المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرة نقدية لمفهوم التقدم الغربي



عمر الأنصاري
07-28-2010, 09:29 PM
http://img64.imageshack.us/img64/6076/33988909.png


نظرة نقدية لمفهوم التقدم الغربي

يُعتبر التقدم من المفاهيم الجديدة الأكثر تداولا في الغرب منذ الثلاث قرون المنصرمة، وأصبح اليوم حاجة مُلحة تلهج بها ألسنة المُفكرين والمُنظرين.

الإشكالية الكُبرى في هذا المفهوم تكمن في المرجعية التي ينطلق منها، ولا غرابة أن أجزم أن من أهم التحديات التي تُواجه العلماء والمُفكرين تتجلى في التحديد الدقيق للمُصطلح وللمرجعية.

وعودا إلى مصطلح "التقدم" ولنطرح السؤال التالي كمُقدمة للمقال، ما هي مرجعية التقدم في الرؤية الغربية؟ وهل استفادت الإنسانية من نموذج التقدم الغربي؟

لن نستطيع تحديد مفهوم التقدم الغربي دون إدراك لطبيعة التحول الإبستملوجي الذي شهدته أوربا ومن ثم أمريكا الشمالية في القرون المُنصرمة، ولن أتحدث هاهنا عن تاريخ امتد لمئات السنين بدأ من السيطرة الكنسية واللاهوت القمعي، انتهاء بتحرر الفكر من قيود الكنيسة ثم بطشه بها بإعلانه الإلحاد وتنصيبه للطبيعة إلها، إنما سأسلط الضوء ما أمكنني ذلك على التحول الخطير الذي شمل المرجعية والذي على أساسه تم صياغة كل المفاهيم الغربية الحديثة، بل والذي على أساسه تم بلورة رؤية الغرب للكون وللإنسان وللعلاقة بينهما، أتحدث هنا عن الانتقال من مرجعية الخالق إلى مرجعية الطبيعة، والانتقال من ثنائية الخالق والمخلوق إلى واحدية المادة/الطبيعة.

إن الإيمان بالمادة كمرجع أوحد للإنسان جعل الغرب يختزل كل شيء في بُعد مادي واحد به يتم تفسير كل الظواهر الطبيعية أو الإنسانية، ويستند هذا التفسير إلى ملامح واضحت:

1 – مصدر الكون يكمن فيه.
2 – الكون خاضع لقانون واحد هو القانون المادي.
3 – القانون المادي قانون جبري وحتمي.
4 – القانون المادي يتجه نحو التطور الجبري والحتمي.

اعتبار المادة مُطلقاً ومرجعاً يعني أن القانون السائد هو قانون البقاء للأقوى، وكلما احتدم هذا الصراع الحتمي واللانهائي ظهر جنس أقوى من الذي قبله، وهذا هو لبُ النظرة التطورية التي ذاعت لتشمل جل المجالات المعرفية، فتم الاعتقاد –اعتماداً على الظن- أن القديم مُتخلف عن الجديد، فنُبذ التراث باعتباره قديماً وتم تعويضه بالحداثة، والآن نسمع بما بعد الحداثة، حيث تحولت الحداثة إلى تُراث وجب تجاوزه بناء على النظرة التطورية المادية للتاريخ.

في ظل هذا القالب تم صياغة مفهوم التقدم وتم لبسه بلبوس المادية الإلحادية، وقبل إعطاء تعريف من منظوري الشخصي للتقدم حسب الرؤية الغربية وجب إنزال بنود المادية على هذا التقدم.

فالتقدم الغربي يخضع للتصور التالي
1 – المرجعية المادية هي التي تُحدد ما هو تقدم وما هو غير تقدم ومن ثم يُصبح القديم –زمنيا- مُتخلفا والحديث –زمنيا- مُتقدماً، بناء على البُعد المادي الرابع "الزمن".
2 – لا وجود لتقدميات مُتعددة، ولا يوجد رؤيتان للتقدم، فالتطور يتبع نسقاً مادياً واحداً، بمعنى أن القانون المادي الذي يُسَيِّر التطور أو التقدم هو قانون واحد، وبالتالي فإن التقدم لا ولن يعرف إلا نموذجا واحداً.
3 – تطبيق الغرب للتقدم المادي أعطاهم حق السيادة مُعتبرين أنفسهم قيمة مطلقة يجب تبنيها ونقطة نهائية ومرجعية يجب الوصول إليها من طرف جميع الأمم، وتم بالإضافة إلى ذلك اعتبار الإنسان الغربي الأبيض حسب التفسير التطوري الدارويني النموذج والمعيار الذي يتربع على سلم الكائنات باعتباره الحيوان الأكثر تكيفاً والأكثر انتاجاً والأكفأ في صراع البقاء.
4 – التقدم حتمي وصارم، وفرض النموذج الغربي بالقوة وبالإرهاب هو حق مشروع إذا اعطينا المرجعية للمادة.

فهذه هي أهم معالم مفهوم التطور حسب الرؤية المادية، وأي مفهوم مصدره الغرب يُمكن وضعه في هذا القالب للخروج بنتائج مُطابقة لما يفعله الغرب على أرض الواقع.


يُتبع...

عياض
07-31-2010, 05:08 AM
مقدمة شيقة لبحث يعد بالكثير لو ان صاحبه يحليه بالتعمق و الاستقراء التاريخي..فأمثال هذه المفاهيم و المصطلحات هي التي يجب تعميق النظرة الاسلامية في اتجاهها و اسقاط حبال الهيمنة عليها...فالحاجة اليها ماسة ... لو تناولناه بالعمق المناسب ...هل البحث هو من نتاج يراعك أستاذي أباعمر؟

عمر الأنصاري
08-05-2010, 08:25 PM
لم أنتبه لمُشاركتك إلا الآن أستاذي الفاضل عياض
أسعدني مُرورك وتعليقك :emrose:


هل البحث هو من نتاج يراعك
نعم هو كذلك، ولم أنته منه بعد، فقد وضعتُ المُقدمة وبعض المباحث حتى لا أنسى البحث في دهاليز التسويف

:emrose: