المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عطاء الرحمان



لحسن الخديري
08-22-2010, 05:32 PM
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات

أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله

وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم

أما بعد : ما يدريك لعل المنع عين العطاء، والعطاء عين المنع، وعسى أن تكرهوا شيئا

وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، وما شاء الله كان، والخير و

الشر ابتلاء و امتحان، ولا ينفع إلا التصديق والإيمان، وسواء اجتمعت الأسباب

و النواميس أم لم تجتمع، فإن الله إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون، لأنه خالق

الأسباب و موجبات الأمور، و متعلقات الحوادث، فهو مسبب الأسباب، فلا تحكمه

ولا تعجزه بل هي مقهورة رهن سلطانه وأمره، وكذلك الزمان والمكان وجميع الأكوان

فالكل قانت مسبح، فأمره لا يبدل ولا يكيف ولا يمثل، بل يكون كما يشاء، طوعا أو كرها، ومتى

أراد لأنه فعال لما يريد، ذلك بأنه هو الله لا إله إلا هو الصمد الفرد، وأن له مقاليد الأمور

وملكوت السماوات والأرض و ما بينهما، كما أمر النار فصارت بردا وسلاما، كذلك إن شاء

جعل البرد نار فسبحان الواحد القهار، المتصرف الجبار، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، فلا تدخلوا

في ذلك متوهمين ومتأولين فتصيروا من زمرة الخائبين الخاسرين ، وما سَلِمَ في هذا السبيل

و نجا من الموانع وقطاع الطريق ،إلا من سلم أمره للعليم القدير ، و قال الذي خلقني فهو يهدين

و ركب فلك التسليم، وسأل ربه قلبا سليم، وداوم الالتجاء، والتوكل على الحي الذي لا يموت، و قال

بسم الله مجراها و مرساها، إن لها ربا يتولاها و يرعاها و دعا ربه أن يُنزله مُنزلا مباركا على

ضفاف بحور القرآن والحكمة والعرفان، وأن يوفقه للعمل بسنة نبيه وحبيبه لأن الحق تعالى قضى

بأن لا يفتح لأحد يطرق بابه إلا من اقتفى أثر الرسول، ورتل القرآن المنزل، و رضي بحكم ربه

و حمده على اختياره و تقديره و فوض أمره لبارئه، واشتغل بالأمر، مستعينا بربه منيبا إليه، و بكر

في السير مُمتطيا بُراق الذُل، واتخذ كتاب ربه على الصراط دليلا، و سنة نبيه سراجا منيرا، و تزود

بالتقوى، ورضي بالقليل من الزاد من دار النفاد، و نهى النفس عن إتباع أهل الزيغ والهوى،و مناها

بجنات المأوى، وحذرها من سوء العاقبة و من الشوى، و من إتباع خطوات الشيطان، و لم يغتر و هو

مهاجر إلى ربه، بقلة السالكين و كثرت الغافلين و الهالكين، و بدُعاة الضلالة على جانبي الصراط

فإن هذا الدين بدأ غريبا و سينتهي غريبا، فطوبى للغرباء فهم في الآخرين كالحمام البيض القليل

بين الغربان الكثير المنتشرين، فإن العزيز العليم سلعته غالية ثمنها بذل النفوس، وعرف أن فساد

القلب و مرضه يكون من تذوق أحد الكأسين الحُلوين المُرين المُهلكين الشهوات و الشبهات

اللذين يسقيهما إبليس و يُزينهما لضيوفه المخلفين السامرين معه في خيام الهوى و الخوض و

الأماني و التسويف،الذين تعجلوا فقايضوا اللؤلؤ بالحجر، و شهوة منغصة مذلة فانية تعقبها نار حامية

بحياة طيبة مطمئنة تعقبها جنة عالية، وجعل أسوته سيد المرسلين و إمام المتقين، و كان بين

منزلتي الصبر و الشكر نازلا، و بين الخوف و الرجاء عاكفا، و في كل ثانية لربه فقيرا و عبدا ذليلا

لازما لعتبة العبودية طارقا باب ربه بالتضرع و الدعاء، و جاف قلبه دار الغرور و الفناء، وهجر

فؤاده أتباعها البوار وأسراها الغافلين سُكان القبور، و نازل جنود إبليس من الجن و الإنس

بالاستقامة على الأمر، و بارز الأحبار و الرهبان وعلماء السُوء أنصار البدع أكلت فتات القصور

بالكتاب و السنة، و لازم الفرقة الناجية، ولم يدبر ولم يتضجر، ورضي و صبر على حُلْوِ و مُر القدر

وتوكل على العزيز المنان، و فني في التقرب إلى معبوده و مولاه يسمع و يبصر و يبطش به

فهو بالله وفي الله و لله، يُحب و يُبغض في الله، و يُوالي و يُعادي فيه، و كان هواه تبعا لأمر مولاه

يدور حيث دار الشرع، لا يقدم قول أين كان على قول الله، و قول رسوله، فكان من أولياء الله

وحزب الرحمان، معاديا و متبرئا من أتباع الشيطان، موقنا بأن له ربا مطلعا عليه من فوق سبع

سماوات، عنده الجهر والسر سواء، لا يخفى عليه شيء، فعبده كأنه يراه، فهو لا يرى

لنفسه من الأمر شيئا إلا ما كان من نقص أو تقصير فهو أهله، و لنفسه دائما مُعاتب و مُخاصم

عرف عيبها وجهلها، وعرف مولاه بكماله و علوه، فلم يركن إليها و لامها ثم حاسبها حساب الشريك

الخائن، عالما أنه لم يذكر ربه حتى ذكره هو و أذن له بذلك ابتداء، و بأنه هو المُعد والمُمد

