتعرض لها على جهة الإجمال حين قال : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (15) .
وأما الحديث الثاني : ( إذا حُدِّثتم عنِّي حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه ....) ، فرواياته ضعيفة منقطعة كما قال البيهقي و ابن حزم وغيرهما ، فضلاً عما فيه من تجويز الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - وذلك في عبارة : ( ما أتاكم من خبر فهو عنِّي قلته أم لم أقله ) ، وحاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله في الصحيحين : ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار ) .
وقد رُوي هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها لفظ ( قلته أم لم أقله ) منها رواية صحيحة أخرجها الإمام أحمد : ( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه )
والمراد منه أن من أدلَّة صحة الحديث وثبوته أن يكون وفق ما جاءت به الشريعة من المحاسن ، وأن يكون قريباً من العقول السليمة والفطر المستقيمة ، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على عدم صحته ، وهذا هو الذي يقوله علماء الحديث عند الكلام على العلامات التي يعرف بها الوضع وليس هذا مجال بسطها .
نعم قد تقصر عقولنا عن إدارك الحكمة والعلَّة ، فلا يكون ذلك سبباً في إبطال صحة الحديث وحجيته ، فمتى ما ثبت الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب علينا قبوله وحسن الظن به ، والعمل بمقتضاه ، واتهام عقولنا ، قال ابن عبد البر : كان أبو إسحاق إبراهيم بن سيار يقول : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب من فم القربة ، فكنت أقول : إن لهذا الحديث لشأناً ، وما في الشرب من فم القربة حتى يجيء فيه هذا النهي ؟ فلما قيل لي : إن رجلاً شرب من فم القربة فوكعته حية فمات ، وإن الحيات والأفاعي تدخل أفواه القرب علمت أن كل شيء لا أعلم تأويله من الحديث أن له مذهباً وإن جهلته ".
وأما الحديث الثالث : ( إني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه ....) ، فهو حديث منقطع في كلتا روايتيه كما قال الشافعي و البيهقي و ابن حزم .
وعلى فرض صحته فليس فيه أيُّ دلالة على عدم حجية السنة بل المراد بقوله : ( في كتابه ) ما أوحى الله إليه - كما قال البيهقي - فإن ما أوحى الله إلى رسوله نوعان : أحدهما وحي يتلى ، والآخر وحي لا يتلى ، ففسَّرَ الكتاب هنا بما هو أعم من القرآن .
وقد ورد في السنة استعمال الكتاب في هذا المعنى في الحديث الذي رواه الإمام البخاري حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم ردٌّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا إليها فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرُجِمت ، فجعل - صلى الله عليه وسلم -حكم الرجم والتغريب في كتاب الله ، مما يدُلُّ على أن المراد عموم ما أوحي إليه .
وحتى لو سلمنا أن المراد بالكتاب القرآن ، فإن ما أحلَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حرمه ولم ينص عليه القرآن صراحة ، فهو حلال أو حرام في القرآن لقول الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(16) ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرم الله ) رواه الترمذي وغيره .
وأما رواية : ( لا يمسكنَّ الناس عليَّ بشيء ...) ، فقد قال فيها الشافعي إنها من رواية طاووس وهو حديث منقطع .
وعلى افتراض ثبوتها فليس معناها تحريم التمسك بشيء مما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أو الاحتجاج به .

وإنما المراد أنه -صلى الله عليه وسلم - في موضع القدوة والأسوة ، وأن الله عز وجل قد خصَّه بأشياء دون سائر الناس فأبيح له ما لم يبح لغيره ، وحُرِّم عليه ما لم يُحرَّم على غيره ، فكان المعنى : لا يتمسكن الناس بشيء من الأشياء التي خصني الله بها ، وجعل حكمي فيها مخالفاً لحكمهم ، ولا يقس أحدٌ نفسه عليَّ في شيء من ذلك ، فإن الحاكم في ذلك كله هو الله تعالى ، فهو الذي سوى بيني وبينهم في بعض الأحكام ، وفرَّق بيني وبينهم في بعضها الآخر .
وبهذا يتبين أن الأحاديث التي استند إليها أصحاب هذه الشبهة منها ما لم يثبت عند أهل العلم ، ومنها ما ثبت ولكن ليس فيه دليل على دعواهم ، فلم يبق لهؤلاء الذين نابذوا السنة ، وتأولوا القرآن على غير وجهه - من حجة إلا اتباع الهوى ، وصدق الله إذ يقول :{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .(17)


الشبهة الخامسة :

خلاصة هذه الشبهة قولهم: إن السنة لم تكن شرعاً عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون سنته مصدراً تشريعياً للدين وما قال شيئاً أو فعله بقصد التشريع ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أن يكون ثمة مصدر تشريعي سوى القرآن المجيد بل كان مصدر التشريع عند الرسول صلى الله عليه وسلم هو القرآن وحده وكذلك فهم الصحابة رضوان الله عليهم وجاء عهد التابعين الذين بدأت فيه فتنة القول بالسنة وأنها مصدر من مصادر التشريع وكانت تلك قاصمة الظهر بالنسبة للدين حيث دخل فيه ما ليس منه واختلط بالوحي الصحيح الخالص الذي هو القرآن ما ليس من الوحي بل هو كلام البشر التي هي السنة النبوية

وهم يزعمون أن لهم أدلة على ذلك وهي :

1.أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بكتابة القرآن الكريم وحضهم على ذلك ونهى أصحابه عن كتابة شيء من السنة قولاً كانت أو فعلا وذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه )(18)

2. أن الصحابة رضوان عليهم عرفوا من النبي صلى الله عليه و سلم أن السنة ليست شرعاً فأهملوا كتابتها وحفظها رغم اهتمامهم الشديد بكتابة القرآن المجيد على كل ما يصلح أن يُكْتب عليه.

3. أن كبار الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم الخلفاء الراشدون كانوا يكرهون رواية الأحاديث ويحذرون منها وكان عمر رضي الله عنه يهدد رواة الحديث ويتوعدهم وقد حبس عمر بن الخطاب عدداً من الصحابة بسبب روايتهم للحديث تنفيذاً لوعيده وتهديده إياهم بعدم رواية الحديث.



الرد على الشبهة وتفنيدها :
يمكن أن نرد على هذه الشبهة في عدة نقاط :

1.أما قولهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الحديث بينما حضَّ على كتابة القرآن وحفظه وكان له صلى الله عليه وسلم كتبة القرآن فقول مبالغ فيه ويقوم على التدليس وذكر بعض الحق وإخفاء البعض وليس من شك في أن القرآن المجيد قد لقي من العناية بكتابته وحفظه ما لم يكن للسنة النبوية فهو مصدر الدين الأول وهو أعلى من السنة منزلة وقداسة وهو أحق بالعناية والاهتمام بكتابته وحفظه لذلك حظي القرآن من العناية بما لم تحظ به السنة وبخاصة تدوينها وكتابتها والأسباب التي جعلت الصحابة يهتمون بكتابة القرآن فوق اهتمامهم بكتابة السنة كثيرة. منها : أن القرآن الكريم محدود بحدود ما ينزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم فكتابته والإحاطة به أيسر وهم على ذلك أقدر أما السنة النبوية من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله فكثيرة ومتشعبة تتضمن أقواله عليه السلام وأفعاله اليومية وعلى مدى ثلاث وعشرين سنة عاشها صلى الله عليه وسلم بينهم وهذا أمر يشق كتابته وتدوينه وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار ندرة أو قلة الكاتبين بين الصحابة رضوان الله عليهم ومنها : أن كتابة القرآن ضرورة يفرضها ويحتمها كون القرآن العظيم وحي الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه ولا تجوز روايته بالمعنى أما السنة فتجوز روايتها بالمعنى ويجوز في السنة أن يقول القائل : " أو كما قال " وما هو من قبيلها وليس ذلك جائزاً في القرآن ومنها : أن الكاتبين بين الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قلة وليس في مقدورهم أن يكتبوا السنة والقرآن معاً وإذا كان ثمة اختيار بين أيهما يكتب الصحابة العارفون الكتابة فليكن المكتوب هو القرآن وذلك حتى يسلموه لمن بعدهم محرراً مضبوطاً تاماً لم يزد فيه ولم ينقص منه حرف.

وأما احتجاجهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة غير القرآن، وغير القرآن هو السنة فهو احتجاج باطل من وجوه. أولها:

أن هذا الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تكتبوا عني، ومـن كتب عني غير القرآن فليمحه ). هذا الحديث معلول أعله أمير المؤمنين في الحديث أبو عبد الله البخاري وغيره بالوقف على أبي سعيد ". ولو صرفنا نظراً عن هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نهى عن الكتابة، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم الإذن بها بل الأمر بها في أحاديث أخر ولذلك قلنا إن استدلالهم فيه تدليس حيث ذكروا حديث النهي ولم يشيروا إلى أحاديث الإذن وهي كثيرة منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال “ إن الله حبس عن مكة القتل –أو الفيل الشك من البخاري وسلط عليهم رسول الله والمؤمنون .. " ولما انتهى من خطبته جاء رجل من أهل اليمن فقال : اكتب لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: ( اكتبوا لأبي شاة )(19)

ومنها : ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فقد كان يكتب ولا أكتب (20). ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن بعض الصحابة حدثه فقال : إنك تكتب عن رسول الله كل ما يقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم - بشر يغضب فيقول ما لا يكون شرعاً، فرجع عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قيل له، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج من فمي إلا الحق) (21) وهذه الروايات في الصحيح وهناك غيرها ضعيف وهي كثيرة فإذا ما وازنا بين روايات المنع وروايات الإذن “ وجدنا أبا بكر الخطيب رحمه الله (ت463هـ ) قد جمع روايات المنع فلم يصح منها إلا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه السابق ذكره وقد بينا أن الإمام أبا عبد الله البخاري قد أعله بالوقف على أبي سعيد وكذلك فعل غيره (22) بينما أحاديث الإذن كثيرة والصحيح منها كثير روينا بعضه ومنها : إضافة إلى ما سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته :( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ) . (23)

وقد اجتهد العلماء في الجمع بين أحاديث الإذن وأحاديث المنع، فنتج عن ذلك آراء أهمها :

أ.أن ذلك من منسوخ السنة بالسنة أي أن المنع جاء أولاً ثم نسخ بالإذن في الكتابة بعد ذلك وإلى ذلك ذهب جمهرة العلماء، ومنهم ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث وقد قالوا إن النهي جاء أولاً خشية التباس القرآن بالسنة فلما أمن الالتباس جاء الإذن.

ب.أن النهي لم يكن مطلقاً، بل كان عن كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة أما في صحيفتين فمأذون به.

ج.أن الإذن جاء لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون لأنفسهم، ويؤمن عليهم الخلط بين القرآن والسنة.

وهناك آراء غير ذلك لكن الذي يتضح من روايات المنع وروايات الإذن أن الإذن جاء آخراً فإن كان نسخ فهو الناسخ للمنع وهذا الذي رواه الجمهور.

وبهذا يسقط استدلالهم بحديث المنع الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه هذا الحديث الذي يعدونه حجر الزاوية في احتجاجهم بعدم تشريعية أو حجية السنة ويكثرون اللجاج به .

2.أما قولهم إن الصحابة رضوان الله عليهم قد فهموا من النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة ليست شرعاً فانصرفوا عنها، ولم يهتموا بكتابتها أو الالتزام بها فهذا من الكذب والمكابرة والمطلع على المدونات في كتب السنة وتاريخ العلوم وما كتب العلماء في مواقف الأمة المسلمة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخاصة موقف الصحابة رضوان الله عليهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع بكذب هؤلاء ويعجب من مدى تبجحهم وافترائهم على الحق إلى حد قلب الأوضاع وعكس الأمور. فقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحرص الخلق على ملاحظة أقوال رسول الله – صلى الله عليه وسلم وأفعاله وحفظها والعمل بها بل بلغ من حرصهم على تتبع كل صغيرة وكبيرة وحفظها ووعيها والعمل بها أن كانوا يتناوبون ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحدث عنه البخاري بسنده المتصل إليه. يقول : " كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوماً فإذا نـزلت جئته بخبر ذلك اليوم وإذا نزل فعل مثل ذلك" وما كان ذلك إلا لحرصهم الشديد على معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعها والالتزام بها ...

وقد كان الصحابة يقطعون المسافات الطويلة ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الله في بعض ما يعرض لهم يروي البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أن امرأة أخبرته أنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (كيف وقد قيل ؟ ) ففارق زوجه لوقته وتزوجت بغيره ..

وكان الصحابة رضي الله عنهم حريصين على أن يسألوا أزواج النبي رضوان الله عليهن عن سيرته وسنته في بيته وكانت النساء يذهبن إلى بيوت أزواج النبي يسألنهن عما يعرض لهن وهذا معروف مشتهر غني عن ذكر شاهد أو مثال.

بل لقد بلغ من حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الالتزام بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يلتزمون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعرفوا لذلك حكمة، ودون أن يسألوا عن ذلك ثقة منهم بأن فعله صلى الله عليه وسلم وحي فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب ثم نبذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( إني لن ألبسه أبداً ) فنبذ الناس خواتيمهم ". (24)

وروى القاضي عياض في كتابه " الشفا " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعها عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم فلما قضى صلاته قال : ( ما حملكم على إلقاء نعالكم) ؟ قالوا : يا رسول الله رأيناك ألقيت نعليك، فقال : ( إن جبريل أخبرني أن فيهمــا قذرا) (25)

وأورد ابن عبد البر في “ جامع بيان العلم وفضله " عن ابن مسعود رضي الله عنه " أنه جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فسمعه يقول : ( اجلسوا ) فجلس بباب المسجد أي حيث سمع النبي يقول ذلك فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (تعال يا عبد الله بن مسعود)

إلى هذا الحد بلغ حرص الصحابة رضوان الله عليهم على معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله والالتزام بها والاستجابة لأمره ونهيه من فورهم كما فعل عبد الله بن مسعود ومن غير أن يدركوا حكمة الفعل كما في إلقائهم نعالهم في الصلاة ونبذهم خواتيم الذهب ولم يكن ذلك إلا استجابة لله تعالى في أمره بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم والاقتداء به كما في قوله عز وجل :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (26) ثم استجابة لرسوله صلى الله عليه وسلم في أمره الأمة باتباع سنته والالتزام بها كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) (27) وقوله عليه الصلاة والسلام : (صلوا كما رأيتموني أصلي) (28). وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال : ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) (29) وقوله صلى الله عليه وسلم ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة .. ) (30)

هذا قليل من كثير مما يبين موقف الصحابة رضوان الله عليهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موقف يتسم بالحرص الشديد والاهتمام البالغ على معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظها والالتزام بها بل وتبليغها إلى من يسمعها استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نضر الله امرأ سمع مقالتي ووعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع ) (31)

ومن هذا يتبين مدى كذب أعداء السنة وأعداء الله ورسوله في ادعائهم الذي سلف ذكره.

3-وأما دعواهم بأن كبار الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يكرهون رواية الحديث وكان عمر رضي الله عنه يتهدد رواة السنة وأنه نفذ وعيده فحبس ثلاثة من الصحابة بسبب إكثارهم من رواية السنة فهذا كذب يضاف إلى ما سبق من دعاواهم الكاذبة وفيه جانب من التدليس الذي لا يخلو عنه كلامهم.

أما أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يكرهون رواية الحديث فهذا باطل والحق أنهم كانوا يخشون روايتها ويهابون من ذلك لعظم المسؤولية ووعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من يكذب عليه في قوله عليه السلام ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) (32) ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم بين أمرين هم حريصون على كل منهما أولهما : تبليغ دين الله إلى من يليهم من الأمة ثانيهما : التثبت والتحري الشديد لكل ما يبلغونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك كان الواحد منهم يمتقع وجهه، وتأخذه الرهبة وهو يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصواب إذن أن الصحابة كانوا يهابون رواية الحديث بسبب شدة خوفهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخطأ فيما يروون وليس كما يزعم هؤلاء أن ذلك لأنهم كانوا يرون السنة غير شرعية أو أنها ليست مصدراً تشريعياً.

