المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة صالح و حجية الدين الإلهى



youssefnour
08-16-2010, 04:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن إثبات حجية الدين الإلهي لابد أن يكون إثبات "بين وواضح وظاهر" يهبه الله تعالى للرسول لصدق نبوته.
فالرسل لا يستطيعون إثبات نبوتهم إلا عن طريق السلطان المبين ، (الآية الدالة على أنهم رسل الله) ،وإلا استطاع آلاف البشر إدعاء النبوة ، وكان على الناس تصديقهم
لذلك فإن حجية "الآية الإلهية" لا علاقة لها بحجية "الرواية البشرية"، فالأساس الذي قامت عليه حجية "الآية الإلهية" ، هو أن تقوم على البرهان والحفظ الإلهي، الذي يستحيل أن يشك فيه صاحب قلب سليم
) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)إبراهيم
وإذا ذهبنا إلى قصة صالح لشاهدنا كيف تقوم الحجة الإلهية بينة بينما حجة البشر ونظام (لآبائية) دائما إلى زوال
لقد جاء صالح ،عليه السلام، يدعو قومه [ثمود] إلى الإيمان بالله الواحد ، فهل قبلوا دعوته؟! وعندما طلبوا منه برهانا يثبت إنه مرسل من عند الله، هل صدقوه وآمنوا به ، بعد أن جاءهم بالبرهان والآية الإلهية، الدالة على صدقه؟!
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)الأعراف
تدبروا قوله تعالى " قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ" ثم بيانه لهذه البينة بقوله بعدها " هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً"..، ومع ذلك قالوا :
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) الشعراء
لقد\ أيد الله تعالى رسوله صالح ب[آية] الناقة لتكون هي [البينة] على صدق دعوته ، ,أنه رسول رب العالمين. ولكن اختلفت طبيعة هذه الآية عن الآيات الحسية التي أيد بها الرسل ، فتدبر :
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)هود
لقد كانت آية صالح أوامر "شريعة"، إلهية واجبة الاتباع ، إن لم يلتزم بها قومه حل بهم العذاب.
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)القمر
والفتنة هنا ، فتنة طاعة والتزام ، وإسلام الوجه لله تعالى، وكان موضوعها هو الماء الذي امتلكه الملأ من قوم صالح ، فمنعوه الناس ، واستعبدوهم ، وظلموهم بسببه. ولقد جعل الله تعالى للناقة دورا فى هذه الآية .
) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)الشعراء
إنه عندما يمتلك الطغاة الماء فقد امتلكوا حياة الناس، وهذا ما فعله الملأ من قوم صالح.لذلك كان عليهم أن يدفعوا الثمن من جنس طغيانهم . لقد أطلق الله تعالى الناقة حرة فى الأرض ، وجعل لها وحدها مصدرا للماء تشرب منه ، دون قيد أو شرط :" هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ "، وجعل لثمود مصدرا للماء يشتركون فيه جميعا :"وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَر " ،وفى أيام معلومات:"ٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ".
إن تأييد الله تعالى الرسل بالآيات الحسية، من جنس ما برع فيه القوم، أو اشتهروا به، أو ملكوه..، وكان ذلك لإقامة الحجة على الناس، حتى بعث الله تعالى رسوله الخاتم محمدا، عليه السلام، بـ "آيته القرآنية" ليبدأ عصر إقامة حجية الدين الإلهي على أساس "الآية" آلتي لا فاعلية لها ، دون إعمال آليات التدبر ، والتفكر، والتعقل ..، آليات عمل القلب ، آلتي جاءت " الآية" تخاطبها .
فماذا كان موقف ُمود من "آية الناقة" آلتي أمروا ألا يمسوها بسوء؟! ها هي الناقة تتحرك بينهم ليل نهار ، دون أن يمسهم سوء، وطالما أنهم ملتزمون بأوامر الله ، فهم فى مأمن من العذاب.
إن فتنة الالتزام بالمحافظة على ناقة صالح كفتنة الالتزام بـ "الآية القرآنية"، غير إنها ليست مدونة فى الكتب، وإنما فتنة تتحرك بين الناس. لقد عرفت الناقة دورها والتزمت أوامر ربها ، وكانت تذهب إلى شربها ، وتعود ، كآية إلهية ، تحمل الإنذار والعذاب لمن عصاه ، فتدبروا :
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)الإسراء
لقد وصف الله تعالى الناقة "مُبْصِرَة" ، لأنها تتحرك بين الناس ، حاملة معها الحجة والبرهان [البين]، الذي يدعوهم إلى التوحيد الخالص لله عز وجل ، ويأمرهم بطاعة رسول الله صالح ، عليه السلام.
ولكن الملأ ، من قوم صالح ، أصروا على الاستكبار ، وظلموا العباد ، واحتكروا الماء، ولم يستغفروا ربهم، ولم يتوبوا إليه.
إن آية الناقة ، كـ " الآية القرآنية" تتحرك بين الناس، وتدعوهم ليفتحوا قلوبهم ويستيقظوا من غفلتهم، ويستجيبوا لدعوة رسول الله . وهذا ما لم يقبله قوم صالح ، ولا قبله المكذبون من قوم رسول الله محمد ، عليهما السلام، لقد أعدوا العدة للقضاء على هذه "الآية" ، ليبقى تراث الآباء بمروياتهم المقدسة ، حاكما على حياة الناس.
إنه المنطق الذي واجه به المكذبون دعوة الرسل ، على مرّ الرسالات، وهو نفسه منطق المؤسسات الدينية آلتي وقفت عقبة أمام المصلحين على مر العصور ، ومازالت إلى يومنا هذا ..، فى عصر المعلومات ، والانفتاح الفضائي ، والتقنيات الرقمية !!
فماذا يعنى أن تعصى ثمود رسول ربها وتقرر عقر الناقة؟! هذا يعنى أنها تعلن الحرب على الله تعالى ، وعلى جميع رسله..، لأنهم جاءوا جميعا بالآيات البينات.
إن عقر ثمود للناقة عقر للآيات آلتي سبقتها . وهكذا ..، فكل رسول كذبه قومه فكأنهم عقروا آيته ، والآيات آلتي سبقتها .
لقد قامت دعوة جميع الرسل على تذكير الناس بميثاق فطرة التوحيد ، وبيان أن للكون سُنناً تعمل لصالح الوجود كله , لا تعرف جنسا ولا لونا ولا ملة ، من أخذ بها أعطته من النعم ما لا يحصى ، ومن لم يأخذ بها تركته للعذاب الأليم !!
وهكذا كان مصير ثمود ..، فلم يأخذوا بالسنن ، ولم يعتبروا بمصير الأمم السابقة .
) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)هود