المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهات حول عذاب القبر ونعيمه



ماكـولا
08-10-2010, 12:23 AM
القبر في معتقد المسلمين روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، جعله الله تعالى برزخا بين حياتين، وفاصلا بين مرحلتين، فهو بمثابة محطة للوقوف والانتظار، يقف فيها من مات - معذبا أو منعما - ريثما تنقضي أعمار الناس في حياتهم الدنيا، لينتقلوا بعدها جميعا إلى الدار الآخرة حيث يجازى المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته .

ورغم أن هذه المرحلة ( القبر ) مرحلة غيبية محضة، لا تدركها العقول، ولا يصلها الحس، فلم يخرج لنا ميت ليخبرنا بما رأى، ولا نزل حي إلى أهل القبور ليعلم حالهم، فالغيب يحيط بهذه المرحلة من جوانبها، فلا طريق لمعرفة كنهها وحقيقتها إلا بالخبر في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا أنه وجد من يشغب على تلك النصوص، أحيانا بدعوى معارضتها لنصوص أخرى، وأحيانا بدعوى مخالفتها للعقل والحس، وهي دعوى سنحاول مناقشتها لبيان أن عذاب القبر ونعيمه حقيقة ثابته أثبتها الشرع بنصوصه، وهي حقيقة لا تعارضها العقول، ولا ينكرها الحس .

ومن المناسب هنا أن نذكر جملة من نصوص الكتاب والسنة التي تثبت حقيقة عذاب القبر ونعيمه، وأن تلك المسألة من ثوابت ديننا، ومن لوازم إيماننا بالغيب .


أدلة الكتاب والسنة على عذاب القبر ونعيمه :

قال تعالى: { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }( غافر: 46 ). والعرض على النار هنا نوع من العذاب وهو حاصل قبل يوم القيامة بلا شك، بدليل قوله تعالى في الآية نفسها { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فدل ذلك على ثبوت عذاب القبر

وهذا المعنى يؤيده ما رواه البخاري و مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ).


ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون }( الطور: 45-47)

وقد روى الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } يقول: " عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة ".


وقال تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون }( الأنعام: 93)، فقول ملائكة العذاب: "اليوم" يدل على الزمن الحاضر وهو بلا شك قبل يوم القيامة. فدل ذلك على أن الكفار يعذبون قبل البعث والحساب.

هذه بعض الآيات الدالة على عذاب القبر، وأما الأحاديث فهي كثيرة نذكر منها ما ثبت:


عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة.. فقال: ( من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء ؟ قال: ماتوا في الإشراك. فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ) رواه مسلم .


وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم . فقال: صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم . قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يتعوذ من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة الدجال ) رواه مسلم .

وعن ابن عباس رضي الله عنها قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) متفق عليه.

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل، جاء فيه عن العبد المؤمن: ( قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام . فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره .. ) رواه أحمد .

قال العلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله في ثبوت عذاب القبر ونعيمه - لمن كان لذلك أهلا - وسؤال الملكين . فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذا الدار " .

وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة :" وقد أجمع على ذلك - أي عذاب القبر ونعيمه - الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين " ، وممن نقل الإجماع أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره .


شبهات من أنكر عذاب القبر والرد عليها

مما استدل به المنكرون لعذاب القبر ونعيمه قول الله عز وجل: { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56) قالوا: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.

واستشهدوا على إنكارهم أيضا بقوله تعالى: { وما أنت بمسمع من في القبور }(فاطر: 22) قالوا: إن الغرض من سياق الآية تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم السماع، ولو كان الميت حيا في قبره أو حاسا لم يستقم التشبيه.

هذا من جهة النقل

أما من جهة العقل فقالوا: إنا نرى الشخص يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه، ولا نشاهد فيه أيا من علامات الحياة فلا نراه يعذب ولانراه ينعم.

ونرى الرجل يحرق بالنار، وتأكله السباع، ولا نرى أثرا لما تقولونه من عذاب القبر ونعيمه.


