المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة اسماء الله الحسني ‏(7)‏



د. محمود عبد الرازق الرضواني
08-12-2005, 09:50 PM
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فإن أسماء الله عز وجل كلها حسني وكلها عظمي وقد وصف الله أسماءه بالحسني في أربعة مواضع من القرآن كما في قوله تعالي‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ الأعراف‏:180‏ ووجه الحسن في أسماء الله أنها دالة علي أحسن وأعظم وأقدس مسمي وهو الله عز وجل فذاته في حسنها وجلالها ليس كمثلها شيء وأسماؤه في كمالها وجمالها تنزهت عن كل نقص وعيب‏,‏ وقد قال تعالي‏:(‏ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام‏)‏ الرحمن‏:78‏

وهذا يسري علي كل اسم تسمي به الله سواء غابت عنا معرفته أو علمناه فاسم الله الحي متضمن لكمال الحياة وهي صفة أزلية أبدية لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال حياة لازمة لكمال الأسماء والصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والملك والقوة والعزة وكذلك اسمه العليم متضمن لكمال العلم الذي لم يسبق بجهل ولايحاط بشيء منه إلا إذا شاء الموصوف به فهو علم واسع أحاط بكل شيء جملة وتفصيلا سواء مايتعلق بأفعال الله وأقداره أو مايتعلق بأمور الخلق وشئونه

قال تعالي‏:(‏ وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين‏)‏ الأنعام‏:60/59.‏

وحسن أسماء الله عز وجل وعظمتها تظهر للمؤمنين باعتبار مايناسبها من أحوالهم ومن أجل ذلك تعرف الله اليهم بجمله منها تكفي لاظهار معاني الكمال في عبوديتهم وتحقق الحكمة في أفعال خالقهم فاسم الله الأعظم الذي يناسب حال فقرهم المعطي الجواد المحسن الواسع الغني واسمه الأعظم الذي يناسب حال ضعفهم القادر القدير المقتدر المهيمن القوي وفي حال الذلة وقلة الحيلة يناسبهم الدعاء باسمه العزيز الجبار المتكبر الأعلي المتعالي العلي وفي حال الندم بعد اقتراف الذنب يناسبهم الدعاء باسمه اللطيف التواب الغفور الغفار الحي الستير

وفي حال السعي والكسب يدعون الرازق الرزاق المنان السميع البصير وفي حال الجهل والبحث عن أسباب العلم والفهم يناسبهم الدعاء باسمه الحسيب الرقيب العليم الحكيم الخبير وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولي ونعم النصير وهكذا كل اسم من الأسماء الحسني هو الأعظم في موضعه وبحسب حال العبد وماينفعه‏.‏

والله عز وجل أسماؤه الكلية لاتحصي ولا تعد وهو وحده الذي يعلم عددها لكنه من حكمته أنه يعطي كل مرحلة من مراحل خلقه معرفة مايناسبها من أسمائه وصفاته بحيث تظهر فيها دلائل جلاله وكماله وقد تعرف إلينا في كتابه وفي سنة رسوله بتسعة وتسعين اسما كلها حسني وكلها عظمي علي اعتبار مايناسبها من أحوال العباد وذلك لابتلائهم في الاستعانة به والصدق معه والرغبة اليه والتوكل عليه وغير ذلك من معاني توحيد العبادة لله‏,‏ وكل ذلك أيضا ليعود النفع عليهم لا عليه فهم المنتفعون بذكرهم وطاعتهم ومسارعتهم في الخيرات‏.‏

والاسم الأعظم ليس كما يصوره البعض حسب أهوائهم وأذواقهم سر مكنون وغيب مصون مقصور علي أوليائهم أو يأخذونه بالتلقي والسند عن قدماء الأولياء أو بلعام بن باعوراء وغير ذلك من القصص التي رويت في كتب السير والتاريخ وتناقلها العامة وهي باطلة لا أصل لها كالمبالغة في القصة التي ذكرت أن الملكين ببابل هاروت وماروت اللذين يقال أنهما أهبطا إلي الأرض حين عمل بنو آدم المعاصي ليقضيا بين الناس بالحق وأن الله ألقي في قلوبهما شهوة النساء ونهاهما ربهما عن شرب الخمر والزنا وسفك الدماء وأنهما كانا يعلمان الاسم الأعظم ليصعدا به إلي السماء فجاءتهما امرأة في مسألة لها فأعجبتهما وراوداها عن نفسها في البغي والفحشاء فأبت عليهما حتي يعلماها الاسم الأعظم

ثم أبت مرة أخري حتي يشربا الخمر‏,‏ فشربا الخمر وزنيا بها ثم خرجا فقتلا بريئا معصوما فدعت المرأة بالاسم الأعظم فصعدت إلي السماء ومسخت فتحولت إلي كوكب خناس هو كوكب الزهرة الذي نراه في السماء وغضب الله علي الملكين فسماهما هاروت وماروت وخيرهما بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا وهناك من بالغ وزعم أن كوكب الزهرة مازال يعلم الشياطين الاسم الأعظم وهم بدورهم يعلمونه لأوليائهم مع السحر‏,‏ فيتكلمون بكلام يجعل الواحد منهم يطير في الهواء أو يمشي علي الماء أو غير ذلك مماتناقلته الدهماء وهو باطل قال ابن كثير‏(142/1):‏

وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلي أخبار بني اسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلي الصادق المصدوق المعصوم الذي لاينطق عن الهوي وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بماورد في القرآن علي ماأراده الله تعالي والله أعلم بحقيقة الحال‏.‏

