المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيء والعدم



سامر الخطيب
08-15-2010, 03:48 AM
الشيء والعدم
كان الله ولا شيء معه
لقد اختلف معظم الفلاسفة القدامى، ومن اتبعهم من المعاصرين،في مسألة مفهوم الشيء، واللاشيء، والعدم، وانطلقوا من قاعدة (استحالة إيجاد شيء من لاشيء ). وبناءً عليها، وضمن فلسفة معينة، وصلوا إلى نتيجة مفادها أن أصل مادة الخلق أزلية الوجود، وذلك حتى يتم استخدامها في عملية الخلق الجديد، وبالتالي يصدر الشيء من شيء قبله، وليس من لاشيء.
وفكرة أزلية الشيء دفعتهم إلى التساؤل عن ماهية الشيء الأول، وكيف له صفة الوجود الأزلي؟ فوصلوا إلى أنه ليس هو الله، وليس غير الله، وإنما هو من الله من حيث الأصل، واستمر بصورة تجليات إلهية في الوجود، وقالوا: إن الوجود المادي هو بمثابة جسم الله، والسنن والقوانين ( الروح ) التي تحكمه هي نفس الله. وبذلك صار الإنسان صورة إلهية مصغرة عن الإله الكبير! وكذلك باقي الصور الموجودة في الواقع، ولذلك فإن عملية الهلاك والفناء تتناول الصور فقط، و لا تتناول أصل المادة. فالمادة لا تفنى، وإنما تتحول من صورة إلى أخرى، فهي أزلية من حيث الوجود وسرمدية من حيث الاستمرار. هكذا زعموا!.
ويعتقد هؤلاء أن الإنسان العارف الذي وصل إلى إدراك هذه الحقيقة يعبد الله في كل تجلياته،بينما الإنسان العامي يعبد الله في صورة واحدة،ويكفر بالصور الأخرى، أو يجهلها على الأقل.
هذا المدخل الذي اعتمدوه هو الذي استُخدِم كحجر زاوية في تأسيس عقيدة وحدة الوجود. فقالوا: لا يوجد في الوجود إلا الرب المعبود، وقد تماهى الفاعل بفعله حتى صارا كلاهما واحداً، والفرق بينهما هو أمر نسبي حسب وجهة نظر الباحث.
وقالوا: إن هذه الأفعال الإلهية البديعة هي فيوض إلهية لازمة لوجوده الأزلي، فعملية الفيض الإلهي لا بداية لها ولا نهاية، فهو مازال يفيض من إبداعه كما كان دون توقف أو انقطاع أو بداية. وما هذا الفيض الإلهي الذي نمثله نحن إلا أحد صور الفيوض الإلهية في بحر الأزلية الذي لا شاطئ له. ويشبهون عملية الفيض الإلهي كمثل فيض القصيدة من الشاعر. فالقصيدة ليست هي الشاعر، وليست هي غيره، وإنما هي منه، وقبل ظهورها بهذه الصورة الصوتية كانت موجودة كامنة في نفس الشاعر.
لذا؛ يعتقدون بأزلية وجود المادة والطاقة، وأنهما من الفيوض الإلهية التي لا بداية لها ويتصورون أنهما من النور الإلهي من حيث الأصل قبل عملية التحول وظهور الصور. وعبروا عن ذلك بقولهم: إن الله منبث في الوجود كمثل انبثاث الضوء، وبالتالي يرفضون تماماً مقولة: إن الله بائن عن الخلق. لأنهم يعتقدون أن القول بها يلزم منها تجسيم وتحديد الإله وتحيزه في جهة دون أخرى التي يوجد فيها الخلق، ويلزم منها ظهور الشيء من لا شيء وهذا محال عقلاً.
وبنوا عقيدتهم تلك على تساؤلات عقلية فلسفية، أهمها:
1- كيف يوجد الشيء من لاشيء؟
2- كيف يمكن أن يكون الفاعل متصفاً بذلك أزلاً، والفعل له بداية؟.
3- كيف تكون الفيوض الإلهية حادثة، والله متصف بالعلم والإبداع أزلاً؟.