أما دعوى حبس عمر رضي الله عنه ثلاثة من أصحابه هم : عبد الله بن مسعود، وأبو ذر، وأبو الدرداء رضي الله عنهم فهذه رواية ملفقة كاذبة، جرت على الألسنة وقد ذكرها البعض كما تجري على الألسنة وتدون في كتب الموضوعات من الأحاديث والوقائع فليس كل ما تجري به الألسنة أو تتضمنه بعض الكتب صحيحاً وقد تولى تمحيص هذه الدعوى الكاذبة الإمام " ابن حزم " رحمه الله في كتابه : “ الإحكام “ فقال :(وروي عن عمر أنه حبس ابن مسعود، وأبا الدرداء وأبا ذر من أجل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن طعن ابن حزم في الرواية بالانقطاع محصها شرعاً فقال : إن الخبر في نفسه ظاهر الكذب والتوليد لأنه لا يخلو : إما أن يكون عمر اتهم الصحابة وفي هذا ما فيه أو يكون نهى عن نفس الحديث وتبليغ السنة وألزمهم كتمانها وعدم تبليغها وهذا خروج عن الإسلام وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، وهذا قول لا يقول به مسلم ولئن كان حبسهم وهم غير متهمين فلقد ظلمهم فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات أي الطريقين الخبيثين شاء " (33).



الشبهة السادسة :

و من شبهاتهم أيضا أن بين السنة والقرآن تعارضا في الكثير كما يزعمون أن السنة تتعارض فيما بينها ويرتبون على ذلك النتيجة التي قدموا لها بأنه لا داعي للأخذ بالسنة أي بالأحاديث النبوية .‏



الرد على هذه الشبهة :
إن علماءنا الأفاضل وقفوا أمام شبهة التعارض المزعومة هذه سواء كانت تعارضا مزعوما بين القرآن والحديث أو بين الأحاديث بعضها مع بعض ومن أمثلة التعارض الأول حسب زعمهم أي التعارض بين القرآن والسنة أن يأمر القرآن بقراءة ما تيسر من القرآن في الصلاة في قوله ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن )‏ ثم يقول الحديث النبوي : "‏ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "‏ ‏ فنقول ببساطة شديدة أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون تعارضا أبدآ و لكنه تخصيص للعام و هذا الأمر من بديهيات علوم الشريعة فأمر القرآن عام خصصته السنة النبوية ومثله قول القرآن (‏ وأحل الله البيع وحرم الربا )‏ فهو عام في كل أنواع البيع لكن يجئ الحديث النبوي ليخصص أنواعا بعينها بطريقة بعينها في البيع فيقول :‏ "‏ الذهب بالذهب مثلا بمثل ويدا بيد والفضل ربا إلخ "‏ ولا تعارض لأن السنة وهى البيان التفصيلي لما يجمل في القرآن كما تصرح الآية (‏ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )‏ .‏
ومن النوع الثاني ‏ أي تعارض حديث مع حديث ما روى عن استحباب الوضوء بعد الأكل من طعام مسته النار مثل :‏ من أكل لحم جزور فليتوضأ وتوضأوا فيما مست النار ثم جاء الحديث الآخر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مست النار فلا تعارض هنا ولكن الحديث الأخير غير الحكم في الحديث الذي سبقه فهو ما يسميه علماء الحديث النسخ أي تغيير المتأخر للحكم المتقدم ولا تعارض فيه ‏
ومسائل كثيرة قد تحدث شبهة كاستثناء الخاص من العام كقوله تعالى (‏ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )‏ ثم يأتي الحديث ليقيد حج النساء باشتراط أن يكون مع المرأة محرم "‏ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها "‏ فهذا استثناء للخاص من العام وأيضا لا تعارض فيه .‏

فهذه المسائل وغيرها قد عنى بدراستها وتوضيح ما يصنع الشبهة فيها عنى بها علماء السنة وأفردوا لها التصانيف المختلفة التي حولتها من مواطن اشتباه أو مآخذ كما يتلمس الكارهون إلى حيث أصبحت جميعها مصدر سعة وثراء ورفع للحرج عن الإنسان في التشريع الإسلامي يحسب له ولا يعاب عليه .



الشبهة السابعة :

إن حَمَلَةَ السنة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا جنودا للسلاطين والملوك في العصر الأموي والعباسي فكانوا يضعون لهم من الأحاديث ما يوافق رغباتهم ويثبت ملكهم.


الرد على هذه الشبهة :
ولقد أجاب الدكتور مصطفى السباعي على هذا الزعم الباطل في كتابه مكانة السنة في التشريع الإسلامي فقال: "إن أعداء الإسلام من غلاة الشيعة والمستشرقين ودعاة الإلحاد لم يصلوا ولن يصلوا إلى مدى السمو الذي يتصف به رواة السنة من الترفع عن الكذب حتى في حياتهم العادية بل ولن يصل أعداء الإسلام إلى مبلغ الخوف الذي استقر في نفوسهم بجنب الله خشية ورهبة، ولا مدى استنكارهم لجريمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال منهم من قال بكفر من يفعل ذلك وقَتْلِهِ وعدم قبول توبته إن أعداء الإسلام معذورون إذ لم يفهموا عن علمائنا هذه الخصائص لأنه لا يوجد لها ظل في نفوسهم ولا فيمن حولهم، ومن اعتاد الكذب ظن في الناس أنهم أكذب منه واللص يظن الناس لصوصا مثله وإلا فمن الذي يقول في قوم جاهروا بالإنكار على بعض ولاتهم لأنهم خالفوا بعض أحكام السنة وتعرض بعضهم للضرب والإهانة والتنكيل في سبيل الجهر بكلمة الحق من يقول: إن هؤلاء استباحوا لأنفسهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفوا إلى سنته أحكاما لم يقلها".ا هـ
نعم إن قوما لم يحابوا في حكمهم على الرجال أحدا لا أبا ولا ابنا ولا أخا ولا صديقا ولا شيخا إن ذلك لَعُنوَانُ صدق ديانتهم ونزاهتهم وأمانتهم وعنوان إجلال الحفاظ للسنة النبوية الشريفة وأنها عندهم أغلى من الآباء والأجداد والأولاد والأحفاد فكانوا مضرب المثل في الصدق والتقوى والأمانة.
وهاك أمثلةً على نزاهتهم في حكمهم على الرجال :
1- المُجَرِّحُونَ لآبائهم:
الإمام علي بن المديني سئل عن أبيه فقال: "سلوا عنه غيري" فأعادوا المسألة، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: "هُوَ الدِّينُ، إِنَّهُ ضَعِيفٌ".
2- المجرحون لأبنائهم:
الإمام أبو داود السجستاني "صاحب السنن" قال: "ابني عبد الله كذاب". ونحوه قول الذهبي في ولده أبي هريرة: "إنه حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه حتى نسيه".
3- المجرحون لإخوانهم:
زيد بن أبي أنيسة قال: "لا تأخذوا عن أخي يحيى المذكور بالكذب".
4- المجرحون لأصهارهم وأختانهم:
شعبة بن الحجاج قال: "لو حابيت أحدا لحابيت هشام بن حسان كان خَتَنِي، ولم يكن يحفظ".
5- المجرحون لبعض أقاربهم:
أبو عروبة الحراني: "قال الذهبي في ترجمة الحسين بن أبي السري العسقلاني: "قال أبو عروبة: هو خال أمي، وهو كذاب".
6- ومن الذين لم يحابوا مشايخهم:
روى الإمام ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "اختلفوا يوما عند شعبة، فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكما فقال: قد رضيت بالأحول يعني: يحيى بن سعيد القطان، فما برحنا حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه فقضى على شعبة وهو شيخه ومنه تعلم وبه تخرج، فقال له شعبة: ومن يطيق نقدك - أو من له مثل نقدك - يا أحول؟!
قال ابن أبي حاتم:
هذه غاية المنزلة ليحيى بن سعيد القطان إذ اختاره شيخه شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من عدالته بنفسه وصلابته في دينه أن قضى على شعبة شيخه ومعلمه".
وبلغ من نزاهة أئمة الحديث أنهم كانوا لا يقبلون شفاعة إخوانهم للسكوت عمن يرون جرحه وكيف يرتضون تلك الواسطة وهم الذين طعنوا في أبنائهم وآبائهم وإخوانهم لما رأوا منهم ما يستوجب القدح.
أما عن موقف الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة الإسلام من ملوكهم وأمرائهم فالنماذج المشرفة الدالة على ذلك كثيرة فمنها على سبيل المثال لا الحصر موقف أبي سعيد الخدري من مروان والي المدينة، وموقـف ابن عمر من الحجاج وموقف الإمام الزهري مع هشـام بن عبد الملك الأموي وغيرهم الكثير و الكثير .



الشبهة الثامنة :

وهذه الشبهة هي إختلاف المحدثين في التوثيق والتضعيف .
لقد اعتبر الطاعنون اختلاف علماء الحديث في توثيق الرجال وتضعيفهم مطعنا في منهجهم، ويلزم من ذلك أن يوثقوا من لا يستحق التوثيق، ويضعفوا من لا يستحق التضعيف، وينتج عنه تصحيح أحاديث لم تبلغ درجة الصحة، ولذلك حكموا على كثير من الأحاديث بالصحة وهي ليست كذلك.


الرد على هذه الشبهة :
ما وضعه علماء الحديث من قواعد وأصول ثابتة لتوثيق الرواة وتضعيفهم ينفي ما قالوا، ولم ينطلقوا رحمهم الله في تعديل الرواة وتجريحهم من هوى، وإنما كانوا يفعلون ذلك حسبة لله وتدينا، ولذلك كثر قولهم: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".
ولقد قام علم عظيم وضعت له القواعد وأسست له الأسس، وجعل مقياسا دقيقا ضبطت به أحوال الرواة من حيث التوثيق والتضعيف، ذلك "علم الجرح والتعديل" الذي لا نظير له عند أمة من الأمم.
والذي يطالع كتب علوم الحديث يقف مبهورا أمام هذا العلم فائقِ الدقة، البالغ الإحكام، الذي لا يمكن أن يكون وضع صدفة أو جاء عفوا، وإنما بذلت فيه جهود، وتعبت فيه أجسام، وسهرت فيه أعين حتى بلغ إلى قمة الحسن ومنتهى الجودة.
ونتناول من هذا العلم ثلاثة أسئلة يتضح من خلالها فساد هذا الزعم وبطلانه.
أولا: من هو الراوي الذي يقبل حديثه؟.
ثانيا: كيف يوثق؟.
ثالثا: إذا تعارض فيه توثيق وتضعيف، ما العمل إذا؟ وما الذي أدى إلى ذلك؟.
والجواب على هذه الأسئلة:
أولا: لقد نص علماء الحديث على صفات معينة متى توفرت تلك الصفات في شخص معين قبلت روايته واحتج بحديثه.
قال ابن الصلاح - رحمه الله: "وأجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه. وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظا غير مغفل، حافظا إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني".
فهذا هو الثقة الذي تقبل روايته وهو الذي جمع بين شرطي العدالة والضبط. ثانيا: يوثق الراوي إذا ثبتت عدالته بالاستفاضة، أو باشتهاره بين أهل العلم بالثناء والخير، أو بتعديل عالم أو أكثر، وثبت ضبطه بموافقة روايته للثقات المتقنين في الغالب.
ويقبل تعديل الراوي ولو لم يذكر سببه وذلك لكثرة أسباب التعديل ومشقة ذكرها.
وأما جرحه فلا يقبل إلا إذا بين سببه؛ لأن الجرح يحصل بأمر واحد، ولا مشقة في ذكره، إضافة إلى اختلاف الناس في أسبابه.
ثالثا: إذا تعارض جرح وتعديل في راو معين قدم الجرح إذا كان مفسرا ولو زاد عدد المعدلين، وعلى ذلك جمهور العلماء؛ لأن مع الجارح زيادة علم خفيت عن المعدل، فالمعدل يخبر عن ظاهر حال الراوي، والمجروح يخبر عن أمر باطن، وهذا شرط مهم؛ فإنهم لم يقبلوا الجرح إذا تعارض مع التعديل إلا إذا كان مفسرا، وهذا ما استقر عليه الاصطلاح.
يقول الدكتور نور الدين عتر:
"لكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها في تقديم الجرح، فقد وجدناهم يقدمون التعديل على الجرح في مواطن كثيرة، ويمكننا أن نقول: إن القاعدة مقيدة بالشروط الآتية:
1ـ أن يكون الجرح مفسرا، مستوفيا لسائر الشروط.
2ـ ألا يكون الجارح متعصبا على المجروح أو متعنتا في جرحه.
3ـ أن يبين المعدل أن الجرح مدفوع عن الراوي، ويثبت ذلك بالدليل الصحيح.
وهذا يدل على أن اختلاف ملحظ النقاد يؤدي إلى اختلافهم في الجرح والتعديل، لذلك قال الذهبي وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة". وهذا؛ لأن الثقة إذا ضعف يكون ذلك بالنظر لسبب غير قادح، والضعيف إذا وثق يكون توثيقه من الأخذ بمجرد الظاهر.
وقال الحافظ ابن حجر: "والجرح مقدم على التعديل، وأطلق ذلك جماعة ولكن محله إن صدر مبينا من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسر لم يقدم فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضا، فإن خلا المجروح عن تعديل قُبل الجرح فيه مجملا غير مبين السبب إذا صدر من عارف على المختار؛ لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول، وإعمال قول المجروح أولى من إهماله".
كما أنه يجب أن يراعى عند الاختلاف حال المعدل والمجرح؛ لأن ذلك من القرائن التي يرجح بها عند الاختلاف في التوثيق والتضعيف.
قال الإمام الذهبي مبينا أقسام المتكلمين في الرجال من حيث التعنت والتوسط والاعتدال في الجرح والتعديل:
1ـ قسم منهم متعنت في الجرح، متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويلين بذلك حديثه، وهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه، ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق، فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسرا، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلا: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب. وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متعنتون.
2ـ وقسم في مقابلة هؤلاء، كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي: متساهلون.
3ـ وقسم كالبخاري، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وابن عدي: معتدلون منصفون.
وبعد فعلماء الحديث لم ينطلقوا في توثيقهم وتجريحهم، وتصحيحهم وتضعيفهم من خواء وتخبط، وإنما انطلقوا من قواعد متينة وأرض صلبة، في أحكامهم؛ ولذلك برزت هذه الأحكام إلى الوجود في منتهى الدقة، متفقة فيما بينها، متحدة لا شذوذ فيها، منسجمة لا تباين يعتريها، ويعجز كل دعي أن ينقد ما أصلوه بنقد علمي لا مطعن فيه، وبحكم لا قادح فيه.
وهذه شهادة أحد المستشرقين أنفسهم ينقلها الدكتور نورالدين عتر في هذه المسألة وهو (ليوبولد فايس) قال: "إننا نتخطى نطاق هذا الكتاب إذا نحن أسهبنا في الكلام على وجه التفصيل في الأسلوب الدقيق الذي كان المحدثون الأوائل يستعملونه للتثبت من صحة كل حديث، ويكفي من أجل ما نحن هنا بصدده أن نقول: إنه نشأ من ذلك علم تام الفروع، غايته الوحيدة البحث في معاني أحاديث الرسول، وشكلها، وطريقة روايتها.
ولقد استطاع هذا العلم في الناحية التاريخية أن يوجد سلسلة متماسكة لتراجم مفصلة لجميع الأشخاص الذين ذكروا عن أنهم رواة أو محدثون، إن تراجم هؤلاء الرجال والنساء قد خضعت لبحث دقيق من كل ناحية، ولم يعد منهم في الثقات إلا أولئك الذين كانت حياتهم وطريقة روايتهم للحديث تتفق تماما مع القواعد التي وضعها المحدثون، تلك القواعد التي تعتبر على أشد ما يمكن أن يكون من الدقة. فإذا اعترض أحد اليوم من أجل ذلك على صحة حديث بعينه أو على الحديث جملة، فإن عليه هو وحده أن يثبت ذلك".


