المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بدعة إعادة فهم النص (4)



متروي
08-17-2010, 09:24 PM
توجيهات عامة
القائلون بإعادة قراءة النُّصوص مدارس كثيرة، تبتعد وتقترب من الفهم الصَّحيح للنُّصوص بقدر فساد صاحبها أو رغبته في التَّلبيس؛ ولذلك فإنَّه قد يقع من بعض أصحاب القصد الحسن شيءٌ من التَّأويل والمتابعة لأصحاب القراءة الجديدة للنُّصوص، ولهذا يجب الحذر الشَّديد من هذه المزالق التي تبدأ صغيرة ثم تَكْبُرُ.
ومن التوجيهات في هذا الباب:
1- ترسيخ الحقِّ في النَّفس عن طريق العلم الشَّرعيِّ الصَّحيح، والسَّماع والقراءة لأهله الرَّاسخين فيه الذين مَدَحَهم بأنَّهم لا يتَّبعون المتشابه؛ وإنَّما يردُّونه إلى المحكم، ويؤمنون بكلِّ ما جاء من ربِّهم سبحانه.
2- كثرةُ دعاء الله بالسَّلامة من الفتن:
فإنَّ من أوصاف الفتنة أنَّ الإنسانَ قد يَدْخُلُ فيها وهو يظنُّها حقًّا وصوابًا، وأعظم ما ينجِّي النَّاسَ من الفتن صدقُ الالتجاء إلى الله- تعالى، وسؤاله النَّجاةَ منها.
ومن هذا الباب كان الدُّعاءُ بالوقاية من الزَّيغ: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران: 8] بعد الآية التي فيها بيانُ حال الزَّائغين: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7].
فسؤالُ العبد ربَّه أن يقيَه الزَّيغَ من أعظم أسباب الوقاية.
3- «إياكم وإياهم».
وهي النَّصيحةُ النَّبَويَّةُ للتَّعامل مع المحرِّفين؛ فيجب الابتعادُ والنَّأيُ عن القراءة لكتابات هؤلاء؛ ولو على سبيل التَّنَدُّر والتَّهَكُّم منهم؛ فإنَّ الشُّبَهَ خطَّافةٌ.
وقد وجَّهَ النَّبيُّ  مَن أدرك الدَّجَّال أن ينأى عنه، ولا يحسن الظَّنَّ بنفسه.
وقد جاءت كثيرٌ من النُّصوص النَّبويَّة التي تأمر بالابتعاد عن أماكن الإصابة بالأمراض الحسِّيَّة؛ فمن باب أَولى البعدُ عن أسباب أمراض الشُّبُهات التي إذا أصابت القلبَ أثَّرَتْ فيه فأضعفت إيمانَه أو قتلتْه والعياذُ بالله.
قال الشَّافعيُّ- رحمه الله: «كان مالكٌ إذا جاءَه بعضُ أهل الأهواء قال: أما إنِّي على بيِّنة من ديني، وأمَّا أنت فشاكٌّ، اذهب إلى شاكٍّ مثلك فخاصمه»( ).
وقال مالك- رحمه الله: «أكلَّما جاءنا رجلٌ أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل عليه السَّلام على محمَّد  لجدله؟!»( ).
وقال عمرُ بن عبد العزيز- رحمه الله: «يا أيُّها النَّاس، إنَّه ليس بعد نبيِّكم نبيٌّ، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنَّتكم سنَّةٌ، ولا بعد أمَّتكم أمَّةٌ، ألا وإنَّ الحلالَ ما أحلَّه اللهُ في كتابه على لسان نبيِّه؛ حلال إلى يوم القيامة، ألا وإنَّ الحرامَ ما حرَّمَ الله في كتابه على لسان نبيِّه حرام إلى يوم القيامة»( ).
فليس لأحد أن يغيِّرَ أو يبدِّلَ من أحكام هذه الشَّريعة، ومَنْ فَعَلَ فقد ساء مصيرُه، واتَّبَعَ غيرَ سبيل المؤمنين.