و الأول و الآخر و الظاهر و الباطن في الأمر كله، أحاط بكل شيء علما، فاستغفر ربه دُبُر كل

عبادة وتبرأ إليه من كل حول و قوة ، وعلم أن عمله لا يُنجيه، وسأل بارئه أن يحميه و يُعامله

بالفضل وليس بالعدل، و بالإحسان و ليس بالميزان، و بالحِلمِ و لا بالعلم ،فكان من المخبتين الوجلة

قلوبهم، الخائفين أن ترض عليهم أعمالهم، فأمر الله و قدره آتٍ لا محالة فالرضا لمن رضي و السُخط

لمن رد الأمر و تجبر، و أحضر في ذلك قلبا سقيما اتخذهُ الشيطان عرشا، ففكر وقاس كما قاس سلفه و

وليه إبليس فخاب و غوى، فسأل و تحير فرجع يجر ذيول الخزي و الخسران، و فارق أهل العرفان

واتبع أهل الأهواء و الطغيان، فكان مصيره النيران، فسبحان الله الذي أمره بين الكاف و النون

بالغ أمره ، قدر كل شيء تقديرا، و ما كان و ما سيكون و كل شيء عنده محصي في أم الكتاب

مُرقم مسطر، قبل خلق الخلق علم ما هم عاملون و ِلأي مصير سيصيرون، وخلق لهم أعمالهم

خيرها و أنفعها لهم ارتضاها لهم و أمرهم بها، فأثابهم عليها، و سيئها و أضرها لهم أبغضها

و حذرهم منها، فعاقبهم عليها، بعد قيام الحجة بإرسال الرسل مبشرين و منذرين، و كل نفس

ألهمها فجورها و تقواها، و الأعمال عنده بالنيات و بالخواتيم، فالسعيد من سعد بقدر الله

والشقي من شقي بقدر الله، و لا نرتاح إلا لقدر الله العليم القدير، و عدد أهل الجنة و النار

عنده سر مكتوم، لا يطلع عليه حتى المقربون، و لا يحيطون به علما و لا يشرك في حكمه أحدا

و العباد تحت سلطانه يعز من يشاء و يذل من يشاء، و يمد الكل من عطائه برهم و فاجرهم

في هذه الدار فلا تغتر و تحتار،و لا أحد يخرج عن حكمه من الورى، ما من دابة إلا و هو آخذ

بناصيتها يوجهها بأمره فالجأ إليه و توكل عليه، من وفقه لطاعته فبعلمه و منه و فضله فكان من

قبضة يمينه، و أهل نوره و رضوانه، و من أبعده فبعلمه و خذلانه و عدله، فكان من قبضة يساره

و من أهل ظلمته و عقوبته، و كلتا يدي الرحمان يمين، و الخير بيده و الشر ليس إليه، و كل

شيء كائن قد فرغ منه، جف القلم بما كان و ما سيكون، و الكل مسطر في كتاب مكنون

ولن تستطيع الخليقة و لو جهدت أن تغير حرفا فيه كحرف النون، و ما ربك بظلام للعبيد

ورحمته و سعت كل شيء في هذه الدار، خالصة يوم الدين لعباده الأخيار، الذين كانوا يدعونه في

دار الغرور و الفناء بأنه هو البرُ الرحيم، فتفضل عليهم في يوم عسير لا ينفع فيه مال و لا بنون

بمغفرة و رحمة خالدين فيها أبدا في دار السلام و البقاء، فإن فضله مبذول و عطائه لأوليائه

ليس له مثيل، و لا يخطر على قلب أحد من الورى، فسبحان من يعطي بلا حساب ما شاء

وأجر الآخرة خير و أبقى، فلينظر العاقل ما يؤثر، و ما يقدم و ما يؤخر من زاد لداره

الأخرى، التي عملتها و بضاعتها الحسنات و السيئات، ملكها العزيز الديان، و جاره فيها

سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه و سلم ، الزوجات فيها الحور العين ، خدمها الولدان

المخلدون، الملوك فيها كل بائس فقير آمن بربه و اتبع الرسول و صبر على الطريقة

حتى أتاه اليقين ، و لقي ربه و هو راض عنه، فكان سعيُه مشكورا، ومقامه جنة و حرير

أكلها و ضلها دائمين، فأصبغه ربه صبغة واحدة فيها أنسته كل ما كان، غراسها الباقيات

الصالحات، و بناؤها الذهب و الفضة، و ملاطها المسك، تجري من تحتها الأنهار

عمالها الإيمان و الأعمال الصالحة، لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا، مشرقة بنور

ربها، لهم فيها الأفراح بكرة و عشيا، و هم فيها مسرورين منغمسين في ملذاتهم لا

يخافون انقطاعا ولا فتورا، قانونها كن فيكون، أعدها الرحمان وجملها لعباده الصالحين

الموقنين الصابرين التائبين المستغفرين بالأسحار، خالفوا أهل الجور و البغي و حالفوا

أهل العدل و التقى، فكانوا من ورثت الفردوس و من جيران الرحمان ، اللهم يا ولي المساكين

احشرنا في زمرة عبادك الصالحين يا ذا الفضل و الجود إنك أنت المنان، و القادر على كل شيء

و الذي لا يعجزه شيء، و كل صعب بيدك يسير إليك المصير، سبحانك لا إله إلا أنت

الرحــــــــــــــــــــــمــــــــــان الرحيــــــــــــــــــــــم

و الصلاة و السلام على مـــــحــــمــــد خاتم المرسلين .



مدونة alhikma111

شوكة
08-22-2010, 09:41 PM
وفقك الله اخي موضوع رووعة

أبواسلام
09-25-2010, 01:53 PM
نسأل الله الثبات ,بارك الله فيك,والنصر قريب 0