الشبهة التاسعة :

ومن شبهاتهم أيضآ أن نقد المحدثين إقتصر على نقد الإسناد ولم يشمل نقد المتون
يقول غاستون ويت: "وقد درس رجال الحديث السنة بإتقان إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى السند ومعرفة الرجال والتقائهم وسماع بعضهم من بعض" ثم قال: "لقد نقل لنا الرواة حديث الرسول مشافهة ثم جَمَعَهُ الحُفَّاظ ودوَّنُوه إلا أن هؤلاء لم ينقدوا المتن لذلك لسنا متأكدين من أن الحديث قد وصلنا كما هو عن رسول الله من غير أن يضيف إليه الرواة شيئا عن حسن نية في أثناء روايتهم الحديث".


الرد على هذه الشبهة:
لقد اهتم علماء الحديث اهتماما بالغا بدراسة متن الحديث واستوفوا تلك الدراسة وبذلوا قصارى جهدهم في العناية به بحيث لا يوجد مزيد على ما قدموه.
ولقد كان الهدف الذي يسعون إليه من دراسة الإسناد ونقده وهو تمييز صحيح الحديث من ضعيفة وحماية السنة من العبث والكيد كان ذلك مرتبطا ارتباطا وثيقا بنقد المتن، وقد بينا أن توثيق الراوي لا يتم إلا بثبوت عدالته وضبطه، وهذا الأخير إنما يعرف بمقارنة مرويات الراوي مع مرويات الثقات الآخرين.
ومن الثابت الذي لا جدال فيه عند المحدثين أن صحة إسناد الحديث لا تعني بالضرورة صحة الحديث لأن من شروط الصحيح ألا يكون شاذا ولا معللا والشذوذ والعلة يكونان في السند كما يكونان في المتن فقد يصح إسناد حديث ما ويكون في متنه علة قادحة تقدح في صحته وهكذا الشذوذ ولذا لم تكن دراستهم قاصرة على الأسانيد وإنما بحثوا في علل المتون وشذوذها وجمعت أبحاثهم هذه في علل المتون والأسانيد في مصنفاتهم من كتب العلل وهي كثيرة.
ومن أجل ذلك نشأت علوم لا تكتفي بدراسة الإسناد بل تعني بدراسة الإسناد والمتن جميعا فمن ذلك: الحديث المقلوب، والمضطرب، والمدرج، والمعلل، والمصحف، والموضوع، وزيادة الثقة.
كما أنشئت علوم تتعلق بدراسة المتن خاصة من ذلك غريب الحديث، أسباب وروده، ناسخه ومنسوخة، مشكله، ومحكمه.
وفي هذا بذل المحدثون جهدا لا نظير له ولا مثيل ومن جهودهم في دراسة المتن ما وضعوه من علامات وضوابط يعرف بها وضع الحديث من غير رجوع إلى سنده من ذلك:
1ـ ركاكة اللفظ في المروي: فيدرك من له إلمام باللغة ومعرفتها أن ذلك لا يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا صرح الراوي بأنه لفظه وإلا فمدار الركة على المعنى وإن لم ينضم إليها ركاكة اللفظ.
2ـ مخالفة الحديث لنص القرآن أو السنة المتواترة: فما يخالف القرآن كحديث: "مقدار الدنيا وإنها ... آلاف سنة" فهو مخالف لقوله تعالى: (يَسأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرسَاهَا قُل إِنَّمَا عِلمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ لَا تَأتِيكُم إِلَّا بَغتَةً يَسأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنهَا قُل إِنَّمَا عِلمُهَا عِندَ اللَّهِ) (34) .
وما يخالف السنة كأحاديث مدح من اسمه محمد أو أحمد، وأن كل من يسمى بهذه الأسماء لا يدخل النار؛ والنار لا يجار منها بالأسماء والألقاب وإنما بالإيمان والعمل الصالح
3ـ ما اشتمل على مجازفات وإفراط في الثواب العظيم على الأمر الصغير، أو وعيد عظيم على فعل يسير: كحديث: من قال: لا إله إلا الله، خلق الله من تلك الكلمة طائرا له
يقول الدكتور صبحي الصالح صاحب كتاب علوم الحديث و مصطلحه مؤكدا عدم تفرقة المحدثين بين السند والمتن في حكمهم على الحديث: "على أننا لا نرتكب الحماقة التي لا يزال المستشرقون، وتلامذتهم المخدوعون بعلمهم" الغزير" يرتكبونها كلما عرضوا للحديث النبوي، إذ يفصلون بين السند والمتن مثلما يفصل بين خصمين لا يلتقيان أو ضرتين لا تجتمعان، فمقاييس المحدثين في السند لا تفصل عن مقاييسهم في المتن إلا على سبيل التوضيح والتبويب والتقسيم، وإلا فالغالب على السند الصحيح أن ينتهي بالمتن الصحيح، والغالب على المتن المعقول المنطقي الذي لا يخالف الحس أن يرد عن طريق صحيح".
فعلماء الحديث - رحمهم الله - درسوا متن الحديث دراسة وافية يعرف قدرها من نظر إلى مؤلفات القوم وما تركوه من ميراث عظيم سارت على ضوئه الأجيال، واعترف بذلك المنصفون، فلا عبرة بما قاله غاستون ويت، ولا بما قاله كل حاقد يريد شرا بديننا القويم فنحن المسلمون بحمد الله نثق في علمائنا الأجلاء ونقدر لهم جهودهم، ونشكر لهم ما بذلوه من جهود في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونشهد لهم بذلك وبسلامة منهجهم واستقامته ولا نلتفت إلى طعن الطاعن أو قول مبغض فيهم أبدا بل نكشف قوله ونرد كيده ونمحو أثره وصدق الله إذ يقول: (بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ) .



الشبهة العاشرة :

يقول المستشرق " ماكدونالد " وغيره من المستشرقين : "إن الأحاديث لا تنبني عليها الحقائق التاريخية، وإنها سجل مضطرب كثير الأغلاط التاريخية مما يدل على الوضع في الحديث .


الرد على هذه الشبهة :
الذي يطالع دواوين السنة وخاصة "الصحيحين" يجد حشدا ضخما من الأحاديث النبوية التي تشير إلى وقائع وأحداث تاريخية ماضية كقصص الأنبياء والأمم السابقة وبدء الخلق كما أن هنالك كثيرا من الأحاديث التي تدل على أمور تحدث في المستقبل كأحاديث الفتن وغيرها وكثير من هذه الأحاديث صحيح وثابت تلقته الأمة بالقبول وصدقت بما جاء فيه وآمنت بكل ذلك لأن الذي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عز وجل فيه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِن هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحَى) (35) .
وقد اعتمد علماء الأمة على تلك الأحاديث في بيان الحقائق التاريخية وإثباتها بل تعتبر عندهم من أقوى الأدلة بعد القرآن الكريم ولذلك ملئت بها كتب السير والتاريخ وحكموها في كثير من أخبار أهل الكتاب فقبلوا منها ما أيدته الأحاديث النبوية وردوا منها ما خالفته وتوقفوا فيما لم يرد شاهد من القرآن أو السنة عليه قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ) قال: "أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه".
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستندون في ذكر الحقائق التاريخية وتصويبها على ما جاء في كتاب الله وما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري بسنده إلى سعيد بن جبير قال: قُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوفًا البَكَالِيَّ يَزعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيسَ بِمُوسَى بَنِي إِسرَائِيلَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ، فَقَال:َ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ! حَدَّثَنَا أُبَيُّ بنُ كَعبٍ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسرَائِيلَ، فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيهِ إِذ لَم يَرُدَّ العِلمَ إِلَيهِ، فَأَوحَى اللَّهُ إِلَيهِ: أَنَّ عَبدًا مِن عِبَادِي بِمَجمَعِ البَحرَينِ هُوَ أَعلَمُ مِنكَ...) .
فقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما على صدق الخبر وحقيقته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وكذب بذلك نَوفًا، وتلك حقيقة تاريخية دل عليها الحديث.
بل أكثر من ذلك فقد كانوا يلجئون إلى الأحاديث في فض النزاع إذا اختلفوا في حقيقة تاريخية كما يلجئون إليها في الأحكام.
روى البخاري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالحُرُّ بنُ قَيسِ بنِ حِصنٍ الفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بنُ كَعبٍ فَدَعَاهُ ابنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ؛ هَل سَمِعتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ شَأنَهُ؟ قَالَ: نَعَم سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( بَينَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ ...) .



إذن نعلم يقينا بعد دحض هذه الشبهات التي أوردناها للمستشرقين و من شايعهم أنهم فشلوا فشلا ذريعا في جميع مطاعنهم التي وجهوها للسنة النبوية والتي وجهوها أيضا للمنهج النقدي للمحدثين وظهر عوار هؤلاء المستشرقين واختلال منهجهم العلمي في البحث .


خاتمة البحث :

نأتي إلى خاتمة هذا البحث و الذي أردت من خلاله عرض شبهات المستشرقين و من شياعهم و من ثم دحضها و تفنيدها و الرد عليها ,و كنت قد تحدثت في الباب الأول من هذا البحث عن تعريف السنة في اللغة ثم تعريف السنة في الإصطلاح عند الفقهاء ثم تعريف السنة عند الأصوليين ثم تعريف السنة عند المحدثين و تحدثت في الباب الثاني عن مفهوم الإستشراق و أهم أهدافهم ثم بعد ذلك تحدثت في الباب الثالث عن شبهات هؤلاء المستشرقين و من سار في ركابهم وهذا هو صميم موضوعنا و أردفت كل شبهة من هذه الشبهات بالرد عليها ودحضها , و قد تبين لي من خلال بحثي هذا جملة من الحقائق و النتائج حول السنة النبوية و كذلك حول هؤلاء المستشرقين و من سار على نهجهم .



أولا : حقائق ونتائج حول السنة النبوية :

1 . أن الأمة الإسلامية قد عُنِيَت بصيانة الحديث النبوي منذ أول عهدها بالرواية ، وأن العلماء لم يدخروا جهدا في سبيل هذا الأمر .

2. أن الهدف الجليل الذي نشأ من أجله علم مصطلح الحديث ، أو علوم الحديث ، وهو صيانة الحديث النبوي الذي هو أعظم المصادر الإسلامية بعد كتاب الله تعالى .

3 . أن قواعد علوم الحديث قواعد نقد شاملة تدرس جوانب الحديث كلها دراسة تامة دقيقة .

4 . أن جهود المحدثين في حقل تطبيق المنهج النقدي قد بلغت الغاية في الوصول إلى هدف صيانة الحديث النبوي وهذه تصانيفهم الكثيرة في أنواع الحديث ما اختص منها بالصحيح، أو الضعيف , أو اختص بالموضوع ، أو بنوع مستقل من علوم الحديث الأخرى كالمرسل والمدرج ، وغيرها , وهذه التصانيف برهان عملي على مدى ما بلغوه من العناية في تطبيق هذا المنهج حتى أدّوْا إلينا تراث النبوة صافياً نقيا ً.



ثانيآ : حقائق و نتائج حول المستشرقين ومنهجهم :

1 . اعتمادهم على نصوص مفردة متقطعة عما ورد في موضوعها مما يوضح المراد منها ويبينه وذلك كثير في أبحاثهم ومنه استدلال المستشرق المجري تسيهر على أن تصنيف الحديث تأخر إلى القرن الثالث بما ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال في سعيد بن أبي عَرُوبَة ( 156هـ) : ( هو أول من صنف الأبواب بالبصرة... لم يكن له كتاب إنما كان يحفظ" فاستدل بقوله: "لم يكن له كتاب" على أنه لم يؤلف كتاباً) مع أن المحدثين يستعملون هذا في الدلالة على أن المحدث حافظ متين الحفظ لا يعتمد على الكتاب في روايته للحديث وهذا لا يدل على أن المحدث لم يصنف كتاباً من محفوظاته ، وهو يصرح في أول كلمته بأنه صنف ، والشواهد على ذلك كثيرة .

2 . أنهم يعولون على مصادر ليست في مستوى البحث العلمي ، مثل كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني ، وهو ليس كتاباً علمياً ، ولا كتاب حديث ، إنما يعتمد عليه في الأدب والفكاهات .

3 . وضع النصوص في غير موضعها، وتحميلها مالا تطيقه ألفاظها ولا يستمد من معانيها.

4 . أنهم يوردون مقدمات جزئية ضعيفة ثم يبنون عليها نتائج ضخمة فضفاضة لا تناسب تلك المقدمات ولا تنتج منها .

5 . إغفال الحقائق التي تخالف استنتاجاتهم وتبطلها .

وأخيراً أحمد الله العلي القدير جل في علاه و أثني عليه بما هو أهله و أصلي على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين بالحق بشيرا و نذيرا و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .





فهرس الآيات :

(7) الآية 67 من سورة المائدة .

(8) الآية 38 من سورة الأنعام .

(9) الآية 89 من سورة النحل .

(10) الآية 38 من سورة الأنعام .

(11) الآية 89 من سورة النحل

(12) الآية 38 من سورة الأنعام .

(13) الآية 7 من سورة الحشر .

(14) الآية 15 من سورة يونس.

(15) الآية7 من سورة الحشر.

(16) الآية 7 من سورة الحشر .

(17) الآية50 من سورة القصص .

(26) الآية 21 من سورة الأحزاب .

(34) الآية 187 من سورة الأعراف .

(35) الآية 4 من سورة النجم .





فهرس الأحاديث :

(1) الحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الزكاة و سنن الدارمي .

(2) رواه البخاري في كتاب المغازي باب الرجوع من الأحزاب 15/294 برقم4119

(18) أخرجه مسلم في كتاب الزهد 18 /129

(19) أخرجه البخاري في كتاب العلم باب كتابة العلم 1/ 309 .

(20) رواه البخاري في كتاب العلم 1/313 .

(21) رواه أبو داود باب كتابة العلم 10/ 79

(23) رواه البخاري في كتاب العلم 1/315 .

(24) أخرجه البخاري كتاب الاعتصام باب الإقتداء بأفعال النبي عليه السلام برقم 7298

(25) رواه أبودود باب الصلاة في النعل 2/353 برقم 636 .

(27) رواه النسائي في كتاب مناسك الحج 5/ 270 .

(28) رواه البخاري في كتاب الأذان 3/315 .

(29) رواه البخاري في كتاب الاعتصام 28/ 12 .

(30) أخرجه أبو داود في كتاب العلم 10/ 79 .

(31) رواه البخاري في كتاب العلم باب من كذب على النبي عليه السلام برقم 106 .



فهرس المراجع :

(3) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا لمحمود محمد شاكر 57 .

(4) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا 86 .

(5) مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب 597 .

(6) أضواء على السنة المحمدية .

(22) تدوين السنة د . محمد مطر الزهراني 76

(32) السنة و مكانتها من التشريع الإسلامي 61 .

(33) السنة و مكانتها من التشريع الإسلامي 66 .