4- تعظيمُ الذين أنعم اللهُ عليهم، والسَّير وراءَهم على الصِّراط المستقيم، والقراءة في سيرهم وسير العلماء العاملين، والاطِّلاع على حرصهم الشَّديد على العلم وعلى متابعة الأئمَّة قبلَهم من الصَّحابة والتَّابعين، وشدَّة تمسُّكهم بالعمل ونهيهم عن الجدل.
فهذه القراءةُ من أعظم ما يَقود إلى محبَّتهم، ومتابعتهم، واحترامهم، وإعطائهم حقَّهم، والنُّفور من كلِّ مَن يتجرَّأ عليهم بالذَّمِّ والطَّعن والثلب.
5- الحرصُ على العمل بالعلم؛ لأنَّ مَن يعمل ويتعبَّدُ لله- تعالى- بعلمه فهو طائعٌ لله، وجدير بأن يثبِّتَه اللهُ على الحقِّ، ويقيَه شرَّ الوقوع في البدع والمحدثات، ويبارك له في علمه.
والنَّاظرُ في سير دعاة القراءة الجديدة للنَّصِّ يجدْهم من أبعد الناس عن العمل بالدِّين، وعن السَّمت والهدي الصَّالح؛ إن لم يكونوا عديمي الدِّين؛ نسألُ اللهَ العافيةَ ( ).
فمَن شابههم في التَّقصير في العمل والعبادة، فليحذر أن يصبحَ مآلُه كمآلهم.
6- إذا عصيتَ فلا تُبرِّر:
فمَن ابتلاه الله بالوقوع في معصية، فعليه أن يحذرَ أَشدَّ الحذر ممَّا هو أسوأُ عاقبةً من المعصية؛ وهو السعي لتبريرها أو البحث عمَّن يبيحها؛ لأنَّ الأصلَ في القراءة الجديدة للنَّصِّ أنَّها قراءة لتحليل الحرام، وفتح أبواب الهوى والشَّهَوات.
ونختمُ هذه الرِّسالة بقول ابن القيِّم - رحمه الله:
«سبحان الله؛ ماذا حُرِمَ المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس الهدى من مشكاتها من الكنوز والذَّخائر!! وماذا فاتهم من حياة القلوب، واستنارة البصائر؟!
قنعوا بأقوال استنبطوها بمعاول الآراء فكرًا.
وتقطَّعوا أمرَهم بينهم لأجلها زُبُرًا.
وأوحى بعضُهم إلى بعض زخرفَ القول غرورًا، فاتَّخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورًا.
درست معالمُ القرآن في قلوبهم، فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهدُه عندَهم فليسوا يعمرونها.
ووقعت أعلامُه من أيديهم، فليسوا يرفعونها.
وأَفَلَتْ كواكبُه من آفاقهم، فليسوا يبصرونها.
وكسفت شمسُه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها، فليسوا يُثبتونها.
خلعوا نصوصَ الوحي عن سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولاية اليقين.
وشنُّوا عليها غارات التَّحريف بالتَّأويلات الباطلة، فلا يزال يَخرج عليها من جيوشهم المخذولة كَمين بعد كَمين.
نزلت عليهم نزولَ الضَّيف على أقوام لئام، فعاملوها بغير ما يليق بها من الإجلال والإكرام، وتلقَّوها من بعيد؛ ولكن بالدَّفع في صدورها والأعجاز، وقالوا: ما لك عندنا من عبور، وإن كان لابدَّ فعلى سبيل المجاز.
أنزلوا النُّصوصَ منزلةَ الخليفة العاجز في هذه الأزمان، له السّكّة والخطبة، وما له حكم نافذ ولا سلطان»( ).
هذا ما تيسَّر جمعُه حول هذه البدعة، ونسأل الله الثبات على الحق حتى الممات.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



انتهى الكتاب .