والأعجب من ذلك ماانتشر بين العامة والخاصة من إسرائيليات ومبالغات باطلة في قصة بلعام بن باعوراء التي يذكرون فيها أن الله أمر بني إسرائيل بقتال الجبارين بقيادة يوشع النبي فانطلق بلعام وهو رجل من قوم موسي عليه السلام كان يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر وأتي الجبارين فقال‏:‏ لاترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون فكان عندهم فيما شاء من الأهواء غير أنه كان لايستطيع أن يأتي النساء فكان ينكح أتانا له وكان يلهث كما يلهث الكلب وخرج لسانه من فمه حتي نزل علي صدره

فخرج يوشع النبي يقاتل الجبارين في الناس وخرج بلعام مع الجبارين علي أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل بالاسم الأعظم فكلما أراد أن يدعو علي بني إسرائيل تدور الأتان دون أن يدري فتأتي اللعنة علي الجبارين فقالوا له‏:‏ إنك تدعو علينا ياابن باعوراء فيقول لهم‏:‏ إنما أردت بني إسرائيل فأخذ ملك من ملوك الجبارين بذنب الأتان وجعلها تتحرك وأخذ بلعام يضربها ويكثر من ضربها فتكلمت الأتان وقالت‏:‏ ويلي منك يابلعام أنت تنكحني بالليل وتضربني بالنهار‏.‏

والقصد أن أسماء الله أجل من أن تكون محورا لمثل هذه القصص الواهية التي انتشرت بين المسلمين كقصص مشوقة وحكايات عن الأمم السابقة دون تثبت من النقل أو اعمال للعقل يميز بين ماثبت بالدليل وماهو من قبيل التخيل فالعلم له ثوابته التي لايصح المساس بها‏.‏ لكن العظمة في أسماء الله تكون باعتبار كل اسم علي انفراده أو باعتبار جمعه الي غيره‏,‏ فيحصل بجمع الاسم إلي الآخر كمال فوق كمال والأعلي في الكمال هو الأعظم علي هذا الاعتبار

ومن هنا ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم بعض الروايات في ذكر الاسم الأعظم روي ابن ماجة وحسنه الألباني من حديث بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين‏:(‏ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم‏)‏ وفاتحة سورة آل عمران وفي رواية أحمد وحسنه الألباني من حديث أسماء رضي الله عنها أنها قالت‏:(‏ سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في هذين الآيتين‏:(‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏)‏ و‏(‏الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏)‏ إن فيهما اسم الله الأعظم‏)‏

وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث بريدة رضي الله عنه قال‏:(‏ سمع النبي صلي الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول‏:(‏ اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي‏)‏ وعند أبي داود وابن ماجة وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا‏:(‏ اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ياذا الجلال والاكرام ياحي ياقيوم فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي‏)‏

أما بيان اعتبار العظمة في الأسماء الحسني التي ذكرها العلماء واستندوا فيها إلي الروايات السابقة فمن أبرز الأقوال وأصحها أن الاسم الأعظم هو الله عز وجل وأكثر أهل العلم علي ذلك وهذا القول صحيح من عدة أوجه‏,‏ منها أنه ورد ذكره في الأحاديث السابقة ومنها أنه يدل علي جميع الأسماء الحسني والصفات العليا بدلالة المطابقة والتضمن واللزوم فإنه دال علي إلهيته سبحانه المتضمنة لثبوت صفات الالهية له مع نفي أضدادها عنه‏,‏ وصفات الالهية هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والمثال وعن النقائص والعيوب ولهذا يضيف الله تعالي سائر الأسماء الحسني إلي هذا الاسم كقوله سبحانه‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فأدعوه بها‏)‏ الأعراف‏:180‏

كما أنه يقال الرحمن والرحيم والقدوس والسلام والعزيز والحكيم من أسماء الله‏,‏ ولايقال الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسني ودال عليها بالاجمال وهو الأصل في إسناد الأسماء الحسني إليه قال تعالي‏:(‏ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ماتدعوا فله الأسماء الحسني‏)‏ الأسراء‏:110‏ وقد ذكر الامام الرازي في شرح هذه الآية أن الله خص هذين الاسمين الله ـ الرحمن ـ بالذكر وذلك يدل علي أنهما أشرف من غيرهما ثم إن اسم أشرف من اسم الله الرحمن لأنه قدمه في الذكر من جهة ومن جهة أخري أنه أعظم في الدلالة علي الصفات من دلالة الرحمن فاسم الرحمن يدل علي كمال الرحمة بينما اسم الله يدل علي كل الصفات اللازمة لكمال الذات الإلهية كمالا مطلقا

ومما ذكره الرازي أيضا أن هذا الاسم ماأطلق علي غير الله فالعرب كانوا يسمون الأوثان آلهة إلا هذا الاسم فإنهم ماكانوا يطلقونه علي غير الله كما قال سبحانه‏:(‏ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله‏)‏ لقمان‏:25‏ كما أن هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء وهي أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليها النداء أسقط عنها الألف واللام ولهذا لايجوز أن يقال‏:‏ يا الرحمن يا الرحيم‏,‏ بل يقال‏:‏ يارحمن يارحيم أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا المعني فيصح أن يقال‏:‏ ياالله فالألف واللام للتعريف فعدم سقوطها عن هذا الاسم يدل علي أن هذه المعرفة لاتزول عنه البتة‏..‏