وللإجابة على ذلك نقول أما قوله تعالى:{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }( الدخان: 56)

وقولهم: لو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين مرة في حياتهم الدنيا، ومرة في حياتهم البرزخية.


فالجواب على ذلك أن الإيمان بحياة الأموات في قبورهم لا يقتضي مساواة حياتهم في البرزح بحياتهم في الدنيا، بل هي حياة خاصة قدرها الله سبحانه لهم، وعليه فلا يلزم ما قاله المنكرون لعذاب القبر ونعيمه من أنه لو كان الأموات منعمين أو معذبين للحقهم الموت مرة ثانية إذ ذلك لا يلزم إلا في حال تساوي الحياتين.

ومنشأ هذا الخلط عند منكري عذاب القبر هو ظنهم أن الموت هو عدم محض لا يشعر معه صاحبه بشيء وهذا ما ترده النصوص الشرعية من الكتاب والسنة .


ثم إن الآية جاءت في سياق الامتنان على أهل الجنة بأنهم خالدون فيها لا يذوقون الموت سوى ما ذاقوه أول مرة في حياتهم الأولى، فليس في الآية حديث عن عذاب القبر ولا نعيمه ولا تعلق للآية به، فالاستدلال بها إقحام لها في غير سياقها ومساقها .


أما استشهادهم بقوله تعالى:{ وما أنت بمسمع من في القبور }( فاطر: 22)

فالجواب عنه بأن الآية وردت في سياق تشبيه حال الكفار من حيث عدم انتفاعهم بسماع المواعظ والآيات بحال أهل القبور الذين لا ينتفعون بشيء مما يلقى عليهم، فالآية تنفي سماع الانتفاع لا مطلق السماع بدليل أن الكفار وهم المرادون في الآية بالأموات يسمعون الآيات بلا شك ولكنهم لا ينتفعون بها .

( قلت كقول الله" فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون" وقوله " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء
ونداءا " والايات في معنى الصم والبكم وعدم الانتفاع والاهتداء في كتاب الله كثيرة )

هذا ما يتعلق برد استدلالهم بالمنقول على إنكار عذاب القبر ونعيمه


أما استدلالهم بالمعقول وبالحس فالرد عليه من وجوه:

الوجه الأول: أن الله قد حجب عنا معرفة ما يحصل للميت شفقة بنا لئلا نترك دفن موتانا، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ) رواه مسلم


الوجه الثاني: أن عدم رؤيتنا لما يحصل للميت من عذاب أو نعيم لا يعني عدم وجوده فقدرة الله ليس لها حدود، فهو قادر سبحانه على أن يعذب أو ينعم من مات محروقا، أو مات مأكولا، فالله لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.

الوجه الثالث: أننا نرى اليوم من طرق التعذيب أنواعا مختلفة لا تترك آثارا في الجسد كالتعذيب الكهربائي مثلا أو التعذيب النفسي، وهي أنواع من التعذيب ربما تكون أقسى من تلك التي تترك ندوبا في الجسد وآثارا. ( قلت والعذاب النفسي أشد , وقد يكون له أثر على الجسد وقانا الله عذابه )

الوجه الرابع: أن من أصول الإيمان عندنا الإيمان بالغيب، وعذاب القبر منه، وإنكار عذاب القبر ونعيمه بدعوى عدم مشاهدته أو الإحساس به، هو فتح لباب جحود الغيب على مصراعيه، فالملائكة تطوف حولنا وتكتب حسناتنا وسيئاتنا ولا نراها ومع ذلك نؤمن بها، وكذلك الجن، فهل يعد عدم رؤيتنا لذلك مبررا لإنكار تلك الغيبيات .

وبهذا يظهر أن من أنكر عذاب القبر ونعيمه ليس معه من العلم سوى الأوهام، وأن دلائل الكتاب والسنة قائمة على إثباته وتحقيقه، والله أعلم

نقلا عن الشبكة الإسلامية

::المفصل على شبهات أعداء الاسلام ::

ابن السنة
08-10-2010, 02:04 AM
بارك الله فيك

وسطي
08-10-2010, 02:15 AM
بارك الله فيك

ماكـولا
08-10-2010, 02:28 PM
شكر الله لكما , وحفظكما من كل سوء

aissam
03-15-2011, 08:28 PM
اخي العزيز انا محتار هل العذاب يكون على الجسد ام الروح?