4- كيف يظن الفعل ( الإنسان ) أنه يملك وعياً وإرادة حرة رغم أن ذلك أيضاً فعل للفاعل؟.
5- كيف يظن الفعل ( الإنسان ) أن هناك عملية توقف وانقطاع للفيض الإلهي؟.
قبل محاكمة هذه الأفكار لابد من ضبط المفاهيم وتعريفها بصورة صائبة:
1- العدم: كلمة تدل على فقدان صلاحية الشيء واضمحلال فاعليته. نحو قولنا: آلة عدم، وسيارة عدم، ورجل عدم، وإعدام المجرم....الخ، فالعدم هو شيء انعدم،بعد أن كان شيئا، والعدم ليس ( لا شيء ) كما هو شائع عند معظم الفلاسفة. لذا؛ لا يصح قول بعضهم: إن الله خلق الخلق من عدم. لأن ذلك يدل على وجود شيء معدوم كان له صلاحية وفاعلية فيما سبق. بمعنى آخر تدل على أن هذا الخلق قد تم خلقه من حطام وركام هلاك كائن قد تم عدمه.
2 - الشيء: كلمة تدل على دخول الأمر في التصور العلمي أو الذهني، وظهور أبعاده مع إمكانية حصوله في الوجود الموضوعي خارج الذهن أو العلم.
و الشيء ضربان:
الأول: شيء علمي: وهو دخول الأمر في التصور وظهور أبعاده في العلم أو الذهن فقط دون إيجاده بصورة موضوعية خارج العلم أو الذهن.
الثاني: شيء موضوعي: وهو إخراج الشيء العلمي أو الذهني إلى حالة الوجود الموضوعي.
ومن خلال ضبط تعريف كلمة ( الشيء ) نلاحظ أن الشيء هو الذي يمكن أن يتشيَّأ في العلم أو الذهن، ويأخذ أبعاداً معينة، فالأوهام والخرافات ليست أشياءً لأنها لا يمكن أن تتشيأ في العلم، ولا يمكن أن توجد خارج العلم أو الذهن. مثل مفهوم الشريك لله، أو انتفاء وجود خالق، فهذه أوهام محلها الذهن غير قابلة لأن تصير شيئاً، وهي بالتالي لا شيء، واللاشيء لا يتعلق به العلم أو المعرفة أو القدرة أو الإرادة، لأن كل ذلك مرتبط بالشيء. { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الأنعام101 وبناء على ما سبق من تعريف الشيء نصل إلى أن الشيء محدود وحادث وممكن الوجود. وبالتالي لا يصح تطبيق قوانين وقواعد الشيء على خالق الشيء لتغايره عن الشيء { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى 11 ، انظر إلى حرف (ك) فهو للتشبيه، ويفيد بأن الله ليس شيئاً، وبالتالي لا يوجد من الأشياء من يمكن أن يتصف بصفات الله . فالله أحد صمد.
وبعد هذا الشرح نستطيع أن نفهم قوله تعالى:
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }يس82
لأن بعض الفلاسفة قالوا: الشيء له صفة الوجود الأزلي وذلك استنباطاً من جملة ( أن يقول له كن فيكون) أي أن الخالق يخاطب شيئاً موجوداً يطلب منه التحول إلى صورة أخرى أرادها الخالق ليتجلى من خلالها. وهذا الكلام يخالف العقل والواقع لأن النص صريح في أن صفة الإرادة سبقت عملية التشيؤ ( إذا أراد شيئاً ) والمقصد هو توجه الإرادة الإلهية لعملية تشيؤ أمر معين يلازمها مباشرة توجه الإرادة لإيجاده في الوجود الموضوعي، أي تلازم توجه إرادة الله للشيء علماً وإيجاداً بوقت واحد (كن فيكون) فخطاب الله موجه إلى الأمر الذي تشيَّأ في الإرادة بعد أن لم يكن شيئاً.
لذا؛ لا يصح أن نطلق كلمة (شيء) على الخالق أبداً، كما أنه لا يصح أن نطبق عليه قوانين الأشياء. بخلاف أفعال الخالق فهي أشياء أرادها الخالق على شيئيتها.