أحمد محمد بوقرين

ahmedbogrin@hotmail.com

احمد المنصور
07-27-2005, 11:18 PM
موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية (http://web.macam.ac.il/~tawfieq/mqalat-0003.htm)



موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية

أ. د أكرم ضياء العمري

( الجامعة الإسلامية - بالمدينة المنورة - كلية الدعوة )


إن موضوع الاستشراق ليس من الموضوعات التى تُطرق للمرة الأولى ، وإنما طرق في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص مراراً في مؤلفات ، وكتب ، ومحاضرات ، ومقالات صحفية ، وتحقيقات في المجلات والدوريات ، ولكن النظرة إلى الاستشراق كانت تتغير باستمرار حتى انتهت إلى الصورة التي يمكن أن تعتبر واضحة في أذهان الأجيال .
فعندما كنا نطلب العلم في المرحلة الجامعية في مطلع الخمسينيات كنا نستمع إلى آراء تتصل بالعقيدة ، أو الشريعة ، أو التاريخ ، أو التفسير ، أو الثقافة الإسلامية ، وكانت هذه الآراء تطرح بلسان عربي من قِبل أساتذة ينتمون إلى أمتنا ويتكلمون بلساننا ، وكنا نظن أن الأقوال هى اجتهاداتهم في هذه الموضوعات المختلفة ، لكن بعضهم كان أحياناً يعزو ، فإذا ما عزا القول لصاحبه عرفنا أنه يتبنى رأياً لأحد الدارسين الذين كانوا يسمون دارسين غربيين ، لكن معظم الآراء ما كانت تُعزى وهذا أخطر بالطبع ، لأن الأستاذ يتكلم وكأنه يجتهد في فهم النصوص فيوجهها في حين أنه يكون قد درس كتاباً باللغة الألمانية أو الفرنسية أو الانكليزية ، وهو يحاضرنا من خلال ذلك الكتاب .
ومع مرور الأيام بدأت صورة الاستشراق تتضح وأبعاده تستبين ، ولكن بعض الدارسين يرى أن ذلك لم يتم أو لم يصبح واضحاً في أذهان المثقفين من أبناء أمتنا إلا قبل عقدين من الزمان فقط . ليس معنى ذلك أن اسم الاستشراق ما كان يظهر على ألســـــنة الناس ، وما كانت بعض أقوال المستشرقين المتداولة في الأوساط الجامعية وغيرها لتعرف بأنها أفكار وآراء استشراقية ، ولكن معرفة أن الاستشراق ليس مشروعاً فرديا وإنما هو مؤسسة متضامنة متعاونة على اختلاف البلدان التي ينتسب إليها المستشرقون ، وعلى اختلاف اللغات التي ينطقها المستشرقون ، على اختلاف سياسات الدول التي ينتمون إليها تبقى المؤسسة من وراء ذلك تتسم بصفات ثابتة في التعامل مع التراث الإسلامي .
منذ مائة وخمسين سنة وحتى الوقت الحاضر يصدر في أوروبا بلغاتها المختلفة كتاب كل يوم عن الإسلام ، هذه الإحصائية التى ننتهي إليها عندما نعرف أن ستين ألف كتاب قد صدرت بين 1800-1950 م أي عبر قرن ونصف ، وعندما نعرف أن في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يوجد حوالي خمسين مركزاً مختصاً بالعالم الإسلامي ، وأن المستشرقين يصدرون الآن ثلاثمائة مجلة متنوعة بمختلف اللغات كما قرر ذلك بوزورث في ( تراث الإسلام ) ، وأن المستشرقين عقدوا مؤتمرات دورية خلال قرن واحد - هو المائة سنة الأخيرة - ثلاثين مؤتمراً ، هذا سوى المؤتمرات الإقليمية ، وسوى الندوات ، وبعض هذه المؤتمرات مثل مؤتمر أوكسفورد ضم قرابة تسعمائة عالم ، فلماذا كل هذا الاهتمام بالإسلام ، وبالشرق ، وبالعَربِ ، وبالقضايا التى تتصل بمنطقة بعيدة عنهــــم ؟ .
طبعاً هناك بدايات لاستشعارالغرب لقوته العسكرية والسياسية بعد أن استقرت فيه معالم نهضته الفكرية والحضارية عبر القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ، ثم بدأ في اكتساح العالم خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، وكان هذا يقتضي أمرين : أن يُهيأ الرأي العام الغربي لمثل هذا العمل ، لأن الاقتحام العسكري والاختراق الثقافي والسياسى والاقتصادي سيكلف الغرب الكثير ، وينبغي أن يضحي من أجل ذلك بقوى عسكرية ، وبإمكانات اقتصادية ، وبتسخير قدرة الأجهزة العلمية - إلى حين - لهذه المشكلة المثارة . فالمستشرقون هم الذين صوروا الشرق أمام الغرب ، هم الذين قالوا من هم المسلمون ماهي خصائصهم العقلية ، ما هي ثقافتهم ، ما هي أعرافهم وتقاليدهم ، إلى أي شيء يدفعهم الإسلام ، وكم يؤثر فيهم ، في الوقت الذي توضع فيه الخطط العسكرية والاقتصادية .
هذا الأمر - تصوير الشرقيين أمام الغربيين - كان هدفاً من الأهداف الكبيرة لحركة الاستشراق ، إذ كان المطلوب إعطاء صورة معينة تمكن من الغزو العسكري ، والاقتصـــادي ، والثقافي ، وهكذا بدأت الدراسات التي اتسمت بطابع عرقي في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي ، والتي أدت أولاً إلى تقسيم البشر إلى ساميين وآريين وحاميين ، وأن هؤلاء البشر يتمايزون تمايزاً عرقياً ، وأن خصائصهم العقلية والجنسية تتباين ، فالساميون لا يمتلكون القدرة على التفكير البعيد في المستقبل ، وهم أيضاً لا يمتلكون القدرة الكافية على التنظير العقلي والربط بين الجزئيات ، وهذا ما سماه المستشرق جب Gib - وهو يعتبر معاصراً ، لأنه إلى سنة 1965 م كان يدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد - عقلية ذرية تتسم بتجزئة الأشياء وعدم القدرة في تجميعها وتركيبها والنظر إليها بصورة شاملة .
إن الدراسات ذات الطابع العرقي قام بها أولاً أرنست رينان ، حيث كتب عدة مؤلفات عن أصول الساميين وعن فقه اللغات السامية ، وفقه اللغات كان يتجه نحو تكريس الفرق بين الساميين والآريين أو بين الشرق والغرب .
ويعتبر العرب والمسلمون هم المركز الذي تدور حوله دراسات الاستشراق أكثر من بقية الأمم والشعوب ، والدراسات التي تناولت الإسلام والمسلمين تختلف عن تلك الدراسات لبقية أرجاء الشرق ، ولعل هذا لافت للنظر ، لماذا تتسم الدراسات المتعلقة بالإسلام والمسلمين بالتحيز والتعصب والغضب ؟ ولماذا لا تتسم بذلك الدراسات عن البوذية مثلاً ، أو الهندوسية ، أو الثقافات الأخرى أو الحضارات الأخرى كالصين مثلاً ؟ ولماذا عندما تختص القضية بجانب إسلامي ، أو بجانب يتصل بمجتمعات إسلامية عندئذ تظهر جذور الانفعالات المختلفة والعصبيات المتنوعة والغيظ ؟ هذه إحدى الملاحظات التى سجلها إدوارد سعيد ، وهي في الحقيقة تستحق الانتباه إليها خاصة إذا راجعنا الاستشراق في بدايات نشاطه ، لأن بداياته الأولى ترجع إلى فترات مبكرة أكثر وترتبط بقصة الصراع بين المسلمين والغرب من خلال فتح الأندلس ، ومن خلال الحروب الصليبية ومن خلال الصراع في صقلية وجنوب أوربا ، وهذا الأمر كان يجعل الإسلام يحتك بصورة مباشرة بالنصرانية التى كانت مؤسساتها الكنسية تسود العالم الغربى ، وكانت هى التي تتوج الأباطرة والملوك ، وتتمتع بملكية أرض واسعة مما جعلها القوة الرئيسية في الغرب ، وهذا كله كان يجعل الإسلام في مواجهة مع الكنيسة النصرانية ، ومن ثم اندفعت أعداد من القسس لدراسة الإسلام . فهذه البدايات الدينية كانت تتسم بالتشنج والعاطفية ، والدراسات فيها اتهامات ممجوجة ، وهي من السخف بحيث أن ذكرها في مثل هذا العصر ليس له من أثر وإنما يدل على طبيعة العلاقات المنفعلة والمتسمة بالطوابع الذاتية في تلك الدراسات الاستشراقية الأولى .
والبعض يرى أن أوربا كانت تخشى من غزو إسلامي فكري في تلك الفترة ، لأن المسلمين نقلوا الفكر اليوناني إلى أوروبا - أقصد عن طريق حفظ الكتب اليونانية التي ترجمت إلى اللغات الأوروبية عن العربية . هذا الجانب لا يهمنا بوصفنا الإسلامي ، ولكنه حدث وحدث معه أن ذهب أوروبيون ربما لطلب مثل هذه العلوم ابتداءً ، ولكنهم احتكّوا ببيئة إسلامية في الأندلس ، وكان البابوات يرصدون هذه الحركة ، ويرون أنها خطرة على أوربا ، وأنها تمثل غزواً حضارياً فكرياً إسلامياً . ومن هنا أنشئت مراكز الدراسات الاستشراقية المختلفة في أوربا بإذن من البابوات ، وبتنسيق المجالس الكنسية ، ووضعت في كمبردج وأوكسفورد وفي مراكز أخرى مثل ألمانيا .
كانت هناك قضية الصراع الفكري الديني واستمر هذا التيار إلى أن ظهرت المرحلة الجديدة المقترنة بالتوسع الاستعماري ، عندئذ صار من مهام الحكومات أن تسخر عدداً كبيراً من الباحثين ليكتبوا عن الإسلام والمسلمين باللغات الأوروبية ، إذن الخطاب لم يكن موجهاً ابتداءً لناطقى العربية أو اللغات الشرقية وإلا لكانت الكتابة باللغة العربية ، بل كان موجهاً لأوروبا ، أن هذه هي صورة الإسلام فلا تتحولوا إليه ، وإذا كانت هذه هى صورة المسلمين فلا تلوموننا إذا اقتحمنا ديارهم ، ولا تلوموننا إذا استنزفنا خيراتهم ، ولا تلوموننا إذا تعصبنا ضدهم ، لأن هؤلاء القوم يتسمون بخصائص عقلية وجنسية وثقافية لا تمكنهم من النهوض بأنفسهم ، وهم بحاجة إلى عوننا والدور الذي سنقوم به والذي سنحدثه إنما هو لصالح الحضارة الإنسانية . ويستمر هذا الخطاب عبر قرن من الزمان وهوالقرن التاسع عشر ، وهو القرن الذي اشتد فيه الاستشراق واشتدت فيه مؤسساته وأوزرت من قبل الحكومات المختلفة الأوروبية .
ومنذ مطلع القرن العشرين وإلى الوقت الحاضر نعلم كيف برزت منطقة الشــــــــرق الأوسط ، وأهمية هذه المنطقة استراتيجياً واقتصادياً وبالتالي فإن الدراسات الاستشراقية استمرت واتصلت ، كما أن مؤتمرات المستشرقين واصلت طريقها بدعم من الحكومات ومن المؤسسات ومن الأغنياء ( الأفراد ) من الأمريكيين والأوروبيين . ونجد أن الاستشراق الروسي يبرز بشكل أقوى منذ الثوره البلشفية سنة 1917 م .
إذ لا بد من دراسة القوم الذين يراد لهم أن يُستعمروا ، ولا بد أن يعتقد الغربي أن العمل إنساني وحضاري وكيف مُثَّل الإسلام أمام الغرب ؟
أولاً لا وجود حقيقي للإسلام في الغرب لعدم وجود المؤسسات القوية القادرة على تمثيله ، وهذا ولَّد فراغاً ومكَّن المؤسسات الاستشراقية ومن ورائها عدد كبير من الدارسين الغربيين الذين لا يعرفون العربية ، ولكنهم يتلقون الصورة من خلال المؤلفات الاستشراقية .
لقد ظهرت دراسات تحليلية كثيرة في القرن العشرين عن الإسلام والمسلمين وعن القرآن الكريم ، وعن السنة النبوية ، وعن السيرة النبوية ، وعن الثقافة الإسلامية وعن الشريعة الإسلامية ، وهذه المؤلفات قامت بعقد دراسات مقارنة ، والمقارنات منذ القديم تستهدف شيئاً أساسياً وهو تصوير الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مصلح اجتماعي عكس ضرورات البيئة العربية في مكة . ويقول جب Gib : " إنه نجح لكونه أحد المكيين " بمعنى أنه عبَّر عن الحاجيات المحلية ، ومهما اختلفت العبارات ما بين قسوة كاملة تتسم بسوء الأدب عند ذكر الرسول ، عليه الصلاة والسلام - وهذا ما يقوله المستشرقون المتأخرون عن المتقدمين بأنهم أساءوا جداً - وبين دراسات أكثر موضوعية وحياداً . ومهما اختلفت الصورة تبقى هناك قضية أساسية وهي أن جميع المستشرقين - متسامحهم ومتعصبهم - يتأثرون بوسطهم الثقافي المعادي للإسلام إلا من أسلم منهم ، وهم قلة كما تعلمون مثل " أتين دينيه " ، صاحب " محمد رسول الله " و " أشعة من نور الإسلام " وهو فرنسي ، ومثل " موريس بوكاي " الذي قارن بين القرآن والانجيل والتوراة ، ولما تبين له أن الكتب السماوية المحرفة تتناقض مع العلم ، وأن القرآن لا يتناقض مع أية حقيقة علمية ثابتة عندئذ أعلن تشهده وإيمانه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبأن القرآن كلام الله ، وهو من كبار العلماء الفرنسيين في الطبيعيات ، وهؤلاء قلة أمام الكثرة الكاثرة التي استمرت تصور الرسالة الإسلامية على أنها هرطقة - هرطقة : اصطلاح يطلق على المنشقين عن الكنيسة النصرانية - فهم يرون أن الإسلام هرطقة وحركة خارجة عن النصرانية ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن نبياً موحى إليه وإنما كان على حد أحسن تعبيراتهم وهو ما يقوله مونتغمري وات - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة لندن ، وهو من أحدث الذين كتبوا في السيرة النبوية من المستشرقين في كتابيه : " محمد في مكة ، محمد في المدينة " وهو يقول : " إن محمداً صادق ، لأنه يخيل إليه أنه بعث نبياً ، وأنه يحمل رسالة ، وأنه يوحـــــــــى إليه " .
هذا المستشرق ، لأنه يعيش في هذا القرن الذي تبلورت فيه علوم جديدة لم تكن موجودة عند المستشرقين في القرن التاسع عشر أو القرن الثامن عشر أو القرن السابع عشر أو مع البدايات الاستشراقية ، مثل علم النفس التحليلي ، علم الاجتماع والعلوم الاقتصادية والاجتماعية الحديثة ، لذلك نجد أن تقنية البحــــــث عند مونتغمـــــــــــــري وات تختلف عن التقنية القديمة من حيث أنه يمزج دراسته بهذه الألوان الجديدة من العلم ، وهذا قد يولد قناعة عند بعض القارئين ممن لا يعرفون السيرة النبوية معرفة دقيقة ، أو ممن لا يعرفون الإسلام بصورة تفصيلية ، فهو يزعم أن عملية الوحي إنما هي استشعار داخلي ولكن بصدق ، فهو لا يشكك بصدق شعور النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة ، ولكنه يظن أن هذا إنما هو استشعار داخلي وقناعة ذاتية دون أن يكون هناك شيء خارجي اسمه الوحي .