ماكـولا
03-16-2011, 01:25 PM
حماك الله يا اخي ووفق للخير ..

الروح والجسد عند سؤال الملكين يكونا معاً فيكون العذاب والفتنة عليها جميعاً ثم بعد ذلك يكون على الروح والجسد تابع لذلك كالنائم في احلامه وكوابيسه فان روح في مكان وجسده مكانه وهو متأثر بما يراه ويشاهد من ألم وحزن او فرحة وما شابه



وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح خبيثة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحا " ، ثم قرأ : {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } ، فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ، فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أن كذب ، فافرشوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره ، حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ، فوجهك الوجه يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول رب لا تقم الساعة » . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وروى النسائي وابن ماجه أوله ، ورواه الحاكم


والشاهد ما لونته بالازرق من ان الروح تعاد الى الجسد بعد ان صعدت الى السماء

وللروح مع الجسد أحوال يقول ابن ابي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية " فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا ، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا .

فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق ، متغايرة الأحكام :

أحدها : تعلقها به في بطن الأم جنينا .

الثاني : تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض .

الثالث : تعلقها به في حال النوم ، فلها به تعلق من وجه ، ومفارقة من وجه الرابع : تعلقها به في البرزخ ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها إليه التفات ألبتة ، فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلم ، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ، وهذا الرد إعادة خاصة ، لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة .

الخامس : تعلقها به يوم بعث الأجساد ، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن ، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه ، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا ، فالنوم أخو الموت . فتأمل هذا يزح عنك إشكالات كثيرة .

وليس السؤال في القبر للروح وحدها ، كما قال ابن حزم وغيره ، وأفسد منه قول من قال : أنه للبدن بلا روح ! والأحاديث الصحيحة ترد القولين .

وكذلك عذاب القبر يكون للنفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة ، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتصلة به .

واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه ، قبر أو لم يقبر ، أكلته السباع أو احترق حتى صار رمادا ونسف في الهواء ، أو صلب أو غرق في البحر - وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور .

وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك - فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير ، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراد ما قصده من الهدى والبيان ، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب - ما لا يعلمه إلا الله .

بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد والله المستعان .


فالحاصل أن الدور ثلاثة : دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار .
وقد جعل الله لكل دار أحكاما تخصها ، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس ، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان ، والأرواح تبعا لها ، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح ، والأبدان تبعا لها ، فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم - صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا . فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل ، ظهر لك أن كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار - مطابق للعقل ، وأنه حق لا مرية فيه ، وبذلك يتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم .


ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم ، ليست من جنس نار الدنيا ولا نعيمها ، وإن كان الله تعالى يحمي عليه التراب والحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون أعظم حرا من جمر الدنيا ، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بها . بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفن أحدهما إلى جنب صاحبه ، وهذا في حفرة من النار ، وهذا في روضة من رياض الجنة ، لا يصل من هذا إلى جاره شيء من حر ناره ، ولا من هذا إلى جاره شيء من نعيمه .

وقدرة الله أوسع من ذلك وأعجب ، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما .

وقد أرانا الله في هذه الدار من عجائب قدرته ما هو أبلغ من هذا بكثير .

وإذا شاء الله أن يطلع على ذلك بعض عباده أطلعه وغيبه عن غيره

ولو أطلع الله على ذلك العباد كلهم لزالت حكمة التكليف والإيمان بالغيب ، ولما تدافن الناس ، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : « لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع » . ولما كانت هذه الحكمة منتفية في حق البهائم سمعت وأدركت ." انتهى


ويجدر التنبيه الى معرفة البرزخ يقول الله " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون"

قال القرطبي في تفسيره " " برزخ " أي حاجز بين الموت والبعث، قاله الضحاك ومجاهد وابن زيد

وعن مجاهد أيضا أن البرزخ هو الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا.