والمفهوم الذي يقابل ( الشيء ) هو ( اللاشيء ) وهي كلمة تدل على ذاتها، فاللاشيء هو لا شيء، وبالتالي لا يتعلق به أي شيء. بمعنى أنه لا يصح أن تقول: الله عالم أو قادر على اللاشيء. فهذا من المغالطات العقلية.
بعد أن ضبطنا تعريف: العدم، والشيء، واللاشيء. نأتي إلى نقاش القواعد التي وضعها البعض لإثبات أزلية الوجود مادة وطاقة.
1- أول قاعدة قولهم: بطلان إيجاد شيء من لاشيء.
ونحن نقول أيضاً ببطلانها، لأن اللاشيء لا يتعلق شيء به أبداً. ولو تعلق الشيء باللاشيء لكانت النتيجة هي لا شيء، وليست شيئاً. لذا؛ ينبغي ضبط المصطلح والمفهوم. فنحن لم نقل أن الله خلق الشيء من لا شيء، وإنما نقول: الله خلق الشيء بعد أن لم يكن شيئاً. ويوجد فرق كبير بين القولين يظهر لمن يقوم بعملية التدبر والدراسة، فمحور النقاش هو مفهوم الشيء.
فالمقولة الأولى: (إيجاد شيء من لاشيء ) أسندت فعل وجود الشيء إلى اللاشيء، وهذا الإسناد أكسبه صفة الشيء، وبذلك وقعنا في التناقض، لأن اللاشيء لا يُسند إليه شيء، ولا يتعلق العلم أو المعرفة أو المقدرة أو الإرادة به...الخ، وبالتالي فهذه المقولة باطلة وغير ممكنة في الواقع.
المقولة الثانية: ( إمكانية إيجاد الشيء ابتداءً قبل أن يكون شيئاً ) وهذه المقولة لا تسند فعل الإيجاد إلى اللاشيء، وإنما تخبر عن إمكانية وجود الشيء ابتداءً بعد أن لم يكن شيئاً.
{أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً }مريم67
{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }مريم9
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }الإنسان1
ولقد تم تعريف (الشيء) وضبطه بأنه أمر محدود، وبما أن الشيء له هذه الصفات لزوماً، فقطعاً يوجد بداية لعملية التشيُّؤ، سواء أكان في العلم، أم في الوجود الموضوعي له، فالأمر سواء، لابد من بداية للشيء. {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الروم27
وبناء على ما ثبت لدينا يظهر بطلان فرضية التسلسل في عملية إيجاد الأشياء من بعضها إلى مالا بداية. و لابد من ابتداء وجود شيء بعد أن لم يكن شيئاً يتم استخدامه في عملية إيجاد الأشياء الأخرى اللاحقة. وهذا الشيء الأول المبدوء به محدود ضرورة وإلا انتفت عنه صفة الشيء! وكون الأمر كذلك نستطيع أن نقول: لقد تم خلق الشيء بعد أن لم يكن شيئاً. ولا يصح استخدام كلمة ( لا شيء ) لأنها لا تدل على شيء.
والسؤال الذي يفرض ذاته: كيف تم وجود الشيء بعد أن لم يكن شيئاً؟
أول أمر ينبغي إثباته هو أن الشيء محدود ضرورة، وبالتالي يستحيل تسلسل عملية وجود الأشياء من بعضها دون بداية. كما أنه يستحيل تعلق وجود الشيء بشيء متعلق وجوده بالشيء الأول ( فرضية الدور) لأن النتيجة هلاك الاثنين وانتفاء شيئيتيهما ويصيران (لا شيء)، إذن، لا مفر من إثبات أن الشيء قطعاً له بداية، ولابد للأشياء من أن ترجع إلى شيء أولي تم تشييئه بعد أن لم يكن شيئاً.
و السؤال عن كيفية إيجاد الشيء الأولي أمر مرتبط بالفاعل الذي شيَّأه. فإن كان فاعلاً محدودَ القُدرات فلاشك أنه يحتاج إلى شيء قبل الشيء الذي يريد أن يوجده حتى يستخدمه في عملية الإيجاد ( مادة خام ).