وعندما يأتي إلى قضية الاختلاف بين أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وبين أسلوب القرآن المتميز هنا يلجأ إلى علم النفس التحليلي ، فيقول إن النبي عندما يقرأ القرآن على الناس يكون في حال يضعف فيها الوعي الخارجي ويعمل وينشط اللاشعور أو العقل الباطن ، فعندئذ يكون الأسلوب مغايراً لأسلوبه عندما يكون في يقظته العقلية الكاملة أو وعيه الظاهر الكامل ، ومن هنا يأتي أسلوب الحديث مغايراً لأسلوب القرآن . نحن نعلم أن مغايرة أسلوب القرآن لأسلوب الحديث هو أحد الوسائل التى بنيت عليها موضوعات الإعجاز القرآني ، باعتبار أن أسلوب القرآن أسلوب فريد متميز عن الأساليب البشرية ، وأن الإسلام تحدى العرب - وهم أساطين البلاغة - بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا ، وأن عدم استجابتهم للتحدي مع رغبتهم في ذلك يدل على أن الأمر كان عندهم ظاهراً بحيث تميزت أمامهم الحقيقة وهي أن هذا أسلوب مغاير لأساليب البشر . ومن هنا تبرز أهمية هذه " الفذلكة " التي يقدمها مونتغمري وات لأنها تستهدف نقض قضية الإعجاز باعتبار أن هناك أساليب متغايرة تنجم إحداها عن الوعي الظاهر والثانية عن اللاشعور ، بالطبع مثل هذا إذا قُيِل ينبغي أن يطبق على سائر الأساليب لسائر الكتاب والشعراء والمفكرين في أرجــــــــاء الدنيا ، وإلا لماذا يختص محمد صلى الله عليه وسلم وحده بالأسلوبين ؟ ونحن نعلم أن الدراسات المقارنة والدراسات الأدبية النقدية كلها مبنية على وحدة الأسلوب بحيث يقال إن هذا الكلام ليس من كلام فلان لأنه مغاير لأسلوبه .
إن محاولات إلقاء الرؤى الثقافية المعاصرة على الاسلام ، منهج خطير ، ومن الناحية العلمية لا يمكن قبوله لأنه مجرد إسقاط تاريخى لرؤية ثقافية حديثة ، فقبل مونتغمري وات كان المستشرقون يحتارون في تفسير ظاهرة الوحي قبل أن تبرز فكرة التحليل النفسي التي جاء بها فرويد الطبيب المشهور في مطلع هذا القرن والتي أخذت مجالها في الدراسات النفسية والاجتماعية وفي عالم الرواية الأدبية .
كانت مشكلة الوحي تواجه المستشرقين ولا يتمكنون من إعطاء تفسير لها إلا باللجوء إلى الاتهامات التى سبق أن ذكرت على لسان الجاهلين في مكة عنـــــــد نزول الإسلام ، وللأسف في دراساتنا الجامعية ، وربما المرحلة الثانوية كانت تطالعنا أسماء لدارسين يسمون دارسين غربيين ، وهذه الأسماء أصبح يطلق عليها فيما بعد اسم الاستشراق أو المستشرقون ، وكانت انطباعاتنا عن البعض أنه معتدل ، فكان يقال لنا مثلا إن دانتي له تأثير كبير على نشوء الثورة الفرنسية ، والتمهيد لها ، ومعاداة الآراء الكنسية الباطلة والمخالفة للعلم ، ودانتي الذي أُبرز والذي يعرفه ربما الكثير من العرب والمسلمين لأنه يأتي في المناهج الثانوية في كثير من الدول الإسلامية ، ودانتي الذي ظهر لنا بمظهر الشاعر النابه صاحب الكوميديا الإلهية التي ربطت عن طريق الدراسات المقارنة بقصة الإسراء والمعراج ، وربطت أحياناً في الدراسات الأدبية برسالة المعري " رســــــــــــالة الغفران " ، ودانتي قيل لنا إنه شاعر نابه وإن له تأثيراً في مجرى التاريخ الإنساني ، وإنه أحد الممهدين للثورة الفرنسية - في رأيهم - مصدر الحرية والمساواة والتحرر الإنساني الذي يظنون أنه شمل أهل الأرض خلال القرون الأخيرة على إثر ظهور تلك الثورة .
موقف دانتي من الرسول صلى الله عليه وسلم :
دانتي يضع النبي عليه الصلاة والسلام في طبقة متأخرة من طبقات الجحيم ، هذا الوجه الآخر من العملة لم يقولوه لنا ، وإنما فقط قالوا لنا إن له أثراً إيجابياً ، وعندما يقتنع الإنسان وهو صغير بأن هؤلاء هم نماذج الأبطال في التاريخ الإنساني ، وإنهم هم رجال الفكر ورجال التحرر ، ثم يأتي بعد ذلك - بعد أن يشب - ويقرأ مثل هذا الكلام لدانتي لن يغضب كثيراً ، لأن ماعرفه عن دانتي يخفف من هذا العمل ، ولأنه لم يعرف شيئاً عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فلماذا يغضب ؟ ولكن يبقى أن أشير إلى ما ذكرته في البداية من كون خطاب دانتي بالفرنسية العالمية المستوى ليس موجهاً للعرب ولا للمسلمين ، إنما هو في الأصل موجه لقراء الفرنسية ، وأن المراد تشويه صورة محمد صلى الله عليه وسلم بغية الخلاص مما كانت تظنه الكنيسة ويظنه مفكرو الغرب حتى أعداء الكنيسة غزواً فكرياً إسلامياً .
نَسْبُ حسنات الإسلام إلى اليهودية والنصرانية :
إنَّ تلمس كل حسنات الإسلام ومحاوله نسبتها إلى أصول يهودية أو نصرانية ، هذا المنهج كان منذ البدء معمولاً به ولا يزال حتى الوقت الحاضر يظهر في عبارات المستشرقين المعاصرين ، فالقضايا التي تتصل بتوحيد الإله ، وبطرح العقيدة الدينية يشار فيها إلى أثر بحيرا الراهب ، وأثر ورقة بن نوفل ، فكتب الحداد الذي لا نعرف اسمه - لأنه لم يصرح به - سواء في كتابه عن " المسيح والقرآن " أو " محمد والقرآن " أو كتبه الأخرى التى ظهرت حديثاً ، وهذه الدراسات التى قيل إنها للأستاذ الحداد ركزت كثيراً على هذا الجانب وهو أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان على صلة بورقة بن نوفل خلال خمسة عشر عاماً ، وكان هذا الوقت منذ زواجه بخديجة الذي يزعم الكاتب أن ورقة زوجه بها ، وهو أمر طبعاً منقوض تاريخياً لأنه معروف أن الذي زوجها هو عمها عمرو بن أسد ، ولكن المهم إيجاد الصلة بورقة الذي يقول إنه كان نصرانياً وكان على ثقافة كتابية ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم تلقى عنه الوحي الأول ، ثم جاء الوحي الثاني في الغار .
هذه الكتابات الحديثة ، هذه الرؤى ليست جديدة ، وإنما منذ البداية كان المنهج يركز على أن حسنات الإسلام مقتبسة من سواه ، لعدم إمكان إنكارها لأن القرآن جاء بها ولأن السنة أثبتتها ، إذاً لا يوجد إلا طريق واحد وهو أن يقال : نعم إن الإسلام فيه هذا الجانب ولكنه مأخوذ عن النصرانية بواسطة ورقة بن نوفل ، والإسلام فيه هذه الحسنة ولكن الذي أوحى بها إنما هو بحيرا الراهب وبعضهم يريد أن ينسب الأمر إلى بعض اليهود الذين كانوا في شبه الجزيرة العربية ، ونحن نعرف تماماً أن مكة لم يكن فيها يهود .
القصص الديني :
نعم هناك أوجه تشابه في القصص الديني بين ماورد في التوراة وشرحه التلمود ، والإنجيل ، وبين ما ورد في القرآن الكريم ، ولكن هذا التشابه لا يعود إلى كون القرآن اقتبس تلك الصور عن التوراة والإنجيل ، وإنما لكون الأصل واحد ، نحن لا ننكر أن الإنجيل وأن التوراة من عند الله ، ولكننا نقول ما أثبته القرآن من كون الإنجيل والتوراة لم يعودا كلمة الله تعالى بسبب التحريف الذي وقع والذي لا يمكن تمييزه وتحديده وتخليصه بدقة من الحق ، فكون الوحي الإلهي واحداً وكون العقائد الدينية واحدة والشرائع هى التى تختلف ، هذا الأمر يؤدي بالطبع إلى أن يلتقي الوحي الإلهي للأنبياء جميعاً في بعض الجوانب .
ترجمات معاني القرآن :
هناك ترجمات كثيرة لمعاني القرآن الكريم قام بها المستشرقون وهي تزيد على خمس وسبعين ترجمة ، ونحن لا نعرف هذه التراجم ، بل لا تكاد تجتمع في مكتبة من مكتبات العالم الإسلامي ، وهذا بلاشك تقصير كبير ، إننا لا نعرف ماذا يكتب عنا ، وكيف يترجم كتاب الله تعالى ، وماذا يقال في تصديره للعالم الغربي ، لابد أن نمثل أنفسنا وخاصة بعد أن أصبح عندنا العديد من المثقفين والكتاب ممن يعرفون اللغات الأجنبية ، يجب أن نتكلم عن أنفسنا ، ولا ندع المستشرقين يتكلمون عنا ويمثلوننا .
يقول جورج سيل في مقدمة الترجمة الإنكليزية لمعاني القرآن الكريم ســــــــــــــنة 1736 م : " أما أن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له فأمر لا يقبل الجدل ، وإن كان من المرجح مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة ، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك ، يشير إلى آيات القرآن ( إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) وقول الحق تعالى : ( إنما يعلمه بشر ) المقصود أن هذه مقدمة لترجمة لمعاني القرآن إلى الإنكليزية ، وهي من أقدم الترجمات !!.
هناك دراسة لمالك بن نبي وهي " الظاهرة القرآنية " وفيها مناقشة دقيقة ومنطقية لما قيل من تشابه بين القصص الديني القرآني والقصص الديني التوراتي .
وينبغى أيضاً أن نلاحظ أن تمثيل الاستشراق للإسلام وللمسلمين بالنسبة للغرب ينعكس على قضايانا السياسية ، وعلى علاقاتنا مع الغرب حيث يتصور الرأي العام الغربي أننا أمة همجية وأننا برابرة كما تزعم كثير من الدراسات ، وأننا لا نمتلك مقومــــــــات حضارية ، ولا نمتلك عقلية منطقية ، ولا نفكر في المستقبل ، هذا كله يمكن أن يؤدي إلى مشكلة في نطاق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، والصراع بين الشرق والغرب ، لذلك فإن قيامنا بتمثيل أنفسنا هو الحل الأمثل ، نحن الذين نطرح فكرنا وديننا وعاداتنا لكنه ينبغي أن نعترف أننا حتى الآن لم نمثل أنفسنا أمام أنفسنا ، أقصد لازلنا ندرس الإسلام ، ولازلنا ندرس أوضاع المسلمين وندرس شرائح كثيرة تاريخية ، وجغرافية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ، من خلال الدراسات الغربية والاستشراقية ، وأن مناهج جامعاتنا في أرجاء العالم الإسلامي مليئة بمثل هذه الكتب وحتى تلك الكتب التى ألفها عرب لو قارناها بدقة فإننا سنجد أن كثيراً من الأفكار مترجمة دون عزو عن الاستشراق .
فلابد إذاً من أن نبني صرحنا الثقافي الفكري الديني بأنفسنا وأن تكون دراستنا مستقلة ذات مناهج مستقلة ، ورؤى مستقلة ، وأن هذا الذي يطرح لا يكون متأثراً وغارقاً في بؤرة الاستشراق . أن نمثل أنفسنا أولاً عن طريق بناء الصرح العلمي والرؤى الإسلامية الخالصة المنبثقة عن كتاب الله تعالى وسنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم أن نعكس هذا على الغرب بترجمات إلى اللغات العالمية المختلفة ، لكن الذي حدث أن المستشرقين مثلونا أمام الغرب وبعد أن شوهوا الصورة تماماً خلال قرنين من الزمان وعادوا إلى عكس الصورة ، فبدل أن يكون الإنشاء يخاطب به الغربي باللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإنكليزية صار الخطاب - بعد الترجمة للعربي وللمسلم الذي يقرأ العربية أو بعض اللغات الإسلامية الأخرى - إذن عكس الخطاب الذي شوّه الصورة أمام الغربي ، بحيث قبل أن نُستعمر " لأننا بحاجة إلى الاستعمار ، قبِل أن نُخترق لأننا لا نستطيع النهوض بأنفسنا ولئلا نبقى بعيدين عن الحياة الطيبة التي لا بد أن تكون ثمرة من ثمرات الاستعمار وخيراته علينا !! " .
وتعكس الصور منذ مطلع القرن العشرين إلى الآن بشكل ترجمة إلى لغاتنا فتحول الخطاب القديم - إلى الأوربى - إلى خطاب جديد للمسلم وبنفس الأفكار والتوجيهات التي تولِّد الشك في نفس المسلم .
أولاً : لأن التربة صالحة لبذر أية فكرة فلا توجد تربية إسلامية مو جهة لكل أبناء العالم الإسلامي ، ولأجياله الصاعدة ، ولا يوجد تغذية بالقرآن والسنة ومفاهيم الإسلام بشكل يحصن الشاب المسلم عن تقبل مثل هذه الأفكار .
ثانياً : هذا الخطاب يحطم الأمة لأن المعنوية التي تأتيها من صلتها بالقرآن ، بالوحي الإلهى كتاباً وسنة ، واستشعارها بأنها الأمة الوحيدة التي تحمل وحياً إلهياً خالصاً من التحريف ، هذا الاستشعار يمكن أن يعيدها إلى مجد حضاري جديد ، والمجد الحضاري الجديد معناه وقف المصالح للعالم الغربي ، معناه توجه المنطقة توجهاً مستقلاً يحفظ كرامتها وشخصيتها وهويتها الإسلامية وثقافتها التاريخية وتطلعاتها نحو مستقبل أفضل .
قبل ثلاثة عقود في المرحلة الجامعية كان الأستاذ يتكلم بلسان الآخرين ، وطبعاً هناك أناس متدينون في القاعة ، ولازالت الطينة بصورة عامة فيها بقايا خير كثير ، ولازالت لم تتسخ كثيراً ، من الصعب أن يقول الإنسان ائتمر أبوبكر وعمر وأبو عبيدة على انتزاع الخلافة ، ولكن يستطيع أن يقول ذلك على لسان الأب " لا مانس " ويسوق هذا الكلام ثم يسكت . والمهم أن الصورة التي تكونت في أذهان الطلبة الجامعيين أن هؤلاء الصحابة أناس يأتمرون بينهم على انتزاع سلطة وخلافة دنيوية ، وأنهم ليس كما يقول المسلمون عنهم من كونهم ربوا على عين النبوة ، ونشأوا مع آيات الوحي وتمثلوها قولاً وعملاً وبما أنهم نماذج الإسلام الأولى فلا يعقل أن آخرين سيأتون بعدهم يصبحون نماذج أفضل . وهكذا فإن الإسلام ليس ديناً واقعياً يربى رجالاً نظيفين وأقوياء ، وإنما مجرد خيال ومثاليات .
كم أُثني على " توماس كارليل صاحب الأبطال الذي ترجم إلى العربية ، إنه جعل النبي بطلاً تاريخياً وأنه مستشرق منصف ، والآن اقرأوا فقرة من كلام كارليل عن القرآن ، يقول : " هو خليط مهلهل مشوش ، محل خام ، مستغلق تكرار لا نهاية له ، وإسهاب وإطناب ومعاضلة ، خام إلى أقصى الدرجات ، ومستغلق وبإيجاز غباء فارغ لا يطاق " . هذا الكلام نقله إدوارد سعيد - وهو أستاذ جامعي أمريكي نصراني من أصل عربي - نقله عن كارليل في كتابه " الاستشراق " وكتاب " الاستشراق " هذا يعد من أقوى ما كتب في فضح المستشرقين ومناهجهم وتعريتهم ، ووضعهم في الإطار الكلي من قبل رجل ليس مسلماً ليقال إنه يتعصب للإسلام وللمسلمين ، وإنما هو رجل نصرانى ، ومنذ أن كُتب هذا الكتاب وصُدِّر إلى أسواقنا بالعربية سنة 1981 م تتالت كتابات مسلمين أستثيروا ، فظهرت عدة دراسات أثارت نفس القضايا الكبرى سواءً ما تعرض له إدوارد سعيد أو أخذت نماذج من الاستشراق كالهولندي ، كما فعل الدكتور قاسم الســـــــامرائي في " الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية " ، وكما فعل الدكتور زقزوق في محاضرته التى نشرت في سلسلة كتب مجلة " الأمة " عن الاستشراق ، وثمة كتاب يستحق أن يشار إليه وهو " مناهج المستشرقين " الذي طبعه مكتب التربية لدول الخليج العربي والذي يقع في مجلدين تحت عنوان " مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية " فلا شك أن هذا الكتاب يعد عملاً نقدياً رائعاً في مجاله ، ولكن الكُتَّاب لم يتمكنوا أن يقولوا كل مايريدون لأنهم كتبوا بحوثاً ومقالات اجتمعت في المجلدين ، والأمر يحتاج إلى جهد أكبر ليُفحص كلام الاستشراق وكيف طُرح على الغرب وكيف تكونت صورة العربي والمسلم في ذهن الغربي المعاصر . ثم إذا ما عُدِّل المخاطب أو المراد بالخطاب إلى الشرقي المسلم العربي ما الذي سينتج بعد ربع قرن إذا ترجم ستون ألف كتاب أو عشرون ألف منها إلى لغات العرب والمسلمين .