وعن الضحاك: هو ما بين الدنيا والاخرة.

ابن عباس: حجاب.

السدى: أجل.

قتادة: بقية الدنيا.

وقيل: الامهال إلى يوم القيامة، حكاه ابن عيسى.

الكلبى: هو الاجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.
وهذه الاقوال متقاربة وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ قال الجوهرى: البرزخ الحاجز بين الشيئين.

والبرزخ ما بين الدنيا والاخرة من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل في البرزخ.
وقال رجل بحضرة الشعبى: رحم الله فلانا فقد صار من أهل الاخرة ! فقال: لم يصر من أهل الاخرة، ولكنه صار من أهل البرزخ، وليس من الدنيا ولا من الاخرة.
وأضيف " يوم " إلى " يبعثون " لانه ظرف زمان، والمراد بالاضافة المصدر.


ونقل د . عمر الاشقر في القيامة الصغرى " البرزخ في كلام العرب الحاجز بين الشيئين ، قال تعالى : ( وجعل بينهما برزخاً ) [الفرقان : 53] ، أي : حاجزاً والبرزخ في الشريعة : الدار التي تعقب الموت إلى البعث . قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [ المؤمنون : 100 ] . قال مجاهد : هو ما بين الموت والبعث ، وقيل للشعبي : مات فلان ، ليس هو في دار الدنيا ، ولا في الآخرة .

وقال ابن القيم : " عذاب القبر ونعيمه اسمه لعذاب البرزخ ونعيمه ، وهو ما بين الدنيا والآخرة ، قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [المؤمنون : 100] . وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة "

واحسن الله ختامنا ,
بوركتم

aissam
03-16-2011, 03:27 PM
اخي المحترم شكرا لردك
اذا كان للجسد دور هنا كيف يتعذب الهندوس التي تحرق اجسادهم
نحن نعلم ان الجسد بعد الفناء يصبح عديم الفائدة فيتحلل و يتلاشى

ماكـولا
03-17-2011, 03:20 AM
حفظك الله اخي المكرم

العذاب يكون على الجسد والروح ثم يكون على الروح والجسد تابع له .
فقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي سحق نفسه فقد قال " كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذ أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال يا رب خشيتك فغفر له" بخاري

فاذا كان هذا الجمع يوم القيامة " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" فلا يمنع سؤال الملكين حيثما يجمع اجزاءه , وعليه يكون ما يكون من العذاب
وان مرد الذي حرق والذي غرق ومن أكلته السباع الى الارض " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى "

ثم ان الروح تساق الى ما لا يعلم لما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم المنامية عند البخاري حيث قال " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان ؟

قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه - قال وربما قال أبو رجاء فيشق - قال ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل مل فعل المرة الأولى قال قلت سبحان الله ما هذان ؟

قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور - قال وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت لهما ما هؤلاء ؟

قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان ؟ قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا ..."

حتى قالا له " قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا ..."

فالعذاب يكون بعد على الروح والجسد او بعض اجزاءه تابع لذلك
وكذلك النعيم يكون بعد ذلك على الروح والجسد او اجزاءه تابع لذلك كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " لما أصيب إخوانكم يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش "

وقد قال ابو محمد ابن حزم رحمه الله " وإنما قيل عذاب القبر فأضيف إلى القبر لأن المعهود في أكثر الموتى أنهم يقبرون وقد علمنا أن فيهم أكيل السبع والغريق تأكله دواب البحر والمحرق والمصلوب والمعلق فلو كان على ما يقدر من يظن أنه لاعذاب إلا في القبر المعهود لما كان هؤلاء فتنة ولا عذاب قبر ولا مسألة ونعوذ بالله من هذا بل كل ميت فلا بد من فتنة وسؤال وبعد ذلك سرور أو نكد إلى يوم القيامة فيوفون حينئذ أجورهم وينقلبون إلى الجنة أو النار وأيضا فإن جسد كل إنسان فلا بد من العود إلى التراب يوما ما كما قال اله تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى فكل من ذكرنا من مصلوب أو معلق أو محرق أو أكيل سبع أو دابة فإنه يعود رمادا أو رجيعا أو يتقطع فيعود إلى الأرض ولا بد وكل مكان استقرت فيه النفس أثر خروجها من الجسد فهو قبر لها إلى يوم القيامة ..."