أما إذا كان الفاعل كاملاً ومطلقاً في قدرته، وهو قيوم صمد، ومتصف بصفة الأول والآخر. فلا شك أنه قادر على أن يوجد شيئاً بعد أن لم يكن شيئاً.
وإذا اختلفت صفة الفاعلين اختلفت طريقة فعلهما ضرورة، ولا يصح قياس أحدهما على الآخر. فالفاعل المحدود لا يمكن أن يوجد شيئاً إلا من شيء سابق عنه. أما الفاعل الأزلي فهو قادر على أن يوجد شيئاً ابتداءً بعد أن لم يكن شيئاً. وهذه الصفة هي صفة الإله لا يشاركه أحد بها. وإلاّ لماذا سُمّي الإله!.
وعجز العقل الإنساني عن تصور هذه العملية أمر لازم لمحدوديته، لأنه لو تصورها لصارت شيئاً، وبالتالي صارت محدودة وانتفت عن الإله صفة الألوهية.
إذاً؛ صفة العجز عن تصور عملية الخلق للشيء ابتداء بعد أن لم يكن شيئاً هي من مقومات الإيمان بالغيب الذي تأسس على الشهادة.
2 - أما قولهم: كيف نصف الله بصفة الفاعل أزلاً رغم أن فعله حادث؟ وهم يقصدون بهذا الكلام أن فعل الله مرتبط بصفة الفاعل، وكون صفة الفاعل أزلية فيعني أن فعله أزلي أيضاً، وإلا كيف اتصف بصفة الفاعل! وهذا الكلام مغالطة أيضاً لأن من المعلوم أنه لابد لكل فعل من فاعل ضرورة، والفعل غير الفاعل أيضاً ضرورة. أما أن نعكس المفهوم ونقول: لابد لكل فاعل من فعل. فهذا ليس على إطلاقه فالأمر مرتبط بصفة الفاعل، فإن كان يحتاج إلى فعله ليستمد الحياة منه فصدور الفعل عنه ضرورة لازمة. نحو قيام الإنسان الفاعل بفعل التنفس وفعل تناول الشراب والطعام، فالإنسان يحتاج إلى فعله، فيصح في حقه أن نقول: الفاعل المحدود يصدر منه الفعل ضرورة واحتياجاً، ولكن هذا الأمر غير متحقق بالفاعل الأزلي لأنه لا يستمد حياته وصمديته من فعله، وبالتالي يصدر الفعل منه اختياراً ومشيئة. وإن قال أحدهم: لماذا اسمه فاعل إذاً؟ نقول لم يسم نفسه فاعلاً، وإنما وصف نفسه بصفة الأول والآخر والظاهر والباطن. أما صفات الأفعال نحو الخالق الرازق....الخ فقد ظهرت تسميتها بعد الفعل وليس قبله. بمعنى أنه لا يوجد ناس مخلوقون يقولون يا خالق! رغم أن مقومات صفات الخالق التي هي العلم و الإرادة والقدرة والحكمة وغيرها يتصف الله بها أزلاً بصورة لازمة له كونها من مقومات الإله.
3- أما مسألة الفيض الإلهي فهي مرتبطة بصفة الفاعل والفعل لأن عملية الفيض هي فعل حادث، ولقد ثبت أن الله  مستغن عن أفعاله ولا يحتاج إليها وتصدر منه مشيئة واختياراً، وليس لزوماً أو احتياجاً. فصفة الإبداع هي بحد ذاتها تدل على الابتكار والحدوث ولا تدل على القدم والتقليد. أما ظهور هذه الصفة لله  فهي مثل ظهور صفة الخالق تماماً. فالله الأول والآخر يتصف بمقومات الإبداع دون وجود الأفعال البديعة، وصدور الإبداع منه حادثٌ واختيارٌ ومشيئةٌ وليس أزلياً، وليس لازما،ً ولا ضرورياً.