لا ينظر إلى الأمر من زوايانا ونحن ندرس في كلية قرآن وكلية حديث وكلية شريعة وكلية لغة عربية ، لا ينظر الأمر من هذه الزاوية ، وإنما ينبغي أن ننظر برؤية واسعة إلى العالم الاسلامي إلى تلك الأجيال التى تعد بالملايين والتي لا تعرف عن الإسلام إلا الشهادة وإلا بعض المظاهر العامة . ماذا لو نوقشت قضية الوحي الإلهي ، وتطبيقات علم النفس التحليلي عليه ؟ ألا يتسرب الشك إلى عقل خال وليس عنده من تصور لقضية الوحــــــي الإِلهي ؟ بالطبع ليس معنى ذلك أن هذه القضية هي من بنات أفكار هذا القرن ، نعم إن استخدام التحليل النفسي هو من أفكار القرن لارتباطه بعلم معين أو فرع معين من فروع علم النفس ولكن قبل ذلك ماذا قيل ؟ قيل إن النبي عليه الصلاة والسلام يُصْرَع ، ولكن المستشرقين الذين تأخروا لما درسوا ظاهرة الصَّرَع من الناحية الطبية وجدوا أن الدعوى لا يمكن أن تقبل لأن المصروع يفقد عقله ، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان على أتم اليقظة والوعي واستحضار العقل بل شدة التركيز ، بحيث قال له الله تعالى ألا يفعل ذلك إشفاقاً عليه ( لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتَّبِــــــع قرآنــه . ثم إن علينا بيانه ) . وعده الله تعالى بأن يجمع ذلك له ، بأن يُحفظهُ إياه دون هذا التركيز العقلي المشدود ، فأين هذا من حال المصروع ؟ فالمصروع كما نعلم يهذي لكنه لا يأتي بقرآن مبين لا يتناقض إطلاقاً ، وعدم التناقض إطلاقاً ليس إلا من صفات الله سبحانه وتعالى ، ولذلك قال الحق : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) .
أيضاً قالوا لنا بأن " جوستاف لوبون " الفرنسى الذي كتب " حضارة العرب " رجل حصيف ، ورجل عادل وهو يثني على العرب وحضارتهم ، وكتابه هذا اعترف بمكاننا ، ولكنهم لم يقولوا لنا ماذا يقول جوستاف لوبون عن القرآن ، يقول : " ليس في عامية القرآن ولا صوتيته أو هويته الصبيانية التى هي من صفات الأديان السماوية ما يقاس بنظريات الهندوس " . يعنى لوبون يرى أن القرآن الكريم في لغته وفي أفكاره لا يرقي إلى الهندوسية ، ثم ينكر شمولية القرآن ، ويرى أنه مؤقت لعصره ، وأنه لا يحقق حاجات الفرد في عصور لاحقة بل يجعله سبب تخلف المسلمين .
إن خلط السم بالدسم ، بالثناء على الحضارة العربية وأنها تستحق الإشادة بها ، ومن ناحية ثانية الطعون في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي ظاهرة الوحي يعنى أن المقصود هو الطعن ، وأما الإطار بالثناء على حضارة العرب فهو للتخدير ، لأنه في حالة الوعي الكامل سيرفض القارىء الشتم ، ولكن إذا قيل له إنك إنسان نبيل ونابغة ومهذب ولا ينقصك إلا كذا - وهذا " الكذا " يفقد الإنسان قيمته - هذا هو الأسلوب والمنهج المتبع في معظم الدراسات الاستشراقية في القرن العشرين ، فهي لا تتجه إلى الأساليب المباشرة ، وإنما تتجه إلى تغليف الكلام .
وقد كتب جولد زيهر مئات البحوث عن الإسلام والمسلمين وعشرات الكتب الكبيرة ، وأشهر كتبه " مذاهب التفسير الإسلامي " الذي يمثل نضجه الثقافي حيث كتب قبل ذلك " دراسات إسلامية " و " العقيدة والشريعة " ، وهذا المؤلف المجري اليهودى أثر على كثير من أساتذتنا الذين تكلموا عن تاريخ الحديث النبوي في مطلع القرن ، واستمرت آراؤه تحظى باحترام العديد من الدارسين في الغرب هو و" شاخت " صاحب كتاب " أصول الفقه الإسلامي " . ولا يمكن في هذا البحث الوجيز استعراض كل ما قيل في هذا المجال وإنما المراد هو إيضاح أن الاستشراق وإن كان قد بدأ حركة دينية ثم تحول إلى حركة مقترنة بالسياسية بحيث اشتغل معظم المستشرقين بل كلهم إلا اليسير في دوائر المخابرات الاجنبية وخدموا وزارات الخارجية ، وهذا معروف عن أساطينهم مما لا يولد الشك في اقترانهم بالسياسة وأن ما يكتبونه يراد منه خدمة واقع سياسي ، وأنه حتى بعد التطور الحديث من مطلع القرن العشرين وحتى الآن لازال يواصل خطاه ، وأن مايبدو عليه من تعميق لبحوثه بالإفادة والاستثمار للعلوم الحديثة لن يخلصه من الإطار القديم المرسوم له ، فأهداف طرح الشرق أمام الغرب بصورة مشوهة ثم عكس القضية لإضعاف ثقة المسلمين بأنفسهم ، بدينهم ، بماضيهم ، هذا كله إضافة إلى زرع بذور العنصرية والتفرقة بين الأمة الإسلامية بشتى الطرق .
وفيما يلى عرض لجملة من آراء المستشرقين في السنة النبوية :
المستشرقون والسنة :
لم يفرد المستشرقون القدامى السنة بدراسات مستقلة بل ركزوا على العقيدة والقرآن والسيرة والتاريخ .
في نهاية القرن السابع عشر كتب هربلو وهو فرنسي ( 1635 - 1695 م ) صاحب المكتبة الشرقية وهي دائرة معارف عن الشرق نُشرت 1738 م - بحثاً في ( حديث ، قصة ، خبر مسموع مقول ، أحاديث الرسول ، حديث عن أشياء قالها الرسول الزائف وقد نقل من فم إلى فم ومن شخص إلى آخر ) .
وخلاصة رأيه أن جملة الأحاديث التى في الكتب الستة والموطأ والدارمي والدارقطني والبيهقي والسيوطى مأخوذة إلى حد كبير من التلمود .
ويلاحظ أنه يفرق بين السنة التى التزم المسلمون بتطبيق أحكامها وبين الحديث الذي هو مجرد خبر تاريخى غير موثوق ‍‍‍‍!! .
كذلك يلاحظ في دراسة هربلو التكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم واتهامه بالزيف والألقاب الأخرى الشائنة . والزعم بأن المحمدية مستقاة من التلمود ، واليهود الذين دخلوا في الإسلام ، مما سيتطور فيما بعد إلى الاستقاء من عدة ديانات وحضارات كانت على صلة بجزيرة العرب .
وكذلك اتهام المسلمين بعدم التمييز في دراسة أصول شريعتهم ، مما تبناه " جولد تسيهر " و" شاخت " وهما أبرز من تناول موضوع السنة من المستشرقين .
وقد جعل الزهري أول من جمع الحديث ،مما يولد فجوة تاريخية بين مرحلة النطق بالأحاديث وتدوينها مما يشكك في إمكانية الثقة بها .
وفي القرن الثامن عشر قسم المستشرقون حقول الدراسات الشرقية بصورة موضوعية ، وفي نهاية القرن برز الأمير كايتاني ( 1869 - 1926 م ) وميور ( ت 1905 م ) وشبرنجر Sprenger( ت 1893 م ) . وكانوا مهتمين بتاريخ السنة واعتقدوا الشك في صحة الأحاديث وسعوا للكشف عما أسموه " المادة الأصلية للحديث " .
أفاد من الثلاثة أحد المتضلعين بأصول اللغات السامية والتاريخ الإسلامي هو إجناس جولد تسيهر ( 1850 - 1921 م ) الذي درس بالأزهر ، وهو مجري الجنسية يهودي الديانة ، وقد اعتبره المستشرقون - ومن تأثر بهم - الرائد الأول في دراسة الحديث ونقده بالاستعانة بمنهج النقد التاريخي ، حيث توصل إلى فكرة تطور الأسانيد والمتون في الفكر الإسلامي ، ولا شك في أهمية تأثيره على سير الدراسات الاستشراقية في حقل السنة ، ويرى أن وضع الحديث بدأ في جيل الصحابه المبكر ، وإن كان يثبت وجود مادة أصلية ، فهو يعترف بوجود أحاديث مكتوبة في الصحف في ايدي الصحابة ، لكنه رغم ذلك يرى أن التدوين للسنة لم يبدأ إلا فى القرن الثانى . وأن معظم الأحاديث - في رأي جولد تسيهر - وضعتها الفرق السياسية الكلامية والمذهبية في القرنين الثاني والثالث ، لذلك هى تعكس تطور المسلمين السياسي والفكري خلال القرنين ولا تمت غالباً إلى القرن الأول بصلة ، ويركز على الصراع بين الأمويين الذين يصورهم بصورة الطغاة الجهلة وبين العلماء الأتقياء وأنصار أهل البيت ، ويتهم الزهري بوضع حديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " . وقد عزا جولد تسيهر أصول الإسلام إلى اليهودية والمسيحية ، وأكد على تأثير الهلينية في تطور الإسلام ، وتأثير القانون الروماني في نمو التشريع الإسلامي .
لقد صارت دراساته دستوراً للمستشرقين من بعده ، وقليل منهم انتقد بعض آرائه أو عدَّل فيها مثل فيوك Fueck ( ت 1939 م ) وهوروفتس Horovitz ( ت 1931 م ) ، أما الأكثرية الساحقة فاكتفوا بتعميق آرائه بإضافة براهين جديدة أو تعميمها على حقول جديدة مثل كيوم ونيكلسون وهاملتون كـــــــــب وواط وفنسنك ( ت 1939 م ) .
وقد ركز فنسنك على أحاديث العقيدة في كتابه العقيدة الإسلامية في حين ركز جوزيف شاخت ( ولد 1902 م ) على أحاديث الأحكام في كتابه أصول الشريعة المحمدية وكتابه الآخر مقدمة في الفقه الإسلامي ، وهو يهودي الديانة بريطاني الجنسية ، وقد أكد شاخت على اختلاق الأحاديث ، وأثنى كيب وسافوري على كتابه ، واعتبره كيب أساساً لكافة الدراسات في الحضارة الإسلامية والتشريع الإسلامي في الغرب - على الأقل - في حين عده سافوري من أكبر علماء الشريعة الإسلامية في العالم .
وقد درس شاخت في مؤلفه ( أصول الشريعة المحمدية ) كتابي " الموطأ " لمــــــالك و" الأم " للشافعي ثم عمم نتائج دراسته على كتب الحديث والفقه الأخرى ، فقال بنظرية " القذف الخلفي " لتفسير تطور الأسانيد ، وتتلخص آراؤه في زعمه اختلاق الجزء الأكبر من الأسانيد ، واعتقاده أن أقدم الأحاديث لا يرقى إلي ما قبل سنة 150هـ ، وأن الأحاديث اختلقها الفقهاء وأصحاب الفرق ، وأن الشافعى هو الذي استحدث مبدأ حجية السنة ، وكان العمل قبله على السنة المذهبية ، وقد كان أثره كبيراً على جيله من المستشرقين .
لقد طعن شاخت في سند مالك عن نافع عن ابن عمر بأن نافعاً مات ومالك صغير ، وهذا خطأ ، فمالك كان صاحب حلقة في مسجد المدينة في حياة نافع . وقد رد روبسون على شاخت في هذا السند في مقاله " الإسناد في الحديث النبوي " وفي هذه المقالة عدل عن آرائه التي تابع فيها شاخت عندما نشر بحثه ، حيث كان يشك في جملة الأحاديث ويرى أن ما يمكن عزوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو القرآن وحده . والملاحظ أن كيوم وواط وروبسون كلهم من رجال الكنيسة .
وقد ظهر توجه نحو دراسة موارد الحديث ونقد بعض وثائقه عند روبسون ( ولد 1890 م ) الأستاذ في مانشستر منذ سنة 1949 م ، وقد أثبت أن ثمة مادة أصلية من الأحاديث خلافاً لما ذهب إليه شاخت ومن قبله جولد تسيهر ، كما أنه لم يوافق كايتاني وشبرنجر ( 1813 - 1893 م ) في القول بأن أسانيد عروة بن الزبير ( ت 93 هـ ) مختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون .
لقد أشار شبرنجر ( ت 1893 م ) إلى تعاسة نظام الإسناد وأن اعتبار الحديث شيئاً كاملاً سنداً ومتناً قد سبَّب ضرراً كثيراً وفوضى عظيمة ، وأن أسانيد عروة مختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون . وكذلك مقاله " أصول تدوين الوثائق عند المسلمين " . ولكنه أثبت تدوين الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتماد علــــــــى كتاب " تقييد العلم " للخطيب . وهذا ما خالفه فيه جولد تسيهر فيما بعد .
أما ميور معاصر شبرنجر فينتقد طريقة اعتماد الأسانيد في تصحيح الحديث لاحتمال الدس في سلسلة الرواة ، ورغم أنه مثل شبرنجر أقر بأن ثمة مادة أصلية في الحديث لكنه اعتبر نصف أحاديث صحيح البخاري ليست أصلية ولا يوثق بها .
وأما كايتاني ( ت 1926 م ) فقد ذكر في حولياته أن الأسانيد أضيفت إلى المتون فيما بعد بتأثير خارجي لأن العرب لا يعرفون الإسناد ، وأنها استعملت مابين عروة وابن اسحق ، وأن عروة لم يستعمل الإسناد مطلقاً ، وابن إسحق استعملها بصورة ليست كاملة .
وقد أثبت هوروفتس ( 1874 - 1931 م ) معرفة عروة للإسناد ، وأن الإسناد دخل في الحديث منذ الثلث الأخير من القرن الأول . وألمح إلى الإسناد الجمعي عند الزهري حيث يفيد وقوفه على عدة أسانيد للمتن الواحد .
ولكن هوروفتس يرى أن العرب أخذوا فكرة الإسناد عن المدارس التلمودية عند اليهود . ويرى - ويوافقه كيوم - تشابه المسلمين واليهود في نسبة شرائعهما إلى نبييهما .
ورد فيوك Fueck( ت 1939 م ) على جولد تسيهر فبرأ المحدثين والفقهاء من تهمة وضع الأحاديث ، وكشف عن منهج جولد تسيهر في التعامل مع الإسلام وأنه يستخدم المذهب المادي لنقد التاريخ ومنهج الشك فانتهى إلى أن كل أحاديث الأحكام تعتبر زائفة حتى يثبت العكس .
أما مرجليوث المعاصر لجولد تسيهر ( 1858 - 1940 م ) فقد تابع جولد تسيهر بل ذهب إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك أوامر ولا أحكاماً سوى القرآن !!
ويرى كيوم أنه لا يمكن إثبات صحة نسبة الأحاديث في الكتب الستة إلى الصحابة ولكن لعل بعضها تسلم نسبته .
ويفسر كيوم قول الزهري : " إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث " تفسيراً خاطئاً ليدلل على وضعه للأحاديث وهو فهم جولد تسيهر من قبله .
ويتشبث نيكلسون بقول أبي عاصم النبيل : " ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث " . فذهب إلى أن شواهده في " دراسات محمدية " لجولد تسيهر وأن أتقى العلماء كان يستعمل الغش في الحديث لتأييد أغراض سياسية ومذهبية .
وقد بين الإمام مسلم أن الكذب يجري على لسانهم ولا يتعمدونه . وقال يحيى بن سعيد القطان : " ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد " والكذب هنا على لغة أهل الحجاز وهو مطلق الخطأ .
ويرى كولسون وكيوم أن المحدثين يبحثون في الأسانيد شكلياً بدون الاهتمام بنقد المتون .
يقول كولسون : " إذا كانت سلسلة الإسناد متصلة ، وكان كل فرد من أفراده عدلاً - من وجهة نظرهم - فحينئذ قبلوا الحديث وصار شرعاً واجباً ، ولا يمكن بسبب الإيمان السؤال عن متن الحديث لأنه وحي إلهى فلا يقبل أي نقد تاريخي " .
ويقول كيوم : " متى اقتنع البخاري بتحديد بحثه في سلسلة الرواة في السند مفضلاً ذلك على نقد المتن ، صار كل حديث مقبول الشكل حتمياً بحكم الطبع " .