وقال رحمه الله " وأخبر عليه السلام يوم بدر إذ خاطب القتلى وأخبر أنهم وجدوا ما توعدهم به حقا قبل أن يكون لهم قبور فقال المسلمون يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا فقال عليه السلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم فلم ينكر عليه السلام على المسلمين قولهم أنهم قد جيفوا وأعلمهم أنهم سامعون فصح أن ذلك لأرواحهم فقط بلا شك وأما الجسد فلا حس له .."

والله تعالى اعلم

فتي التوحيد
03-17-2011, 05:18 PM
ماكولا لو سمحت لي بسؤال
فتح قبر في المقبرة وقال سكان المنطقة انه يعود لحوالي عشرين عام وعندما فتح وجدت الجثة كما هي
هل هذا دليل انه مؤمن ومن اهل الصلاح؟
ام هذا يعود لطبيعة الدفن والكفن والتربة وغير ها من العوامل؟

ماكـولا
03-17-2011, 05:44 PM
حفظك الله وبارك الله فيك .
اهل السنة يثبتون كرامات الاولياء , وهي ما يخرقه الله لوليه للدلالة على استقامته , او لتثبيته ... الخ
ولا يثبتون ذلك له حتى يعرضوا امره على الكتاب والسنة ! فقالوا : لو ان الرجل طار في الهواء ومشى على الماء فلا يصدق حتى يعرض امره على الكتاب والسنة , والا يكون ذلك من جنس الاستدراج , ويكون من التلبيسات الشيطانية !

ومثله هذا الذي ذكرت , فان كان من اهل الصلاح كان ذلك بمثابة كرامة له على حسن سريرته واستقامته , فقد روى البخاري رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال : (لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال لي : ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب - النبي صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعز عليّ منك غير نفس رسول الله ، وإن عليّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً . فأصبحنا وكان أول قتيل ، فدفنت معه آخر في قره ، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه).

وكذلك أخرج السيل جثث أربعة شهداء من المهاجرين وهم: حمزة بن عبد المطلب ، وابن أخته عبد الله بن جحش ، و شماس بن عثمان ، و مصعب بن عمير أخرجهم السيل في عام ستمائة وأربعين من الهجرة فوجدوا كما هم

وان لم يُعرف حاله , بل كان مستور الحال , ولا يعرف حاله ولا قامت قرينة للتدليل على حاله , فيرجى ان تكون له علامة على حسنه , الا اذا كان تحت عوامل ارضية كالتجمد وامور ترجع الى الارض .

وان كان الرجل طالحاً , فقد يستعين اهل الباطل على باطلهم باستخدام امور كالتحنيط والتجميد لاجل حفظ جثث القوم ما استطاعوا لذلك

فالخلاصة لابد من اعتبار القرائن التي تدل من اي الرجال هو , نسأل الله حسن الختام

والله اعلم

فتي التوحيد
03-18-2011, 02:21 PM
وان قلت لك انه ليس من اهل السنة

ماكـولا
03-19-2011, 08:04 AM
ينظر في بدعته فان كانت يسيرة , فلعل الرحمة نالته وتجاوز عنه
وان كانت بدعته مكفرة فلا ويكون ذلك من باب الاستدراج للغير كما قال تعالى "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدى متين"

والخلاصة عرض اقوال وافعال وعلامات وخوارق الرجال على الكتاب والسنة فان وافقهما فيدل على المقصود الحق , وان خالفهما فيدل على المقصود الباطل بمثل هذه التلبيسات , ويكون من جنس الاستدراج

يقول شيخ الاسلام في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان : فان هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أنّ كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي الله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة.

فالفيصل في ذلك هو قوله تعالى " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ"

وفقكم الله