4- أما مسألة فعل الإنسان، فهي مدفوعة بقسرية غيرية، فقد خلق الله الإنسان ومنحه الوعي والإدراك والحرية، وخصه بالحاجة والتكليف، وهذا يقتضي تحرك الإنسان ضمن احتمالات معلومة مسبقاً، فالله خلق في الإنسان حاجة الجوع، وبالتالي لابد من إشباعها ضرورة، فطلب الله من الإنسان أن يقوم بعملية الإشباع وفق نظام الحرام والحلال، والضار والنافع، فحرية الإنسان تكون باختيار صورة عملية الإشباع، وهذا الاختيار هو محل المسؤولية والمحاسبة، لا صفة الجوع عند الإنسان.
5 - أما قولهم: إن وجود اليوم الآخر يقتضي توقف عملية الإبداع والفيض الإلهي، وبالتالي لا يوجد اليوم الآخر، وإنما حياة مستمرة من خلال تناسخ أو تقمص النفوس لأجسام تولد من جديد، وتستمر عملية الفيض الإلهي! فهذا كلام مردود عليه، لأن وجود اليوم الآخر لا يتناقض مع استمرار الإبداع والفيض الإلهي، فالإبداع موجود في الآخرة على نطاق أوسع من الحياة الدنيا، مع العلم أن المشروع الإلهي واحد بمرحلتي الدنيا والآخرة.
- وأخيراً لابد من ضبط علاقة المادة بالطاقة، والعكس. قال العلماء: إن المادة هي طاقة خامدة، والطاقة مادة متحولة. مما يعني تلازم وجود المادة والطاقة مع بعضهما بصورة جدلية يؤثر كل منهما بالآخر، وبالتالي لا يصح أن نقول: المادة موجودة أولاً، أو الطاقة أولاً؛ لأنهما موجودتان معاً بعلاقة جدلية وهما شيئان ينطبق عليهما قوانين الأشياء.
- ونتيجة البحث النهائية هي أن الله  غير الأشياء، فهو كان ولا شيء معه، ثم ابتدأ خلق الشيء بعد أن لم يكن شيئاً، وأخذ الشيء صفة الوجود الشيئي ضرورة، وهو غير الوجود الإلهي ضرورة. فالوجود الشيئي خاضع لصفة المحدود ومرتبط بالزمان والمكان، أما الوجود الإلهي فهو أزلي سرمدي لا يوجد بينه وبين الشيء علاقة ذاتية، ومنزه عن الزمان والمكان، والتحيز لجهة، لأن لو حصل ذلك لصار الإله شيئاً، وخضع لقانون الأشياء.
أما صفة التحيز لجهة، والبينونة والمقابلة والتغير....الخ إنما هي صفات الشيء القابلة للدراسة والإدراك، بخلاف صفات الله الذاتية فهو ليس كمثله شيء، لذا؛ لا ينبغي أن نستخدم هذه المفاهيم الشيئية للدلالة على الله ، مع العلم أن الجهات هي نسبية ومتعلقة بمكان الإنسان بينما لايوجد للكون فوق وتحت...، وإنما نقول: إن وجود الشيء مغاير للوجود الإلهي تماماً، والله ليس شيئاً، والشيء ليس الله !
ومن المعلوم في الرياضيات أن اللانهاية لا تُحدد ولا تُوصف ولا تُعرَّف لأنه لو حصل ذلك لفقدت صفة اللانهاية، وهكذا مفهوم الأزلية، لا يمكن أن يتصوره (يتشيَّأه) الإنسان المحدود رغم ثبوته عقلاً وعلماً، وإذا أردنا أن نتصور مفهوم الوجود الأزلي وعملية الإيجاد للشيء بعد أن لم يكن شيئاً، تلزمنا أدوات معرفية أزلية! وهذا غير ممكن للكائن المحدود.
وبالتالي؛ يصير العجز عن الإدراك إدراك، وإدراك العجز إيمان.
كان الله ولاشيء معه حي قيوم صمد، وعندما خلق الشيء ابتداء، بقي على ما هو عليه- حي قيوم صمد- مغاير للشيء، ومستغن عنه. {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }الأنعام91


العقل نعمة من الله ، والحرية كرامة