موراني
07-27-2005, 11:55 PM
يا أحمد المنصور ,
هناك أكثر من هذا...........!
كله معروف وتكرار منذ زمان .
لا تتعب نفسك , اذ سؤالي لم يزل يتركز على :

قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية .....

الى آخر هذا الكلام .

فلم أجد اجابة على السؤال . وجدت ردودا معروفة من زمان . وهذا الكلام يعاد تقريبا بمناسبة كل رأس السنة تقريبا................. فأنا أتساءل : من يقرأ الكتابات الاستشراقية أصلا ؟ كل ما تعتمد عليه هو (الردود) على هذه الفئة الكافرة .....نقلا , كما قلت أنا : قال فلان.......

فلا تنسى أن Fueck المذكور أعلاه قام بالمحاولة الأولى للمعجم المفهرس لألفاظ القرآن....
هل قرأت دراساته ؟ انني أخشى أنك لم تقرأها ولم تسمع باسمه حتى الآن .

نقلت كلاما : ومن هنا أرى انك تبنّي ما جاء في المنقول .

احمد المنصور
07-28-2005, 01:55 AM
1)

يا موراني،
وكذلك حاجتك وحق القاريء لا تعطيك الحق في الكذب على صاحب المقال بالتعميم!.

بما أنك لم تنكر كلامي؛ كان الأولى أن تعتذر على "التقول" على صاحب المقال بالتعميم.
2)

يا موراني،
لا يوجد أي مانع من النقل عند ذكر المصدر، والناقل يتحمل الأمانة في صدق النقل. ولكن لا يتحمل مسئولية محتوى النص اللهم إلا مسئولية الإختيار فيما ينقل. اما حقك المزعوم في تقديم السؤال فهو أكيد ولكن لصاحب المقال. ربما أنت تقصد شيئًا اخر؛ وهو رأي ناقل المقال فيما نقل!

هل تفهم ما تقرأ؟

3) فلترم بحجر يا موراني:
قالوا : إن النبي لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.

موراني: النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية معبرا عن ايمانه بخالق الكون هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه . يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل . يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر

النبي لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه
النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية

والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي
هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه


وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.
معبرا عن ايمانه بخالق الكون ....يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر



، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد
مؤسس دين .... يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل

جابر عثرات الكرام
07-28-2005, 05:55 AM
فلا تنسى أن Fueck المذكور أعلاه قام بالمحاولة الأولى للمعجم المفهرس لألفاظ القرآن....
هل قرأت دراساته ؟ انني أخشى أنك لم تقرأها ولم تسمع باسمه حتى الآن .

نقلت كلاما : ومن هنا أرى انك تبنّي ما جاء في المنقول .
وهذه التى تحسبها لهذا المستشرق ما قام بها إلا لخدمة الاستشراق وزملائه المستشرقين الدخلاء على الدراسات القرآنية أما الباحثون المسلمون فلا يحتاجون إلى مثل ذلك المعجم بتاتا لذلك لم تدع الحاجة فى الماضى لعمل مثل ذلك المعجم وليس فى هذا العمل ما يستحق الاهتمام والتقدير .
سؤال ربما يصعب عليك أن تجيب عنه بصدق :
ما هى الإضافة التى قدمها المستشرقون للبحث العلمى ؟

موراني
07-28-2005, 11:05 AM
الباحثون المسلمون فلا يحتاجون إلى مثل ذلك المعجم بتاتا

هكذا !

أقول : العلامة محمد فؤاد عبد الباقي يسلم عليك ........

أما السؤال فهو يخرج من الموضوع الأصلي .

ما زلت بالانتظار لأسماء هؤلاء البعض الذين قالوا ما جاء في بداية هذا الرابط....بعد هذا الكلام الطويل.
للمرة الأخيرة : من هم ؟

ومضة
07-28-2005, 11:28 AM
جولد زيهر.....في كتابه العقيدة والشريعة.....من الصفحة السادسة إلى الصفحة السابعة (في بداية الكتاب كما هو واضح)

يقول ما ترجمته "....فلجأ إلى الكهوف والغيران ليفكر في أمور دينية يعالج من خلالها ما يسود في مجتمعه من فساد اجتماعي "

المستشرق مونتجمري وات....Montogomery Watt تجده إما في كتابه " محمد في مكة " أو " الوحي الإسلامي في نظر العالم الحديث.....


المستشرق الألماني ( ابن عمك :rolleyes: ) هوبرت جريمي في كتابه Mohammed


حيث قال ما ترجمته : " لم يكن محمد - وأقول :salla1: كتبه ومضه - في باديء الأمر يبشر بدين جديد ، بل إنما كان يدعو إلى نوع من الاشتراكية ، فالإسلام في صورته الأولى الأصلية لم يكن يحتاج إلى أن نرجعه إلى ديانة سابقة تفسر لنا تعاليمه ، ذلك لأننا إذا نظرنا إليه عن كثب ، نراه لم يظهر إلى الوجود كعقيدة دينية ، بل كمحاولة للإصلاح الاجتماعي تهدف إلى تغيير الأوضاع الفاسدة ، وعلى الأخص إلى إزالة الفروق الصارخة بين الأغنياء الجشعين ، والفقراء المضطهدين "

وفيما يتعلّق بالزعامة السياسية انظر كتاب مرجوليث في كتاب تاريخ العالم العام حيث ذكر أن دعوته كانت لحبّ السلطان...

والآن.......أرجو أن

ما تصاحش كدا ......

:rolleyes:

جابر عثرات الكرام
07-28-2005, 09:18 PM
الباحثون المسلمون فلا يحتاجون إلى مثل ذلك المعجم بتاتا

هكذا !

أقول : العلامة محمد فؤاد عبد الباقي يسلم عليك ........

أما السؤال فهو يخرج من الموضوع الأصلي .

ما زلت بالانتظار لأسماء هؤلاء البعض الذين قالوا ما جاء في بداية هذا الرابط....بعد هذا الكلام الطويل.
للمرة الأخيرة : من هم ؟

نعم هكذا بل ويعد الباحث الذى لا يعرف موضع كلمة من كلمات القرآن باحثا مزيفا هكذا عده علماؤنا وأساتذتنا ومشايخنا هذه حقيقة عندنا ربما تغفلون عنها .
أما أن السؤال فى غير صميم الموضوع فكل مشاركاتك هنا خارجة عن الموضوع ولعلى أطرح عليك هذا السؤال فى موضوع مستقل لأن مشاركاتك كلها لا فائدة منها .
لقد ذكر الأخ الذى نقل الموضوع أنه ينقله من موقع كذا فلماذا لا تذهب لهذا الموقع وتعترض وإذا كان لديك ما يخالف هذه المقالة فلماذا لا تتحفنا به ؟!
لكن لا أراك إلا مغطيا على فضيحة أخرى .

موراني
07-28-2005, 09:37 PM
ومضة :
لم ينكر جولدزيهر نبوة محمد كما لم ينكرها وات
بل رأيا ارتباطا بين الأفكار الدينية ( أو قل : بين رسالة محمد وفقا للمفهوم الذاتي له)
وبين سعيه الى الاصلاح الاجتماعي بمكة في بدء النبوة .
فأين النظرية الانحرافية في ذلك ؟
وهذا الارتباط بين الدين الجديد والاصلاح وارد ليس بالقرآن (وحسب التفسير) بل أيضا في السيرة النبوية .
لا ينكر ذلك أحد .
اذا : فأين المشكلة ؟ قائمة الأسماء للمستشرقين الذين يعترفون بنبوة محمد
على المستوى الأكاديمي طويلة اعتبارا من نولدكه.....الى رودي بارت , وهذا الأخير قام بترجمة علمية للقرآن .
أما المستشرقون المعاصرون فلا تشغل بالهم مسألة النبوة اذ هذا الأمر متفق عليه .

تنبيه : أرجوك أن لا تأتي بمختلف المواقع للفرق النصارى المتدينين والمتعصبين أو بأقاويلهم وباعتصامهم بالانجيل وما الى ذلك من الفرق الكثيرة في الشبكة ( الجنون فنون !) .
هذا لا يهم أبدا .

احمد المنصور
07-28-2005, 10:57 PM
1)


أما السؤال حول محمد اذ كان نبيا أم لا , فلا يشك في نبوته عاقل بعد قيامة بالدراسة المقارنة للأديان وتأريخها . كبار المستشرقين مثل نولدكه في دراساته مثل (تأريخ القرآن , ج 1 ) وفي (في عربية القرآن) , ورودي بارت في كتيّبه : محمد والقرآن , ومنتجوماري وات في دراساته ( محمد بمكة , محمد بالمدينة ) كلهم يبرزون نبوة محمد . ورودي بارت الذي قام بترجمة علمية للقرآن يلفت النظر الى أنه من المسلم به أن محمدا كان رجلا متدينا ثابتا في التوحيد ( وذلك في المقدمة للترجمة) .
يعني : أين المشكلة ؟ في طبيعة الحال كان محمد نبيا

2)

يا أبا مريم !
بئس ما فعلت أنت....لقد وضعت على لساني ما لم أقل به
عندما تقول :
الدكتور مورانى يؤمن بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد أرسل من عند الله تعالى لهداية الناس ومن شروط ذلك أن يكون صادقا ومبلغا عن ربه لا عن هوى نفسه فلا يصدر عنه كذب قط وما نقل عنه نقلا أمينا فهو حق وصدق ...

أين قلت أنا هذا الكلام ؟ لقد بالغت في الأمر مبالغة ما لا يجوز !
محمد بصفته نبيا ....لا علاقة لهذا القول بالايمان لديّ

فانتبه !

3) إذًا من هو النبي (حسب موراني)؟:



النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية معبرا عن ايمانه بخالق الكون هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه . يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل . يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر .


يعني حسب هذا المفهوم (النبى = مصلح إجتماعي "سوبر"). كل ما في الأمر، هو مجرد تفريغ الكلمات من معانيها. والقصد إذا كان ولابد من الإعتراف بشيء، فليكن إذًا شيئا اخر.


للمقارنة:


(1- قالوا : إن النبي لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.)

(2-موراني: النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية معبرا عن ايمانه بخالق الكون هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه . يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل . يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر)


المقارنة:

1- النبي لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه

2- النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية

-----***-----
1- والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي

2- هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه


-----***-----
1- وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد.

2- معبرا عن ايمانه بخالق الكون ....يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر


-----***-----

1- فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد

2- مؤسس دين .... يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل
الدفاع: يا سيادة القاضي! موكلي لم يقتل المجني عليه، ولكن المجني عليه هو من مات على يدي موكلي!.

موراني
07-28-2005, 11:31 PM
يا أحمد المنصور ,
من خلال الغابة الكثيفة باقتباساتك المتعددة تبين لي أنك لا تفهم من الأمر شيئا
بل تفضل المجادلة بلا معنى .

ربما تعالج مشاكلك العلمية في مكان آخر .
أو عالجها هنا . بعدم مشاركتي فيه .

حسام مجدي
07-29-2005, 12:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين ..

أتعرف ما هي المشكلة يا عزيزي الدكتور موراني ؟!

المشكلة الرئيسة في هذا الموضوع .. هو تعريفك لكلمة " نبي " ..

فما هو " النبي " من وجهة نظر الإستشراق .. و لن أقول موراني .. حتى لا يعد ذلك تدخلًا في شئنة الخاص .. و لأني أطمع بتفصيل دقيق من الدكتور الفاضل ..

فما هو تعريف " النبي " ؟!

ثم نقدم نحن معنى " النبي " .. من خلال الفكر الإسلامي .. أي بالنسبة لنا كمسلمين .. و لكي نصل إلى أبجديات مشتركة في الفهم بيننا ..

و شكرًا لك مقدمًأ ..

تحياتي ..

احمد المنصور
07-29-2005, 01:06 AM
يا موراني ليس مهمًا ما تبين لك - إلا لك. أما لنا فالمهم هو الحقائق فقط. وهذا هو الفرق بين الصدق والتوهم.

-----***-----

هناك إضافة لمداخلتي السابقة سأوضحها على مثال:

في لغات البرمجة (++C مثلا) يوجد مفهوم إسمه الحجب عن طريق إعادة التعريف. وبإختصار شديد نستطيع تعريف "معرفا" وليكن x في نطاق معين ثم نحجبه بإعادة تعريفه مرة اخرى في نطاق جزئي. ومنذ تلك اللحظة كلما ظهر المتغير x فسيقوم البرنامج بفهمه حسب المفهوم الجديد 0طالما كنا في داخل النطاق0.

ما علاقة هذا بكلامنا؟

المتغير x في المثال أعلاه؛ يقابل في مثالنا تعريف كلمة "نبي"!. وهنا يحق لنا السؤال: هل مفهوم "النبي" عند موراني هو مفهوم النبي عندنا؟

الإجابة بالتأكيد:لا.
فمهومنا لنبوة محمد :salla1: يقوم عليه الركن الأول من أركان الإسلام. وهذا المفهوم ليس معتمدًا عند موراني. إذًا كل ما قام به موراني، هو أنه حجب التعريف الإسلامي "للنبوة" بإستعمال نفس الكلمة - "النبي". (ببساطة نحن نستعمل كلمة واحدة في المنطوق ومختلفة في المعنى).

طبعًا أنا لا أنكر عليه حقه في إستعمال المصطلحات التي يشاء، ولكن أنكر عليه حجب مصطلحاتنا وكأننا إتفقنا معه في ذلك.

وقد يكون هناك علم هو نبي عند موراني ويكون \أو لا يكون\ نبيا بمفهومنا الإسلامي، وبالعكس قد يكون هناك نبي بمفهومنا الإسلامي وليس نبيا بالتعريف الإصطلاحي عند موراني. عليه أرجو الإنتباه لهذه الجزئية حتى لا يتم حجب مصطلح باخر. فالفرق كبير جدًا؛ وهو بالضبط الفرق بين الكفر والإيمان.

سيف الكلمة
07-29-2005, 09:04 AM
موراني: النبي هو شخصية تأريخية , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية معبرا عن ايمانه بخالق الكون هادفا الى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه . يجب أن يكون له أتباع فالاّ فلن يفلح بأمره على مدى طويل . يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر


وفق هذا التعريف محمد وموسى وسليمان وحزقيال ودانيال وغيرهم مصلحون إجتماعيون أسسوا أديان لها تصورات أخلاقية فى فترة من التاريخ يرون أنهم وسطاء بين الله والبشر يؤمنون بالخالق ويجب أن يكون لهم أتباع

اتفاق علماء على تعريف أو أكثر لا يعنى وصولهم للتعريف الأمثل وأى تعريف قابل نظريا للتطور إلى الأفضل

وهذا التعريف لا يفسر بعض الحالات المرتبطة بالنبوة على الوجه الآتى :

1) لا يفرق بين الرائى وبين النبى (رؤيا يوحنا بالعهد الجديد ) كنص يقدسه النصارى
2) لا يقدم أى إشارة للنبوءات المستقبلية للأنبياء كوعد المنتهى أو وعد الآخرة من الأنباء التى لم تحدث بعد ولم يشر إلى تحقق أنباء أتى بها النبى والأمثلة كثيرة
3) يهمل نبوة بعض الأنبياء مثل لوط فلم يكن له أتباع
4) يهمل قيام الأمم المؤمنة برسالة النبى كما فى الإسلام ككيانات سياسية كما فى الإسلام واليهودية
5) يستبعد أديان لها ملايين الأتباع كالبوذية فلم يعتقد بوذا أنه نبى ولا يعتقد كثير من أتباعه بذلك وهذه نقطة إيجابية
6) هذا التعريف منطبق على المسيح وعلى الآلهة الوسيطة بين الله والبشر فهم وفق التعريف أنبياء لا آلهه وهذه نقطة إيجابية

إن لم يكن هناك اتفاق حول معانى المصطلحات فسيكون حوارا بين الطرشان لا يسمع أحد المحارين كلام الآخرين والباحث لا يغلق عقله أمام تعريف سبقه به البعض أو سبق به غيره ما دام لم يثبت شموله للمعرف وهو النبى هنا

ومضة
07-31-2005, 11:08 AM
أخي حسام


المشكلة الرئيسة في هذا الموضوع .. هو تعريفك لكلمة " نبي " ..

فما هو " النبي " من وجهة نظر الإستشراق .. و لن أقول موراني .. حتى لا يعد ذلك تدخلًا في شئنة الخاص .. و لأني أطمع بتفصيل دقيق من الدكتور الفاضل ..

فما هو تعريف " النبي " ؟!

لا عليك........فإن المعنى في (بطن) المستشرق http://www.aborenaz.com/smilies/smilies2/7rb_drb_shr/devil_2.gif

احمد المنصور
08-01-2005, 02:16 AM
في الطريق إلى دمشق


الحمدُ للهِ وكفى، وسلامٌ على من إصطفى.

أما بعد،

بدايةً أود أن إشير إلى أن الكلام حول بعض المستشرفين – الذين نراهم يمارسون تفريغ النبوة من معناها الحقيقي - لا يعني بالضرورة سوء النية لديهم جميعًا، بل أحيانًا نجد العكس. شخصيًا لهذا السبب أركز غالبًا على الفكرة لا صاحبها. وهذا أجدى وأنصف.

جزء غير يسير من عقلية الإنسان – بالضرورة – هو نتاج البيئة، اللغة .. وعمومًا المحيط. مما يجعل لكل إنسان عقلية إنطباعية خاصة به محصورة ضمن الخلفية الثقافية. والمستشرقون – كغيرهم من البشر – لا يمكنهم فصل تفكيرهم عن خلفيتهم الثقافية – وفي هذا يتساوى الطيب والخبيث. ومع أن هذه المعلومة بديهية إلا أنها قد تغيب كثيرًا وعن كثيرٍ.

وهنا أود الإشارة إلى أن الطرح الذي سأقدمه – يجب فهمه ضمن "الخلفية الثقافية" للمستشرقين وجدورها. وعلاقتها مع الطرح المذكور في المدخل، حول النظريات المنحرفة الهادفة لإلغاء (أو الناتجة أصلاً عن عدم الإيمان بـ) الصبغة الدينية للرسالة المحمدية.

أين كانت البداية؟

أول نص طويل ومنظم حول الإسلام – إستقى منه النصارى معلوماتهم – هو جزء من مؤلف القديس يوحنا الدمشقي (المتوفي حوالي سنة 750): De haeresibus أي "عن البدع" أو "تاريح البدع".

(والقديس يوحنا الدمشقي، هو لاهوتي سوري، حجة في أمور الدين المسيحي. بذل جهداً عظيماً في الدفاع بقلمه عن العقيدة المسيحية. اشتهر بمؤلفاته اللاهوتية، وأشهرها "ينبوع الحكمة"، وينقسم إلى 3 أقسام: تفسير لاهوتي لمقولات أرسطو، وتاريخ البدع، وعرض للعقيدة المسيحية. له شهرة كبيرة بين اللاهوتيين، ولا يزال حجة في الكنيسة الشرقية. نظم يوحنا أيضاً الأناشيد الدينية ورتب الغناء في بعض الطقوس والصلوات.)

يوحنا الدمشقي ناقش الإسلام كبدعة. وقد رُوِّج في تلك الآونة لقصة خرافية، وهي أن محمداً كان تلميذاً للراهب النسطوري سيرجيوس (بحيرا)؛ كما أطلق المسيحيون السريان على المسلمين لقب "ملَّة أبناء الجارية"، استناداً إلى رسالة بولس إلى أهل غلاطية (الإصحاح 4: 21-31).

"يوحنا الدمشقي على طريقة بولس"

لقرون عديدة كان المسيحيون (والأروبيون منهم أيضًا) يستقون تعاليمهم حول الإسلام من تلك المؤلفات وما فيها من أراء. فكرة أن الإسلام بدعة مسيحية سيطرت لقرون عديدة على نظرة المسيحيين إلى الإسلام. ساد الإعتقاد بأن محمدًا (:salla1:) هو مبتدع ومنشق. بعذ ذلك أُضيفت قصص أخرى منها أن القرآن أُرسل للناس على قرون عجل أبيض، و أن محمداً (:salla1:) ساحر، أراد أن يحطم الكنيسة عن طريق السحر، وأن يفعل ما لم يستطع فعله الشيطان؛ ناهيك عن الرغبة الجنسية العارمة التي تحكَّمت في ميوله، وانتقلت إلى المسلمين كمنهج سلوكي. بالإضافة إلى أن محمداً (:salla1:) (الذي أُطلِقَت عليه تسميات: "ماهومت"، أو "مومت"، أو "موميتو") أراد الجلوس على كرسي البابوية؛ وعندما لم يفلح هرب إلى شبه الجزيرة العربية وانتقم من المسيحية من جراء ذلك.

ما يهمنا من هذا الكلام هو القول أن محمدًا (:salla1:) هو مبتدع ومنشق، والإسلام بدعة من الديانة المسيحية. وبما أن الإسلام بدعة مسيحية (حسب زعمهم) إذًا الفضيلة التي في الإسلام هي مأخوذة من النصرانية!. ومحمدٌ (:salla1:) هو مجرد إنسان يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر , مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية (مبتدع ومنشق).


هذا هو أول الخيط، وأول الغيث قطرة!

وثمة تصورات تكوَّنت أخرى - عن الإسلام – لازلت موجودة إلى اللحظة. وفيها يُطلق على المسلمين بــ الماهومتيين. وطبعًا الإسم غير مقصود به أتباع محمد (:salla1:) ولكن الإيحاء بأن أتباع محمد يعبدونه. وإلى يومنا هذا يوجد من يفكر بهذه الطريقة. ومع أن هذا يخرج عن موضوعنا إلا أنه يظل في علاقة تامة مع محاولة نفي الصبغة الدينية عن الإسلام بتشويهه.



توما الأكويني
(أبو جهل الصليبي)

لقد دخلت مثل هذه الترويجات والاختلاقات في إطار الأدلجة لتصوير الإسلام بهيئة قبيحة تتعارض مع "مثالية" المسيحية. ولم يتوقف الأمر عند الإسلام، بل تعدَّاه إلى العرب ككل، كما فعل دانتي وتوما الأكويني.

اللذين وصفا العرب تارة بالصعلكة وتارة بالبداوة (والقصد منها الفوضى وعدم القدرة على استيعاب أي شكل حضاري). فبرأي الأكويني أن الإسلام انتشر بفضل الترويج لفكرة اللذة، والشهوات الحسية، والوعود الغريزية في الآخرة؛ علماً أن دانتي والأكويني دانا بالكثير للثقافة الإسلامية اعترافاً واقتباساً، ولكنْ بصورة انتقائية. فتوما الأكويني يصوِّر أن الإسلام يناسب القدرات العقلية المتوسِّطة من خلال تطرُّقه لمسألة القرآن الكريم الذي أطلق عليه "شريعة محمد".


)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ(

وتوما الأكويني (1225 - 1274) هو امير الفلسفة اللاهوتية وإمامها، وله تأثير عميق في لاهوت الكنيسة الغربية. والثاني بعد الاسقف القديس أوغستنيوس الذي تعمق في فكر الكنيسة، حيث درس في جامعات نابولي وانضم الى سلك الرهبنة الدومانيكانية، ويعتبرونه مثال الانسان المفكر والعالم.

نعم، الانسان المفكر والعالم وهو الذي يصوِّر أن الإسلام يناسب القدرات العقلية المتوسِّطة من خلال تطرُّقه لمسألة القرآن الكريم. فتبًا لإنسانية أبي جهل!. وهل الإنسان المفكر يصنف العقل حسب الدين؟. أم هي حكمة أبي جهل!. وحتى لو تجاوزنا هذه العنصرية المقيتة للعقلية المريضة ("للانسان"، "المفكر"، "العالم") نجد أن الحقد أعمى أبا جهل الصليبي؛ عن حقيقة يدركها الأطفال: فليس كل المسلمين عربًا ولا كل العرب مسلمون!. ولكنه حقد "امير الفلسفة اللاهوتية وإمامها" التي ورثها عن القديس الفيلسوف يوحنا عن الفيلسوف بولس العدو الأول للمسيح عليه السلام. والكلام في هذا الصدد قد يطول ولكن مختصره أن ما يجمع هولاء هو الفلسفة وحقدهم على الإسلام والمسلمين.

الإسلام فلسفة عظيمة مترابطة وواقع ملموس وشجاعة في تقرير الإحكام. ونجد في فلسفة إمام الفلسفة اللاهوتية الذي تأثر بفلسفة أبن رشد بصمات واضحة للإسلام ("دين قدرات العقلية المتوسِّطة"!) منها:

* فلسفة (الحرب العادلة):

أول من نادي بالتمييز بين (الحرب العادلة) وغير العادلة كان الراهب التونسي - القديس أوغستنيوس - الذي يقول في كتاب له تحت عنوان: " في مدينة اله" إن أحكام القانون لا تطبق على الأفراد فقط, وإنما يجب تطبيقها على الممالك ايضاً, كما طالب باحترام المعاهدات وأعراف الحرب. وبعد القديس أوغستنيونس بعدة قرون طور أبحاث القديس أوغستنيوس في تعريف (الحرب العادلة) و(الحروب غير العادلة).

يختلف الإسلام عن بقية الأديان بأنه ليس ديناً فقط, وإنما هو دين وشريعة أيضاً , وهذه الشريعة كاملة تتضمن جميع نشاطات الحياة بما فيها معاملة أبناء الشعوب الأخرى في السلم والحرب. منذ ظهوره إلى هذه اللحظة كان الإسلام واضحًا في مسألة الجهاد. لم يدع للذل حتى عند الضعف، ونهي عن الإعتداء حتى عند المقدرة، وأمر بالعدل حتى مع الإعداء. ومع هذا لازال النصارى يتهمون الإسلام بسبب تشريع "الجهاد"، ويتشدقون بالسماح بضرب الخد الأيسر وإعطاء الخد الأيمن. ولكن هذا التشريع لا يصلح لأنه غير رباني فها هو إمامهم الفيلسوف يجد لهم حلا من تشريعات ديانة الإسلام (الدين الذي يقولون عنه بدعة مسيحية) وإن فهموه على طريقتهم - طريقة هيروشيما ونجازاكي. يكفي القول أن هذه الفلسفة أصبحت أساسا للمشروعات الأولى للقانون الدولي في القرن السابع عشر (Grotius-„Iure belli ac pacis”) وكذلك القوانين الدولية الحالية وكذا تعاليم الكنيسة أصبحت إمتدادًا لتلك التعاليم للتوفيق بين القيم الدينية والمصالح الدنيوية.


* يقول توما الأكويني - كدليل رابع على وجود الخالق (المسمى ex gradibus perfectionis): لو كان هناك إلهان لوجب أن يتمايزا فيما بينهما، فيصدق على الواحد شيء لا يصدق على الآخر، ولكان أحدهما تبعاً لذلك عادماً كمالاً، فلا يكون الاخر إلهاً.

ولو ألقينا نظرة في كتاب الله وبالتحديد في سورة المؤمنين: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)" المؤمنون.

وكما نرى إمام فلسفة اللاهوت يأخذ دليله من القرآن، ويقول من عنده، ويخفى بعضه (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ).

* والدليل الخامس لتوما الأكويني على وجود الخالق (والمسمى بــ ex gubernatione rerum) والذي يعتمد على عدم عبثية الخلق (أن الله هو الذي يحدد الأهداف).

أيضًا نجد القرآن تكلم بذلك في مواضع كثيرة منها:
"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)" المؤمنون.
" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)" الأنبياء
" تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)" الإسراء
والأسلام كفلسفة وجودية هو أغنى بكثير مما إختصرناه، وهو أيضًا قيمة وجودية بتشريعاتها الكاملة (حياةً ودينًا). ومن الطبيعي أنه يستحيل علينا, في كلمة مثل هذه, أن نوفى هذه الجوانب جميعها - في الإسلام - حقها من البحث, لذا سنكتفي بهذا الإختصار.

وجب التنويه أن توما كان جهده الأساسي هو تطويع الفلسفة لخدمة اللاهوت. يقول يوحنا بولس الثاني (عن توما) في رسالة جامعة في الإيمان والعقل "ولذا فهو يُعدُّ في تاريخ الفكر المسيحي «من روّاد الطريقة الفلسفية الجديدة والثقافة الشاملة. النقطة المركزية ونواة الحلّ الذي عالج به، بحدسه النبوي والعبقري، معضلة التواجه الجديد بين العقل والإيمان.. »"

وشتان بين الزخم الحقيقي والمتكامل للدين الإسلامي. وبين دين يحتاج لمن يعالج له " معضلة التواجه الجديد بين العقل والإيمان".

وهنا نصل إلى الخاتمة بنتائج مكتوبة في تاريخ الكنيسة وفلسفتها، منها:

* نزع الصيغة الدينية عن الإسلام وإعتباره مجرد ظاهرة تاريخية ،

* تحقير الإسلام والعنصرية ضد المسلمين،

* تلبيس عيوب المسيحية للاسلام (من مبدأ الهجوم أحسن وسيلة للدفاع).

* النقل من الإسلام لفسلفة المسيحية ما لا يتعارض معها؛ لهدفين أحدهما إيهام العامة بالعكس (أي أن الإسلام هو البدعة)،

* وصف الإسلام بأنه بدعة مسيحية يجعل بالضرورة كل فضيلة للإسلام هي فضيلة مسيحية.


أذًا مما سبق؛ لا يسعني إلا إقتباس ما ورد في أول المقالة لصاحب الموضع بغرض المقارنة – وكما يقال، إذا عُرف السبب بطل العجب:
" قدّم بعض المستشرقين جملة من النظريات المنحرفة لتفسير النهضة التي قامت بين العرب وظهور الدولة الإسلامية ، وحاولوا جاهدين أن يلغوا الصبغة الدينية لهذه الحركة التاريخية ، وقد أفضى بهم ذلك إلى جعل الإسلام مجرّد ثورة للفقراء ضد الأغنياء ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من مصلح اجتماعي أراد أن يعزّز القيم الفاضلة في المجتمع الذي نشأ فيه ، والذي كان يموج بمظاهر التخلف والفساد الأخلاقي والاجتماعي ، فلم يجد أفضل من الدعوة إلى دين جديد ، وأن يتقمّص – بزعمهم - دور النبي المبعوث من رب العباد. "


---------------
في النهاية أعتذر عن عدم تنسيق الموضوع – في الحقيقة كنت أعتقد أنني سأكتب مجرد مداخلة بسيطة ولكن سبحتي عقدها إنفرط. فمعذرة للقارىء الكريم.